أُعِدَّت هذه الورقة في إطار مشروع إعادة الإعمار الاقتصادي السوري 2013-2014، الذي يديره مركز كارنيغي للشرق الأوسط، والذي سعى إلى المساعدة في رسم خريطة الديناميكيات الاجتماعية والسياسية والمؤسّسية التي سيتم إعدادها عندما تبدأ عملية إعادة الإعمار في مرحلة مابعد الصراع في سورية.
مقدّمة
تواجه سورية أزمة صعبة منذ العام 2011، وهي الأزمة التي كبّدت الاقتصاد وأسهم رأس المال في البلاد خسائر كبيرة. فقد انخفض الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 3.4 في المئة في العام 2011، و21.8 في المئة في العام 2012، و22.5 في المئة في العام 2013، ويُقدَّر أنه قد انخفض إلى نحو 35 مليار دولار في العام 2013.
القطاعات التي لم تتعرّض إلى الضرر قليلة جداً، حيث عانت قطاعات التصنيع والتعدين والتجارة والنقل والخدمات اللوجستية والسياحة أكبر الأضرار. فقد قدّر تقييم للاحتياجات صدر مؤخراً عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، تكاليفَ إعادة الإعمار بزهاء 72 مليار دولار أميركي، على الرغم من أن هذا الرقم ليس سوى سجلّ إجمالي سيستمر في الزيادة إلى أن ينتهي الصراع. وقد دعت الخطة الخمسية الحادية عشرة في سورية إلى إنفاق أكثر من 90 مليار دولار في مختلف قطاعات الاقتصاد خلال الفترة 2011-2015. وعندما يُضاف هذا المبلغ إلى تكاليف إعادة الإعمار المقدَّرة، ستصل احتياجات التمويل في البلاد إلى أكثر من 160 مليار دولار في السنوات الخمس إلى العشر التالية للأزمة، لتصل إلى المستوى الذي كان يُفترض أن تصل سورية إليه في العام 2015.
من المرجّح أن يأتي هذا التمويل من مصادر عديدة، بما في ذلك الاقتراض الحكومي (كان الدين الخارجي نسبةً إلى الناتج المحلّي الإجمالي منخفضاً نسبياً، وبلغ 17 في المئة في الربع الأول من العام 2013)، والمنح، وأنواع أخرى من المساعدات من المنظمات الدولية، والاستثمار الخاص من السوريين والأجانب، وأخيراً وليس آخراً، القروض من المصارف المحلية والأجنبية.
تلقي هذه الدراسة نظرة فاحصة على تأثير الوضع الحالي على القطاع المالي، وكيف سيعاود الظهور بعد الأزمة، والدور الذي سيلعبه في المستقبل. ومن دون الدخول في تحليل النتائج السياسية المختلفة للأزمة، جرى طرح بعض الافتراضات الضرورية لمحاولة بناء صورة بالأرقام لما هو آتٍ. الموضوع الأساسي لهذه الافتراضات هو أنه عند مرحلة معيّنة، سيتم حلّ الصراع، وستبدأ سورية مرحلة من إعادة الإعمار والانتعاش في جميع المحافظات الأربع عشرة في مختلف قطاعات الاقتصاد.
وكما هي الحال في العديد من البلدان النامية، لم يكن القطاع المالي السوري يوجّه مايكفي من المعاملات والمدّخرات والاستثمارات في البلاد، وبالتالي فقد أُبقي دوره صغيراً نسبياً، وقدرته على الوصول الشامل إلى السكان المؤهلين للحصول على التمويل منخفضة جداً. إذ انخفضت نسبة العملة المتداولة كعنصر من عناصر العرض النقدي تدريجياً لتصل إلى 26.5 في المئة في العام 2010، على الرغم من أن الوضع الحالي ربما تسبّب بارتفاع هذا الرقم مرة أخرى، لأن النقد هو وسيلة المعاملات المفضّلة في أوقات الحرب. ولايزال الوعي المالي بين عامة السكان منخفضاً جداً، ولم تقم الجهات المعنية المختلفة بما يكفي لتثقيف السكان حول فوائد المؤسّسات، مثل المصارف وشركات التأمين أو استخدام منتجاتها وخدماتها، والتي كانت محدودة للغاية، وهذا ليس من قبيل الصدفة.
ازداد حجم هذه التحدّيات، عندما أدّت الظروف الاقتصادية الصعبة إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر (2 دولار يومياً)، من حوالى مليونَي نسمة في العام 2010 إلى مايقرب من 8 ملايين في العام 2013. وقد تأثّر التعليم في جميع أنحاء البلاد، ماحرم الكثير من الأطفال من الذهاب إلى المدرسة، والشباب من التوجّه إلى الجامعة. وفي حين تثير النتائج الأولية لارتفاع معدّلات الفقر وضعف التعليم قدراً أكبر من القلق، فإن ماسيراه المساهمون في القطاع المالي هو كتلة أصغر من السكان الذين يضمنون تحقيق الربح لهؤلاء المساهمين.
مع أن هجرة الأدمغة على الأرجح غير قابلة للقياس، إلا أنها تعتبر إحدى التداعيات الرئيسة للأزمة السورية على القطاع المالي (وعلى البلاد ككل في واقع الأمر)، حيث انتقل العديد من الموظفين المؤهلين لإدارة المصارف إلى الخارج للبحث عن فرص أخرى. وفي حين سيعود بعض هؤلاء بعد الأزمة، سيكون آخرون قد نقلوا أسرَهم وشرعوا بالعمل في مهن جديدة قد تنطوي على آفاق أكثر إشراقاً. ومن المستبعد أن يعودوا، على الأقلّ في المديَيْن القصير والمتوسط.
على الرغم من أن القطاع المالي في سورية يمرّ في فترة صعبة لم تنتهِ بعد، فإنه لايزال في حالة جيدة بصورة عامة من منظور استمرار العمليات، وقد تعلّم التكيّف مع ظروف العمل الصعبة. مع ذلك، وبمجرّد أن تنتهي فترة الانتظار، من المحتمل أن تعود المصارف وشركات التأمين وشركات الاستثمار والجهات الفاعلة المالية الأخرى في البلاد إلى لعب الدور الرئيس المحرّك للاقتصاد.
المصارف
بعد أكثر من أربعين عاماً على احتكار القطاع العام من جانب ستة مصارف مملوكة للدولة، بدأ أول مصرف مملوك للقطاع الخاص أنشطته في أوائل العام 2004. ومع بدء ظهور الأزمة في العام 2011، كان هناك أربعة عشر مصرفاً خاصاً تعمل في سورية، بما فيها ثلاثة مصارف إسلامية. وقد شهد قطاع المصارف ككل نمواً قوياً، وكان في طريقه إلى أن يصبح مساهماً رئيساً في الناتج المحلّي الإجمالي في سورية. في الفترة 2006-2010، نمت الأصول في جميع المصارف السورية بمعدل نمو سنوي مركّب بلغ 10.9 في المئة، ليصل إلى 2.14 تريليون ليرة سورية (45.5 مليارات دولار أميركي في ذلك الوقت)، في حين نمت ودائع العملاء والقروض بنسبة 16.3 في المئة و25.9 في المئة، لتصل إلى 1.07 تريليون ليرة سورية (22.7 مليارات دولار أميركي) و638 مليار ليرة سورية (13.7 مليارات دولار أميركي) على التوالي. كانت المصارف الخاصة تنمو بصورة طبيعية بوتيرة أسرع بكثير من نظيرتها العامة الأكثر رسوخاً، وزادت حصتها من إجمالي موجودات القطاع المالي من 13 في المئة في نهاية العام 2006 إلى 30.4 في المئة في نهاية العام 2010. كان المصرف التجاري السوري، وهي مؤسسة مملوكة للدولة وأكبر مصرف في البلاد، يملك حوالى 37 في المئة من إجمالي الأصول في القطاع المصرفي، و52 في المئة من جميع الموجودات في المصارف الحكومية الستة.
