المصدر: Getty
مقال

صخبٌ، وجلبةٌ، ولا طائل

لم تكن المراسم التي أحاطت بالنهاية الظاهرية لحرب غزة سوى محاولة لإخفاء واقع أن ما حُسم فعلًا قليلٌ جدًا.

نشرت في ١٧ أكتوبر ٢٠٢٥

ما حصل في 13 تشرين الأول/أكتوبر في إسرائيل ومصر لم يكن إلّا قصة مليئةً بالصخب لكن خالية من كلّ معنى. نعم، أُفرج عن الرهائن الإسرائيليين، وهذا خبر سارٌ إذ أنهى الطريقة التي كانوا يُستخدمون فيها بلا رحمة كبيادق من جانب حركة حماس وبنيامين نتنياهو في لعبةٍ خبيثةٍ لضمان البقاء السياسي. نعم، أُطلق سراح الرهائن الفلسطينيين أيضًا، لأن ما من مبرّر لبقاء آلاف الرجال رهن الاعتقال الإداري لدى إسرائيل، من دون توجيه أي تهمة لهم، مع العلم بأن الهدف الأساسي من اعتقالهم كان استخدامهم كورقة مساومة في المفاوضات مع حماس. ونعم، ربما شكّلت قمة شرم الشيخ محاولةً ناجحةً لكسر زخم الحرب والتطهير العرقي في غزة، دافعةً بالرئيس دونالد ترامب إلى التصريح بأنه قال لنتنياهو إن التاريخ سيذكرك أكثر بكثير إذا أنهيت الحرب منه "إذا استمريت في القتل، والقتل، والقتل".

ولكن بغض النظر عن هذه النجاحات، خلت الأحداث التي وقعت هذا الأسبوع من أي معنى عمومًا في السياق الأوسع لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبينما غاص ترامب في بحر من المتملّقين، لم يذكر ولو مرّةً واحدةً دولة فلسطينية، وشكّلت اللحظة الأبرز ظهوره في مصر محاطًا بحفنة من قادة العالم الذين خانت تعابير وجوهم قناعةٌ بأنهم عالقون في سيكودراما غريبة.

تدخل خطة الرئيس الأميركي بشأن غزة راهنًا مرحلتها الثانية، التي تتضمن، من جملة بنود أخرى، نزع سلاح حماس. ماذا سيحصل إذا واصلت الحركة رفض هذا الشرط؟ هل ستستأنف إسرائيل هجومها؟ عُقدت قمة شرم الشيخ لتجنُّب حصول ذلك بشكل خاص، والآن أصبح من الواضح تمامًا أن الجيش الإسرائيلي لن يتمكّن من نزع سلاح حماس بالكامل في كلّ الأحوال. ويتمثّل أحد إنجازات نتنياهو البسيطة في أن إسرائيل مُنحت ذريعةً لرفض إقامة دولة فلسطينية رسميًا، وهو موقفٌ تتشاركه مع الأميركيين بطبيعة الحال. لكن الثمن الذي دفعته إسرائيل هو أن غالبية عظمى من دول العالم باتت اليوم تعتقد أن لا حلّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني من دون إقامة دولة فلسطينية.

يبدو أن نتنياهو وحلفاءه الفاشيين المتديّنين قد فشلوا في الوقت الراهن في تطبيق مشروع التطهير العرقي الذي كانوا يخطّطون له منذ أيام الحرب الأول. وقد أظهرت كلّ الخطوات التي قامت بها إسرائيل آنذاك أن هذا الهدف كان أولوية، بدءًا من أولى جهود نتنياهو لإقناع مصر بفتح حدودها أمام سكّان غزة، ومرورًا بالتدمير المُمنهج لجميع المؤسسات أو البنى التحتية التي كانت تجعل الحياة في غزة مُمكنة، ووصولًا إلى مؤسسة غزة الإنسانية، التي كان من المُفترض أن توفّر الطعام للفلسطينيين الجياع، لكنها استُخدمت بشكل أساسي في جعلهم أهدافًا للنيران الإسرائيلية بمجرّد اقترابهم من منشآتها، قبل تجميعهم في جنوب غزة كخطوةٍ أوّلية لتهجيرهم إلى مصر.

