المصدر: Getty

ما هو دور فاروق الشرع؟

في حين اعتُبِر انشقاق كلٍّ من مناف طلاس ورئيس الوزراء السابق رياض حجاب حدثاً هاماً، قد يكون دور نائب الرئيس الحالي فاروق الشرع هو مفتاح تحقيق الانتقال الأكثر سلاسة إلى سورية ما بعد الأسد.

نشرت من قبل
تعليق على أحداث
 on ٢٧ سبتمبر ٢٠١٢

المصدر: تعليق على أحداث

لازال أبرز اثنين من المنشقّين السوريين يجولان على الدوائر الدبلوماسية، ويضغطان على العواصم الأجنبية لتعزيز ترشيحهما كزعيمين محتملين لأي حكومة انتقالية من شأنها أن تأتي، إما بهدوء من خلال عملية سياسية، أو بعنف، من خلال حرب طويلة مع الجيش السوري الحر. فقد وصل القائد السابق لأحد ألوية الحرس الجمهوري السوري مناف طلاس إلى الأردن بشكل مفاجئ يوم 8 أيلول/سبتمبر لإجراء محادثات خاصة مع كبار المسؤولين الأردنيين وربما الملك عبدالله الثاني، وفقاً لمصادر سياسية مطّلعة، أو مع منشقّين آخرين عن الجيش السوري في المملكة، وفقاً لمصادر رسمية مجهولة. والتقى رئيس الوزراء السابق رياض حجاب، الذي انشقّ في أوائل آب/أغسطس، وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والمستشار الدبلوماسي للرئاسة بول جان أورتيز في باريس في 19 أيلول/سبتمبر.

يبدو أن المسؤول السوري الرفيع الذي يجب التركيز عليه هو نائب الرئيس فاروق الشرع، الذي لم يظهر إلى العلن إلا نادراً منذ تموز/يوليو 2011، عندما أثار غضب حزب البعث الحاكم، الذي ينتمي إليه، بسبب قوله علانية إن حكم الحزب الواحد لم يعد ممكناً بالنسبة إلى سورية. وترى فيه بعض الشخصيات المعارضة في السرّ شخصية مناسبة "كرئيس مقبل" وهو مايستند إلى البند الوارد في المادة 92 من الدستور السوري الجديد، والتي تنص على أن يتولّى نائب الرئيس السلطة لفترة انتقالية من 60 يوماً إذا شغر منصب الرئاسة. ويرى آخرون أن الشرع البالغ 73 عاماً من العمر مسنّ جداً، إضافة إلى كونه استبدادياً ومتحفّظاً، وهذا لايؤهله  لكي يكون رئيساً مؤقتاً. لكن ضمن دوائر المعارضة السياسية داخل سورية يبرز الشرع، مع ذلك، كمرشّح حلّ وسط مرجّح ليرأس، أو يكون جزءاً من، أي مرحلة انتقالية.

جو بايدن السوري

لايمكن تحليل موقف فاروق الشرع بشكل صحيح من دون الخوض في كيفية تطوّر حياته المهنية منذ اندلاع الانتفاضة السورية في آذار/مارس 2011. فمنذ البداية، أوضح للمقرّبين منه ولأصدقائه في المعارضة أنه يعارض استخدام العنف، خاصة بعدما تم استدعاء الجيش السوري للتدخّل في مسقط رأسه درعا في نيسان/أبريل. الشرع بعثي مدني من المدرسة القديمة يرتاح أكثر لحل المشاكل من خلال دبلوماسية القوة الناعمة، بدلاً من القوة العسكرية. الشرع معسول اللسان لكنه قاطع، وقد خدم في ظل كل من الرئيس حافظ الأسد وابنه بشار: أولاً سفيراً لسورية في روما في أوائل الثمانينيات، ثم وزيراً للخارجية في الفترة 1984-2005. وعلاوة على ذلك ترأس في التسعينيات الوفد السوري في معظم محادثات السلام مع إسرائيل.

