شعيب أحمد مالك باحث في شؤون الدين الإسلامي والعلم، وأستاذ محاضر في الدين والعلم في كلّية الدراسات الدينية في جامعة إدنبرة في اسكتلندا. شارك مع يورغ ماتياس ديترمان، أستاذ مادة التاريخ في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر، في تحرير كتاب صدر مؤخرًا ويضمّ مجموعة نصوصٍ مختارة بعنوان Islamic Theology and Extraterrestrial Life: New Frontiers in Science and Religion (الفقه الإسلامي والحياة خارج كوكب الأرض: استكشاف تخومٍ جديدة في العلم والدين). أجرت "ديوان" مقابلة مع مالك عبر البريد الإلكتروني في أواخر أيلول/سبتمبر لمناقشة هذا الكتاب ومعرفة كيف تسلّط فصوله الضوء على جانبٍ غير معروفٍ في الغالب من جوانب الفقه الإسلامي.
ريان الشوّاف: كم مضى على اهتمامكما، أنت ويورغ ماتياس ديترمان، زميلك في تحرير هذا الكتاب، في هذا الموضوع، وكيف تبلورت فكرة المشروع الذي أفضى إلى كتابIslamic Theology and Extraterrestrial Life ؟
شعيب أحمد مالك: شكّل هذا الكتاب ثمرة مشروعٍ عملتُ مع ديترمان على إنجازه بهدف إشباع فضول أكاديمي مشترك بيننا. لقد انكبَبْنا على استكشاف أوجه التداخل بين العلم والدين، واستهوانا على وجه الخصوص علم الأحياء الفلكي (المعنيّ بدراسة إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض) بسبب تأثيراته الواسعة النطاق. وفيما تناول علم اللاهوت المسيحي بإسهاب احتمال وجود حياة خارج الأرض، لاحظنا غياب وجهات النظر الإسلامية إلى حدٍّ كبير عن النقاشات حول هذا الموضوع. كان هذا النقص مفاجئًا نظرًا إلى أن التقاليد الفكرية الغنية في الإسلام لطالما تطرّقت إلى علم الكون، والميتافيزيقا، والمسائل المتعلقة بطبيعة الحياة خارج كوكب الأرض.
إدراكًا منّا لهذا الواقع، قرّرنا أنا وديترمان تسلّم زمام المبادرة، فنظّمنا في أيار/مايو 2022 مؤتمرًا عبر الإنترنت حمل عنوان Islamic Perspectives on Exotheology (وجهات نظر إسلامية حول مسألة الحياة خارج كوكب الأرض) استضافته جامعة فرجينيا كومنولث في قطر. شكّل المؤتمر مبادرة ريادية ضمّت مجموعة متنوّعة من الباحثين – من علماء في الدين الإسلامي وفلاسفة ومؤرّخين وعلماء اجتماع – التوّاقين إلى استقراء التأثيرات الفقهية والأخلاقية التي قد تنجم عن اكتشاف حياة خارج الأرض. كان النقاش غنيًا وتطرّق إلى مواضيع شتّى مثل الفرادة الإنسانية، والمساءلة الأخلاقية للكائنات العاقلة الأخرى، وكيف يمكن تفسير القرآن والحديث على ضوء مثل هذه الاكتشافات.
دفعَنا النجاح الذي حقّقه ذلك المؤتمر إلى إعداد هذا الكتاب، الذي ينقل فحوى هذه النقاشات ويقدّم توجّهات متعدّدة في إطار الفقه الإسلامي. ولم يقتصر محتوى الكتاب على وجهات النظر السنّية والشيعية التقليدية، بل خضنا أيضًا في الدراسات الدينية المُقارَنة، لرؤية كيف يتوافق الفكر الإسلامي، أو يتعارض، مع الفكر المسيحي في هذا الصدد. أردنا أن يشكّل هذا الكتاب نصًا تأسيسيًا للباحثين من أهل الاختصاص وأيضًا للأشخاص غير المتخصّصين في هذا الموضوع الذين يهمّهم في الاطّلاع على كيفية تداخل الفكر الإسلامي مع الاكتشافات العلمية الحديثة.
