السياسة الخارجية الأميركية تجاه سورية والعراق: بين الكلمات والأفعال

آن الأوان لتتحمّل الولايات المتحدة المسؤولية عن إخفاقات سياساتها الشرق أوسطية.

نشرت من قبل
الجزيرة
 on ٢٩ يونيو ٢٠١٤

المصدر: الجزيرة

يلعب فشل السياسة الأميركية تجاه الصراع السوري دوراً كبيراً في الأزمة الحالية في العراق. إذ لايمكن فهم المشكلة العراقية بمعزل عما يحدث في سورية، كما أظهر تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وهذا يعني أن الولايات المتحدة لايمكن أن تكون فعّالة في انخراطها في العراق ما لم تعالج كلتا الأزمتين في آن واحد.

تصريحات الرئيس أوباما في 19 حزيران/يونيو، التي تناول فيها السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة، تحدثت عن الحاجة إلى حماية المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في العراق، غير أنها انطوت على العديد من التناقضات، وثمّة مشكلة واضحة يجري تجاهلها. وبطبيعة الحال، المشكلة تكمن في فشل السياسة الخارجية الأميركية في العراق وسورية حتى الآن.

قال أوباما: ”وحدهم القادة القادرون على الحكم وفق أجندة جامعة سيتمكّنون فعلاً من جمع شمل الشعب العراقي“، وهو مايطرح السؤال عن السبب في أن الولايات المتحدة أصبحت الآن فقط، على مايبدو، على بيّنة من افتقار المالكي للشمولية وهو يدخل ولايته الثالثة في الحكم. فقد دفعت سياسات المالكي الخلافيّة تجاه السنّة في العراق حتى أولئك الذين كانوا متحالفين مع الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة، خلال الفترة التي تم فيها الطفرة في عديد الجيش الأميركي في العراق عامي 2007 و2008، إلى الانتقال إلى صفوف داعش. وقد كان يتعيّن على الولايات المتحدة أن تستخدم علاقاتها مع الحكومة العراقية للضغط من أجل تنفيذ تدابير المساءلة والشمولية للجميع.

قال الرئيس أيضاً إن ”من مصلحة أمننا القومي ألا نرى اندلاع حرب أهلية شاملة في العراق، ليس لأسباب إنسانية وحسب، بل أيضاً لأن ذلك يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها“. وهنا لايسع المرء إلا أن يتذكر الوضع في سورية، وكيف ساهم تراجع الولايات المتحدة عن الانخراط في الملف السوري في تحوّل انتفاضة العام 2011 إلى حرب أهلية شاملة. فحتى في ذلك الوقت، لم تبذل الولايات المتحدة سوى القليل من الجهد للحيلولة دون تصاعد هذه الحرب إلى سيناريو يزعزع الاستقرار الإقليمي. والآن أزمة العراق الحالية أصبحت مثالاً حياً إضافيّاً عليه.

استمر الخطاب في التأكيد على أن ”لدينا أيضاً مصلحة في التأكد من عدم وجود ملاذ آمن يستمر في النمو لتنظيم داعش وغيره من الجماعات الجهادية المتطرّفة“. لكن، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعمل الآن مع شركائها الخليجيين لوقف دعم الجماعات المتطرّفة، فإن ضعف السياسة الأميركية هو الذي ساعد هذه الجماعات على الازدهار. فعندما يتضاءل دور الولايات المتحدة، يصبح المجال مفتوحاً أمام الجهات الفاعلة الإقليمية لتوسيع نفوذها، وحتى وقت قريب جداً، كانت الجماعات المتطرفة الأخرى، في ما عدا داعش، مثل جبهة النصرة، الوسيلة المفضّلة لكل من قطر والسعودية في محاولة القضاء على نظام الأسد. كما أنّ عدم وجود سياسة خارجية حاسمة بشأن سورية سمح للصراع بأن يستمرّ ببطء، ومنح تنظيم داعش الوقت اللازم كي ينمو ويتوسّع. كل هذا يعني أن الولايات المتحدة جعلت نفسها أقلّ أهمية في المنطقة.

ولعلّ أكبر تناقض يكمن في القول إن الولايات المتحدة ”حاولت تحقيق الحدّ الأقصى مما يمكنها القيام به لدعم المعارضة المعتدلة“ في سورية. فالدعم الذي تلقته المعارضة السورية المعتدلة، أي الجيش السوري الحر، من الولايات المتحدة لم يكن كافياً. ولم يكن الدعم العسكري ولا السياسي الذي قدمته الولايات المتحدة بالمستوى المطلوب لترجيح كفّة المعارضة المعتدلة ودفع الصراع نحو الحل.

كما ساهم الدعم الهزيل للمعارضة المعتدلة منذ بداية الأزمة في صعود الجماعات المتطرّفة التي انتهى بها المطاف ليس إلى تهديد المعتدلين في سورية وحسب، بل أيضاً إلى إزاحتهم من الصورة بحيث بدا للمراقب الخارجي غير المطّلع، مثل العديد من المواطنين الأميركيين، أنه ليس في سورية سوى خيارين اثنين: إما الأسد أو المتطرفون الإسلاميون.

كما أن القول إن الولايات المتحدة ”حاولت تحقيق الحدّ الأقصى“ مما ”يمكنها القيام به“ يضع اللوم على المعارضة المعتدلة وعلى جهات فاعلة وعوامل بخلاف الولايات المتحدة، ويصوّر دور الولايات المتحدة باعتبارها المحسن  الذي لا حول له ولا قوة والذي تخلّى عن المحاولة في نهاية المطاف.

يشكّل وقف زحف تنظيم داعش في العراق عبءاً مشتركاً بالنسبة للولايات المتحدة والحكومة العراقية والقوى الإقليمية في الشرق الأوسط. وقد حان الوقت لكي تكفّ الولايات المتحدة عن الوقوف موقف المتفرّج وتتحمّل المسؤولية عن إخفاقات سياستها الخارجية في الشرق الأوسط. ذلك أن إجراء تغيير كبير في الكلمات والأفعال هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها إنهاء الصراعين السوري والعراقي، وحماية مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، واستعادة صدقيّتها ورأسمالها السياسي.

نشرت هذه المقالة أصلاً بالانجليزية في موقع الجزيرة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.