أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن

مع تدهور الأوضاع المعيشية للاجئين السوريين وازدياد المخاطر المحيطة بعودتهم إلى بلادهم، يتلاشى بسرعة معنى فكرة العودة الطوعية للاجئين.

 مهى يحيَجان قصير, و خليل الحريري
نشرت في ١٨ أبريل ٢٠١٨

مع استعادة النظام السوري السيطرة على مناطق عدّة، تصاعدت الدعوات، في الدول المجاورة، المطالبة بعودة اللاجئين إلى بلادهم. لكن اللاجئين يرهنون عودتهم بشروط لطالما أُهملت إلى حدّ بعيد في خضم المساعي السياسية الرامية إلى إيجاد حل للنزاع السوري. وفي سبيل فهم مواقف اللاجئين من العودة، أنصت مركز كارنيغي للشرق الأوسط إلى مخاوف مروحة من السوريين- من ذكور وإناث، وشباب ومسنّين – الذين يسعون جاهدين إلى بناء حياة ذات معنى في لبنان والأردن. واللافت أن غالبية اللاجئين، وعلى رغم تفاقم التحديات التي تواجههم - لايرغبون في العودة مالم يتوافر انتقال سياسي يضمن سلامتهم وأمنهم، والوصول إلى القضاء والعدل، وحق العودة إلى مسقط الرأس. وعلى الرغم من أن توفير الفرص الاقتصادية والسكن اللائق يُعدّ من أولوياتهم، إلاّ أنها لا تُعتبر من متطلبات العودة. وفي المرتبة الأولى، أظهرت مواقف اللاجئين بجلاء أن وجود حل سياسي مستدام وعودة جماعية وطوعية هما على السواء رهن عمليات سلام دولية تأخذ أصواتهم بعين الاعتبار.

الاستماع إلى اللاجئين

  • في مواجهة صعوبات اجتماعية واقتصادية متفاقمة، يشعر اللاجئون بأنهم عالقون بين رحى مطرقة بلدان مضيفة لا ترغب فيهم وبين سندان سورية لايسعهم العودة إليها.
  • ينظر اللاجئون بتشاؤم إلى آفاق اتفاق سلام سوري. وهم يلفظون أي اقتراحات قد تؤدي إلى تذرر سورية، ويعارضون فكرة إنشاء مناطق خفض تصعيد، ولايثقون في المناطق الآمنة.
  • شرط اللاجئين الأولي للعودة يتمثّل في ضمان سلامتهم وأمنهم. لكنهم يرون أنه لايمكن تحقيق ذلك من دون انتقال سياسي، وهم لايعتقدون أن في مقدورهم العيش قريباً في سورية التي يتوقون إليها.
  • لايثق اللاجئون باللاعبين السياسيين الضالعين في سورية. ولايرى شطر راجح من اللاجئين المعارضين للنظام أن المعارضة تمثّلهم فعلياً.
  • النساء والشباب اليافعون هم أكثر من يخشى العودة إلى سورية. فهم ينظرون بقلق إلى غياب الأمان واحتمال أن يضطهدهم نظام بشار الأسد. ويخشى كثير من الشباب التجنيد العسكري الالزامي.
  • مع توالي الحرب فصولاً وتدهور ظروف اللاجئين في البلدان المضيفة، يدرس عدد متزايد من اللاجئين إمكانية التوطّن خارج المنطقة، تحديداً في أوروبا. لكنهم يخشون أن يعجزوا عن العودة إذا ما غادروا الشرق الأوسط.
  • يتلاشى ببطء معنى فكرة العودة الطوعية للاجئين. فالسياسات المقيّدة في لبنان والأردن قد تحمل اللاجئين على العودة إلى ظروف غير آمنة في سورية، في حين قد تجعل سياسات النظام في سورية - تحديداً تلك المتعلقة بالإسكان وحقوق الملكية والتجنيد العسكري وإجراءات التدقيق - عودتهم عسيرة أو حتى غير محبّذة.

إرساء إجراءات سياسية مُيسِّرة

  • تقتضي العودة الآمنة والمستدامة للاجئين إرساء إطار عمل يقرّ بالجذور السياسية للأزمة السورية، ولايكتفي باحتساب أبعادها الإنسانية وحسب، وبأن السلام مستحيل من دون العدالة؛ ويعترف بحقّ اللاجئين في العودة إلى مسقط رأسهم.
  • لايمكن ضمان الأمن والسلامة سوى من خلال عملية سياسية ترسي آليات حكم شاملة، وتضع حدّاً لإفلات المجرمين من العقاب، وتيسّر إعادة الدمج ونزع السلاح، وتوفر القدرة على الوصول إلى القضاء والعدل.
  • على الرغم من أن إرساء هذه العملية يتطلّب وقتاً، نظراً إلى أن قوات كثيرة تنشط في سورية، حري بجهود الإعداد لعودة اللاجئين أن تبدأ الآن. وقد تشمل هذه الجهود إعداد أصحاب الكفاءة، من محامين سوريين أو مدربين في الشؤون القانونية لاطلاع اللاجئين على حقوقهم والمساهمة في حل كثير من النزاعات المحلية المتوقّعة. وكذلك قد تشمل المساعي هذه إرساء شبكة من الوسطاء المحليين الموثوقين.
  • ينبغي ألا يساهم تمويل إعادة الإعمار في تعزيز النظام السوري من دون قصد. لذا، قد يكون بدء تمويل إعادة الإعمار على نطاق ضيق في مناطق غير خاضعة إلى سيطرة النظام، بديلاً أمثل في دعم مساعي إعادة الإعمار المحلية.
  • يجب أن يكون التمويل مشروطاً بعودة اللاجئين إلى منازلهم والحصول على ملكياتهم. ولابدّ من إرساء عملية تدقيق تثبت عدم ضلوع الكيانات المحلية التي تتلقى تمويلاً دولياً بجرائم حرب، وتتأكد من أنها ليست واجهة للنظام.
  • في هذه الأثناء، يجب احترام حق اللاجئين في العودة. وفي سبيل تشجيع البلدان المضيفة على التزام سياسات توفر حاجات اللاجئين الأساسية، حري بالدعم الدولي أن يجمع بين المساعدات الإنسانية والاستثمارات الاقتصادية التي تهدف إلى خلق فرص عمل لمواطني البلدان المضيفة واللاجئين على السواء.

مقدّمة

نجم عن النزاع في سورية أكبر أزمة لاجئين في التاريخ الحديث:1 فقد فرّ أكثر من 5.5 ملايين سوري من وطنهم، ونزح 6.1 ملايين منهم في داخل البلاد.2 ومع ذلك، تخفق مساعي إنهاء النزاع- سواء عبر مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة أو عبر مفاوضات أستانة التي ترعاها روسيا وإيران وتركيا- في أخذ مخاوف اللاجئين وحاجاتهم وشروطهم الأساسية للعودة إلى موطنهم في الاعتبار. ويفترض كلا إطارَي مفاوضات السلام ضمناً أن اللاجئين سيعودون إلى ديارهم فور إبرام اتفاق السلام، بيد أن هذا مستبعد للغاية. فاللاجئون الذين يفكرون في العودة يسعون إلى ضمانات تشمل سلامتهم الجسدية، والحصول على الخدمات الأساسية، وفرص العمل، والحق في العودة إلى مناطقهم الأصلية، ويُساورهم القلق من الأحكام التي سيتضمّنها أي اتفاق سياسي مُحتمل، ومن الطريقة التي ستتم فيها عملية انتقال السلطة، وما إذا كانت العدالة ستأخذ مجراها. وهم يريدون أيضاً ضمانات بأنهم لن يتعرّضوا إلى الأذى عند عودتهم.

في سياق ردّه على هذه الأزمة، ركّز المجتمع الدولي بشكلٍ رئيس على المساعدات الإنسانية وعلى استراتيجية احتواء أزمة اللجوء. وبالتالي أُعطيت الأولوية عموماً إلى مسألة وقف سيل الهجرة إلى أوروبا، على حساب معالجة الأسباب الأساسية للنزاع أو تحسين ظروف اللاجئين.3 وسرى الافتراض بأن اللاجئين في مقدورهم البقاء إلى ما لانهاية في الدول المضيفة، ريثما ترتسم معالم اتفاق سياسي في سورية. لكن المساعدات الإنسانية المهمّة التي وفّرها الاتحاد الأوروبي وغيره من المانحين إلى لبنان والأردن وتركيا غير كافية لتلبية حاجات اللاجئين ومواطني الدول المضيفة، ولاسيما في ضوء الطبيعة المُتمادية للنزاع السوري.

في لبنان والأردن، تحديداً، وضع سيل اللاجئين الكبير والمفاجئ ضغوطاً هائلة على قدرات مؤسسات الدولة؛ وناء بثقله على العلاقات الاجتماعية، وفاقم المشكلات الاقتصادية والمالية ومشكلات البنى التحتية القائمة أصلاً. ونجم عن ضيق الفرص الاقتصادية المتاحة تنافسٌ حادّ بين اللاجئين أنفسهم وبين المجتمعات المضيفة، على الأعمال غير الماهرة في القطاع غير الرسمي والوصول إلى الخدمات.

وقد أجّجت المخاوف الطائفية والديموغرافية والأمنية، التوتر أكثر.4 ففي لبنان، يخشى كثرٌ من المواطنين أن تخلّ الأعداد الكبيرة من اللاجئين- وهم في غالبيتهم من السنّة المسلمين- بالتوازن الطائفي الدقيق في البلد، وأن تتكرر تجربة عامَي 1948 و1967 في لبنان مع أزمة اللاجئين الفلسطينيين وماتبعها. وعلت أصوات الزعماء السياسيين اللبنانيين المنادية بعودة اللاجئين إلى سورية، زاعمين أن إرساء مناطق خفض التصعيد تجعل من مثل هذه العودة ممكنة.5 واستجاب بعض السياسيين للسخط الشعبي المتنامي، ولجأ إلى خطاب معادٍ للأجانب، يستخدم اللاجئين ككبش محرقة.6

وفي الأردن الذي يستضيف كذلك لاجئين فلسطينيين وعراقيين ويمنيين، يسود القلق حيال التركيبة الديموغرافية، إذ يشعر كثرٌ من الشرق أردنيين بالقلق من أن يصبحوا أقلية في بلدهم. وإثر سلسلة من الهجمات المسلّحة في العام 2016، بدأت الحكومة في ترحيل لاجئين إلى سورية، على رغم موقفها الرسمي الذي يُثني عن مثل هذا السلوك.7 غالباً مايُتّهم اللاجئون المرحّلون بالتواصل مع مسلّحين، أو العمل بشكل غير قانوني في الأردن.