هذا المشروع أثار اهتمامي للغاية، إذ ساهم في فتح حوارٍ حول موضوع لم يجرِ نسبيًا تناوله بهذا الشكل من قبل. ونظرًا إلى التقدّم المتسارع الذي تشهده مجالاتٌ مثل علم الأحياء الفلكي، والبحث عن كواكب خارج النظام الشمسي، أعتقد أن المسائل التي ناقشناها في هذا المجلّد أساسية وآنية. وآمل أن يسهم الكتاب في انطلاق موجة جديدة من الأبحاث حول أوجه التقاطع بين الإسلام والعلم واللاهوت، وأنا متحمّس لأن أكون جزءًا من هذه المساعي.
الشوّاف: هل من دلالات لواقع أن الإسلام الشيعي، بشكلٍ عام، يميل إلى الاعتقاد بوجود حياة ذكيّة خارج الكرة الأرضية، في حين أن الإسلام السنّي يشكّك في ذلك؟
مالك: لا أعتقد أن بإمكاننا التعميم سريعًا بشأن دلالات ميل الإسلام الشيعي نحو الاعتقاد بوجود حياة ذكيّة خارج الكرة الأرضية، وأن الإسلام السنّي يظل أكثر تشكيكًا حيال المسألة. هذا المجلّد هو في الواقع مجرّد افتتاحيةٍ لنقاش ضروري جدًّا. لقد جمعنا بين وجهات نظر وتفسيرات متعدّدة، ولكن حتى ضمن هذا الكتاب، تَظهر احتمالات مختلفة. على سبيل المثال، وفيما يعرض معمر الخلايلة وجهة نظره في الفصل الذي أعدّه بعنوان "هل يؤكّد القرآن وجود حياة خارج الكرة الأرضية؟ تحليل تأويلي لسورة النحل (16:8)"، يرى فخر الدين الرازي أن كياناتٍ مثلنا قد تكون موجودة في أجزاء أخرى من الخليقة.
علاوةً على ذلك، يشير محمد مهدي منتصري في الفصل الذي أعدّه بعنوان "الموارد المقدّسة الإسلامية عن الكائنات خارج الكرة الأرضية ودلالاتها الأخروية المحتملة"، إلى إمكانية تفسير بعض الأحاديث بأنها تشير إلى وجود حياة خارج كوكب الأرض. ولكن قبل الجزم في هذا الصدد، من المهم أن نرى كيف يتفاعل الباحثون الآخرون والتقاليد الإسلامية الأخرى (مثلًا، المذاهب الشيعية غير الاثني عشرية، والإباضية، والأحمدية) مع هذه التفسيرات. لا يزال الفقه الإسلامي بعيدًا كل البعد عن الحسم في هذه المسألة، ولا بدّ من إجراء مزيدٍ من الدراسات والمناقشات للحصول على تحليل أكثر شمولًا. في هذه المرحلة، نحن نرسي فقط الأساس لنقاشٍ أوسع بكثير.
الشوّاف: يبدو أن ثمّة توافقًا في الآراء بين المساهمين في الكتاب على أن اكتشاف حياةٍ خارج كوكب الأرض، حتى لو كانت من النوع الذكي، لن يقود إلى التشكيك في التعاليم الإسلامية الأساسية. فهل سيظلّ الحال على هذا النحو حتى لو كانت الكائنات غير الأرضية أكثر ذكاءً من البشر و/أو كانت معاديةً لنا؟
مالك: صحيحٌ أن هذا الكتاب يبدو في العموم مرتاحًا لفكرة وجود حياة ذكية خارج الكرة الأرضية ويشير إلى أن اكتشافها لن يتعارض بالضرورة مع المعتقدات الإسلامية الأساسية. ولكن، كما ذكرت في الفصل الذي وضعته بعنوان "الحياة الذكية خارج الكرة الأرضية والمعتقدات الإسلامية: التحقيق في ستة نزاعات محتملة"، ستتوجب على الأرجح إعادة النظر في مسألة الأنثروبولوجيا الفقهية. تاريخيًّا، ناقش علماء الإسلام ما هو "أفضل الخلق". وجادل البعض بأن البشر هم مَن يتمتّعون بهذا الامتياز، فيما اعتبر آخرون أنهم الملائكة، ولكن ظلّ آخرون منفتحين على إمكانية أن فئة مختلفة من الكائنات ربما تستحق هذا اللقب. بطبيعة الحال، المعايير التي نطبّقها في هذه المناقشة هي أمرٌ بالغ الأهمية. حين نتكلّم عن "الأفضل"، من الضروري أن نوضِح ما إذا كنا نقصد بذلك القدرة الروحية أو الذكاء أو الأخلاق، لأن كل بُعدٍ من هذه الأبعاد قد يؤدّي إلى استنتاجات مختلفة عن التسلسل الهرمي للكائنات.
