سيطرت قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة الأسبوع الفائت على عددٍ من المدن والبلدات المهمة في محافظة دير الزور بعد أن انسحبت منها قوات النظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران. والآن بعد الإطاحة ببشار الأسد، قد يمنح ذلك قوات سورية الديمقراطية ورقة ضاغطة في المباحثات حول مستقبل سورية. لكن هذا الوضع يمكن أن يؤدّي أيضًا إلى معارك على النفوذ بين "قسد" والفصائل المسلحة المنافسة لها، وإلى إنهاك وحداتها وسط استمرار الهجمات التي تشنّها الفصائل المدعومة من تركيا.
حتى فترة ليست ببعيدة، كانت محافظة دير الزور منقسمة بين قوات سورية الديمقراطية المتمركزة في الضفة الشرقية لنهر الفرات، وقوات النظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران والجيش الروسي في غرب الفرات. وفي 3 كانون الأول/ديسمبر، وسط تقدّم فصائل المعارضة في شمال غرب سورية، أعلن مجلس دير الزور العسكري المنضوي تحت قيادة "قسد" أن قواته ستبسط سيطرتها على سبع قرى في ريف دير الزور الشرقي، هي: الصالحية، وطابية، وحطلة، وخشام، ومرّاط، ومظلوم، والحسينية. وأتى ذلك بعد انسحاب القوات الروسية من هذه القرى. خلال عملية "قسد"، أعلنت القيادة المركزية الأميركية أن قواتها في المنطقة شنّت ضربات دفاعية ودمّرت عددًا من منظومات الأسلحة التابعة لقوات النظام السوري، بما في ذلك ثلاث قاذفات صواريخ متعدّدة مُثبَّتة على شاحنات، ودبّابة من طراز T-64، إضافةً إلى مدافع هاون. وقد انتشر مقطع فيديو تظهر فيه الطائرة المقاتلة من طراز A-10 Thunderbolt التابعة للقوات الجوية الأميركية والمُصمَّمة لتوفير الإسناد الجوّي القريب للقوات البرية، وهي تحلّق فوق دير الزور.
ادّعت قناة الميادين الموالية لإيران أن الهجوم الهادف إلى السيطرة على هذه القرى قد مُني بالفشل، ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يقع مقرّه في المملكة المتحدة النبأ نفسه. لكن وفقًا للباحث السياسي السوري محمد إبراهيم، فإن قوات سورية الديمقراطية "توقفت لأن التحالف لم يكن يريدها أن تقاتل ضدّ أي طرف غير [تنظيم الدولة الإسلامية]".
على مدى سنوات، طالب النازحون من هذه القرى، والذين كانوا يعيشون بالقرب من القاعدة الجوية الأميركية في حقل كونيكو للغاز، قوات سورية الديمقراطية بإخلاء هذه القرى. أبلغني هيبار عثمان، وهو صحافي على الأرض هناك: "هم يريدون العودة إلى أماكن إقامتهم الأصلية. وقال السكان المحليون إن مجلس دير الزور العسكري أجّل العملية في الوقت الراهن، وأعطى مهلةً من الوقت للميليشيات [المدعومة من إيران والمنتشرة في القرى] كي تغادر هذه المنطقة من دون قتال". وبالفعل، بعد يومَين فقط، أي في 5 كانون الأول/ديسمبر، انسحبت قوات النظام والميليشيات المدعومة إيرانيًا من القرى، وسط إحراز هيئة تحرير الشام تقدّمًا إضافيًا في شمال غرب سورية. لكن بعد خروج قوات النظام والمجموعات المسلحة المدعومة من إيران، "دخلت قوات سورية الديمقراطية لمنع انتشار الفوضى أو توغّل [تنظيم الدولة الإسلامية]"، على حدّ تعبير إبراهيم، وحصلت على دعم الولايات المتحدة للتقدّم نحو أجزاء أخرى من دير الزور.
هذا وأصدرت قوات سورية الديمقراطية بيانًا في 5 كانون الأول/ديسمبر، بعد إعلان تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته على مساحات واسعة من بادية حمص ودير الزور، بأنها ستتدخّل فورًا لصدّ أي محاولة تمدّد يبذلها التنظيم. وأخبرتني سينام محمد، ممثّلة مجلس سورية الديمقراطي في الولايات المتحدة، وهو الجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية، أن "]تنظيم الدولة الإسلامية[ موجودٌ في البادية ]السورية[، وهدفت قوات سورية الديمقراطية إلى تأمين الحماية لأهلنا في دير الزور". وبعد ذلك بوقت قصير، عبرت "قسد" نهر الفرات لتنشر وحداتها في المناطق الواقعة غرب محافظة دير الزور.
