المصدر: Getty
مقال

من يهيمن على قطاع النفط العالمي؟

يتناول آدم هنية، في مقابلة معه، عمالقة هذه الصناعة بين الماضي والحاضر.

نشرت في ٥ سبتمبر ٢٠٢٥

آدم هنية باحث وأكاديمي تركّز أعماله على قطاع النفط والرأسمالية، والتحوّلات في مجال الطاقة، والاقتصاد السياسي في منطقة الشرق الأوسط. وهو أستاذ الاقتصاد السياسي والتنمية الدولية في جامعة إكستر، ويشغل منصب أستاذية مشتركة في دراسات الشرق الأوسط لدى معهد الدراسات الدولية ودراسات المناطق في جامعة تشينغوا في الصين. صدرت له كتبٌ عدّة من بينها: Money, Markets, and Monarchies: The Gulf Cooperation Council and the Political Economy of the Contemporary Middle East (مال وأسواق وأنظمة ملكية: مجلس التعاون الخليجي والاقتصاد السياسي للشرق الأوسط المعاصر). يناقش هنية في هذه المقابلة التي أجرتها معه "ديوان" عبر البريد الإلكتروني بين شهرَي تموز/يوليو وآب/أغسطس، كتابَه الصادر حديثًا بعنوان Crude Capitalism: Oil, Corporate Power, and the Making of the World Market (رأسمالية الخام: النفط، وقوة الشركات، وتشكيل السوق العالمية)، لتعميق فهمنا حول طريقة توزيع الموارد والنفوذ في أسواق الطاقة العالمية اليوم. 

يزيد صايغ: تجادل في كتابك الصادر حديثًا أن شركات النفط الغربية الكبرى المعروفة باسم "الأخوات السبع" نجحت في الهيمنة على أسواق النفط العالمية بفضل "هياكلها المؤسسية المتكاملة عموديًا"، بيد أن بروز الاتحاد السوفياتي كقوة كبرى في إنتاج النفط أتاح لدولٍ أخرى مُنتِجة للنفط اكتساب قدرٍ من الاستقلالية في إدارة مواردها وتعديل شروط صفقاتها المُبرَمة مع الأخوات السبع منذ منتصف القرن العشرين. وترى أيضًا أن الشركات الغربية ما زالت تسعى إلى فرض هيمنتها من خلال الحفاظ على هياكلها المتكاملة عموديًا، غير أن قطاع النفط العالمي بات اليوم مقسّمًا إلى "تكتّلات إقليمية مترابطة مع بعضها البعض ومتمحورة حول أنماط مؤسّسية مختلفة". كيف تفسّر اجتماع هذَين الاتّجاهَين معًا؟ 

آدم هنية: شكّل التكامل العمودي مصدرًا أساسيًا لقوة الشركات في قطاع النفط العالمي، منذ الأيام الأولى لشركة "ستاندرد أويل" في الولايات المتحدة. فهيمنة شركات النفط الكبرى على جميع مراحل سلسلة القيمة في هذا القطاع – بدءًا من الاستخراج والتكرير، ومرورًا بإنتاج الموادّ البتروكيميائية، ووصولًا إلى النقل والتسويق - مكّنها من إقصاء المنافسين عن البنى التحتية الحيوية، والتحكّم بالأسعار، وتكييف أنشطتها وفقًا لظروف السوق. وكان ذلك السرّ وراء هيمنة الشركات السبع الكبرى على قطاع النفط العالمي خلال معظم القرن العشرين. 

لكن تزعزعت هذه الهيمنة وتقوّضت مرارًا نتيجة جملةٍ من الأحداث غير المتوقّعة. ومن الأمثلة المهمة على ذلك بروز الاتحاد السوفياتي كمنتجٍ رئيسٍ للنفط بعد ثورة العام 1917. فقد كان أول بلدٍ في التاريخ يعمَد إلى تأميم قطاعه النفطي بالكامل، ولا سيما أنه اعتمد بشكلٍ أساسي على صادرات النفط لكسب العملة الصعبة. لكن من النتائج غير المقصودة لتجارة النفط السوفياتية أنها أفسحت المجال أمام دولٍ أخرى لكسر قبضة الأخوات السبع على هذا القطاع. في الواقع، تعود جذور الكثير من أبرز شركات الطاقة الأوروبية اليوم، مثل شركة إني الإيطالية وشركة ريبسول الإسبانية، إلى هذه التجارة مع الاتحاد السوفياتي. 