ولأنه يفتقر إلى سلطة حقيقية لصنع القرار أو إلى خبرة أمنية، لم يشارك الشرع في القمع للانتفاضة، ولهذا السبب كانت بعض شخصيات المعارضة في البداية على استعداد لمنحه فترة سماح اختبارية. وناقش معه السجناء السياسيون السابقون ميشيل كيلو وحسن عبدالعظيم وعارف دليلة، من بين أمور أخرى، سبل إنهاء العنف وبدء عملية سياسية من أجل "تغيير سلمي". على الجانب الآخر، كان الأسد يثق بالشرع، حيث كان يرى فيه ملمحاً من جو بايدن، بوصفه نائب رئيس مسنّ يكمل بشكل لطيف، لكنه لا يتحدّى حقيقة، شعبية الرئيس الشاب وسلطته.

تهميش نائب الرئيس

تأكّدت مكانة الشرع كمحاور مقبول عندما عيّنه الأسد لرئاسة مؤتمر الحوار الوطني في تموز/يوليو 2011. افتتح الشرع، الذي هو عضو في القيادة القطرية لحزب البعث، المؤتمر بالقول صراحة إن حكم الحزب الواحد لم يعد ممكناً بالنسبة إلى سورية. وأضاف أن تداول السلطة أمر لابدّ منه، ودعا إلى إلغاء المادة 8 من الدستور التي تنصّ على أن حزب البعث "قائد الدولة والمجتمع". ثم قال الشرع إن المسؤولين السوريين كانوا "ساذجين" في فهمهم للتطوّرات الجارية حولهم بعد اندلاع الثورة التونسية في كانون الأول/ديسمبر 2010. وقد تطرّق، عملياً، إلى كل القضايا على أجندة المعارضة السورية، اعتباراً من تموز/يوليو 2011.
 
أثار "خطاب الديمقراطية" الذي ألقاه الشرع غضب المتشدّدين في حزب البعث، الذين انتقدوه في الصحافة الرسمية. فقد بدأت ما بدا أنها حملة منظّمة لتشويه سمعته، بادّعاء أنه استغلّ المؤتمر لتسويق نفسه سياسياً، بدلا من الدفاع عن النظام. أرغمت ردّة الفعل الشرع على التقاعد السياسي بصورة غير رسمية على مدى العام التالي، تجنّب خلاله التواصل مع وسائل الإعلام. واستمرّ في رئاسة الاجتماع الأسبوعي للّجنة السياسية في حزب البعث، لكن تم تهميشه تماماً في جميع عمليات صنع القرار السياسي والعسكري. وغني عن القول، إنه لم يتم تنفيذ أي من التوصيات التي تمّ التوصل إليها في مؤتمر الحوار الوطني.
 
كان اقتراح الجامعة العربية في كانون الثاني/يناير 2012، القاضي بأن يتخلّى الأسد عن صلاحياته لنائبه - وفقاً لنموذج الانتقال اليمني الذي نقل بموجبه الرئيس علي عبدالله صالح السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي - قبلة موت تقريباً بالنسبة إلى الشرع. إذ جعل تأييد مجلس الأمن الدولي والبعض في المعارضة السورية لمقترح الجامعة العربية الأمور أسوأ بالنسبة له. وكذلك فعلت الذكريات العلنية لمسؤولين أميركيين عن تجربة عمرها عشر سنوات مع الشرع بأنه شخص يمكن التعامل معه. وفي الواقع، أثنى المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط دينيس روس على الشرع لأنه ذهب بعيداً أكثر من حافظ الأسد في محادثات "شبردزتاون" مع إسرائيل في كانون الثاني/يناير 2000 ، من خلال الموافقة على السيادة السورية - الإسرائيلية المشتركة على بحيرة طبريا، وهو التنازل الذي رفضه الأسد تماماً في القمة السورية – الأميركية التي عقدت في آذار/مارس التالي.
 