يتطرّق حمزة كرملي إلى ذلك في الفصل الذي أعدّه بعنوان "معلومات فقهية عن وجود حياة ذكية خارج نظامنا الشمسي: الميتافيزيقا والنصوص المقدّسة والعلوم". فهو يناقش الفكر السنّي في العصر الكلاسيكي المتأخر، مشيرًا إلى أن البشر سيظلّون يشغلون موقعًا متفوّقًا من حيث قدرتهم الروحية، حتى لو ثمّة حياة ذكيّة خارج الكرة الأرضية. فبحسب كرملي، على الرغم من أن القرآن لا يؤكّد أو ينفي صراحةً وجود ذكاء خارج كوكب الأرض، فهو يُلمح إلى أن البشر هم على الأرجح المخلوقات الأكثر تفوّقًا، على الأقل من وجهة نظر روحية وفقهية. بالطبع، هذا ليس سوى تعبير عن رأي واحد؛ أما آخرون، على غرار مظفر إقبال، فيعتبرون أنها مسألة غير محسومة بعد.
لذلك، وفي حين أن اكتشاف كائناتٍ خارج الأرض أكثر ذكاءً أو حتى معادية قد يثير تساؤلات، فهو لن يقلب بالضرورة رأسًا على عقب الفهمَ الإسلامي التقليدي لدور البشرية في الخلق. ولكن هذا النقاش يتطلّب استكشافًا مستمرًّا، ولا سيما على ضوء توسّع فهمنا للذكاء والأخلاق.
الشوّاف: يبتعد فصلان عن تركيز الكتاب على الآراء الفقهية الراسخة المتعلقة بإمكانية وجود حياة خارج الكرة الأرضية، وهما مناقشة أيوب وإلهام إبراهيم للإسلام "الشعبي" ودراسة الأجسام الطائرة غير المحدّدة الهوية في إندونيسيا، واستكشاف عماد الدين عيشة للمواضيع الإسلامية في الخيال العلمي المصري. هلّا تخبرنا قليلًا عن قرارك بالتماس هاتَين المساهمتَين في الكتاب؟
مالك: هذا المجلّد هو مجرّد محاولة أولى لاستكشاف النقاش الأوسع بشأن الحياة خارج الأرض ضمن إطار إسلامي، وأردنا أن نرى كيف يمكن أن تتجلّى هذه المناقشة في المجتمع الأوسع. فإدراج هذَين الفصلَين – مناقشة أيوب وإلهام إبراهيم للإسلام "الشعبي" ودراسة الأجسام الطائرة غير المحدّدة الهوية، واستكشاف عماد الدين عيشة للمواضيع الإسلامية في الخيال العلمي المصري – يقدّم لنا رؤية قيّمة عن كيفية التفاعل مع هذه الأفكار خارج الخطاب الفقهي الرسمي. شخصيًّا، صُدمت عندما اكتشفت أن ثمّة ثقافة كاملة من الخيال العلمي في العالم العربي تُعنى بفكرة الحياة خارج الأرض. يقدّم هذان الفصلان لمحة عن الأبعاد المجتمعية والثقافية للنقاش، فيظهران أنها ليست مجرّد مسألة خاصة بالنقاش الأكاديمي، بل هي موضوع يتردّد صداه لدى الجمهور الأوسع أيضًا.
