المصدر: Getty
مقال

خطأ استراتيجي وكارثة أخلاقية

يناقش ستيفن م. والت، في مقابلة معه، سلوك الولايات المتحدة تجاه غزة، وإخفاقات إسرائيل، واحتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

نشرت في ٢٩ يوليو ٢٠٢٤

ستيفن م. والت هو أستاذ الشؤون الدولية، ومدير برنامج الأمن الدولي في مركز بيلفر التابع لكلية كينيدي في جامعة هارفرد. درّس سابقًا في جامعتَي برينستون وشيكاغو، حيث حاز على رتبة الأستاذية في كلية العلوم الاجتماعية وشغل منصب نائب عميد الكلية. يعمل راهنًا كمحرّر مساهم في مجلة فورين بوليسي، حيث يكتب مقالًا أسبوعيًا يُنشر عبر الإنترنت. وهو مؤلّف كتب عدّة، من ضمنها: كتاب شارك في تأليفه مع جون ميرشايمر بعنوان The Israel Lobby and U.S. Foreign Policy (اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية)، وThe Hell of Good Intentions: America’s Foreign Policy Elite and the Decline of U.S. Primacy (جحيم النوايا الحسنة: نخبة السياسة الخارجية الأميركية وانحدار التفوق الأميركي)، و Taming American Power: The Global Response to U. S. Primacy (تحجيم القوة الأميركية: الاستجابة العالمية للتفوق الأميركي)، وغيرها. أجرت "ديوان" مقابلة معه في منتصف شهر تموز/يوليو لمناقشة تأثير الحرب الدائرة في غزة على القوة الأميركية وعلى إسرائيل، ولا سيما في ظل سياق دولي متغيّر تواجه فيه الولايات المتحدة تحدّيات من دول الجنوب العالمي.

مايكل يونغ: الحرب في غزة مستمرة منذ تسعة أشهر. كيف تقيّم أداء كلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة في هذا الصراع؟

ستيفن والت: شكّلت هذه الحرب كارثة لكلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة، على الرغم من أن سكان غزة، بمن فيهم عشرات آلاف القتلى - هم الذين تكبّدوا المعاناة الأكبر. لقد ظنّت إسرائيل أن بإمكانها إقامة "إسرائيل الكبرى"، وحرمان مواطنيها الفلسطينيين - الذين يشكّلون حوالى 50 في المئة من سكان هذه الأراضي – من حقوقهم السياسية إلى الأبد. لكنها فشلت في رصد الهجوم الذي نفّذته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أو منع حدوثه. ومنذ ذلك الحين وهي تشنّ حربًا وحشية كان هدفها المزعوم القضاء على حماس، إلّا أنها عجزت عن تحقيق ذلك. وترافق هذا الأمر مع حملة إبادة جماعية بحقّ المدنيين، ألحقت أضرارًا جسيمة بمزاعم إسرائيل بامتلاك الشرعية الأخلاقية، وفاقمت الانقسامات المتنامية داخل إسرائيل نفسها.

أما طريقة تعامل إدارة بايدن مع الحرب فكانت مروّعة. فقد دعمت إسرائيل من خلال تزويدها بكميات إضافية من الأسلحة قيمة بمليارات الدولارات، ووفّرت لها الحماية الدبلوماسية بصورة مستمرة، حتى في ظل شنّ إسرائيل هجمات عشوائية ضدّ المدنيين الضعفاء، وحرمانهم من الحصول على المساعدات الإنسانية، وارتكابها جرائم حرب أخرى. لم توجّه الولايات المتحدة سوى أخفّ الانتقادات لأفعال إسرائيل وفشلت في استخدام أوراق الضغط التي في حوزتها لإنهاء المذابح. وتبيّن أن مزاعم الإدارة الأميركية بدعم "نظام قائم على القواعد" كانت جوفاء، ولم تسهم سوى في تزويد النقّاد والخصوم حول العالم بأسباب وفيرة لتوجيه المزيد من الانتقادات إليها. هل هذه السياسة المتّبعة تُكسب الأميركيين قدرًا أكبر من القوة أو الأمن أو الشعبية؟ كلا. أحيانًا، تقتضي الضرورات الاستراتيجية من الدول اتّباع سياسات مشبوهة أخلاقيًا، لكن في هذه الحالة تُعدّ السياسة الأميركية خطأ استراتيجيًا فادحًا وكارثة أخلاقية.