تسبّبت أربع سنوات من الصراع وضعف الاقتصاد بوضع حدّ لقصة نمو القطاع المالي، وكان لها تأثير كبير على العمليات المصرفية في جميع أنحاء البلاد. وعلى الرغم من الخطوة التي قام بها مصرف سورية المركزي لرفع أسعار الفائدة، تهافت العملاء على سحب ودائعهم في المصارف في الأيام الأولى للأزمة لأسباب كثيرة (على سبيل المثال، الخوف من انخفاض قيمة العملة، والرغبة في نقل الأموال إلى الخارج، والخوف والجهل بشأن سلامة القطاع المصرفي، والحاجة إلى السحب من مدّخرات ذوي الدخل المحدود أو من لادخل لهم)، الأمر الذي شكّل ضغطاً كبيراً على مستويات السيولة في المصارف.
مع تصاعد الصراع، ازداد تأخّر المقترضين عن السداد تدريجياً، وتسبّب بشطب مبالغ ضخمة من جانب المصارف، ما أثّر بشدّة على دخلها الصافي بعد خصم الضرائب. حاولت المصارف التغلّب على عمليات التقصير في سداد القروض، من خلال العمل مع المقترضين لإعادة هيكلة القروض. وفي الحالات الأكثر تطرّفاً، اضطرّت إلى اللجوء إلى إجراءات قضائية تفتقر إلى الكفاءة لاسترداد قروضها عن طريق تعقّب الضمانات، والتي تبيّن في بعض الحالات أنها تعرّضت إلى التلف أو تمّت المبالغة في تقدير قيمتها. كان الكثير من قروض التجزئة بلا ضمانات أو بضمانات صغيرة جداً لاتستحق المتابعة في المحاكم.
يوماً بعد يوم، أصبحت فرص الإقراض الجديدة بمعدّلات مخاطر مقبولة أكثر ندرة. وعندما وصلت أسعار الفائدة على الإقراض إلى حوالى 15 في المئة، بدت القلّة المتبقية ذات الآفاق الجيدة متردّدة في الاقتراض، ما أدّى إلى زيادة الضغط على عائدات المصرف. وبدوره، أثّر ضعف النشاط التجاري على إيرادات الرسوم والعمولات، في حين تسبّبت البيئة التضخمية وارتفاع تكاليف ممارسة الأعمال التجارية (الحركة النقدية، على سبيل المثال) بزيادة النفقات التشغيلية.
أدّت العقوبات الاقتصادية والمالية على سورية، والتهديد بفرض عقوبات على المصارف الأم (على سبيل المثال، المصارف الموجودة في لبنان والأردن)، إلى فرض ضغط تشغيلي وربحي هائل على المصارف الخاصة السورية، وضغط أكبر على مصرف سورية الدولي الإسلامي والمصارف الحكومية، نظراً إلى أنها كانت مفروضة بصورة مباشرة. أغلقت المصارف المراسلة (التي تقدم الخدمات لحساب مصارف أخرى) الحسابات، وأصبحت فرص التوظيف في الخارج نادرة، والمعاملات التي تتم بالدولار الأميركي محدودة للغاية. ونأى الشركاء الاستراتيجيون الأجانب للمصارف المحلية بأنفسهم عن فروعهم السورية في حالات عديدة، عن طريق الحدّ من تعاونهم مع الشركات التابعة لهم والاستقالة من مجالس الإدارة، وهلم جرّاً.
أصبح أمن الفروع والموظفين مصدر قلق ومسؤولية بالنسبة إلى المصارف. فقد شكّل الربط بين الفروع مشكلةً عند تعطّل خطوط الاتصال، ولم يكن بعض الموظفين قادرين دائماً على الوصول إلى أماكن عملهم على الإطلاق، أو على الأقلّ في الوقت المحدّد. وواجهت الفروع العديد من عمليات السطو المسلح، واضطرّت المصارف إلى إغلاق فروعها في مناطق الصراع. وتشير التقديرات إلى أن مايقرب من 70 إلى 80 من 243 فرعاً مسجّلاً رسمياً في القطاع الخاص (بدءاً من كانون الأول/ديسمبر 2013)، لم تعد تعمل بكامل طاقتها. ومن الأسلم الافتراض أن النسبة نفسها من الفروع (حوالى 30 في المئة) غير نشطة، من بين 296 موقعاً للمصارف التابعة للقطاع العام.
مصارف القطاع الخاص
من الناحية العددية، تم إجراء مقارنة بين الأوضاع المالية لمصارف القطاع الخاص في فترة ماقبل الأزمة ومابعدها، عبر استخدام الميزانية العمومية لنهاية العام 2010 وأرقام 30 أيلول/سبتمبر 2013، أي لمدة سنتين وتسعة أشهر. يظهر انخفاض قيمة الليرة السورية من 47 إلى 174 ليرة للدولار الأميركي بشكل غير دقيق توسّعاً بواقع 34.6 في المئة في الميزانيات العمومية المجمّعة للمصارف الخاصة، من 650 إلى 875 مليار ليرة سورية خلال الفترة المذكورة أعلاه.
للحصول على تحليل أكثر تعبيراً، تمت مقارنة الأرقام بالدولار، حيث يتحوّل التوسّع في هذه الحالة إلى انخفاض بنسبة 63.6 في المئة في الأصول، من 13.8 مليارات دولار إلى 5 مليارات دولار. وانخفض إجمالي ودائع العملاء بنسبة 73 في المئة إلى 3 مليارات دولار. كما ارتفع متوسط نسبة القروض المتعثّرة في المصارف الأربعة عشر من 3 في المئة إلى 41 في المئة، ما أدّى إلى عمليات شطب كبيرة، وإلى انخفاض بواقع 82.5 في المئة في إجمالي صافي القروض والسلف إلى 976 مليون دولار، ما أدّى إلى انخفاض صافي نسبة القروض إلى الودائع من 51 في المئة إلى 33 في المئة.
كانت حقوق المساهمين تتمتّع بالحماية بصورة جزئية، نظراً إلى أنه تمت المساهمة والاحتفاظ بحوالى نصف إجمالي رأس المال المدفوع بالدولار الأميركي في المتوسط، وبالتالي تم الحفاظ على قيمته. وانخفضت حقوق المساهمين الكلية بنسبة 49.8 في المئة لتصل إلى 734 مليون دولار، تمثّل 14.6 في المئة من إجمالي الأصول، مقارنة بـ10.6 في المئة من إجمالي الموجودات في نهاية العام 2010.
باستثناء الأحكام الخاصة بالقروض المتعثّرة والأرباح غير المحقّقة بشأن إعادة تقييم الأصول بالعملة الأجنبية، ظلّت المصارف قادرة على تحقيق أرباح قبل خصم الضرائب، وصلت إلى 1.3 مليارات ليرة سورية (نحو 10.2 مليون دولار في متوسط معدّل الفترة) في الأشهر التسعة الأولى من العام 2013.
مصارف القطاع العام
لاتكشف مصارف القطاع العام عن نتائجها المالية أو سياساتها المحاسبية، مايعني ضرورة أخذ كل الأرقام المنشورة على علّاتها. وبلغ إجمالي الموجودات في مصارف القطاع العام في نهاية العام 2010 (أحدث الأرقام المتاحة حتى كتابة هذه السطور)، 31.6 مليارات دولار أميركي، حيث بلغت ودائع العملاء 11.7 مليارات دولار، فيما بلغ سجلّ القروض 8 مليارات دولار. وتشير التقديرات إلى أن أقل من 10 في المئة من تلك الودائع كانت بالعملة الأجنبية، مايعني أن من المرجّح أن حجم الودائع أصبح الآن أقلّ من 4 مليارات دولار حتى في ظل عدم وجود تدفقات خارجة صافية، بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية.