أفادت تقارير بأن تحرّك قوات سورية الديمقراطية أعقب اجتماعًا بين التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ومسؤولي "قسد". وأكّدت ممثّلة مجلس سورية الديمقراطي على أن هذه الخطوة حظيت بدعم واشنطن. وأشار الحساب الرسمي لقوة المهام المشتركة للعمليات الخاصة – المشرق العربي على منصّة "إكس" في تعليق على منشور لقوات سورية الديمقراطية إلى أن "شركاءنا في سورية، قوات سورية الديمقراطية، ملتزمون بمهمة إلحاق الهزيمة [بتنظيم الدولة الإسلامية] وضمان أمن سورية".
في غضون ذلك، أكّد القائد العام لـ"قسد"، مظلوم عبدي، على تقدّم قواته في دير الزور لتأمين المنطقة، معلنًا عفوًا تامًّا في تلك المناطق. ودعا أيضًا "الأهالي والعشائر إلى منع الفوضى وحماية المنطقة". وأصدرت قيادة مجلس دير الزور العسكري بيانًا يوم 3 كانون الأول/ديسمبر، جاء فيه: "إن دخول قواتنا إلى تلك القرى يأتي تلبيةً لنداء ومناشدات أهاليها إثر تزايد المخاطر المحتملة باستغلال تنظيم ]الدولة الإسلامية[ الإرهابي للأحداث غربي البلاد".
أبلغني نيكولاس هيراس، وهو محلّل في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة في واشنطن، ما مفاده: "من شأن السيطرة على دير الزور وإدارة شؤونها بنجاح أن توفّرا لقوات سورية الديمقراطية، وخاصة المكوّنات العربية داخلها، فرصةً لتقديم نموذج حكم بديل للأسد في تلك المنطقة من سورية". ونتيجةً لذلك، تمكّنت "قسد" بعد انسحاب قوات النظام ليس فقط من السيطرة على القرى السبع، بل أيضًا على مدينة دير الزور والبوكمال والميادين والقورية، إضافةً إلى نواحٍ أخرى على طول نهر الفرات. إضافةً إلى ذلك، أبلغني هيبار عثمان أن "قسد" سيطرت أيضًا على السبخة ومعدان الواقعتَين في جنوب محافظة الرقة.
وأطلعني ناشطٌ مقيم في دير الزور، طلب عدم الكشف عن اسمه، على أن قوات النظام انسحبت من دير الزور وخيّرت القوات المحلية التابعة لها بين إما المغادرة معها، أو البقاء في المنطقة، قائلًا: "ترك النظام أسلحته مع الجهات التي بقيت في دير الزور".
وذكر هذا الناشط أن بعض السكان المحليين لا يريدون العيش "تحت حكم الأكراد" وأنهم ربما يفضلون فصائل المعارضة السورية عليهم. إضافةً إلى ذلك، أشار إلى أن القوات التابعة للنظام التي بقيت في البلدة قامت بأعمال نهبٍ واعتدت على الناس وفتحت السجون، قائلًا: "تسود حالةٌ من الاضطراب الأمني التامّ". وأفادت تقارير بأن قوات سورية الديمقراطية اشتبكت مع بعض الجماعات المحلية، بما في ذلك جماعة يقودها مهنا الفياض، شيخ عشيرة البوسريا الذي تعاون مع النظام والقوات الإيرانية.
مع خروج إيران من المشهد، قد تكون تركيا مهتمة بتقديم الدعم المالي للجماعات القادرة على تقويض "قسد" في دير الزور. وهي تدعم أيضًا جماعات مثل فصيل أحرار الشرقية في شمال سورية، الذي يتألّف من مقاتلين جلّهم من دير الزور. وقد ادّعى البعض على وسائل التواصل الاجتماعي بأن هذا الفصيل كان يتقدّم نحو مدينة الميادين في محافظة دير الزور.
إذا ازدادت الاضطرابات، قد تصبح قوات سورية الديمقراطية مضطرّة إلى الانسحاب من بعض نواحي دير الزور، إلّا إذا قدّمت لها الولايات المتحدة الدعم ضدّ الفصائل المسلحة التي تظهر حديثًا في المحافظة. من المؤشّرات ربما على المرحلة المقبلة أن الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا سيطر يوم الثلاثاء على مدينة منبج، فيما امتدّت الاشتباكات إلى سدّ تشرين، ما أشار ربما إلى أن الجيش الوطني السوري ينوي التقدّم نحو مدينة الطبقة.
