المصدر: Getty

مشروع الدستور المصري يكافئ الجيش والسلطة القضائية

قد يرى قادة مؤسسات مصر ما قبل العام 2011 في المناخ الشعبي الحالي فرصةً لاستعادة الصلاحيات التي كانوا يتمتعون بها في عهد مبارك، وحتى توسيعها.

نشرت في ٤ ديسمبر ٢٠١٣

تسوّي مسوّدة الدستور التي قُدِّمت إلى الرئيس المصري المؤقّت، عدلي منصور، في 2 كانون الأول/ديسمبر بعض المسائل الهامة، حيث تعزّز مكانة مؤسّسات الدولة التي تضافرت ضد جماعة الإخوان المسلمين، بما فيها الجيش والقضاء والشرطة. لكنها تترك أسئلة أخرى لاتقلّ أهمية معلّقة في الهواء من دون إجابات. على سبيل المثال، ثمّة أمور لاتزال غير واضحة كتسلسل ونظام وتوقيت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهي قضايا مقلقة بشكل خاص لأن وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، الذي عزل محمد مرسي من السلطة في تموز/يوليو، قد يترشّح للرئاسة.

يوفّر الدستور الجديد وسائل حماية أفضل لحقوق الإنسان من نسخة العام 2012 التي فرضها الرئيس المصري آنذاك، محمد مرسي. ومع ذلك فهو يواصل أيضاً نمطاً يتمثّل في ترك الكثير من الأمور في عهدة تقلّبات تطبيق التشريعات. وقد يتمّ تدوين وتنفيذ تلك التشريعات في جو من اللامبالاة الحكومية والعامة، وحتى العداء، إزاء بواعث القلق المتعلّقة بحقوق الإنسان.

يمكن فهم خصوصيات الدستور الجديد بوصفها ردّ فعل على الصراعات على السلطة التي نشبت ليس فقط خلال السنة التي تولّى فيها مرسي منصب الرئاسة، بل أيضاً خلال مايقرب من ثلاث سنوات منذ إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك. فقد سعى الجيش والقضاء والشرطة وجماعات أخرى إلى حماية أنفسهم من التحدّيات نفسها التي واجهتها من مسؤولي جماعة الإخوان المسلمين المنتخبين والثوار العلمانيين. وكما قال أحد الأعضاء الخمسين في اللجنة الدستورية: "لدينا مثل يقول إنك بمجرّد أن تحرق فمك بالحساء الساخن، فسوف تنفخ حتى على اللّبن. وهذا هو الذي حدث مع هذا الدستور".

وثمّة تفسير أقلّ سخاء يقول إن قادة مؤسّسات دولة ما قبل العام 2011 رأوا في التيار المناهض للإخوان والمناخ الشعبي المؤيّد للجيش فرصة لاستعادة - وحتى توسيع - الصلاحيات التي كانوا يتمتّعون بها في عهد مبارك.

الرابحون

الجهات الرابحة الأساسية في مشروع الدستور الجديد في مصر هي مؤسّسات الدولة التي تضافرت معاً لعزل مرسي.

يكرّس الدستور استقلالية الجيش الذي سبق أن مُنِح قدرا كبيراً من هذه الاستقلالية في دستور العام 2012 المعلّق الآن. والواقع أن الجيش لم يعد يُعامل على أنه جزء من الذراع التنفيذية للحكومة بل بوصفه ذراعاً في حدّ ذاته.

ولعل أهم تغيير حدث في الدستور الجديد هو الشرط الذي يقضي بأن يصادق الجيش على تعيين وزير الدفاع خلال الولايتين الرئاسيتين المقبلتين (المادة 234).

ويثير استمرار الولاية القضائية الواسعة للمحاكم العسكرية على المدنيين جدلاً كبيراً في مصر. في دستور العام 1971 (ظل ساري المفعول حتى العام 2011)، تركت هذه المسألة للتشريعات، كما اتّبع دستور العام 2012 مقاربة مماثلة. مشروع الدستور الجديد يفعل الشيء نفسه، على الرغم من أنه يعمل على تقييد هذا الاختصاص بأنواع محدّدة من القضايا (المادة 204). ومع ذلك، فإن لغة الدستور فضفاضة جداً لدرجة أن من المرجّح أن تمتلك المحاكم العسكرية ولاية قضائية كلما رغبت في ذلك، كما هو الحال في أي منطقة يعلنها المسؤولون العسكريون "منطقة عسكرية".