من المرجّح أن تكون محافظ القروض الخاصة بهذه المصارف قد تأثّرت بصورة أكبر من محافظ مصارف القطاع الخاص، نظراً إلى أن جهات الإقراض في القطاع العام أقلّ انتقائية ولديها سياسة إقراض ذات دوافع اجتماعية أكثر. وهذا يعني أن من المرجّح أن تتجاوز نسبة القروض المتعثّرة 41 في المئة في مصارف القطاع الخاص. لايتضمّن رأس المال المدفوع لهذه المصارف مخزون العملات الأجنبية المتوفّر في المصارف الخاصة، مايعني أن المصارف الحكومية، استناداً إلى مقدار القروض المتعثرة، قد تجد نفسها بلا رأسمال كافٍ وفقاً للمعايير الدولية.
المساهمة في جهود إعادة الإعمار
يعتبر القطاع المصرفي السوري أحد مصادر التمويل الكثيرة لمرحلة إعادة إعمار البلاد التي تتراوح تكاليفها بين 150 و200 مليار دولار. إذ ستعتمد مساهمة القطاع في عملية التمويل على عوامل عديدة، أهمها حجم ودائع العملاء والأنظمة المصرفية وبيئة الإقراض.
واقع قيمة الليرة السورية وأمد الصراع غير المعروف، يعنيان صعوبة التنبّؤ بوضع الميزانية العمومية الإجمالية للقطاع الخاص، من دون الإدلاء بافتراضات تبسيطية معيّنة للصورة الكبيرة. ولأغراض هذا التقدير، فإن الافتراضات هي كما يلي: سيكون سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية مماثلاً للسعر الذي كان سائداً في الربع الثالث من العام 2013؛ وسيتم شطب نسبة 25 في المئة إضافية من محفظة صافي القروض والسلفيات؛ ويسترد إجمالي قاعدة ودائع القطاع نسبة 75 في المئة من مستويات ماقبل الأزمة بسرعة نسبية. إضافة إلى ذلك، ستستمر المصارف في ردّ رأسمالها عند نقطة التعادل (أي لاربح ولاخسارة)، قبل أن يتم أخذ مخصّصات القروض المتعثرة في عين الاعتبار (لاتزال تحقق القليل من الأرباح اليوم). وستبقى كل المتغيّرات الأخرى ثابتة.
ماسبق يعني أن الميزانية العمومية لمصارف القطاع الخاص ستبلغ 10.1 مليار دولار، فيما تصل ودائع العملاء إلى 8.3 مليارات دولار، وصافي القروض غير المسدّدة إلى 732 مليون دولار، وحقوق المساهمين إلى 490 مليون دولار. ولتقديم تقدير دقيق لكفاية رأس المال، يجب أن يتم حساب فئات الأصول المختلفة (مثل السيولة النقدية في المصرف المركزي والقروض والعقارات) وفقاً لمستوى المخاطر. وتُبيّن نسبة رأس المال إلى إجمالي الأصول البالغة 4.9 في المئة أن من المحتمل أن تصبح بعض المصارف بلا رأس مال كافٍ. وتتطلّب زيادة هذه النسبة إلى 6 في المئة، مبلغاً إضافياً يصل إلى 116 مليون دولار، في حين تتطلّب نسبة 8 في المئة الأكثر تحفّظاً، ضخّ رأس مال إجمالي يصل إلى 318 مليون دولار.
ستفرض متطلّبات الاحتياطي والسيولة في النظام المصرفي قوةَ الأثر المضاعف (الزيادة في الدخل النهائي الناتجة عن ضخّ أي إنفاق جديد) في تنمية أي أموال جديدة يتم ضخّها في النظام. إذ تحتفظ المصارف تقليدياً بجزء صغير من الودائع المتوفّرة التي تجمعها، وتتطلّع إلى تقديم الجزء المتبقّي لعملائها. تولّد هذه القروض ودائع إضافية في المصارف الأخرى، التي بدورها تعيد إقراض الغالبية العظمى من هذه الأموال لعملائها، وهكذا دواليك. ويطلق على هذا التوليد المستمر للودائع الإضافية من الإيداع الأولي نفسه: الأثر المضاعف.
تشترط اللوائح الحالية على المصارف الاحتفاظ بنسبة 5 في المئة من ودائعها لدى المصرف المركزي، ونسبة 30 في المئة من السيولة على إجمالي الأصول (20 في المئة على الأصول بالليرة السورية)، مايعني تقديراً متحفظاً للاحتياطي الإلزامي (لأغراض المضاعف)، سيكون 20 في المئة (0.2). ومع ذلك، قدّر استنزاف العملة عند 0.36 في نهاية العام 2010، حيث ظلّت سورية تملك اقتصاداً كثيف السيولة. في ظل هذه الافتراضات، يتبين أن المضاعف يصل إلى حوالى 2.4. وهذا يعني أن كل دولار (أو ليرة) يضخّه المصرف المركزي في النظام المصرفي يمكن أن ينتج مايصل إلى 2.4 دولار في المعروض النقدي الإضافي في قطاعات الاقتصاد المختلفة. وعندما تستأنف سورية الانتقال من اقتصاد كثيف السيولة إلى اقتصاد مصرفي، سينخفض حجم العملة خارج النظام المصرفي ويزداد الأثر المضاعف.
شكّلت الودائع بالعملات الأجنبية نحو 30 في المئة من إجمالي الودائع في مصارف القطاع الخاص في نهاية العام 2010. وقد حدث هذا في وقت كانت فيه الليرة السورية مستقرّة لسنوات. ثمّة وجهتا نظر بشأن الفصل بين الودائع بالعملات الأجنبية والليرة السورية بعد اندلاع الأزمة. تقول إحداهما إن السوريين لن يرغبوا في تحويل مدّخراتهم بالعملة الأجنبية إلى البلاد أو إلى الليرة السورية على الإطلاق، بسبب خشيتهم من عدم القدرة على إخراج الأموال من جديد أو إعادة صرفها إذا ماتدهور الوضع، أو لأن اللوائح والأنظمة ستجبرهم على مبادلة أموالهم بالليرة السورية. في هذه الحالة ستكون الغالبية العظمى من الودائع بالليرة السورية. وتقول وجهة النظر الثانية إن عدم استقرار الليرة على مدى السنوات الثلاث الماضية (من الصعب القول كيف سيكون حالها بعد الأزمة)، قد غيّر ميول المودعين تجاه الودائع بالعملات الأجنبية، والتي ينظر إليها باعتبارها تحافظ على قيمة المدّخرات. ضمن هذا السيناريو، ستكون حصة الودائع بالعملات الأجنبية كبيرة جداً.
محدودية إمكانيات التمويل
بصرف النظر عن كيفية تكشُّف هذه الأمور، تبدو قدرة المصارف محدودة جداً، في ظل الأنظمة القائمة، إزاء مايمكن أن تفعله بودائعها بالعملات الأجنبية (وخاصة عندما يتعلق الأمر بالإقراض)، مايجعلها تضع الغالبية العظمى من هذه الأموال في الخارج. وبالتالي، فإن القيام بذلك يعني أساساً أن جزءاً كبيراً من مدّخرات سورية تخرج من البلاد، بدلاً من أن توجَّه إلى الاقتصاد وجهود إعادة الإعمار.
