المصدر: Getty
مقال

جاليات المهاجرين في فرنسا تتحدّى الصور النمطية

لكن الانتخابات الأوروبية والبرلمانية الأخيرة ساهمت في تأجيج الصراع حول الانتماء.

نشرت في ٥ أغسطس ٢٠٢٤

دعا الرئيس إيمانويل ماكرون مؤخرًا إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة عقب هزيمة التكتّل النيابي لحزب النهضة الذي يتزعّمه في انتخابات البرلمان الأوروبي قبل أسابيع، الأمر الذي ولّد موجة من التكهّنات حول مصير الديمقراطية في فرنسا، واستراتيجية ماكرون، وتداعيات التحالفات المتبدّلة من يسار الطيف السياسي ويمينه على الجمعية الوطنية. كذلك أثارت هذه الخطوة تساؤلات حول دور الهجرة، ولا سيما هجرة المسلمين، في التأثير على قرارات الناخبين.

وكما كان متوقّعًا، حقّق حزب التجمّع الوطني اليميني المتطرّف بزعامة مارين لوبان نسبةً غير مسبوقة في الانتخابات الأوروبية بلغت 31 في المئة. وعلى الرغم من تراجع الحزب لاحقًا في الانتخابات البرلمانية الفرنسية، أصبح يترأّس ثالث أكبر تكتّل في البرلمان الأوروبي، تحت اسم "وطنيون من أجل أوروبا"، الذي شكّله رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. طوال هذه الأحداث، وتحضيرًا للانتخابات الرئاسية المُرتقَبة في العام 2027، استغلّ الحزب باستمرار مسألة الهجرة ليشقّ طريقه في الحياة السياسية. وقد أحدثت جهوده "لوقف تدفّق المهاجرين" ارتدادات في المجتمع الفرنسي وخارجه، ما أثّر على المهاجرين، وهم في معظمهم من البلدان المسلمة والأفريقية، وعلى المتحدّرين منهم.

الواقع أن تطبيع الخطاب المناهض للمهاجرين في فرنسا ليس بالأمر الجديد، وبالتأكيد لم يبدأ مع الانتخابات الأوروبية الأخيرة. واقع الحال أن الخطاب الإقصائي تطوّر في أشكال وسياقات مختلفة، إذ تجلّى خلال ثمانينيات القرن الماضي في النقاش الذي تمحور حول منح الجنسية الفرنسية للمهاجرين الذين استقرّوا في فرنسا في فترة ما بعد الاستعمار، ولأولادهم المولودين في البلاد. وفي تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ركّز هذا الخطاب على المشاكل الاجتماعية في الضواحي، وارتباط هذه المشاكل بالإسلام، ثم أصبح منذ العام 2015 وصاعدًا يتناول طالبي اللجوء واللاجئين الوافدين إلى أوروبا.

واحتلّت مسألة الهجرة بؤرة الاهتمام في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في العام 2012، خصوصًا بعد أن هدفت "مذكّرة غيان"، الصادرة في أيار/مايو 2011، إلى تقييد حقّ الطلاب المتحدّرين من خارج الاتحاد الأوروبي في العمل والبقاء في فرنسا بعد إنهاء دراستهم، ما أدّى إلى خفض عددهم من 200 ألف إلى 180 ألف طالب في السنة. وعلى الرغم من إلغاء المذكّرة والقوانين المشابهة لها في أيار/مايو 2012 في عهد الرئيس فرانسوا أولاند آنذاك، استمرّ الخطاب المعادي للهجرة في احتلال مكانة بارزة في الخطاب العام الفرنسي ووسائل الإعلام.

أشارت دراسة أجرتها شركة إبسوس في أيار/مايو من العام الحالي، قُبيل انتخابات البرلمان الأوروبي، إلى أن الهجرة كانت ثاني العوامل الرئيسة المؤثّرة في قرارات الناخبين. وقد طرح الاستطلاع السؤال التالي: "من بين الخيارات الخمسة عشر أدناه، ما المسائل الثلاث التي ستأخذها في الاعتبار أكثر من غيرها عند التصويت في الانتخابات الأوروبية؟" اختار 33 في المئة من المُستطلَعين مسألة الهجرة بعد القدرة الشرائية، التي اختارها 45 في المئة من المُستطلَعين، فيما شكّلت الهجرة الشاغل الأساسي للناخبين الذين صوّتوا لليمين المتطرّف، إضافةً إلى ناخبي حزب الجمهوريين المحافظ ذي التوجّه الديغولي. والواقع أن نجاح اليمين المتطرّف في استغلال مسألة الهجرة يعود إلى قدرته على دمج المخاوف بشأن الهجرة مع مشاكل أخرى، بما فيها غياب الفرص الاقتصادية، والافتقار إلى الخدمات العامة، والهواجس الأمنية، وما إلى ذلك.

