المصدر: Getty
مقال

جمود سياسي في كردستان

سلّطت الانتخابات البرلمانية الأخيرة الضوء على الشرخ القائم بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني.

 فلاديمير فان ويلغنبرغ
نشرت في ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٤

شهد إقليم كردستان انتخابات برلمانية يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بعد تأجيلها لمدّة عامَين تقريبًا بسبب الخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. وبحسب النتائج الأولية، تصدّر الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم هذه الانتخابات من خلال فوزه بـ39 مقعدًا وحصوله على 809,197 صوتًا، في حين أن خصمه التقليدي، الاتحاد الوطني الكردستاني، فاز بـ23 مقعدًا وحصل على 408,141 صوتًا. يُشار إلى أن هذا الاستحقاق أتى بعد حملة انتخابية محمومة بين هذَين الحزبَين الرئيسَين.

ركّزت حملة الاتحاد الوطني على تحدّي الحزب الديمقراطي وعلى الفوز بأصوات في إربيل. خلال الحملة، أعلن رئيس الاتحاد الوطني، بافل جلال طالباني، قائلًا "سوف نطيح بالحكم الفاسد والتسلّطي"، على الرغم من أن الاتحاد الوطني شارك في حكومات سابقة. وردًّا على ذلك، شدّد نائب رئيس الحزب الديمقراطي، مسرور بارزاني، على أن الاتحاد الوطني لن يتمكّن من الإطاحة بحكم حزبه، قائلًا: "شعار ]الأحزاب الأخرى[ هو القضاء على ]الحزب الديمقراطي الكردستاني[، ووقفه، وتدميره، وإفساده، ونشر خيبة الأمل في صفوف شعبنا. جوابنا لهذه ]الجهات جميعها[ أنها 'لن تتمكّن' ]من فعل ذلك[".

نظرًا إلى احتدام الحملة، نجح الحزبان في حشد مناصريهم المتنافسين على نحو فعّال، في حين أن الناخبين غير الراضين عن الحزبَين الرئيسَين دعموا حركة الجيل الجديد المَعارِضة. يُشار إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني نالا عددًا أكبر بكثير من الأصوات خلال هذه الجولة من الانتخابات مقارنةً مع انتخابات العام 2018 (حين حصل الاتحاد الوطني على 319,219 صوتًا، والحزب الديمقراطي على 688,070 صوتًا)، علمًا أن أربعة أحزاب معارضة زعمت حدوث تزوير وتلاعب بنتائج الانتخابات.

أخبرني رينوار نجم، وهو صحافي كردي مقيم في لندن، أن "النتائج عزّزت هيمنة الحزبَين الحاكمَين ضمن دوائر نفوذ كلٍّ منهما، فيما شهدت حركة الجيل الجديد زيادة في حجم تمثيلها – وأتى ذلك إلى حدٍّ كبير على حساب الأحزاب المعارضة الأخرى".

مع أن الحزب الديمقراطي حصل على ضعف أصوات الاتحاد الوطني، فإنه في الواقع خسر خمسة مقاعد بسبب القرار الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق والذي خفض عدد مقاعد برلمان إقليم كردستان من 111 مقعدًا إلى 100 مقعد. وقد غيّر القرار أيضًا نظام الدائرة الانتخابية الواحدة إلى نظام الدوائر المتعدّدة، وقلّص حصة الأقليات الدينية والعرقية في البرلمان من أحد عشر مقعدًا إلى خمسة مقاعد، مُخصِّصًا اثنَين منها للسليمانية، التي لا تضمّ تقريبًا أي أقليات مسيحية أو تركمانية.