استخدم مبارك المحاكم العسكرية لمحاكمة القضايا السياسية التي كان يريد أن يطمئن إلى صدور حكم إدانة سريعة فيها. وقد لايمثّل هذا التعسّف وسوء الاستغلال مشكلة الآن لأن هذا الحق كان يتوقّف على فقرة في القانون المصري تم شطبها العام 2012. بدلاً من ذلك ستصبح الإجراءات التي يقوم بها الجيش في التعامل مع المحتجين والمنتقدين هي القضية الحقيقية وليس أجراءات الرئيس. فقد جاءت آلاف القضايا في المحاكم العسكرية منذ العام 2011 من أعضاء النيابة العامة والمحاكم العسكرية التي تعمل من تلقاء نفسها.

كما نالت السلطة القضائية، التي أيّدت بقوة استيلاء الجيش على السلطة من الإخوان، استقلاليتها في مشروع الدستور الحالي. إذ تحصل الهيئات القضائية على ميزانياتها في شكل مبلغ مقطوع، ويختار مجلس القضاء النائب العام، ويتم منح كل هيئة قضائية استقلاليتها. وقد ناورت الجهات القضائية المختلفة للحصول على إشارة محدّدة في مسودة الدستور فضلاً عن الاستقلال عن الجهات الفاعلة الأخرى، وحصل معظمها على ماكان يرغب فيه، مع أن بعض الهيئات القضائية ستشعر حتماً بأنها تعرّضت إلى الإهانة.

وكما حدث في العام 2012، فقد تمت الإشارة إلى مجلس القضاء الأعلى في الدستور ولكن لم يتم تعريفه، وترك أمر تشكيله ومعظم واجباته كي يتم تقنينها بواسطة التشريعات. على النقيض من ذلك ، حصلت المحكمة الدستورية العليا، التي تقرّر الحالات التي يتم فيها الطعن في دستورية قانون أو لائحة ما، على بعض الأحكام المحدّدة التي كانت تسعى إلى الحصول عليها، مثل الحق في تعيين رئيسها.

كان الأزهر، الذي يعدّ المؤسسة الدينية الرئيسة في مصر، ثالث مؤسّسة في الدولة تخرج منتصرة، مع أن القراءة السطحية للنص الدستوري قد توحي بغير ذلك. فقد تضمّن دستور العام 2012 مادة مثيرة للجدل تشترط بأن يستشار الأزهر في المسائل المتعلقة بالشريعة الإسلامية، لكن تم حذفها. إذ كان من شأن هذه المسؤولية الدستورية تعريض مؤسّسة الأزهر إلى الانكشاف سياسياً باعتبار أنها تحاول التأكيد على نسخة سنّية من النظام الايراني الذي يشرف عليه رجال الدين، ولم يسعَ الأزهر قطّ للعب مثل هذا الدور. فقد كانت سلطته مقرَّرة بالفعل بموجب القانون. وتسعى زعامة الأزهر الحالية إلى أن تكون لها سلطة أخلاقية عليا واستقلال ذاتي، وهذا ما يوفّره لها مشروع الدستور الحالي.

أخيراً، حقّقت الشرطة، وكذلك جهاز الأمن والمخابرات، انتصارات غير مألوفة وقلّما تلفت الانتباه. إذ نصّ على أن ولاء الشرطة للشعب مباشرة (المادتان 206 و207)، وهو تعريف المهمة نفسه الذي استخدمه الجيش للتدخّل في السياسة في العامين 2011 و2013. ومن المفترض بهذه الأجهزة أن تحترم حقوق الإنسان، بيد أنه جرى إسقاط الإشارة إلى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان من المسودة النهائية للدستور.