تضمّ فرنسا نحو 7 ملايين مهاجر، أو ما نسبته 10.3 في المئة من إجمالي السكان. وفي العام 2021، بلغت نسبة سكان فرنسا المهاجرين من أفريقيا 48 في المئة، ونسبة المهاجرين الأفارقة من المغرب العربي أو شمال أفريقيا 62 في المئة، وهو منحى ظلّ ثابتًا منذ ثمانينيات القرن الماضي. أما في ما يتعلّق بالمتحدّرين من المهاجرين، فمن دون بياناتٍ محدّدةٍ حول الإثنية، والطبقة الاجتماعية، والموقع الجغرافي، والجنس، يصعب تقييم أنماط التصويت الخاصة بهم، نظرًا إلى أن جاليات المهاجرين في فرنسا ضخمة وغير متجانسة. لكن المناخ السياسي والاجتماعي العام الذي ساد في الأشهر الأخيرة بعد عقدٍ من الخطاب الانقسامي يدلّ على وجود صراعٍ محمومٍ حول الانتماء.

كشفت دراسة صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي في العام 2023 بعنوان "المشاعر تجاه المهاجرين والانتماء" عن أن 44 في المئة من المهاجرين يعتبرون أن ظروفهم في فرنسا أفضل ممّا كانت عليه في وطنهم الأم، فيما عبّرت نسبة وازنة بلغت 29 في المئة، عن شعور معاكس. وبحسب التقرير، يحقّق الأشخاص المتحدّرون من المهاجرين أداءً جيّدًا مقارنةً مع المتوسط الوطني على مستويات عدّة، مثل التعليم، والوضع الاجتماعي، والتقدّم المهني. وحول مسألة الانتماء، سُئل المُستطلَعون إن كانوا "يشعرون بأنهم في وطنهم" في فرنسا، وأجابت الغالبية أيضًا بأنها تشعر كذلك، إذ ردّ بالإيجاب 76 في المئة من المتحدّرين من المهاجرين، و63 في المئة من المهاجرين. وعند سؤال الأشخاص المتحدّرين من المهاجرين إن كان الآخرون "ينظرون إليهم كفرنسيين"، أجاب 20 في المئة منهم بالنفي، على الرغم من أنهم ولدوا في فرنسا ويحملون الجنسية الفرنسية. الجدير بالذكر أن هذه النسبة تتحدّر بمعظمها من أفريقيا أو شمال أفريقيا.

وعلى الرغم من أن هذه النتائج تتحدّى الصورَ النمطية السلبية عن المهاجرين بأنهم غير قادرين على الاندماج، والتي يسوقها في الكثير من الأحيان سياسيو اليميني المتطرّف وأنصارهم، فالمهاجرون لا يزالون يتعرّضون إلى التمييز العنصري والأعمال العدائية على الرغم من ارتقائهم في المكانة الاجتماعية. لكن النجاح الاقتصادي لا يترافق دائمًا مع الاندماج الاجتماعي. فقد كشفت دراسة مقارنة أخرى صادرة عن المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية والمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية بعنوان "مسارات وأصول" في العام 2016 عن استنتاجات مماثلة أيضًا.

إذًا، لا تُعزى المخاوف بشأن خطاب اليمين المتطرّف وتداعياته المحتملة في الفترة التي تفصلنا عن انتخابات العام 2027 إلى موقفه تجاه الهجرة فحسب، بل أيضًا إلى ممارسات مثل التمييز في أماكن العمل بحقّ أشخاص يحملون أسماء توحي بأنها من بلدان المغرب العربي، ما يزيد احتمالات تعرّضهم إلى البطالة لفترات مطوَّلة وإلى المشقّات الاقتصادية. وفي العام 2021، أشار معهد السياسات العامة الفرنسي إلى أن حظوظ توظيف أشخاص من أصول مغاربية، أو يُعتقد أنهم كذلك، هي أقل بنسبة 31.5 في المئة من غيرهم.

قد يقوّض التنميط العنصري والإثني خارج أماكن العمل أيضًا الشعور بالانتماء. فهذه مشكلة راسخة منذ فترة طويلة في فرنسا، إذ تُعدّ احتمالات توقيف الشرطة لشبابٍ سود أو عرب أعلى بعشرين مرة من غيرهم. وفي العام 2024، سعت خمس منظمات فرنسية ودولية إلى معالجة مشكلة التنميط العنصري، وقدّمت شكوى إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري.

لا شكّ من أن الانتخابات الفرنسية الأخيرة تعبّر عن انقسام المشهد السياسي المحلّي. ونظرًا إلى فوز جناح اليمين المتطرّف في الانتخابات الأوروبية، من غير المفاجئ أن تكون الهجرة من بين الشواغل الأساسية على الساحة الوطنية. لكن يجدر التنبّه إلى ارتباطها بقضايا أخرى، مثل الشعور بالانتماء إلى فرنسا، والعدالة، وواقع التمييز القائم. وعلى الرغم من النجاح في تحسين بعض الأوضاع، ثمة تحديات ما زالت تهدّد الوحدة الوطنية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.