المصدر: Getty
مقال

نحو تسوية جديدة في العراق؟

وضعت الانتخابات البرلمانية الأخيرة نوري المالكي في موقعٍ قوي يخوّله تسمية رئيس الحكومة المقبل.

 فلاديمير فان ويلغنبرغ
نشرت في ١٩ ديسمبر ٢٠٢٥

برز ائتلاف الإعمار والتنمية العراقي، بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، كأكبر كتلة نيابية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، إذ فاز بأكبر عددٍ من المقاعد، أي 46 من أصل 329 مقعدًا. مع ذلك، ترى مصادر دبلوماسية أن احتمال تولّي السوداني رئاسة الحكومة المقبلة أمرٌ مستبعد، نظرًا إلى أن النظام السياسي العراقي يميل إلى تفضيل المرشّحين التوافقيين، من جملة عوامل أخرى. لقد بات السوداني أقوى من أن يُنظر إليه كخيارٍ توافقي.

وخلال منتدى الشرق الأوسط للسلام والأمن، وهو مؤتمر سنوي نظّمته الجامعة الأميركية في كردستان، بين 17 و19 تشرين الثاني/نوفمبر، قال السوداني إنه على استعداد لتولّي رئاسة الحكومة لولاية ثانية من أجل استكمال المشاريع والإصلاحات قيد التنفيذ. لكنه أقرّ بأن نتائج الانتخابات النيابية نادرًا ما كانت "هي الفيصل والحاكم في تشكيل الحكومة" في العراق.

ويُعزى ذلك بصورة أساسية إلى قرار صدر عن المحكمة الاتحادية الكبرى العراقية في آذار/مارس 2010 ومفاده أن الكتلة البرلمانية التي تتولّى تشكيل الحكومة الجديدة ليست بالضرورة القائمة الانتخابية التي حصدت أكبر عددٍ من المقاعد، بل يمكن أن تكون ببساطة تحالفًا تشكّل بعد الانتخابات وكوّن غالبيةً برلمانية. هذا القرار مكّن نوري المالكي من تشكيل حكومةٍ وتولّي رئاستها على الرغم من فوز القائمة العراقية بقيادة إياد علاوي بعددٍ أكبر من المقاعد في انتخابات ذلك العام.

في 18 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن تحالف الإطار التنسيقي الموالي لإيران، الذي يضمّ معظم الأحزاب الشيعية، أنه شكّل أكبر كتلة برلمانية وسيعمد إلى اختيار رئيس الوزراء المقبل. وتشير تقارير إلى أن التحالف حضّر قائمة مؤلّفة من 30 مرشّحًا محتملًا، من بينهم المالكي والسوداني، وشخصيات أخرى مثل رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي حميد الشطري، ووزير الشباب والرياضة السابق عبد الحسين عبطان، ومحافظ البصرة الغنية بالنفط أسعد العيداني، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي

تعيّن على السوداني التعامل أيضًا مع ظروفٍ عاندته وصبّت في صالح الأحزاب الشيعية الموالية لطهران، التي وجد نفسه في الكثير من الأحيان على خلاف معها ومع إيران نفسها، التي تؤدّي دورًا بارزًا في موازين القوى في العراق. بدايةً، قاطع مقتدى الصدر الانتخابات، وهو كان يقود كتلة برلمانية شيعية مستقلّة قبل استقالة نوابه بشكلٍ جماعي في حزيران/يونيو 2022 وسط أزمة تشكيل الحكومة. واستفادت الأحزاب الموالية لإيران من هذا الوضع، إذ لم تعد تواجه معارضةً تُذكر في المشهد السياسي الشيعي. واقع الحال أن الأحزاب المرتبطة مباشرةً بالفصائل المسلحة المدعومة من إيران، فازت مجتمعةً بأكثر من 50 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة، على الرغم من تشتّتها وعدم تشكيلها كتلةً واحدة.

مؤخرًا، تورّط السوداني في فضيحة ألحقت ضررًا كبيرًا بمكانته وسط الأحزاب الموالية لإيران. ففي 4 كانون الأول/ديسمبر، أدرجت الجريدة الرسمية العراقية، التي تنشر القرارات الجديدة للعامة، حزب الله اللبناني وحركة أنصار الله اليمنية (المعروفة بالحوثيين) ضمن "المنظمات الإرهابية"، الأمر الذي أثار موجةً من الغضب. وعلى الإثر، وجّه السوداني، الذي أنكر معرفته بكيفية صدور هذا القرار وأكّد أن اللغة المُستخدمة لا تعكس الموقف العراقي، بإجراء تحقيقٍ ووعد بتحديد المسؤولية ومحاسبة المقصّرين في ما ورد من خطأ.

كذلك، أضرّ تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن السوداني رشّحه لنيل جائزة نوبل للسلام بسمعة رئيس الوزراء. فقد أثار ذلك انتقادات من الفصائل المدعومة من إيران، نظرًا إلى أن ترامب هو من أصدر أمر توجيه الغارة الأميركية التي استهدفت اللواء الإيراني قاسم سليماني وقائد كتائب حزب الله أبو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني/يناير 2020، ما أدّى إلى إصدار مذكرة قبض عراقية بحقّ الرئيس الأميركي.