على نحو مماثل، أدّى تأسيس منظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك) وعمليات تأميم النفط خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين إلى تقويض هيمنة الغرب على هذا القطاع. وفيما أحكمت الدول المُنتجة للنفط تدريجيًا سيطرتها على احتياطياتها النفطية، أسفر إنشاء شركات النفط الوطنية وتوسّعها إلى تغيير موازين القوى في القطاع. ففي البداية، اقتصر دور الكثير من الشركات الوطنية هذه على استخراج النفط في المراحل الأولى من عملية الإنتاج النفطي، وبيع الخام في أسواق عالمية خاضعة لسيطرة الشركات الغربية الكبرى. لكن الشركات الوطنية تبنّت مع مرور الوقت استراتيجيات التكامل العمودي نفسها التي اعتمدتها الأخوات السبع. فشركة أرامكو السعودية مثلًا تُعَدّ اليوم أكبر شركة نفطية في العالم، وتنخرط في أنشطة على امتداد مراحل سلسلة القيمة في هذا القطاع. 

أفضى هذا الواقع إلى قطاع نفطي مُقسَّم إلى تكتّلات إقليمية مترابطة. فما زالت الشركات الغربية العملاقة مهيمنة في أميركا الشمالية وأوروبا، حيث تحافظ هياكلها المتكاملة عموديًا على تماسكها وتدرّ الربح. لكن دول الخليج، بقيادة شركة أرامكو السعودية، أصبحت ركيزة ما أسمّيه "محور شرق–شرق للنفط والغاز"، أي شبكة التدفّقات المتنامية من النفط الخام والمنتجات المكرّرة والموادّ البتروكيميائية بين دول الخليج وشرق آسيا. ولا تقتصر علاقة الطاقة هذه على صادرات النفط الخام. فالشركات الوطنية الخليجية منخرطة في مشاريع مشتركة ضخمة في مجالَي تكرير النفط وإنتاج الموادّ البتروكيميائية في كلٍّ من الصين وكوريا الجنوبية واليابان، في حين أن الشركات الآسيوية تستثمر بشكل مكثّف في البنية التحتية الخاصة بالطاقة في دول الخليج. إن التكامل العمودي أساسيٌّ إذًا لفهم هذه الشبكة الجديدة من العلاقات المترابطة بين دول الخليج وشرق آسيا، والتي باتت تضاهي، بل وتتجاوز في بعض المجالات، المنظومة النفطية الغربية التقليدية من حيث امتدادها وتأثيرها في السوق. 

صايغ: تُذكّرنا بأن ما يُعرَف بـ"مبدأ أيزنهاور"، الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة في العام 1957، تحدّث عن حماية كلٍّ من إنتاج النفط وطرق نقله، وتربط ذلك بالأحداث الجسام التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال ذلك العقد، مثلًا: حركة عدم الانحياز المنبثقة عن مؤتمر باندونغ، وقرار مصر تأميم قناة السويس، والإطاحة بالعهد الملكي في العراق، فضلًا عن التحديات القومية التي واجهت النظامَين المواليَين للغرب في الأردن ولبنان. هل ينبغي النظر إلى الكمّ الكبير من مشاريع البنى التحتية الجديدة، مثل "الحزام والطريق" و"الممرّات" من المنظور نفسه؟ 