لتبسيط الأمر ومحاولة التنبّؤ بسقف أفضل حالة بشأن مساهمات مصارف القطاع الخاص في تمويل إعادة الإعمار، سيُفترض أن المصارف ستتمكن من تقديم القروض بحرّية بجميع العملات (أي تخفيف القيود التنظيمية). في ظل وجود قاعدة ودائع محتملة تصل إلى 8.3 مليارات دولار ومعدّل ودائع مكثّف نسبةً إلى القروض عند 75 في المئة، ستتمكن المصارف من توسيع الحدّ الأقصى لسجلّ القروض إلى 6.2 مليار دولار في البداية. وعلى افتراض أن متوسّط مدة سداد القرض تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، ستكون المصارف قادرة على إعادة ضخّ مبلغ إضافي قدره 1.2-2.0 مليار دولار سنوياً، عندما يتم تسديد القروض، حتى مع عدم وجود ودائع جديدة.
أما كيف ومتى ستكون هناك حاجة إلى الاستثمارات المطلوبة البالغة 150-200 مليار دولار، فتبقى المسألة قيد البحث، على الرغم من أن دراسة صادرة عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) قدّرت الاحتياجات السنوية بـ 17.5 مليارات دولار في السنة الأولى، و15.2 مليار في السنة الثانية، و14.1 مليار في السنة الثالثة، و13-23 مليار دولار سنوياً منذ ذلك الحين وحتى السنة العاشرة. وهذا يعني أن مصارف القطاع الخاص ستلعب دوراً ثانوياً فقط من حيث التمويل.
يشكّل قطاع السكن والعقارات أحد المجالات التي يرجَّح أن تستفيد من تمويل إعادة الإعمار. إذ قدّرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا أن مايقرب من 300 ألف منزل قد دُمّر تماماً، وتضرّر 500 ألف منزل بصورة خطيرة، في حين تضرّر 800 ألف منزل بصورة طفيفة. أضف إلى ذلك أنه كانت هناك حاجة إلى حوالى 90-100 ألف منزل سنوياً قبل الأزمة لترميم المساكن واستيعاب النمو السكاني. وقد قدّرت الدراسة تكلفة برنامج واقعي لمدة عشر سنوات لما بين 100-120 ألف منزل سنوياً بنحو 23 مليار دولار لكامل الفترة (من دون ضبط التضخم).
عملياً، قد لاتكون كل هذه الأرقام والتقديرات قابلة للنقل والتفعيل بالكامل، لتمويل إعادة الإعمار لأسباب مختلفة. وتشمل هذه الأسباب: المصارف لديها محافظ قروض غير مُسدَّدة، ستحتاج إلى الخصم من السقف للوصول إلى الأموال المتاحة. وقد تقرّر المصارف الإبقاء على مستويات سيولة أعلى مما هو مطلوب قانوناً، وقد لايخفّف المصرف المركزي قيود الإقراض بالعملة الأجنبية؛ وقد تختار المصارف وضع بعض الأموال في الخارج على الرغم من الفرص المتاحة لنقلها محلياً؛ وقد يكون هناك عدد محدود فقط من المشاريع القابلة للتمويل ذات المخاطر المقبولة؛ وقد تفرض لوائح المصرف المركزي بشأن ترجيح المخاطر متطلّبات عالية على رأس المال؛ وقد يكون هناك تأثير على قدرة المصارف على زيادة رأس المال إذا لزم الأمر.
الإصلاح التنظيمي
بصرف النظر عما سبق، سيكون للقطاع المصرفي في سورية دور كبير في فترة إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي، سواء كوسيلة لتوجيه الأموال الأجنبية أو لتسهيل التجارة، أو كمصدر للتمويل.
مع ذلك، فإن الإطار التنظيمي هو أحد العوامل الرئيسة لتحديد حجم الدور الذي سيلعبه القطاع المالي. ثمّة حاجة إلى القيام بإصلاحات في جميع المجالات، مثل وجود نظام قضائي أقوى وأكثر كفاءة، وحقوق ملكية أقوى، وحماية أفضل لحقوق الدائنين. ومن شأن إنشاء مكاتب الائتمان أيضاً أن يقطع شوطاً طويلاً نحو مساعدة المصارف في منح المزيد من القروض، وتحقيق انخفاض في نسبة القروض المتعثّرة.
من حيث الإصلاحات المصرفية المحدّدة، وإضافة إلى تحرير عمليات الإقراض بالعملة الأجنبية، سيفيد إدخالُ تغييرات في منهجية تحديد سعر الفائدة والحدّ الأدنى لمتطلّبات رأس المال، القطاعَ بصورة كبيرة. إذ يحدّد المصرف المركزي أسعار الفائدة على الودائع، الأمر الذي يحدّ من المنافسة والمرونة التشغيلية بين المصارف. ومن شأن السماح للمصارف بتحديد أسعار الفائدة أن يؤدي إلى بيئة مصرفية أكثر كفاءة، ناهيك عن أسعار أكثر تنافسية للمودعين والمقترضين على حدّ سواء. أما بالنسبة إلى الحدّ الأدنى لمتطلّبات رأس المال، فقد سبق أن رفع المصرف المركزي الحدّ الأدنى إلى 10 مليارات ليرة سورية (213 مليون دولار في ذلك الوقت) بالنسبة إلى المصارف التقليدية، و15 مليار ليرة (319 مليون دولار) بالنسبة إلى المصارف الإسلامية؛ وهي أرقام كان يُنظر إليها في ذلك الوقت على أنها تتجاوز الحدّ لأنها تضغط على المساهمين، سواء من حيث الاستثمارات المطلوبة، والعوائد المحتملة على الاستثمار. وتنصح أفضل الممارسات بالإبقاء على متطلّبات الحدّ الأدنى من رأس المال لنسب كفاية رأس المال ومعايير "بازل" الدولية، بدلاً من تحديد مبالغ مطلقة.
إذا ماوضعنا إعادة الإعمار والإصلاح جانباً، فالحقيقة هي أن سورية كانت تعاني قبل الأزمة من ضعف الوصول إلى الخدمات المالية التي تقدمها مصارف التجزئة في العادة، وكان القطاع المالي يوفّر مجالاً واسعاً للنمو والربحية حتى في ذلك الوقت. ففي العام 2010، بلغت نسبة القروض إلى الناتج المحلي الإجمالي 45 في المئة، ونسبة الودائع إلى الناتج المحلي الإجمالي 52 في المئة في البلاد، وهي نسبة باهتة بالمقارنة مع الدول المجاورة مثل لبنان (101 في المئة و310 في المئة)، والأردن (75 في المئة و114 في المئة). وكان عدد السكان لكل فرع، والذي بلغ 41600 في العام 2010، يعادل 8.8 أضعاف نظيره في لبنان، و4.2 أضعافه في الأردن تقريباً، الأمر الذي يبيّن أن ثمّة إمكانيات هائلة للتوسّع والانتشار.
شركات التأمين
شكّل إنشاء "هيئة الإشراف على التأمين" في سورية في العام 2005، الخطوة الأولى في إدخال شركات التأمين التابعة للقطاع الخاص، حيث بدأت أول الشركات عملياتها في منتصف العام 2006.
حتى تلك اللحظة كانت الشركة السورية للتأمين المملوكة للدولة تحتكر هذا القطاع، باستثناء مجموعة صغيرة من العملاء (الأفراد من أصحاب الثروات والشركات الكبيرة)، الذين كانوا يتعاملون مع شركات التأمين الإقليمية والدولية، سواء بصورة مباشرة أم من خلال وسطاء (معظمها موجود في لبنان). بدأت اثنتا عشرة شركة تأمين خاصة عملياتها في السنوات الثلاث التي تلت ذلك (حتى العام 2008). وعلى الرغم من أن هيئة الإشراف منحت تراخيص أخرى في وقت لاحق، لم تبدأ أي شركة للتأمين عملياتها بعد ذلك، ما أبقى عدد الشركات النشطة في القطاع عند ثلاث عشرة شركة (بما فيها المؤسسة العامة السورية للتأمين).
