المصدر: Getty
مقال

هامش حزب الله يضيق

تحرز الحكومة اللبنانية تقدّمًا في مساعيها لحصر السلاح بيد الدولة، ولكن هل يمكنها تجاهل إيران؟

نشرت في ١١ أغسطس ٢٠٢٥

كان قرار الحكومة اللبنانية في 5 آب/أغسطس بالمصادقة رسميًا على حصر السلاح بيد الدولة إنجازًا مهمًّا. لكنه جاء ناقصًا، إذ لم يتطرّق فعليًا إلى جانبٍ أُغفِل بشكل كبير في التصريحات العلنية، وهو أن سلاح حزب الله اليوم خاضع فعليًا لسيطرة إيران.

لقد سجّل رئيس الوزراء نواف سلام، بدفعه باتّجاه إصدار قرارٍ يتيح لمجلس الوزراء معالجة مسألة سلاح حزب الله، تقدّمًا ملحوظًا على الرئيس جوزاف عون. فهذا الأخير كان أعلن في نيسان/أبريل أنه هو، وليس الحكومة، مَن سيقود النقاش مع حزب الله بشأن نزع سلاحه. لكن ذلك لم يُفضِ إلى أيّ نتيجة، ما أدّى إلى نفاد صبر المجتمع الدولي أكثر تجاه اللبنانيين. ويُقال إن سلام تلقّى في أواخر تموز/يوليو توبيخًا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فيما كان المبعوث الأميركي المؤقّت إلى لبنان، توم برّاك، يزيد حدّة الضغط على اللبنانيين، إذ غرّد قائلًا: "طالما أن حزب الله يحتفظ بالسلاح، فالكلام لن يكون كافيًا. على الحكومة وحزب الله الالتزام التام والتحرّك الآن لئلّا يُترَك الشعب اللبناني رهينة الوضع القائم المتعثّر".

وفي الأسبوع الماضي، زار قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، بيروت حيث ناقش مع الرئيس عون مسألة حصر السلاح بيد الدولة. فكانت المحصّلة النهائية لهذا النشاط كلّه قبول عون بمناقشة مسألة السلاح على طاولة مجلس الوزراء. وفي الذكرى الثمانين لتأسيس الجيش اللبناني الأسبوع الفائت، ألقى عون خطابًا لافتًا دعا فيه حزب الله تحديدًا إلى "أن يكون رهانهم على الدولة اللبنانية وحدها".

يخضع لبنان في الوقت الراهن إلى وصايةٍ دوليةٍ فعلية، حيث تدفع جهاتٌ خارجيةٌ المسؤولين والسياسيين اللبنانيين إلى اتخاذ قراراتٍ لطالما تجنّبوا اتخاذها. وقد يكون هذا الأمر جيدًا من حيث المبدأ، ولكنه مؤسفٌ أيضًا لما يكشفه عن سيادة البلاد، ناهيك عن أنه مؤّشرٌ على مكامن الضعف القاتلة التي يعاني منها لبنان. في ضوء ذلك، يكاد المرء يشعر بأن السلطات، العاجزة عن ابتكار الحلول، لا تمتلك سوى ورقة ضغط واحدة في مواجهة حزب الله، وإن كانت غير مرغوب فيها، وهي أن إسرائيل ستواصل استهداف كوادر الحزب ومستودعات أسلحته، إضافةً إلى القرى الشيعية في الجنوب وسهل البقاع، إذا ما أصرّ على رفض نزع سلاحه.

فضلًا عن ذلك، ثمّة مَن يطالب اللبنانيين بالإسراع في نزع سلاح حزب الله. فقد وصفت حنين غدار، الباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى النافذ، قرار الحكومة بتحديد مهلةٍ نهائيةٍ للجيش حتى نهاية الشهر لتقديم خطةٍ لنزع سلاح حزب الله بحلول كانون الأول/ديسمبر بأنه "غير منطقي على الإطلاق" و"كارثي". لكن نفاد الصبر ليس استراتيجية، وهذا النوع من التهويل يتجاهل أن السلطات اللبنانية تريد تجنّب استخدام القوة مع حزب الله، وبالتأكيد لا تريد التسبّب بأزمة ثقةٍ مع الطائفة الشيعية. وهذا منطقيّ تمامًا، وقد أقرّ به برّاك في مقابلة أُجريَت معه مؤخّرًا، حينما أشار إلى أن تَردُّد عون في الضغط بشدّة على حزب الله يعود إلى أنه "لا يريد إشعال حرب أهلية".

تكمن إحدى المشاكل العالقة في أن اللبنانيين لا يفكّرون في مسارٍ آخر لدفع عملية نزع سلاح حزب الله قدمًا، ألا وهو التحدّث مع إيران. ويُعزى سبب ذلك إلى حدٍّ كبير إلى أن القبضة الخانقة التي تفرضها الولايات المتحدة على لبنان والمتمحورة حول إسرائيل لا تترك مجالًا لهذا الخيار. لكن القبول بهذا الأمر ينطوي على دلالات عدّة، جميعها سيّئ للبنان. فهو يعني معالجة مسألة نزع السلاح، مع تجاهل الجهة صاحبة القرار النهائي في هذا الشأن؛ ويعني ربما السماح لدولٍ أخرى بمناقشة نزع السلاح، مع إرغام اللبنانيين على القبول بنتيجةٍ لا رأي لهم فيها؛ كما إنه اعتراف ضمني بأن المُحاور اللبناني الرئيس مع إيران لا يزال حزب الله، ما يُعَّد حرمانًا للدولة من حقّ سيادي.