يونغ: ألّفت كتابًا مثيرًا للاهتمام قبل بضع سنوات، حمل عنوان The Hell of Good Intentions: America’s Foreign Policy Elite and the Decline of U.S. Primacy (جحيم النوايا الحسنة: نخبة السياسة الخارجية الأميركية وانحدار التفوق الأميركي)، جادلت فيه بأن الولايات المتحدة منخرطة بما أسميته "الهيمنة الليبرالية". وعنيتَ بذلك أنها سعت إلى نشر الديمقراطية، ومفهوم السوق الحرة، والقيم الليبرالية الأخرى في جميع أنحاء العالم. لكن الدعم العسكري الأميركي للحملة الإسرائيلية على غزة، والتي وصفها البعض بالإبادة الجماعية، نمّ عن سلوكٍ غير ليبرالي بشكل صارخ. هل تعتقد أن الحرب على غزة قادرة على تقويض مفهوم "الهيمنة الليبرالية"، على الأقلّ لجهة طريقة النظر إليه من خارج الولايات المتحدة؟

والت: كان الدعم لنهج "الهيمنة الليبرالية" يتضاءل قبل اندلاع حرب غزة بفترة طويلة، على الرغم من أن إدارة بايدن لا تزال تتبنّى بعضًا من عناصره المهمة. يُضاف إلى ذلك أن الديمقراطية تشهد انحدارًا في العالم أجمع منذ خمسة عشر عامًا، ناهيك عن عدم وجود حماسة كافية اليوم لتغيير الأنظمة بقيادة الولايات المتحدة أو بذل جهود تستند إلى القوة المفرطة لنشر الديمقراطية. وقد تراجع دونالد ترامب وجو بايدن على السواء عن الالتزام الأميركي السابق بهدف "العولمة المفرطة" غير المقيّدة، ووضعا قيودًا مهمة على التجارة الحرة. لكن بايدن ما زال يميّز بشكل قاطع بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة السلطوية، وقد أدان هو ووزير الخارجية أنتوني بلينكن روسيا وإيران وبعض الدول الأخرى لانتهاكها المعايير الدولية. لكن حرب غزة تكشف عن النفاق الكبير في هذه المسائل، ما يساعد على شرح سبب عدم حصول الولايات المتحدة على دعم ملحوظ في حرب أوكرانيا من دول عدّة في الجنوب العالمي.

يونغ: تدلّ المؤشرات كافة اليوم على أن دونالد ترامب قد يُنتخب من جديد رئيسًا للولايات المتحدة. لقد تطرّقت في كتابك، "جحيم النوايا الحسنة"، إلى مسألة ما إذا استطاع ترامب خلال فترة ولايته الأولى تحدّي التوافق حول "الهيمنة الليبرالية"، وتوصلّتَ إلى استنتاجٍ بأن النظام استطاع في نهاية المطاف احتواءه. كيف قد يتصرّف ترامب برأيك في حال انتخابه مرة ثانية، ولا سيما حيال الشرق الأوسط؟ 

والت: كانت مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية قادرة خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى على احتواء الكثير من مبادراته لأنه لم يكن مخضرمًا وواسع المعرفة، ولم يكن لديه فريق من الأشخاص الذين يتشابهون معه في الأفكار لتعيينهم في مناصب أساسية. نتيجةً لذلك، تعيّن عليه الاعتماد على شخصيات مألوفة، مثل جون بولتون ومايك بومبيو وإتش. آر. ماكماستر، الذين يتبنّون جميعهًا آراء متشدّدة لكن شائعة على نطاق واسع في السياسة الخارجية الأميركية. كان ترامب أيضًا كسولًا ومتقلّبًا للغاية بحيث لم يبذل الجهود اللازمة لإحداث تغيير طويل الأمد في الاستراتيجية الأميركية، إلّا ربما في ما يتعلّق بسياسة التجارة الأميركية.

