جينيفر كافاناه زميلة أولى ومديرة برنامج التحليل العسكري في مركز أبحاث "أولويات الدفاع" وأستاذة مساعدة في مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورجتاون. وفريدريك ويري باحث أول في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. كتَبا مؤخرًا مقالًا في مجلة فورين أفيرز بعنوان The Case Against Israeli-Saudi Normalization: A Deal Won’t Forge a Two-State Solution or Push China Out of the Middle East (الحجة ضدّ تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل: صفقةٌ لن تؤدّي إلى حلّ الدولتَين أو إلى إخراج الصين من الشرق الأوسط). أجرت "ديوان" مقابلة معهما في أوائل تشرين الأول/أكتوبر لمعرفة أسباب تبنّيهما هذا الموقف المتعارض مع التفكير السائد في واشنطن، والذي يؤيّد بشدّة إبرام مثل هذا الاتفاق.
مايكل يونغ: كتبتُما مؤخّرًا مقالًا في مجلّة فورين أفيرز، اتّخذتما فيه موقفًا يتعارض مع موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إذ رأيتما أن على الولايات المتحدة ألّا تحاول استكمال عملية تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. ما هي الحجّة التي تستند إليها وجهة نظركما هذه؟
جينيفر كافاناه: نعتقد أن اتفاق تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل الذي طرحته الإدارة يشكّل صفقة سيئة تُضرّ بالمصالح الأميركية في المنطقة، لأنه يُرغم الولايات المتحدة على التخلّي عن الكثير، ويكبدّها في الوقت نفسه تكاليف ضخمة، ويعرّضها لمخاطر جمّة، من دون أن يحقّق لها مكاسب تُذكر. يجادل مؤيّدو الاتفاق بأنه سيعزّز المصالح الأميركية بطرقٍ ثلاث هي: إنهاء الحرب في غزة وحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ وعرقلة نفوذ بيجينغ المتنامي في الشرق الأوسط من خلال تقييد التعاون الأمني بين الصين والمملكة؛ ومواجهة إيران ووكلائها المسلّحين. لكن الاتفاق لن يسهم في تحقيق أيٍّ من هذه الأهداف، بل قد يُغرِق الولايات المتحدة أكثر في وحول منطقةٍ حاول رؤساء أميركيون متعاقبون الانسحاب منها، ناهيك عن أنه يشمل ضمانة أمنية تُلزم واشنطن بالدفاع عن دولة عربية قمعية للغاية وغير جديرة بالثقة. ومن شأن ذلك أن يحمّل الولايات المتحدة عبءًا إضافيًا ويعمّق انخراطها في الشؤون الأمنية للمنطقة، في وقتٍ يحتاج الجيش الأميركي المنهك أساسًا إلى صبّ اهتمامه على مسائل أخرى.
لذا، بدلًا من إصرار الولايات المتحدة حصرًا على تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، نوصي بأن تركّز واشنطن مجدّدًا على مساعدة شركائها الإقليميين في معالجة الأسباب الأخطر الكامنة وراء انعدام الاستقرار في المنطقة. في الواقع، لا يمكن لصفقة تطبيعٍ كبرى بين السعودية وإسرائيل برعاية قوة خارجية أن تتصدّى لهذه التحديات، وأي محاولةٍ لتحقيق هذا الهدف سيجعل الولايات المتحدة والمنطقة في وضعٍ أسوأ. بدلاً من ذلك، يتطلّب إرساء الاستقرار الحقيقي في المنطقة انخراط حكوماتها وشعوبها في هذه العملية والتزامهم بها بصورة نشطة.
مايكل يونغ: إذا سلّطت الحرب المتواصلة في غزة الضوء على أمرٍ، فهو أن اتفاقات تطبيع العلاقات التي أُبرمَت سابقًا بين إسرائيل وعددٍ من الدول العربية، وعُرفَت بالاتفاقات الإبراهيمية، لم تتمكّن من تجاوز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو جعل الفلسطينيين أقرب إلى إقامة دولة فلسطينية. وفي ظلّ المؤشّرات الواضحة على رفض إسرائيل فكرة إقامة دولة فلسطينية، أليست هذه الاتفاقات، بما فيها الصفقة المُحتمَلة بين إسرائيل والسعودية، مجرّد سُبلٍ لدفن القضية الفلسطينية، ما يعني بالتالي أنها ستفتقر إلى الشرعية في معظم أنحاء العالم العربي؟
فريدريك ويري: في الواقع، نعم. لقد فشلت حكومة بايدن في استخلاص العبر من الاتفاقات السابقة، التي تجنّبت عمدًا اتّخاذ قرارات سياساتية حازمة من أجل التصدّي بشكلٍ مباشر لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وكرّرت المساعي الرامية إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل المقاربة الخاطئة نفسها من خلال إعطاء الأولوية للاتفاقات الإقليمية بدلًا من جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فقد اعتقد المسؤولون في الإدارة الأميركية أن الاتفاق مع السعودية سيكون مختلفًا نوعًا ما، آملين أن يقدّم السعوديون اقتراحًا جديدًا، وأن يشكّل احتمال التطبيع مع هذه الدولة العربية المؤثِّرة، وما يرافقه من مكاسب اقتصادية ورمزية متوقّعة، حافزًا كافيًا لتليين الموقف الإسرائيلي تجاه إقامة دولة فلسطينية.
