المصدر: Getty
مقال

هل من حربٍ جديدة وشيكة على لبنان؟

هذا هو الاعتقاد الشائع، إلّا أن الأمور قد لا تكون بهذه البساطة، وذلك لجملةٍ من الأسباب.

نشرت في ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٥

من بين المقولات الطريفة المتداولة ما ورد على لسان الصحافي البريطاني اليساري الراحل كلود كوكبرن: "لا تصدّقوا أي شيءٍ إلى أن يتم إنكاره رسميًا". ويمكننا أن نضيف على جملته تعديلًا طفيفًا ليصبح: "صدّقوا كل شيءٍ إلى أن يؤكّده الجميع".

هذا ما يخطر على البال مع تزايد عدد المراقبين الذين يفترضون أنّ حربًا جديدة في لبنان باتت وشيكة. ويستند تفكيرهم إلى منطقٍ مفاده: لقد انتهت الحرب على غزة، بينما في لبنان ما زال حزب الله يرفض نزع سلاحه وفقًا لما نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار المزعوم الذي تم التوصّل إليه مع إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الساعي إلى شنّ حروب جديدة، أصبح يملك ذريعة مثالية لمزيدٍ من التصعيد في لبنان، وإن كان ذلك فقط لتأجيل ساعة الحساب في الداخل الإسرائيلي بشأن الأخطاء التي اقترفتها حكومته في الفترة التي سبقت هجوم حركة حماس يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.

يبدو هذا التحليل وجيهًا، لذا لم يعد عددٌ متزايد من المحلّلين يتساءلون عمّا إذا كانت الحرب الجديدة في لبنان ستقع، بل متى ستقع. مع ذلك، هل هذا الاستنتاج صحيحٌ بالضرورة؟ لقد اعتدنا على توقّع الأسوأ من الإسرائيليين بعد حملة القتل الجماعي التي ارتكبوها في غزة، لكن هذا الإدراك لا يمنحنا بالضرورة فهمًا واضحًا لجميع أفعالهم. لنُمعن النظر في هذه المسألة.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، اتّخذ الإسرائيليون خطوات قد تشير إلى أنهم في صدد التحضير لتنفيذ عملية عسكرية في لبنان. فمنذ أسبوع تقريبًا، نظّموا مناورات في منطقة الجليل الأعلى على طول الحدود اللبنانية، وسط تزايد المزاعم بأن حزب الله يعيد تسليح نفسه. كذلك، تستهدف المسيّرات الإسرائيلية وتقتل بشكل شبه يومي لبنانيين تدّعي إسرائيل بأنهم عناصر من حزب الله، على الرغم من أن الكثير من المدنيين كما هو واضح يُقتلون في هذه الهجمات أيضًا، وآخرها كان الاستهداف الذي وقع في 23 تشرين الأول/أكتوبر. يرى البعض أن ما يحصل هو تصعيدٌ مطّرد يمهّد الطريق لتنفيذ عملية أكبر. ربما، ولكن بإمكان المرء تفسير الانتهاكات الإسرائيلية بطرق أخرى.

لنأخُذ، على سبيل المثال، ارتفاع وتيرة الهجمات الإسرائيلية على مواقع مخصّصة للجرّافات وآليات البناء، ولا سيما استهداف المنشآت الواقعة في منطقة المصيلح يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر. وبعد أيامٍ قليلة، واصل الإسرائيليون هجماتهم ودمّروا مصنعًا لإنتاج الإسمنت في بلدة أنصار. يبدو أن الهدف لم يكن التحضير للمعركة، بل إعلان حربٍ اقتصادية على سكان الجنوب. فالإسرائيليون يوّجهون، من خلال تدمير جميع آليات ومعدّات البناء الضرورية لإعادة الإعمار، رسالةً إلى الجنوبيين مفادها أنّ ثمة ثمنًا اقتصاديًا يجب دفعه لدعم حزب الله ورفضه تسليم سلاحه. ويتزامن ذلك مع مؤشرات أخرى تدلّ على أنّ إسرائيل تركّز حاليًا على تضييق سُبل العيش بشدّةٍ على سكان الجنوب، بما في ذلك الحدّ من قدرتهم على الوصول إلى بساتين الزيتون، وقصف المنازل المتضرّرة بمجرّد محاولة أصحابها المباشرةَ بأيّ إصلاحات، إضافةً إلى إرساء ظروف تجعل من زراعة التبغ، وهي قطاع حيوي لسكان المنطقة الحدودية، أمرًا شبه مستحيل.