بقي الفلسطينيون، لكن الخطة الإسرائيلية قد تنجح في النهاية. وقد نشهد خلال السنوات المقبلة قيام أعداد متزايدة من سكّان غزة، الذين يعانون من ظروف معيشية مروّعة، بدفع المال للشبكات غير المشروعة لقاء مساعدتهم على الهجرة من غزة إلى مصر وغيرها. وفي الضفة الغربية، ستواصل إسرائيل جعل حياة الفلسطينيين لا تُطاق، بحيث تستمر في ارتكاب المزيد من المذابح، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، مع العلم بأنها ممارساتٌ كانت شرعت بها من دون انقطاع منذ العام 2023. ويأمل الإسرائيليون أن يلجأ عددٌ متزايد من الفلسطينيين إلى التوجّه نحو الأردن، في خطوةٍ وصفها صديقٌ أردني بأنها "شكل هادئ من أشكال التطهير العرقي". فحلم إسرائيل في نهاية المطاف هو أن يتحوّل الأردن إلى دولة فلسطينية.

غاب عن الإجراءات المبتذلة هذا الأسبوع أيضًا إعادة النظر في كيفية تواطؤ الولايات المتحدة ودول غربية عدّة في الفظائع التي أصابت سكّان غزة. لقد قامت الولايات المتحدة بتسليح إسرائيل طوال فترة الحرب، ناهيك عن دخولها في صراعَين بالنيابة عنها. وقد أشار ويليام د. هارتونغ من معهد كوينسي للحكم المسؤول إلى أن واشنطن أنفقت حوالى 33.7 مليارات دولار لدعم إسرائيل بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وأيلول/سبتمبر 2025، وشكّلت قيمة المساعدات العسكرية 21.7 مليارًا من القيمة الإجمالية.

أما دول أوروبا الغربية فستحاول تركيز الأنظار على كيفية ابتعادها عن إسرائيل في المراحل اللاحقة من الصراع، عندما كان يتمّ تجويع سكّان غزة. مع ذلك، لن تتمكّن دول عدّة من محو قمعها للاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، وحتى تجريمها في بعض الأحيان. ولن تستطيع دولٌ مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا والمملكة المتحدة تبرير سبب معارضتها لقضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

وحدها إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا تعاملت مع مبادرة جنوب أفريقيا بالجديّة التي تستحقها. وثبُت أنها على حقّ. وفي أيلول/سبتمبر من العام الجاري، خلُصت لجنة التحقيق الدولية المستقلّة المعنيّة بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل إلى أن السلطات الإسرائيلية وقوات الأمن الإسرائيلية "ارتكبت ولا تزال ترتكب... إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزة"، وهو قرارٌ حاول الإسرائيليون ومن يسهّلون لهم تحقيق أهدافهم جاهدين إثبات أنه عارٍ عن الصحة. وسبق أن حاولوا القيام بذلك عندما توصّلت الجمعية الدولية للباحثين في دراسات الإبادة الجماعية إلى استنتاجٍ مشابه. مع ذلك، لم يكن ثمّة ما يمكن إضافته بعد أن كتب الباحث الإسرائيلي البارز في شؤون الإبادة الجماعية أومير بارتوف مقالًا في صحيفة نيويورك تايمز، جادل فيه:

"لا يمكن فهم تصرفات إسرائيل إلّا على أنها تنفيذ للنيّة المُعلنة بجعل قطاع غزة غير صالح للسكن للفلسطينيين. أعتقد أن الهدف كان، ولا يزال حتى اليوم، إجبار السكّان على مغادرة القطاع تمامًا، أو، بالنظر إلى أنه ليس لديهم مكان يذهبون إليه، إضعاف القطاع من خلال القصف والحرمان الشديد من الطعام والمياه النظيفة والصرف الصحي والمساعدات الطبية، لدرجة يستحيل على الفلسطينيين في غزة الحفاظ على وجودهم أو إعادة بناء وجودهم كجماعة.

إن استنتاجي الحتمي هو أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بحقّ الشعب الفلسطيني".