وعلى رغم أن الأردن ولبنان يجابهان تحديات هائلة، إلا أن الوضع في سورية أبعد مايكون عن كونه ملائماً لعودة اللاجئين. فالظروف الأمنية في مسقط رأس العديد من اللاجئين لاتزال متقلبة الأحوال، إما نتيجةً للنزاع المسلّح المتواصل أو لاحتمال التعرّض إلى اضطهاد النظام السوري في المناطق التي يسيطر عليها. ثم أن عودة جماعية الآن للاجئين ستفاقم فقدان الأمن على الأرجح بسبب التنافس الحادّ على الموارد والبنية التحتية المحدودة. ويقدّر البنك الدولي أن الخسائر المتراكمة في إجمالي الناتج المحلّي السوري بين عامَي 2011 و2016، بلغت 226 مليار دولار، أي نحو أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلّي السوري في العام 2010.8 كما قدّر صندوق النقد الدولي كلفة إعادة الإعمار في سورية بما يتراوح بين 100 إلى 200 مليار دولار.9 وفي عشر أكبر مدن في البلاد، دُمِّر أكثر من ربع المساكن المتوفرة في 2010، جزئياً أو كليّاً بحلول 2017، خصوصاً في المدن التي خرجت عن سيطرة النظام لفترة من الوقت. مستويات الدمار كانت أكبر بكثير في دير الزور وتدمر (41 في المئة في كلٍّ منهما)، وحلب وحمص (30 في المئة في كلٍّ منهما)، ودرعا (15 في المئة).10 وفي هذه الأثناء، أدى النزوح الجماعي للمدنيين إلى احتلال النازحين داخلياً على نطاق واسع للمساكن الشاغرة في غياب أصحابها، وإلى نشوء مخيمات موقتة على أراضٍ يملكها مدنيون فرّوا من النزاع.11 ويُرجَّح أن تولّد هذه المسائل نزاعات قانونية للاجئين العائدين الذين يسعون إلى استعادة أصولهم وممتلكاتهم.

علاوةً على ذلك، تقوّضت بشكلٍ حادّ فرص السوريين والسوريات في الوصول إلى التعليم والخدمات الأساسية، ما أدّى إلى تصاعد موجات النزوح. كما تأثّرت بنى التحتية التعليمية كثيراً بالنزاع، ونزل ضرر جزئي بـ53 في المئة من منشآت التعليم، وتدمّر 10 في المئة منها كليّاً. وتلقّت المدارس في محافظتي حلب وإدلب أعنف الضربات، حيث دُمِّرت 68 في المئة من المدارس الابتدائية جزئياً أو كليّاً.12 وفي مجال الخدمات، هبط إنتاج الطاقة حوالى 62 في المئة بين 2010 و2015، ما أدى إلى انقطاع يومي طويل في التيار الكهربائي. وفي الوقت نفسه، تضرّر نحو نصف محطات ضخ المياه في سورية، وثلث خزانات المياه، وربع منشآت معالجة مياه المجاري، وسدس الآبار المائية، جزئياً أو بشكلٍ كامل. وأخيراً، تضرّر أكثر من نصف المنشآت الصحية جزئياً أو كليّاً، وغادر 15 ألف طبيب سوري على أقل تقدير، من أصل مجمل الأطباء البالغ عددهم 30 ألف طبيب، البلاد.13

إذا ماوضعنا في الاعتبار الحجم الهائل من الصعاب المتنوعة التي قد يواجهها اللاجئون عقب عودتهم، تصبح الحاجة ماسّة إلى تقدير متطلبات الحد الأدنى لعودتهم إلى سورية. ففي نهاية المطاف، لن تُقيَّض الاستدامة لتسوية سياسية لاتراعي حاجات السوريين الأساسية ومشاغلهم. وانطلاقاً من هذا المعطى، أجرى باحثون في مركز كارنيغي للشرق الأوسط أبحاثاً ميدانية لتبيان ظروف ومواقف اللاجئين في لبنان والأردن. وبين كانون الثاني/يناير وكانون الأول/ديسمبر 2017، قيّم فريق الدراسة بنية اللاجئين السكانية، وعقد مجموعات نقاش مع عدد واسع منهم، ونظّم ورش عمل مُغلقة وطاولات مستديرة للنقاش، وعقد نقاشات غير رسمية مع أطراف مُطّلعة بارزة وأصحاب الشأن المحليين والدوليين. وفي المجمل، نظّم الفريق 39 مجموعة نقاش، 49 في المئة من المشاركين فيها من الإناث، و51 في المئة من الذكور من مختلف الأعمار. في لبنان، كانت غالبية اللاجئين المُمثّلة في هذه المجموعات معارضة للنظام، مع أقلية موالية له، في حين أن معظم اللاجئين المُمثّلين في هذه المجموعات في الأردن ضد النظام السوري. وقد غُيّرت أسماء اللاجئين الواردة في هذا التقرير لحماية خصوصياتهم. يقدّم الملحق الرقم 1 عرضاً مفصلاً لمنهجية الدراسة، بما في ذلك معايير اختيار العيّنات والنماذج.

وقد سلّط التقييم الديموغرافي الضوء على تركيبة اللاجئين السوريين والمناطق التي يتحدّرون منها، في وقت ساهمت النقاشات والمقابلات في تبيان أثر النزاع المدمّر على الأفراد والجماعات، على حدٍّ سواء، في لبنان والأردن، وعلى مدى تعقيد الوضع. إذ عدا عن خسارة الأصدقاء والأقارب والمنازل، أدّت  ضخامة النزوح والدمار إلى صدمات كبيرة في مجتمع بات أكثر فقراً بكثير، الأمر الذي سيؤدّي إلى تداعيات تدوم أجيالاً. وقد عبّر معظم اللاجئين السوريين عن الشعور بأنهم وقعوا في شرك، ولاسيما أن لديهم رغبة عارمة في العودة إلى بيوتهم في سورية، لكنهم يدركون أن هذا أمر متعذّر من دون مرحلة انتقالية سياسية مستقرة. كما كانوا يعتقدون في الوقت نفسه أن بناء حياة يُعتد بها متعذّر على نحو مماثل في البلدان المضيفة. وقد استُخلصت ثلاث سرديات بارزة من حلقات النقاش، وهي: الشعور الحاد بالتمييز؛ والتجاذب بين الحنين إلى حياتهم في سورية ماقبل الحرب وواقع ظروف عيشهم الراهنة وما قد يجدونه لدى عودتهم؛ والشعور العميق بأن المجتمع الدولي تخلّى عنهم.

الشعور الحاد بالتمييز. يروي اللاجئون السوريون في لبنان والأردن أنهم اختبروا مستوى متفاقماً من التمييز. وتتركهم أشكال متنوعة من القيود على الإقامة والتوظيف وحرية الحركة والتنقل، في موقع ضعف يجعلهم عرضة إلى الاستغلال.

وفي لبنان خصوصاً، فاقمت الممارسات التمييزية المُنتشرة على نطاق واسع، شعور اللاجئين بالعزلة والتهميش. وهم مصدومون من فرض حظر التجوّل مساءً عليهم في بعض البلديات، وقسوة معاملة رجال الأمن لهم في بعض الأحيان، وطرد جماعات كاملة من اللاجئين ردّاً على حوادث فردية. وعلى رغم أن معظم اللاجئين يدركون أن عقوداً من الهيمنة السورية السياسية والعسكرية على لبنان أدت إلى علاقات مضطربة بين البلدين، إلا أنهم يشدّدون على ان هذا التاريخ سابقٌ لوجودهم في لبنان، وأنهم رحّبوا بالمواطنين اللبنانين ودعموهم أثناء حرب إسرائيل على لبنان العام 2006. وفي الأردن، تحدّث اللاجئون أيضاً عن جو عام من العداء يُقيّد أكثر حركة تنقلهم، ويفاقم شعورهم بالغربة. ويبدو أن الأطفال السوريين يتحمّلون العبء الأكبر من حالة العداء هذه.

اللاجئون غير المسجّلين هم الأكثر عرضة إلى التمييز والاستغلال، والاعتقال التعسفي، والطرد القسري من بعض القرى. والآن هناك مابين ربع إلى ثلث اللاجئين في لبنان، وحوالى نصف أولئك الذين في الأردن، غير مُسجّلين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وعليه، فإقامتهم في هذين البلدين غير شرعية.14 وتضطرهم صعوبة حيازة أُذونات عمل إلى ممارسة الأشغال بشكل غير قانوني، فيتعرّضون أكثر إلى التعسّف والإساءة على يد مجرمين، وإلى ملاحقة السلطات العامة. ونظراً إلى قدرتهم المحدودة على اللجوء إلى القضاء، تؤدّي هذه الأحوال أحياناً إلى طردهم من الدول المُضيفة.

لدى اللاجئين كذلك انطباعٌ بأنهم يتعرّضون إلى التمييز من جانب السوريين الذين لايزالون يقيمون في سورية. فهم يخشون أن يوسَموا بالخونة لأنهم غادروا البلاد عندما كانت في أمسّ الحاجة إليهم، بغضّ النظر عمّا كانت أسباب الرحيل. وهذا مايخلق المزيد من الانشطارات في المجتمع السوري، ويفرض تحدّيات جمّة على المصالحة في حقبة مابعد النزاع. قال حسن، وهو لاجئ شاب من غير أوراق قانونية يقيم في بيروت: "اليوم، كل من يغادر سورية يُعتبر خائناً".15

الخوف من العودة إلى الوطن. تُفاقم هذا الإحساس بالتمييز مشاعر معقّدة تعمّ أوساط اللاجئين إزاء العودة إلى الوطن. فكثرٌ منهم يستحضرون رؤية مثالية عن سورية قبل العام 2011، حين كانت الحياة اليومية غير مُسيّسة، والطائفية غير موجودة، وكانت الجماعات المحليّة متعايشة بشكلٍ سلمي. وتبدو هذه الرؤية وكأنها منفصلة عمّا كانت عليه المسائل الأوسع في السياسة والحوكمة في مرحلة ماقبل النزاع. وهي كذلك مرآة تعكس حنينهم إلى حس الانتماء إلى مجتمع واحد يتشاطر الثقافة والتقاليد نفسها. ويرغب كثر من اللاجئين في العودة ببساطة إلى ماكانت عليه سورية قبل الحرب.

لكن اللاجئين أوضحوا أن حنينهم إلى سورية ماقبل النزاع لايعني أنهم يحنّون إلى النظام. فالعديد منهم مُدركون للوقائع السياسية، ويناوئون الحياة تحت حكم الرئيس بشار الأسد، ويفهمون أن سورية التي عرفوها ذات يوم ضاعت وتبدّدت. وتساهم في تخفيف حنينهم المخاوف على سلامتهم، ومعرفتهم بأن ثمة عوائق قانونية قد تجعل استئنافهم لحياتهم أمراً شبه مستحيل. وقد عرف بعض اللاجئين، عن طريق الشبكات الاجتماعية، بإجراءات التدقيق المحليّة للعائدين وبالأطر القانونية التي وضعها الأسد لاستعادة الملكيات الخاصة أو تطوير الأحياء. وترى غالبية اللاجئين في لبنان والأردن أن العودة إلى بيوتهم غير ممكنة ما لم تعالَج جذور أسباب النزاع في مرحلة انتقالية سياسية. ولايزال بقاء نظام الأسد أبرز العوائق أمام العودة، مايُبقي مستقبل اللاجئين مُعلّقاً في الهواء.