هنية: تسلّط مشاريع البنى التحتية الجديدة الضوء على أن القوة الاقتصادية لا تقتصر على إنتاج السلع فحسب، بل تشمل أيضًا التحكّم بكيفية نقل هذه السلع وتوزيعها وبيعها. وتشمل هذه الممرّات عناصر مادّية، مثل خطوط الأنابيب ومحطات الغاز الطبيعي المُسال والموانئ، إضافةً إلى جوانب تنظيمية غير ماديّة مثل الممارسات القانونية والمالية والمؤسّسية. ونظرًا إلى أن البنية التحتية تشكّل مصدرًا للقوة، لطالما كانت السيطرة عليها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعسكرة والاستعمار، وكذلك بالنضال من أجل السيادة والاستقلال. كان هذا صحيحًا في خمسينيات القرن الماضي، عندما ربط مبدأ أيزنهاور صراحةً الالتزامات الأمنية الأميركية بحماية إنتاج النفط وطرق نقله، ولا يزال الأمر كذلك حتى اليوم. وليس من قبيل المصادفة أن إحدى أولى خطوات إدارة الرئيس دونالد ترامب تمثّلت في إعادة التأكيد على الوجود الأميركي في بنما وعلى ضمان نفوذ واشنطن على قناة بنما. 

تسهم هذه البنى التحتية في إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية، ويبدو جليًا أنها أصبحت في صميم المشاريع الإقليمية المتنافسة. يتجلّى ذلك مثلًا في النقاشات الجارية بشأن الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي يرمي إلى الربط بين الهند ودول الخليج وإسرائيل وأوروبا، والذي صوّره صانعو القرار في السياسة الخارجية الأميركية باعتباره مشروعًا منافسًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية. 

من الأمور التي كثيرًا ما يتم إغفالها أن مبادراتٍ مثل الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، ومبادرة الحزام والطريق، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمسار أزمة المناخ. فما يجري تكريسه من خلال هذه المشاريع الجديدة ليس التبادل التجاري فحسب، بل أيضًا التوسّع في استهلاك الوقود الأحفوري. إن "محور شرق-شرق للنفط والغاز" الذي أشرتُ إليه آنفًا يُعدّ ممرّ الطاقة الأسرع نموًّا في العالم، ناهيك عن أن البنى التحتية قيد الإنشاء اليوم تضمن ازدياد تدفّق هذه الموارد حتى منتصف القرن الحادي والعشرين، تحديدًا في الوقت الذي ينبغي أن تكون انبعاثات الكربون العالمية في طور الانخفاض الحادّ لتجنّب بلوغ معدّل الاحترار العالمي الكارثي. بتعبيرٍ آخر، تعمَد هذه المشاريع إلى ترسيخ استخدام الوقود الأحفوري في الاقتصاد العالمي في حين أن الحاجة اليوم تقتضي تقليل الانبعاثات الكربونية. 

صايغ: الولايات المتحدة هي اليوم أكبر منتج للنفط في العالم. لكنّك تحاجج بقوّة في كتابك بأن الهيمنة تتحقّق من خلال السيطرة على مجالات متعدّدة، بما في ذلك النقل والتكرير وتصنيع الموادّ الأولية والبتروكيميائية الأخرى. ما هو برأيك الموقع الذي تحتلّه الولايات المتحدة في هذا المشهد عمومًا، وما تداعيات ذلك على المنتجين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ 

هنية: صحيحٌ أنّ الولايات المتحدة هي حاليًا أكبر منتجٍ للنفط في العالم، لكن حجم الإنتاج وحده ليس مؤشرًا على كيفية ممارسة القوة ضمن نظام الطاقة العالمي. أُجادل في كتابي بأنّ الهيمنة تقوم على السيطرة على سلسلة القيمة بأكملها، بما في ذلك النقل، والتكرير، وصناعة الموادّ البتروكيميائية، والتسويق، والتمويل. وقد شهدنا التحوّل الأكبر على هذا المستوى خلال العقدَين الماضيَين، إذ لم تعُد أنشطة شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط وخارجه محصورة في عملية الاستخراج في المراحل الأولى من إنتاج النفط. 