ووفقاً للدستور الجديد، يجب التشاور مع المجلس الأعلى للشرطة، الذي يرجّح أن يهيمن عليه كبار الضباط، بشأن أي قانون يؤثّر على الشرطة، مايضمن بصورة فعلية أن تتم إدارة عملية الإصلاح الأمني التي تشتد الحاجة إليها من خلال مؤسّسات الشرطة القائمة. ويخضع ضباط المخابرات العامة للمحاكم العسكرية، وليس إلى العدالة المدنية (المادة 204)، مايوفّر لهم حصانة فعلية من الرقابة المدنية أو المقاضاة. وتشترط المادة 237 أن تحارب الدولة "الإرهاب"، وهو مصطلح تم نشره بطريقة تمييزية من جانب حكام مصر الحاليين.

هناك رابحون آخرون محتملون، على رغم أن علينا أن ننتظر لنرى إلى أي مدى سيتم دعم الحقوق من خلال التشريعات وأحكام المحاكم في المستقبل. وقد حظيت المرأة بلغة أكثر وضوحاً وأقل تقييداً بشأن المساواة بين الجنسين (المادة 11) مما كانت عليه في دستور العام 2012 أو دستور العام 1971. ويعترف مشروع الدستور بالنوبيين للمرة الأولى. واحتفظ المسيحيون بأحكام من دستور العام 2012 الذي أتاح لهم حقاً دستورياً أكثر وضوحاً بشأن قوانينهم الخاصة بالأحوال الشخصية (المادة 3، على رغم أن هذا الحق كان ثابتاً في القانون المصري وفي الممارسة). وربح المسيحيون أيضا وعداً جديداً بأن يضع البرلمان قانوناً لترميم الكنائس من شأنه حماية حرية ممارسة الشعائر الدينية (المادة 235).

الخاسرون

أكبر الخاسرين في مشروع الدستور الجديد هم الإسلاميون، بمن فيهم حزب النور السلفي، الذي أيّد عزل مرسي. فالنشاط السياسي القائم على أساس ديني صار محظوراً الآن، على رغم أنه ليس من الواضح كيف سيتم تطبيق ذلك الحظر. فقد تأسّس حزب النور، وكذلك حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان عندما كان الحظر على قيام الأحزاب الدينية مجرّد نصّ في القانون فقط، لكن في الوقت نفسه لن يسمح الدستور الجديد بحلّ الأحزاب إلا من خلال أمر قضائي. وقد يمضي بعض الوقت قبل أن يتّضح مصير الأحزاب الإسلامية.

أعضاء اللجنة التي عكفت على صياغة الدستور الجديد جرّدوا دستور العام 2012 من الكثير من اللغة الاجتماعية والأخلاقية المتحفّظة جداً. وعموماً فقد بدت هذه اللغة رمزية أكثر منها قانونية، على الرغم من أن الإسلاميين نجحوا في عرقلة بعض البنود في العام 2012 (مثل البنود المتعلقة بالاتّجار بالبشر والمساواة بين الجنسين) التي كانوا يخشون أن تؤدّي إلى مخالفات للشريعة الإسلامية. غير أن واضعي الدستور الجديد لم يشعروا بمثل هذه الهواجس.

علاوة على ذلك، تم استبعاد أحد التغييرات الرئيسة التي أدخلت في دستور العام 2012. فمنذ العام 1980، أوضحت جميع الدساتير المصرية أن "مبادئ الشريعة الإسلامية" هي المصدر الرئيس للتشريع. وفي العام 2012، تم إدراج بند جديد (المادة 219) لتعريف تلك العبارة بناء على إصرار ممن لا يثقون بالكيفية التي عرّفت بها المحكمة الدستورية العليا هذا الموضوع في الماضي. بيد أنه لم يتم اختبار التأثير القانوني العملي للمادة 219.

لايُلغي الدستور الجديد تلك الفقرة وحسب، بل يشير أيضاً، في ديباجته التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من النص وفقاً للدستور نفسه، إلى سلطة المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن.