تخلّي المجتمع الدولي. يؤدّي الشعور الطاغي لدى اللاجئين بتخلّي المجتمع الدولي عنهم إلى تعمّق الإحساس بالغربة والوحشة. فمعظمهم يعتقدون أن النزاع السوري صار اليوم حرباً بالوكالة بين قوى خارجية، وأن السوريين إجمالاً سُلبوا القدرة على التأثير في مسار مستقبلهم، بعد أن بات القرار في أيدي اللاعبين الدوليين، تحديداً روسيا والولايات المتحدة. ويخشى اللاجئون المعارضون للنظام أن يُتركوا لمصيرهم تحت رحمة نظام راكم المجازر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. أما اللاجئون المؤيّدون للنظام فيصفون النزاع بأنه مؤامرة دولية على سورية، دفع السوريون ثمنها بدمائهم.

قد تؤثّر مثل هذه السرديات ومشاعر الظلم والذل في مستقبل علاقات السوريين مع اللبنانيين والأردنيين، وتفاقم الفجوة بين السوريين وبين المجتمع الدولي الذي لم يعودوا يؤمنون به. وهذا يصحّ خصوصاً في لبنان حيث تتردّد، إلى اليوم، أصداء إرث الدور السوري المدمّر في الحرب الأهلية في هذا البلد وفي العقود الطويلة من الهيمنة السياسية والعسكرية السورية.

وهكذا، ولأن مستقبلاً أفضل في سورية والمنفى يبدو بعيد المنال، يشعر اللاجئون بالقلق العميق لما يخبِّئ لهم القدر. إذ ليس في مقدورهم بناء حياة كريمة في الدول المضيفة التي تجبه بدورها تحديات وتعتبرهم عبءاً. وفي الوقت نفسه، هم غير قادرين على العودة إلى وطنهم فيما الصراع مستمرّ على قدم وساق. والحال أن المجتمع الدولي يركّز على استقرار الأوضاع في سورية وضبط سيل المهاجرين إلى أوروبا، عوض معالجة جذور الأزمة أو الأسباب الرئيسة وراء سلك المهاجرين سُبل المنفى. وهذا مايفاقم شعور اللاجئين باليأس. ففيما يواجهون احتمالات خاسرة في جميع الأحوال، فقدت فكرة العودة الطوعية معناها، ذلك أنهم مضطرّون للاختيار بين الفقر المدقع والتعرّض إلى الاستغلال في الدول المضيفة، وبين حالة انعدام الأمن والاضطهاد المُحتمل في سورية.

هوامش

1 المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، "بعد خمسة أعوام من الصراع في سورية: أكبر أزمة لجوء ونزوح في عصرنا تتطلب تضامناً أكبر"، 15 آذار/مارس 2016، http://www.unhcr.org/ar/news/latest/2016/3/56e7bb806.html

2 مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "2018 لمحة عامة عن الاحتياجات الإنسانية: الجمهورية العربية السورية"، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تشرين الثاني/نوفمبر 2017، https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/HNO_Summary_Arb_171127.pdf

3 Human Rights Watch, “EU Policies Put Refugees At Risk,” Human Rights Watch, December 6, 2016, www.hrw.org/news/2016/11/23/eu-policies-put-refugees-risk.

4 مهى يحي، "اللاجئون وصناعة الفوضى الإقليمية العربية"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، http://carnegie-mec.org/2015/11/09/ar-pub-62393

5 “Lebanese President Calls for Safe Zones in Syria for Refugees,” Reuters, February 3, 2017, https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-syria-aoun/lebanese-president-calls-for-safe-zones-in-syria-for-refugees-idUSKBN15I1WQ

6 Joey Ayoub, “Lebanese Politicians are scapegoating Syrian refugees”, New Arab, April 13, 2017, https://www.alaraby.co.uk/english/comment/2017/4/13/lebanese-politicians-are-scapegoating-syrian-refugees.

7 هيومن رايتس ووتش، ""لا أعرف لماذا أعادونا": ترحيل وإبعاد الأردن للاجئين السوريين"، هيومن رايتس ووتش، 2 تشرين الأول/أكتوبر 2017، https://www.hrw.org/ar/report/2017/10/02/309687#page

8 البنك الدولي، "خسائر الحرب: التبعات الاقتصادية والاجتماعية للصراع في سورية"، البنك الدولي، تموز/يوليو 2017، http://www.albankaldawli.org/ar/country/syria/publication/the-toll-of-war-the-economic-and-social-consequences-of-the-conflict-in-syria

9 Jeanne Gobat and Kristina Kostial, “Syria’s Conflict Economy,” International Monetary Fund, Working Paper WP/16/123, June 2016, https://www.imf.org/external/pubs/ft/wp/2016/wp16123.pdf.

10 البنك الدولي، "خسائر الحرب".

11 المجلس النرويجي للاجئين، "مذكرة موجزة: الإسكان والأراضي والملكية في الجمهورية العربية السورية"، المجلس النرويجي للاجئين، أيار/مايو 2016، https://www.nrc.no/resources/reports/syrian/

12 البنك الدولي، "خسائر الحرب".

13 Physicians for Human Rights, “Doctors in the Crosshairs: Four Years of Attacks on Health Care in Syria,”, Physicians for Human Rights, March 2015, https://www.scribd.com/document/258471592/Doctors-in-the-Crosshairs.

14 للاطلاع على عدد اللاجئين غير المسجلين في لبنان، انظر: Maja Janmyr, “The Legal Status of Syrian Refugees in Lebanon,” Refugee Survey Quarterly 35, no. 4 (2016): 58–78;
وللاطلاع على عدد اللاجئين غير المسجلين في الأردن، انظر: Sally Hayden, “Forced Back to Syria? Jordan’s Unregistered Refugees Fear Deportation,” Reuters, February 22, 2017, https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-jordan-refugees/forced-back-to-syria-jordans-unregistered-refugees-fear-deportation-idUSKBN16100I;
وانظر أيضاً: Wesley Dockery, “What’s Jordan’s Policy Towards Syrian and Iraqi Refugees?” InfoMigrants, November 5, 2017, http://www.infomigrants.net/en/post/5470/what-s-jordan-s-policy-towards-syrian-and-iraqi-refugees;
وأيضاً: International Refugee Trust, “Jordan and the Syrian Refugee Crisis,” International Refugee Trust Jordan Archives, No date, https://www.irt.org.uk/2017/03/15/jordan-syrian-refugee-crisis/

15 حلقة النقاش الرقم 2 في بيروت، لبنان، 1 شباط/فبراير 2017.

إطار سياسة عامة للاجئين في لبنان والأردن

على رغم أن لبنان والأردن يتعاملان مع أكبر دفق من اللاجئين السوريين، تُظهر أطرهما القانونية التباساً عميقاً في مقاربة هذه المسألة. ففي وقتٍ استقبل البلدان أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين في مراحل مختلفة، لم يصادق أي منهما على اتفاقية الأمم المتحدة للعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين أو بروتوكول العام 1967 المُلحق بها.1 فقد عرّفت هذه الاتفاقية تصنيف اللاجئين وحدّدت واجبات الدول المضيفة إزاءهم، بما في ذلك ضمان حقوقهم في حرية الحركة والتنقل، والحماية، والعدل، والعمل. كما ألغى البروتكول القيود الجغرافية والزمنية التي تُحدّد وحسب تطبيق الاتفاقية على الأفراد النازحين في الحرب العالمية الثانية وحتى العام 1951. الركن الأساسي للاتفاقية والبروتوكول هو مبدأ عدم الإعادة القسرية- أي أنه لا يمكن إرغام اللاجئين على العودة القسرية إلى حيث قد تتعرّض حياتهم أو حريّتهم للتهديد مهدّدة وحياتهم مُعرّضة إلى الخطر.

على خلاف اتفافية العام 1951 والبروتوكول المُلحق بها، تعتبر حكومتا لبنان والأردن أن الهاربين ضيوفٌ لا لاجئون. وعليه، لا يُعتبر أيٌّ من البلدين مُلزمَين بالاعتراف بالحقوق التي تضمنها الاتفاقية، ما لم تنُصّ على هذه الحقوق معاهدات دولية أخرى، على غرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي المقابل، يعتمد خير ومصلحة اللاجئين فقط على سخاء الدول المضيفة والوكالات الدولية. وترمي مقاربة الاستضافة هذه، جزئياً، إلى الحؤول دون اندماج اللاجئين وضمان عودتهم في نهاية المطاف إلى الدول التي يتحدّرون منها.

مخاوف الدول المضيفة

على رغم الترحيب الأولي بهم، تعكس السياسات المُنتهَجة تدريجياً في لبنان والأردن مخاوف عميقة مما قد يترتب على طول مدّة تواجد اللاجئين السوريين في البلدين. هذا الموقف المُتحفّظ منهم يطال كل شيء من ظروف إقامتهم، وحركتهم، وحصولهم على الوظائف والتعليم والعناية الصحية، وإن كانت مستويات التحفّظ تتباين من بلد إلى آخر.

وتتردد في مواقف لبنان والأردن، على رغم أنها ساهمت في مفاقمة عسر حياة اللاجئين، أصداء تجارب كل من البلدين الخاصة مع اللاجئين. فكلاهما استوعب أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين بعد الحرب العربية– الإسرائيلية في العام 1948 وإنشاء دولة اسرائيل. وواجه كلا البلدين موجة لاجئين فلسطينيين جديدة على إثر الحرب العربية- الإسرائيلية في حزيران/يونيو 1967، ووصل عدد إضافي من الفلسطينيين إلى لبنان من الأردن عقب النزاع المسلّح بين القوات المسلّحة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1970-1971.

غداة موجة اللاجئين السوريين الأولى في العام 2011، شعر الأردنيون، خصوصاً الشرق أردنيون، بالقلق من الآثار المحتملة لهذه الموجة على النسيج السكاني والهوية الأردنية، فيما شعر اللبنانيون بالقلق من تداعياتها على توازنات الطوائف اللبنانية.2 ويخشى أردنيو الضفة الشرقية من أن يصبحوا أقلية، في بلد كانت لهم الغلبة إلى وقت قريب، بينما يخاف اللبنانيون من أن تقوّض الأعداد الضخمة من السكان السوريين، ومعظمهم من السنّة، التوازن المذهبي والطائفي الدقيق في البلاد، وتغيّر في خاتمة المطاف وجهه السياسي. وجاء عدم حلّ أزمة اللاجئين الفلسطينيين ليعمّق مشاعر قلق الأردنيين واللبنانيين هذه.