في هذا الإطار، صرّح موريس تيدبول بنز، المقرّر الخاص للأمم المتحدة لحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسّفًا، لوكالة فرانس برس قائلًا: "في ظلّ عدم توافر أدلّة مُقنعة على أن هذه الأهداف المدنية لها دوافع [عسكرية] مزدوجة... فهذه الضربات غير قانونية. إن عمليات القتل الناجمة عن هذه الهجمات تنتهك الحقّ في الحياة، وكذلك مبدأَي الاحتياط والتناسب، وتُعتبر برأيي جرائم حرب". وبغضّ النظر عن الوحشية الإسرائيلية الغاشمة، لا يُعتبر شنّ حرب اقتصادية على السكان المدنيين ومنع مساعي إعادة الإعمار بالضرورة تمهيدًا للحرب. بل يبدو أن الهدف من هذه الخطوات هو إرغام الحكومة اللبنانية وحزب الله على الإذعان لمطالب إسرائيل، ما يعني أنها في المقام الأول تدابير سياسية، لا عسكرية.

ثمّة عوامل أخرى تشير إلى أن ما من حربٍ تلوح في الأفق على الأرجح. العامل الأول هو أن إسرائيل فرضت بشكل أو بآخر الواقع الذي تريده في جنوب لبنان بدعمٍ كاملٍ من الولايات المتحدة. وعلى هذا الأساس، قد لا يُفضي الدخول في صراعٍ جديد غير مضمون النتائج في أفضل الأحوال، بالضرورة إلى وضعٍ أفضل لإسرائيل ممّا تتمتّع به اليوم. فهي تسيطر بشكل كامل على الأراضي والمجال الجوي في جنوب لبنان، وتحظى بدعمِ أميركي من خلال ما سُمي بآلية الإشراف على وقف إطلاق النار المزيّف الساري في لبنان، وسيتعزّز نفوذها الآن بعد أن نجحت، مع الأميركيين، في إنهاء ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، المُقرَّر في كانون الأول/ديسمبر 2026. الجدير بالذكر أن وقف عمليات اليونيفيل لطالما كان هدفًا لإسرائيل وأصدقائها في الولايات المتحدة، والآن في ظل غياب الرقابة الدولية في جنوب لبنان، بإمكان الإسرائيليين تعزيز سيطرتهم على الأراضي اللبنانية المحتلة. أما ما إذا كان ذلك سيُستخدم لفرض تسوية سلمية على بيروت أو تحويل الاحتلال الإسرائيلي إلى واقعٍ دائم، فهذا يبقى موضع تكهّنات، لكن عدم وجود قوات حفظ السلام الأممية يُبقي جميع الخيارات متاحةً أمام الإسرائيليين.

أما السبب الثاني لعدم ميل إسرائيل ربما إلى إطلاق عملية عسكرية جديدة كبرى اليوم فهو أن جيشها مُرهق جرّاء الحملة في غزة. وفي حين أن هذا قد لا يكون كافيًا لتفادي اندلاع حرب، لا بدّ من التساؤل ما الذي يمكن أن تفعله القوات الإسرائيلية في لبنان تحديدًا؟ إذا كانت الحجة أن باستطاعتها احتلال المزيد من الأراضي، وربما تصل إلى نهر الليطاني وما بعده حتى، قد يعني ذلك أنها تنوي المخاطرة بالتورّط في عملية برّية كبيرة لن تسهم سوى في إعادة إحياء حظوظ الحزب وإضعاف خصومه اللبنانيين. ولماذا؟ ما لم يكن الإسرائيليون عازمين على الدخول في مواجهة كاملة واحتلال سهل البقاع، قد يتراجع حزب الله ببساطة من الجبهة الجنوبية، ويُفلت من الهجمات الإسرائيلية. صحيحٌ أن القصف المدمّر لغزة على مدى عامَين من الزمن كانت له تداعيات كثيرة، إلّا أنه على ما يبدو لم يُضعف حركة حماس بشكل كبير، إذًا لمَ الافتراض بأن الحملة ضدّ حزب الله قد تحقّق نجاحًا أكبر؟

