لين زوفيكيان ناشطة في العمل الخيري والدبلوماسية الإنسانية، ورائدة أعمال، وكاتبة، ومغنّية أوبرا. وهي أيصًا مؤسِّسة مكتب زوفيكيان العام لدعم المجتمعات المحلية التي تواجه أزمات وجرائم إبادة جماعية عبر إعلاء أصواتها في مجالات الأبحاث، والتنمية الثقافية، والدبلوماسية الدولية، والمناصرة. في العام 2022، منح قادة الأحزاب في الحكومة الأميركية لين جائزة الحرية الدينية الدولية لروّاد الأعمال. ومنذ العام 2015، كرّست جهودها لخدمة المجتمع الأيزيدي والناجين، وشاركت في تصميم وتمويل مشاريع تهدف إلى تأمين حاجات محدّدة وتعزيز المساعي الرامية إلى مناصرة الأيزيديين. أجرت "ديوان" مقابلة مع زوفيكيان في مطلع آب/أغسطس، قرابة الذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية بحقّ الأيزيديين.
أرميناك توكماجيان: يصادف يوم 3 آب/أغسطس الذكرى السنوية للإبادة الجماعية بحق الأيزيديين، التي بدأت في العام 2014. يصعب وصف المعاناة الجسيمة التي تعرّض لها المجتمع الأيزيدي، لكن هل يمكنك شرح هذه المأساة في إطارها الأوسع، وتقديم بعض الأرقام ذات الصلة؟
لين زوفيكيان: تتجلّى فداحة الإبادة الجماعية التي تعرّض لها الأيزيديون ليس في أرقامها فحسب، بل أيضًا في أبعادها المتعدّدة. فجرائم الإبادة بحقّ المجتمع الأيزيدي كثيرةٌ وجسيمة. ووفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال الخمسة المُرتكَبة بقصد التدمير الكلّي أو الجزئي لجماعة قومية أو عرقية أو إثنية أو دينية، سواء من خلال قتل أعضاء من الجماعة، أو إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بهم، أو إخضاع الجماعة، عمدًا، إلى ظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كلّيًا أو جزئيًا، أو فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، أو نقل أطفالٍ من الجماعة، عنوةً، إلى جماعة أخرى. في حالة الأيزيديين، تمّ توثيق الأفعال الخمسة الآنفة الذكر، وتقديمها على أنها أدلّة على ارتكاب إبادة جماعية بحقّهم. وما زالت مساعي التوثيق هذه مستمرّة حتى يومنا هذا.
من حيث الأرقام، قُدِّر عدد الأيزيديين قبل الإبادة الجماعية بنحو 550 ألف نسمة، عاش معظمهم في قضاء سنجار في العراق. وقَدَّر المجتمع والمنظمات غير الحكومية المحلية إجمالي عدد الضحايا بأكثر من 5 آلاف شخص. ولا يزال 200 ألف أيزيدي على الأقل يعيشون في مخيّمات النازحين داخليًا، ناهيك عن أن حوالى 25 في المئة من العدد الإجمالي التاريخي للأيزيديين، أي 120 ألف أيزيدي، هاجروا بصورة دائمة إلى دول مثل أستراليا، والولايات المتحدة، وكندا، وبلدان الاتحاد الأوروبي. والجدير بالذكر أن 1268 أيزيديًا قُتلوا في تاريخ 3 آب/أغسطس 2014، أي اليوم الأول من هجوم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على سنجار. لكن ما من إحصاء نهائي لعدد القتلى الذين سقطوا خلال وقوع سنجار في قبضة التنظيم، إذ لا نزال نعثر على مقابر جماعية لم يتمّ فتح ونبش عددٍ كبير منها لغاية الآن.
ألحق تنظيم الدولة الإسلامية أضرارًا جسدية بالغة بـ3548 من النساء والفتيات الأيزيديات، تعرّضن للاختطاف والاستعباد الجنسي العنيف جدًّا، وفُرض عليهنّ العمل بالسخرة في ظروف قاسية. وما زالت 2600 امرأة وطفل أسرى لدى مسلّحي التنظيم وزوجاتهم، حيث يتعرّضون للعنف الجنسي والتعذيب. وتحكّم المسلّحون والخاطفون في تنظيم الدولة الإسلامية أيضًا بالولادات. علاوةً على ذلك، تم اختطاف 2869 رجلًا أيزيديًا، من بينهم 2500 فتى وفق التقديرات، ونُقلوا عنوةً بعيدًا عن مجتمعهم إلى مخيّمات إيديولوجية تابعة للتنظيم. يُشار إلى أن عددًا كبيرًا من الأيزيديين الذين تم إنقاذهم وإعادتهم إلى عائلاتهم لم يكونوا على دراية بهويتهم الأيزيدية. كذلك، دمّر التنظيم 68 موقعًا دينيًا.
