المصدر: Getty
مقال

إسرائيل حاولت اغتيال قادة حماس في قطر

تحليل مقتضب من باحثي كارنيغي حول الأحداث المتعلّقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نشرت في ١١ سبتمبر ٢٠٢٥

ماذا حدث؟

شنّ الجيش الإسرائيلي يوم 9 أيلول/سبتمبر غارة جوية استهدفت قادة في حركة حماس أثناء اجتماعهم في العاصمة القطرية الدوحة. وزعمت إسرائيل أن الغارة جاءت ردًّا على الهجوم الذي وقع في محطة حافلات في القدس يوم 8 أيلول/سبتمبر، وأسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين. وقد أعلنت حماس لاحقًا مسؤوليتها عن هذا الهجوم. لكن الواقع قد يكون أكثر تعقيدًا من ذلك.

تُعدّ قطر حليفًا أساسيًا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي تضطلع بدور محوري في المفاوضات الرامية إلى تحقيق وقف إطلاق النار في قطاع غزة والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المُحتجَزين لدى حماس. وقد استهدفت إسرائيل قادةً كبارًا في حماس، من بينهم خليل الحية، وزاهر جبارين، وخالد مشعل، من دون أن تُثبَت إصابة أو مقتل أيٍّ منهم حتى الآن. ووفقًا لبيان صادر عن حماس، قُتل خمسة فلسطينيين في الهجوم، من بينهم نجل الحية ومدير مكتبه وثلاثة مرافقين. وقد نفّذت إسرائيل هذا الهجوم أثناء تولّي قطر دور الوساطة في جولةٍ جديدة من المفاوضات بين إسرائيل وحماس بشأن الوضع في غزة.

 

أين تكمن أهمية الحدث؟

ليست قطر حليفًا رئيسًا للولايات المتحدة فحسب، بل تستضيف أيضًا قاعدة العديد، وهي أكبر وأهمّ قاعدة جوية أميركية في المنطقة، التي شكّلت المحطة الثانية من جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط في أيار/مايو الفائت. وقد أعلن البيت الأبيض آنذاك عن إبرام اتفاقية مع قطر بقيمة 1.2 تريليون دولار من أجل تعزيز التبادل الاقتصادي بين الجانبَين. وفيما نفت إدارة ترامب أنها كانت على علمٍ مسبق بالهجوم الإسرائيلي، من المستبعد أن تنفّذ إسرائيل مثل هذه العملية من دون إبلاغ الولايات المتحدة مسبقًا، نظرًا إلى حضورها الواسع في قطر. قد تظهر المزيد من الحقائق لتثير تساؤلات مزعجة حول قيمة الضمانات الأمنية التي تقدّمها الولايات المتحدة إلى قطر، وكذلك إلى دول خليجية أخرى تعوّل على المظلّة الأمنية الأميركية في المنطقة.

لقد قوّض الهجوم، الذي استهدف كبار قادة حركة حماس المنخرطين في المفاوضات بشأن غزة، قدرة الدوحة على أداء دور الوساطة في هذا الصراع الذي أسفر عن مقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني، ثلثهم من الأطفال، وحوالى 1900 إسرائيلي، وتسبّب بدمار مساحات واسعة من القطاع.

 

ما هي التداعيات المستقبلية للهجوم؟

حملَ هجوم الدوحة جملةً من التداعيات الرئيسة. أولًا، سيدفع هذا الهجوم إلى التشكيك في قيمة الضمانات الأمنية الأميركية إلى دول المنطقة. فدول الخليج لا تزال من أكبر أسواق صادرات الأسلحة الأميركية، وهي تستضيف قواعد عسكرية أميركية عدّة. لكن الهجوم كشف عن مدى التفاوت في التزامات واشنطن الأمنية تجاه حلفائها، إذ أظهر أنها تُعطي الأولوية للدفاع عن إسرائيل على حساب شركائها العرب. خلال العقد الماضي، عمدَت دول الخليج إلى تنويع علاقاتها الأمنية، عبر السعي إلى توطيد تعاونها مع الصين وروسيا. ومن المرجّح أن يتسارع هذا التوجّه بعد الهجوم الإسرائيلي، الذي كشفَ عجز إحدى الدول الرئيسة التي تشتري منظومات الدفاع الأميركية عن اعتراض الطائرات الإسرائيلية باستخدام الأنظمة التي زوّدتها بها واشنطن. وكان الهجوم الصاروخي الإيراني في 23 حزيران/يونيو على قاعدة العديد، الذي أتى ردًّا على ضربات أميركية استهدفت منشآت نووية إيرانية، قد عزّز الانطباع بأن الضمانات الأمنية الأميركية لا توفّر الحماية بالقدر الذي افترضه كثيرون.