بحسب موقع برغراف الإخباري الإلكتروني، كان الحزب الديمقراطي مُمثَّلًا في البرلمان الكردي السابق بـ56 مقعدًا، نظرًا إلى واقع أن الحصة البرلمانية المُخصَّصة للأقليات (والتي بلغت أحد عشر مقعدًا) دعمت الحزب الديمقراطي. وقد عارض الاتحاد الوطني نظام حصة الأقليات هذا وتحدّاه بنجاح في المحكمة الاتحادية العليا. والآن، بات للحزب الديمقراطي 42 مقعدًا فقط، بما في ذلك ثلاثة مقاعد من حصة الأقليات من دهوك وإربيل. كذلك، فاز الاتحاد الوطني بمقعدَين من حصة الأقليات، بالتحالف مع ريان الكلداني، وهو قائد فصيلٍ مسلّح مدعوم من إيران (أُدرِج اسمه على قائمة العقوبات الأميركية)، ليصل مجموع مقاعده إلى 25 مقعدًا.

كان إقليم كردستان يضمّ في السابق دائرة انتخابية واحدة، بيد أن المحكمة الاتحادية العليا قسّمته إلى أربع دوائر انتخابية هي: حلبجا وإربيل ودهوك والسليمانية. وقد أضرّ ذلك بالحزب الديمقراطي، وصبّ في صالح الاتحاد الوطني، الذي حصل على ثلاثة مقاعد إضافية مقارنةً مع العام 2018، فيما خسر الحزب الديمقراطي خمسة مقاعد.

وأبلغني العضو البارز في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، أن حزبه، مع ذلك، غير راضٍ عن النتائج، مُبديًا هذه الملاحظة: "لقد زدنا عدد الأصوات بنحو 200 ألف صوت، وهذه وثبة كبيرة. لكن النظام الانتخابي كما هو مُصمَّمٌ راهنًا حرمنا من أربعة أو خمسة مقاعد. بصراحة، لو أن ]النتائج تقوم على[ تخصيص المقاعد بشكلٍ متناسبٍ مع عدد الأصوات فحسب، لكنّا فزنا بـ44 إلى 45 مقعدًا ]من دون المقاعد المحسوبة ضمن حصة الأقليات[".

قال محمد صالح، وهو زميل بارز غير مقيم في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، إن المحكمة الاتحادية العليا أصدرت هذه القرارات "لتفادي حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على أغلبية حاسمة. لذا، مع أن الحزب الديمقراطي حصل على حوالى ضعف الأصوات التي حصل عليها ثاني أكبر أحزاب كردستان، أي الاتحاد الوطني، فإن مقاعده تزيد عنه بنسبة 70 في المئة فقط".

قد يؤدّي المشهد السياسي الجديد إلى إطالة عملية تشكيل الحكومة، لأن الاتحاد الوطني لن يقبل على الأرجح بالطريقة التي كانت مُتّبعة في الحكومات السابقة لتوزيع المناصب الحكومية. في حكومة إقليم كردستان حتى الآن، كان الاتحاد الوطني يشغل منصبَي نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس البرلمان، بينما يتولّى الحزب الديمقراطي منصبَي رئيس اٍقليم كردستان ورئيس مجلس الوزراء. وفي بغداد، يشغل الاتحاد الوطني منصب رئاسة الجمهورية العراقية منذ العام 2005، لكن الحزب الديمقراطي نافس على المنصب في العامَين 2018 و2022.

أخبرني كاماران بالاني، وهو باحث في مركز الشرق الأوسط التابع لكليّة لندن للعلوم السياسية، أن "حملة الاتحاد الوطني الأخيرة ركّزت على تقليص هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني"، مضيفًا: "الاتحاد الوطني لا يهدف فحسب إلى تولّي مناصب ذات مستوى أعلى فحسب، بل أيضًا إلى تبوّؤ مناصب أساسية، مثل تلك التي تولّاها بين العامَين 2009 و2013، حين شغل أحد أعضاء الاتحاد الوطني منصب رئيس مجلس الوزراء لمدّة عامَين. مع ذلك، من غير المُرجَّح أن يتنازل الحزب الديمقراطي عن هذا ]المنصب[، لكن منصب رئاسة إقليم كردستان قد يكون قابلًا للتفاوض".

