المصدر: Getty
مقال

حزب الله يحاول إعادة فرض نفوذه

تشير خطوات الحزب المتهوّرة إلى تململٍ في صفوفه، لكن لبنان بحاجةٍ إلى حكومة على جناح السرعة لملء الفراغ الخطير.

نشرت في ٢٩ يناير ٢٠٢٥

إن كان ثمّة جملة واحدة كفيلةٌ بشرح ما حدث يوم الأحد في لبنان، حين قتل جنودٌ إسرائيليون 21 لبنانيًا من المدنيين العائدين إلى قراهم، إضافةً إلى جندي في الجيش اللبناني، فهي تلك التي صدرت عن لسان أحد نواب حزب الله، حسن فضل الله. فقد أعلن قائلًا: "ها هي معادلة الجيش والشعب والمقاومة. المقاومة قاتلت هنا حتى اليوم الأخير في عيتا الشعب. الشعب فتح الطريق للجيش. الشعب تقدّم إلى عيتا وحرّر عيتا ]...[ لتتكرّس بدماء شهدائنا، بصمود شعبنا، هذه المعادلة التاريخية الباقية".

يحاول حزب الله إحياء ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة سعيًا إلى إعادة فرض نفسه شريكًا على قدم مساواة مع الدولة اللبنانية والجيش، وإدراج هذه الصيغة في البيان الوزاري الذي ستعدّه الحكومة المقبلة، إلّا أن طموحه هذا يلقى رفضًا في أوساط الكثير من اللبنانيين. بدا واضحًا أن حزب الله أدّى دورًا أساسيًا في تشجيع الجنوبيين على العودة إلى قراهم في نهاية الأسبوع الماضي، مدركًا أن ذلك سيدفع إسرائيل إلى إطلاق النار عليهم. وسيسعى الحزب أيضًا إلى استغلال قرار إسرائيل تأجيل انسحابها من الجنوب، إلى جانب اعتدائها على المدنيين العزّل، لزعزعة النظام السياسي الجديد الذي يحاول الأميركيون، والسعوديون، والفرنسيون خصوصًا إرساءه. وللحؤول دون ذلك، وافق لبنان على تمديد ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حتى 18 شباط/فبراير المقبل، وبدء المفاوضات بشأن إعادة الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل.

هذا وقد شجّع حزب الله على ما يبدو شبّانًا محازبين له ليل الأحد على تنفيذ مواكب سيّارة على متن درّاجاتهم النارية، فجابوا مناطق غير شيعية في بيروت وغيرها رافعين أعلام الحزب ومطلقين الزمامير، في تكتيكٍ آخر يرمي إلى ترهيب خصومه. لكن هؤلاء الشبّان اصطدموا ردود فعلٍ عنيفة من السكان في عددٍ من الأماكن، ما أدّى إلى وقوع إشكالات. وقد تدخّل الجيش لمنع مناصري الحزب من التجوّل، وظهر جليًا أنهم يواجهون الآن صعوبةً أكبر في دخول الأحياء غير الخاضعة لسيطرة الثنائي الشيعي من دون التعرّض إلى هجوم.

وإذا كان البعض يلمس تهوّرًا من جانب حزب الله، فهذا لأنه يحاول جاهدًا إثبات وجوده وسط مشهدٍ سياسي لبناني يتّجه بحزمٍ بعيدًا عن خياراته. واقع الحال أن معظم اللبنانيين ضاقوا ذرعًا بالحزب ومساعيه الرامية إلى إعادة فرض هيمنته. في غضون ذلك، تظهر أجواءٌ من التململ في أوساط المجتمع الشيعي، لأنهم لا يعرفون من سيُعيد إعمار القرى والمنازل التي هدّمتها الحرب الأخيرة مع إسرائيل، أو حتى متى سيحصل ذلك، إن كان سيحدث أساسًا.