كان أداء قطاع التأمين جيداً نسبياً في السنوات الأولى، حيث حقّق العديد من الشركات عوائد على حقوق المساهمين، تتراوح بين 13 و19 في المئة، ودفعت أرباحاً كبيرة للمساهمين. جاءت الغالبية العظمى من أقساط التأمين من التأمين الإلزامي والشامل للسيارات (41.2 في المئة من الأقساط في العام 2012)، والتأمين الطبي (34.6 في المئة)، والتأمين ضد الحريق (12.4 في المئة)، وبالحدّ الأدنى من التركيز والانتشار في خطوط أكثر ربحية مثل التأمين على الحياة (1.3 في المئة). وتشمل خطوط الأعمال الأخرى التأمين البحري والهندسي، والحوادث العامة، والتأمين ضدّ المسؤولية تجاه الغير.
عندما تطوّرت الأزمة، تباطأت مبيعات السيارات الجديدة بصورة كبيرة، في حين بدأت صادرات السيارات بالزيادة. وانتقل الكثير من أصحاب السيارات إلى الأردن ولبنان المجاورَين، وقد أخذوا سياراتهم أو تركوها متوقّفة في سورية من دون حاجة إلى التأمين. أما غالبية مَن ظلّوا في سورية، فكلٌّ من الدخل والضغوط التضخمية دفعهم إلى وقف جميع أوجه الإنفاق الذي يتجاوز الاحتياجات الأساسية. وقد أثّر الاقتصاد المتباطئ في جميع أقساط التأمين ذات الصلة بالتجارة والصناعة التحويلية، بينما أدّت محدودية عمليات البناء والنشاط في مجال المشاريع الجديدة، إلى خفض أقساط التأمين على الأعمال الهندسية والمسؤولية تجاه الغير.
ظل التأمين يُعتبَر إلى حدّ ما منتجاً فاخراً في سورية قبل الأزمة، وبالتالي فقد كان بالنسبة إلى الكثيرين من بين أول الأمور التي طالها التخفيض في الإنفاق غير الضروري. ربما كان التأمين الطبي واحداً من الاستثناءات القليلة، حيث أدّى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والأدوية، إضافة إلى قرار الحكومة تغطية جميع موظفي الخدمة المدنية، إلى زيادة في اشتراكات التأمين الطبي، التي لاتعتبر من المنتجات الأكثر ربحية بالنسبة إلى شركات التأمين.
انخفض إجمالي أقساط التأمين التي حصّلتها اثنتا عشرة شركة تأمين في القطاع الخاص بالليرة السورية في العام 2012، بنسبة 20.2 في المئة مقارنة بالعام السابق؛ في حين انخفض إجمالي الأقساط التي حصّلتها المؤسّسة العامة السورية للتأمين بنسبة 7.2 في المئة فقط. وانخفضت حصة القطاع الخاص من السوق من 47.2 في المئة في العام 2011، إلى 43.4 في المئة في العام 2012؛ في حين استأثرت شركات التكافل بأقلّ من 4 في المئة من إجمالي أقساط التأمين. ارتفع صافي الربح الكلي الذي حققته شركات القطاع الخاص الاثنتا عشرة، بنسبة 1 في المئة مقارنة بالعام السابق، وبلغ 1.08 مليارات ليرة سورية في العام 2012 (16.4 ملايين دولار في المعدل المتوسط) - على الرغم من أن ثماني شركات من أصل اثنتي عشرة سجّلت انخفاضاً - مايمثّل عائداً بنسبة 7.4 في المئة على حقوق المساهمين. وعلى الرغم من أن الانخفاض في الإيرادات المذكور أعلاه يبدو معقولاً، وأن جميع الشركات تظل مربحة، فإن النظر إلى الانخفاض بعد أخذ انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار في الاعتبار سيُقدِّم صورة مختلفة.
تتحوّط جميع شركات التأمين من المخاطر عبر شركات إعادة التأمين؛ وفي حين لم تواجه بعض الشركات الكثير من المشاكل على هذا الصعيد بسبب وجود شركاء استراتيجيين أجانب أقوياء، اضطرّت شركات أخرى إلى البحث عن شركات إعادة تأمين أكثر جرأة ولديها الاستعداد للتعامل مع سورية على الرغم من العقوبات وتحمّل التعرّض إلى المخاطر. وتم نقل ارتفاع تكاليف إعادة التأمين جزئياً إلى العملاء، وأدّى ارتفاع أقساط التأمين إلى مزيد من الضغط على الطلب على منتجات التأمين.
بطبيعة الحال، زادت المطالبات بمبالغ التأمين نتيجة للأضرار الناجمة عن الصراع، مع أن الكثير منها رُفِض بحجّة أن وثائق التأمين المكتتبة لم تكن تغطّي بنوداً مثل الحرب والسرقات الناشئة مباشرة عن النزاع.
على صعيد تحقيق الربح وبيع الأصول للحصول على السيولة، لايزال أداء شركات التأمين السورية جيداً نسبياً، وهذا يعود في جزء كبير منه إلى أساساتها الرأسمالية القوية، والتي تتراوح بين 850 مليون وملياري ليرة سورية (18-42 مليون دولار في ذلك الوقت). وكما هي الحال مع جميع الشركات الأخرى، لايُسمَح لشركات التأمين بشراء العملة الأجنبية أو الذهب بأموالها، لذلك تُحوِّل معظمها إلى العقارات باعتبارها الخيار الأول للحفاظ على رؤوس أموالها. رفعت هيئة الإشراف على التأمين السورية الحدّ الأقصى على الملكية العقارية بناء على طلب من شركات التأمين، مع أن الغالبية العظمى من رأس المال ظلت نقداً (بالليرة). الأمر نفسه ينطبق على تعويم التأمين، والذي وُضِع أكثر من 90 في المئة منه على شكل ودائع لأجَل لدى المصارف المحلية، فيما استثمر عدد قليل جداً من الشركات في أسهم الشركات المُساهِمة المحلية.
استشرافاً للمستقبل، سوف تحدّد ثلاثة عوامل رئيسة ما إذا كانت شركات التأمين ستحتاج إلى زيادة رؤوس أموالها في المراحل المبكرة من الانتعاش: استمرارية الوضع الحالي، وحجم المطالبات المدفوعة خلال الأزمة، وانخفاض قيمة الليرة السورية. في ظل ظروفها الحالية، من المستبعد أن تحتاج الشركات القائمة، على الأقل تلك التي تفصح علناً عن بياناتها المالية، إلى زيادة رأسمالها لأن ميزانياتها العمومية لاتزال في حالة لابأس بها.
على صعيد أكثر إيجابية، من المتوقّع أن ينتعش النشاط الاقتصادي في سورية مرة أخرى في السنوات التالية لتسوية الأزمة، مايؤدّي بالتالي إلى زيادة الطلب على التأمين الذي سيتعزّز بسبب العدد الكبير من مشاريع البناء المُتوقَّعة في فترة الانتعاش، مثل المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية والعقارات والمصانع.
في العام 2011، كان قطاع التأمين في سورية في المراحل الأولى من النمو. ومع أن شركة التأمين المملوكة للدولة لطالما كانت موجودة، إلا أن معدل انتشار التأمين في البلاد كان منخفضاً جداً، وعروض المنتجات والخدمات محدودة جداً. كانت نسبة أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، والتي قُدّرت بـ0.62 في المئة في العام 2011، أقلّ من نصف المعدّل في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى البالغ 1.48 في المئة، وعشر المتوسط الدولي البالغ 6.60 في المئة، مايدلّ على الإمكانات الكبيرة لهذا القطاع في سورية. يمكن أن يصل إجمالي أقساط التأمين التي كانت تشكّل نسبة 3 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2010 قبل الأزمة، إلى 1.8 مليارات دولار، مقارنة بإجمالي الأقساط في العام 2011، والذي بلغ 370 مليون دولار.