كما أشرتُ سابقًا، تمكّنت شركات مثل أرامكو السعودية وشركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) من تحقيق تكامل عمودي على امتداد سلسلة القيمة في قطاع النفط. فهي تُدير بعضًا من أكبر مجمّعات التكرير في العالم، وأصبحت جهات فاعلة أساسية في الصناعة البتروكيميائية، ومنها البلاستيك والأسمدة والموادّ الاصطناعية مثلًا، التي ستشكّل المحرّك الأكبر لنمو الطلب على النفط خلال العقود المقبلة. فعلى سبيل المثال، باتت شركة أرامكو اليوم ثاني أكبر منتج عالمي للمطّاط الصناعي، ومن أبرز المنتجين لمادّتَي الإيثيلين والبروبيلين، وهما من أبرز المنتجات في الصناعة البتروكيميائية. 

لكن الولايات المتحدة ما زالت تحتفظ بمزايا أساسية. فقطاع التكرير والصناعات البتروكيميائية لديها لا يزال من الأكثر تقدّمًا من الناحية التكنولوجية، وشركاتها تُهيمِن على خدمات حقول النفط، والنقل، وشبكات التسويق العالمية. والأهم أن القوة المالية والعسكرية الأميركية ما زالت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد النفطي، إذ يُسعَّر النفط بالدولار الأميركي، ويُعاد ضخّ الجزء الأكبر من فائض الأموال الخليجية في الأصول الأميركية، كما تواصل واشنطن توفير الحماية العسكرية والدعم السياسي لدول الخليج. لذلك، وبالرغم من أن هذه الدول وشركات النفط الوطنية لديها في صدد توسيع أنشطتها لتشمل المراحل اللاحقة من صناعة النفط ]ومن ضمنها التكرير والتوزيع[ ونسج روابط جديدة مع الصين، فهي لا تزال جزءًا من نظامٍ دولي خاضع للهيمنة الأميركية، وإن كانت هذه الأخيرة تواجه تحدّيات متزايدة. 

صايغ: تتحدّث عن التداخل الوثيق والمتبادل لرؤوس الأموال بين الصين ودول الخليج في الاقتصاد والتجارة. صحيحٌ أن هذا التحوّل جوهري، ولكن هل سيظلّ محدودًا نظرًا إلى أن الصين لا تستطيع حتى الآن أن تقدّم لدول الخليج ما تقدّمه الولايات المتحدة منذ سبعينيات القرن الماضي، أي صفقات السلاح الضخمة والحماية الاستراتيجية؟ 

هنية: إن حجم الترابط الاقتصادي بين الصين ودول الخليج اليوم غير مسبوق. فالصين حاليًا أكبر مستورد للموادّ الهيدروكربونية الخليجية، فيما تستثمر شركات النفط الوطنية في الخليج بشدّة في مجالات التكرير والصناعات البتروكيميائية والخدمات اللوجستية الخاصة بالنفط في الصين. وبمعزل عن قطاع النفط، تتصدّر الصين أيضًا الاستثمارات في قطاعات الطاقة المتجدّدة والذكاء الاصطناعي والاتصالات في الخليج. كذلك، تعتبر الصين أن منطقة الخليج هي المركز الإقليمي لمبادرة الحزام والطريق، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن 60 في المئة من صادرات الصين إلى أوروبا وأفريقيا تمرّ عبر الإمارات العربية المتحدة. 

لكنك محقّ. فالصين لا تستطيع أن تقدّم لدول الخليج الحماية الاستراتيجية نفسها التي تقدّمها الولايات المتحدة. ومن المهم في هذا السياق أن نعي أن العلاقة الأميركية الخليجية لا تقوم فحسب على ضمان تدفّق النفط الخام. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، شكّل ضخّ فائض الأموال الخليجية في الأسواق الأميركية جزءًا محوريًا من هيكلية النظام المالي العالمي، سواء عبر شراء دول الخليج سندات الخزينة الأميركية، أو من خلال الاستثمارات الخليجية في الأسهم الأميركية. وفي الواقع، تزداد هذه الروابط قوّةً، بدلًا من أن تضعف. على سبيل المثال، ازدادت استثمارات دول الخليج في أسواق الأسهم الأميركية بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبًا منذ العام 2017، وهي تمثّل اليوم نحو 5 في المئة من مجموع الاستثمارات الأجنبية في الشركات الأميركية. 