لن تختفيَ هذه الأحكام في وقتٍ قريب، لأن العالم لا ينتهي عند حدود الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. إن خلّفت الفظائع التي ارتُكبت في غزة على مدى عامَين أي أثر، فهو التأكيد على أن الكثير من الدول أضافت القضية الفلسطينية إلى قائمة المسائل التي تثير استياءها من الغرب، وأنها لا تنظر إلى إسرائيل إلّا كدولةٍ خارجةٍ عن القانون وذات توجّه استعماري جديد.

استغرق ترامب عشرة أشهر طويلة ليُدرك أن إسرائيل باتت تشكّل عبئًا كبيرًا على قوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم، وأن نتنياهو أصبح خارجًا عن السيطرة، ناهيك عن أن الرئيس الأميركي ظلّ على مدى عشرة أشهر يُغذّي آلة القتل الإسرائيلية ويُبقيها تعمل من دون توقّف، حتى بينما كانت أميركا تفقد مصداقيتها. لكن ترامب نجح على الأقل في القيام بما فشل جو بايدن الجامد في فعله، ألا وهو استخدام نفوذ الولايات المتحدة لفرض وقف لإطلاق النار مرتَين على الحكومة الإسرائيلية.

وعلى افتراض أن الحرب تنتهي، ستظلّ غزة وصمة عار على عالم ما بعد الحرب الباردة، هو عالمٌ خاضع لسيطرة الولايات المتحدة وصل كما قيل إلى "نهاية التطوّر الإيديولوجي للجنس البشري وإضفاء الطابع العالمي على الديمقراطية الليبرالية الغربية باعتبارها الصيغة النهائية للحكومة البشرية"، على حدّ تعبير فرانسيس فوكوياما. لقد أعادت غزة التأكيد على سخافة تلك الفكرة، التي صيغت في فقاعة غربية مُدلّلة. والمفارقة أن من يجسّد هذه الكذبة هو دولة إسرائيل، التي اعتبرها الكثير من الغربيين عند قيامها في العام 1948 انتصارًا على وحشية ألمانيا النازية التي تُعدّ تجسيدًا للنظام الاستبدادي.

هل ستتعافى القيم الليبرالية الغربية بعد ما جرى في غزة؟ هذا ليس بالأمر المرجّح، لأنه باستثناء عددٍ قليل من الأوروبيين الشجعان، لن يستطيع أحدٌ التنصُّل لفترة طويلة من المسؤولية عن الإبادة الجماعية التي ارتُكبت في غزة. وستُقابَل أيّ دعوةٍ جديدة لحمل السلاح من الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين الرئيسين دفاعًا عن القانون الدولي والقيم الإنسانية بالسخرية. ولن يتمكّنوا من التخلّص من انطباع حقيقي بأن أفعالهم خلال العامَين الماضيَين كانت مدفوعةً بعنصرية غير مُعلنة، لكن واضحة – هو شعورٌ بأن الدول الغربية لم تكن راغبةً في توفير الحماية العالمية والقيم الإنسانية والتعاطف للفلسطينيين كما فعلت مع الإسرائيليين. حتى في تغطية وسائل الإعلام الغربية للإفراج عن الرهائن هذا الأسبوع، ما مقدار الاهتمام الذي حَظيَ به الفلسطينيون المُفرج عنهم حقًّا بالمقارنة مع الرهائن الإسرائيليين؟

لذا إذا نظرنا إلى مراسم 13 تشرين الأول/أكتوبر، يمكننا التوصّل إلى استنتاجٍ وحيد مفاده أن لا شيء يحول دون اندلاع حرب في غزة من جديد. قد يتصوّر ترامب أنه أوجد حلًّا لصراع "كان ليدوم وفقًا للبعض 3 آلاف عام، وللبعض الآخر 500 عام"، لكن جلّ ما فعله في الواقع، ومن الجيّد أنه فعل ذلك، هو أنه وضع حدًّا لعمليات القتل الجماعي التي ارتكبتها إسرائيل بحقّ سكّان معظمهم من المدنيين على مدى عامَين. جُرح غزة لن يلتئم قريبًا، وسيستمر في فصل الغرب عن بقية العالم. غالبًا ما يكرّر نتنياهو أن إسرائيل تخوض صراعًا بين الحضارة والهمجية، لكن السحر انقلب على الساحر. فمنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، اتّفق كُثرٌ مع وصف نتنياهو، لكن ليس تمامًا بالطريقة التي يقصدها.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.