تُضاف إلى هذا القلق المشاغل الأمنية في البلدين، مع رجحان كفة مجموعات متطرّفة لبعض الوقت في عدد من دول المنطقة، وفي سورية تحديداً. فقد اعتُبرت جماعات اللاجئين، وغالباً بشكلٍ مُجحف، هدفاً مثالياً للتجنيد في مثل هذه المجموعات، ولاسيما عقب الهجمات الإرهابية التي شهدها البلدان. وعلى رغم أن الضرورات الأمنية، مثل المخاوف الديموغرافية أو الطائفية، لا تسوّغ سوء معاملة اللاجئين، إلا أنها تفسّر جزئياً أسباب المواقف المتغيّرة للبنان والأردن من وجود أعداد كبيرة من السوريين. غير أن أكثر من تكبّد أثماناً باهظة ترتّبت على هذا الوضع هم اللاجئون أنفسهم الذين، على رغم أنهم ضحايا، صاروا في موقع اللوم والشُبهة.

في خاتمة المطاف، تتباين نوعية حياة اللاجئين في المجتمعَين اللبناني والأردني تبايناً كبيراً نتيجة السياسات الدولتية، والمظالم السياسية، وتلك المتعلقة بمسألة الهوية، والوضعية الثقافية والاجتماعية- الاقتصادية. ففي الأردن، أرست الحكومة المركزية إطاراً قانونياً واضحاً وآليات تنفيذ لمعالجة أزمة اللاجئين. لكن هذا الإطار بات يضرّ باللاجئين، نتيجة انتهاج سياسات أكثر تشدّداً. وعلى خلاف الأردن، منحت الحكومة اللبنانية، وهي كانت غارقة في مأزق سياسي حين اندلع النزاع، المؤسسات المحلية هامش عمل أوسع في التعامل مع سيل اللاجئين، وأرست آليات تطبيق اعتباطية. وفي وقت أفسحت هذه المقاربة المجال أكثر أمام العمالة غير الرسمية والإسكان غير الشرعي، جعلت اللاجئين أكثر عرضة إلى الاستغلال، وأدت إلى تحديات ممثالة لتلك التي يواجهونها في الأردن. وفي كلا البلدين، ألحق طول الأزمة السورية ضرراً متعاظماً في العلاقات بين اللاجئين السوريين وبين المجتمعات المضيفة، ما دفع إلى التساؤل حول معاملة اللاجئين على الأمد الطويل وحول خيرهم ومصلحتهم.

اللاجئون السوريون في لبنان

يحتضن لبنان، اليوم، أكبر عدد من اللاجئين في العالم قياساً على عدد سكانه.3 وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يقيم 995512 لاجئاً سورياً في لبنان.4 وتزعم الحكومة اللبنانية أن ثمة 500 ألف لاجئ إضافي إقامتهم غير قانونية في البلاد، مايرفع بالتالي عددهم الإجمالي المقدَّر إلى حوالى مليون ونصف المليون لاجئ.5 وفي 6 أيار/مايو 2015، علّقت المفوضية تسجيل اللاجئين نزولاً على طلب الحكومة اللبنانية.6

تشكّل النساء والفتية (تحت الثامنة عشرة) أكبر شريحة من مجمل اللاجئين، حيث تبلغ نسبتهما 53 في المئة و55 في المئة على التوالي. وتُعتبر الإناث على رأس ما يقارب 19 في المئة من أسر اللاجئين.7 وتوزيع اللاجئين متفاوت بين مناطق لبنان الجغرافية، مع كثافة أكبر في المناطق الساحلية والمدن الكبيرة، خصوصاً بيروت. وتتركّز كثافة الشباب تحديداً في المحافظات الساحلية حيث فرص العمل أكبر. وبيروت هي المحافظة الوحيدة التي يفوق فيها عدد الذكور (52 في المئة) عدد الإناث.8

يُواجه اللاجئون في لبنان صعوبات اقتصادية وقانونية واجتماعية كبيرة. وقد حدّد المشاركون في حلقات النقاش التي شكّلتها كارنيغي أن أبرز التحديات أمامهم هي ارتفاع كلفة المعيشة والحصول على الوثائق القانونية، يليهما الحصول على العمل والتعليم، والممارسات التمييزية. المواطن السوري عمّار، المقيم في لبنان، أحسن إيجاز المآزق التي يواجهها اللاجئون حين قال:

تعبتُ من لبنان، لكن لا يسعني مغادرته. فإقامتي هنا غير قانونية منذ عامين. وإذا رغبت في الذهاب إلى سورية سيطلبون مني دفع 400 دولار على الحدود... وزوجتي مثلي غير قانونية الإقامة، وسأحتاج إلى أن أدفع عنها 400 دولار إضافية. وابنتي ولدت في لبنان، وذنبها الوحيد هو ولادتها هنا وعجزي عن تسجيلها. أحتاج إلى دفع 400 دولار إضافية لتسوية أوضاعنا وحيازة إقامة قانونية، أي يتوجّب علي دفع 1200 دولار عنا كلّنا. لا نتلقى أي مساعدات. وراتبي 500 ألف ليرة لبنانية (333 دولار) شهرياً، وعليّ دفع 250 ألف ليرة لبنانية (166 دولار) شهرياً للإيجار، وعندي أولاد. نحن في فصل الشتاء... وإذا رغبت في شراء وقود للتدفئة، لن يبقى في جعبتي شيء. فكيف يُفترض بنا أن نعيش ونصمد؟ وهذا يعني أنهم يضغطون علينا ويقولون لنا "أنتم أمام خيارين: إما أن تتحولوا إلى إرهابيين، أو إلى لصوص... وهذا ما لا نرغب فيه. نريد حلّاً يعيد لنا كرامتنا- لا أكثر ولا أقل".9

ليست الحالة العسيرة هذه التي يواجهها اللاجئون السوريون محض صدفة، ذلك أن المقاربة اللبنانية حيال الأزمة تنطوي على عوامل أربعة هي: ضخامة عبء اللاجئين على بلد صغير؛ ومخاوف ديموغرافية؛ وتجارب سابقة مع اللاجئين؛ وخلل سياسي محلّي ساهم في وضع سياسة لاجئين غير متماسكة. وليس مفاجئاً في مثل هذا السياق أن يتعاظم التوتر بين اللبنانيين والسوريين، ما يفاقم التحديات التي يواجهونها.

في ظل غياب خطّة موحّدة، بادرت الحكومة اللبنانية إلى سلسلة سياسات في الأعوام الخمسة الماضية للتعامل مع أزمة اللاجئين. وقد أملى القلق الأمني وانسداد الآفاق السياسية، والتحديات البنيوية المتعلقة بتلبية حاجات سيل مفاجئ من اللاجئين، هذه السياسات- وهي تؤثّر في إقامة اللاجئ، وعمله، وسكنه، وحصوله على خدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم. وعلى رغم أن لبنان وفّر ملاذاً آمناً للاجئين، ساهمت هذه السياسات في مفاقمة هشاشة أوضاعهم وتهميشهم.

ومن ناحية أخرى، وبسبب الشلل السياسي، فُوِّضت السلطات المحلية بمراقبة اللاجئين وتنظيم وجودهم. فعلى سبيل المثال، كُلِّفت البلديات بتعداد اللاجئين وإدارة تدفّقهم المفاجئ إلى تلك المناطق. غير أن عدداً كبيراً منها تجاوزت ذلك، إذ فرضت 142 بلدية، بدءاً من العام 2017، حظر تجوّل مسائياً على اللاجئين السوريين، وقيّدت حركتهم.10

سياسة ردع: متطلبات الإقامة

أظهرت سياسة الحدود المفتوحة التي يتّبعها لبنان مع سورية من 2011 إلى نهاية 2014، رغبة قوية في مساعدة السوريين المحتاجين إلى ملاذ. لكن، مع تعاظم النزاع وتوسّعه في تلك المرحلة- ما فاقم الضغط على قدرات لبنان على مساعدة عدد كبير من اللاجئين السوريين- انتهجت الحكومة تدريجياً سياسة ردع رمت إلى الحد من أعداد اللاجئين الذين يتدفّقون إلى لبنان.

ففي العام 2013، حين ارتفعت وتيرة تدفق اللاجئين إلى لبنان بشكلٍ ملحوظ، بدأت الحكومة تطبيق إجراءات تقييدية، اقتصرت أولاً على اللاجئين الفلسطينيين الآتين من سورية، ثم توسّعت لتشمل السوريين كلهم باستثناء أبناء المناطق الحدودية.11 ولأن لبنان لم يصادق على اتفاقية الأمم المتحدة المُبرمة في 1951 حول اللاجئين، أُطلقت، إلى حد بعيد، يد ضباط مديرية الأمن العام في رفض دخول اللاجئين، وانتُهك مبدأ عدم الإعادة القسرية.12

وفي كانون الأول/ديسمبر 2014، وضع الأمن العام إجراءات تقيّد دخول السوريين،13 وتقضي بأن يدفع السوريون الراغبون في الحصول على الإقامة أو تجديدها، تعرفة قدرها 200 دولار سنوياً، وأن يقدّموا جواز سفر صالحاً أو بطاقة هوية، وأن يسلّموا الأمن العام وثيقة يوقّعها مواطن لبناني يتعهّد بموجبها بكفالة المواطن السوري أو الأسرة السورية.14

خلّف هذا أثراً فورياً في عملية تسجيل اللاجئين. فبين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 2015، وثّقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين انخفاض نسبة تسجيل اللاجئين بنسبة 80 في المئة، وفي نهاية تموز/يوليو 2015، ارتفعت نسبة الأسر السورية التي لاتملك إقامة سارية الصلاحية، من 9 في المئة إلى 61 في المئة.15 وساهم الطلب الذي وجّهته وزارة الشؤون الاجتماعية في أيار/مايو 2015 إلى المفوضية بتعليق تسجيل اللاجئين الجدد في مواصلة هذا المنحى. ومع حلول العام 2017، لم يكن لدى 74 في المئة من اللاجئين السوريين مابين 15 سنة وما فوق تصريح إقامة قانونية.16

في ظل هذه المعطيات، ونظراً إلى ارتفاع التكاليف المالية، لم يكن مفاجئاً أن يفتقر معظم المشاركين في حلقات النقاش مع كارنيغي إلى أوراق إقامة قانونية. وفي غياب الأوراق القانونية، كانت حركتهم مقيدة، ودرجوا على تجنّب الانتقال بين المناطق الجغرافية مخافة الاعتقال عند حواجز الجيش أو قوى الأمن الداخلي. كانوا كذلك عرضةً إلى الاستغلال على يد الكفلاء اللبنانيين الذين كانوا مُطلقي اليد في تحديد مبالغ كبيرة مقابل كفالة السوري. وبحسب كريم اللاجئ الشاب: "صار نظام الكفالة مثل المقاولة التجارية، فإما أن أدفع المال أو يجدون طرقاً أخرى للاستفادة مني".17

قال عدد كبير من الذكور المشاركين في حلقات النقاش إنهم اعتُقلوا بسبب افتقارهم إلى الوثائق القانونية. وعّبروا عن مستويات عالية من القلق من احتمال وشاية جيرانهم أو أصحاب العمل بهم للسلطات اللبنانية. لذا، كثرٌ منهم كانوا غير مستعدين لإبلاغ السلطات عن أي انتهاكات لحقوقهم أو تعدّيات عليهم، اعتقاداً منهم ألّا فائدة من ذلك وأن العدالة لن تأخذ مجراها.

قيود على العمل

يواجه اللاجئون السوريون قيوداً أكبر في فرص التوظيف. فاتفاق التعاون والتنسيق الاقتصادي الاجتماعي بين الجمهورية اللبنانية والجمهورية العربية السورية، المُبرم في 1993، أكّد على حرية حركة اللبنانيين والسوريين بين بلديهما، وحقّ مواطنيهما في العمل في لبنان أو سورية استناداً إلى قوانين العمل مرعية الإجراء في كل من البلدين.18 وقد مكّن الاتفاق شطراً كبيراً من السوريين من العمل في قطاعات لايعمل فيها اللبنانيون أو يرفضون قبول الرواتب المتدنية نفسها التي يتقاضاها السوريون.

لكن، في كانون الأول/ديسمبر 2014، أصدرت وزارة العمل تعميماً يقصر القطاعات المفتوحة للعمل أمام السوريين في قطاعات البناء والزراعة والتنظيف.19 ثم ألحقت به مرسوماً يطلب من أصحاب العمل (1) تقديم أدلة تثبت أنهم حاولوا العثور على عمال لبنانيين لأداء الوظيفة نفسها و(2) التزام نسبة لا تقل عن 10 عمال لبنانيين إلى عامل أجنبي واحد.20 ويقتضي المرسوم هذا بدوره من السوريين الساعين إلى العمل، الحصول على كفيل لبناني، غالباً ما يكون رب العمل، يوقّع "تعهّداً بالمسؤولية". وقد بات اللاجئون المسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذين يسعون إلى تجديد تسجيلهم، غير مؤهلين للعمل في لبنان بذريعة أنهم يتلقّون مساعدات إنسانية.21 ويشير استطلاع صادر في 2014 عن منظمة العمل الدولية إلى أن 92 في المئة من اللاجئين السوريين العاملين في لبنان ليس لديهم عقود عمل قانونية، فيما 56 في المئة منهم مياومون أو يتقاضون أجراً أسبوعياً.22

النساء هن تحديداً الحلقة الأضعف. فمع أن الأسر التي ترأسها إناث تشكّل 19 في المئة من مجمل عائلات اللاجئين في لبنان، تُقدَّر نسبة الإناث العاملات بحوالى 7.6 في المئة، وهي أدنى من نسبة العمالة في صفوف الذكور المقدّرة بنحو 5 في المئة، مايشير إلى أن وضع الإناث أكثر هشاشة من وضع الذكور.23 وبالفعل، لم يكن أي من أفراد حوالى 56 في المئة من الأسر التي ترأسها إناث، يعمل في الشهر الذي سبق الاستطلاع، قياساً على 32 في المئة من الأسر التي يرأسها الذكور.

وهكذا، ليس مفاجئاً بعد كل ذلك أن يعيش نحو 76 في المئة من اللاجئين السوريين تحت خطر الفقر، المُحدد بـ3.84 دولاراً يومياً في لبنان.24 واعتباراً من 2017، بلغ متوسط الدخل الشهري للاجئين السوريين من الذكور 206 دولارات،25 فيما تتقاضى اللاجئات الإناث متوسط دخل أدنى يبلغ نحو 159 دولاراً شهرياً فقط. وكلا الدخلين يُعتبران أقل بكثير من متوسط الدخل الشهري في لبنان البالغ 450 دولاراً.26 ويقول عبدو من درعا: "ربما كان الموت أفضل لنا، وأعني هنا كل كلمة أقولها، فذلك أفضل من هكذا حياة. تخيّل حال طفلة من دون حليب لتشرب، ومن دون حفاضات... وإذا اشتريتها، أحرم سائر أفراد الأسرة من الدخل. فأنا المعيل الوحيد في أسرة من ثمانية أشخاص".27

يلقى السوريون من أصحاب الكفاءات العالية عوائق كثيرة في العثور على عمل تفوق تلك التي يتعثّر بها السوريون من ذوي الكفاءات الأدنى، نظراً إلى صعوبة حصولهم على أذونات عمل. وهذا مادفع كثرين إلى العمل بصفة غير قانونية، وباتوا عرضة إلى الاستغلال. معظم المشاركين في حلقات النقاش أشاروا إلى أنهم يعانون من انتهاكات في مكان العمل، بما في ذلك عدم احترام صاحب العمل لهم؛ وتقاضي راتب أدنى أو لا شيء مقابل عمل منجز؛ والإنهاء التعسُّفي للتوظيف.28

مساكن رثّة

خيارات سكن اللاجئين في لبنان محدودة ولاتطابق غالباً الحدّ الأدنى من معايير ضمان عدم الإخلاء التعسُّفي، وصلاحية السكن، وبدل إيجار معقول.29 وقد رفضت الحكومة اللبنانية إنشاء مخيمات للاجئين السوريين، لأنها تخشى تكرار التجربة الفلسطينية واحتمال استقرار السوريين بشكل دائم في البلاد.30 لذا، ووفق دراسات صادرة في 2017 عن برنامج الأغذية العالمي، يقيم 73 في المئة من أسر اللاجئين في مبان سكنية، و17 في المئة في تجمعات خيم عشوائية، و9 في المئة في بنى غير سكنية، مثل مرائب السيارات، وورشات العمل، ومواقع البناء.31 وتمثّل الإيجارات عبئاً كبيراً على اللاجئين، فمتوسط كلفة الإيجار الشهري، سواء لشقة مستأجرة أو خيمة مؤقتة، تقدّر بـ183 دولاراً، وهو مبلغ يناهز متوسط دخل اللاجئين الذكور الشهري (206 دولارات)، ويفوق متوسط دخل اللاجئات الشهري (159 دولاراً).32

يلاحظ بشكل خاص أن أكثر من نصف اللاجئين يعيشون في مساكن مكتظّة و/أو مهملة.33 وفي وقت يقول 80 في المئة من اللاجئين إنهم يدفعون إيجاراً، 6 في المئة منهم فقط يملكون عقود إيجار موثّقة؛ والباقون معرّضون في أي لحظة إلى الطرد من دون حماية قانونية.34 واللاجئون، في الواقع، عرضة إلى طرد لا يحتكم إلى أوامر محكمة أو إجراءات قانونية.35 وفي الوقت نفسه، ساهم ارتفاع الطلب على وحدات الإيجار في المناطق الفقيرة، بين 2012 و2013، في رفع الأسعار بنسبة 44 في المئة.36 وهذا ما فاقم من شعور الاستياء المتنامي تجاه اللاجئين في المجتمعات المحلية. 37

صعوبة الوصول إلى الخدمات

على رغم أن الحكومة اللبنانية بذلت جهوداً متّسقة لتحسين وصول اللاجئين إلى قطاعات التعليم والخدمات الصحية، إلا أن تحديات كبيرة لاتزال قائمة. وقد اشتكى المشاركون في حلقات النقاش من ضعف نوعية التعليم، وسوء معاملة المعلمين للأطفال السوريين، وعدد الساعات المحدود المخصص للتعليم، كما أبدوا قلقهم من تكاليف العناية الصحية الباهظة، ومحدودية قدرتهم على الاستشفاء في المستشفيات.

بادرت وزارة التعليم العالي، في 2014، بدعم من أطراف دولية، إلى تدشين استراتيجية لتوفير التعليم لجميع الأطفال، من أجل تحسين نظام التعليم الوطني، وتعزيز معايير التدريس، ودعم تسجيل التلاميذ اللاجئين. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الأخير، رفعت الوزارة عدد المدارس التي توفّر دوام تعليم إضافي لاستقبال عدد أكبر من التلاميذ.38 وعليه، بلغت، في العام 2017، نسبة الأطفال اللاجئين مابين السادسة والرابعة عشرة من العمر الذين يرتادون المدرسة، 70 في المئة.39 ويُعتبر هذا إنجازاً ملفتاً، على رغم أن مشكلات وثيقة الصلة بنوعية التعليم وبيئة المدرسة بقيت على حالها. فقد اضطرت المدارس الرسمية إلى العمل بقدرات تفوق طاقتها لاستقبال الأطفال اللاجئين.40 وساهم غياب إلفة التلامذة السوريين بالمنهج الإنكليزي أو الفرنسي، والتنمّر، والتمييز، في ارتفاع معدلات التسرّب المدرسي. تقول فاطمة، وهي لاجئة من حلب: "أول ما تفعله ابنتي حين تعود من المدرسة هو البكاء، لأن زميلاتها في الصف يقولون لها باستمرار إنها سورية، على رغم أنها في تلك المدرسة منذ أربع سنوات".41

إلى ذلك، نسبة الأطفال فوق الثانية عشرة من الذين يرتادون المدرسة، بالغة التدني: فقط 13 في المئة من الأطفال بين الثانية عشرة والرابعة عشرة من العمر يرتادون المدرسة، والنسبة هذه تتدنى إلى 4 في المئة فقط في أوساط من هم بين الخامسة عشرة والثمانية عشرة في مرحلة التعليم الثانوي، وهذا ما يفسَّر جزئياً بارتفاع معدل التحاق من هم فوق سن الرشد بالمدارس الابتدائية.42 وفي الوقت نفسه، معظم اللاجئين في سن التعليم الثانوي والجامعي تركوا الدراسة بسبب ارتفاع رسوم التعليم، والصعوبات البيروقراطية التي تعترض دخول الجامعات اللبنانية، أو التحديات المتعلّقة بمصادقة شهادات حازوا عليها من المدرسة أو الجامعة في سورية. ونتيجةً لذلك، أشار معظم الشباب المشاركين في حلقات النقاش إلى أنهم عملوا في أعمال منخفضة المهارات حين وصولهم إلى لبنان. كما أن الأطفال الذين يلجأون إلى تعليم غير رسمي يتكبدون أعباء إضافية مثل عدم الاعتراف بمثل هذا التعليم رسمياً.