لاتزال سورية متخلّفة من حيث المعايير والممارسات، والإطار التنظيمي لقطاع التأمين لايوفّر دعماً خارج إطار تأمين السيارات والأعمال الطبية. ومثال على ذلك، يمكن للسلطات المختصّة فرض أنواع معينة من وثائق التأمين كشرط أساسي للتأمين على رخصة البناء. ولايزال تقبّل التأمين الهندسي أمراً غير مألوف بالنسبة إلى المطوّرين العقاريين الصغار أو المحليين، ناهيك عن تقبّل التأمين على الحوادث الشخصية، وتعويض العمال، والتأمين على المسؤولية تجاه الغير. وعلى الرغم من أن فرض هذا الشرط سيؤدّي إلى زيادة في تكاليف المشروعات، فإنه لن يفيد شركات التأمين وحسب، بل سيجعل أيضاً سورية أقرب إلى أفضل الممارسات الدولية.
ستلعب شركات التأمين دوراً حاسماً في فترة الانتعاش، لأن مهمتها ستكون تأمين أعمال إعادة الإعمار، الأمر الذي يشكّل عاملاً مهماً نظراً إلى حالة الشكّ المحتملة بشأن مناخ الاستثمار والأمن. فغياب التغطية يمكن أن يثني أصحاب المصلحة عن المشاركة في جهود إعادة الإعمار. من وجهة نظر استثمارية، يمكن لشركات التأمين أن تكون من المساهمين المحتملين في تمويل مشاريع إعادة الإعمار، نظراً إلى أنها تملك كمية كبيرة من الأسهم المتاحة للتداول في ميزانياتها العمومية (وإن كان معظمها بالليرة السورية).
من حيث الفرص، ستركّز شركات التأمين، في المراحل المبكرة التي تعقب الصراع، على تسويق المنتجات الأساسية نفسها التي لطالما كانت تملكها، نظراً إلى معدّل انتشارها المنخفض. وعلى المدى الطويل، ستبدأ الشركات، التي كانت تطوّر بالفعل منتجات مختلطة تحوي عناصر استثمارية (وتُركِّز على التقاعد أو تعليم الأطفال)، في تقديم منتجات أكثر تطوراً. فقد كانت أقساط وثائق التأمين البسيطة على الحياة تبلغ ملايين عدة من الدولارات سنوياً في كل أنحاء سورية، بينما في البلدان الأكثر تقدّماً ثمة شركات تأمين تُركِّز حصراً على التأمين على الحياة بعشرات المنتجات.
يشكّل مزيج المصارف وشركات التأمين جبهة أخرى لم يتم استغلالها بعد، على الرغم من أن العديد من المصارف الخاصة تملك حصصاً صغيرة في شركات التأمين الخاصة. وبالتالي، من المرجّح أن تصبح فرص التسويق المتقاطع وبيع وثائق التأمين على الحياة ومنتجات التأمين الأخرى من جانب المؤسّسات المصرفية، أكثر من مجرّد هدف في المستقبل، وأن تحقّق عبرها المصارف وشركات التأمين قدراً أكبر من الإيرادات.
شركات الخدمات المالية ومصارف الاستثمار
بعد سنّ القوانين المصرفية وقوانين التأمين، أعلنت الحكومة عن إنشاء هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية في العام 2005. وفي العام التالي سنّت قانون أسواق رأس المال، وسمحت في نهاية المطاف بتأسيس شركات لتبادل الأوراق المالية، إضافة إلى الخدمات المالية. تم الترخيص لسبع عشرة من هذه الشركات بين العامَين 2008 و2011، وقد تراوحت أصولها الرأسمالية من 20 مليون ليرة سورية (425 ألف دولار في ذلك الوقت) إلى 300 مليون ليرة (6.5 مليون دولار)، وهي تركز على أنشطة مثل الوساطة، والبحوث، وتقديم المشورة المالية، وزيادة رأس المال (بدون اكتتاب).
ميّزت الهيئة بين شركات الخدمات المالية (النشطة حالياً) ومصارف الاستثمار، والتي يوجد قانون منفصل ينظّمها ولكن لاتوجد شركات لها مرخَّصة. اشتُرِط على المصارف الاستثمارية أن تملك قاعدة رأسمالية يبلغ حدّها الأدنى 20 مليار ليرة سورية (435 مليون دولار)، وكانت قادرة على القيام بأنشطة إضافية مثل الاكتتاب والتوريق وقبول الودائع. غير أن الفرق بين المصارف الاستثمارية وشركات الخدمات المالية لايبرّر فرض متطلبات كبيرة جداً على رأس المال في بلد لديه أسواق رأسمالية ناشئة.
إضافة إلى إدارة العديد من عمليات طرح الأسهم الأولية للاكتتاب العام، وإصدار حقوق اكتتاب في أسهم إضافية لمصارف القطاع الخاص، أنجزت شركات التأمين وشركات الخدمات المالية النشطة معاملات تصل قيمتها إلى حوالى 90.1 مليون دولار في بورصة دمشق للأوراق المالية في العام 2010 (مقارنة بـ 19.9 ملايين دولار في العام 2009). كانت السوق تتطوّر بوتيرة سليمة من حيث كل المقاييس الكمية، بما في ذلك قيمة الأسهم المتداولة، وحجم التداول، وعدد الصفقات المنجزة، وعدد حسابات الوساطة، وعدد الشركات المدرجة، والقيمة السوقية. ومع ذلك، كانت رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية في معاملات زيادة رأس المال منخفضة جداً، ويرجع ذلك أساساً إلى المنافسة الشديدة، وإلى أن لجان الوساطة لم تكن تكفي لجميع شركات الوساطة الثلاث عشرة، على الرغم من أنها كانت تنمو بسرعة. ودفع ذلك شركات الخدمات المالية إلى الإعلان عن خسائر تشغيلية في السنوات الأولى لعمل السوق، حيث كان أكثرها يعتمد على الإيرادات المُتولَّدة من رأسمالها لتحقيق الربح (من خلال أسعار الفائدة أو تداول الملكية).
على مدى السنوات الثلاث الماضية، واجهت السوق تراجعاً حادّاً من حيث الأداء والنشاط، وهو التراجع الذي شكّل ضغطاً كبيراً على ربحية شركات الخدمات المالية عندما اقترن بعدم وجود معاملات لزيادة رأس المال. عند كتابة هذه الورقة، كانت ست من الشركات الثلاث عشرة التي تملك تراخيص لممارسة أعمال الوساطة، إما أُغلِقَت أو جُمِّدَت تراخيصها، في حين توقّفت عمليات جميع الشركات الاستشارية الأربع. واهتمّت شركتا الخدمات المالية الباقيتان بالأسواق المجاورة بهدف توليد إيرادات من الاستشارات المالية، مع أن الأرقام التي حقّقتها صغيرة إجمالاً.
إذا كان من الصعب في العام 2009 التنبّؤ بكيفية تطوّر سوق دمشق للأوراق المالية عقب إطلاقها، فإن التنبّؤ الآن بكيفية تعافي السوق بعد حلّ الأزمة الحالية يبدو أكثر صعوبة. خلال الصراع بدا واضحاً أن سوقاً ضئيلة كهذه، يهيمن عليها عدد قليل من اللاعبين، لديها القدرة على التفاعل بسرعة كبيرة حتى مع أقل خبر إيجابي. ولذا، من المرجّح أن يؤدّي أي زخم إيجابي إلى جذب المستثمرين من جديد، لكن حتى العودة إلى مستويات التداول التي كانت سائدة قبل الأزمة – والتي كانت تبلغ حوالى 5 ملايين دولار في الأسبوع - تتطلّب زيادة في التداول تتراوح بين ثلاثين وأربعين ضعفاً عن المستويات الحالية. ويمكن أيضاً إعطاء دفعة لنشاط التداول وأسعار الأسهم، إذا ما اختارت الأجهزة التنظيمية تخفيف قوانين الاستثمار الأجنبي في البورصة. ومن الجدير بالذكر أن متوسط التداول اليومي في بورصة عمّان (يُقدَّر بحوالى 16 مليون دولار)، كان أكبر من حجم التداول في سوق دمشق للأوراق المالية في ذروتها بستة عشر ضعفاً، مايدلّ على وجود إمكانيات وافرة لأسواق رأس المال السورية.
