المصدر: Getty
مقال

إسرائيل تغتال قياديّين في الحرس الثوري

تحليل مقتضب من باحثي كارنيغي حول الأحداث المتعلقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نشرت في ٥ أبريل ٢٠٢٤

ماذا حدث؟

شنّت إسرائيل يوم 1 نيسان/أبريل 2024 هجومًا على مقرّ القنصلية الإيرانية في دمشق، أسفر عن مقتل سبعة عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وكان من بين القتلى قياديّون مسؤولون عن العمليات في لبنان وسورية وفلسطين، مثل قائد فيلق القدس في سورية ولبنان محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي، ورئيس هيئة الأركان العامة لفيلق القدس في سورية ولبنان حسين أمان اللهي. يُشار إلى أن إسرئيل لم تصدر بيانًا رسميًا تعلن فيه تبنّيها هذه العملية.

كان زاهدي مسؤولًا له أقدميّة وخبرة كبيرة في الحرس الثوري الإيراني، حيث تولّى قيادة قواته البرية والجوية. وقد جمعه أيضًا تعاون وثيقٌ مع حزب الله في لبنان، إذ كان العضو الوحيد غير اللبناني في مجلس شورى الحزب، ومع نظام الرئيس السوري بشار الأسد وأجهزة مخابراته. نشر الحرس الثوري الإيراني صورةً تُعرض للمرة الأولى ويظهر فيها زاهدي برفقة كلٍّ من قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وقائد آخر في الحرس الثوري أحمد كاظمي، والقيادي في حزب الله عماد مغنية، وأمين عام حزب الله حسن نصر الله، ما يسلّط الضوء على المكانة الرفيعة التي حظي بها زاهدي. فهو أدّى دورًا بارزًا في تعزيز نفوذ إيران وضمان إيصال شحنات الأسلحة إلى شركائها ووكلائها الإقليميين، ووَرد اسمه على لائحة العقوبات الدولية المفروضة على طهران.  


 

أين تكمن أهمية المسألة؟

لا يمكن التقليل من شأن هذه العملية. فحروب الظلّ بين إيران وكلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة مستمرة منذ عقود، وتخلّلتها هجمات سيبرانية، واغتيال علماء نوويين إيرانيين. كذلك، قصفت إسرائيل مواقع تابعة لإيران وحزب الله في سورية، مستهدفةً شحنات أسلحة ومنشآت تخزين ومقاتلين.

لكن منذ الهجوم الذي نفّذته حركة حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، تبنّت إسرائيل استراتيجية عدوانية أكثر بكثير في سورية عبر استهداف مسؤولين من الحرس الثوري في قلب العاصمة دمشق، ووسّعت نطاق عملياتها لتشمل لبنان. فقد قُتل مئاتٌ من عناصر حزب الله خلال الأشهر الستة الماضية في لبنان وسورية على السواء. وفي 29 آذار/مارس، استهدف قصفٌ إسرائيلي مواقع في محيط مطار حلب، وأسفر عن مقتل عشراتٍ من العسكريين السوريين ومقاتلين من حزب الله، وصُنّف هذا الهجوم من بين الأعنف في سجلّ الاعتداءات الإسرائيلية.

لقد شنّت إسرائيل، عبر تدميرها مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، هجومًا مباشرًا على أرضٍ إيرانية ذات سيادة، مُنتهكةً في الوقت نفسه القانون الدولي، ومتجاوزةً خطًّا أحمر مهمًّا. نظرًا إلى خطورة هذا الهجوم، أصدرت الولايات المتحدة على الفور بيانًا نفت مشاركتها فيه، وأشارت إلى أنها لم تتلقَّ إنذارًا مسبقًا بوقوعه. لكنّ بعض المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين كانت لهم رواية مختلفة بعض الشيء، إذ ذكروا أن إسرائيل أبلغت واشنطن بالهجوم قبل لحظات من شنّه، ولكنها لم تطلب الضوء الأخضر الأميركي. أما القوى الإقليمية، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فسارعت بدورها إلى إدانة الهجوم، خشية أن يتسبّب بمفاقمة التوتّرات الإقليمية. كذلك، أثار قصف مجمّع السفارة الإيرانية في دمشق مخاوف كبيرة لدى السفارات الأجنبية في المنطقة، وشعرت بأن الهجوم يشكّل سابقة مفادُها أن البعثات الدبلوماسية لم تَعُد ملاذًا آمنًا.  