انتشرت مقاطع فيديو أظهرت مسلّحين محليين يفرضون سيطرتهم على بلداتٍ في ريف دير الزور الغربي، قائلين إنهم ينتمون إلى المعارضة السورية. هذا الوضع قد يتسبّب بوقوع اشتباكات في المستقبل مع "قسد"، التي ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنها تسيطر على أحياء غازي عياش، والموظفين، والقصور، والجورة في مدينة دير الزور. في غضون ذلك، باتت مناطق أخرى كان يسيطر عليها النظام غربي نهر الفرات خاضعةً لسيطرة فصائل المعارضة. كذلك، انسحبت "قسد" من مدينتَي البوكمال والميادين، وغالب الظنّ أنها ستنسحب أيضًا من مدينة دير الزور قريبًا، بعد حادثة إطلاق النار على متظاهرين هناك طالبوها بالخروج من المدينة في 9 كانون الأول/ديسمبر.
خاضت قوات سورية الديمقراطية خلال فترة 2023-2024 مواجهاتٍ ضدّ عددٍ كبير من الميليشيات التابعة للعشائر والمدعومة من إيران والحكومة السورية، بعد أن أقدمت في آب/أغسطس 2023 على اعتقال قائد مجلس دير الزور العسكري أبو خولة، على خلفية الاشتباه بتحوّل ولائه نحو النظام. ومنذ ذلك الحين، شنّت المجموعات المدعومة من إيران والحكومة السورية هجمات عدّة ضدّ قوات سورية الديمقراطية في الضفة الشرقية لنهر الفرات، بقيادة شيخ عشيرة العكيدات إبراهيم الهفل، اسميًا على الأقل. وزُعم أيضًا أن مناصري الهفل أطلقوا النار على مقاتلي "قسد" بعد سيطرتهم على مدينة الميادين.
وفي حديث مع ألكسندر ك. ماكيفير، الذي يدير حسابThis Week in Northern Syria (هذا الأسبوع في شمال سورية) على منصّة Substack، قال لي ما مفاده: "نظرًا إلى الخطر الذي يطرحه هذا الفراغ، والمتمثّل في إمكانية عودة تنظيم الدولة الإسلامية، أعتقد أن أهمية قوات سورية الديمقراطية تضطلع بأهمية أكبر للتحالف ولصنّاع السياسات الأميركيين". ومن الجدير بالذكر أن القوات الأميركية شنّت غارات جوية على 75 هدفًا في شرق سورية يوم 8 كانون الأول/ديسمبر باستخدام طائرات متنوّعة تابعة لسلاح الجوّ، من بينها قاذفات من طراز B-52 ومقاتلات F-15 وطائرات A-10.
مع ذلك، لا بدّ من انتظار التدابير التي ستتّخذها إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب. فبينما كان الثوّار يتقدّمون نحو دمشق وحمص في 7 كانون الأول/ديسمبر، كتب ترامب على منصة "أكس": "هذه ليست معركتنا"، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى بمنأى عن الصراع في سورية. لكن إدارة بايدن ما زالت تدعم قوات سورية الديمقراطية، مؤكّدةً على أن الولايات المتحدة ستبقى في سورية. وأفاد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك سوليفان يوم 7 كانون الأول/ديسمبر بأن إحدى أولويات الإدارة الأميركية تمثّلت في منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، وبأن بلاده ستواصل العمل مع "قسد" في هذا الصدد. وكانت إدارة بايدن قد أجرت محادثات مع مسؤولين أتراك بهدف وقف الهجمات التي تشنّها الفصائل المدعومة من تركيا ضدّ "قسد". وبحث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتّصال هاتفي مع نظيره التركي يشار غولر التطوّرات في سورية يوم 9 كانون الأول/ديسمبر. لكن ذلك لم يَحُل دون إلحاق الهزيمة بقوات سورية الديمقراطية في مدينة منبج.
بعد الهزيمة التي مُنيَ بها تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2019 وخسارته للأراضي التي كان يسيطر عليها، وانسحاب إيران من سورية، لم يعد ثمّة أساسٌ للحجّة القائلة إن تراجع القوات الأميركية في سورية قد يُفسح المجال أمام دخول الميليشيات المدعومة من إيران إلى مناطق سيطرة "قسد". مع ذلك، لا تزال خلايا تنظيم الدولة الإسلامية النائمة منتشرة في شمال شرق وشمال غرب سورية، ولا سيما في بادية دير الزور وحمص. وفي حال انسحبت الولايات المتحدة، قد تستغلّ هذه الخلايا حالة الفوضى ليفرّ الآلاف من مقاتلي التنظيم وعائلاتهم المحتجزين في سجون ومخيّمات تابعة لقوات سورية الديمقراطية.
*نُشر المقال باللغة الإنكليزية في تاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر، وطرأت منذ ذلك الحين تطوّرات جديدة على مشهد شرق سورية، من ضمنها انسحاب قوات سورية الديمقراطية من مدينة دير الزور وغيرها.