يتطلّب هذا الوضع نجاح رئيس الوزراء اللبناني المكلّف، نواف سلام، في تشكيل حكومةٍ جديدة هذا الأسبوع، بدلًا من إدامة حالة الفراغ التي يمكن لحزب الله استغلالها. إن الجهود التي يبذلها سلام لتشكيل حكومة توافقية جديرةٌ بالثناء، لكنها أيضًا خاطئة في هذه المرحلة. فحزب الله وحليفته حركة أمل التي يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليس لديهما مصلحة في تسهيل التوصّل إلى توافق. بل يعتزمان تقويض العهد الرئاسي الجديد وتحييد دور جوزاف عون، في ظلّ عدم اكتراثهما بالوعود التي قطعها سلام بإعادة إعمار القرى والمنازل المهدّمة في المناطق ذات الغالبية الشيعية. فهما لا يريدان أن يُنظر إلى الدولة على أنها تحقّق نجاحًا في هذا المسعى، بل يودّان منها توفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار، ليستأثرا بعدئذٍ بعملية التنفيذ.

أمّا بري، الذي كان الشخصية السياسية المركزية في لبنان طيلة عامَين، فغيرُ مسرورٍ الآن بإحالته إلى دورٍ ثانوي في سيناريو يتمحور حول جوزاف عون. يسعى رئيس مجلس النواب على الأرجح إلى افتعال أزماتٍ داخل مؤسسات الدولة، تتيح له أن يصبح الوسيط الأساسي مع حزب الله، ما يؤدّي إلى تعزيز سلطته. ومع أن الجهود التي بذلها بري خلال الحرب مع إسرائيل كانت ضروريةً، هو يخشى اليوم أن تتخطّاه الديناميات السياسية الجديدة في لبنان، وسيقاتل لتفادي ذلك.

إن لبنان بحاجة ماسّة إلى وزير خارجية قادرٍ على السفر إلى واشنطن لضمان التزام الأميركيين بتطبيق شروط اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسّطوا في إبرامه، وبانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان بحلول 18 شباط/فبراير. فكلّ يوم يبقى فيه الإسرائيليون في الجنوب يسهم في تعزيز سردية حزب الله حول المقاومة. ونظرًا إلى أن الولايات المتحدة ضمنت لإسرائيل بموجب وثيقة جانبية تحديد خروقات اتفاق وقف إطلاق النار وحرية الردّ عليها في حال لم يتمكّن الجيش اللبناني من التصدّي لها، ما من سببٍ يدعو الإسرائيليين إلى البقاء في الجنوب.

لعون وسلام مصلحة في التنسيق على نحوٍ وثيق في هذا الصدد. وعلى رئيس الوزراء المكلّف أن يقبل بأن رئيس الجمهورية هو الشخصية المحورية في نظر الدول العربية والولايات المتحدة وفرنسا. وعلى الرغم من الاحترام الذي يحظى به سلام، لا تزال الرئاسة في بداياتها، وتتمثّل أولوية رئيس الوزراء في ضمان انطلاقةٍ ناجحة للعهد الرئاسي الجديد. علاوةً على ذلك، سيكون عمر الحكومة قصيرًا، لمدّة عامٍ ونيّف فقط، إلى حين إجراء الانتخابات النيابية المقبلة، لذا ستتمثّل مهمة سلام الأساسية في البدء بتنفيذ مجموعة واسعة من أهداف السياسة العامة مع عون، والتي ستتجاوز إلى حدٍّ بعيد موعد الانتخابات لترسم معالم العهد الرئاسي طوال ست سنوات.