لكن إن انتُخب مجدّدًا، ستواجه المؤسسة صعوبة أكبر في السيطرة عليه. فسيكون واثقًا أكثر بقراراته، إذ كان أمام حركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (Make America Great Again) أربع سنوات لوضع لائحة طويلة من الأشخاص الذين يشاركون ترامب وجهات النظر نفسها لتعيينهم في المناصب العليا. وقد تستمر مؤسسات الخدمة العامة الدائمة في الوقوف في وجه مساعيه، لكن المجموعات الجمهورية المتنفّذة تبذل قصارى جهدها لتخطّي هذه العقبات.

مع ذلك، لا أعتقد أن هذا الأمر سيؤثر كثيرًا على المقاربة التي ينتهجها ترامب تجاه الشرق الأوسط. فهو قدّم لإسرائيل كل ما أرادته خلال فترة ولايته الأولى، ناهيك عن أن المرشح لمنصب نائب الرئيس جاي. دي. فانس يعتقد أن على الولايات المتحدة توفير المزيد من الدعم حتى لمساعدة إسرائيل على تدمير غزة، وأن ترامب يريد كسب ودّ حكّام مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهذا ما كان بايدن يقوم به أيضًا. يُشار إلى أن ترامب لن يتقرّب من إيران أو يحرّك ساكنًا للتشجيع على تحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين. فهو ببساطة لا يكترث لهذه القضايا، بل يهتم حصرًا بإبرام صفقات مع حكومات صديقة ظاهريًا. والنبأ السار – بقدر ما يمكن اعتباره كذلك - هو أن ترامب لن يكون متحمّسًا للتدخّل عسكريًا في الشرق الأوسط، حتى لو أن أفعاله الأخرى قد تزيد احتمال نشوب صراع إقليمي.

يونغ: في العام 2007، ألّفتَ مع زميلك جون ميرشايمر، كتابًا كثُرت النقاشات حوله، عن اللّوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. عند النظر إلى سلوك مؤيّدي إسرائيل منذ اندلاع حرب غزة، كيف لك أن تصف فعاليتهم اليوم، وهل ترى اختلافًا عن الوضع الذي وصفته في العام 2007؟

والت: تغيّرت الكثير من الأمور منذ أن نشرنا كتابنا في العام 2007. آنذاك، كان الموضوع لا يزال من المحرّمات. لم يكن بإمكانك الحديث أو الكتابة عن النفوذ السياسي للّوبي الإسرائيلي من دون تلّقي وابلٍ من الاتهامات الكاذبة والشتائم. أما اليوم فبات الناس يتحدثون عن هذا اللّوبي بصراحة، وأصبح تأثيره معروفًا على نطاق واسع. في الواقع، لم يعد ثمة تشكيكٌ واسع بحجّتنا الأساسية اليوم. كانت إسرائيل تحظى بدعم من الحزبَين يكاد يصل إلى حدّ الإجماع؛ لكنّ أصواتًا بارزة في الحزب الديمقراطي تقرّ اليوم بأن الدعم غير المشروط لإسرائيل يضرّ بالولايات المتحدة وبإسرائيل على السواء، ناهيك عن أنه كارثي للفلسطينيين. حتى السيناتور تشاك شومر، المؤيّد لإسرائيل إلى أبعد حدّ، وجّه انتقادات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من داخل مجلس الشيوخ الأميركي. علاوةً على ذلك، ونظرًا إلى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومصادر الأخبار البديلة، باتت مهمة التحكّم بالخطاب العام وقمع وجهات النظر المُنتقدة لإسرائيل أصعب بكثير على اللوبي ومؤيّديه. فبإمكاننا جميعًا أن نرى ما يحصل في غزة أو في الضفة الغربية، وأصبح من المستحيل تفادي انتشار مقاطع الفيديو والتقارير هذه.

في نهاية المطاف، ثمة تغيّر كبير يطرأ على مواقف الشباب الذين ينتقدون إسرائيل والصهيونية عمومًا أكثر بكثير من الأميركيين الأكبر سنًّا. وينطبق هذا أيضًا حتى على الكثير من اليهود الأميركيين الأصغر سنًّا، الذين لا يعتبرون إسرائيل نموذجًا أو مصدر إلهام كما كان يراها أهلهم. حتى إن بعضهم ينظر إلى سلوك إسرائيل على أنه خيانة للقيم اليهودية. الجدير بالذكر أن جنوح إسرائيل المطّرد نحو يمين الطيف السياسي والنفوذ المتنامي للمواطنين المتشدّدين فيها يفاقمان هذا المنحى، ناهيك عن أن الحملة الإسرائيلية على غزة تزيد من فداحة المشكلة. إذًا، تغيّرت أمورٌ كثيرة منذ العام 2007.

المؤسف أن هذه التغييرات لم تُحدث تحوّلًا كبيرًا في السياسة الأميركية، وهذا ما تجلّى من خلال تعامل إدارة بايدن مع الحرب على غزة. لقد فقد اللّوبي الإسرائيلي السلطة الأخلاقية، وها هو يخسر الآن المعركة الخطابية، لكن ما زال يؤثّر بشكل كبير على السياسيين وصنّاع السياسات، ويُعزى ذلك بصورة أساسية إلى قدرته على تخصيص مبالغ مالية ضخمة لدعم مرشّحيه المفضّلين في الانتخابات الأميركية. لنأخذ مثالًا على ذلك لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية وغيرها التي أنفقت مبالغ قياسية، ناهزت 14 مليون دولار أميركي، لضمان خسارة النائب جمال بومان في الانتخابات التمهيدية الأخيرة، لمجرّد انتقاده ارتكابات إسرائيل في غزة. وعلى نحو مماثل، مارست الجهات المانحة المؤيّدة لإسرائيل ضغوطًا شديدة على الجامعات الأميركية خلال العام الفائت، مُحاوِلةً إسكات أو تهميش الطلاب والأساتذة الذين ينتقدون إسرائيل، من خلال توجيه اتهامات كاذبة إليهم بمعاداة السامية. خلاصة القول إن تغييرات كثيرة حصلت منذ أن ألّفنا كتابنا، لكن تأثير اللّوبي الإسرائيلي لا يزال كبيرًا على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولا سيما القضية الفلسطينية.

يونغ: من اللافت بالنسبة لي التباين الشاسع بين المواقف النخب في الولايات المتحدة والغرب بشكلٍ أوسع، وبين من هم خارج الغرب، حيال ما يجري في غزة. فبينما مالت النخب الغربية عمومًا إلى دعم إسرائيل، يُبدي كثرٌ في سائر أنحاء العالم استنكاره تجاه ما يحدث. هل توافق على هذه الملاحظة، وفي هذه الحالة، هل يُنبئ ذلك بما سيؤول إليه في المستقبل نموذج الهيمنة الليبرالية في العالم، الذي تدافع عنه الولايات المتحدة بشكل أساسي؟

والت: لا شكّ من أن الفجوة كبيرة بين النخب الأميركية والغربية من جهة، والجنوب العالمي من جهة أخرى، حيال هذه المسألة. ويُعزى ذلك إلى أسباب عدّة. فقد حدث تعاطفٌ عارمٌ ومفهومٌ تمامًا مع اليهود في أعقاب المحرقة النازية لليهود (الهولوكوست)، وبالتالي أبدى الغرب دعمًا كبيرًا لإسرائيل منذ تأسيسها وحتى اليوم. في غضون ذلك، لم يُبدِ كثرٌ في الغرب تعاطفًا يُذكر مع الفلسطينيين الذين هُجِّروا من بيوتهم، ولم يعرفوا حتى قدرًا كبيرًا عمّا حلّ بهم. فبعد أحداث العام 1948، بذلت المجموعات الموالية للصهاينة في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا قصارى جهدها لتشجيع الدعم الغربي لإسرائيل وجعل انتقاد أفعالها أمرًا خطرًا سياسيًا.

أما بالنسبة إلى سائر أنحاء العالم، فكان تأسيس إسرائيل قصة قديمة ومألوفة، أي: أتت مجموعة من الناس إلى هذه البلاد من الغرب وهجّرت وحكمت السكان المحليين (أو قامت بالأمرَين معًا) الذين كانوا يعيشون على هذه الأرض منذ قرون ويرغبون في حكم أنفسهم. تم تأسيس إسرائيل في مرحلة كانت خلالها الحركة المناهضة للاستعمار تكتسب زخمًا، وكان إنشاء إسرائيل يتناقض تمامًا مع هذه الحركة. ثم احتلّت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان في حزيران/يونيو 1967، ما أفضى إلى تهجير المزيد من الفلسطينيين، ثم بدأت ببناء المستوطنات في هذه المناطق، ما شكّل انتهاكًا مباشرًا للقانون الدولي.

مع الوقت، أرست إسرائيل نظامًا قائمًا على الأبرتهايد (أي الفصل العنصري) لإحكام قبضتها على الفلسطينيين الذين بقوا هناك. من أجل الحفاظ على هذا النظام، ارتكبت إسرائيل مرارًا وتكرارًا أعمال عنف، واحتجزت آلاف الأسرى في سجونها، ونفّذت أفعالًا شائنة أخرى. لا عجب إذًا أن الدول التي نالت استقلالها بعد التخلّص من الحكم الاستعماري تستنكر إلى حدٍّ كبير ممارسات إسرائيل.

تُعدّ هذه الفجوة القائمة بين المواقف والسياسات الغربية ومواقف سائر أنحاء العالم أحد أسباب الفشل الذي مُنيت به "الهيمنة الليبرالية"، لكن برأيي هذا ليس السبب الأهم. لقد افترضت الهيمنة الليبرالية أن الولايات المتحدة توصّلت إلى المعادلة السحرية لكيفية حكم دولة ما، وأن التاريخ يسير باتّجاه يتوافق مع الرأسمالية الليبرالية الديمقراطية، وأن العالم بأسره سيتبنّى في نهاية المطاف هذه المبادئ وسينعم بالسلام والوئام. وافترضت أيضًا أن نشر المُثُل الليبرالية سيكون مهمّةً سهلة نسبيًا، وأن الدول الأخرى سترحّب بممارسة أميركا الهيمنة الخيّرة. كما رأينا، كانت وجهة النظر هذه خاطئة تمامًا، لا بل ارتدّت علينا بنتائج عكسية.

يونغ: على صعيد شخصي أكثر، كتبتَ أن التفكير الكامن وراء السياسة الخارجية الأميركية يتّصف بالامتثال. كيف يمكن لشخص مثلك، تجنّب الامتثال في الكثير من الأحيان، أن يتبنّى المواقف التي اتّخذتها؟ وهل من أثمان تكبّدتها نتيجةً لذلك؟

والت: هذا سؤالٌ صعبٌ نوعًا ما. فمن جهة، أنا أستاذ حائز على رتبة أكاديمية مرموقة في جامعة هارفرد، وأكتب مقالًا في مجلة فورين بوليسي بصورة منتظمة، كما أنني عضو في مجلس العلاقات الخارجية، ويسرّني اعتبار أنني أمتلك سمعة جيّدة كباحث. لقد كنتُ محظوظًا للغاية، على الرغم من أن وجهات نظري لا تنتمي إلى التيار السائد.

في المقابل، لا شكّ من أنني دفعتُ ثمن بعض وجهات النظر التي تبنّيتها. فحين شاركتُ في تأليف الكتاب عن اللّوبي الإسرائيلي، لم يعد باستطاعتي تولّي أي منصب في الحكومة الأميركية، على الرغم من أنني كنتُ أرغب في خدمة بلادي بصفة ما في إحدى مراحل حياتي المهنية. كذلك، لم يعد بإمكاني أن أشغل منصبًا قياديًا مهمًا في معظم الجامعات، مع الإشارة إلى أن اسمي لم يُطرح أبدًا لتبوّؤ منصب قيادي مهم في جامعة هارفرد بعد استقالتي من منصبي كعميد لكلية كينيدي في العام 2006، أي قبل عام من نشر كتابنا. أعلم أيضًا أنني استُثنيت من مناصب زمالة ومن المشاركة في ندوات في بعض المناسبات، ولا أستطيع أن أعرف إن كانت لتُتاح أمامي فرصٌ أخرى لو أن آرائي كانت أكثر تناغمًا مع وجهات النظر التقليدية السائدة.

مع ذلك، لستُ نادمًا على أيٍّ من خياراتي. كان هدفي ببساطة أن أكتب ما رأيته صحيحًا، وأن أقدّم تحليلات وتعليقات من شأنها تحسين السياسة الخارجية الأميركية والمساعدة على بناء عالم ينعم بقدرٍ أكبر من السلام. أتمنى لو استطعت فعل المزيد في سبيل تحقيق هذا الهدف، لكن يسرّني الاعتقاد بأن مساهماتي كان لها تأثيرٌ إيجابي.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.