من الضرورة بمكان إجراء هذا الحوار بهدوء وبعيدًا عن الأضواء، حتى وإن كان لا بدّ من إبقاء شركاء لبنان الدوليين على اطّلاعٍ في مرحلة ما. الغاية من هذه العملية هي قياس النوايا الإيرانية، وتحديد ما إذا كان ثمّة فرص محتملة للدفع باتّجاه آليةٍ لنزع سلاح حزب الله. يريد الأميركيون والإسرائيليون طرد إيران من لبنان، لكن اللبنانيين، وإن كانت لهم مصلحة كبيرة في الحدّ من التدخّل الإيراني في شؤونهم، لا يستطيعون واقعيًا قطع الروابط بين الطائفة الشيعية وطهران، وطبعًا ليس في ظلّ الانطباع المتجدّد بتنامي الزخم السنّي إقليميًا نتيجة إطاحة نظام الأسد في سورية.

لا أحد يستطيع التنبّؤ بنتائج هذه الاتصالات. ومع ذلك، يرجّح أن تفشل في تحقيق الهدف المنشود لأسبابٍ ليس أقلّها الانقسامات في إيران، ووجود مجموعات مصالحٍ مختلفة ذات أجندات متباينة جدًّا حيال مستقبل حزب الله. لكن من وجهة نظر لبنان، من المفيد جدًّا الحصول على موطئ قدم في المحادثات مع طهران، حتى وإن كان هامش مناورة حزب الله يتراجع تدريجيًا في لبنان، من أجل معرفة ما قد يكون الإيرانيون مستعدّين للقبول به. وإذا ما استطاعت دولٌ مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فتحَ قنوات اتصال مع إيران، فلبنان قادرٌ على ذلك أيضًا.

ولكن على إيران وحزب الله توخّي الحذر الشديد. فإذا كان هدفهما إعاقة كل الخطوات التي تسهّل نزع السلاح، فالكلفة قد تكون باهظة. في الوقت الذي مُنِحَت إسرائيل التوسّعية شيكًا على بياض من الولايات المتحدة لفعل ما تشاء في المنطقة، ينبغي أن يعي حزب الله واللبنانيون عمومًا أن الإسرائيليين قد يحتلّون المزيد من الأراضي في جنوب لبنان إذا لم يُحرَز أيّ تقدّم. وعندئذ يمكنهم المطالبة بنزع سلاح الحزب، وحتى بإبرام معاهدة سلام، ثمنًا لانسحابهم. مَن سيضغط على الإسرائيليين للانسحاب إذا حدث هذا الأمر؟ واشنطن؟ واهمٌ مَن يظنّ ذلك.

قد يشعر حزب الله أن هذا الوضع يمكن أن يمدّه بطوق نجاةٍ جديدٍ لإحياء مقاومته، ولكن يجب ألا ينخدع. فاللبنانيون بغالبيتهم غير مستعدّين للتورّط في حروب جديدة، وينظرون إلى الحزب بعداءٍ صريح. زِد على ذلك أن هذا الأخير لا يمتلك طريق إمدادٍ آمنًا يضمن قدرته على مواجهة الهجمات الإسرائيلية. إذا كان ثمّة أمرٌ واحد اتّضح في حرب العام الماضي، فهو أن اللبنانيين بمعظمهم اتّبعوا بلا اكتراث أسلوب حياة شبه طبيعي فيما كانت المناطق الشيعية في البلاد تُدَمَّر على يد إسرائيل. لقد أمضى حزب الله سنواتٍ يحرص فيها على تجنّب العزلة، ولذا إن كان يعتقد اليوم أنه قادرٌ على المقاومة وهو محاطٌ بمعارضين له من أبناء وطنه ودولٍ إقليمية، فهو يُقدم على الانتحار.

ينبغي أن يبقى الرئيسان عون وسلام موحّدَين إذا كان لا بدّ من إحراز أيّ تطوّرٍ إيجابي في مسألة سلاح حزب الله. ثمّة تصوّر متزايد، سواء أكان منصفًا أم لم يكن، بأن للرئيس عون حساباتٍ سياسيةً تجعله متردّدًا على هذا الصعيد. ربما، ولكن خطابه في عيد الجيش، وموقفه من جلسة مجلس الوزراء التي ناقشت سلاح حزب الله، أظهرا أنه ربما يعطي نفسه دور الشرطي الصالح مقابل دور الشرطي السيّئ الذي تؤدّيه الحكومة في مفاوضاتها مع الحزب. وقد لا يكون ذلك فكرةً سيئة، ما دامت النتيجة النهائية حصر السلاح بيد الدولة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.