لكن حزب الله لا ينوي السماح للرئيس بتحقيق ما كان ربما أبرز وعوده، أي تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح. وقد ورد دليلٌ على ذلك في مقالٍ نشرته صحيفة صنداي تايمز البريطانية في 26 كانون الثاني/يناير، وجاء فيه أن رئيس فرع مخابرات الجنوب في الجيش اللبناني سرّب معلومات سرّية إلى حزب الله من اجتماعات اللجنة الخماسية، التي تشرف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. وذكرت الصحيفة أنها اطّلعت على "تقريرٍ استخباراتي" يُفيد بأن الضابط المذكور، وهو من الجنوب، كان "واحدًا من بين عشرات الضباط في الجيش اللبناني الذين سرّبوا معلوماتٍ إلى حزب الله، وأعطوه تحذيرًا مسبقًا بشأن المداهمات أو الدوريات، ما سمح لعناصره بإزالة الأسلحة وتجنّب ضبطها".

إن صحّت هذه الرواية (علمًا أن قيادة الجيش اللبناني نفت لاحقًا ما أوردته الصحيفة)، فهذا يعني أن على عون الإسراع في تعيين رجاله في مناصب استراتيجية، كي يتمكّن لبنان من تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701. ويبدو من المعطيات حول مفاوضات تشكيل الحكومة أن رئيس الجمهورية يسعى إلى إحكام سيطرته على الجيش والأجهزة الأمنية المحلية على السواء من خلال الأسماء التي يقترحها لتولّي حقيبتَي الدفاع والداخلية.

يجب أن نفترض أن أجندة عون تتوافق إلى حدٍّ كبير مع أجندة المجموعة الخماسية من أجل لبنان. بتعبيرٍ آخر، يتّضح أن هامش المناورة المُتاح أمام سلام ضيّقٌ جدًّا في تشكيل حكومةٍ تُرضي جميع الكتل النيابية، كما بدا أنه يفضّل في بداية الأسبوع الماضي. لدى رئيس الجمهورية رؤيته الخاصة للحكومة، وثمّة تقارير غير مؤكّدة تفيد بأنه أقلّ اهتمامًا بالتوصّل إلى توافق ممّا هو بتشكيل حكومة فعّالة تُحدِث قطيعةً مع الماضي وتبدأ العمل فورًا، حتى لو أن هامش التصويت على نيل الثقة سيكون أضيق من المعتاد. في مطلق الأحوال، بمجرّد أن تضمن حكومة سلام العتيدة حصولها على أكثرية 65 صوتًا، سيزداد هذا العدد نظرًا إلى أن كتلاً كثيرة ستمنحها الثقة في حال بلوغها هذه العتبة.

حتى أواخر الأسبوع الماضي، ظهر وكأن عون وسلام لديهما رؤيتان متضاربتان. وبدا أن التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء المكلّف من قصر بعبدا في 21 كانون الثاني/يناير وقال فيه "أنا مش ليبان بوست"، يشير إلى أن عون أوضح في اللقاء الذي جمعهما أن تشكيل حكومة وحدة وطنية تسترضي جميع الأطراف، وخصوصًا حزب الله وحركة أمل، ليس المسار الصحيح. وإذا أدرك سلام ما هو على المحك وأن مساعيه تخضع إلى مراقبةٍ عن كثب ليس من جانب الرئيس فحسب، بل أيضًا من جانب المجموعة الخماسية، فسيَعي عندئذٍ أنه جزءٌ من مشروعٍ سياسي أكبر منه.

سلام شخصٌ ذو معدنٍ جيّد وملتزمٌ حقًا بالعملية الإصلاحية، ولكن من المهم ألّا تلهيه التفاصيل عن الأهداف الكبرى. ففيما يحاول حزب الله جاهدًا لملمة خسائره بعد هزيمته أمام إسرائيل، أيُّ تأخيرٍ إضافي في تشكيل الحكومة وفرض سلطة الدولة جنوب نهر الليطاني هو أمرٌ يتعارض مع رغبات الكثير من القوى المحلية والخارجية على السواء. وما لم يُسارع رئيس الوزراء المكلّف إلى تلبية هذه الرغبات، قد تنجح بعض الجهات في حرمان البلاد من الميزات التي يتّسم بها.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.