من القصص غير المعروفة على نطاق واسع في سياق الصراع اليمني أن لحركة أنصار الله (المعروفة بالحوثيين) كتائب عسكرية نسائية بالكامل تحمل اسم الزينبيات. وتضمّ في صفوفها نساءً وفتيات يتحدّرن من طبقات اجتماعية فقيرة ومن فئة المهمّشين (وهم يمنيون يُزعم أنهم من أصول أفريقية ويتعرّضون للتمييز العنصري)، وخضعن للتدريب وفقًا لبروتوكولات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
تشكّلت كتائب الزينبيات في محافظة صعدة منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، ونشطت خلال الحروب الستة التي دارت بين الحوثيين والدولة. لكن دورها تعاظم بعد سيطرة الحوثيين على اليمن في أيلول/سبتمبر 2014، وركّز على جمع معلومات استخبارية وتقديم دعمٍ لوجستيٍ للحوثيين، فضلًا عن نشر إيديولوجيا الحركة. وأفادت تقارير إلى أن كتائب الزينبيات تلّقت تدريباتٍ في العاصمة اليمنية صنعاء ولبنان وإيران. ويُقال إن هذه الكتائب اليمنية مستوحاةٌ من الوحدات النسائية لقوات الباسيج شبه العسكرية في إيران، كما جرى تشبيهها أيضًا بجهاز شرطة الحسبة التابع لتنظيم الدولة الإسلامية ووحدة الأمن النسائية الإيرانية "فراجا".
تتولّى كتائب الزينبيات مهامّ عدّة، من بينها المشاركة في التجمّعات النسائية، وتجنيد النساء والأطفال، وجمع المعلومات حول مُعارِضي الحوثيين، وكان ظهورها العلني الأول خلال عرضٍ عسكري جرى في صنعاء في العام 2017. يُشار إلى أن ما من معلومات متّسقة أو واضحة حول هيكلها أو عديدها، لكن أشارت تقديرات إلى أن عدد عناصرها تجاوز 4 آلاف امرأة في العام 2022. أما المعلومات المعروفة للعلن فهي أن كتائب الزينبيات مؤلّفةٌ من أربع وحدات تشرف عليها بعض زوجات وشقيقات قادةٍ حوثيين، وهي: القسم العسكري؛ والقسم الإلكتروني، الذي يُعنى أيضًا بما يصدر عبر منصّات التواصل الاجتماعي؛ وقسم الاعتقالات؛ وقسم التجسّس الوقائي، الذي يتولّى التجسّس على اليمنيين.
أما الوحدة التي تمثّل الخطر الأكبر للحرّيات في اليمن، فهي من دون شكّ قسم التجسّس الوقائي، الذي تخترق التجمّعات النسائية غير الرسمية بهدف جمع المعلومات. ففي الثقافة اليمنية، يُقيَّد دخول الرجال، حتى العسكريين منهم، إلى الأماكن المُخصَّصة للنساء. ولذا، تستطيع الزينبيات سدّ هذه الثغرة من دون أن يواجهن نقمةً من القبائل أو النخب في المجتمع. كذلك، يتيح نشر هذه الوحدة للحوثيين الوصول إلى جميع فئات المجتمع والتأثير فيها بشكل كامل، لذا تؤدّي الزينبيات دورًا بارزًا، وإن كان خفيًّا في الغالب، في استراتيجيات الحكم والقمع التي ينتهجها الحوثيون.
وتشمل أنشطة كتائب الزينبيات مداهمة مصليات النساء لإرغام الحاضرات على الإصغاء إلى محاضراتٍ تُشيد بالحوثيين، وترسّخ فكرة أن سلطة الزينبيات وقيادتهنّ شرعيّتان بما أنهنّ من نسل النبي محمد. ويُقال إن جهاز الزينبيات الأمني نفّذ اعتقالات واعتداءات بحقّ ناشطات معارضات للحوثيين، وفَضَّ احتجاجات نسائية، وقام حتى بمهامّ أكثر دناءةً. فقد وردت تقارير تفيد بتورّط الزينبيات في تعذيب نساء محتجزات لإجبارهنّ على الإدلاء باعترافات مُسجَّلة.
