المصدر: Getty

آمال معلّقة في تونس

إن تلبية التوقعات الكبرى للتونسيين، تعني تطبيق المبادئ الأساسية المُثبَتة في دستور البلاد، وتحقيق الوعود بالعدالة الاجتماعية.

نشرت من قبل
دراسة
 on ٣١ مارس ٢٠١٦

المصدر: دراسة

يمرُّ المجتمع التونسي في مرحلة انتقالية، بيد أنه يفتقر إلى رؤية واضحة توجّه مسيرته هذه. صحيح أن النخبة السياسية التونسية صاغت دستوراً جديداً أعاد رسم العلاقة بين الدولة وبين مواطنيها، لكنها لمّا تباشر بعد في تطبيق هذا الاتفاق عمليّاً. ويترافق ذلك مع تشظٍّ في المشهد السياسي، وتشكيكٍ في شرعية الدولة، وتزايد قلق التونسيين مما يحمله المستقبل. إن تلبية التوقعات الكبرى للتونسيين، تعني تطبيق المبادئ الأساسية المُثبَتة في دستور البلاد، وتحقيق الوعود بالعدالة الاجتماعية.

مجتمعٌ في طور الانتقال

  • على عكس الحوكمة السياسية، لم تتبدّل السياسات الاجتماعية-الاقتصادية كثيراً في المرحلة الانتقالية التونسية في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت شرارتها في العام 2010 وأدّت إلى إطاحة الرئيس السابق زين العابدين بن علي، مقارنةً مع ماكانت عليه الحال في مرحلة ماقبل الانتفاضة.
  • تتجلّى معالم أزمةٍ في شرعية الدولة. ويشعر المواطنون التونسيون بقلق شديد مما يحمله المستقبل، وتساورهم مخاوف من أن تكون النخبة السياسية في البلاد غير قادرة على تحقيق الوعود بالتجديد السياسي. كما يشعرون أيضاً بخيبة أمل إزاء غياب القيادة، وينتابهم الاستياء من مستويات معيشتهم، والخوف من احتمال وقوع حرب أهلية في البلاد.
  • يُفاقم استمرار ممارسات الماضي استياءَ التونسيين من دولتهم، ويديم التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي تعاني منه المناطق الريفية في البلاد.
  • ثمة منافذ قليلة يمكن أن يعبّر التونسيون من خلالها عن مخاوفهم. إذ قمع نظام بن علي منظمات المجتمع المدني، ومَنَع السياسيين من أن يصبحوا مراكز قوّة بديلة، وأطبق بشكلٍ مُحكَم سيطرته على الأحزاب السياسية المُعارضة. وبعد أن أطاحت الانتفاضة هذا النظام، عمّت الفوضى الحياة السياسية ولم يستطع أحدٌ أن يملأ الفراغ السياسي الذي نتج عن إطاحة نظام بن علي. 
  •  الشباب التونسيون، على وجه الخصوص، يبتعدون أكثر فأكثر عن المؤسسات الرسمية والعمليات السياسية.
  •    مع أن الديمقراطية مبدأ جذاب بالنسبة إلى معظم التونسيين، إلا أنهم ليسوا واثقين من أنها الإطار السليم لإدارة بلادهم. 

سُبُل تحقيق الامال المعلّقة

  • على القيادة التونسية أن تُجابه التحديات البنيوية السياسية والاقتصادية الكامنة في صلب مشاكلها الاجتماعية-الاقتصادية، وأن تطبّق نهجاً تنموياً أشمل، يبتعد عن سياسات حقبة بن علي، ويركّز أكثر على الاستثمارات الإقليمية التي تستند إلى التكامل الاقتصادي. 
  • ثقة المواطنين هي الأساس. وعلى الحكومة أن تعمل على كسب هذه الثقة ومعالجة التمييز المتجذّر ضد المناطق الريفية.
  • يجب إعادة إحياء الحوار الاجتماعي-الاقتصادي ثلاثي الأطراف الذي أُطلِق في العام 2012. إذ تستطيع القيادة التونسية أن تستخدم الأطر المتوفرة لديها ونتائجها الأساسية لإجراء مناقشات شفّافة ومفتوحة حول خطة البلاد الاقتصادية الخمسية.
  • تشكّل الانتخابات البلدية المُقرَّر إجراؤها في أواخر العام 2016، فرصةً للشباب للانخراط أكثر في العملية السياسية وإحداث فرق في مجتمعاتهم.

مجتمعٌ في طور الانتقال 

يمرُّ المجتمع التونسي في مرحلة انتقالية من ماضٍ قمعي (وإن كان مُستقِرّاً) إلى مستقبلٍ غير واضح المعالم، كلّ الخيارات تبدو فيه واردة. ويعتمد مسار البلاد المستقبلي على قدرة القيادة السياسية على صَوغْ رؤية شاملة تحتضن كلَّ المواطنين التونسيين؛ رؤية تعترف بالتظلّمات التي أشعلت انتفاضة كانون الأول/ديسمبر 2010، وتعمل على معالجتها.

تُعتبر تونس، وفق بعض المقاييس، قصة نجاح مدوِّية. فمنذ العام 2011، سمحت التسوية التاريخية بين الأحزاب الإسلامية والعلمانية في البلاد للأطراف السياسية الرئيسة بانتهاج مقاربة تقوم على الإجماع في ممارسة الحكم. وهكذا، شهدت تونس عمليات انتقال سلمي متلاحقة للسلطة، بما في ذلك جولتان من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وعلى الرغم من بضع حوادث أمنية، إلا أن الانتقال السياسي واصل مسيرته السلمية نسبيا.

بيد أن هذه الإنجازات، على أهميتها في الجبهة السياسية، ليست كافية للحفاظ على انتقال سليم وراسخ. فالأمل الذي شابَ أول انتفاضة شعبية في المنطقة العربية انحسر إلى حدٍّ كبير، مع تفاقم الصعوبات المعيشية التي اعترت حياة المواطنين التونسيين. والتحديات التي تُواجه المجتمع التونسي في العام 2016، تشمل انكماشاً اقتصادياً، وتفاوتاً بين المناطق، وشعوراً مُطّرداً بفقدان الأمن، وارتفاع معدّلات التضخم والبطالة، واتساع نشاطات القطاع الاقتصادي غير الرسمي، وازدياد الفقر، خاصة بين فئة الشباب. لكن الأخطر هو مشاعر خيبة الأمل والسخط لدى قطاعات واسعة من المجتمع التونسي، وشكوكها المتنامية ببزوغ مستقبل ديمقراطي ومستقر.

ليست إنجازات تونس، على أهميتها في الجبهة السياسية، كافية للحفاظ على انتقال سليم وراسخ.

العديد من هذه التحديات تعود بجذورها إلى سياسات زين الدين بن علي، الذي حَكَمَ طويلاً إلى أن أطاحت به انتفاضة شعبية بدأت في العام 2010. لكن، يبدو أن مواصلة الحكومات المتعاقبة لهذه السياسات في مرحلة مابعد الانتقال السياسي، قد فاقمت أكثر حدّة هذه التحديات. صحيحٌ أن انتفاضة تونس أشرعت الأبواب أمام تحوّلات عميقة، خاصة في مجال حرية التعبير، والجمعيات الأهلية، والمشاركة، والنقاشات العامة، إلا أنها لم تقطع مع الماضي.

لقد عزّزت شبكات الامتيازات المترسِّخة وسياسات اللبرلة الاقتصادية التي سُنَّت في عهد بن علي، التفاوتات العميقة بين المناطق كما بين التونسيين،1 ما أدى إلى تهميش وإقصاء فئات مُعيّنة من السكان في الحقول السياسية والاقتصادية- الاجتماعية. وبالمثل، أسفر تراجع الاستثمار في الرأسمال البشري والمادّي عن تضييق الخناق على الفرص المستقبلية لملايين التونسيين، وقيّد تطوّر البلاد.

أدّى عجز المؤسسة السياسية في حقبة مابعد الانتفاضة عن التعاطي بحيوية مع هذه التحدّيات وتركيزها على السياسات العلاجية التدرُّجية، إلى شعورٍ متنامٍ بالقلق لدى جزءٍ كبير من التونسيين إزاء مروحة واسعة من القضايا، تتراوح بين الأمن المالي، واستقرار البلاد، واحتمالات اندلاع الصراعات الأهلية، وصولاً إلى القدرة على توفير تعليم لائق لأولادهم.2 وبما أن معظم التونسيين مدركون لما يريدونه من دولتهم، فإنهم يتبرّمون من عدم تلبية الحكومات المتعاقبة لتوقعاتهم وآمالهم بالكرامة والعدالة الاجتماعية؛ وهي المطالب التي كانت قد دفعتهم في المقام الأول للنزول إلى الشارع في العام 2011.

تتضخّم مثل هذه المشاعر كثيراً حين تبرز في سياقِ تشظٍّ سياسيٍّ واسع النطاق، وتدهورٍ في شرعية الدولة؛ وهو التدهور المرتبط بإرث السياسات المدمرّة لبن علي ومحاولاته المدروسة للسيطرة على المجالَين العام والسياسي. اليوم، ليس هناك من قوة سياسية أو مجتمعية موحِّدة، ومشاعر الظلم لدى التونسيين العاديين تتصاعد. ومع غياب أي رؤية واضحة أو جامعة، يبدو المجتمع التونسي ناضجاً لمزيدٍ من التصدّع.

تلبية توقعات التونسيين الكبرى، تعني تطبيق المبادئ الأساسية المُثبَتة في دستور البلاد، والتي تنصّ على العدالة الاجتماعية والحريات السياسية.

على الرغم من هذا الفراغ، يبدو أن التونسيين متّفقون على مزايا وفوائد النظام الديمقراطي، وفقاً لاستطلاعات رأي أُجرِيَت في العام 2013، خاصة لأنهم يُثمِّنون الحريات التي يضمنها النظام الديمقراطي، بما في ذلك حرية اختيار حكّامهم. بيد أنهم غير واثقين من أن هذا النظام يمكن أن يحقّق الوعود بحياة أفضل، ويلبّي حاجتهم إلى أمن اجتماعي- اقتصادي أكبر.3

بالنسبة إلى قطاع الشباب في البلاد، تُعتبر الحقبة الراهنة مُقلِقة للغاية، لأن الشبّان يتحملون العبء الأكبر من هذه التحديات. فغداة الفرح الغامر بنجاح الانتفاضة، أُصيبَ الكثيرون بخيبة أمل من النتائج المحقَّقة حتى الآن. ووفق ما قاله خرّيجٌ جامعي يافع يعمل سائق سيارة أجرة: "كل ما حصدناه من الانتفاضة هو التضخم".4 مايريده هذا الطالب، مثله مثل معظم التونسيين، هو الشعور بالعدالة وفرصة لعيش حياة كريمة. ويؤدّي غياب المسارات الواضحة لتحقيق هذه الأهداف، على كلٍّ من المستويَين السياسي والاقتصادي، إلى تهميش هذا الطالب والعديد من أمثاله.

إن معالجة هذه الاختناقات في المرحلة الانتقالية وتلبية آمال التونسيين وتوقعاتهم الكبرى، تعنيان تطبيق المبادئ الأساسية المُثبَتة في دستور البلاد، والتي تنصّ على العدالة الاجتماعية والحريات السياسية. وهذا يتطلب نموذج تنمية شاملاً للجميع، وعكس السياسات التي مارسها بن علي. كما يتطلب خطوات محدّدة لضمان مشاركة أكبر في العملية السياسية، خاصة من قِبَل الشباب.

جذور السخط 

في 18 كانون الثاني/يناير العام 2016، قضى شاب يافع نحبه في ولاية القصرين، بعد إصابته بجروح جرّاء صعقة كهربائية أثناء تسلّقه أعلى عمود كهربائي. كان هذا الشاب، الذي تخرّج حديثاً من الجامعة، يحتجّ على ما اعتبره استبعاداً اعتباطيّاً لاسمه عن لائحة المرشحين لوظائف في قطاع التعليم في الولاية، وعلى الفساد الذي يُملي مثل هذه السياسات.5 وقد أطلق موته موجة من التظاهرات في مختلف أنحاء البلاد، خاصة في هذه الولاية الداخلية التي لطالما تعرّضت إلى التهميش، مادفع الحكومة إلى فرض حظر التجوال في كل أنحاء تونس.6

هذه الاحتجاجات تأتي كمحصلة مباشرة للتحديات الاجتماعية- الاقتصادية المُتنامية، التي سبَّبت تراجعاً واضحاً في مستوى معيشة التونسيين العاديين، وتفاقماً في وتائر القلق ممّا يحمله المستقبل، وخيبة أمل عميقة من عدم تحقّق الآمال بالعدالة الاجتماعية. كما أن هذه الاحتجاجات تغذّت من إدراكٍ شعبيٍّ متنامٍ بأن البلاد لاتزال تعمل وفق سياسات بن علي، على الرغم من تغيُّر المشهد السياسي ووضع دستور جديد يعيد رسم العلاقة بين الدولة وبين مواطنيها. إذ ما كان يُفترَض أنه تدشين لقطعٍ مع الماضي، أثبت أنه نزعٌ من الاستمرارية على جبهات عدّة. علاوةً على ذلك، ومع الانهيار في السلطة المركزية وشرعية الدولة، بدا أن التونسيين عادوا إلى سياسات حقبة بن علي، لكن مع دولةٍ لم تعد تمتلك قدرتها السابقة على تنفيذ هذه السياسات.

منذ أن ظَفَرت تونس بالاستقلال عن فرنسا في خمسينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من النمو الاقتصادي والتنمية المُحْرَزَين في شتى أنحاء البلاد، كانت السياسات وعملية صنع القرار منحازة بشدّة إلى العاصمة والمناطق الساحلية المحيطة بها. وقد مركَزَ الحبيب بورقيبة، أول رئيس بعد الاستقلال والأب المؤسِّس لتونس الحديثة، عملية صنع القرار، وبثّ الروح العلمانية في صلب الهوية الوطنية التونسية. كانت الدولة المركزية، في عهده، الخزين  الرئيس للسلطة السياسية وللسياسات الاقتصادية. وهكذا، كانت معظم استثمارات الحكومة ورؤوس الأموال، وأيضاً معظم النشاطات الاقتصادية الكبرى والمراكز الصناعية الأساسية، تتمركز في العاصمة على حساب الداخل الزراعي. كما حظيت شبكات النخب في الساحل بامتيازات سياسية ولعبت أدوراً مركزية في حكم تونس، إلى درجة أن الانقسام بين ثنائية "بلدي ساحلي" و"آفاقي"، لعبت دوراً بارزاً في تشكيل الهوية الوطنية والمجتمع السياسي.

بعد وصول بن علي إلى السلطة في العام 1987 عبر انقلابٍ عسكري ضد بورقيبة، واصل العمل على المنوال نفسه من حيث مركزية صنع القرار وبرامج التصحيح الهيكلي الاقتصادي وفق اتفاقية العام 1986 التي أُبرِمَت مع صندوق النقد الدولي. وشملت سياسات الإصلاح النيوليبرالية هذه خلال عهده، خصخصة الأصول العامة، وإضعاف سياسات الانعاش الاجتماعي، وإعادة هيكلة قوانين الضرائب والاستثمار.7

خلقت المرحلة الأولى من جهود الإصلاح نموّاً اقتصادياً، لكن الفوائد لم ترشح إلى التونسيين العاديين، ولم تكن لها ديمومة. فخفض الضرائب أفاد الطبقة العليا من المجتمع، فيما لعبت إعادة هيكلة قوانين الاستثمار دوراً بارزاً في مفاقمة ضعف القوى العاملة. وفي هذه الأثناء، وبعد أن بات أكثر من 80 في المئة من صادرات تونس يذهب إلى أوروبا (و70 في المئة من الواردات يأتي منها)،8 أصبحت البلاد مُعتمِدة بإفراط على العوامل الخارجية، ومكشوفة أمام الصدمات العالمية التي عاينتها تونس بالفعل حين تسبَّبتْ أزمة العام 2008 المالية بانكماش اقتصادي كبير، مافاقم معدّلات البطالة والفقر. وشملت إجراءات أخرى اتخذها بن علي تقليص الدور التنظيمي للدولة، وخفض الاستثمار والانفاق العام، وخصخصة مروحة واسعة من الشركات والأصول الأخرى التي تملكها الدولة. وقد جرى آنذاك التعامل مع تحديات البطالة ومستويات الفقر المتصاعدة عبر إجراءات علاجية مقتضبة، على غرار العمالة المُستندة إلى مشاريع في القطاع العام وتشكيل شبكات أمان اجتماعي محدودة.

تمثّل العنصر الرئيس في عملية التحرير الاقتصادي، في القروض المتعلّقة بتصحيح القطاع الزراعي الذي رعاه البنك الدولي، والذي حبَّذ إعادة توزيع الأراضي التابعة للدولة، والتي كانت تملكها سابقاً تعاونيات صغيرة تديرها الدولة، إلى كبار المزارعين. وبموجب هذه الخطة، تم نقل نحو مليون هكتار من الأراضي الزراعية التي تملكها الدولة. لكن، بدلاً من أن يولِّد هذا التدبير فرص عمل جديدة، عَمَدَ المُلاّك الجدد إلى تنفيذ برامج لتقليص الأيدي العاملة. وفي غياب أي جهود لتحسين مداخلهم إلى القروض، أُفقر صغار المزارعين والسكان الريفيون، وتم تقويض قدرتهم على المنافسة في سوق العمل الجديد.9

لم تكبح اللامساواة في الأصول فرص النمو الاقتصادي الشامل للجميع وحسب، بل حفّزت أيضاً زيادة مُتسارعة للغاية في المُلكيات اللاشرعية وفي النشاطات الاقتصادية غير الرسمية. والأخطر أنها خلقت عقبات جوهرية أمام التونسيين الذين ربما أرادوا الدخول إلى السوق الرسمي، لكن لم يكن في مقدورهم استخدام أصولهم غير القانونية للقيام بذلك.

مع مرور الوقت، خلقت برامج بن علي ومضاعفاتها، التي ترافقت مع تمركز الاستثمارات في المناطق الساحلية، قسمة مكانية بين أسواق العمل، ماجعل من الصعب للغاية على أولئك الذين يعيشون في المناطق الداخلية والجنوبية الحصول على منافذ إلى العمالة اللائقة وفرص العمل الواسعة.10 وقد لحظ التونسيون التنامي المُطَّرد للامساواة بين الأقاليم نتيجةً لسياسات اللبرلة هذه، والتي تبلورت على شكل تمييز هيكلي فاقم الفروقات التنموية. لقد كانت نوعية حياة المواطنين في هذه المناطق الداخلية تزداد سوءاً، فيما بقية مناطق البلاد تشهد تحسنا.11 في القصرين، على سبيل المثال، ارتفعت البطالة النسبية من 30.3 في المئة في العام 1990 إلى 49.3 في المئة في العام 2000. 12 وفي سيدي بوزيد، مهد الانتفاضة التونسية، ارتفعت أيضاً البطالة النسبية خلال الفترة الزمنية نفسها من 39.8 في المئة إلى 45.7 في المئة.13 وفي خاتمة المطاف، أثار هذا الخلل في التوازن طفرة في النزوح الريفي إلى المدن، وأدّى إلى تشكُّل جيوبٍ من الفقر المديني حول العاصمة ومدن ساحلية أخرى.

استمر هذا المنحى طيلة العقد الأول من القرن الحالي: فالنمو الاقتصادي ترافق مع خللٍ أكبر في التوازن. في العام 2012، سجَّلت القصرين أدنى معدّلات التنمية البشرية بين كل ولايات تونس،14 وأعلى معدّلات الفقر في البلاد، حيث بلغت النسبة 32 في المئة مقارنةً مع المعدّل الوطني الذي يترواح بين 15.5 في المئة و9 في المئة في العاصمة.15 كما بلغ مستوى البطالة في القصرين 25 في المئة فيما المعدل الوطني 17 في المئة، ووصل معدّل الأمية إلى 32 بالمئة مقارنةً مع المعدّل الوطني البالغ 12 في المئة.16 وتعاني الولاية كذلك من تفاوتات كاسحة في البنى التحتية. على سبيل المثال، كل منزل من ثلاثة منازل لا تصلُه مياه الشفة،17 وشبكات الطرق رديئة. وفي حين أن معدّل المسافة الوطنية إلى المنشآت الرئيسة للنشاطات الزراعية، مثل المرافئ والمطارات، تُقدَّر بنحو 97 كيلومتراً (زهاء 60 ميلاً)، تبلغ المسافة بالنسبة إلى القصرين 217 كيلومتراً، مايضع المنطقة في وضع غير مواتٍ إلى حدٍّ كبير للنشاطات الاقتصادية قياساً ببقية مناطق البلاد.18 ثم أن الاستقطاب على أساس اللاتوازن في المداخيل والاستهلاك، قفز من 50 في المئة في العام 2000 إلى 62 في المئة في العام 2010، مايشي بتفاقم الشعور الجماعي بالإقصاء والغربة.19

قفز الاستقطاب على أساس اللاتوازن في المداخيل والاستهلاك، من 50 في المئة في العام 2000 إلى 62 في المئة في العام 2010، مايشي بتفاقم الشعور الجماعي بالإقصاء والغربة.

الشعور الطاغي بالظلم الذي يتغذّى من تهميش الداخل التونسي والولايات الجنوبية، كان في صلب الانتفاضة الشعبية التي بدأت في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 في سيدي بوزيد وتمدّدت إلى القصرين، قبل أن تنتقل إلى العاصمة وبقية أنحاء البلاد. ومن منظور مواطني القصرين، تبلور هذا الشعور الجماعي بالإقصاء على شكل إحساس أعمق بالتمييز على أساس مستوى الدخل، أو المنطقة؛ وهي وجهة نظر لاتزال سائدة حتى الآن. وهذا كان واضحاً في استطلاع الرأي على المستوى الوطني الذي أجراه المعهد الوطني للإحصاء. فقد شعر 37 في المئة من سكان القصرين أنهم يتعرضون إلى التمييز على أساس الدخل، فيما كانت النسبة 5 في المئة في المناطق الساحلية، بما في ذلك العاصمة. وبالمثل، شعر 23 في المئة من مواطني القصرين أنهم يتعرّضون إلى التمييز على أساس منطقتهم، بالمقارنة مع 8 في المئة في المناطق الساحلية والجنوب غربية ذات الحظوة. كما أعرب السكان عن معدّلات عالية من الاستياء إزاء خدمات الرعاية الصحية (73) وأيضاً الرعاية الاجتماعية. ويعتقد مايقرب من 70 في المئة من المُستفتين أن عدداً كبيراً من الاشخاص الذين يستحقون دعم مؤسسات وخدمات الرعاية الاجتماعية لايحصلون عليها.20

هذه العوامل مُجتمِعةً دفعت سكّان القصرين إلى رفع طلب في العام 2015 إلى هيئة الحقيقة والكرامة، المنوط بها الإشراف على عمليات العدالة الانتقالية في تونس، بأن يُعتبروا حالة من الضحايا الجماعية و"التهميش المنهجي والإقصائي" لمنطقتهم، ليصبحوا بذلك الحالة الثانية فقط من هذا النوع عالميا.21 وهم أوردوا دلالةً على ذلك السياسات المتعمّدة للتهميش الهيكلي والإقصاء عن مزايا التنمية من قِبَل سلطة مركزية مُنحازة إلى المناطق الساحلية، وتمارس المحاباة والزبائنية والفساد على مستويات عديدة.

أصواتٌ تونسية 

في العام 2016، امتدّت احتجاجات القصرين في غضون يومين اثنين إلى القيروان، وجندوبة، وسيدي بوزيد، وقفصة، وباجة، ومدنين، وكلها مناطق مُعدمة في داخل البلاد.22 ولم تفلح البيانات الحكومية التي وعدت بتوفير 5 آلاف وظيفة عمل، وسكن اجتماعي، وترميم البُنى التحتية للمنطقة بالحدّ من التظاهرات، التي واصلت التمدّد عبر البلاد. وكما قالت متظاهرة لوكالة "فرانس برس" في كانون الثاني/يناير 2016: "كفانا وعوداً وتهميشا. نحن من قدنا الثورة ولن نلتزم الصمت".23

لم يقتصر الاستياء من الأوضاع في العام 2016 على سكان الداخل التونسي، بل باتت المظاهرات المنتظمة شائعة وتطال كل فئات المجتمع، بما في ذلك النقابات، والهيئات المهنية مثل المعلمين والأطباء، وممثلي المجتمع المدني، والمزارعين، والطلاب، والشبان العاطلين عن العمل، وحتى موظفي الدولة وعناصر الشرطة. وفي العام 2015 وحده، كان هناك 5001 تحرُّك احتجاجي.24 علاوةً على ذلك، كان ثمة محاولات فردية للانتحار احتجاجاً، ووصل عددها إلى نسبة عالية بلغت 69 محاولة في شهر أيلول/سبتمبر وحده.25

تمحورت احتجاجات هؤلاء المواطنين حول مروحة واسعة من القضايا، شملت مسائل على علاقة بملكية الأراضي وإدارة الموارد، ومطالب زيادة الأجور أو تحسين ظروف العمل، وإصلاح حقوق الملكية العقارية، وكذلك مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي يهدف إلى العفو عن الفساد الاقتصادي السابق في عهد بن علي.26

هذه الاحتجاجات لم تكن مجرّد ردّة فعل على مستوى المعيشة المتدهور في تونس وحسب، بل كانت أيضاً مؤشّراً على فقدان الدولة لشرعيتها. فمن جهة، بالنسبة إلى التونسيين، أصبح وعد زيادة الوظائف في القطاع العام أشبه بلعبة السحرة التي يُسحب فيها الأرنب من قبعة الحكومة في كل حين تُواجه فيه هذه الأخيرة قلاقل شعبية. فقد أُغدقت الوعود باستحداث فرص عمل جديدة في العام 2008 غداة احتجاحات عمّال المناجم في قفصة، الذين هتفوا ضد الفساد وممارسات محاباة الأقارب التي حدّت من فرص العمل، وأسفرت عن اللامساواة في مجال التنمية. وفي مُستهلّ انتفاضة العام 2010، أعلن وزير التنمية والتعاون الدولي آنذاك عن وضع برنامج توظيف بقيمة عشرة ملايين دولار.27 لكن شيئاً لم يتغيّر منذ ذلك الحين.

من جهة أخرى، ومع إطاحة بن علي، أسفر انهيار الدولة الريعية ومعها حزبها الحاكم على المستوى المركزي، عن انهيارها أيضاً على المستويات المحلية، ماشرّع الأبواب أمام بروز شبكات وعلاقات سلطوية جديدة لاتريد أن تكون لها علاقة بالدولة المركزية ومؤسساتها. معظم هذه العلاقات تمحورت حول نمو وتوسُّع التهريب والنشاطات اللاقانونية الأخرى، خاصة تلك المنتشرة على الحدود التونسية- الجزائرية والليبية. وكما قال ناشطٌ شاب: "نعيش في سياق فَقَدَ فيه المجتمع الأمل وبات يهرب من دولته. لقد ابتعدت الأطراف عن المركز".28 وفي  بيئة متعثّرة كهذه، تجد المنظمات المتطرّفة موطئَ قدم لها.29

منذ العام 2011، حَفَّزَ تراجع سيطرة الدولة على المناطق الحدودية والانكماش الاقتصادي، خاصة في قطاعات رئيسة مثل السياحة التي تراجعت بنسة 35 في المئة العام 2015 غداة الهجمات الإرهابية، على توسُّع أشكال أخرى من النشاطات غير الرسمية التي لاتشمل أي ضمانات أمنية أو حماية اجتماعية.30 على سبيل المثال، العمالة غير الرسمية قفزت من 30 في المئة في الاقتصاد التونسي في العام 2010 إلى 38 في المئة في العام 2013. نحو 72 في المئة من عمّال القطاع غير الرسمي هم من المناطق الريفية، ويعملون أساساً في الانتاج الزراعي والمياومة غير الرسمية.31 هذا اللااستقرار الاقتصادي له مضاعفات عميقة على الشبّان، حيث أن واحداً فقط من كل ثلاثة منهم يحصل على عقد عمل يضمن شكلاً من أشكال الحماية الاجتماعية، بما في ذلك العناية الصحية والضمان الاجتماعي.32 وفي هذه الأثناء، وفي العام 2012، كان هناك نحو 542 ألف مؤسسة من أصل 616 ألفا - أي 85 في المئة - تعمل في القطاع غير الرسمي، وهذا يشكِّل خسارة للدولة التونسية تُقدَّر بنحو 115 مليار دولار.33 وعلى الرغم من غياب الأمن الاجتماعي، نجح متوسط راتب الفرد المرتفع نسبياً في القطاع غير الرسمي (18.725 ديناراً، أي 9.355 دولاراً)، أي ضعف رواتب الموظفين الرسميين، في جذب العديد من الشبّان إلى هذا النوع من العمل.34

في خضم هذه التحديات الاجتماعية- الاقتصادية المتفاقمة، أوضحت استطلاعات الرأي تعاظم نسب الاستياء لدى التونسيين من مستويات معيشتهم العامة والمالية. ففي ربيع العام 2014، أجرى مركز "بيو" للأبحاث استطلاعاً قال فيه 88 في المئة من المُستطلَعة آراؤهم إنهم يعتبرون الوضع الاقتصادي سيِّئاً، فيما قال 48 في المئة فقط إنهم لايعتقدون أن الأمور سوف تسير نحو الأفضل.35

أوضحت استطلاعات الرأي تعاظم نسب الاستياء لدى التونسيين من مستويات معيشتهم العامة والمالية.

وربما الأهم من كل ذلك أن التونسيين يشعرون بقلق شديد. ففي "استطلاع القيم العالمية" (World Values Survey) الذي أُجرِي في العام 2013، أشار 81 في المئة إلى أنهم قلقون من عدم العثور على عمل، و85 في المئة من احتمال عدم قدرتهم على توفير تعليم لائق لأولادهم، و89 في المئة من اندلاع حرب تشمل بلادهم، و91 في المئة من وقوع هجوم إرهابي (النسبة نفسها أيضاً أبدت مخاوف من نشوب حرب أهلية).36 وفي استطلاع للبنك الدولي حول الشباب، أورد المُستطلَعون العمالة في القطاع غير الرسمي والاستغلال كسببَين أساسيَّيْن للقلق.37

في ضوء هذه الموجة العاتية من القلق والشعور بعدم الاستقرار، لايعود مستغرَباً أن تُعرِب غالبية التونسيين الذين شاركوا في "استطلاع القيم العالمية" عن مستويات عالية من السخط إزاء أمور حياتية متنوّعة منها: رداءة خدمات الرعاية الصحية ووسائل النقل العام والمياه والإسكان. كما أبدوا تبرُّماً حادّاً من المستوى المتدنّي للطرق والبنى التحتية للطرق السريعة. ويتجسّد مثل هذا السخط أكثر فأكثر في مدركات وتجارب التونسيين حيال التفاوت الاجتماعي في بلادهم وعدم قدرتهم على تلبية حاجاتهم الأساسية.38

طلب استطلاعٌ لـ"بيو" من التونسيين في العام 2013 تقدير مدى حجم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فأجاب 82 في المئة من المُستطلَعين أنها كبيرة وخطيرة. وفي الاستطلاع نفسه، قال 90 في المئة إن ارتفاع الأسعار والبطالة مشكلتان ضخمتان للغاية. كما أشار 40 في المئة من التونسيين إلى أنه لم يكن في مقدورهم تحمُّل أكلاف الرعاية الصحية خلال السنة المنصرمة، فيما ذكر 30 في المئة أنه لم يكن لديهم مايكفي من المال لشراء المواد الغذائية الأساسية.

وأوضح تحليل معلومات "استطلاع القيم العالمية" أن التونسيين يتشاطرون شعوراً وطنياً قوياً بالانتماء إلى بلدهم، كما أن رؤيتهم لأولويات الدولة متشابهة، بغضّ النظر عن التفاوتات في السن والطبقة الاجتماعية ومستوى التعليم أو الانتماء السياسي. وفي الوقت نفسه، أعرب 44 في المئة عن اعتقادهم بأن رأسمالية الدولة هي أفضل نظام اقتصادي للبلاد، بالمقارنة مع 30 في المئة اختاروا نظام السوق الرأسمالية المُطبّق حاليا. 

بحثاً عن التغيير

مشاعر القلق والتبرُّم هذه تتفاقم حين تتقاطع مع إحساس طاغٍ بأنه على الرغم من نضالات التونسيين وتضحياتهم، لاتزال سياسات مابعد المرحلة الانتقالية تسير على إيقاع المقاربة النيوليبرالية التي طُبٍّقت في عهد بن علي، وأن الإصلاحات الضرورية لم ترَ النور. وهذا قوَّض الدعم الشعبي لخطة التنمية للأعوام 2016-2020 التي اقترحتها الحكومة، والتي تُعطي الأولوية لإصلاح أنظمة الضرائب والدعم، وتحسين مناخات الاستثمار، والتصدي  للعجز المالي والاقتصاد غير الرسمي.39 وقد سَرَت انتقادات لغياب أي حوار مجتمعي حقيقي لهذه الخطة، مادفع أحد قادة المعارضة إلى حد القول أن هذه ليست خطة "صُنِعتْ في تونس"،40 وهو في الواقع كان يعكس بذلك الاعتقاد الشائع بين التونسيين بأن العناصر الرئيسة الواردة في الخطة، هي مجرد نسخة غير منقّحة من شروط القروض واقتراحات السياسة العامة التي طرحتها المؤسسات المالية العالمية.41 ومن هذا المنظور، لاتسلُب هذه المقاربة التنموية المعتمَدة في الخطة قدرةَ الدولة على صنع القرارات السيادية  حيال القضايا الاقتصادية وحسب، بل تُديم أيضاً تبعية تونس للمساعدات الخارجية.

ينبثق إلى حدٍّ ما الانطباع بأن الأمور لاتزال على حالها تراوح مكانها، من غلبة شخصيات حقبة بن علي على المشهد السياسي خاصة غداة الانتخابات البرلمانية في العام 2014، والتي شهدت عودة بعضٍ من رموز هذه الحقبة، إضافةً إلى ولوج عددٍ من رجال الأعمال إلى الحلبة السياسية. فقد شغل قسم كبير من البرلمانيين الذين انتُخبوا العام 2014 على لائحة حزب نداء تونس الذي يقوده الرئيس الباجي قائد السبسي، مواقع مهمة في التجمع الدستوري الديمقراطي التابع للرئيس السابق بن علي.42 وفي الوقت نفسه، كان ثمة زيادة ملحوظة في عدد رجال الأعمال في البرلمان، على غرار الاتحاد الوطني الحر بقيادة سليم الرياحي. وتُمثّل هذه النتائج بالنسبة إلى التونسيين استمراراً لهيمنة المصالح الخاصة على الصالح العام، ما أثبط آمال الكثيرين بالحصول على مساواة اقتصادية وفرص أكبر.

إضافةً إلى ذلك، لم يتحقق شيءٌ يذكر من التغيير الاقتصادي المنشود، بسبب التضارب في وجهات النظر والمصالح الخاصة المترسّخة بين الفئات السياسية المختلفة. فالحكومة التونسية، مثلها مثل معظم الدول التي تمرّ في مرحلة انتقالية، تبدو مشتتة ومتنازعة بين الحاجة إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تضمن الفعالية، وبين انتهاج سياسات إعادة توزيع يمكنها أن تحقق قدراً أكبر من المساواة الضرورية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي. لقد كانت مقاربة الحكم على قاعدة التوافق التي تبنّتها القيادة التونسية حيال القضايا السياسية عصيّة التنفيذ على المسائل الاقتصادية، لأنه كان ثمة مجموعة واسعة من الأطراف المنهمكة في حماية مصالحها الخاصة المتضاربة مع بعضها البعض في غالب الأحيان. ووفق تعبير أحد قادة المعارضة:" ثمة صراع مصالح واضح بين الأحزاب المعنية، وما نشهده اليوم هو المثابرة في تفضيل السياسات الاقتصادية التي تصبّ في صالح القلّة على حساب الكثرة".43

تُشارك أربعة أحزاب سياسية رئيسة في إدارة مرحلة الانتقال السياسي: حزب النهضة الاسلامي، نداء تونس، آفاق تونس بقيادة ياسين ابراهيم وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، والاتحاد الوطني الحر. كل هذه الأحزاب تتشاطر مواقف مُحافظة متشابهة في القضايا الاجتماعية- الاقتصادية، وحافظت في الغالب على مقاربة التحرير الاقتصادي وفق سياسات بن علي.

ومع ذلك، اكتنف عمليةَ التحضير لخطة التنمية للأعوام 2016-2020 عددٌ من التحديات.44 فإحدى المشاكل، وفق أعضاء في مجموعة الخبراء العاملة على هذه الخطة الخمسية، هي أن الموظفين الرسميين ومستشاري الأحزاب السياسية المعنيين بالخطة، لايتوافقون في الآراء.45 ثم أن قطاع الخدمة المدنية، الذي وصفه مسؤولٌ بارز في النهضة بأنه "حزب البيروقراطيين"،46 يقاوم أي إصلاحات مقترحة قد تؤدّي إلى تقليص منافعه الراهنة من سياسات الدعم، والرعاية الصحية، ومجالات أخرى.

أكثر من ذلك: تشعر الأحزاب السياسية بالقلق حيال مصالحها الخاصة، خاصة حين تؤخذ في الاعتبار الانتخابات البلدية المقررة في نهاية العام 2006. وقد حاول مستشارو الأحزاب السياسية تجنُّب إصلاحات غير شعبية أخرى كان صندوق النقد الدولي طلب العديد منها كشرط للقروض المطروحة، بما في ذلك تغيير سياسة دعم السلع الرئيسة، وإصلاحات القطاع العام، والتي تشكّل مصدراً للقلاقل لدى قطاع واسع من الرأي العام، وتُهدّد الشعبية الراهنة لهذه الأحزاب. والحال أن اقتراحات كهذه قد أغضبت جزءاً كبيراً من التونسيين في الماضي. ففي آذار/مارس 2013، اكتسحت البلاد مظاهرات واسعة ردّاً على رفع الحكومة لأسعار الوقود الخاصة بالمستهلك وأسعار الحليب، وكذلك فرض ضريبة 1 في المئة على الرواتب التي تتجاوز 1700 دينار (1075 دولاراً).47 وفي العام 2014، وبموجب اتفاقات مع صندوق النقد الدولي، أشعلت زيادة سعر الغاز المنزلي والكهرباء بنسبة 10 في المئة، إضافةً إلى زيادة مقترَحة للوقود بنسبة 6 في المئة، اضطرابات واسعة.48 ووفق تعبير عضو بارز في نهضة تونس:" الحقيقة بأن مزايا مثل هذه الإصلاحات تتطلب ردحاً طويلاً من الزمن لتؤتي ثمارها، مايعني أن هناك خاسرين فوريين، ولكن ليس هناك رابحون فوريون".49

نتيجة لشدّ الحبال هذا بين الشلل السياسي وبين سياسات التظاهرات الشعبية، تبنّت الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011 مقاربة تدرُّجية وانتقائية لمعالجة هذه التحديات الاجتماعية- الاقتصادية المتأصلة.

نتيجة لشدّ الحبال هذا بين الشلل السياسي وبين سياسات التظاهرات الشعبية، تبنّت الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011 مقاربة تدرُّجية وانتقائية لمعالجة هذه التحديات الاجتماعية- الاقتصادية المتأصلة. وهكذا، وعوضاً عن تطبيق مقاربة متّسقة ومتكاملة إزاء السياسات الاجتماعية التي تهتم بالأمن الاجتماعي - بما في ذلك اعتبار حق الولوج إلى صناديق التقاعد، والضمان الصحي، وتعويضات البطالة منظومة واحدة شاملة - فإن السياسات الاجتماعية التي نُفِّذت والإجراءات التي اتُّخذت ارتكزت على مقاربة انتقائية تدعم حاجات السكان الفقراء، لكنها لاتُمكِّنهم اقتصاديا. وشملت هذه الإجراءات زيادة عدد العائلات المستفيدة من البرامج الوطنية الموجَّهة نحو الفئات المجتمعية الأكثر هشاشة (من 135 ألفاً إلى 235 ألفا)، وأيضاً زيادة أعداد المستفيدين من الرعاية الصحية المجانية، ورفع الدعم الشهري للعائلات المُحتاجة من 70 إلى 120 ديناراً تونسياً (39-35 دولارا).50 بيد أن هذه الخطوات عجزت عن تلبية الحاجات الفعلية للمجتمع التونسي، حيث أن 37 في المئة من العاملين في القطاع غير الرسمي لايزالون من دون ضمان اجتماعي.

شملت جهود أخرى لمعالجة السخط الاجتماعي المتنامي، استخدام العمالة كتسوية سريعة، وفق سياسات حقبة بن علي. وقد عملت الحكومات التونسية المتعاقبة خلال السنوات الخمس الماضية كرب عمل، وكملجأ أول وأخير للحصول على فرصة عمل، من خلال تعيين 90 ألف موظف جديد في القطاع العام في وظائف دائمة في قطاع الخدمة المدنية، مارفع عدد موظفي الدولة إلى أكثر من 600 ألف، هذا عدا الموظفين العاملين في مؤسسات أخرى تملكها الدولة. وقد أدى ذلك إلى زيادة قدرها 44 في المئة في فاتورة الأجور، ورفع توقعات المواطنين التونسيين حيال حقهم في التوظيف في القطاع العام.51 هذا التكتيك، الذي انتهج مسلكاً تصاعدياً في عملية التوظيف في القطاع العام قبيل الانتفاضة، طُرِحَ ثانية في التداول في أوائل العام 2016 كحلٍّ للقلاقل في القصرين، حين وعد رئيس الوزراء بإيجاد أكثر من 50 ألف وظيفة جديدة في القطاع العام.52 بيد أن التشابك بين تصاعد فاتورة أجور القطاع العام وبين هبوط عائدات الحكومة، يجعل مثل هذا النهج غير قابل للديمومة.

بيد أن الحكومة لم تُفعِّل المجلس الوطني للحوار الاجتماعي، الذي أُقِّر في مشروع قانون في حزيران/يونيو 2015، وكان عنصراً رئيساً في العقد الاجتماعي الجديد الذي أُعلِن عنه في كانون الثاني/يناير 2013 بين الحكومة، والاتحاد العام للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الذي مثَّل القطاع الخاص.53 هذا العقد الاجتماعي كان حصيلة حوارات بدأت في العام 2012 بهدف معالجة التظلمات الأساسية التي كانت في المقام الأول الدافع الأساسي لنزول التونسيين إلى الشارع. وقد حدّد العقد عدداً من المبادئ الرئيسة التي ترمي إلى ترشيد وتوجيه مستقبل تونس، تضمّنت التنمية الشاملة والمتساوية للجميع، والتضامن الاجتماعي، واللامركزية، وضمانات الحق بالرعاية الصحية، والتعليم، والإسكان، والعمالة اللائقة، والحماية الاجتماعية، والترقي المجتمعي لكل التونسيين. وفي حين أن هذا الحوار حاكى ممارسات سابقة في تونس أنتجت إصلاحات في قطاعات رئيسة كحصيلة لحوار ثلاثي الأطراف مماثل،54 إلا أن دلالته تكمن في رؤيته الشمولية لتطور تونس.

وفي هذه الأثناء، يتنامى الاعتقاد الشعبي بأن الممارسات الاقتصادية الفاسدة لحقبة بن علي عادت بقوة وزخم، وقد بات هذا الاعتقاد كاسحاً للغاية، ومعه الشعور بأن الحكومة لم تُظهر أي دلائل على أنها ستتصدّى مباشرةً لهذه المسألة. حين سُئِلوا في استطلاع رأي في العام 2011 عن الدافع الرئيس لنزولهم إلى الشوارع، ردّ 40 في المئة من التونسيين بأن السبب هو تدهور الأوضاع الاقتصادية، وقال 30 في المئة إن السبب هو الفساد.55 لم يكن الفساد الاقتصادي وحده على رأس القائمة بل أيضاً فساد صغار الموظفين الذي يعاني منه التونسيون في كل مستويات حياتهم اليومية، بما في ذلك تلك المتعلقة بفرص التوظيف. في العام 2014، كان واحدٌ من كل مواطنَين تونسيَّين اثنَين يعتقد أن الفساد منتشرٌ للغاية في البلاد، وأن أعلى معدّلاته موجودة في قطاعَي الرعاية الصحية والأمن (أنظر الشكل 1). وقد أعرب العديدون عن اعتقادهم بأن الفساد منتشرٌ بشكل وبائي في مؤسسات الدولة (76 في المئة) وأنه تفاقم أكثر في هذه المؤسسات (30 في المئة) أو بقي على حاله (24 في المئة) بعد الانتفاضة.56 وقال زهاء 70 في المئة من التونسيين أنهم يعتقدون أن الحكومة لم تفعل شيئاً يُذكر لمكافحة الفساد، فيما نفى 55 في المئة معرفتهم بالمجلس الوطني لمكافحة الفساد، خاصة في مناطق الوسط- الغرب حيث قال 19 في المئة أنه غير موجود.

IMGXYZ30343IMGZYX

ربما كانت الخطوة الأكثر دلالة على تنامي القلق لدى التونسيين من عودة ممارسات الفساد المعتادة في العهد السابق، مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي اقترحته الحكومة. فمسودة مشروع القانون، التي سعت إلى العفو عن التجاوزات الاقتصادية السابقة لـ7000 شخص، بما في ذلك رجال أعمال وموظفين صغار، فاقم الخلافات واتهامات الفساد ونقص الشفافية.57 بالنسبة إلى البعض، يمثّل مشروع القانون هذا صفقة سرّية بين أركان النخبة السياسية على حساب المواطنين العاديين. وكما قال عضو في الحزب السياسي الجديد المؤسّس حديثاً والموجّه شبابياً "حركة جيل جديد"،58 فإن هذا القانون بمثابة "محاولة انقلابية ضد العدالة الانتقالية"، تتم من خلال إقرار الإفلات من العقاب وإبطال الحقوق الأساسية التي ضمنها الدستور. كما أنه يشكّل جزءاً من نمط أوسع من الانتهاكات التي تطال المؤسسات الدستورية مثل لجنة الحقيقة والكرامة، وأيضاً محاولة "لإعادة رسم الخريطة السياسية لتونس في حقبة مابعد الانتفاضة، من خلال إضفاء صفة الشرعية على الأعضاء الفاسدين في النظام السابق"، وفقاً للعضو نفسه من حركة جيل جديد. وتساءلت عضوة أخرى في إحدى منظمات المجتمع المدني المزدهرة في تونس: "لماذا نحتاج إلى قانون جديد لمعالجة انتهاكات الماضي، فيما لدينا كيان معترف به دستورياً هو لجنة الحقيقة والكرامة؟" وأضافت: "هذا القانون يعكس ازدراء السياسيين بالدستور".59 لقد فشل أنصار مشروع القانون في إعداد الدلائل على وجود فوائد عامة له، وفي تحديد الأموال النقدية التي يتوقعون استعادتها منه. وهذا ماحفّز تحالفاً من هيئات المجتمع المدني على شنّ حملة تحت عنوان "مانيش مسامح" (لن أسامح) لأسقاط مشروع القانون، وهي حظيت بدعم أحزاب معارضة ونجحت في نهاية المطاف في وقف تمرير المشروع في البرلمان. لكن كل الدلائل تشير إلى أن أعضاء الائتلاف الحاكم، خاصة أولئك في نداء تونس، سيحاولون مرة أخرى تحويل المشروع إلى قانون في العام 2016.

في مثل هذه المناخات العابقة بالاضطراب، بات التونسيون يركّزون على النمو الاقتصادي، والأمن، والاستقرار، كألويات لبلادهم.60 وهذا هو الوضع بالتحديد لأولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 30 إلى 49 عاماً، حيث أن 80 في المئة منهم اختاروا النمو الاقتصادي القوي كهدف أوّل للبلاد، ربما لأنهم دخلوا مرحلة من حياتهم لديهم فيها مسؤوليات عائلية أو يخططون لها.61

ومال الكثيرون في "استطلاع القيم العالمية" إلى خيارات تفضيلية مماثلة، حين طُلِبَ منهم تحديد الهدف الشخصي الأول والثاني، فاختارت الغالبية الحفاظ على الأمن والنظام ومكافحة التضخم، بدلاً من المشاركة في صنع القرار أو حماية حرية التعبير. أما بالنسبة إلى من هم دون سن التاسعة والعشرين، فكان ثمة تفضيل لإشراك الناس في صنع القرار. وفي الاختيار بين سُلَّم الأولويات، برزت سياسات المشاركة، وتجميل المدن، أو حماية حرية التعبير، كخيار ثانٍ لكل مجموعات الأعمار والطبقات، لكن في الغالب لدى الفئة العمرية نفسها.62

ملءُ فراغ سياسي

مع حلول العام 2016، لم تكن مطالب الناس التي رُفِعَت في الانتفاضة قبل خمس سنوات قد حُقِّقَت بعد. فقلقهم الأكبر إزاء الأمنَين الشخصي والمالي لايزال قائماً، لابل يزداد سوءا. ثمة أمور على المحك بالنسبة إلى التونسيين، وهي أساساً مسألة الحوكمة وتنفيذ العقد الاجتماعي الجديد بين الدولة والمواطنين، وفق ما نص عليه الدستور الذي يؤيّد مطالب انتفاضة 2011 ويعد التونسيين بالعدالة الاجتماعية على أساس المساواة في المواطنة. ومع ذلك، لم يبرز بعد نصير سياسي لتنفيذ هذه الرؤية. وهذه النقطة الأخيرة لن تكون موضع استغراب حين نضع في الاعتبار التشظّي الواضح في المشهد السياسي.

يتجذّر هذا التشظّي أيضاً في المرحلة السياسية السابقة. فالروح الوطنية للجمهورية الأولى بقيادة الحبيب بورقيبة، دارت حول مبادئ رئيسة ثلاثة: تحديث مؤسسات الدولة، وعلمنة أنماط الحياة، ومجانسة الهوية الوطنية تحت لواء الدولة. مثل هذه الهيمنة تجسَّدت في مفاهيم L’Etat-patron (الدولة كراعية) وL’Etat-parti (الدولة كحزب).63 علاوةً على ذلك، كان الحق في الفرص الاقتصادية والترقي المجتمعي في صلب هذه الهوية.

دشَّن صعود بن علي في أعقاب انقلاب عسكري، حقبة قصيرة من الانفتاح، تبعتها حملة قاسية على جميع أطراف المعارضة ومراكز السلطة البديلة المُحتملة، تضمّنت أحكاماً بالسجن ونفياً لقادة المعارضة. وقد أدّى التركيز المُدبَّر لبن علي على عملية الحشد حول المركز، إلى تقويض فُرص المشاركة المدنية وإخماد الحياة السياسية إلى حدٍّ كبير. وفيما كان بن علي يتغنّى تملّقاً بمبادئ الديمقراطية، ويُجري انتخابات برلمانية ورئاسية، نَشُط نظامه بقوة لاستلحاق وقمع منظمات المجتمع المدني، ومنع السياسيين من تشكيل مراكز بديلة للسلطة. كما أن النظام سيطر بإحكام على الأحزاب السياسية المُعارضة. مثل هذه الممارسات القمعية والتلاعب بالاجراءات التشريعية والقوانين الانتخابية، سمحت لبن علي بزرع بذور الشقاق بشكلٍ عميق في صفوف أحزاب المعارضة، وتعزيز قبضته على السلطة. وهكذا، مع ازدياد أكلاف الانخراط في النضال السياسي، أُعيق تطور الحياة السياسية، فيما عانت نضالات منظمات المجتمع المدني من أجل الاستقلال عن الدولة من نكسات كبرى.

والحال أن مناخ الحرية السياسية التي أطلقتها انتفاضة العام 2010، أماط اللثام عن حجم الأعباء الثقيلة لإرث الحقبة السابقة. فإطاحة بن علي لم تُسقط مُستبدّاً وحسب، بل مزّقت أيضاً أسطورة الدولة كمصدر وحيد للجماعة السياسية، ولفكرة أن الوحدة الوطنية لاتُشاد إلا بالإذعان أساساً إلى الدولة المركزية. والحقيقة بأن الدفع باتجاه التغيير السياسي في تونس حدث من خارج النظام الحاكم، وحتى من خارج أحزاب المعارضة التقليدية، ما أفسح مجالاً واسعاً أمام تخيُّلات جديدة لأشكال الحياة السياسية وفرص مستجدّة لتحقيقها. كما أن غياب الأحزاب السياسية والقيادات التقليدية، من ضمنها قادة النقابات، عن لعب أي دور في إطلاق شرارة مظاهرات الاحتجاج، أشرع الأبواب أمام عالم جديد من الاحتمالات.

ومع ذلك، تركت إطاحة بن علي في أعقابها فراغاً سياسياً هائلا. فعددٌ لايُحصى من اللاعبين السياسيين يُناورون للحصول على منصب، وهم غير قادرين لا فراداً ولا وحدانا على بلورة رؤية واضحة حول كيفية دفع البلاد قُدُماً إلى الأمام. كما أنهم غير قادرين على تحقيق مطالب المواطنين الذين نزلوا إلى الميادين.

ما ميّز المشهد السياسي التونسي في غضون السنوات الخمس الماضية، علاوةً على التواجد الراسخ للشخصيات السياسية التقليدية، هو تشظٍّ واسع النطاق في المشهد السياسي. فخلال انتخابات الجمعية الوطنية التأسيسية العام 2011، خاض المنافسة أكثر من 160 حزبا،64 بينهم أحزاب محظورة سابقاً كالنهضة أو المؤتمر من أجل الجمهورية بقيادة منصف المرزوقي الذي شَغَلَ منصب الرئيس من 2011 إلى 2014. هذا إضافة إلى عشرات الأحزاب التي تأسست حديثاً والتي اختفت ببساطة بعد الانتخابات. ثم أن العديد من الأحزاب الأكبر حجماً، على غرار المؤتمر من أجل الجمهورية، انقسمت حين استقال أعضاء بارزون فيه لتشكيل أحزابهم الخاصة أو للانضمام إلى أحزاب أخرى. وقد جعل القانون الانتخابي الجديد، الذي وُضِعَ قيد العمل في العام 2011 والمُستنِد إلى نظام التمثيل النسبي، من الصعب على أي حزب سياسي بمفرده حصد أغلبية مطلقة.65

بفعل هذه الخلفية، يُهيمن العديد من الأطراف على المشهد السياسي التونسي، الذي عكّرت صفوه النزاعات المفتوحة التي تغذيها الطموحات الشخصية والمشاحنات التافهة، والاتهامات العلنية بالفساد.66 وجاء المأزق المتمادي لحزب نداء تونس ليفاقم من حالة الاضطراب العام الراهن في البلاد. فقد شهد هذا المأزق انشطار الحزب إلى معسكرين يقود أحدهما حافظ السبسسي، ابن الرئيس، والآخر محسن مرزوق، الأمين العام للحزب. ومع استقالة 32 نائباً من نداء تونس، أصبح النهضة عملياً أكبر حزب في تونس. في هذه الأثناء، أدّت اتهامات الفساد ومحاباة الأقارب، وحتى اتهامات بذل جهود مقصودة لتقويض الوحدة الوطنية، إلى زعزعة مشهد سياسي متزعزع أصلا.67 وفي خضم هذه المعمعة، طفت على السطح مجدداً الانقسامات على أساس الهوية، حيث ادّعى، على سبيل المثال، الرئيس التونسي في بداية العام 2016 وإبان احتجاجات القصرين، أن الإسلاميين يتحمّلون مسؤولية هذه الاضطرابات التي تعمّ البلاد.68

اعتبر التونسيون كل هذه التطورات بمثابة عودة إلى السياسات القمعية، ودلالة على عجز من قِبَلْ أحزاب المعارضة عن توفير بدائل لها تحظى بالصدقية. وفي ما يتعلّق بالسياق الأوسع لمسألة الاستقطاب السياسي، والتحديات الاجتماعية- الاقتصادية، وفقدان شرعية الدولة، ستخلق السياسات الشعبوية المستندة إلى الهوية مزيداً من التصدّع في المجتمع التونسي.

هذا التشظّي في المشهد السياسي يأتي في وقت تتبدّد فيه هباء التصنيفات السياسية التقليدية، من دون أن تحلّ مكانها أفكارٌ أو تصنيفات أخرى. وقد أظهر تحليل للرأي أجرته منظمة "استطلاع القيم العالمية" أن تحديد الفئات السياسية التقليدية استناداً إلى أن يكون المرء على اليسار أو اليمين أو الوسط، بات لامعنى لها، وأن الخلافات في المواقف بين التونسيين حول قضايا أساسية تتعلَّق بدور الدولة أو النظام السياسي، لم تعد مبنية على قاعدة إيديولوجية صلبة. وحين طُلِبَ من المُستطلَعين أن يحددوا أنفسهم سياسياً، قال 45.5 في المئة من التونسيين أنهم في مرتبة الوسط من الطيف السياسي، فيما قال 5 في المئة أنهم على اليسار و9 في المئة على اليمين. ولم يتمكّن 41 في المئة من المُستطلَعين من تحديد ميولهم السياسية.69

بدا أن مستوى التعليم والسن يؤثران مباشرة على الهوية السياسية. فنحو 57 في المئة ممن ليس لديهم تعليم رسمي، أشاروا إلى أنهم غير قادرين على تحديد موقعهم السياسي، وهذا مقارنةً مع 57 في المئة من الذين أتمّوا دراستهم الجامعية وصنّفوا أنفسهم في خانة الوسط. وقال زهاء نصف أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين الـ15 إلى 29، و30 إلى 49، إنهم ينتمون إلى الوسط، فيما قال 56 في المئة ممن هم فوق الـ50 أنهم لايستطيعون تحديد ميولهم السياسية (أنظر الشكل 2).

IMGXYZ30344IMGZYX

حين نتمعّن بمعنى هذه المواقف بالنسبة إلى عدد من القضايا السياسية الرئيسة، نجد أن هذه النتائج مؤشر أوضح حيال مدى فقدان هذه التصنيفات للكثير من مدلولاتها السياسية.

فتعريف الذات سياسياً، لم يعد يرتبط بموقف إيديولوجي، خاصة حين يتعلّق الأمر بالمسائل الاجتماعية- الاقتصادية. على سبيل المثال، أولئك الذين يُعرّفون أنفسهم على اليمين يحبّذون ملكية الحكومة للمؤسسات الخاصة، وأولئك على اليسار يُرجَّح أن يفضلوا الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الاقتصادية، ويبدو أنهم يعتقدون أن التباينات الكبيرة في المداخيل تُعتبر حوافز جيّدة للجهود الفردية. 

لكن في القضايا السياسية، تبدو التباينات بين الفريقين أكثر اتساقاً مع المواقف التقليدية. فمن هم على اليمين يُحتمل أكثر أن يعتقدوا أنه من الضروري للديمقراطية أن يستولي الجيش على السلطة إذا ما كانت الحكومة غير كفؤَة، في حين يعتقد من هم على اليسار أن قائداً قوياً لاتهمّه الانتخابات هو أمر سيِّء للبلاد. وتَلَوَّنَ اصطفافهم بالإيديولوجيا حيال دور الدين في الحياة العامة، حيث قال 21  في المئة ممن هم على اليمين أن قيام السلطات الدينية بتفسير القوانين أمر ضروري للديمقراطية، فيما قال فقط 12 في المئة ممن هم على اليسار إنهم يوافقون على ذلك (أنظر الرسم 3).

IMGXYZ30345IMGZYX

يعتقد الوسطيون، وهم الغالبية، أن وجود نظام ديمقراطي أمر طيّب للبلاد. وهم يودون أن يقوم خبراء، وليس الحكومة، باتخاذ القرارات. بيد أن قسماً كبيراً من هؤلاء يعتقدون أن وجود قائد قوي لا يأبه بالبرلمان والانتخابات، هو أيضاً أمر إيجابي لتونس. أعضاء هذه الفئة مُشوشون إزاء أي دور محتمل للجيش إذا كانت الحكومة غير كفؤة، ويعتبرون في آن أن هذا ضروري وغير ضروري للديمقراطية. ويتميّز الناس في هذه الفئة بمشاعر تمكين، أو حرية اختيار، أو سيطرة على حيواتهم، كبيرة نسبياً، لكن مجموعة صغيرة منهم تعتقد أن قيام السلطات الدينية بتفسير القوانين وإطاعة الناس لها، هي من المميزات الضرورية للديمقراطية. في هذه الأثناء، يعتقد أكثر من 52 في المئة من الذين تم استفتاؤهم ألّا دور للسلطات الدينية في تفسير القانون، وقال أكثر من 50 في المئة منهم إن إطاعة المواطنين لحكامهم أمرٌ قد يكون ضروريّاً للديمقراطية.

في القضايا الاجتماعية- الاقتصادية، يُصبح أعضاء هذه الفئة الوسطية أكثر تضارباً حول السمات المحدودة للديمقراطية. فهم يريدون من الدولة أن تتدخّل في مجالات يعتبرونها أساسية للديمقراطية، خاصة تقديم الدولة مساعدات للعاطلين عن العمل. وهم يعتقدون أن المداخيل يجب أن تكون أكثر تساوياً،70 لكنهم أقل يقيناً بأن هذه الأهداف هي من دور الدولة الديمقراطية. ومع ذلك، يعتقد البعض أنه من الضروري للديمقراطية أن تفرض الحكومة ضرائب على الأغنياء لدعم الفقراء، ويحبّذ أكثر من 70 في المئة منهم الملكية المشتركة للمؤسسات التجارية مابين القطاعين الخاص والعام.

تبدو المجموعة الكبرى الثانية - أي أولئك الذين لم يتمكّنوا من تحديد أنفسهم سياسيا – عبارة عن المعسكر الليبرالي في المجتمع التونسي، والمنقسم مع ذلك حول دور الدين في الحياة العامة. على غرار الوسطيين، فأعضاء هذه المجموعة من المؤيّدين للنظام الديمقراطي - حيث يعتقد 95 في المئة منهم أنه النظام الأنسب للبلاد - ويمثّلون الفئة الأكثر يقيناً بالسمات الأساسية للديمقراطية. وهم يعتقدون أن حماية حقوق المرأة، واختيار المرء لقائده، وضمان الحقوق المدنية، وتلقي دعم الدولة في حالة البطالة، كل هذه سمات أساسية للديمقراطية. كما أنهم يعتقدون أن وجود قائد قوي لايأبه بالبرلمان أمرٌ سيِّء للبلاد. وفي القضايا الاجتماعية- الاقتصادية، تبدو هذه الفئة أكثر يقيناً بكثير من الوسطيين بأن دعم الدولة للعاطلين عن العمل، وفرض الحكومة ضرائب على الأغنياء لتمويل الفقراء، وقيام الدولة بلعب دور نشط في خلق المساواة في المداخيل، كل هذه أيضاً سمات أساسية للديمقراطية. كما أنهم يفضلون أن يقوم خبراء وليس الحكومة باتخاذ القرارات، ويميلون بغالبيتهم إلى تفضيل الملكية المشتركة مابين القطاعين العام والخاص للمؤسسات الاقتصادية. وتعتقد غالبية هذه الفئة أيضاً أن وجود الجيش في السلطة يُعَدّ وسيلة سيّئة لحكم البلاد. بيد أنهم ينقسمون بالتساوي حيال دور السلطات الدينية في تفسير القوانين في النظام الديمقراطي (أنظر الشكل 3).

الحصيلة من كل هذه المعطيات على الجبهة السياسية، هي أن هناك رغبة عارمة في المجتمع التونسي بوجود قائد قوي يحكم بمساعدة خبراء، ربما في مسعى لنزع الطابع السياسي عن الحوكمة في البلاد. فالسياسة بالنسبة إلى الكثيرين هي لعبة قذرة ملوّثة بالفساد الذي يقوّض تونس. وفي السياق نفسه، المطالبة بقائد قوي واضحة للغاية لدى كل الفئات المجتمعية، سواء اتخذ ذلك شكل الجيش القادر على استعادة الأمن والنظام، أو فرد يقود البلاد نحو مستقبل أفضل. والواقع أن توق التونسيين إلى قائد قوي كان جلياً للغاية في انتخاب الرئيس السبسي في العام 2014، كقائد يستطيع استعادة "هيبة الدولة" التي زعزعتها الفوضى العامة وتفسُّخ خدمات الدولة غداة انتفاضة العام 2011. وفي هذه الأثناء، قد يعود تضارب الآراء حول حكم الجيش، إلى حِرَفِيَة هذا الأخير وتفضيله عموماً البقاء خارج لعبة السياسة.

على الجبهة الاجتماعية- الاقتصادية، ثمة إجماع عام على مايبدو بين التونسيين حول دور الدولة، يتوافق إلى حدٍّ ما مع تفضيل خيار اقتصاد السوق الاجتماعي. هذا الإجماع يتمحور حول زيادة مساعدات الدولة للعاطلين عن العمل والمساواة في المداخيل، إضافةً إلى استخدام الضرائب كآلية لضمان العدالة والإنصاف. ويعكس تفضيل اقتصاد السوق الاجتماعي ايضا،ً رفضاً للمقاربة النيوليبرالية التي طُبِّقت في عهد بن علي، بما في ذلك مدوّنة القوانين الضرائبيّة التي تصبّ في صالح الأغنياء، وسياسات الخصخصة الكثيفة التي فاقمت اللامساواة، وسط مناخٍ من الفساد المستشري ومحاباة الأقارب.

على الرغم من الدعم الشعبي الواسع للحوكمة الديمقراطية، إلا أن غياب القيادة في هذه المرحلة المفصلية الحاسمة يقوِّض فرص عملية الانتقال السياسي في تونس. كما أنه يضعف الثقة في قدرة النظام الديمقراطي على تحقيق آمال المواطنين غير المُنجزة. ففي العام 2014، أعرب أكثر من 50 في المئة من التونسيين عن اعتقادهم بأن البلاد كانت أفضل حالاً في عهد بن علي، مقارنةً مع 42 في المئة في العام 2012. هذا في حين قال 62 في المئة من التونسيين أن تونس قد تكون أفضل مع حكومة غير ديمقراطية قليلاً ولكن مُستقرّة (أنظر الشكلين 4 و5).

IMGXYZ30346IMGZYX

IMGXYZ30347IMGZYX

بيد أن هذا لايجب أن يُعتبر مجرّد تراجع في دعم الديمقراطية (أنظر الشكل 6).71 بل هو يُجسِّد في الواقع أزمة في شرعية الدولة بسبب عدم استطاعتها تلبية التوقعات الكبرى للتونسيين. وبالنسبة إلى التونسيين، فإن الروابط بين الديمقراطية والنمو الاقتصادي واضحة وجليّة، حيث يعتقد 80 في المئة من التونسيين أن الانتخابات السليمة تلعب دوراً مفصلياً في تطور البلاد اقتصاديا.72 لايزال التونسيون، الذين خرجوا لتوّهم من عقودٍ طويلة من الحكم السلطوي، يختبرون نظام الحوكمة الأكثر ملاءمة لهم، والقادر على تلبية احتياجاتهم. ولذا، تراجُع دعمهم للسياسات الديمقراطية قد تكون له مضاعفات عميقة على مستقبل البلاد. والواقع أن اضمحلال الدعم هذا ربما يكون أحد أسباب توجُّه أعداد كبيرة من التونسيين إلى البحث عن أشكال بديلة من التنظيم السياسي، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتيا. وتشير التقارير إلى أن مايتراوح بين 3000 إلى 8000 تونسي غادروا البلاد للالتحاق بهذا التنظيم وبكيانات مماثلة له.73

IMGXYZ30349IMGZYX

شباب  في عزلة

يبتعد الشباب أكثر فأكثر عن الانخراط في المشاركة النشطة في الحياة السياسية. فالجيل الجديد من التونسيين يسعى إلى العثور على وسائل للتعبير عن نفسه سياسيا، لكنه ينأى بنفسه عن القيام بذلك من خلال أدوات مؤسسية، بما في ذلك الأحزاب السياسية السائدة وجمعيات المجتمع المدني، لأن العديد منهم يشعرون بالقنوط بسبب عدم تحقيق طموحاتهم بحياة أفضل، ولأن العملية السياسية باتت بشكل مُطّرد مخيِّبَة للآمال. ليس لدى هؤلاء ثقة بمؤسسات الدولة سواء أكانت مركزية، أو مناطقية، أو محلية. فقط 8.8 في المئة من الشبان الريفيين و31 في المئة من الشبان المدينيين لهم ثقة بالنظام السياسي، في حين أن 80 في المئة من كل الشبان يثقون بإمامهم الديني المحلّي.74

تجلّت هذه التوجهات بوضوح في الإقبال المنخفض للشباب على الاقتراع في انتخابات العام 2014. فنسبة 80 في المئة من الشبّان المؤهّلين للانتخاب (أعمارهم تتراوح بين 18 إلى 25 سنة) لم يقترعوا في الانتخابات البرلمانية، كما امتنعوا أيضاً عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية.75 مثَلٌ آخر هو انخراطهم المحدود في منظمات المجتمع المدني، على الرغم من وجود زيادة قدرها 50 في المئة في عدد المنظمات غير الحكومية المُسجّلة بعد الانتفاضة.76

هذه الفئة من السكان تجد نفسها غير مؤهلة للتعاطي مع الحريات الجديدة، بعد القمع العنيف للنقاشات السياسية والدينية في حقبتَي بورقيبة وبن علي، وبعد التفسُّخ المتواصل لأنظمة التعليم الدينية والرسمية. وقد أشرعت الرقابة على التعليم الديني إبان عهد بن علي وتكاثر الفضائيات في الوقت نفسه الأبوابَ على مصراعيها أمام التوجيه الديني عبر الأقنية التلفزيونية التي تبثّ الفكر المتطرّف.

علاوةً على ذلك، في حين كان خرّيجو الجامعات غير العاملين يهيمنون غالباً على الخطاب حول مواقف الشباب، إلا أن تهميش الشبّان التونسيين اشتمل على ماهو أكثر بكثير من مجرّد ارتفاع معدلات البطالة. والواقع أن هؤلاء الذين صنّفهم البنك الدولي على أنهم غير مُنتسِبين إلى قطاع التعليم، أو في برامج تدريب، كانوا الأكثر تأثراً بالإقصاء الاقتصادي. وترسم نتائج دراسة لمؤسسة  "International Alert" حول دوار هيشر والتضامن، وهما حيّان مُدقَعَان في العاصمة، ابتُليا بمعدلات بطالة مرتفعة ويوصما بأنهما مرتعٌ للنشاطات السلفية، صورةً كالحة عن شباب تونس.77 فالنتائج الأساسية تشير ليس فقط إلى آفاق معدومة للتعليم والعمالة، مايؤدّي إلى استمرار الاعتماد على الهياكل الأبوية للسلطة، بل أيضاً إلى إلصاق وصمة عار بهؤلاء الشبّان لعجزهم عن فكّ إسار حاضر مرفوض، ومستقبل مغمور. ولا عجب بعد ذلك إذا ما كانت الشبكات الجهادية قادرة على التسلّل لملء فراغ تشكَّل وتوسَّع في غياب أشكال انتماء بديلة وخيارات أفضل للمستقبل.

والحال أن تهميش الشباب يتفاقم جرّاء تنامي الشعور بالظلم والسخط إزاء أنظمة مساءلة مُتصدِّعة بشكل واضح للعيان لدى التونسيين عموماً، ولكن بالأخص في صفوف الشباب.78 فالعجز عن وضع أولئك الذي يخرقون حقوق الإنسان ويرتكبون جرائم القتل في قوس العدالة، يقوِّض دور الدولة بصفتها حامية الحقوق الفردية والجماعية، ويقلِّص شرعيتها في أعين المواطنين الشبّان. وكما قال ناشط في المجتمع المدني: "هذه الدولة ليست عادلة ولا تقوم بدورها الرئيس الخاص بتوفير الأمن الجسدي والاجتماعي- الاقتصادي لمواطنيها... مايدفع الكثيرين منهم إلى الابتعاد وتأسيس حياة ومعيشة منفصلة عن الدولة".79

تحقيق الآمال المعلّقة

في العام 2011، أبرز عياض بن عاشور، الرئيس السابق "للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة" التي أشرفت على أول انتخابات بعد إطاحة بن علي، الحاجة الماسّة إلى التحرُّك سريعاً على جبهة الإصلاح. ونُسِبَ إليه قوله في صحيفة "الغارديان":" هناك تعارض كبير بين الإطار الزمني للمواطنين وبين الإطار الزمني للسياسات"، مضيفاً أنه "كلما توسّعت الهوة، كلما بات مصير الثورة مهدّداً".80 بيد أنه في خضم فورة سياسات مابعد الانتفاضة والفرح الغامر بإطاحة ديكتاتور، أُهدِرَ وقت طويل بسبب مقاربة الخلافات السياسية من منظور الإيديولوجيا أو سياسات الهوية التي تركِّز على الانقسام العلماني- الديني. وهكذا، لم يُبذل سوى النذر القليل من الاهتمام لمسألة تعزيز دعائم الدولة الديمقراطية وفقاً لنصوص الدستور الجديد، وأيضاً لمسألة كيفية معالجة المشاكل الاقتصادية البنيوية التي كانت في المقام الأول الأرض الخصبة لتفريخ اللامساواة العميقة ومشاعر الظلم. وكانت الاضطرابات الاجتماعية اللاحقة هي الحصيلة الواضحة لذلك.

القضايا الرئيسة التي تستحوذ على اهتمام النخبة السياسية التونسية في العام 2016 هي: أي شكل ستأخذ الدولة بعد حقبة بورقيبة وبن علي؛ وهل سيتمكَّن المركز من استعادة الأطراف المُهمَلة إلى حضنه. بيد أن غياب القيادة الشجاعة القادرة على إخراج البلاد من الطريق المسدود الراهن أمرٌ مثير للقلق، وقد يعني أن موجات الاضطرابات السياسية والاجتماعية ستتواصل لفترة ما، ومعها استنزاف مؤسسات الدولة.

تحتاج النخبة السياسية التونسية إلى إعادة بناء وشائج الثقة بين المواطنين والدولة.

تحتاج النخبة السياسية التونسية إلى إعادة بناء وشائج الثقة بين المواطنين والدولة، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، وتدعيم مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية كما نصّ الدستور. وهذا أمر حاسم لاستعادة شرعية الدولة ولتعزيز مشاعر الهوية والانتماء لدى التونسيين، كما أنه أمر حيوي للحفاظ على التماسك الاجتماعي في مرحلة يشوبها الكثير من الغموض وعدم الاستقرار. وكما تبيّن استطلاعات الرأي، على النخبة السياسية أن تستجيب لأمال التونسيين الكبرى في دولة أكثر إنصافا.

قد تكون الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي أن تعيد الحكومة التونسية تنشيط الحوار الاقتصادي الثلاثي الذي اطلقته العام 2012، والإفادة من المجلس الوطني للحوار الاجتماعي. هذا الحوار قد يخلف فضاءً يمكن في إطاره للحكومة ونقابات العمال والقطاع الخاص التطرق إلى الآفاق المستقبلية للاقتصاد، وهموم القوى العاملة، وخيارات السياسة العامة، وأولويات الإصلاح لتحقيق النمو والتنمية الشاملين للجميع، بدلاً من ترك هذه المشاغل تنفجر في الشوارع. إن إعلان المبادئ الذي صدر عن المجلس الوطني، كان خطوة مهمة في بلورة برنامج للحوار استناداً إلى المبادئ الأساسية بين الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، بهدف التعبير عن الهموم والاهتمامات الأساسية للمواطنين التونسيين.

يمكن أيضاً مناقشة الخطة الاقتصادية الخمسية للبلاد في هذا المجلس، لضمان الانخراط النشط لأوسع شرائح ممكنة من المواطنين ونَيل موافقتهم عليها. مثل هذا الحوار قد يعبِّد الطريق أمام إمكانية تحقيق وفاق اجتماعي- اقتصادي يستكمل مقاربة الحكم على قاعدة التوافق السياسي. اتفاقية كهذه ستُصاغ وفق الأولويات الاستراتيجية لتونس، وخياراتها التنموية، وستنتشل الدولة من النموذج الريعي الراهن وتدفعها إلى طريق المقاربة التنموية الشاملة التي ألمع إليها حوار 2012.  وهذا قد يشمل أيضاً النقاشات حول كيفية التعاطي مع مطالب التونسيين بالاستقرار الاقتصادي والأمن، وحول أي نوع من التسلسل المتعاقب للإصلاحات مطلوب، من خلال إعادة هيكلة السياسات الاقتصادية الكلية. هكذا مقاربة يمكنها مع الوقت أن تسمح للحكومة بتنفيذ الإصلاحات الضرورية، بما في ذلك إعادة النظر بسياسات التوظيف العام وكذلك بقوانين الضرائب والاستثمار - المُتضمَّنة في خطة التنمية الخمسية الراهنة والتي تحظى بإجماع  واسع بين الأحزاب - وإصلاح الخدمة المدنية، أو معالجة نظام الدعم، كجزء من رؤية شاملة للتنمية بعيدة المدى في البلاد.

في حين أن الإجراءات قصيرة الأمد مفيدة لمعالجة مضاعفات السخط الراهن في المناطق المهمشة، على غرار تلك التي اقترحها رئيس الحكومة وتضمّنت خلق حوافز لاستثمارات القطاع الخاص في المناطق النائية، إلا أنه ثمة حاجة ماسّة إلى رؤية تنموية بعيدة المدى في هذه الأقاليم.81 فالتوزيع العادل لفوائد النمو الاقتصادي، المُقَر في الحوار الاجتماعي العام 2012، يعني أنه يتعيّن على الحكومة أن تقترح خطوات ملموسة لمعاجلة التفاوتات التنموية بين الأقاليم، وأن تركّز على المناطق النائية، وأن تطرح جدولاً زمنياً واضحاً لتطبيق هذه الإجراءات. مثل هذا النوع من استراتيجيات التنمية، يجب أن يضمن التساوي في الحصول على الخدمات، من خلال الاستثمار النشط للأموال العامة في عدد من السلع الاجتماعية الضرورية، مثل الطرقات، والمدارس، وشبكات المياه، وغيرها الكثير. وهذا من شأنه توفير وظائف لائقة، ومعالجة بعض أشكال الهشاشة في قطاع القوى العاملة، وإحياء الوشائج المفقودة بين المواطنين ودولتهم، خاصة في المناطق المهمّشة على غرار القصرين. ثمَّ أن الاستثمار في البُنى التحتية والإسكان، من شأنه ترقية الحراك العمالي بين المناطق، مايسمح للائتلاف الحاكم بتوزيع فوائد الاستثمارات في كل أنحاء البلاد بحيث يطال شريحة واسعة من المواطنين، كما يتيح أيضاً معالجة بعض الهموم التي أشار إليها المواطنون التونسيون في استطلاعات الرأي.

علاوةً على ذلك، قد تشمل الرؤية لتنمية هذه المناطق إمكانيات التكامل الاقتصادي في مابينها، وكذلك توزيع موارد الدولة بين الأقاليم على أساس المؤشرات الاجتماعية- الاقتصادية، بما في ذلك مستويات اللامساواة والفقر. ويمكن للامركزية على كلٍّ من المستويَين السياسي والاقتصادي أن تقطع شوطاً كبيراً في إنعاش هذه المناطق، إذا ماترافقت مع مجموعة الأدوات والموازنات الملائمة. بيد أن الحكومة ستحتاج أيضاً إلى ضمان التوازي بين الأولويات المحلية والوطنية، مما قد  يشمل إعادة تنظيم الإنفاق بين المركز والأطراف، وهو أمر يفاقم راهناً  التفاوتات. في النموذج الحالي، يقوم المركز باتخاذ القرارات حيال أكثر من 90 في المئة من الإنفاق العام، بالمقارنة مع 7 في المئة على المستويين الإقليمي والمناطقي الفرعي، فيما تم رصد ثلثي الاستثمار العام الذي تديره الحكومة للمناطق الساحلية.82 وعلى المنوال نفسه، يجب تخصيص بعض أشكال التعويض في الميزانية للمناطق الداخلية التي تساهم بشكل كبير في الميزانية الوطنية، خاصة مناطق مثل قفصة التي تحوز على كميات كبيرة من الموارد الطبيعية.

أما بالنسبة إلى الشباب، فإن الانتخابات البلدية المقرّرة في نهاية العام 2016، ستكون إحدى الوسائل المتوافرة لهم للانخراط ثانيةً في عملية التحوُّل السياسي. فالبلديات توفّر مجالاً للتفاعل اليومي بين أعضاء المجالس المُنتخَبة وبين مجتمعاتهم المحلية حيال مروحة واسعة من القضايا التي تمس حياة الناس، بما في ذلك المياه، والكهرباء، والبنى التحتية الاجتماعية. كما أن الانتخابات المقبلة توفّر للشباب إمكانية بناء الرأسمال الاجتماعي، والذي يمكن أن يتحوّل مع مرور الوقت إلى رأسمال سياسي، وكذلك لعب دور في إعادة تشكيل المستقبل، والتأثير على تطوّر مناطقهم. وفي حين أن فرص العمالة مُهمّة لإدماجهم الاقتصادي، فإن تشجيع الشباب على المشاركة في المستوى المحلّي وتمكينهم لإحداث تغيّر ذي معنى في مجتمعاتهم المحلية، قد يلعبان دوراً مهمّاً في تدارك مخلّفات تهميشهم  الراهن.

إن مشاعر الهوية، أي أن يكون المرء مواطناً تونسياً، قد تنبع من الحصول على حياة كريمة تشمل وصولاً متساوياً إلى الفرص الاقتصادية. وكما ألمعت استطلاعات الرأي، يؤمن التونسيون حقاً أن الممارسات الديمقراطية، بما في ذلك الانتخابات، هي عوامل أساسية للازدهار الاقتصادي، وهم يريدون أن تقدّم دولتهم قدراً من الدعم لرفاههم الاجتماعي. لكنهم يريدون أيضاً الفرص لتحقيق إمكانياتهم. لقد أعرب البنك الدولي عن اعتقاده أن تونس تُمثِّل مفارقة، لأنها حائزة على كل مايؤهّلها لتكون مايُسمّى نمراً متوسّطياً، بيد أنها لمّا تُحقّق بعد هذه المستويات الاقتصادية الرفيعة. والحال أنه لن يكون بمستطاع تونس الوصول إلى مرتبة النمر المتوسّطي، إلا عبر إعادة النظر بنموذجها التنموي.

تودّ الكاتبة أن تشكر ياسر نجم لعمله الدؤوب في تحليل إحصاءات المجموعة الأساسية من البيانات المُستخدَمة في هذه الدراسة. كما تُعرب عن شكرها لكلٍّ من حمزة المؤدَّب وجورج فهمي ووليد حدوق لتعليقاتهم على مسودّة هذه الدراسة.

هوامش

1 Bob Rijkers, Caroline Freund, and Antonio Nucifora, “All in the Family: State Capture in Tunisia,” Policy Research Working Paper 6810, World Bank, March 2014, http://www-wds.worldbank.org/external/default/WDSContentServer/WDSP/IB/2014/03/25/000158349_20140325092905/Rendered/PDF/WPS6810.pdf.

2  تظهر هذه المخاوف بشكلٍ واضح في تحليلات كاتبة الدراسة لمجموعات البيانات الأوّلية الصادرة عن "استطلاع القيم العالمية" (World Values Survey) الذي أُجري في تونس في العام 2013 (كل البيانات الصادرة عن "استطلاع القيم العالمية" والمعروضة في هذه الدراسة مستقاة من تحليلات الكاتبة لمجموعات البيانات الأوّلية). وتشير تحليلات مجموعات البيانات الأوّلية لاستطلاعات الرأي التي أجراها مركز "بيو" للأبحاث إلى توجّهات مماثلة. شهدت البلاد على الأرجح زيادة في هذه المخاوف، نظراً إلى الشعور المتواصل بعدم الاستقرار والأزمة الاقتصادية المتفاقمة. أنظر:“World Values Survey Association, WVS Wave 6 2010–2014 Official Aggregate v.20150418,” http://www.worldvaluessurvey.org/WVSDocumentationWV6.jsp;كان التحديث الأخير للصفحة في 1 كانون الثاني/يناير 2016.وأيضاً: Pew Research Center, “Tunisian Confidence in Democracy Wanes: Ratings for Islamist Ennahda Party Have Declined Since Revolution,” Pew Research Center, October 15, 2014, http://www.pewglobal.org/2014/10/15/tunisian-confidence-in-democracy-wanes/.

3  تظهر هذه النقاط بوضوح في تحليلات الكاتبة للبيانات الأوّلية الصادرة عن منظمة "استطلاع القيم العالمية" (World Values Survey Association)،“World Values Survey Wave 6 2010–2014 Official Aggregate v.20150418”.وكانت النتائج الصادرة عن مركز "بيو" للأبحاث قريبة منها أيضاً.

4  مقابلة شخصية، تونس، 14 أيلول/سبتمبر 2014.

5  المصدر السابق.

6  “First Delegate of Governorate Kasserine Dismissed,” Agence Tunis Afrique Presse, January 18, 2016, http://www.tap.info.tn/en/index.php/politics2/32629-first-delegate-of-governorate-of-kasserine-dismissed.

7 Karen Pfeifer, “How Tunisia, Morocco and Jordan and even Egypt became IMF ‘Success Stories’ in the 1990’s,” Middle East Report 210 (Spring 1999), 23–27.

8 “The Mark of Democracy – A Fact Check for Tunisia,” Bertelsmann Stiftung, June 2014, https://www.bertelsmann-stiftung.de/en/topics/aktuelle-meldungen/2014/juni/the-mark-of-democracy-a-fact-check-for-tunisia/.

9 Stephen King, “Structural Adjustment and Rural Poverty in Tunisia,” Middle East Report 210 (Spring 1999).

10 World Bank, Bridging the Spatial Divide: Labor Market Outcomes in Urban Tunisia (Washington, DC: World Bank, 2013), ورد الاقتباس في: البنك الدولي، "إزالة الحواجز أمام إشراك الشباب" (واشنطن العاصمة: البنك الدولي، 2014)، http://www.albankaldawli.org/content/dam/Worldbank/document/MNA/tunisia/breaking_the_barriers_to_youth_inclusion_ara.pdf

11 Sami Bibi, Poverty and Inequality in Tunisia, Morocco and Mauritania (Tunis, Tunisia: African Development Bank, 2011).

12 يركّز قياس الفقر النسبي أكثر على عدم قدرة مجموعات معيّنة على أن يتمتّعوا بالمستويات المعيشية أو الأنشطة السائدة عادةً في المجتمع. ووفقاً للبنك الأفريقي للتنمية، تتسبب أنماط النمو التي ترفع مداخيل الجميع، ولكن مع انحياز واضح لجهة الزيادة النسبية في مداخيل السكان غير الفقراء،  في تعاظم معدّل الفقر النسبي، على الرغم من ارتفاع الدخل المطلق للسكان الفقراء. هذا يعني أنه، على الرغم من زيادة الدخل الحقيقي للسكان الفقراء، إلا أن تهميشهم قد ازداد أيضاً بسبب تراجع قدرتهم على الحصول على مستويات المعيشة وأسباب الراحة السائدة في مجتمعهم. المصدر السابق.

13 المصدر السابق.

14 Ministry of Regional Development and Planning, Indicateurs de Développement Régional [Regional development index] (Tunis: Tunisian Republic, 2012), http://www.mdci.gov.tn/fileadmin/Conference_presse/Stratégie%20de%20développement/Diagnostic%20stratégique/Indicateurs%20de%20développement%20régional.pdf.

15 National Institute of Statistics, Measuring Poverty, Inequalities and Polarization in Tunisia 2000-2010 (Tunis, Tunisia: National Institute of Statistics, November 2012), http://www.afdb.org/fileadmin/uploads/afdb/Documents/Project-and-Operations/Measuring_Poverty_Inequalities_and_Polarization_in_Tunisia_2000-2010.PDF.

16 Avocats Sans Frontières, The Kasserine ‘Region as a Victim’ Submission: A First in Tunisian Transitional Justice (Brussels: Avocats Sans Frontières, June 16, 2015), http://www.asf.be/blog/2015/06/16/the-kasserine-victim-region-submission-a-first-in-tunisian-transitional-justice/.

17 المصدر السابق.

18 Ministry of Regional Development and Planning, Gouvernorat de Kasserine: L’Indicateur de Développement Régional [Kasserine Governorate: regional development index] (Tunis: Tunisian Republic, 2012), http://www.mdci.gov.tn/tn/Gov/indica/kasserine.pdf.

19 يقيس مؤشر الاستقطاب العلاقة بين عدم المساواة بين المناطق وعدم المساواة داخل المناطق. المعهد الوطني للإحصاء، تونس 2000 – 2010.

20 المعهد الوطني للإحصاء، المسح الوطني حول نظرة المواطن إلى الأمن والحريات والحوكمة المحلية، 2014 (تونس: المعهد الوطني للإحصاء، 2015)، http://beta.ins.tn/sites/default/files/pdf_actualites/gouvernance%20%287%29.pdf

21  وقعت الحادثة الأولى في كينيا، واستُخدمت كنموذج لحادثة القصرين. المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، “Request to Declare the Region of Kasserine as ‘Victim,’” Avocats Sans Frontières, November 2, 2015, http://www.asf.be/wp-content/uploads/2015/11/ASF_TUN_R--gionVictime_201506_EN.pdf.

22 Zeineb Marzouk, “Analysts Question Government Intervention as Protests Grow,” Tunisia Live, January 21, 2016, http://www.tunisia-live.net/2016/01/21/analysts-question-government-intervention-as-protests-grow/#sthash.SAvulrYt.dpufv.

23 Kaouther Larbi, “Jobless Protests Stir Growing Unrest in Tunisia,” Yahoo News, January 21, 2016, http://news.yahoo.com/jobless-protests-stir-growing-unrest-tunisia-154614818.html.

24  تعداد الكاتبة للاحتجاجات، منقول عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الرابط التالي: http://ftdes.net/

25  المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، "تقرير شهر نوفمبر 2015: المرصد الاجتماعي التونسي"، تونس، تشرين الثاني/نوفمبر 2015، http://ftdes.net/ar/2015/12//تقرير-شهر-نوفمبر-2015-المرصد-الاجتماعي-ال

26 "مشروع قانون أساسي 49/2015 يتعلّق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي"، "مرصد مجلس"، 16 تموز/يوليو 2015، http://majles.marsad.tn/2014/fr/docs/55d3497212bdaa20aa5b44f8 "مرصد مجلس" هو موقع إلكتروني مرتبط بـ"البوصلة"، وهي منظمة غير حكومية متختصّصة في رصد القرارات التشريعية في البرلمان التونسي.

