أشار الاتفاق على تقاسم السلطة الذي وقّعه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 إلى الانتخابات الرئاسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ولجنة عسكرية لإصلاح القوات المسلحة. كان الاتفاق يمثّل، في أحسن الأحوال، الخطوة الأولى على طريق تعافي اليمن من الاضطرابات التي طال أمدها، ومن حالة عدم الاستقرار التي عصفت بالبلاد على مدى أشهر.
في هذه الفترة الانتقالية الغامضة، وفي حين تجهد الحكومة الجديدة لإقامة شرعيّتها ومعالجة قضاياها الملحّة، سوف تلعب القوانين والأعراف القبلية دوراً هاماً في استعادة قدر من الاستقرار، لأن قدرة الحكومة على القيام بذللك محدودة للغاية. ويبدو هذا صحيحاً بشكل خاص نظراً إلى تزايد النزاعات وبروز الانقسامات الطائفيّة والسياسية في البلاد. إذ لايقتصر الأمر على كون الدولة ومؤسسات سيادة القانون ضعيفة وغير فعّالة خارج المدن الرئيسة وحسب، ولكنها أيضاً لاتحظى بالثقة على نطاق واسع.
لقد اعتمد اليمنيون على الأعراف القبليّة المحليّة لتنظيم النزاع وتحقيق العدالة على مدى قرون إن لم يكن آلاف السنين. وعالج العرف القبلي بصورة فعّالة النزاعات بين القبائل المختلفة، وبين القبائل وشركات الصناعات الاستخراجية، وبين القبائل والحكومة. وقد نجح العرف المذكور في الحيلولة دون اندلاع نزاعات – وحلّها - على الموارد وخدمات التنمية والأرض، وتمكّن في بعض الأحيان من احتواء قضايا الثأر المعقّدة. على الصعيد الوطني، لعب الوسطاء القبليّون دوراً هاماً في تشجيع الحوار السياسي وبناء الإجماع بين المجموعات السياسية. وخلال السنة الماضية، تولّت القبائل المسؤولية في المناطق التي انسحبت منها القوات الحكومية، ونجحت في تقديم مستوى معقول من الأمن داخل مناطقها، وعلى طول الطرق الرئيسة التي تربط المحافظات القبليّة.
يعتقد معظم المراقبين الغربيين واليمنيين في المناطق الحضرية بأن القبائل والعرف القبلي شكّلوا عائقاً أمام بناء الدولة والتنمية في اليمن. وبالفعل، كان هناك زعماء قبليّون ممَّن قايضوا احتياجات مجتمعاتهم بالنفوذ السياسي وكانوا جزءاً من شبكة المحسوبية الفاسدة التي ضعضعت الدولة.
ومع ذلك، وبعد ثماني سنوات من العمل المباشر مع زعماء القبائل والمجتمعات القبلية، فإنني أجادل أن القبائل لعبت دوراً هاماً في الحفاظ على تماسك اليمن في مواجهة تزايد النزاعات السياسية والظروف الاقتصادية الصعبة. علاوة على ذلك، وفيما يتعرّض العرف القبلي إلى ضغط متزايد، فإن زعماء القبائل والمواطنين في المناطق القبلية في مأرب والجوف وشبوة والبيضاء، على وجه الخصوص، توّاقون لرؤية مؤسسات دولة شرعية وفعّالة في مناطقهم، ولديهم الرغبة والاستعداد للمساهمة في تحقيق ذلك. وتُمثِّل هذه فرصة يحتاج واضعو السياسات والمجتمع الدولي إلى أخذها في الاعتبار عند التخطيط لبرامجهم ولعمليات التدخّل الهادفة إلى مساعدة اليمن في تجاوز العملية الانتقالية ومابعدها.
ستلعب الحوكمة القبليّة وقواعد وأحكام حلّ النزاعات، مرّة أخرى، دوراً في المساعدة على تخفيف حدّة التوتر وتهدئة النزاعات التي ستنشأ حال تحرّك اليمن نحو التحوّل السياسي. وثمّة حاجة إلى دمج آليات تسوية النزاعات القبليّة بالنظام الرسمي بحيث تعمل جنباً إلى جنب وتكمل دور المؤسّسات الرسمية. ويجب معالجة القضايا ذات الصلة بالضغوط التي تواجه العرف القبلي ضمن هذا الإطار.