رفضت الحكومة السورية اقتراح الجامعة العربية بشكل قاطع. أما الطائفة العلوية التي التفّت بإحكام حول الأسد ردّاً على الاستقطاب الطائفي، فلن تصغي لأي كلام عن استبداله، في حين أن المتشددين في حزب البعث الذين لم يكونوا مولعين بالشرع يعتبرونه انتهازياً. اختفى نائب الرئيس المسنّ عن الأنظار مرة أخرى، حتى مشاركته في جنازة صديقه القديم، نائب وزير الدفاع آصف شوكت وصهر الرئيس، الذي توفي في التفجير الذي أسفر عن مقتل أربعة مسؤولين أمنيين بارزين في دمشق يوم 18 تموز/يوليو. ظهر الشرع هذه المرة أكثر ضعفاً؛ حيث ادعى المطّلعون على بواطن الأمور أنه أصبح، من دون حماية شوكت، أقرب إلى التقاعد السياسي الرسمي من أي وقت مضى. وفي نهاية آب/أغسطس، انتشرت شائعات أنه انشقّ وغادر البلاد.

تعديل انتقالي

لكن، وبدلاً من الانزواء في العتمة أو الانشقاق، أصدر الشرع بياناً في 29 آب/أغسطس بدا أبعد تماماً من أن يكون شخصً يعدّ العدة للانكفاء السياسي. فهو رحّب بمهمة المبعوث المشترك الجديد للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي، وأكّد على ضرورة أن يتوقف العنف "من جميع الأطراف". وكرّر برنامج كوفي أنان ذو النقاط الست وتوصيات مؤتمر جنيف الذي عقد في 30 حزيران/يونيو، والذي دعا إلى تشكيل هيئة انتقالية حاكمة مؤلفة من أعضاء في الحكومة السورية الحالية وشخصيات معارضة لإدارة البلاد بالتوازي مع الأسد لمدة سنة، والتحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية حرة في العام 2013. وقدّم الشرع لفتة علنيّة تجاه إيران من خلال التأكيد على ضرورة إشراكها في أي جهد لحل الأزمة السورية، ورحّب بتشكيل "مجموعة اتصال" تتألّف من مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية وإيران.

من الملاحظ أن الشرع لم يتطرّق إلى ذكر الأسد. وأي شخص مطلّع على النظام يعلم أنه يغضب من أي مسؤول، مهما كان كبيراً، يطلق بيانات تشير إلى استقلاليته. ويمكن تلخيص موقف النظام على النحو التالي: "من أنت حتى ترحّب بالإبراهيمي أو تتواصل مباشرة مع إيران؟" وكما هو متوقّع، فقد التزمت وكالة الأنباء السورية الرسمية وغيرها من وسائل الإعلام المرتبطة بالحكومة بالتعتيم الكامل على الإشارة إلى البيان. مع ذلك، فإن ما كان أقل قابلية للتنبؤ، هو أنه لم يتم اتّخاذ أي تدابير أخرى ضد الشرع. وقد عزّز هذا تكهّنات في أوساط المعارضة في سورية بأن صفقة وراء الكواليس هي في طور التشكّل يتم بموجبها اقتراح أن يكون الشرع رئيساً مؤقّتاً أو على الأقل عضواً قيادياً في الهيئة الانتقالية المقترحة.

هذا الأمر لايزال ينتمي إلى عالم التخمين. لكن القريبين من الشرع يقولون إنه لايعتقد أن المعارضة قادرة على تولّي السلطة في سورية من تلقاء نفسها. وبرأيه، يعتمد الانتقال على رموز النظام الذين يستطيعون العمل مع المعارضة لإدارة البلاد بشكل فعّال. وقد التزم الشرع الصمت إزاء انشقاق ابن أخيه يعرب رئيس فرع الأمن السياسي في دمشق، الذي يعتبر واحداً من أقوى أجهزة المخابرات، في أواخر آب/أغسطس، كما أن قنوات اتصاله الخلفية مع المعارضة التي تتخذ من دمشق مقراً لها ما زالت قويّة كما كانت دائماً. صحيح أن الأضواء لازالت مصلتة على منشقّين مثل طلاس وحجاب، لكن إذا نشأت ظروف تجبر النظام والمعارضة على التوصّل إلى حلّ وسط، من المرجّح عندها أن يحتلّ الشرع مركز الصدارة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.