الشوّاف: يُعتقد عمومًا أن القرآن، الذي يُعنى بشؤون الحياة الدنيا والآخرة، موجّهٌ إلى الجنس البشري. إلى أي مدى يمكن أن يضطلع بدورٍ لكائناتٍ من خارج الأرض قادرة على فهم رسالته؟
مالك: أهمية القرآن لكائناتٍ من خارج كوكب الأرض قادرة على فهم رسالته تتوقف على طريقة التفسير الفقهي لطبيعة الكائنات غير البشرية العاقلة، والسؤال بشأن ما إذا كان ممكنًا مساءلتها أخلاقيًّا. في الفكر الإسلامي، المساءلة الأخلاقية هي معيارٌ مهمّ لتلقّي الوحي الإلهي. نتيجةً لذلك، يصبح أحد أبرز الأسئلة المطروحة: هل يمكن أن تكون هناك كائنات عاقلة غير بشرية قادرة على فهم هدي الله والعمل به؛ وفي هذه الحالة، هل سيكون للقرآن من دورٍ لها؟
ومثلما يشير كلٌّ من ديفيد سولومون جلاجل وفيصل عبدالله في فصلَيهما، فإن التقليد الفقهي الإسلامي لا ينكر بالضرورة وجود مثل هذه الكائنات. يستكشف جلاجل، مثلًا، إمكانية اعتبار الكائنات غير البشرية ذات شخصية أخلاقية من منظور الفقه السنّي الكلاسيكي، ما يشير إلى إمكانية مساءلتها بطرق مماثلة لمساءلة البشر. وبالمثل، يسلّط عبدالله الضوء على علماء الإسلام ما قبل العصر الحديث، الذين تكهّنوا بشأن وجود كائنات من "كواكب أرض" أخرى وكيف يمكن أن تشملهم رسالة النبي. تُظهر وجهات النظر هذه أن الفكر الإسلامي يمتلك الموارد الفكرية للإقرار بوجود كائنات خاضعة للمساءلة الأخلاقية وربما متلقّية للوحي أيضًا، سواء من خلال القرآن أو أي شكل آخر من أشكال الهدي الإلهي.
أنا شخصيًّا منفتح جدًّا على هذه الفكرة، لأنها تتواءم مع المرونة الفقهية المتوفرة بالفعل في التقليد الإسلامي حول إمكانية وجود كائنات عاقلة غير الإنس والجن. ولكن لا يتفق الجميع مع هذا الموقف. فقد يجادل بعض العلماء بأن القرآن موجّهٌ صراحةً إلى البشر، وبالتالي، فإن أهميته للذكاء غير البشري محدودة أو معدومة. وقد يعود آخرون إلى المناقشة عن "أفضل الخلق" ويستخدمون هذا المفهوم للمجادلة إما بأن الحياة الذكية خارج الأرض غير موجودة، وإما بأن هذه الأشكال من الحياة، في حال وُجدت، ستكون في جوهرها بمنزلةٍ أدنى من البشر.
وهذا يرتبط بكيفية فهم العلماء لمفهوم "الأفضل". إذا قمنا بتعريف "الأفضل" من حيث القدرة الروحية أو المساءلة الأخلاقية فقط، يمكن أن يحافظ البشر عندئذٍ على مكانتهم الفريدة. ولكن إذا دخل الذكاء أو معايير أخرى في المعادلة، تصبح المناقشة أكثر تعقيدًا. قد يصرّ البعض على أن تعريف "الأفضل" ينطوي ضمنًا على علاقة فريدة مع الله لا يمكن للكائنات الأخرى مضاهاتها، حتى لو كانت عاقلة وذكية. تسلّط هذه التفسيرات المختلفة الضوءَ على التنوّع داخل الفكر الإسلامي وتشير إلى أن هذا النقاش بعيدٌ كل البعد عن الحسم.