العامل الثالث الذي قد يوحي بأن الحرب ليست على الأبواب هو دونالد ترامب. فقد نجح الرئيس الأميركي مؤخرًا في فرض وقفٍ دائم لإطلاق النار في غزة، وهو لا يريد على الأرجح أن يدير حربًا جديدة في المنطقة، ليس الآن على الأقلّ. وهو أرسل الكثير من المبعوثين إلى إسرائيل الأسبوع الفائت بهدف تثبيت وقف إطلاق النار، من بينهم نائب الرئيس جي دي فانس. يشير غموض خطة ترامب إلى إمكانية اندلاع الحرب مجدّدًا في غزة، خصوصًا الآن بعد الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين. مع ذلك، لا ينبغي الاستهانة بغرور ترامب ورغبته في إنجاح مخطّطه، ولا سيما بعد أن خلُص على ما يبدو، عقب الهجوم الإسرائيلي على قطر، إلى أن نتنياهو "خرج بعض الشيء عن السيطرة".

والسبب الرابع الذي يجب أخذه في الحسبان أن حزب الله يشكّل فعليًا تهديدًا لإسرائيل فقط في سياق تحالفٍ إقليمي فعّال بين القوى الموالية لإيران. يُدرك الإسرائيليون هذا الأمر، حتى لو أن من مصلحتهم مبالغة التهديد الذي يطرحه الحزب مع واشنطن. صحيحٌ أن حزب الله قد يكون انخرط في بعض عمليات إعادة التسلُّح خلال العام الفائت، لكن يبدو مستبعدًا إلى حدٍّ كبير، بعد خسارة نظام الأسد في سورية، أن يصمد في أي مواجهة عسكرية مطوّلة مع إسرائيل، ولا سيما في ظل العداء الشديد له في الداخل. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها إيران لإعادة تفعيل ورقة محور المقاومة، قد يكون طموحها هو انتزاع تنازلات سياسية في المفاوضات مع الولايات المتحدة، بدلًا من إعادة إحياء تحالفٍ كلّفها الحفاظ عليه مليارات الدولارات، ومُنيَ بفشلٍ ذريع في العام 2024.

وحتى إن كان حزب الله قد احتفظ بقدرات صاروخية، وهو احتمالٌ وارد، كيف يمكن أن يستخدمها؟ لطالما كانت استراتيجية ما يُسمّى وحدة الساحات التي صاغها الإيرانيون وحلفاؤهم في العام 2023 ترتيبًا سياسيًا، أكثر منه عسكريًا، يمكن استخدامه ضدّ إسرائيل، حتى إن كان من غير الواضح ما إذا كانت قيادة حماس في غزة مُدركةً لهذه الحقيقة في العام 2023. لقد أثبتت إيران أن ترسانتها الصاروخية قادرةٌ على إحداث دمارٍ كبيرٍ في إسرائيل، وأن حزب الله قد يتمكّن بدوره من إلحاق بعض الضرر. لكن ماذا بعد؟ هل باستطاعة الحزب فرض علاقة ردع جديدة مع إسرائيل؟ كلا. فبمجرّد إطلاق الصواريخ ستنتهي القصة، على الأقلّ في الوقت الراهن، بما أن احتمال أن يتمكّن الحزب من إعادة تسليح نفسه من خلال سورية المعادية له بشدّة بات أمرًا معقّدًا. وهذا من دون احتساب ما سيتبع ذلك من ردٍّ إسرائيلي مدمّر على لبنان، قد يدفع باقي الطوائف اللبنانية إلى الترحيب بهزيمة الحزب.

لا تبدو إسرائيل تحت ضغطٍ كبير لاستئناف الحرب في لبنان، طالما أن وقف إطلاق النار الساري يقدّم لها الكثير من المزايا، وأن قدرة حزب الله على تهديد الأراضي الإسرائيلية لا تزال محدودة. هذه العوامل وحدها لا تضمن عدم نشوب صراعٍ جديد. لكنها تشير إلى أن ما من سببٍ قوي يدفع إسرائيل إلى تعبئة قواتها على الفور. في هذه الأثناء، يبقى الهمّ الأساسي لإسرائيل هو إيران، التي تُعيد بناء قدراتها العسكرية. أما حزب الله فما زال مسألةً ثانوية، قد تفضّل إسرائيل حلّها من خلال إضعاف طهران.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.