فقبل بضع سنوات على سبيل المثال رَوَت ناشطة مُفرَج عنها تُدعى عائشة قصة اختطافها وحبسها في سجن سرّي في صنعاء، قائلةً إنها تعرّضت لاعتداءات جسدية يومية إلى درجة أنها فقدت وعيها مرّات عدّة. وأفادت أيضًا بأنها تعرّضت للتحرّش الجنسي والتهديد بالاغتصاب إذا لم توافق على اتهامات كاذبة بأنها تعاونت مع التحالف بقيادة السعودية. وقد قاومت ذلك طوال شهرَين إلى أن وافقت أخيرًا على تسجيل اعترافٍ مُصوَّرٍ مقابل الإفراج عنها، غير أنها، وبعد تسجيل الفيديو، بقيت في السجن مدّةَ عامٍ وشهرَين.
ومن أفعال الزينبيات الذائعة الصيت اعتقال النساء اللواتي تظاهرن تأييدًا لدفن جثمان علي عبد الله صالح عقب اغتياله في العام 2017. في نهاية المطاف، دفن الحوثيون صالح في موقع مجهول بحضور عددٍ قليلٍ من أفراد أسرته. وكانت المتظاهرات على ثقة بأن الرجال لن يعتدوا عليهنّ، لأن الاعتداء على النساء بهذه الطريقة أمرٌ غير مقبول وفقًا للأعراف اليمنية، إلا أنهنّ تفاجأن بردّ الفعل العنيف للمسلّحين والزينبيات. وبعد أيام قليلة، أجرت الزينبيات عمليات تفتيش للمنازل بحثًا عن عسكريين مُوالين لصالح أو حزبه السياسي. وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تولّين الضغط على النساء لحضور فعاليات تعبوية في كلٍّ من صنعاء وإب وحجة، بهدف دعم غزة وتعزيز قدرة الحوثيين العسكرية تضامنًا مع فلسطين ولبنان.
فضلًا عن ذلك، أجرت الزينبيات خلال السنوات الأخيرة زيارات مفاجئة للمنازل لـ"تشجيع" النساء على التبرّع بالمال والمجوهرات لتمويل المجهود الحربي، ولا يزال هذا السلوك مستمرًّا. وثمّة شهادات من ربّات بيوت زعَمن أنهن كنّ يُحرَمن من غاز الطهي إذا رفضن التبرّع. وقد تمكّنت الزينبيات، وفقًا لمصادر حوثية، من جمع حوالى 100 ألف دولار بهذه الطرق من أجل تطوير القدرة الصاروخية لأنصار الله.
وفي العام 2020، عمَد الحوثيون إلى مداهمة حفلات التخرّج لمحاربة التجمّعات المختلطة بين الجنسَين ومنع الموسيقى. هذا وشاركت الزينبيات في الإيقاع بسياسيين أعربوا عن اختلافهم مع قيادة الحوثيين من خلال إجراء مكالمات ودردشات غير لائقة معهم، ثم ابتزازهم. وأفاد تقرير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات بارتكاب الزينبيات 1444 انتهاكًا بحقّ نساء يمنيات بين كانون الأول/ديسمبر 2017 وتشرين الأول/أكتوبر 2022.
تكشف كتائب الزينبيات عن توسيع الحوثيين أدوات القمع التي يستخدمونها في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وإضفاء الطابع المؤسّسي عليها. ففي العام 2020، مُنِحَت هذه الكتائب رتبًا عسكريةً رسمية، ونُشِرَت عناصرها في جبهات القتال مقابل حوافز مالية. وتثير الزينبيات القلق بشكل خاص نظرًا إلى قدرتهنّ كنساء على التغلغل في أعماق نسيج المجتمع اليمني، وهو توجُّسٌ سبق أن أُثير أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 2020. وقد فرضت الأمم المتحدة، في شباط/فبراير 2021، عقوبات على المدير العام السابق لإدارة البحث الجنائي، سلطان زابن، لاستخدامه الزينبيات في عمليات المراقبة، وتعذيب النساء المحتجزات وإساءة معاملتهنّ.
يعكس إضفاء الطابع المؤسّسي على نشاط الزينبيات مدى استغلال الحوثيين للأدوار الجندرية كأداة للدخول إلى مساحات لم يكن ممكنًا الوصول إليها تقليديًا. لقد أنشأ الحوثيون من خلال هذه الكتائب آليةً قويةً للمراقبة والقمع والتلقين العقائدي. ومن شأن توسيع حجم كتائب الزينبيات وقدراتها أن يؤدّي إلى تقويض الحريات المدنية بالكامل في المناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرة الحوثيين.