كما أن الاستقلالية الممنوحة للقوات المسلحة على وجه الخصوص، تعني أيضاً أن الرئاسة والبرلمان خسرتا قوة نسبية في مشروع الدستور الجديد، حيث لن تكون للمسؤولين المنتخبين في تلك المؤسّسات أي سلطة حقيقية على الجيش.

وتشمل قائمة الخاسرين العمال وأتباع الديانات الأخرى عدا الإسلام والمسيحية واليهودية. فقد خسر العمال شرطاً قديماً يقضي بأن يكون نصف أعضاء البرلمان من العمال والفلاحين، كما يُحظر على النقابات على وجه التحديد القيام بأي أنشطة تنظيمية داخل أجهزة الأمن الحكومية، وهي الخطوة التي سبق أن احتجّ عليها نادي ضباط الشرطة. الدستور الجديد أكثر تقييداً من الدساتير السابقة في القول صراحة إن الحق في العبادة وبناء دور العبادة يقتصر على الديانات الإبراهيمية الثلاث، وهو مايعدّ خبراً سيئاً لأتباع الطائفة البهائية الصغيرة ولكن عميقة الجذور في مصر.

الحقوق الأساسية والحريات

ازدادت سخرية المصريين من الدساتير، حيث يعتبرونها مليئة بالوعود التي لاتجد طريقها إلى التنفيذ أبداً. وقد يغذّي مشروع الدستور الجديد تلك السخرية.

يبدو أن الدستور الجديد يوفّر المزيد من الحقوق للمواطنين عن طريق إلغاء القيود التي ظهرت في دستور العام 2012 الذي تضمّن، على سبيل المثال، شرطاً يقضي بعدم التسامح مع الإهانات الموجهة إلى الأنبياء، لكنه وفّر حرية التعبير والمعتقد. بيد أنه ليس من الواضح كيف سيتم وضع هذه الحقوق موضع التنفيذ لأن الكثير من الأمور تركت للتنفيذ.

جدير بالذكر هنا أنه تم في البرلمانات الأوروبية المبكّرة ابتكار لغة دستورية تؤجَّل بموجبها المسائل الهامة إلى أن تُقر في تشريعات لاحقة، بهدف وضع المزيد من وسائل المراقبة في أيدي ممثّلي الشعب في البرلمان، بدلاً من تفويض السلطة التنفيذية أو الملك (أو القضاة الذين عينوهم). ومع ذلك، فقد كان تأثير ذلك في العالم العربي على العكس من ذلك تماماً، بسبب ضعف المجالس التشريعية، حيث يتم تحديد الحقوق بانتظام، وكأنها غير موجودة تقريباً، من جانب برلمانات شكليّة.

كان أعضاء اللجنة الدستورية على بيّنة من هذا القصور. وقد حاول بعضهم جعل الحقوق مطلقة بصورة أكبر واتّخاذ خطوات تهدف إلى تجنّب تقليص الحقوق المنصوص عليها في الدستور بقوانين لاحقة. غير أن القانون لازال يحدّد معظم الحقوق. وبدلاً من إلغاء تلك الفقرة، أدرج واضعو الدستور البنود التالية فيه:

• تتطلب القوانين التي تصدر لتنفيذ المبادئ الدستورية موافقة ثلثي أعضاء البرلمان لضمان حصولها على دعم توافقي وليس دعم الأغلبية وحسب (المادة 121). هذا المعيار قد يجعل من الصعب تحديد الحقوق بطريقة تقيّدها، لكنه سيجعل من الصعب أيضاً تعديل العديد من القوانين السلطوية القائمة في مصر بشأن مثل هذه المواضيع.

• تمنح المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صدّقت عليها مصر قوة القانون (المادة 93). ويعدّ هذا ابتكاراً كبيراً محتملاً، ولكن على المدى الطويل فقط، في حال تم استخدامه من جانب محاكم طموحة.

• تعتمد مسودة الدستور ابتكار دستور العام 2012 الذي ينصّ على أنه لايمكن للقوانين التي تحدّد الحقوق والحريات أن تحدّ منها (المادة 92). وتلغي مسودة الدستور الشرط المنصوص عليه في دستور العام 2012 والذي يقتضي بأن تمارَس الحقوق بطريقة تتّفق مع لغة الديباجة المحافظة المتعلقة بالمجتمع والقيم الأساسية.

سيعتمد تنفيذ الضمانتين الأخيرتين المحتملتين على ما إذا كانت المحكمة الدستورية العليا القوية ستأخذ على عاتقها مهمة حماية حقوق المواطنين. فالنمط القضائي الحالي بدعم الجيش والشرطة بشكل كامل في الحملة على جميع المعارضين، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، لا يبشّر بالخير. ويبقى أن ننتظر لنرى ما إذا كان القضاة المصريون سيستعيدون استقلالهم في الوقت المناسب.

الخطوات التالية

في ما يتعلّق بالخطوات الرسمية المتّخذة لتمرير الدستور، يبدو من المرجّح أن تلتزم الحكومة المؤقّتة بخريطة الطريق التي وضعت في تموز/يوليو الماضي. إذ سيدعو الرئيس منصور المصريين إلى الاستفتاء على الدستور في كانون الثاني/يناير المقبل. وكما هو الحال مع دستور العام الماضي، سيُعتبر الدستور الجديد موضع موافقة إذا ما تم إقراره من جانب أغلبية بسيطة ممن يدلون بأصواتهم، وهو المعيار الذي تعرّض إلى انتقادات واسعة في مصر وعلى الصعيد الدولي، باعتباره منخفضاً جداً عندما استخدمه مرسي للتصديق على الدستور السابق في العام 2012.

تبقى مسألة ما إذا كان سيتم تطبيق توقيت وتسلسل خريطة الطريق للانتخابات البرلمانية والرئاسية اللاحقة موضع جدل. ففي حين دعت الخطة التي تم إقرارها في تموز/يوليو إلى إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً ومن ثم إجراء الانتخابات الرئاسية بعد أشهر قليلة من إقرار الدستور، وردت تقارير متواترة تشير إلى أن بعض الجهات تفضّل إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً. وقد اختارت اللجنة الدستورية عدم البتّ في هذه المسألة، ربما لأن هناك، على مايبدو، مناقشات جارية بين الفريق السيسي وشخصيات مدنية معينّة بمن فيهم الرئيس منصور، والأحزاب السياسية التي تعتبر الآن حليفة للحكومة الحالية، حيث يبدو أنهم جميعاً يجرون حسابات التسلسل والتوقيت وفق مايخدم مصالحهم المختلفة على أفضل وجه.

من الناحية الفنية، الأمر متروك للرئيس منصور لإصدار قانون بمرسوم بشأن تسلسل الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ويجب أن تبدأ الإجراءات الخاصة التي يحدّدها بشأن الانتخابات التي تجري أولاً خلال فترة تمتد من ثلاثين إلى تسعين يوماً بعد أن يدخل الدستور حيّز التنفيذ، أما الإجراءات الخاصة بالانتخابات الثانية فيجب أن تبدأ في غضون ستة أشهر.

يجب أيضاً أن يوافق القائم بأعمال الرئيس على قانون انتخابي، والذي تقول مسودة الدستور إنه يمكن أن يستند إلى نظام المقاعد الفردية أو القوائم الحزبية، أو كليهما. وقد أشارت تقارير صحافية إلى أن الجيش وحلفاءه السياسيين يفضّلون المزيد من المقاعد الفردية، وهو ما من شأنه أن يحول دون نموّ أحزاب سياسية قوية ويشجّع انتخاب المرشحين الذين يمتلكون المال ولديهم علاقات مع الدولة. وظهرت إشاعات عن وجود حلّ وسط يكون فيها ثلثا البرلمان الجديد (والذي سيتكوّن الآن من غرفة واحدة فقط) من المقاعد الفردية والثلث المتبقي من مقاعد القوائم الحزبية، ولكن لجنة صياغة الدستور رفضت مقترحاً بإدراج ذلك الحلّ في النص الدستوري.

