مَن الرابح في اتفاق تدمير الأسلحة السورية؟

أرجأ الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن أسلحة سورية الكيميائية خطرَ نشوب حرب أخرى في الشرق الأوسط، إلا أن الكثير يتساءلون عمّا يعنيه ذلك حيال ميزان القوى في المنطقة، والحرب السورية، وفرص تحقيق المزيد من الإنجازات الدبلوماسي.

نشرت من قبل
لسبرسّو
 on ١٩ سبتمبر ٢٠١٣

المصدر: لسبرسّو

أرجأ اتفاق اللحظة الأخيرة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن السيطرة على أسلحة سورية الكيميائية وتدميرها، خطرَ نشوب حرب أخرى في الشرق الأوسط، إلا أنه ترك كُثُراً يتساءلون عمّا يعنيه ذلك حيال ميزان القوى في المنطقة، ومسار الحرب السورية، وفرص تحقيق المزيد من الإنجازات الدبلوماسية. 

تستطيع سورية أن تؤخّر تطبيق هذا الاتفاق بوسائل عدة، لكن من المستبعد أن تفعل ذلك بطريقة فاضحة. فمن شأن عرقلة سورية الاتفاقَ الأميركي-الروسي أن تقوِّض إلى حدٍّ كبير مصداقية روسيا، حليف سورية الدولي الرئيس، وهو الأمر الذي سترغب دمشق في تفاديه. هذا مع العِلم بأن الولايات المتحدة لم تستبعد إمكانية شنّ ضربة عسكرية ضدّ سورية. 
 
أما في مايتعلّق بالنظام السوري، فيُعَدّ اتفاق تدمير الأسلحة الكيميائية مكسباً صافياً له على المدى القصير، إذ إن تخلّيه عن ترسانته الكيميائية أقلّ ضرراً من تعرّضه إلى هجوم عسكري أميركي واسع النطاق. بالتالي، ستكون سورية أضعف عسكرياً مما كانت عليه منذ أسابيع قليلة فقط، لكنها لن تكون بالضعف الذي كانت لتبلغَه لو أن الهجوم حصل. الواقع أن الأسلحة الكيميائية لم تكن قط عاملاً مهماً في المعارك التي خاضها النظام في الداخل ضدّ المعارضة المسلحة، والحرب ستتواصل باستخدام الأسلحة التقليدية. والاتفاق يشير أيضاً إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى في السلطة وسيكون شريكاً في العملية الدولية، حتى منتصف العام 2014 على الأقلّ، كما ينصّ الاتفاق.
 
بيد أن خسارة الأسد أسلحته الكيميائية تترك نظامه أكثر ضعفاً على المدى الطويل. لكن الأسد يعرف أنه بعد أن تخلّت أنظمةٌ أخرى، مثل نظام معمر القذافي في ليبيا، عن برامج أسلحة الدمار الشامل التي كانت تمتلكها، فقَدَت أيضاً الكثير من قوة الردع التي كانت تتمتّع بها، وأُطيحَت في نهاية المطاف عبر التدخّل الخارجي. وجدير بالذكر أن البرنامج النووي الأولي للأسد سبق أن وضعت له إسرائيل حدّاً بالغارة التي شنّتها في العام 2007، ومع ذلك تشير التقارير إلى أن سورية لاتزال تمتلك أسلحة بيولوجية، علماً أن الاتفاق الأميركي-الروسي لم يأتِ على ذكرها.
 
أما الثوار السوريون فيجدون في الاتفاق خيانةً وخسارةً كبرى لهم. والواقع أنهم كانوا يتطلّعون إلى ضربة عسكرية أميركية كبيرة تُغيِّر ميزان القوى على الأرض، لكن بدلاً من ذلك عُلِّقَت هذه الضربة وحظي الأسد بفرصة جديدة ليكون شريكاً في الاتفاق الدولي. هذا ولن تُغيِّر إمكانيةُ خسارة الأسد ترسناتَه الكيميائية الكثيرَ في مسار القتال على الأرض. على العكس من ذلك، لطالما أمِلَت المعارضة ربما أن يستخدم الأسد هذه الأسلحة، فتنشَأَ بذلك الظروفُ المناسبةُ لتوجيه ضربة ضدّ نظامه. 
 
في المقابل، يبدو أن حظّ الرئيس الأميركي باراك أوباما كبيرٌ، إذ حصل على أكثر مما كان يرمي إليه، وتجنّب الوقوع في مستنقع حربٍ أخرى في الشرق الأوسط. فقد أراد ردع سورية عن شنّ هجوم آخر بالغازات السامة، وعوضاً عن ذلك حصل على التزام روسي بإزالة أسلحة الأسد الكيميائية كافة. لقد هدّد بشنّ الحرب إلا أنه لم يضطر إلى المضيّ بها، وأصبح بمقدوره الآن العودة إلى معالجة شؤون بلاده الداخلية الملحّة. أما القرار الأساسي الذي يجدر به اتّخاذه للمضيّ قدماً، فيتعلّق بما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة زيادة دعمها للمعارضة السورية غير الجهادية.
 
أما إسرائيل فتبدو راضية، إذ إنها لم تكن تخشى الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها الأسد وحسب، بل خشيت أيضاً أن تصل هذه الأسلحة إلى حزب الله أو المجموعات الجهادية في المعارضة السورية إذا سقط الأسد. ولذلك تبقى إزالةُ الأسلحة الكيميائية إزالةً تامةً من الساحة السورية السيناريو الأفضل لإسرائيل. ويجب التشديد هنا أيضاً على أنه إذا كانت الولايات المتحدة قادرةً على ردع سورية بمجرّد التلويح بشنّ هجوم ضدّها، فهذا يعني أن قوة ردعها لاتزال فاعلةً وموثوقةً إزاء برنامج إيران النووي.
 
في خضمّ ذلك، برز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاعباً دولياً يتمتّع بالمهارة الدبلوماسية ولكن يفتقر إلى القوة على المستوى الاستراتيجي. والبلدان الأخرى في المنطقة، ولاسيما إيران، تدرك أنه حين هدّدت الولايات المتحدة سورية ولجأ الأسد إلى حليفه الدولي، لم تستطع موسكو ردع الولايات المتحدة، وكانت أفضل نصيحة تعطيها لزبونها هي: "تخلَّ عن أسلحتك".
 
يبقى السؤال ما إذا كان الإنجاز الدبلوماسي الذي تحقّق في مايتعلّق بالأسحة الكيميائية، سيقود إلى إحراز تقدّم دبلوماسي في عملية حلّ الصراع السوري. لاشك في أن التعاون الأميركي-الروسي هو ديناميكية مرحَّب بها، والأسد قد يكون أكثر استعداداً الآن للمشاركة في مؤتمر جنيف 2. مع ذلك، لايزال حلّ الصراع السوري يبدو بعيد المنال. فنظام الأسد لايزال ينظر إلى خصومه كافة على أنهم مرتزقة وإرهابيين يجب التخلّص منهم، في حين أن المعارضة لاتزال متفكّكة ومتطرّفة إلى حدّ أنها عاجزة عن الاتفاق على موقف موحّد، ولاتزال غير مستعدة للتفاوض مع الأسد.
 
تقع على عاتق المجتمع الدولي مهمة البناء على الاتفاق الحالي بهدف حثّ الطرفَين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، كما ينبغي على هذا المجتمع أن يزيد المساعدات الإنسانية لملايين السوريين الذين يعانون جرّاء هذا الصراع المدمّر.

تم نشر هذا المقال باللغة الإيطالية في" لسبرسّو".
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.