من ناحية أخرى، سيهتمّ العديد من المصارف بإدارة إصدار حقوق اكتتاب بهدف زيادة قاعدة رأسمالها، وستحتاج إلى تعيين مستشارين ماليين لإدارة هذه الإصدارات. ويمكن أن تشمل المصادر الأخرى لعمليات زيادة رأس المال الخصخصة الجزئية للشركات المملوكة للدولة أو الاكتتابات العامة الأولية للشركات المدعومة من القطاعَين العام أو الخاص، التي تقوم بتطوير مشاريع إعادة إعمار كبيرة في قطاعات مثل البنية التحتية. ومن المستبعد أن تكون هناك أي شركة من الشركات القائمة (مثل الشركات العائلية) في وضعٍ سليمٍ يتيح لها تسجيل أسهمها في البورصة في المدى القريب؛ ولكن إذا ما استمرت السوق بالنمو، فإنها ستوفّر فرصاً على المدى الطويل. وسوف تشمل الفرص الاستشارية أيضاً هيكلة الديون، وطرح الأسهم الخاصة للعديد من مشاريع إعادة الإعمار التي ستنفّذ في فترة الانتعاش.
من ناحية إدارة الأصول، قامت شركة واحدة فقط بتفعيل ترخيصها في العام 2011، وبدأت بتقديم خدمات إدارة المحافظ، غير أن ذلك تزامن مع نشوء الأزمة، ولذا فهي لم تُقدِّم أي إنجازات كبيرة. ومن المرجّح أن تتأثر أي أنشطة لإدارة الأصول ببداية انتعاش السوق بما لايقلّ عن ستة أشهر إلى اثني عشر شهراً، نظراً إلى الصعوبات التي ينطوي عليها تفعيل هذه العمليات. في المرحلة الأولى، ربما سيقتصر تقديم الخدمة على خدمات إدارة المحافظ، إلى أن تصبح السوق واللوائح مستعدّة لإدخال صناديق الاستثمار ضمن أنشطتها. وقد تم سنّ القانون الذي ينظّم هذه الصناديق في آب/أغسطس 2011، غير أن هناك العديد من العقبات التي تحول دون وضع هذا القانون موضع التنفيذ في وضعه الحالي.
من حيث الأسهم الخاصة، أُعلِن عن إنشاء صندوقَين للأسهم الخاصة يُركِّزان على سورية (Syria Rising والمجموعة المالية "هيرميس") قبل الأزمة، لكن شيئاً لم يتحقّق على أرض الواقع، في حين بدأت الصناديق الإقليمية الأخرى أيضاً النظر في الفرص المتاحة في البلاد. ومن المحتمل أن تهتم صناديق الأسهم الخاصة التي تُركِّز على الاستحواذ والخصخصة والبنية التحتية، بسورية في فترة إعادة الإعمار، وإن كان ذلك مُستبَعداً على المدى القصير. لكن وجود صندوق يُركِّز على سورية يبدو أمراً بعيد المنال عقب انتهاء الأزمة مباشرة، نظراً إلى المخاوف المستقبلية المحتملة على الاستقرار الاقتصادي والسياسي، والمخاوف السابقة بشأن مخارج الأزمة.
أخيراً، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت المصارف الاستثمارية الإقليمية والدولية ستختار دخول السوق السورية مادياً، أو ما إذا كانت ستشارك عن بُعد في عمليات مختارة من مكاتبها الإقليمية. في كلتا الحالتَين، ومع إنفاق متوقّع يُقدَّر بنحو 150-200 مليار دولار في السنوات الخمس إلى العشر التالية لحلّ الصراع، فإن من غير المرجّح أن تتخلّف المصارف عن المشاركة في مثل هذه الفرصة الجذّابة، ولاسيما عند النظر في نقص القدرات والمواهب الاستثمارية المصرفية المحلية.
لاعبون آخرون
كان سوق الصرف الأجنبي يتألّف في معظمه من تجار السوق السوداء إلى أن تم تنظيم القطاع في العام 2006. وفي حين أصبحت سبع عشرة شركة للصرافة مرخّصة رسمياً، وتم تسجيل 49 مكتب وساطة إضافي، عَنَت ضوابط رأس المال الصارمة أن السوق السوداء كانت لاعباً أساسياً دائماً. وقد اضطلع تجار العملات الأجنبية بدورَين أساسيَّين خلال السنوات الثلاث الماضية: تلبية احتياجات العملات الأجنبية للتجار والصناعيين، ومساعدة مصرف سورية المركزي في السيطرة على العرض النقدي وقيمة الليرة. ومن المرجّح أن تُملي مستويات تحكُّم الحكومة برأس المال بعد الأزمة حجمَ الدور الذي سيلعبه تجار العملات الأجنبية في السوقين الرسمية والسوداء، حيث لن تزيد حصة السوق الرسمية إلا إذا تم تخفيف اللوائح.
في الوقت نفسه، من المرجّح أن يكون لمؤسّسات التمويل الأصغر دور محدّد وأساسي في فترة إعادة الإعمار لأن الحاجة إلى القروض الصغيرة غير المضمونة ستكون في ذروتها. هناك نوعان من مؤسّسات التمويل الأصغر المرخّصة النشطة ومؤسّسات عدة أخرى تعمل بموجب مايُسمّى ببرامج يتم تمويلها بصورة عامة من خلال التبرعات والرعاية. وكانت وكالة الآغا خان الإقليمية للتمويل الأصغر نشطة في سورية كبرنامج منذ العام 2003، على الرغم من أنه تم ترخيصها رسمياً باسم "مصرف التمويل الأصغر الأول (سورية)" في العام 2009، وهو ماسمح لها بالبدء في قبول الودائع. نَمَت المؤسّسة بوتيرة سريعة، وبحلول نهاية العام 2010، كان لديها حوالى 20 ألفاً من القروض غير المسدّدة تصل قيمتها إلى 21 مليون دولار أميركي (مايجعل متوسط حجم القرض 1063 دولار أميركي)، وودائع بقيمة نحو 3.6 مليون دولار. وتعتبر "إبداع للتمويل الأصغر" (وهي مؤسّسة غير ربحية تحظى بدعم من برنامج الخليج العربي للتنمية - أجفند) المؤسسة الثانية المرخّصة، وكانت قد خطّطت لتقديم حوالى 400 ألف قرض في السنوات الخمس الأولى من عملياتها. كما قدمت وكالة الأمم المتحدة للإغاثة والتشغيل، واحدة من جهات الإقراض التي تعمل بموجب برنامج، قدمت 3392 قرضاً في العام 2013، حيث بلغ متوسط حجم القرض 270 دولار أميركي.
لايملك أي من اللاعبين النشطين في مجال التمويل الأصغر تفويضاً معنياً بالربح، ويمكنهم تحمّل تقليل أسعار الفائدة نسبة إلى التكلفة، ولكن قصة نموهم وحقيقة أن معدّل تَعرُّض مَحافِظِهم إلى الخطر تتراوح مابين 1 و3 في المئة في العام، يدلان على أن هذا النموذج يمكن أن يعمل بنجاح في سورية. وإذا ماتوسّعت هذه المجموعة الفرعية من القطاع المصرفي كما هو متوقع، فإن من المرجّح أن تجتذب منافسين جدداً يسعون إلى الربح ويجذبهم احتمال تحقيق عوائد عالية وإمكانية التأثير من خلال التمويل المصرفي أو الودائع.