 

ما هي التداعيات على المستقبل؟

أما ما سيحدث بعد ذلك، فيتعمد على عاملَين: الأوّل هو الردّ الدولي على الهجوم، والذي يمكن أن يؤثّر على العامل الثاني، أي شكل الردّ الإيراني. من الضروري في هذه المرحلة صدور استجابة دبلوماسية قوية عن المجتمع الدولي، وبالأخصّ الولايات المتحدة. حتى الآن، يستمرّ إفلات إسرائيل من العقاب بعد إمعانها في تدمير غزة، وقتل أكثر من 32 ألف فلسطيني، وقصف المستشفيات، والمرافق التعليمية، والبنى التحتية المدنية، ومبنى الأرشيف المركزي في القطاع، إضافةً إلى قتل عشرات موظّفي الأمم المتحدة، وما يقرب من مئة صحافي، ناهيك عن سبعة عمّال إغاثة دوليين يوم الاثنين. لقد دفعت الأفعال الإسرائيلية المنطقة إلى مسار تصعيدي خطير يمكن أن يشعل نيرانها ويجرّ الولايات المتحدة إلى صراع شامل قالت إنها لا ترغب فيه. إن السياسة التي تتّبعها الإدارة الأميركية تجاه إسرائيل، وعناق الرئيس جو بايدن الحميم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ربما للسيطرة عليه بشكل أفضل، يفشلان على ما يبدو في تفادي خطر توسّع الحرب.

يُظهر الهجوم على القنصلية الإيرانية أيضًا أن الصراع الدائر في غزة ساهم في تغيير قواعد الحرب، وفي خفض عتبة ما سيقبله المجتمع الدولي. إذا أصبحت هذه الهجمات أمرًا طبيعيًا، سواء التدمير المنهجي لأراضٍ واسعة من غزة ولبنيتها التحتية المدنية والإنسانية، أم شنّ المزيد من الهجمات ضدّ المقرّات الدبلوماسية في المنطقة، فسيدقّ ذلك مسمارًا أخيرًا في نعش النظام الدولي.

سيحدّد الردّ الإيراني أيضًا مسار الأحداث المُقبلة. في السابق، تَرَكَّز ردّ طهران على الهجمات ضدّ قياديّيها العسكريين على قصف منشآت إسرائيلية خارج إسرائيل، مثل إعلانها استهداف مركز تجسّس للموساد في أربيل في كانون الثاني/يناير 2024. أتى ردّ إيران متوافقًا مع سياستها القائمة على تجنّب الحرب الإقليمية الشاملة، وتجلّت هذه المقاربة أيضًا من خلال طريقة الردّ الحذرة نسبيًا التي اتّبعها حزب الله إزاء الهجمات الإسرائيلية في لبنان.كذلك بدا حرص إيران واضحًا منذ شباط/فبراير الماضي حين حثّت وكلاءها على تجنّب استفزاز القوات الأميركية في العراق وسورية، بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين بهجوم طائرة مسيّرة قرب الحدود الإيرانية في كانون الثاني/يناير الماضي. يُذكر أن المواقع الأميركية تعرّضت إلى نحو 180 هجومًا بين تشرين الأول/أكتوبر وشباط/فبراير.

إن المنطقة اليوم أشبه ببرميل بارود على وشك الانفجار. والأسوأ آتٍ لا محالة ما لم يكبح المجتمع الدولي جماح هذا التمادي الإسرائيلي.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.