المصدر: تعليق على أحداث
لازال أبرز اثنين من المنشقّين السوريين يجولان على الدوائر الدبلوماسية، ويضغطان على العواصم الأجنبية لتعزيز ترشيحهما كزعيمين محتملين لأي حكومة انتقالية من شأنها أن تأتي، إما بهدوء من خلال عملية سياسية، أو بعنف، من خلال حرب طويلة مع الجيش السوري الحر. فقد وصل القائد السابق لأحد ألوية الحرس الجمهوري السوري مناف طلاس إلى الأردن بشكل مفاجئ يوم 8 أيلول/سبتمبر لإجراء محادثات خاصة مع كبار المسؤولين الأردنيين وربما الملك عبدالله الثاني، وفقاً لمصادر سياسية مطّلعة، أو مع منشقّين آخرين عن الجيش السوري في المملكة، وفقاً لمصادر رسمية مجهولة. والتقى رئيس الوزراء السابق رياض حجاب، الذي انشقّ في أوائل آب/أغسطس، وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والمستشار الدبلوماسي للرئاسة بول جان أورتيز في باريس في 19 أيلول/سبتمبر.
جو بايدن السوري
لايمكن تحليل موقف فاروق الشرع بشكل صحيح من دون الخوض في كيفية تطوّر حياته المهنية منذ اندلاع الانتفاضة السورية في آذار/مارس 2011. فمنذ البداية، أوضح للمقرّبين منه ولأصدقائه في المعارضة أنه يعارض استخدام العنف، خاصة بعدما تم استدعاء الجيش السوري للتدخّل في مسقط رأسه درعا في نيسان/أبريل. الشرع بعثي مدني من المدرسة القديمة يرتاح أكثر لحل المشاكل من خلال دبلوماسية القوة الناعمة، بدلاً من القوة العسكرية. الشرع معسول اللسان لكنه قاطع، وقد خدم في ظل كل من الرئيس حافظ الأسد وابنه بشار: أولاً سفيراً لسورية في روما في أوائل الثمانينيات، ثم وزيراً للخارجية في الفترة 1984-2005. وعلاوة على ذلك ترأس في التسعينيات الوفد السوري في معظم محادثات السلام مع إسرائيل.ولأنه يفتقر إلى سلطة حقيقية لصنع القرار أو إلى خبرة أمنية، لم يشارك الشرع في القمع للانتفاضة، ولهذا السبب كانت بعض شخصيات المعارضة في البداية على استعداد لمنحه فترة سماح اختبارية. وناقش معه السجناء السياسيون السابقون ميشيل كيلو وحسن عبدالعظيم وعارف دليلة، من بين أمور أخرى، سبل إنهاء العنف وبدء عملية سياسية من أجل "تغيير سلمي". على الجانب الآخر، كان الأسد يثق بالشرع، حيث كان يرى فيه ملمحاً من جو بايدن، بوصفه نائب رئيس مسنّ يكمل بشكل لطيف، لكنه لا يتحدّى حقيقة، شعبية الرئيس الشاب وسلطته.
تهميش نائب الرئيس
تعديل انتقالي
لكن، وبدلاً من الانزواء في العتمة أو الانشقاق، أصدر الشرع بياناً في 29 آب/أغسطس بدا أبعد تماماً من أن يكون شخصً يعدّ العدة للانكفاء السياسي. فهو رحّب بمهمة المبعوث المشترك الجديد للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي، وأكّد على ضرورة أن يتوقف العنف "من جميع الأطراف". وكرّر برنامج كوفي أنان ذو النقاط الست وتوصيات مؤتمر جنيف الذي عقد في 30 حزيران/يونيو، والذي دعا إلى تشكيل هيئة انتقالية حاكمة مؤلفة من أعضاء في الحكومة السورية الحالية وشخصيات معارضة لإدارة البلاد بالتوازي مع الأسد لمدة سنة، والتحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية حرة في العام 2013. وقدّم الشرع لفتة علنيّة تجاه إيران من خلال التأكيد على ضرورة إشراكها في أي جهد لحل الأزمة السورية، ورحّب بتشكيل "مجموعة اتصال" تتألّف من مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية وإيران.
من الملاحظ أن الشرع لم يتطرّق إلى ذكر الأسد. وأي شخص مطلّع على النظام يعلم أنه يغضب من أي مسؤول، مهما كان كبيراً، يطلق بيانات تشير إلى استقلاليته. ويمكن تلخيص موقف النظام على النحو التالي: "من أنت حتى ترحّب بالإبراهيمي أو تتواصل مباشرة مع إيران؟" وكما هو متوقّع، فقد التزمت وكالة الأنباء السورية الرسمية وغيرها من وسائل الإعلام المرتبطة بالحكومة بالتعتيم الكامل على الإشارة إلى البيان. مع ذلك، فإن ما كان أقل قابلية للتنبؤ، هو أنه لم يتم اتّخاذ أي تدابير أخرى ضد الشرع. وقد عزّز هذا تكهّنات في أوساط المعارضة في سورية بأن صفقة وراء الكواليس هي في طور التشكّل يتم بموجبها اقتراح أن يكون الشرع رئيساً مؤقّتاً أو على الأقل عضواً قيادياً في الهيئة الانتقالية المقترحة.
هذا الأمر لايزال ينتمي إلى عالم التخمين. لكن القريبين من الشرع يقولون إنه لايعتقد أن المعارضة قادرة على تولّي السلطة في سورية من تلقاء نفسها. وبرأيه، يعتمد الانتقال على رموز النظام الذين يستطيعون العمل مع المعارضة لإدارة البلاد بشكل فعّال. وقد التزم الشرع الصمت إزاء انشقاق ابن أخيه يعرب رئيس فرع الأمن السياسي في دمشق، الذي يعتبر واحداً من أقوى أجهزة المخابرات، في أواخر آب/أغسطس، كما أن قنوات اتصاله الخلفية مع المعارضة التي تتخذ من دمشق مقراً لها ما زالت قويّة كما كانت دائماً. صحيح أن الأضواء لازالت مصلتة على منشقّين مثل طلاس وحجاب، لكن إذا نشأت ظروف تجبر النظام والمعارضة على التوصّل إلى حلّ وسط، من المرجّح عندها أن يحتلّ الشرع مركز الصدارة.