ثانيًا، أثّر الهجوم على مسار الحرب في غزة. فبالرغم من فشل العملية الإسرائيلية في تحقيق أهدافها المُعلَنة، كشفت عن عدم جدّية إسرائيل في التفاوض من أجل التوصّل إلى تسوية في القطاع. وقد شجّعها ذلك على السعي بزخمٍ أكبر إلى تحقيق أهدافٍ أكثر تطرّفًا في القطاع، إلى جانب تدمير حركة حماس بالكامل، حتى وإن كانت هذه النتيجة بعيدة المنال. في الواقع، لن يؤدّي هذا المسار سوى إلى المزيد من الدمار في غزة، ممهّدًا الطريق على الأرجح أمام التهجير القسري والجماعي للفلسطينيّين. وإذا كان هدف إسرائيل الضمني يتمثل بالفعل في تفريغ غزة من سكانها، فإن الهجوم على قطر يعيق أيّ مسارٍ يمكن أن يُفضي إلى نتيجة بديلة، ومن المرجّح أن تلك هي الغاية التي تنشدها إسرائيل. أمّا حركة حماس فتواصل التأكيد على أنها لن تُفرِج عن الرهائن إلّا في إطار اتفاق يُنهي الحرب.

كذلك، وجّه هجوم الدوحة رسالة واضحة إلى تركيا التي تستضيف عددًا من قادة حماس ومسؤوليها، إضافةً إلى كونها حليفًا وثيقًا لقطر وعضوًا في حلف الناتو. فالتوترات بين أنقرة وتل أبيب آخذة في التصاعد في سورية، حيث استهدف القصف الإسرائيلي مواقع تعمل تركيا على التموضع عسكريًا فيها. ونظرًا إلى تمركُز قواتٍ تركية في قطر، وإلى العلاقات الدفاعية الوثيقة بين البلدَين، يمكن قراءة الهجوم على الدوحة كفصلٍ جديد من التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وتركيا.

أما حماس، فخياراتها محدودة، وأقصى ما يمكنها القيام به هو تنفيذ هجمات مشابهة لهجوم القدس، أو حتى إعدام الرهائن الإسرائيليّين المُحتجَزين لديها. لكن هذه الخطوات لن تغيّر الكثير، إذ أظهرت الحكومة الإسرائيلية أنها لا تعتبر مصير الرهائن من أولوياتها. ولهذا السبب، من غير المرجّح أن تبادر حماس إلى ردّ فعل قوي.

وأخيرًا، سيحدّ الهجوم على الدوحة من طموحات إدارة ترامب في توسيع الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل شركاء خليجيّين آخرين، بغضّ النظر عن أي تقدّم في مسار إقامة دولة فلسطينية. فمن غير المرجّح أن تُثمِر هذه المساعي في المدى القريب بعد هجوم الدوحة وفي ظلّ النوايا الإسرائيلية بضمّ مناطق واسعة من الضفة الغربية. لكن هذا المشروع قد وُضع جانبًا على ما يبدو، بعد أن أعلنت الإمارات العربية المتحدة، التي وقّعت اتفاق سلام مع إسرائيل في أيلول/سبتمبر 2020، أن ضمّ أراضٍ من الضفة الغربية يُشكّل "خطًا أحمر" من شأنه أن "يُغلق الباب أمام فكرة التكامل الإقليمي". وقد قوبِل الهجوم على قطر بإدانات واسعة من دول الخليج.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.