المصدر: Getty
مقال

يمنٌ على صورتهم

يعمَد الحوثيون، من خلال حملة الاعتقالات، إلى تنفيذ برنامج "التغيير الجذري" في البلاد.

نشرت في ٢ أكتوبر ٢٠٢٤

تشنّ جماعة أنصار الله، المعروفة بالحوثيين، حملة قمع واسعة في اليمن منذ أيار/مايو الماضي، أسفرت عن اعتقال أكثر من 72 من الموظفين المحليين العاملين في المجالَين الإنساني والإنمائي لدى الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، بما في ذلك مكتب المبعوث الخاص للأمين العام [للأمم المتحدة] إلى اليمن.

حملة الاعتقالات التي يشنّها الحوثيون لم تترافق مع إجراءات قانونية وفق الأصول أو لوائح اتّهام رسمية، والاتهام الرئيس الموجّه إلى المعتقلين هو ضلوعهم في "التجسّس" لصالح "شبكة تجسّس أميركية إسرائيلية". يسعى الحوثيون إلى كمّ أفواه المعارضين، والشروع في ما يسمّونه "مرحلة تغيير جذري" في اليمن، كانت قد جُمِّدت حتى تموز/يوليو من العام الجاري، وإلى إحكام قبضتهم على المجتمع. وقد استخدموا المعتقلين بمثابة ورقة مساومة مع المنظمات الدولية على وقع شعورهم بثقة متزايدة بالنفس، نظرًا إلى انخراطهم في النزاع الدائر ضدّ إسرائيل بسبب الحرب على غزة.

داخليًّا، بثّ الحوثيون الخوف في المجتمع، ولا سيما في أوساط قادة المجتمع المدني. الهدف من توجيه الاتهامات بـ"العمالة" و"التجسّس"، الذي صُوِّر بأنه "إنجاز أمني"، هو شيطنة المتّهمين، ومنع التضامن معهم، وإغلاق المساحة المدنية، ووصم العمل لحساب المنظمات الدولية. ونظرًا إلى سوء إدارة الحوثيين، سعوا أيضًا إلى إبعاد الملامة عنهم بسبب أوجه القصور هذه، على مشارف الذكرى الثانية والستين لقيام الجمهورية اليمنية في 26 أيلول/سبتمبر من العام 1962، ذكرى الإطاحة بالإمامة الزيدية التي يودّ الحوثيون إرساءها من جديد.

تَسبَّب إحياء ذكرى الثورة الجمهورية العام الماضي، والذي أتاح للمواطنين التعبير عن استيائهم من الممارسات الحوثية، بتأخير "التغييرات الجذرية" التي يريدها الحوثيون. تشمل التدابير التي كان من المُقرَّر فرضها في أواخر العام 2023 إنشاء مؤسسات جديدة، ودمج مؤسسات أخرى أو حلّها، وتغيير الإجراءات الحكومية، وإدخال تعديلات قضائية لتقويض استقلال القضاء ومبدأ فصل السلطات، وتشكيل حكومة أمر واقع أخرى تتوافق مع "الهوية الإيمانية". وقد فعل الحوثيون ذلك من خلال جملة خطوات منها الاستفادة من المكاسب التي حقّقوها على صعيد تعزيز سمعتهم خلال الحرب على غزة واستخدامهم خطابًا معاديًا للغرب تحرّكه نظريات المؤامرة، في ضوء مواجهتهم العسكرية المستمرة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل. والتغييرات التي يتطلّعون إلى إجرائها تعبّر، في جوهرها، عن رؤية حوثية للنظام السياسي والدستور في اليمن.

أما خارجيًّا، فيهدف الحوثيون إلى ممارسة ضغوط على المجتمع الدولي، ولا سيما وكالات الأمم المتحدة، لمنع نقل مقارّها إلى عدن، وانتزاع مزيدٍ من التنازلات منها، وفرض قواعد تقييدية جديدة. على سبيل المثال، في تموز/يوليو، طلب المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي الذي أنشأه الحوثيون من المنظمات الدولية العاملة في اليمن التشاور معه والحصول على موافقته قبل توظيف أي كوادر محلية ودولية، وإطلاعه على الهيكل الوظيفي لكل منظمة. وكان الهدف الأساسي التأثير على عملية تعيين الموظفين في هذه المؤسسات، ولا سيما أولئك الذين يتولّون مهامّ حسّاسة، والتحكّم بهذا التعيين، بحيث يكون الموالون للحوثيين في خدمتهم من خلال مشاركة المعلومات معهم ورسم الأولويات.