أما حركة الجيل الجديد المُعارِضة، التي حصدت خمسة عشر مقعدًا من خلال حصولها على 290,991 صوتًا، فمن المستبعد أن تنضمّ إلى الحكومة. واعتبر الصحافي رينوار نجم أن "أي محاولة من حركة الجيل الجديد للانضمام إلى الحكومة ستكون بمثابة انتحارٍ سياسي، أشبه بما حصل مع حركة گۆڕان ]حركة التغيير[". فحركة گۆڕان شاركت في الحكومة وخسرت جميع مقاعدها في العام 2021، وفازت بمقعدٍ واحد فقط في الانتخابات الأخيرة. وأضاف الصحافي أن "الدعم الذي تحظى به حركة الجيل الجديد ينبع إلى حدٍّ كبير من رفضها المشاركة في الحكومة أو التعاون مع الحزبَين الحاكمَين، سواء كان الاتحاد الوطني الكردستاني أو الحزب الديمقراطي الكردستاني". في هذا الإطار، لفت زعيم حركة الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد في 24 تشرين الأول/أكتوبر إلى أن الحركة لن تكرّر أخطاء "بعض الأحزاب الأخرى أو تبيع أصوات الشعب ]مقابل بضعة مناصب حكومية[".

وهكذا، غالب الظن أن يعمَد الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي في مرحلة ما إلى تشكيل الحكومة. وقد أبلغني زيباري، المسؤول البارز في الحزب الديمقراطي، بما مفاده: "أعتقد أن نتيجة الانتخابات تُظهر مجدّدًا الحاجة إلى تحالفٍ [حكومي] شاملٍ للجميع حتى لو لم يكن واسع النطاق". وأضاف أن الأمر قد يستلزم خوض مفاوضات شاقّة، مشيرًا إلى اعتقاده أن "الميل العامّ يتمثّل في مدّ اليد للجميع، لرؤية ما يمكن فعله من أجل تشكيل حكومة في أقرب وقتٍ ممكن، وتفادي إطالة [عملية] التشكيل".

وأشار المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، سعدي أحمد بيرة، إلى أن "باب الاتحاد الوطني مفتوحٌ أمام جميع الأطراف من أجل الحوار. وسيباشر الاتحاد الوطني لقاءاته مع الأحزاب الأخرى بدءًا من مطلع ]هذا[ الأسبوع. ]في تاريخ كتابة هذه السطور[ لم يكن قد تمّ الإعلان عن النتائج النهائية والرسمية للانتخابات، لكن بمجرّد صدورها، سنُطلق حوارًا حول أُسس الانتخابات وتشكيل الحكومة".

يعتبر الصحافي نجم أن المؤشرات كافة تدلّ على أن عملية تشكيل الحكومة الجديدة ستكون مطوّلة ومليئة بالتحديات، نظرًا إلى العداء بين الحزبَين خلال الحملة الانتخابية. وقال "إن الحزبَين يدركان، على الرغم من ذلك، أن حكم الإقليم مستحيلٌ من دون التعاون المُتبادَل، وسيتعيّن عليهما في نهاية المطاف تقديم تنازلاتٍ لبعضهما البعض".

وأكّد محمد صالح أن عملية حكم إقليم كردستان ستكون فوضوية وصعبة إن لم تكن الحكومة المقبلة مُمثَّلة بالاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي على السواء. وأضاف أن "الأمر يتطلّب من الحزب الديمقراطي تقديم تنازلات وإبداء مرونة كي يتمكّن من تشكيل حكومة تتمتّع بتفويض قوي يمكّنها من التفاوض مع بغداد والتعامل معها، وتحقيق نجاح معقول في الحكم، نظرًا إلى التحديات الكثيرة المُحدِقة".

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.