27 La Riposte, “The Revolt in the Mining Area of Gafsa, Tunisia,” In Defense of Marxism, June 13, 2008, http://www.marxist.com/revolt-mining-area-gafsa-tunisia.htm, and Ryan Rifai, “Timeline: Tunisia’s Uprising,” Al Jazeera, January 23, 2011, http://www.aljazeera.com/indepth/spotlight/tunisia/2011/01/201114142223827361.html.

28 اجتماع خاص، تونس، 6 تشرين الأول/أكتوبر 2015.

29 مجموعة الأزمات الدولية، "الحدود التونسية: بين الجهاد والتهريب"، (بروكسل: مجموعة الأزمات الدولية، 2013)، http://www.crisisgroup.org/ar/Regions%20Countries/Middle%20East%20-%20North%20Africa/North%20Africa/Tunisia/148-tunisia-s-borders-jihadism-and-contraband.aspx  وأيضاً: مجموعة الأزمات الدولية، "الحدود التونسية :(II) بين الإرهاب والاستقطاب الجهوي"، (بروكسل: مجموعة الأزمات الدولية، 2014)، http://www.crisisgroup.org/ar/Regions%20Countries/Middle%20East%20-%20North%20Africa/North%20Africa/Tunisia/b041-tunisia-s-borders-ii-terrorism-and-regional-polarisation.aspx

30 "إيرادات تونس من السياحة تتراجع 35%"، صحيفة الغد، 28 كانون الثاني/يناير 2016، http://alghad.com/articles/917241-إيرادات-تونس-من-السياحة-تتراجع?s=13807f179eeab12cbcbd317a5a48824f.

31 Karim Trabelssi, Current State of the Informal Economy in Tunisia as Seen through Its Stakeholders: Facts and Alternatives (Tunis, Tunisia: Tunisian General Labor Union and the Solidarity Center, 2014).

32 البنك الدولي، "إزالة الحواجز أمام إشراك الشباب".

33 Hernando De Soto, The Facts Are In: The Arab Spring Is a Massive Economic Revolution (Tunis: Institute for Liberty and Democracy and Union Tunisienne de l’Industrie, du Commerce et de l’Artisant, 2013), http://ild.org.pe/books/the-facts-are-in/the-facts-are-in-the-arab-spring-is-a-massive-economic-revolution.

34 Trabelssi, Current State, 3.

35 Pew Research Center, “Tunisian Confidence in Democracy Wanes.”

36 World Values Survey Association, “World Values Survey Wave 6 2010–2014 Official Aggregate v.20150418.”

37 البنك الدولي، "إزالة الحواجز أمام إشراك الشباب".

38 تحليلات كاتبة الدراسة لمجموعات البيانات الأوّلية التي يتضمّنها "بيانات استطلاع مركز "بيو" لربيع العام 2013"، وهو استطلاع شمل 39 دولة، وأُجري بين 2 آذار/مارس و1 أيار/مايو 2013. للاطلاع على نتائج الاستطلاع، أنظر الرابط التالي: Pew Research Center, “Datasets,” http://www.pewglobal.org/category/datasets/ كانت الزيارة الأخيرة للموقع في 17 شباط/آذار 2016. كانت الأسئلة التي طُرِحت على المُستفتين هي: "هل مررتم بأوقاتٍ خلال السنة الماضية حيث لم يتوفّر لكم المال الكافي لتسديد نفقات العناية الصحية والطبية التي تحتاج إليها أسرتكم؟" و"هل مررتم في أوقاتٍ خلال السنة الماضية حيث لم يتوفّر لكم المال الكافي لشراء المواد الغذائية التي تحتاج إليها أسرتكم؟"

39 Tarek Amara, “Tunisia to Start Economic Rescue Plan, Sees 7 Pct Growth in 5 Years,” Al Arabiya, March 18, 2015, http://english.alarabiya.net/en/business/economy/2015/03/18/Tunisia-to-start-economic-rescue-plan-sees-7-pct-growth-in-5-years.html.

40 مقابلة خاصة، تونس، 7 تشرين الأول/أكتوبر 2015.

41 Jihen Chandoul,“Le partenariat de Deauville, à l’origine des politiques économiques en Tunisie” [The Deauville partnership at the origins of Tunisia’s economic policies], Observatoire Tunisien de l’Economie, January 16, 2016, http://economie-tunisie.org/fr/observatoire/analysiseconomics/actes-conference-partenariat-deauville-politiques-economiques-tunisie.

42 Nadia Marzouki, “Tunisia’s Rotten Compromise,” Middle East Research and Information Project, July 10, 2015, http://www.merip.org/mero/mero071015.

43 مقابلة خاصة، تونس، 7 تشرين الأول/أكتوبر 2015.

44 Amara, “Economic Rescue Plan.”

45 مقابلات شخصية مع مسؤولين رفيعي المستوى يشاركون في صياغة الخطّة، بيروت في أيلول/سبتمبر 2015، وتونس في تشرين الأول/أكتوبر 2015.

46 اجتماع مع مسؤولين في حزب النهضة، تونس، 7 تشرين الأول/أكتوبر 2015.

47 “Mideast Money - Tunisia Protests to Test Subsidy Reforms, May Hit IMF Loan,” Reuters, March 13, 2013, http://www.reuters.com/article/tunisia-subsidies-idUSL6N0C20H420130313.

48 Chedly Ayari and Hakim Ben Hammouda, “Tunisia: Letter of Intent, Memorandum of Economic and Financial Policies, and Technical Memorandum of Understanding,” International Monetary Fund, January 28, 2014, https://www.imf.org/External/NP/LOI/2014/TUN/012814.pdf.

49 اجتماع خاص مع عضو في حركة نداء تونس، واشنطن، 28 تشرين الأول/أكتوبر 2015.

50 الأمم المتحدة، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، "مسارٌ طويل نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في المنطقة العربية"، الإسكوا، بيروت، كانون الأول/ديسمبر 2015.

51 Anne Brockmeyer, Maha Khatrouch, and Gael Raballand, “Public Sector Size and Performance Management A Case-Study of Post-Revolution,” Policy Research Work Paper 7159, World Bank, January 2015, http://www-wds.worldbank.org/external/default/WDSContentServer/WDSP/IB/2015/01/07/000158349_20150107110616/Rendered/PDF/WPS7159.pdf#page=4.

52 "كلمة الحبيب الصيد في نهاية أشغال الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب"، شريط فيديو على يوتيوب، نشرته قناة الوطنية، 28 كانون الثاني/يناير 2016، https://www.youtube.com/watch?v=ZyWo1C8CS_E

53 Tunis Afrique Press, “Tunisia: Cabinet Meeting Approves Draft Law On Creation of National Council of Social Dialogue,” All Africa, June 3, 2015, http://allafrica.com/stories/201506040827.html.

54 على سبيل المثال، أتى إصلاح نظام التأمين الصحي للعام 2004 نتيجةً لحوار مشابه، لكن تضمّن أيضاً أعضاء في القطاع الصحي وشركات التأمين الصحّي.

55 المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، "مشروع قياس الرّأي العامّ العربيّ: المؤشر العربي 2012-2013"، الدوحة، 2013،http://www.dohainstitute.org/file/Get/6d14ad2a-d4f3-4c99-84d3-d15fcd2b2de3.pdf

56 تحليلات الكاتبة لمجموعة البيانات الأولية الصادرة عن مسح الباروميتر العربي، أنظر: "الباروميتر العربي: الدورة الثالثة"، 2014، كانت الزيارة الأخيرة للموقع في 17 شباط/فبراير 2016، http://www.arabbarometer.org/ar/content/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9

57 "مشروع قانون"، موقع "مرصد مجلس".

58 نقاش مع ناشطين شباب حول تحديات المرحلة الانتقالية في تونس، تونس، 6 تشرين الأول/أكتوبر2015.

59 اجتماع مغلق مع ممثلي إحدى منظمات المجتمع المدني، تونس، 7 تشرين الأول/أكتوبر2015.

60 الأسئلة التي تمّ طرحها هي التالية: "يتحدّث الناس أحياناً عن الأهداف التي يجب أن تسعى هذه الدولة إلى تحقيقها على مدى الأعوام العشرة القادمة. كُتِب على هذه البطاقة بعض الأهداف التي يعطيها أشخاص عدّة الأولوية. هل يمكنك تحديد أي هدف هو الأهم بنظرك؟" أنظر: “2010–2012 World Values Survey,” World Values Survey, June 2012, http://www.worldvaluessurvey.org/WVSDocumentationWV6.jsp.

61 ترتكز هذه النتائج على تحليلات الكاتبة للبيانات الأوّلية الصادرة عن منظمة "استطلاع القيم العالمية"،

“World Values Survey Wave 6 2010–2014 Official Aggregate v.20150418.”

62 الأسئلة التي تمّ طرحها هي التالية: "أيٌّ من الاحتمالات الموجودة على هذه البطاقة هو الأهم بنظرك؟" ثم: "هذه قائمة أخرى: أيٌّ من هذه الاحتمالات هو الأهم برأيك؟" أنظر: “2010–2012 World Values Survey.”

63 Tahar Belkhodja, Les Trois Décennies Bourguiba [Bourguiba’s three decades] (Paris: Publisud, 1998), 131, quoted in Larbi Sadiki, “The Search for Citizenship in Bin Ali’s Tunisia: Democracy Versus Unity,” Political Studies 50, no. 3 (August 2002): 497–513.

64 المعهد الديمقراطي الوطني، "تونس"، كانت الزيارة الأخيرة للموقع في 17 شباط/فبراير 2016، https://www.ndi.org/tunisia-arabic

65 يتم توزيع المقاعد على أساس عدد الأصوات التي تمّ حصدها.

66 مهى يحيَ، "نوبل لتونس: نصر باهر ولكن؟"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 25 تشرين الأول/أكتوبر 2015، http://carnegie-mec.org/2015/10/25/ar-61738/ijo4

67 روعة قاسم، "اتهامات خطيرة بين قيادات في حركة نداء تونس"، القدس العربي، 9 كانون الثاني/يناير 2016، http://www.alquds.co.uk/?p=463050

68 ""قائد السبسي يتّهم النهضة بنشر الإرهاب وتعميق الفقر في تونس"، موقع "ميدل إيست أونلاين"، 29 كانون الثاني/يناير 2016، http://www.middle-east-online.com/?id=216801

69 ترتكز هذه النتائج على  تحليلات الكاتبة للبيانات الأولية الصادرة عن منظمة "استطلاع القيم العالمية"، “World Values Survey Wave 6 2010–2014 Official Aggregate v.20150418.”

70 للإجابة على هذا السؤال، طُلب منهم تحديد مواقفهم استناداً إلى مقياس من 1 إلى 10 بين هذين التصريحَين: "المداخيل يجب أن تكون أكثر تساوياً"، و"نحن في حاجة إلى فروقات أكبر في المداخيل لتحفيز الجهد الفردي". أنظر: “2010–2012 World Values Survey.”

71 Pew Research Center, “Tunisian Confidence in Democracy Wanes.”

72 World Values Survey Association, “World Values Survey Wave 6 2010–2014 Official Aggregate v.20150418.”

73 "الداخلية التونسية: 3 آلاف تونسي انضموا إلى الجماعات المقاتلة في سوريا"، موقع CNN بالعربية، 25 كانون الأول/ديسمبر 2015، http://arabic.cnn.com/middleeast/2015/12/25/tunisia-fighters-syria

74 World Values Survey Wave 6 2010–2014 Official Aggregate v.20150418, وأيضاً: البنك الدولي، "تونس: إزالة الحواجز أمام إشراك الشباب".

75 Eric Reidy, “Tunisian Youth Skip Presidential Vote,” Al Monitor, November 25, 2015, http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2014/11/tunisia-presidential-elections-low-youth-turnout.html#; and Global Network for Rights and Development and the International Institute for Peace, Justice, and Human Rights, Joint Observation Mission to Tunisian Parliamentary Elections 2014: Report (Stavanger, Norway: Global Network for Rights and Development, 2014), http://www.gnrd.net/GNRD%20%26%20IIPJHR%20JOINT%20MISSION%20TO%20TUNISIAN%20PARLIAMENTARY%20ELECTIONS%202014%20REPOR.pdf.

76 المصدر السابق.

77 International Alert, Experiences and Perceptions of Young People in Tunisia: The Case of Douar Hicher and Ettadhamen (London: International Alert, February 2015), http://www.international-alert.org/sites/default/files/Tunisia_YoungPeopleSurvey_EN_2015.pdf

.

78آمنة القلالي، "المحاسبة المنقوصة - أوجه القصور في محاكمات جرائم القتل أثناء الثورة التونسية"، هيومن رايتس ووتش، 12 كانون الثاني/يناير 2015، https://www.hrw.org/ar/report/2015/01/12/267955#page

79 اجتماع مغلق مع ناشطين في المجتمع المدني، تونس العاصمة، 7 تشرين الأول/أكتوبر 2015.

80 Anne Wolf and Raphael Lefevre, “Tunisia: A Revolution at Risk,” Guardian, April 18, 2012, http://www.theguardian.com/commentisfree/2012/apr/18/tunisia-revolution-at-risk.

81 "كلمة الحبيب الصيد في البرلمان".

82 الحسن عاشي، "التحديات الاقتصادية في تونس"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي،22  كانون الأول/ديسمبر 2011، http://carnegie-mec.org/publications/?fa=46318.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.