المصدر: Getty
مقال

نواف سلام قادرٌ على تحقيق مراده

في ظلّ سعي رئيس وزراء لبنان المكلّف إلى تشكيل الحكومة، عليه أن يتذكّر أوراق القوة في حوزته.

نشرت في ٢٣ يناير ٢٠٢٥

ليس مفاجئًا أن رئيس الوزراء اللبناني المكلّف، نواف سلام، يحاول جاهدًا شقّ طريقه في وحول سياسات تقاسم السلطة في البلاد. هذه الصورة تخيّب آمال اللبنانيين الذين رحّبوا بانتخاب الرئيس جوزاف عون باعتباره يحدث قطيعةً مع الممارسات الشائنة التي سادت في السابق. مع ذلك، يتمتّع عون وسلام بالكثير من المقوّمات التي تعمل لصالحهما، لذا ينبغي عليهما الآن خوض معركة من أجل التغيير الذي يتحدّثان عن تحقيقه.

في المرحلة الراهنة من التأليف، ما زال النقاش بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يدور حول شكل الحكومة العتيدة. ويبدو أن ما من أسماء اقتُرحَت، لكننا ربما بصدد البدء بهذه العملية. يوم الثلاثاء، ردّ سلام بحزم على الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، اللذَين حاولا فرض شروط على تعيين الوزراء الشيعة. فقد قال، "أنا مش ليبان بوست"، في إشارةٍ إلى شركة البريد الوطنية، موضِحًا عزمه على تسمية الوزراء وفقًا لقناعاته الخاصة وتنفيذًا لوعوده.

سلام محقٌّ في توجيه رسالة عالية النبرة إلى الحزبَين، لكن سيكون مبرّرًا له أيضًا أن يفعل ذلك مع جميع الكتل النيابية. وينصّ دستور ما بعد الطائف على أن رئيس الوزراء يجري الاستشارات مع النواب لتشكيل الحكومة، إلّا أن سلام غير ملزمٍ بأخذ ما يقولونه في الاعتبار. فالكلمة الأخيرة لمجلس النواب تتمثّل في إعطاء الثقة للحكومة، وعلى سلام استغلال هذا الهامش لتحقيق رغبته، بالاتفاق مع عون. والأهم أن عليه وضع خطوط حمراء وتجنّب الذهاب في اتّجاهٍ لا يريده هو ورئيس الجمهورية، وهنا يكمن التحدّي.

أكّد سلام في أحد تصريحاته الأولى أنه لن يلجأ إلى المحاصصة في تأليف الحكومة، أي أسلوب العمل التقليدي الذي حوّل كل الحكومات اللبنانية إلى كيانات غير منتجة ومشلولة تتقاسمها الأحزاب السياسية الطائفية. مع ذلك، استمر حزب الله وحركة أمل (ولَيْسا الوحيدَين في ذلك) في مقاربةِ عملية تشكيل الحكومة العتيدة وفقًا لغرائزهما السابقة نفسها. فهما مصرّان على بقاء حقيبة المالية بيد وزيرٍ شيعي، وعلى تسمية جميع الوزراء الشيعة، وحتى على تثبيت حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، في موقعه، على الرغم من أن هذا المنصب تشغله تقليديًا شخصية مارونية.

ثمّة أسباب تكتيكية وراء مطالب حزب الله وأمل. فهما معاديان للبرنامج السياسي الذي أعلن عنه كلٌّ من عون وسلام، ويسعيان إلى تقويضهما في بداية الولاية الرئاسية. مع ذلك، في حوزة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المُكلّف أيضًا أسلحةٌ من نوعٍ آخر، عليهما البدء باستخدامها فورًا.

بدايةً، على عون وسلام التمسّك بثلاثة خطوط حمراء. أولًا، يجب منع حزب الله وحركة أمل من تأمين الثلث المُعطّل – أي ثلث المقاعد الوزارية زائد واحد – ما يمكّنهما من إسقاط الحكومة عند استقالة وزرائهما، وتعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء، وفرض تفضيلاتهما في البيان الوزاري. ينبغي على عون وسلام أيضًا رفض النسخة المقنّعة من الثلث المُعطّل، والتي بموجبها لا يكون لحزب الله وأمل رسميًا أكثر من ثلث عدد الوزراء، لكنهما يتحكّمان خلسةً بقرارات وزيرٍ إضافي يُعتقَد ظاهريًا أنه من حصة حزبٍ آخر في الحكومة.

والخط الأحمر الثاني هو أن على الرجلَين رفض أي ذكرٍ لثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة"، التي أُدرجَت في جميع البيانات الوزارية خلال السنوات الأخيرة. لقد وضعت هذه الصيغة فعليًا حزب الله والجيش اللبناني على المستوى نفسه من حيث حمل السلاح، لكن ذلك لم يَعُد مقبولًا في ظلّ معارضة غالبيةٍ كبيرة من اللبنانيين ترسانة الحزب المستقلة. ونظرًا إلى تعهُّد عون في خطاب القسم، وعلى وقع التصفيق الحار، بأنه سيعمل على "تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح"، باتت الموافقة على صيغة "الجيش والشعب والمقاومة" أمرًا مستحيلًا.

أما النقطة الثالثة التي ينبغي على عون وسلام جعلها غير قابلة للنقاش فهي حقّ رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء في تعيين الوزراء الشيعة، بغضّ النظر عمّا يفضّله حزب الله وحركة أمل. فلا شيء في الدستور يمنح الأحزاب السياسية الطائفية الحقّ في تسمية جميع الوزراء من طائفتها. سيكون ردّ الثنائي الشيعي بأن أيّ رفضٍ لمنحهما رغبتهما يتعارض مع الميثاق الوطني، ولكن هذا كلامٌ فارغ. فالتمثيل الطائفي ليس مرتبطًا بالأحزاب السياسية، بل بالطوائف، وسلام لا يحرم الطائفة الشيعية بأيّ شكلٍ من الأشكال نصيبها العادل من الوزراء.