وفي مايتعلق بالشركات المالية التي لم تكن موجودة قبل الأزمة الحالية، سنّت الحكومة المراسيم التشريعية التي مهّدت الطريق لإنشاء شركات التأجير والتمويل العقاري، والتي يمكن أن يكون لها دور في إعادة الإعمار في ظل الإطار التنظيمي والاستثمار الصحيح.
ستسمح شركات التأجير للصناعيين بالتأمين على آلاتهم برأس مال محدود مقارنة بالتمويل التقليدي، لأنها ستموّل فقط عمر الإهلاك للأصول ضمن فترة الإيجار. وبالنسبة إلى مَن لايملكون السيولة ويتطلّعون إلى إعادة بناء مصانعهم التالفة، يمكن لهذا الأسلوب في التمويل أن يكون جذّاباً جداً. فإضافة إلى المعدات الصناعية، تشمل قطاعات التأجير الآلات الزراعية، والسيارات، والشاحنات، والطائرات، والسفن، وتجهيزات الموانئ، وحتى السلع الاستهلاكية.
بطريقة مماثلة، يشجّع مقدّمو الرهن العقاري التمويل طويل الأجل لأصحاب المنازل المحتملين، في وقت يحتاج 1.6 مليون منزل إلى إعادة بناء، كما أن الكثير من السوريين (وخاصة الذين انتقلوا إلى خارج البلاد) باعوا منازلهم لتمويل نفقاتهم. وفي حين كانت المصارف تقدم قروض الإسكان قبل الأزمة، فإن عدم وجود قانون ملائم للرهن العقاري، والذي من شأنه أن يحدّد قدرة المصرف للاستيلاء على ممتلكات المقترض المتخلّف عن السداد، من بين أمور أخرى، قلّص شهية المصارف لتقديم القروض العقارية، حيث كانت حصتها من إجمالي محفظة القروض تافهة. فقد كانت أسعار الفائدة على الرهون العقارية عالية جداً وغير مدعومة من الحكومة، مايجعل هذه القروض مكلفة نوعاً ما للمقترض المتوسط من الطبقة المتوسطة. وعلى الرغم من كونها مكلفة، يمكن للحكومة أن تهتمّ في دعم (أو ضمان) أسعار الفائدة على قروض الإسكان، على غرار النموذج المعتمد في دول مثل لبنان، أو على الأقلّ ضمان هذه القروض لتوفير الراحة للمقرضين. ويمكن لمقدّمي الرهن العقاري أيضاً مشاركة الحكومة في مشاريع إسكان الشباب بأسعار معقولة بغية تمويل مشاريع التطوير العقاري هذه.
وفي حين لاتوجد إلى الآن أي طلبات لإنشاء شركات تأجير أو لتقديم القروض العقارية، من المرجّح أن تنظر المصارف المحلية والشركات الأم أو المجموعات المالية الإقليمية بجدّية في تقديم طلبات للحصول على رخصة، حالما يتبين أن هناك ضوء في نهاية النفق.
خاتمة
تراجع القطاع المالي السوري كثيراً على مدى السنوات الثلاث الماضية على الرغم من أنه لم يُعانِ من الأضرار المادية والعقابية نفسها التي عانى منها غيره من القطاعات، مثل التصنيع والتعدين والسياحة. وقد اضطرّت المصارف إلى التعامل مع تقلّص الميزانيات العمومية والقروض المتعثّرة والصعوبات التشغيلية. وواجهت شركات التأمين انخفاضاً كبيراً في أقساط التأمين وتخفيضاً في قيمة قاعدتها النقدية (رأس المال وتعويم سعر الصرف بالليرة السورية). وفَقَدَت شركات الخدمات المالية عملياً جميع مصادر إيراداتها، وفَقَدَ القطاع كله رأسماله البشري الثمين، والذي يُعتبَر أحد المقوّمات الرئيسة للنجاح في أي صناعة قائمة على الخدمات.
لكن إذا كان مستقبل القطاع المالي مشرقاً قبل الأزمة، يمكن القول إنه سيزيد إشراقاً إذا ماخدمه المناخ التنظيمي والاقتصادي والجيوسياسي. إذ تشير التقديرات إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى مايتراوح مابين 150 و200 مليار دولار من الاستثمارات على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، والتي ينبغي أن توجّه بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر هذا القطاع.
وفي حين أن هناك شوطاً كبيراً ينبغي على الوعي المالي والتعليم قطعه قبل أن يتمكّن القطاع المالي في سورية من الوصول إلى إمكانياته الحقيقية، كانت البلاد ولاتزال تعاني من ضعف القدرة على الوصول إلى الخدمات المالية بكل المقاييس. وبالتالي، فإن الإطار الصحيح يمكنه جعل هذه الإمكانات غير المسخّرة مربحة للغاية في مستقبل من المؤمّل ألا يكون بعيداً.
مصادر أخرى
Amman Stock Exchange, http://www.ase.com.jo.
Bemo Saudi Fransi Finance, Banking Sector Report 2010.
Bemo Saudi Fransi Finance, Banking Sector Report Q3-2013.
Central Bank of Syria, https://www.banquecentrale.gov.sy/.
Damascus Securities Exchange, http://www.dse.sy.
Insurance Regulatory Commission of Jordan, Annual Report 2011.
Syrian Commission on Financial Markets and Securities, http://www.scfms.sy.
Syrian Insurance Supervisory Commission, Annual Report 2012.
World Bank, “Syria Research,” http://www.worldbank.org/en/country/syria/research.
هوامش
1 على أساس أن سعر الدولار يساوي 47 ليرة.
2 سعر الليرة مقابل الدولار الأميركي المستخدم في بيانات المصارف التي تمت مراجعتها.
3 تم احتساب متوسط سعر الدولار إلى الليرة لفترة الأشهر التسعة على الشكل التالي: (174 + 77.5) /2 = 125.75.
4 تحويل إيداعات الليرة السورية على أساس سعر صرف الدولار مقابل الليرة 47 ليرة مقارنة بسعر 174 ليرة.
5 نسبة العملة المتداولة إلى الودائع المصرفية.
6 المضاعف = (1+ استنزاف العملة) / (الاحتياطي الإلزامي + استنزاف العملة) = (1 + 0.36) / (0.2 + 0.36) = 2.43
7 المبلغ السنوي الذي يدفع عن قرض من 6.2 مليار دولار يسدد على مدى ثلاث سنوات هو 2.07 مليارات دولار، وعلى مدى خمس سنوات هو 1.24 مليار دولار.
8 على أساس أن سعر الدولار يعادل 47 ليرة سورية.
9 حساب متوسط سعر الدولار إلى الليرة السورية لفترة تسعة أشهر كالتالي (77.5 + 54) / 2 = 65.75 ليرة.
10 على أساس أن سعر الدولار يعادل 47 ليرة سورية.
11 بلغت قيمة أقساط التأمين 18.5 مليارات ليرة سورية، فيما بلغ الناتج المحلي الإجمالي 60 مليار دولار، على أساس أن سعر الدولار يعادل 50 ليرة سورية.
12 الناتج المحلي الإجمالي 60 مليار دولار.
13 بلغ متوسط سعر الدولار مقابل الليرة في العام 2011، 50 ليرة سورية.
14 على أساس أن سعر الدولار يعادل 47 ليرة سورية.
15 سعر الدولار مقابل الليرة للعامَين 2009 و2010 مُحدَّد بـ47 ليرة سورية.
يمكن قراءة المزيد على الرابط التالي: