المصدر: Getty
مقال

عباس يعيّن خلفًا له (مجدّدًا)

إنه حسين الشيخ، ويبدو أن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية قد قوّض مصداقيته المحلية.

نشرت في ٤ نوفمبر ٢٠٢٥

أصدر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، في 27 تشرين الأول/أكتوبر "الإعلان الدستوري رقم 1 للعام 2025"، وهو وثيقة مقتضبة تقضي بوضوحٍ بتولّي حسين الشيخ مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقّتًا، لمدّةٍ قصيرة في حال شغور المنصب، مع إمكانية التمديد لمرّةٍ واحدة. ولم يُذكر اسم الشيخ صراحةً، بل أُشير إليه بصفته نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

صحيحٌ أن لغة الإعلان الدستوري موجزةٌ وواضحة، إلّا أن النص، من حيث الشكل والسياق وما يغفل عن ذكره (إضافةً إلى بعض التخبّط في الصياغة) يوحي بأمرٍ مختلف. ربما سعيًا لإرضاء بعض القوى الدولية الرئيسة، وربما لتجنّب الضغوط من قوى أخرى، وربما لتسوية النزاع على الخلافة قبل وقوعه، اختار عباس زعيمًا للفلسطينيين قد يستمرّ عمليًا في منصبه إلى أجل غير مسمّى. ويُرجَّح أن ينظر معظم الفلسطينيين المعنيّين بهذا التعيين بشكلٍ سلبي إلى الآلية المُتّبعة والشخصية المختارة، سواء كانوا مقيمين في الضفة الغربية أو موالين لمنظمة التحرير الفلسطينية في الخارج. لذا، غالب الظن أن يزيد الإعلان الدستوري من التناقض الذي تنطوي عليها عبارة "زعيم السلطة الفلسطينية".

أولًا، ما المقصود بالإعلان الدستوري؟ في الممارسة الدستورية في العالم العربي، تشير مثل هذه الوثائق إلى أن السلطة السياسية أصدرت أمرًا يجب أن يُعامَل على أنه دستوري في طبيعته، وبالتالي هو خارج نطاق إجراءات تعديل الدستور المعتادة. بعبارة أخرى، يمنح الحاكم لنفسه سلطةَ إصدار قرارات بقوة القانون لمجرّد كونه الحاكم، وهي آلية نادرًا ما يتم اللجوء إليها. لكن عباس استخدمها في العام 2024 لإصدار قرارٍ مطابقٍ من حيث الصياغة، نصّ على تولّي روحي فتوح مهام الرئاسة في حال شغور المنصب. والاختلاف الوحيد الذي ينطوي عليه الإعلان اللاحق هو تغيير الاسم وإلغاء الإعلان الدستوري الصادر في العام 2024.

إذا كان الشكل موضع شك، فماذا عن المضمون؟ لقد جرى تعليق العمل ببنود مهمة من القانون الأساسي الفلسطيني (الذي هو بمثابة دستور السلطة الفلسطينية) منذ حوالى عقدَين من الزمن، وينصّ البند المتعلّق بالخلافة فيه على أن يتولّى رئيس المجلس التشريعي مهام الرئاسة مؤقتًا، لكن عباس أقدم على حلّه. وإذا كان القانون الأساسي معطّلًا، فلماذا لا يجري تعديله بدلًا من إصدار إعلانٍ دستوري قائم بذاته؟ وما الغاية من اتّخاذ هذا الإجراء الآن، ما دام الفراغ القانوني الذي طال أمده قد جرى ملؤه قبل سنة عبر إصدار الإعلان الدستوري للعام 2024؟ ولماذا لا تتم الاستعانة بـ"الدستور المؤقّت" الذي شُكّلَت لجنةٌ لصياغته ويُتوقَّع صدوره في وقتٍ لاحق من هذا العام؟

يُرجّح أن ثمّة عوامل دولية ومحلية تؤدّي دورًا في هذا الصدد. فعلى الصعيد الدولي، ألمح الرئيس دونالد ترامب مؤخرًا إلى أنه سيعبّر في مرحلة ما عن رأيه بشأن مدى ملاءمة عباس للبقاء في منصب الرئاسة (في البداية قال ترامب إن عباس "على الأرجح غير" ]مناسبٍ لهذا المنصب[، ثم تذكّر أنه تلقّى مديحًا منه). وحين سُئل عن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي القابع في السجون الإسرائيلية، أجاب ترامب أنه "سيقرّر" قريبًا ما إذا كان على إسرائيل الإفراج عنه. أما على الصعيد الإقليمي، فقد سعت دول عربية بارزة إلى إجراء مصالحة داخلية في حركة فتح. ووافقت فتح مؤخرًا على إعادة ناصر القدوة، وزير الخارجية الفلسطيني السابق وابن شقيقة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، إلى صفوفها بعد أن فصلته في العام 2021 على خلفية سعيه (بالتحالف مع البرغوثي) إلى تشكيل قائمة انتخابية منفصلة عن القائمة الرسمية للحركة. وقد عبّرت دول نافذة أخرى عن تفضيلها شخصيات محدّدة. على سبيل المثال، يحظى محمد دحلان، المفصول من حركة فتح منذ حزيران/يونيو 2011، بدعم الإمارات العربية المتحدة.

قد يكون تعيين الشيخ أتى حصيلةَ تفاهماتٍ مع بعضٍ من هذه القوى الدولية، أو محاولةً لعرقلة مساعي ترشيح البرغوثي أو لمنع العائدين إلى صفوف فتح من الاضطلاع بدورٍ في السلطة الفلسطينية. وإذا كان الأمر كذلك، من الصعب الاحتفاء بخلفٍ يُنظر إليه على أنه سُمّي نتيجة مناوراتٍ دولية وتآمرات داخلية. وفي حال دخل الإعلان حيّز التنفيذ، قد تعلو من جديد أصوات المنافسين على المنصب عَقب رحيل عباس عن المشهد، بعد أن استقبلوا القرار بصمتٍ متحفّظ.

إن ما يغفله الإعلان الدستوري، فضلًا عن صياغته المُبهمة، قد يثيران بعض القلق أيضًا. فهو ينصّ على تولّي الرئيس المؤقت مهام الرئاسة "لمدّة لا تزيد على 90 يومًا"، تُجرى خلالها انتخاباتٌ جديدة. وفي حال تعذّر إجراؤها خلال تلك المدّة، تُمدَّد ولايته "لفترةٍ أخرى"، ولمرّة واحدة فقط، بقرارٍ من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي هيئة تضمّ الكثير من الشخصيات الموالية لعباس. كذلك، لم يُحدَّد بوضوح طول الفترة الثانية، ولم يُفسَّر سبب الانتقال من استخدام كلمة "مدّة" إلى كلمة "فترة"، لكن ذلك قد يُعزى ببساطة إلى الصياغة المتسرّعة. وتبقى هوية شاغل منصب الرئاسة غير مؤكّدة إذا انقضت الفترة الثانية من دون إجراء انتخابات، الأمر الذي يبدو مُرجّحًا في ظلّ المشهد الفلسطيني الفوضوي الراهن.

إذًا، في حال شغور منصب عباس لأيّ سببٍ كان، بات اسم خلفه واضحًا. لكن الطريقة التي حصل بها ذلك تقوّض أي مصداقية محلية قد يتمتّع بها خلفه.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.