إذا مضى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في هذه الشروط، فبماذا يخاطران؟ هل برفض الثنائي الشيعي المشاركة في الحكومة؟ لن يحصل ذلك. فمن المستحيل أن يتجنّب حزب الله وأمل المشاركة، لسببَين: الأول أنهما لا يريدان التخلّي عن هامش المناورة لعون وسلام كي يتّخذا خطواتٍ قد تُضعف الثنائي أكثر. والسبب الثاني هو أنهما إذا خرجا من الحكومة، فغالب الظنّ أن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلّف سيحصلان على التمويل الخارجي، ولا سيما التمويل العربي، لإعادة إعمار المناطق ذات الغالبية الشيعية في لبنان. بتعبيرٍ آخر، ستكون حكومةٌ يغيب عنها حزب الله وأمل هي المسؤولة عن إعادة إحياء المناطق الشيعية، الأمر الذي سيُبرِز تقصير حزب الله وإيران في هذا المجال. من غير المعقول أن يضع الحزب والحركة نفسيهما في هذا الموقف الذي لن يؤدّي إلّا إلى تعزيز مصداقية الدولة لدى الكثير من الشيعة.

قد يلجأ حزب الله وحركة أمل إلى حيلةٍ أخرى فيرفضان منح الحكومة الثقة. وأين المشكلة في ذلك؟ فمن شبه المؤكّد أن حكومة سلام، إذا ما نُظِر إليها على أنها إصلاحية حقًّا، ستنال الثقة بسهولة في مجلس النواب. هذا كل ما يحتاج إليه سلام، وإذا كان الحزبان الشيعيان غير راضيَين، فلمَ يجب أن يحظى ذلك بأهمية؟ إن لبنان قادرٌ على العمل بشكل شرعيّ حتى من دون إجماعٍ مطلقٍ على جميع القرارات في الدولة، والأوان قد آن لإثبات ذلك.

لكن ماذا لو لم تنَل حكومة سلام الثقة بطريقة ما؟ ينبغي على عون ورئيس الوزراء الذي كلّفه أن يقدّما حكومتهما من خلال إبراز نواياهما الإصلاحية، والتأكيد على إيمانهما بأن لبنان لم يَعُد قادرًا على الاستمرار كما كان طيلة العقد ونصف العقد الماضيَين، وتوضيح أن عدم فوز الحكومة بتصويت الثقة قد يطيح على الأرجح بفرص الحصول على المساعدات العربية لإعادة إعمار المناطق المنكوبة في البلاد. ويمكنهما تذكير الجميع بأن خطوطهما الحمراء ترمي إلى تحقيق الأهداف التي أفصحا عنها علنًا، والتي رحّب بها معظم اللبنانيين، ويعود إذًا إلى مجلس النواب تحمّل مسؤولية نتيجة تصويته. عندئذ يمكن لسلام أن ينهي عمله مُعلنًا أن لا مصلحة له في تشكيل حكومةٍ محكوم عليها بالفشل، وإذا لم تُمنَح الثقة، فسيعود إلى منزله بسرور ليستمتع بحياته.

يقع على عاتق سلام في هذه المرحلة واجبٌ واحدٌ فقط، وهو تشكيل حكومة تلبّي تفضيلاته وتفضيلات جوزاف عون، وتتمكّن من نيل الثقة في مجلس النواب. هذا ما ينصّ عليه الدستور، ونقطة على السطر. يجب أن يعي كلٌّ من حزب الله وحركة أمل أن أيّ تأخير في ذلك سيضرّ بمصالحهما، لأنه يعني إهدار المزيد من الوقت في تأمين التمويل اللازم لإعادة إعمار المناطق الشيعية، في ظلّ تزايد الاستياء داخل المجتمع الشيعي بسبب عواقب حرب حزب الله. والأمر الأشدّ ضررًا أن أيّ تباطؤٍ في عملية تشكيل الحكومة من شأنه أن يمنح إسرائيل ذريعةً للبقاء في الجنوب، ولن تكون إدارة ترامب الحالية هي التي ستضغط عليها للانسحاب قريبًا.

أخيرًا، لا بدّ لسلام، وهو علماني، أن يحسم دوره. سواء لعب الورقة الطائفية أم لا، ينبغي أن يُحدَّد موقفُه استنادًا إلى حقيقة بسيطة وهي أنه يقف، في لبنان وسورية، في طليعة طائفةٍ سنّيةٍ استعادت حيويّتَها. فهو إذًا في موقعٍ يسمح له بتشكيل حكومته مع الثقة المُصاحِبة لهذا الوضع. لا حاجة له إلى الإذعان لترهيب خصومه السياسيين، إذا كانت الشروط التي يسعون إلى فرضها لن تؤدّي سوى إلى إحباط مساعيه.

يمتلك سلام أوراق القوة في مواجهته مع الثنائي الشيعي، إذ يحظى بدعم رئيس الجمهورية، ومعظم اللبنانيين، وطائفته، والدول العربية ودول العالم، ناهيك عن أنه مدعومٌ من الدستور. ما من سببٍ ببساطة يدعوه إلى التنازل عن طموحاته إذا لم يكن مضطّرًا إلى ذلك. قد يحتاج إلى خوض عراكٍ سياسي لتحقيق الفوز، ولكن يجب أن يدرك أن الظروف لن تكون مؤاتيةً أكثر ممّا هي الآن.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.