يريد الحوثيون أيضًا، من خلال مداهمة المكاتب، واعتقال الاختصاصيين في مجال تكنولوجيا المعلومات، ومصادرة الممتلكات الخاصة – من أجهزة الكمبيوتر المحمولة والوثائق والبيانات – توسيع نطاق سيطرتهم على المعلومات عن طريق الإمعان في بثّ الخوف عبر توجيه رسالة مفادها أن المنظمات الدولية وطواقمها لا يمكنهم العمل بأمان من دون موافقتهم. وقد شكّل اقتحام الحوثيين مكتبَ مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في 3 آب/أغسطس، فضلًا عن مصادرة ممتلكات المفوضية، انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي. وقوّض ذلك أيضًا التزامات اليمن بحماية البعثات الأجنبية، فأصبحت وكالات الأمم المتحدة فعليًّا رهينةً لأهداف الحوثيين، وبالتالي أكثر استعدادًا للإذعان إلى القواعد التي يفرضونها مقابل الحفاظ على وجودٍ لها في مناطق سيطرة الحوثيين.

مع ذلك، قد تؤدّي مثل هذه المطالب إلى عزلٍ تدريجي للكوادر المؤهّلة، ناهيك عن أنها ستقوّض الإدارة المهنية للعمليات الإنسانية والتنموية، وستُضعف أيضًا المجتمع المدني بصورة إضافية. ويطرح اتّساع حملة القمع التي يشنّها الحوثيون تحدّيًا صارخًا للتقدّم الذي أحرزه اليمن على مدى العقود الماضية، ولا سيما حيال المشاركة المدنية والسياسية والوظائف التي تستند إلى الكفاءة والجدارة في المنظمات الدولية.

بهدف السيطرة على جميع العمليات المرتبطة بالمساعدات، عمَد المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، منذ تأسيسه، إلى زيادة شروطه وقيوده البيروقراطية وتدخّلاته في تنفيذ وتقييم العمليات الإنسانية. على سبيل المثال، كان الهدف من اعتقال وإصدار حكم الإعدام بحق عدنان الحرازي، الرئيس التنفيذي لشركة Prodigy Systems، التي تُعنى بتوفير خدمات المراقبة والتقييم لوكالات أساسية تابعة للأمم المتحدة، عرقلة جهود الشفافية والمساءلة والرقابة من أجل إيقاف استيلاء الحوثيين على المساعدات. فقد سعى الحوثيون إلى تحويل مسار المساعدات ومنحها على وجه الخصوص إلى مقاتليهم، واستخدموها أيضًا كورقة ضغط لإحكام قبضتهم على السكان. والجدير بالذكر أن المساعدات تشكّل مصدرًا قيّمًا للدخل في اليمن، بما في ذلك للقادة الحوثيين الذين يتقاضون أيضًا رواتب من وكالات الأمم المتحدة.

وخلال لقاء عقده في آب/أغسطس أمين عام المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، إبراهيم الحملي، مع موظّفي المنظمات المعنية في المجال الإنساني، شدّد على "ضرورة الحذر والتأكّد من مصادر المعلومات، وتفادي الوقوع في فخّ التجسّس"، وفق ما ورد على الموقع الإلكتروني للمجلس. وفي ذلك مؤشّرٌ على أن الحوثيين سيُخضعون تقييم الاحتياجات والمراجعات المالية الخاصة بالمنظمات الدولية، إضافةً إلى تدفّقات المعلومات فيها، لتدقيقٍ أكبر.

كانت ردود الفعل الدولية على حملة القمع الأخيرة خجولةً وغير متّسقة إلى حدٍّ بعيد. فنظرًا إلى وسائل الضغط المحدودة وغياب استراتيجية يمنية شاملة، لجأت الأمم المتحدة إلى تقليص عملياتها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من أجل الحدّ من المخاطر التي قد يتعرَّض لها موظفوها. وعمَدت جهات مانحة عدّة بدورها إلى تجميد عملياتها أو نقل مكاتبها إلى عدن. مع ذلك، حاول مسؤولٌ بارز في الأمم المتحدة في صنعاء الضغط من أجل استئناف العمل بشكل طبيعي، بصرف النظر عن مسألة الإفراج عن الأشخاص المعتقلين تعسفيًا. لكن مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عبّر عن موقف أكثر صرامةً، إذ لم يطالب فحسب بالإفراج عن المعتقلين، بل دافع أيضًا عن الموظفين من خلال "رفضه رفضًا قاطعًا ادّعاءات [الحوثيين] المشينة". وأدانت وزارة الخارجية الأميركية بدورها "مساعي الحوثيين الرامية إلى نشر معلومات مضلّلة عن دور الموظّفين المحليين الحاليين والسابقين في البعثة الأميركية المحتجزين من خلال 'الاعترافات' القسرية والمزيّفة المتلفزة".

لا شكّ من أن نطاق حملة القمع التي يشنّها الحوثيون غير مسبوق وشكّل صدمة لكثُرٍ داخل اليمن وخارجه، لكنه طبيعي ومن غير المُستبعد فرض قيود إضافية وشنّ حملات تستهدف المنظمات المحلية والدولية والمجتمع ككُل. فتكتيكات الحوثيين لا تبشّر بالخير لعملية إرساء سلامٍ مستدام في اليمن، وتشكّل خير دليلٍ على مساعيهم الرامية إلى توطيد سلطتهم بما يتماشى مع رؤيتهم للنظام السياسي.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.