وفي مجال الرعاية الصحية، وصل عدد كبير من اللاجئين إلى لبنان وهم مصابون، أو صدمات نفسية، و/أو أمراض مزمنة خطيرة تقتضي عناية مستدامة. وتفاقم ظروف العيش السيئة في أوساط كثير من اللاجئين، هذه التحديات الصحية. وابتداءً من 2015، كان ثلث النازحين السوريين يفتقرون إلى مياه شفة آمنة، ولم تكن المراحيض متوافرة لنحو 12 في المئة منهم، ما أسفر عن تفشّي دوري لأمراض معدية مثل الزُحار (أو الديزنطاريا).43

وعلى رغم الاحتياجات الكبيرة، فإن وصول اللاجئين إلى الرعاية الصحية كان محدوداً. ومع أن المستشفيات الحكومية مُلزمة قانونياً بخدمة المُستضعفين، سواء تمتعوا بتأمين صحي أم لا. يُطلب من المرضى السوريين دفع 25 في المئة من تكاليف الرعاية الصحية الفردية. وتوفّر وزارة الشؤون الاجتماعية، بشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وعدد من المنظمات غير الحكومية، للاجئين عناية صحية أوّلية ومتخصصة عن طريق مراكز محدّدة وإحالات إلى المستشفيات. وعلى رغم أن اللقاحات مجانية، إلا أن أي استشارات أخرى تستلزم دفع بدل. وتوفّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دعماً يشكّل 75 في المئة من الرعاية الصحية الثانوية المتخصصة، وتترك للاجئين تسديد ماتبقى، أي 25 في المئة بالإضافة إلى ثمن الأدوية. وألقى عجز لاجئين كثيرين عن تسديد مثل هذه النسبة، أعباء ضخمة على المستشفيات الحكومية.44 حتى أن بعضاً من المستشفيات، يرفض اليوم، استقبال مرضى سوريين.45 وعموماً، خلّفت حاجات اللاجئين أثراً بالغاً في النظام الصحي اللبنانية، وزاد الطلب على المستشفيات حوالى 40 في المئة. وهذه الزيادة أثّرت سلباً في نوعية الخدمات المقدّمة إلى اللبنانيين، ما فاقم الاستياء حيال اللاجئين.46

يرى اللاجئون أنهم مُجبرون على اتخاذ خيارات عسيرة، إذ إن الدعم الصحي لايشمل إصابات مميتة أو أمراضاً طويلة الأمد أو حالات مزمنة، مثل السرطان والفشل الكلوي. فيعود كثيرون إلى سورية للعلاج، لكن بينهم من يقرر أن العودة بالغة الخطورة، فيتخبط من دون رعاية صحية، ويذوي.

تفاقم التوترات

تدهورت العلاقات بين اللاجئين وبعض الجماعات المحلية اللبنانية في الأعوام الأخيرة. وهذا يعود في شطر راجح إلى تبنّي السياسيين خطاباً عاماً مؤذياً، وإلى اعتقاد كثير من اللبنانيين أن وجود اللاجئين السوريين فاقم دراماتيكياً تدهور أحوالهم الأمنية وقدرتهم على الحصول على خدمات نوعية. وفي استطلاع شمل لبنانيين وسوريين في العام 2015، أشار مشاركون لبنانيون إلى تنامي شعورهم بغياب الأمان، وهو شعور فاق نظيره في أوساط لاجئين سوريين يقيمون في الأحياء نفسها. غير أن عدداً قليلاً فقط من اللبنانيين أبلغ عن وقوعه ضحية اعتداء، لكن معظمها ارتُكب على أيدي لبنانيين.47 وبحسب مشاركين سوريين، غالباً مايزعم اللبنانيون أن السوريين يسرقون منهم فرص العمل لكن في 2017، كان أكثر من 50 في المئة من السوريين يعملون في قطاعيْ البناء والزراعة- أي في الأعمال التي كان السوريون يقومون بها قبل اندلاع النزاع السوري.48

بسبب هذا الانطباع عن السوريين، قام لبنانيون بمهاجمة لاجئين، غداة حوادث أمنية، على غرار التفجيرات، وفي بعض الحالات عمدت السلطات المحلية إلى إنزال عقوبات جماعية بالسوريين بعد جرائم فردية.49 على سبيل المثل، في أيلول/ديسمبر 2017، بعد اغتصاب وقتل رجل سوري شابة، طرد المجلس البلدي في مزيارة في شمال لبنان السوريين من البلدة، باستثناء أولئك الذين يملكون إقامة صالحة ورخصة عمل.50 مثل هذه الردود أكثر انتشاراً مما يعتقد كثر، فما يزيد عن نصف المشاركين في حلقات كارنيغي للنقاش، بلّغوا عن حوادث تحرّش واعتداء جسدي.

أدّى الخطاب التحريضي وأحياناً المعادي للأجانب لبعض القادة السياسيين اللبنانيين، إلى تأجيج التوترات ورفع احتمالات العنف.51 لكن، في دراسة صادرة عن برنامج الأغذية العالمي، أشار اللاجئون إلى أن جيرانهم، وليس السلطات، هم غالباً من يقف وراء حوادث التحرّش والأذية.52 وقال مشاركون في مجموعات كارنيغي للنقاش أن شطراً راجحاً من التمييز وثيق الصلة

بشكاوى عشوائية من الجيران، والتنمّر في الشارع، وتعليقات عنصرية. وشكا لاجئون من دير الزور والرقة من تمييز أكثر حدّة بسبب تحدّرهم من شرق سورية.

يُرجح أن تتدهور ظروف اللاجئين السوريين في لبنان مع توالي النزاع السوري فصولاً، خصوصاً في غياب إطار تنظيمي موحّد وواضح. وقد وضعت مقاربة لبنان المرتجلة والطارئة المجتمعات المحلية في الجبهة الأمامية أمام أزمة اللاجئين، وتركت هؤلاء الأخيرين عرضة إلى الاستغلال وحدّت من قدرتهم على تلبية حاجاتهم الأساسية.

اللاجئون السوريون في الأردن

على غرار لبنان، تكبّد الأردن، منذ 2011، عناء استقبال سيل من اللاجئين السوريين، وأصبحت سياسته أكثر تقييداً للاجئين مع الوقت. وعلى رغم من ذلك، كانت ردود الأردن، التي شكّلها أيضاً تنامي القلق الأمني والمخاوف الديموغرافية والتحديات الهيكلية، أكثر تنظيماً بكثير. ففي ظل غياب العقبات السياسية، عكست هذه الردود وجود استراتيجية واضحة في وقت مبكّر. مع ذلك، كان لسياسات الأردن تأثير بالغ على حرية اللاجئين في التحرُّك، والإقامة، والعمل، والإسكان، والتعليم، والرعاية الصحية. وفي 2016، إثر هجوم تبنّاه تنظيم الدولة الإسلامية، أغلق الأردن كافة المعابر الحدودية المفتوحة المتبقية مع سورية، وهو يواصل ترحيل بعض اللاجئين قسراً.

هذا وتقدّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد اللاجئين المُسجلين في الأردن حالياً بـ659 ألف لاجئ،54 فيما قدّرت الحكومة الأردنية في 2017 أن ثمة 643 ألف لاجئ سوري إضافي غير مُسجلين.55 هؤلاء ربما لم يخططوا لإقامة طويلة الأمد في الأردن أو لايعرفون طرق التسجيل أو لا يستطيعون الوصول إلى مراكز التسجيل بسهولة، أو ربما يخشون الطرد والاضطهاد على يد النظام السوري.56 العدد الإجمالي للاجئين متوازن نسبياً من حيث الجندر، ويشكّل الشباب دون الثامنة عشرة من العمر نحو نصفهم، فيما 30 في المئة من الأسر ترأسها نساء.57

مثلهم مثل أترابهم في لبنان، يواجه اللاجئون السوريون تحديات اقتصادية واجتماعية ضخمة، خاصةً في مجال الحصول على المأوى والتعليم والرعاية الصحية والعمل. وحتى قبل اندلاع الأزمة، كان الأردن يواجه أصلاً تحديات تنموية جمّة، بما في ذلك نقص المياه وجمود النمو الاقتصادي (الذي يُقدّر متوسّطه بـ2.6 في المئة سنوياً منذ العام 2011).58 وقد حدّد المشاركون في حلقات كارنيغي للنقاش، ارتفاع كلفة المعيشة كأهم التحديات التي يواجهونها، ويتفاقم الوضع بسبب عدم وجود فرص العمل. ويقول خالد من درعا: "المشكلة الأساسية هي تغطية نفقاتنا، خصوصاً بدل الإيجار عند مطلع كل شهر. فالمشاكل المالية في الأردن تتفاقم بسبب ارتفاع كلفة المعيشة".59

سياسة ردع: متطلبات الإقامة

كما في لبنان، أظهرت سياسة الحدود المفتوحة التي انتهجها الأردن بين 2011 و2014، التزامه توفير ملاذ آمن للسوريين. لكن في تلك المرحلة، أدّى القلق الأمني إلى إغلاق تدريجي للحدود أمام حركة العبور، مع زيادة القيود المحدودة على حركة اللاجئين السوريين. فمعبر جابر مُغلق منذ 2015، إثر سيطرة متشدّدين عليه من الجهة السورية. 60 وأدّى هجوم انتحاري على حاجز الجيش في الركبان في حزيران/يونيو 2016، وقيل إن تنظيم الدولة الإسلامية قد نفّذه، إلى إغلاق معبريْ الركبان والحدلات.61 ومذّاك، لم يُفتح أي منهما أمام اللاجئين عدا في حالات نادرة.

ابتداءً من 2012، نُقل اللاجئون السوريون الذين دخلوا الأردن من معابر رسمية إلى مخيمات رسمية للاجئين، حيث في مقدورهم التسجيل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحصول على وثيقة إثبات طلب اللجوء. لكن أربع مجموعات من الأشخاص رُفض دخولهم دورياً، ما يحرّمه مبدأ عدم الإعادة القسرية: اللاجئون الفلسطينيون والعراقيون المقيمون في سورية، والرجال غير المتزوجين في سن القتال، والأشخاص من دون أوراق ثبوتية.62 أجبرت هذه القيود لاجئين كثر إلى التسلل إلى البلاد، وغالباً عن طريق شبكات تهريب بشري، فكانوا عرضة أكثر إلى مخاطر الاستغلال والإساءة.63

في هذه الأثناء، لايسع اللاجئين المقيمين في المخيمات مغادرتها إلا إذا "كفلهم" كفيل، وتحديداً قريب أردني في سن الخامسة والثلاثين وما فوق.64 غير أن نظام "الكفالة" كان في البداية مرناً؛ وكان في وسع اللاجئين الذين يريدون مغادرة المخيمات من دون قريب أردني، الحصول على بطاقة من وزارة الداخلية تكون جسرهم إلى خدمات عامة متنوّعة، من ضمنها الرعاية الصحية والتعليم. واستمر الوضع على الحال هذه إلى العام 2015 حين بدأت السلطات الأردنية في تطبيق نظام "الكفالة" تطبيقاً صارماً، قبل إلغائه برمته. وعوضاً عنه، بادرت الحكومة إلى إجراء "تحقق مدني" يقتضي من اللاجئين السوريين التسجيل من جديد والتقدّم للحصول على بطاقة خدمات بيومترية جديدة من وزارة الداخلية.65

أدّت القيود على من يسعهم الحصول على بطاقة الخدمات الجديدة، إلى تجاهل وإهمال الكثيرين. فقد حُظر على اللاجئين الذين لم يحصلوا على وثيقة طالب لجوء، أو غادروا المخيمات من غير كفيل، التسجيل. علاوةً على ذلك، لم يستطع البعض تحمّل الكلفة المرتفعة لاستخراج البطاقة. إلى ذلك، لم يكن يسيراً أمام لاجئين كثيرين الحصول على البطاقة الجديدة؛ وطُلب منهم وثائق ثبوتية لم تنتهِ صلاحيتها، وعقد إيجار مختوم، أو "إفادة إقامة" صادقت عليها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وشهادة صحية، ونسخة من وثائق هوية مالك البيت.66 وعند دخول الأردن، صادرت السلطات من بعض اللاجئين وثائق الهوية- مثل جواز السفر، ووثيقة الزواج، و"دفتر الأسرة" (وفيه لائحة الأطفال، ووثيقة الزواج، ووثائق ولادة الأهل).67

نتيجة هذا كله، افتقر حوالى ثلث اللاجئين السوريين المُسجلين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمقيمن خارج المخيمات، إلى بطاقة الخدمات الجديدة، بحلول آب/أغسطس 2016.68 وإحدى النتائج المباشرة لذلك كانت عجز الأزواج الذين لايملكون وثيقة زواج عن تسجيل أولادهم عند الولادة، ماخلّف آلاف الرضّع من دون جنسية ومن دون وثائق ثبوتية.69 وترتّب على هذا أيضاً عجز اللاجئين عن الاستفادة من الرعاية الصحية العامة، أو تسجيل أنفسهم أو أولادهم في التعليم الرسمي.

قيود على العمل

وفق دستور الأردن الصادر في العام 1952 ومذكرة التفاهم مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المُبرمة في 1998، يتعيّن على الأجانب، بمن فيهم اللاجئين، حيازة إجازة عمل للحصول قانونياً على وظيفة.70 غير أن شرط حيازة رخصة عمل هو الحصول على بطاقة سارية المفعول من وزارة الداخلية. وعليه، بلغ معدل البطالة، في 2015، في أوساط اللاجئين السوريين 61 في المئة.71 ويحمل حوالى 10 في المئة من اللاجئين السوريين العاملين رخصة عمل، فيما البقية يعملون من دون أوراق رسمية.72

وعمل سوريون كثيرون في قطاع البناء أو غيره من الوظائف قصيرة الأمد، وفي العام 2015، كان متوسط دخل اللاجئ السوري الشهري 296 دولاراً، أي أقل من الحد الأدنى للراتب في الأردن البالغ 310 دولارات.73 ونظراً إلى محدودية فرص العمل المتاحة أمام اللاجئين، يقول نحو 20 في المئة منهم إن أموال المساعدات من منظمات غير حكومية هي مصدر دخلهم الرئيس.74 ولذا، ليس مفاجئاً أن يكون حوالى 82 في المئة من أسر اللاجئين السوريين تحت خط الفقر.75

وفي العام 2016، وكجزء من وثيقة عقد بين الاتحاد الأوروبي والأردن، زاد الاتحاد الأوروبي من إمكانية حصول الحكومة الأردنية على المنح والقروض الميسّرة وسهّل وصول صادراتها إلى السوق الأوروبية، فيما بادرت الحكومة الأردنية إلى اتخاذ خطوات ملموسة لزيادة فرص عمل اللاجئين السوريين، وتيسير دخولهم إلى سوق العمل النظامي.76 وقد شملت هذه الخطوات إلغاء رسوم رخص العمل وإثباتات الضمان الاجتماعي من قبل أصحاب العمل، والفحص الطبي الذي تتطلبه شروط الحصول على رخص العمل. ورمت خطوتان إلى تقليص الكلفة المالية المرتفعة عن اللاجئين وزيادة فرص وصولهم إلى بعض قطاعات العمل. حينها، كانت كلفة رخصة العمل توازي شهراً إلى شهرين من متوسط الدخل، بحسب القطاع.77 وقد وفّر ذلك على اللاجئين قدراً من المال، لكن مشاركتهم في القوى العاملة لم ترتفع بالقدر المتوقّع،78 ولم تُذلّل عقبات أخرى أمام الحصول على رخصة عمل، مثل مساهمات الضمان الاجتماعي المرتفعة.79

مساكن رثّة

على خلاف لبنان، اختار الأردن تشييد مخيمات لاجئين للسوريين. لكن من بين إجمالي اللاجئين المُسجلين في الأردن، يعيش 21 في المئة فقط في المخيمات-80 إذ يتوزع معظمهم على مخيمات الزعتري، والأزرق، و"المخيم الإماراتي" في الزرقاء.81 غالباً ما يوصف مخيم الزعتري، حيث يقيم نحو 80 ألف لاجئ، برابع أكبر مدينة أردنية، وأحد أكبر مخيمات اللاجئين في العالم.82 لكن حوالى 20 في المئة من السوريين يقطنون في أقنان الدجاح، والمرائب، والخيم؛83 و1 في المئة منهم يعيشون في تجمعات خيم غير رسمية.84

يُعتبر الاكتظاظ السكاني مشكلة رئيسة، إذ تقول نصف عائلات اللاجئين السوريين إنها تتشاطر السكن على الأقل مع عائلة أخرى من أجل تحمّل أعباء الإيجار.85 وبحسب استطلاع صادر في 2014 عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يبلغ متوسط مايدفعه اللاجئون السوريون مقابل الإيجار 206 دولارات شهرياً، أو ثلثي دخلهم الشهري.86 ويفتقر ثلث الأسر إلى عقود إيجار.87 وعليه، واجه نحو 25 في المئة ممن شملهم الاستطلاع الطرد.88

وما فاقم المشكلة ارتفاع أسعار الإيجارات. ففي شمال الأردن تضاعف سعر الإيجار مرتين وحتى أربع مرات، إثر تدفق اللاجئين السوريين.89 وعلى ما هي الحال في لبنان، فاقم هذا الارتفاع التوترات بين السوريين والأردنيين- وهي كانت متوترة أصلاً بسبب شحّ المياه وتراكم النفايات. ومنذ العام 2011، تدنّت موارد المياه كثيراً، مع تبليغ 40 في المئة من الأسر الأردنية و29 في المئة من الأسر السورية، عن وجود شحّ في المياه في العام 2015.90

صعوبة الوصول إلى الخدمات

يتمتع السوريون بخدمات تعليم ورعاية صحية أكثر من المأوى. ففي مقدور أولاد اللاجئين السوريين ارتياد المدارس الرسمية مجاناً، لكنهم مُلزمون بحيازة وثيقة إثبات طلب لجوء وبطاقة خدمات وزارة الداخلية. إلى ذلك، تختلف نوعية التعليم. ففي العام 2013، سمحت وزارة التعليم لبعض المدارس بافتتاح دوام إضافي لاستقبال عدد أكبر من أطفال اللاجئين السوريين، لكن نوعية التعليم في مناوبات بعد الظهر عادةً ما تكون متدنية، ذلك أن المدرّسين في هذه المناوبات أقل تدريباً.91 وفي وسع أطفال اللاجئين السوريين، الذين يفتقرون إلى الوثائق المطلوبة لارتياد المدارس الرسمية، الحصول على التعليم عبر برامج غير رسمية، غالباً ماتديرها منظمات غير حكومية أو مؤسسة خيرية دينية الطابع. غير أن الشهادات التي ينالها التلاميذ في هذه المرافق غير معترف بها ولايتمّ اعتمادها، مايمنعهم من التسجيل في المدارس العامة الرسمية في المستقبل أيضاً.

يتابع نحو 62 في المئة من أكثر من 330 ألف طفل من اللاجئين السوريين المُسجلين في الأردن، التعليم في المدارس العامة الرسمية.92 لكن كما هو الحال في لبنان، تكون معدلات التسرّب المدرسي مرتفعة؛ ففي 2017، قدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن 68 في المئة من المتسرّبين من التعليم سبق لهم التسجيل في المدارس.93 وعموماً، تُعزا النسب المرتفعة للغياب عن المدرسة والتسرّب إلى غلاء كلفة التعليم، والتنمّر، والتمييز، والعنف المدرسي، وطول المسافة إلى المدرسة، والحاجة إلى القيام بالأعمال المنزلية.94 ومع تقدّم أطفال اللاجئين في السن، تميل نسبة حضورهم المدرسي إلى الانخفاض. ويعود ذلك جزئياً إلى حسبانهم أن لا فائدة تُرتجى من التعليم في وقت هم في حاجة ماسة لدعم عائلاتهم اقتصادياً.95

وفي مرحلة التعليم العالي، فقط ثمانية في المئة من اللاجئين مابين الثمانية عشرة والرابعة والعشرين مسجلون في الجامعات.96 وتشمل العوائق التي تحول دون ارتياد الجامعة مصاعب اجتياز امتحانات المرحلة الثانوية الرسمية، وكلفة التعليم الجامعي المرتفعة، ومقتضيات إجادة اللغة الإنكليزية، وحيازة شهادات مرحلة التعليم ماقبل الجامعي أو شهادة التعليم الثانوي، الصادرة عن برامج تعليم رسمي. ومن دون شهادة جامعية، يواجه اللاجئون السوريون عوائق إضافية في التنافس على الوظائف، فيتعاظم اعتمادهم على المساعدات، ويملكون أموالاً أقل للإنفاق على الراعية الصحية الباهظة والسكن.

ومنذ العام 2011، بذلت الحكومة الأردنية جهوداً ملموسة لتحسين تقديمات الرعاية الصحية. على رغم ذلك، لايزال اللاجئون السوريون يجبهون تحديات بارزة، أبرزها تعديل الأردن، في العام 2014، لسياسة الرعاية الصحية. بموجبها، يدفع اللاجئ الحاصل على بطاقة وزارة الداخلية الآن مقابل تلك الخدمات – التي كانت مجانية في السابق في منشآت وزارة الصحة -، مبالغ تساوي تلك التي يدفعها الأردنيون من غير تأمين صحي، فيما اللاجئون الذين لايحملون مثل هذه البطاقات يدفعون كلفة أكثر ارتفاعاً، شأنهم شأن الأجانب، (في المنشآت غير الحكومية والخاصة).97 علاوةً على ذلك، فيما تمكّن بطاقات وزارة الداخلية اللاجئين من الحصول على الرعاية الصحية، إلا أن ذلك مقيّد بالمنطقة التي صدرت منها البطاقات.98 هذه السياسة، مضافاً إليها كلفة الخدمات الصحية المرتفعة، أعاقت الاستفادة من مثل هذه الرعاية، فعلى سبيل المثل، في 2016، 37 في المئة من الأسر التي يعاني أفراد منها أمراضاً مزمنة، لم يسعهم الحصول على خدمات صحية، بسبب النفقات في المقام الأول.99 ويقول سامر من درعا: "اللاجئون السوريون كلهم يواجهون صعوبة كبيرة في الحصول على الدواء. حتى علاج إصابة صغيرة لاطاقة لنا به".100

تفاقم التوترات

كما هو الحال في لبنان، ساهم عاملان بارزان في تعكير العلاقات بين اللاجئين السوريين وبين المجتمعات المحلية المضيفة: تفاقم التحديات البنيوية والنظرة السلبية إلى تأثير اللاجئين على مستويات العيش المحلية. ويرى أردنيون كثر، أن الضغط المتزايد على الخدمات قوّض نوعية التعليم والرعاية الصحية والمياه وفرص الوصول إليها، وفاقم التنافس على الفرص في مجالات العمل التي لاتتطلّب مهارات عالية.