وتماشيًا مع الأنماط التاريخية، ارتفعت صادرات المعدّات العسكرية الغربية إلى الخليج بشكلٍ هائل خلال العقد الماضي. فقد بلغت حصّة الخليج أكثر من خُمس صادرات السلاح العالمية بين العامَين 2020 و2024، متجاوزةً أي منطقة أخرى في العالم. وشملت هذه الصادرات إلى دول الخليج الطائرات والسفن والصواريخ، علمًا أن الولايات المتحدة زّودتها بالغالبية الساحقة منها (تليها إيطاليا وفرنسا في قائمة المورِّدين الأساسيين). وخُصِّصَ نحو ربع صادرات السلاح الأميركية إلى المملكة العربية السعودية وحدها خلال الفترة الممتدّة بين العامَين 2016 و2020، وظلّت الرياض أكبر مستورد منفرد للأسلحة الأميركية بين العامَين 2020 و2024. ومن خلال هذه المشتريات، تشكّل دول الخليج مصدرًا رئيسًا لإيرادات شركات السلاح الأميركية، وتعزّز في الوقت نفسه الروابط الاستراتيجية الأوسع بينها وبين الولايات المتحدة، وهو ما تعجز الصين عن محاكاته. 

صايغ: شهد قطاع النفط تحوّلاتٍ جذريّة منذ أن شارك وزير النفط السعودي عبد الله الطريقي، المعروف بلقب "الشيخ الأحمر"، في صياغة اتفاق المعادي في العام 1959 الذي أدّى إلى إنشاء منظمة أوبك. تذكُر على سبيل المثال أنّ ثلاثًا من بين أكبر أربع مصافٍ في العالم اليوم تقع إمّا في شرق آسيا أو في السعودية. ولكن، نظرًا إلى النفوذ الذي لا تزال الولايات المتحدة تمارسه بفضل مكانة الدولار بوصفه العملة الرئيسة في تجارة الطاقة الدولية، إلى أي حدٍّ يمكن اعتبار شركات النفط الوطنية في الدول المنتجة آمنة ومستقرّة؟ 

هنية: بالرغم من الحديث بين الحين والآخر عن "البترو-يوان"، لا يزال الدولار يهيمن على تجارة الطاقة وعلى المدفوعات العالمية، إذ تُسعَّر معظم الفواتير وتُسدَّد معظم الدفعات في التجارة العابرة للحدود بهذه العملة. ولا يزال الدولار أيضًا أبرز الأصول الاحتياطية الدولية، ما يحافظ على قوّة واشنطن ونفوذها في هيكلية تدفّقات النفط وعائداته. والأهم أن هذه الهيمنة تمنح الولايات المتحدة قدرة هائلة على الضغط على الدول الأخرى عبر التهديد بفرض عقوباتٍ عليها أو باستبعادها من النظام المصرفي الأميركي. 

لدول الخليج مصلحةٌ كبرى في هذا النظام الذي تهيمن عليه واشنطن. فأغلب الأصول الخليجية مُقوَّمة بالدولار، وهي تستمر في التدفّق إلى الأسواق الأميركية. ولا تزال الولايات المتحدة الوجهة الأساسية لاستثمارات الصناديق السيادية الخليجية بفارقٍ ملحوظ. على سبيل المثال، أكثر من نصف محفظة جهاز أبو ظبي للاستثمار، وهو أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، مُكوَّنة من أصول أميركية. لذلك، بالرغم من تنويع دول الخليج لعلاقاتها التجارية الدولية، أرى أنها ما زالت مرتبطة بشكلٍ أساسي بالولايات المتحدة على المستويَين المالي والعسكري. 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.