تجدر الإشارة إلى أن الظروف التي تُلحق أضرارًا جزئية أو كلّية بالأيزيديين لا تزال قائمة. ففي ظلّ غياب جهود التشجيع على إعادة دمج الأيزيديين في المجتمع والتعايش بين مختلف مكوّناته، وقع الكثير منهم ضحايا جرائم الكراهية وأعمال العنف على نحو متزايد. وبات المجتمع الأيزيدي مشلولًا نظرًا إلى نزوح عائلاته وتشتّتها في دول مختلفة. ونظرًا إلى غياب أي خطة أو ميزانية لإعادة إعمار سنجار، لم تُبذَل محاولاتٌ تُذكر لإعادة بناء البنى التحتية الدينية والمجتمعية للأيزيديين من أجل إعادة إحياء روح الجماعة، وإرساء الأمن الاجتماعي، وتعزيز القدرة على الصمود والتكيُّف.
توكماجيان: قليلةٌ هي الدول التي تعترف بأن الممارسات التي ارتُكبت بحقّ الأيزيديين تُصنّف كإبادة جماعية، من بينها العراق، وهو الدولة الوحيدة ذات الغالبية العربية على هذه القائمة. ما السبب؟ وكيف ساعد هذا الاعتراف – من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والعراق، وغيرها – في خدمة قضية الأيزيديين؟
زوفيكيان: حتى الآن، اعترفت ثلاث عشرة دولة وبرلمانًا بالإبادة التي تعرّض لها المجتمع الأيزيدي، آخرها المملكة المتحدة في العام 2023. وصنّف مجلس الأمن الدولي بدوره الجرائم ضدّ الأيزيديين بأنها إبادة جماعية، استنادًا إلى الأدلة القاطعة التي قدّمها فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب تنظيم داعش (يونيتاد)، الذي أُنشئ لتوثيق هذه الجرائم. واعترف مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي أيضًا بتعرّض الأيزيديين إلى إبادة جماعية وجرائم أخرى مُنافية للإنسانية.
واعترف العراق بهذه الإبادة في العام 2021 من خلال إقرار البرلمان قانون الناجيات الأيزيديات. مع ذلك، لا يزال نطاق تطبيق القانون محدودًا ويتطلّب المزيد من الإرادة السياسية ليشعر الأيزيديون والمجتمعات المحلية الأخرى التي عانت من جرائم تنظيم الدولة الإسلامية بأن هذا المسار حقّق نتائج ملموسة وهو بالتالي جديرٌ بثقتهم.
يفرض الاعتراف بالإبادة على دول العالم وحكوماته الالتزامَ بمسؤولية أخلاقية مهمّة تجاه قضية كانت لتبدو بعيدة عن شواغل هذه الدول. ويفسح المجال أيضًا أمام محاكمة أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية، وتخصيص التمويل اللازم وتقديم المساعدات، ومنح الأيزيديين الذين يشعرون بأنهم غير قادرين على البقاء في العراق إقامة دائمة وجنسية، فضلًا عن حصد الدعم الدبلوماسي للدفاع عن حقوق المجتمعات المحلية في العراق وإقليم كردستان.
توكماجيان: تُعدّ المساءلة أمرًا بالغ الأهمية في حالات الإبادات الجماعية. ما السُبل القانونية المُتاحة أمام الأيزيديين لتحقيق المساءلة؟ ومن هي الجهة المسؤولة عن التعويضات؟
زوفيكيان: على المستوى الدولي، تنطلق هذا العام أولى المحاكمات لأعضاء في تنظيم الدولة الإسلامية في دول مثل هولندا والسويد، على أن تحذو فرنسا حذوهما في العام 2025، ما يمنح الناجين الأيزيديين فرصة المثول أمام المحكمة للإدلاء بشهاداتهم والتحدّث عمّا عاشوه حين كانوا محتجزين لدى التنظيم. وقد صدرت لغاية اليوم تسعة أحكام بحقّ أعضاء في تنظيم الدولة الإسلامية وزوجاتهم في ألمانيا، وتمّت أيضًا إدانة ثلاثة أشخاص بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضدّ الشعب الأيزيدي.