ومهما يكن النظام الذي يتم اختياره، من المرجّح أن تكون هناك اعتراضات عليه في المحاكم. فقد ألغت المحكمة الدستورية العليا (كان الرئيس منصور عضواً فيها) العديد من القوانين الانتخابية في الماضي وطلبت حلّ البرلمان ثلاث مرات منذ ثمانينيات القرن الماضي. وبدأت المحكمة تطلب في أحكامها الأخيرة برسم الدوائر الانتخابية بشكل منصف، على رغم أنها لم تحدّد معياراً واضحاً لما يعنيه ذلك على وجه التحديد. أما دستور العام 2012 فقد اشترط على المحكمة إعادة النظر في قانون الانتخابات بشكل مسبق لمنع حصول مثل هذه النتيجة، إلا أنه تم استبعاد هذا الإجراء. وقد درس واضعو دستور العام 2013 اقتراحاً لمنع المحكمة من حلّ البرلمان بأكمله إذا وجدت أن قانون الانتخابات غير صالح، لكنهم رفضوه في نهاية المطاف.

وبينما يمتلك القائم بأعمال الرئيس سلطة إصدار هذه القوانين بمرسوم، فإنه يجري مشاورات مع القوى السياسية البارزة قبل المضيّ قُدُماً. ويمثّل هذا مؤشراً على غموض الحياة السياسية المصرية لدرجة أن لا أحد يعرف على وجه التحديد من الذين تتم استشارتهم ومن الذين يتم الاستماع إليهم، حتى في مثل هذه المسائل الحسّاسة.

ظل الانقلاب

قد يُطلب إلى الناخبين المصريين الموافقة على الدستور الجديد من دون معرفة الكثير عن موعد انتخاب رئيسهم وبرلمانهم الجديد أو نوع النظام الذي سيحكم البرلمان. وقد لايعرفون ما إذا كان وزير الدفاع الذي أطاح مرسي سيرشّح نفسه للرئاسة أو ما إذا كان سيتم وضع شخصية مدنية طيّعة في هذا المنصب. وهم قد لايعرفون حتى ما إذا كان سيتم حلّ حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان، وبالتالي منعه من الترشّح للحصول على مقاعد في البرلمان.

تعتبر هذه كلها نقاطاً بارزة، لأن التصويت في كانون الثاني/يناير سيكون استفتاءً شعبياً على انقلاب تموز/يوليو 2013 أكثر منه استفتاءً على مشروع الدستور نفسه، والذي من المرجّح ألا يقرأه سوى القلّة.

وفي الوقت نفسه، يواجه الدستور الجديد والحكومة الانتقالية المدعومة من الجيش معارضة متزايدة من جانب الجماعات العلمانية التي دعمت الانقلاب أو تلك التي وقفت على الحياد. ومن أبرز تلك الجماعات حركة شباب 6 أبريل وحزب مصر القوية، الذين أعلنوا أنهم يخطّطون للحشد بهدف التصويت بلا في الاستفتاء بسبب أحكام الدستور بشأن الجيش. كما يواصل أنصار جماعة الإخوان معارضة الدستور والحكومة المؤقتة، في حين تتصاعد الاحتجاجات في الجامعات.

ويتمثّل التحدّي التالي الذي تواجهه الحكومة الحالية في كيفية تحقيق نسبة إقبال من الناخبين على استفتاء كانون الثاني/يناير تتتجاوز 18 مليون صوت التي حصل عليها مرسي قبل عام من الآن، ونسبة تأييد تتجاوز الثلثين التي حصل عليها مرسي، من أجل إثبات أن معظم المصريين لايزالون مع خطة الجيش. وتستعدّ وسائل الإعلام الرسمية والمسؤولون لحملة ليس للحصول على الأصوات وحسب، بل للتصويت بـ "نعم". وفي حال سمحت السلطات لمختلف الجماعات بالقيام بحملات حرة تطالب بالتصويت بـ "لا" أو مقاطعة الاستفتاء، فإن ذلك سيكون مؤشّراً آخر على مدى بقاء الفضاء السياسي مفتوحاً في مصر بعد الانقلاب.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.