يونغ: لقد أشرتما إلى أن مثل هذا الاتفاق قد يورّط الولايات المتحدة بشكل أكبر في منطقة من الأفضل لها الانكفاء عنها. هلّا أوضحتما كيف سيحقّق الاتفاق مثل هذه النتيجة، وهل يشير تحليلكما إلى أنكما تحبّذان الحدّ من روابط واشنطن مع حلفائها التقليديين في المنطقة، ولا سيما السعودية وإسرائيل؟
كافاناه: من شأن الاتفاق أن يوفّر للسعودية ضمانة أمنية أميركية تُلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة في حال تعرّضها لهجوم خارجي. ومن المرجّح أن تحتاج واشنطن، لتلبية هذه الضمانة وإضفاء المصداقية على التزامها، إلى نشر قوات أميركية إضافية في السعودية والجوار، ما يعزّز وجود الجيش الأميركي ودوره الواسع أساسًا في المنطقة. وفي حال وقوع هجومٍ ما، قد تنجرّ الولايات المتحدة عندئذٍ إلى خوض حربٍ مكلفة، حتى إن لم تكن مصالحها على المحك.
هذا وأثبتت السعودية أنها حليفٌ عالي المخاطر. فالحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد محمد بن سلمان، قد يكون مستعدًّا لاتّخاذ خطواتٍ غير حكيمة واستفزازية ضدّ خصومه، مثل إيران أو حركة أنصار الله (المعروفة بالحوثيين) في اليمن، متسلّحًا بضمانة أمنية أميركية. وهكذا، قد يؤدّي اتفاق تطبيع العلاقات إلى زيادة احتمالات نشوب صراعٍ في الشرق الأوسط، تتحمّل فيه الولايات المتحدة قدرًا كبيرًا من الأعباء.
وفيما يرزح الجيش الأميركي تحت وطأة الضغوط، لا يمكنه تحمّل تخصيص موارد إضافية إلى الشرق الأوسط، لكن عليه بدلًا من ذلك إيلاء الأولوية إلى التحديات الأمنية في أماكن أخرى، ولا سيما في شرق آسيا. وقد يؤدّي توجّه القوة العسكرية الأميركية بعيدًا عن الشرق الأوسط ونحو آسيا إلى تبدّل العلاقات بين الولايات المتحدة ودولٍ مثل السعودية وإسرائيل، ولا سيما في المجال العسكري، حيث سيحتاج هؤلاء الحلفاء إلى تحمّل مسؤولية شؤونهم الدفاعية والأمنية الإقليمية بشكلٍ أكبر، من دون الاعتماد على الدعم الأميركي. لكن ذلك لن يعني بالضرورة تراجعًا في العلاقات عمومًا. وقد تعمَد الولايات المتحدة إلى الإبقاء على انخراطها الاقتصادي أو الدبلوماسي في المنطقة أو حتى توسيعه.
يونغ: يُنظر ضمنيًا إلى إيران، التي تعتبرها السعودية مصدر التحدّي الإقليمي الأساسي لها، بأنها الطرف المُستهدف من مثل هذا الاتفاق، على الرغم من تحسّن العلاقات بين الدولتَين خلال العام الفائت. هل يمكنكما القول، على الأقل، إن اتفاقًا سعوديًا إسرائيليًا بدعمٍ أميركي قد يوفّر الحماية للسعودية ضدّ أي خطوات إيرانية؟
ويري: تزوّد الولايات المتحدة السعودية أساسًا بمساعدات عسكرية هائلة، إذ توفّر لها خصوصًا منظومات الدفاع الجوي ضدّ الصواريخ البالستية والمسيّرات، والصواريخ المضادّة للسفن لحماية الأمن البحري والسواحل. وتترافق هذه المساعدات مع انتشارٍ عسكري أميركي ملحوظ في الخليج، يركّز على المنطقة ككُل لكنه يصبّ في خدمة المملكة. إذًا، يُعدّ هذا العتاد الذي تملكه السعودية أكثر من كافٍ للتصدّي لأي هجوم إيراني.