تقع على عاتق العراق وحكومة إقليم كردستان مسؤولية كبرى تتمثّل في توفير السبل القانونية لتحقيق العدالة. لكن العراق لا يملك لغاية الآن إطارًا قانونيًا لمحاكمة أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية بتهم ارتكاب جرائم إبادة. في هذا السياق، قدّم مكتب رئيس الوزراء مشروع قانون للمعاقبة على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، إلّا أنه لم يصبح بعد تشريعًا وطنيًا. وحتى الآن، لم تصل إلى المحكمة سوى بعض القضايا المتعلقة بجرائم الإرهاب التي لم يشارك فيها الناجون الأيزيديون أو يدلوا بشهاداتهم. صحيحٌ أن قانون الناجيات الأيزيديات أقرّ بمعاناة الناجين ووضع آليات قانونية لتعويضهم ماديًا ومعنويًا، لكن هذه البنود لم تُطبَّق بعد.
وبما أن العراق لم يصادق على نظام روما الأساسي المعني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية المُكلّفة بالتحقيق في جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وغيرها، فإن المحكمة الجنائية الدولية تتمتّع بالاختصاص فقط على الجرائم المزعومة التي ارتكبها مواطنو الدول الأطراف على الأراضي العراقية، لذا لم يكن ممكنًا رفع قضايا متعلقة بإبادة الأيزيديين أمام هذه المحكمة.
على مدى سبع سنوات، بذل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب تنظيم داعش (يونيتاد) مع منظمات غير حكومية أيزيدية مثل منظمة "يزدا"، جهودًا لجمع الأدلة وتوثيق شهادات الناجين والشهود. يُشار إلى أن كمية الأدلة التي تمّ جمعها هائلة، وتتيح بالتالي إمكانية كبيرة لتحديد هوية مقاتلي التنظيم واعتقالهم ومحاكمتهم، لمشاركتهم في قتل وخطف واستعباد الأيزيديين. لكن للأسف، لن يتمّ تجديد ولاية فريق التحقيق (يونيتاد) بعد أيلول/سبتمبر من هذا العام، في ظلّ غياب التمويل اللازم لإنشاء أرشيف إداري متاح بسهولة للمدّعين العامّين والحكومات. من شأن ذلك إبطاء مساعي تحقيق العدالة، لذا على المجتمع الدولي دعم جهود المناصرة التي تبذلها المنظمات غير الحكومية والناجون الأيزيديون للحفاظ على سجل مستقل ومتاحٍ للجميع، يضمّ أدلة عالية الجودة وتمّ التحقق منها.
توكماجيان: ما أبرز العوامل التي تؤثّر على المجتمع الأيزيدي اليوم، مع العلم بأن الأحداث التي شهدها العراق وسورية المجاورة، والعمليات العسكرية التركية في سورية وبدرجة أقل العراق، حجبت التركيز على الإبادة الجماعية؟
زوفيكيان: لا تزال سنجار غير مستقرّة وغير آمنة للأيزيديين وسائر المجتمعات المحلية التي عاشت في هذه المنطقة تاريخيًا. ستكون إعادة إعمار سنجار وإرساء الاستقرار والازدهار فيها مهمّة شبه مستحيلة طالما أن سكانها لا يتمتّعون بتمثيل سياسي وبسلطة اتّخاذ القرارات، لذا تُعدّ الدعوة إلى إجراء انتخابات محلية حرة وتمثيلية مطلبًا مُلحًّا. كان من المفترض أن يحقّق اتفاق إعادة الاستقرار وتطبيع الأوضاع في قضاء سنجار الإدارةَ الفعّالة لهذه المنطقة المتنازع عليها بين الحكومة المركزية في العراق وحكومة إقليم كردستان، إلا أنه مُني بالفشل على مستويَي التخطيط والتنفيذ، ويُعزى ذلك بشكل كبير إلى أن المجتمعات المحلية لم تكن جزءًا من العملية التشاورية وصنع القرار.
ساهم هذا الوضع في حدوث فراغٍ في السلطة، وشجّع طيفًا واسعًا من المجموعات المسلحة على بسط نفوذها الأمني والإداري في سنجار. في غضون ذلك، تواصل تركيا قصف القرى الأيزيدية بذريعة أنها تستهدف مواقع تابعة لحزب العمّال الكردستاني، فيما تعمَد إيران إلى إحكام قبضتها على سنجار من خلال دعم بعض المجموعات المسلحة.
إذًا، في حال لم تخصّص الحكومة العراقية ميزانية كافية لإعادة الإعمار، ستبقى سنجار تفتقر إلى البنية التحتية والحاجات الأساسية. ومع تحديد يوم 31 تموز/يوليو الفائت موعدًا لإغلاق مخيمات الأشخاص النازحين داخليًا، قبل إرجاء هذا القرار مؤخرًا، يتمّ إرغام النازحين على العودة إلى منطقتهم، لكن لا بيوت تنتظرهم فيها ولا أمان. في ظلّ هذه الديناميات والقرارات، ناهيك عن التقاعس الحاصل، يزداد احتمال أن يضطرّ الأيزيديون إلى مغادرة سنجار والشرق الأوسط إلى الأبد.