المصدر: اليوم 24
لماذا يبدو المغرب محصنا لحد الآن من خطر داعش؟
هناك أسباب متعددة تجعل المغرب في منأى عن الخطر الإرهابي على المدى القريب. العنصر الأول يكمن في وجود دولة مركزية طورت كفاءة وفعالية أجهزتها الأمنية في السنوات الأخيرة، مما ساعدها على مواجهة تحدي التطرف العنيف.
العنصر الثاني يرتبط بنموذج التدين السائد الذي ينحو في اتجاه الاعتدال ونبذ العنف بشكل عام. لا تنسى أن الانسجام الديني الذي تعرفه الممكلة يلعب دورا في وحدة البلد وتحصينه من الانقسام الطائفي الذي يشكل بيئة خصبة للتطرف، فالمملكة تتبنى رسميا المذهب المالكي والمجتمع في أغلبيته الساحقة سني معتدل.
هناك سبب مهم آخر يرجع إلى استراتيجية داعش نفسها. فبسبب البعد الجغرافي عن بؤر التوتر في الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا والعراق، لا ترى داعش أولوية في استهداف المملكة المغربية في الفترة الحالية، وهناك سبب إضافي يرجع إلى أن الفترة الحالية تشكل موسم هجرة بالنسبة إلى المقاتلين المغاربة وليس موسم رجوع.
يلاحظ أن البلدان التي يستهدفها هذا التنظيم تعاني من التوترات والاقتتال الطائفي في الغالب. ما دور الاستقرار السياسي بالنسبة إلى المغرب في تخفيف خطورة التهديد الداعشي؟
صحيح أن تنظيم داعش يلعب على وتر الصراعات الطائفية لتساعده على إدارة «التوحش» في المناطق التي تقع تحت سيطرته. فعلى خلاف تنظيم القاعدة الذي يؤكد على أولوية المواجهة مع العدو البعيد (أمريكا والغرب) تقوم داعش منذ بذورها الأولى سنة 2004 مع أبو مصعب الزرقاوي على مواجهة العدو القريب (الأنظمة العربية)، وأيضا تأجيج الصراع الطائفي بين السنة والشيعة بهدف إدخال هذه البلدان في أتون حرب أهلية تؤدي إلى إنهاك الدولة وانهيارها، مما يسمح للجهاديين بإدارة مرحلة «التوحش».
هذا الأمر لا ينطبق على المغرب. كما أنه لا ينبغي أن ننسى أن هناك دولة مركزية تتحكم في مجريات الأمور، إضافة إلى أن تدعيم أسس الاستقرار السياسي يمثل رهانا للدولة لمواجهة الخطر الإرهابي، وهو يعتمد على ثلاثة أسس مترابطة: أولا تكريس المشروعية السياسية والدينية للملكية، وهذا يتم ليس فقط، ضمن الحدود الجغرافية للمغرب، وإنما يمتد إلى دول إفريقية. العنصر الثاني يتمثل في تدجين وإدماج «السلفيين الجهاديين» السابقين في الحياة السياسية بهدف امتصاص غضبهم واحتوائهم ضمن المؤسسات الرسمية من دون أن يكون لهم تأثير يُذكر. العنصر الثالث يتمثل في قمع العناصر المتطرفة بشكل استباقي، وهو ما يبرز أساسا في حملات تفكيك الخلايا التي يتم الإعلان عنها بشكل مستمر خلال الفترة الأخيرة. كل هذه العناصر الثلاثة تمثل أسس المقاربة التي يحافظ بها المغرب على استقراره.
لكن، ومع ذلك ينبغي أن نكون متفائلين بحذر بخصوص دور الاستقرار الحالي في تخفيف الخطر الداعشي، لأن سقف انتظارات الشباب مرتفع، يقابله خطاب داعشي جذاب لشباب محبط من فشل نماذج التنمية الموعودة، فعامل الاستقرار نسبي ويبقى في كل الأحوال غير كاف من دون تعميق الإصلاحات المؤسسية والاقتصادية العميقة على المدى الطويل.
تتحدث تقارير عدة أن المغرب يمثل مصدرا أساسيا للمقاتلين في داعش، هل يتعلق الأمر بقصور في الخطاب الديني أم بمشكل في الإدماج؟
كلاهما. فالخطاب الديني الرسمي يعاني من عوائق كثيرة أبرزها ضعف المصداقية في أعين الشباب الذين أصبحوا مغتربين أكثر فأكثر عن الخطابات الدينية الرسمية التي تفتقد إلى الاستقلالية المؤسساتية والفكرية. كما أن المقاربة المعتمدة في مكافحة التطرف لا تبذل مجهودات في مجال إدماج المعتقلين السلفيين في الحياة العامة سواء أثناء أو بعد خروجهم من السجن. مثلا لا يتم الحوار مع المتطرفين لإقناعهم بالعدول عن تلك الأفكار، كما أن أغلبهم يعاني من التضييق الأمني بعد خروجهم من السجن، يُضاف إلى ذلك تكريس فكرة النبذ والاغتراب لدى المعتقلين الجهاديين عن المجتمع، ومن ثمة يتحولون نحو التطرف أكثر فأكثر بسبب غياب بديل آخر.
إلى أي حد يمكن الحديث عن بيئة رافضة للإرهاب في المغرب لا تسمح بتبلور التهديد الإرهابي في أشكاله المتقدمة كما يحدث في دول أخرى؟
بشكل عام توفر المملكة المغربية عناصر طاردة وأخرى جاذبة للتطرف. والمقصود بمفهوم البيئة الحاضنة أو الطاردة للتطرف هي مجمل الشروط الاجتماعية الموضوعية التي تسهل عملية التحول نحو التطرف، ونشوء الجماعات المسلحة التي تدخل في مواجهة مع الدولة أو العكس. والعناصر التي تغذي التطرف الداعشي كثيرة، أبرزها التوترات الطائفية والإثنية – لاسيما بين السنة والشيعة والعرب والأكراد – وتراكم الفشل السياسي لدول ما بعد الاستقلال والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي الحاد، هذا بالإضافة إلى التدخل الخارجي.
فوجود حد أدنى من الانسجام الاجتماعي بين مكونات المجتمع المغربي يجعله محصنا نسبيا. فالمجتمعات التي تعيش تحولات اجتماعية حادة وتُراكم الفشل السياسي بشكل مستمر، تكون أكثر قابلية لتفجر العنف من تلك التي تعيش مسارا إصلاحيا عاديا. ولكن ينبغي التأكيد على أن الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، وغياب الإدماج لفئات واسعة داخل المجتمع تشكل عناصر تغذية للتطرف، فرغم إطلاق الدولة لمبادرات تسعى إلى الحد من التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين المناطق، إلا أنها كانت محدودة النتائج.