المسألة التي انتقدناها في المقال هي الضمانة الأمنية الواسعة والمُطلقة التي من شأنها إلزام الولايات المتحدة، بعتادها وعديدها، بالدفاع عن السعودية في وجه أي عدوان خارجي، وهذا تعهّد قد يُثني الرياض عن اللجوء إلى الدبلوماسية التوفيقية مع جيرانها ويحثّها في الوقت نفسه على خوض مغامراتٍ تنطوي على مخاطر أكبر، لأنها متأكّدة من إمكانية التعويل على الدعم الأميركي.
نجادل أيضًا بأن الضمانة الأمنية الأميركية المُدرَجة في الاتفاق المُقترَح غير مناسبة لمواجهة تهديدٍ إيراني قد يثير قلق السعوديين بالقدر نفسه، أو حتى أكثر، من خطر شنّ إيران هجومًا على أراضيها. والمقصود بذلك المخاطر التي تطرحها أعمال التخريب والتدخّلات التي يقوم بها وكلاء إيران في جميع أنحاء العالم العربي، فضلًا عن النفوذ الإيراني بصورة أعمّ.
يونغ: هلّا شرحتما بشكلٍ أكثر تفصيلًا لماذا لن يقيّد الاتفاق بين السعودية وإسرائيل نفوذ الصين في الشرق الأوسط؟
كافاناه: تنصّ أحكام اتفاق التطبيع المُقترَح على أن تمنع السعودية الصين من إقامة قواعد عسكرية لها في المملكة، وأن تجمّد عمليات شراء الأسلحة والإنتاج المشترك لها مع بيجينغ، وأن تضع حدًّا للتعاون الأمني بين البلدَين، بما في ذلك المناورات العسكرية المشتركة والأنشطة المتعلّقة بالأمن المحلّي وتبادل التكنولوجيا. إضافةً إلى ذلك، ينصّ الاتفاق على تقييد بعض أشكال الاستثمارات الصينية المتعلقة بالأمن داخل المملكة.
صحيحٌ أن مجموعة القيود هذه تبدو واسعة ومتشعّبة، إلا أن تأثيرها سيبقى محدودًا في أفضل الأحوال. فالصين لا تكتسب نفوذها في السعودية أو في الشرق الأوسط من أنشطتها العسكرية أو حضورها العسكري، ناهيك عن أنها ليست لديها قواعد عسكرية قائمة أو مخطّطٌ لها في المملكة. علاوةً على ذلك، لا تشكّل الأسلحة الصينية سوى جزءٍ ضئيل من مشتريات الأسلحة السعودية، ونادرًا ما يُجري البَلَدان مناورات عسكرية مشتركة. قد تخسر بيجينغ الرياضَ كمشترٍ لتكنولوجيا المراقبة، لكن اتفاق التطبيع لن يمسّ معظمَ الاستثمارات الاقتصادية الصينية في السعودية، بما فيها الدور الواسع الذي تضطلع به بيجينغ في البنى التحتية والموانئ وقطاع الطاقة السعودي. نتيجةً لذلك، يُرجَّح ألّا يتأثّر النفوذ الصيني في المملكة إلى حدٍّ كبير، حتى إذا وافق القادة السعوديون على شروط الاتفاق وطبّقوها بحذافيرها.
يونغ: ماذا تُخبرنا مساعي واشنطن الرامية إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل عن التفكير الأميركي حيال المنطقة؟
ويري: تعكس الجهود الحثيثة المبذولة في سبيل إبرام الاتفاق قراءةً سطحية لمشاكل المنطقة وتحدياتها الكثيرة، واعتقادًا مغلوطًا بإمكانية معالجتها من خلال اتفاقات دبلوماسية كُبرى بين النخب. لا شكّ في أن تطبيع العلاقات أمرٌ إيجابي من شأنه تخفيف حدّة التوترات، لكن ليس بأي ثمنٍ كان. لقد علّقَت إدارة بايدن الكثير من التوقّعات غير الواقعية حول هذا الاتفاق – منها احتواء الصين، وعزل إيران، وحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي – لكنها تعبّر جميعها عن فهمٍ خاطئ لكيفية سير الأمور في الشرق الأوسط، وعن إهمالٍ للتاريخ.
نجادل في مقالنا بأن الفرص التي أضاعها بايدن بسبب انشغاله بهذه الصفقة هائلة، حتى إن لم يُطبَّق الاتفاق. فقد أدّت هذه العملية إلى صرف انتباه واشنطن عن معالجة الدوافع الأبرز للصراع في الشرق الأوسط، مثل السلطوية، والفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان، وغياب الفرص الاقتصادية للشباب، وتغيّر المناخ، والأهم من ذلك في الوقت الراهن أنها حالت دون فرض الولايات المتحدة شروطها الخاصة للتعامل مع حرب غزة من خلال ممارسة ضغوط أكبر ومباشرة أكثر على إسرائيل. هذا ما يجب أن تركّز عليه واشنطن بدلًا من استخدام "جزرة" التطبيع مع السعودية في غير محلّها كحلٍّ سريع وسطحي.