يعني كل ذلك أن المالكي لا يزال المحرّك الأساسي خلف اختيار رئيس الوزراء المقبل. لدى رئيس الحكومة السابق ثلاثة عناصر تصبّ في صالحه. العنصر الأول هو نفوذه المستمر ضمن الإطار التنسيقي. فمع أن قناة الثامنة العراقية نقلت في 29 تشرين الثاني/نوفمبر عن تنامي الزخم داخل الإطار التنسيقي لترشيح شخصية لا تمتلك قاعدة سياسية، ما من شأنه استبعاد كلٍّ من السوداني والمالكي، فإن هذا الأخير سيظلّ إلى حدٍّ كبير صاحب الكلمة الفصل في عملية الترشيح.

والعنصر الثاني هو حصول ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي على 29 مقعدًا في الانتخابات. ويُعدّ هذا الائتلاف المنافس الرئيس للكتلة التي يقودها السوداني، ويُنظر إليه على نطاق واسع بأنه جزءٌ من المحور الشيعي الموالي لإيران. وقد أعلن ائتلاف دولة القانون أنه يعارض منح ولاية ثانية للسوداني.

والعنصر الثالث هو أن المالكي، مع أنه خارج الحكم منذ سنوات، لا يزال يحتفظ بالنفوذ على عددٍ من الشبكات السياسية والأمنية في البلاد، وذلك من خلال موقعه كزعيم ائتلاف دولة القانون، وصلاته بميليشيات مسلّحة مثل كتائب سيد الشهداء، إضافةً إلى علاقاته داخل السلطة القضائية، والتي تشمل روابط وثيقة مع رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان.

لطالما كان المالكي شخصية نافذة في الأوساط السياسية الشيعية. وهو رئيس الوزراء العراقي الوحيد منذ الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين في العام 2003 الذي تولّى هذا المنصب خلال ولايتَين (بين 2006 و2014 ومجدّدًا بين 2016 و2018). ومع أن المالكي غادر منصبه عَقب سقوط الموصل في يد تنظيم الدولة الإسلامية، ظلّ لاعبًا رئيسًا في المشهد السياسي الشيعي. وفي العام 2022، نجح في استخدام نفوذه لدعم وصول حليفه المقرّب آنذاك، السوداني، الذي كان سياسيًا مغمورًا نسبيًا في ذلك الوقت، إلى منصب رئيس الوزراء.

مع ذلك، لم يتمكّن المالكي من السيطرة على السوداني، الذي كانت لديه طموحاته السياسية الخاصة. ففي العام 2024، حاول ممارسة ضغوط على السوداني للاستقالة، محمّلًا إياه مسؤولية فضيحة تنصّت استهدفت شخصيات بارزة في الإطار التنسيقي، من بينهم المالكي نفسه وصهره. لكن السوداني رفض التنحّي. وفي أيار/مايو 2025، شكّل ائتلافه السياسي الخاص، كجزءٍ من تحرّك أوسع لبناء قاعدة سياسية مستقلة من خلال إقامة تحالفات مع محافظي البصرة وكربلاء وواسط، ورئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، ووزير النفط حيان عبد الغني، والنائب البارزة علياء نصيف. وقد أثار ذلك غضب المالكي بشكلٍ أكبر.

قال الكاتب والمحلّل السياسي العراقي لوق غفوري، في مقابلة معه: "على مدى سنوات، أتقن المالكي آلية عمل سياسية مدروسة، وهي إيصال رئيس وزراء 'يمكن التحكّم به' إلى الحكم، ثم البدء تدريجيًا بإضعافه أو عزله أو تهميشه حالما يكتسب نفوذًا. هذا ما فعله مع [حيدر] العبادي، وهو اليوم يكرّر الأمر نفسه مع السوداني. فما إن يرى أن رئيس الوزراء الذي نصّبه بات قويًا ويتصرّف من دون الحصول على موافقته، حتى يبدأ بإقصائه والعمل على تعيين شخصية أخرى من دائرته الضيقة للحفاظ على نفوذه في بغداد".

وأشار غفوري إلى أن المالكي سيواجه صعوبةً أكبر في فعل ذلك هذه المرة، نظرًا إلى أن الائتلاف الذي ينتمي إليه السوداني فاز مؤخرًا بعدد كبير من المقاعد في البرلمان. لكن غفوري أضاف قائلًا: "مع ذلك، يتحكّم المالكي بخيوط العملية برمّتها بهدف محاصرة السوداني سياسيًا، وإضعافه، وتعزيز فرص وصول شخصية من معسكره، بما في ذلك هو نفسه، إلى السلطة".

في نهاية المطاف، يتمتع المالكي بلا شكّ بموقع قوي يخوّله التأثير في عملية اختيار رئيس الوزراء العراقي. لكنه ليس صاحب سلطة مطلقة. في الواقع، إن تهميش السوداني لا يشكّل سوى جزءٍ من المعادلة. لضمان وصول مرشّحه المفضّل إلى المنصب، يتعيّن على المالكي أن يتعامل بحكمة مع القوى الشيعية الأخرى، التي يشعر كثرٌ منها بالاستياء بسبب تضخّم دوره السياسي. فيبدو من غير المرجّح بشكلٍ خاص أن يقبل مقتدى الصدر بعودته إلى رئاسة الوزراء. وعلى المالكي أيضًا الحصول على موافقة كلٍّ من إيران والولايات المتحدة. ونتيجةً لكل ذلك، يبقى خيار المرشّح التوافقي السيناريو الأكثر ترجيحًا.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.