أظهر استطلاع صدر مؤخراً أن معظم الأردنيين الذين يعيشون في مناطق تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين يعتبرون أن العلاقة معهم إيجابية، إلا أن كثيرين منهم يرَوْن أن دفق اللاجئين أثّر تأثيراً سلبياً بارزاً في حياتهم.101 وقد أدرج الأردنيون في صدارة المشكلات المرتبطة بأزمة اللاجئين تدهور الظروف الاقتصادية، وتعاظم الطلب على فرص عمل محدودة، وارتفاع أسعار المنازل، وازدياد الضغط على خدمة الرعاية الصحية.102 وقد قال المستطلعون السوريون والأردنيون، على حد سواء، أن ارتفاع أسعار المنازل هو مصدر استياء فاقم سوء العلاقات بين المجتمعات المضيفة ومجتمعات اللاجئين، كما يجمعون على أن التوظيف هو مصدر توترات.103 فنسبة البطالة بين الأردنيين ازدادت زيادة ملموسة منذ 2011، وارتفعت من 14.5 في المئة إلى 18.5 في المئة في 2017.104 ويقول أبو بكر من درعا: "المسألة التي تواجه السوريين في بلدان اللجوء كلها هي نظرة المحليين إليهم على أنهم أشخاص سيئون، وهم متهمون بمصادرة أعمالهم".105

أدّت التوترات بين المجتمعين في بعض الأحيان إلى أعمال عنف ومضايقات للاجئين. ففي إربد، قال نصف اللاجئين الذين أُجريت معهم حلقات النقاش في العام 2015، إنهم عانوا من اعتداءات جسدية، في حين أبلغ شطر راجح منهم عن التعرّض إلى إساءة لفظية.106 وخلال جلسة لمجموعة نقاش كارنيغي، استعادت سميرة، من حلب، مشاهدتها لشخص يبصق في الشارع على أحد معارفها التي كانت من اللاجئين، بعد اتّهامها بسرقة ثروات المحليين وأرضهم.107 ومن الملفت أن أغلبية ساحقة من المشاركين في حلقات النقاش أنكروا تعرّضهم إلى اعتداءات جسدية أو لفظية.

هوامش

1 United Nations High Commissioner for Refugees, Convention and Protocol Relating to the Status of Refugees (Geneva: United Nations High Commissioner for Refugees, December 2010), http://www.unhcr.org/protection/basic/3b66c2aa10/convention-protocol-relating-status-refugees.html

2 مهى يحي، "اللاجئون وصناعة الفوضى الإقليمية العربية".

3 Directorate-General for European Civil Protection and Humanitarian Aid Operations, “Lebanon: Syria Crisis,” European Commission Humanitarian Aid and Civil Protection, January 2018, 1–3. https://ec.europa.eu/echo/files/aid/countries/factsheets/lebanon_syrian_crisis_en.pdf

4 United Nations High Commissioner for Refugees, “Syria Regional Refugee Response—Lebanon,” UNHCR Syria Regional Refugee Response, January 31, 2018, data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=122

5 Tom Perry, “Lebanon Near ‘Breaking Point’ Over Syrian Refugee Crisis: PM Hariri,” Reuters, March 31, 2017, www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-syria-lebanon/lebanon-near-breaking-point-over-syrian-refugee-crisis-pm-hariri-idUSKBN1722JM

6 Amnesty International, “Pushed to the Edge: Syrian Refugees Face Increased Restrictions in Lebanon,” Amnesty International, June 2015, 16, https://www.amnesty.org/en/documents/mde24/1785/2015/en/.

7 World Food Program, United Nations Children’s Fund, United Nations High Commissioner for Refugees, “VASyR 2017: Vulnerability Assessment of Syrian Refugees in Lebanon,” World Food Program, United Nations Children’s Fund, United Nations High Commissioner for Refugees, December 2017, http://documents.wfp.org/stellent/groups/public/documents/ena/wfp289533.pdf

8 المصدر السابق، ص. 9.

9 حلقة النقاش الرقم 4 في طرابلس، 8 شباط/فبراير 2017.

10 Lama Mourad, “Inaction as Policy-Making: Understanding Lebanon’s Early Response to the Refugee Influx,” POMEPS Studies, 25 (March 2017): 49–55.

11 منظمة العفو الدولية، "ممنوعون من اللجوء: الفلسطينيون النازحون من سورية إلى لبنان بحثاً عن ملاذ آمن"، منظمة العفو الدولية، تموز/يوليو 2014، https://www.amnesty.org/download/Documents/8000/mde180022014ar.pdf

12 المصدر السابق، ص. 12. انظر مهى يحي، "اللاجئون وصناعة الفوضى الإقليمية العربية". وانظر أيضاً: Hassan Lakkis, “Lebanon Cabinet Votes to Stop Accepting Syrian Refugees,” The Daily Star, October 23, 2014, http://www.dailystar.com.lb/News/Lebanon-News/2014/Oct-23/275075-refugee-crisis-tops-lebanon-cabinet-agenda.ashx

13 Maja Janmyr, Op. cit., 58–78.

14 Amnesty International, “Pushed to the Edge: Syrian Refugees ...” Op. cit., 13-14.

15 Maja Janmyr, Op. cit., 58–78.

16 World Food Program, UNICEF, and UNHCR, VASyR 2017.

17 حلقة النقاش الرقم 9 في النبطية، لبنان، 23 شباط/فبراير 2017.

18 مركز الأبحاث والدراسات في المعلوماتية القانونية، "اتفاق التعاون والتنسيق الاقتصادي والاجتماعي بين الجمهورية اللبنانية والجمهورية العربية السورية"، مركز الأبحاث والدراسات في المعلوماتية القانونية، الجامعة اللبنانية، 16 أيلول/سبتمبر 1993، http://www.legallaw.ul.edu.lb/ViewAgreementPage.aspx?ID=2935

19 Francesca Battistin and Virginia Leape, Towards the Right to Work: A Guidebook for Designing Innovative Public Employment Programmes—Background & Experiences from the Syrian Refugee Crisis in Lebanon (Beirut: International Labor Organization, 2017): 17–18.

20 المصدر السابق، ص. 18.

21 Lea Bou Khater, “Labour Policy and Practice,” The Peace Building in Lebanon, 16 (August 2017): 4.

22 منظمة العمل الدولية، "تقييم أثر اللاجئين السوريين في لبنان وظروف تشغيلهم"،المكتب الإقليمي للدول العربية، 2013، ص. 2، http://www.ilo.org/beirut/WCMS_240132/lang--ar/index.htm

23 World Food Program, UNICEF, and UNHCR, VASyR 2017, 66.

24 المصدر السابق، ص. 60.

25 المصدر السابق، ص. 57 – 59.

26 Yassmine Alieh, “Salary Scale Ratified by Parliament”, BusinessNews.com.lb by Lebanon Opportunities, July 19, 2017, http://www.businessnews.com.lb/cms/Story/StoryDetails.aspx?ItemID=6162.

27 حلقة النقاش الرقم 8 في سعدنايل في سهل البقاع، لبنان، 19 شباط/فبراير 2017.

28 سُجل مثل أشكال الانتهاك أو الإساءة هذه في دراسات أجرتها منظمات دولية أخرى، منها أوكسفام، التي سلّطت الضوء على هشاشة وضع اللاجئين من سورية. انظر: Oxfam, “Still Looking for Safety: Voices of Refugees from Syria on Solutions for the Present and Future,” Oxfam International, 2017, 5–12, https://d1tn3vj7xz9fdh.cloudfront.net/s3fs-public/file_attachments/bp-still-looking-for-safety-refugees-syria-200617-en.pdf.  

29 OHCHR and UNHABITAT, “Fact Sheet No.21 The Right to Adequate Housing”, UN Office of the High Commissioner for Human Rights, 2009, 4; http://www.ohchr.org/Documents/Publications/FS21_rev_1_Housing_en.pdf

30 Lewis Turner, “Explaining the (Non-)Encampment of Syrian Refugees: Security, Class and the Labour Market in Lebanon and Jordan,” Mediterranean Politics 20, no. 3, (September 2015): 386–404.

31 World Food Program, UNICEF, and UNHCR, VASyR 2017, 22.

32 المصدر السابق، ص. 26.

33 المصدر السابق، ص. 22. يُعرَّف الاكتظاظ بأنه أقل من 4.5 أمتار مربعة للشخص الواحد، وهو الحد الأدنى للمعايير الإنسانية.

34 المصدر السابق، ص. 28. في العام 2017، أفاد 32 في المئة من اللاجئين بأنهم طردوا من قبل مالكي مكان إقامتهم، في حين أشار 20 في المئة أخرى إلى أن نفقات الإيجار قد تسببت في خروجهم من مكان إقامتهم.

35 اتحاد الجمعيات الإغائية والتربوية، "برنامج الإيواء: تأمين المأوى والعيش الكريم لأكثر من 20 ألف لاجئ"، اتحاد الجمعيات الإغائية والتربوية، 15 آذار/مارس 2017، http://urda.org.lb/details.aspx?ID=1718;
انظر أيضاً: Venetia Rainey, “Lebanon: No Formal Refugee Camps for Syrians,” Al-Jazeera, March 11, 2015, www.aljazeera.com/news/2015/03/lebanon-formal-refugee-camps-syrians-150310073219002.html;
وأيضاً: UNHABITAT and UNHCR, Housing, Land, and Property Rights in Lebanon: Implications of the Syrian Refugee Crisis, (Beirut: UNHABITAT and UNHCR, 2014).

36 Roger Zetter, et al., The Syrian Displacement Crisis and a Regional Development and Protection Programme: Mapping and Meta-Analysis of Existing Studies of Costs, Impacts and Protection, (Copenhagen: Ministry of Foreign Affairs of Denmark and Tana, 2014), 19.

37 المصدر السابق، ص. 19.

38 هيومن رايتس ووتش، ""يكبرون بلا تعليم " : حواجز تعليم الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان"، هيومن رايتس ووتش، 19 تموز/يوليو 2016،
https://www.hrw.org/ar/report/2016/07/19/292061

39 World Food Program, UNICEF, and UNHCR, VASyR 2017, 32.

40 Hana Addam El-Ghali, Roula Berjaoui, and Jennifer DeKnight, Higher Education and Syrian Refugee Students: The Case of Lebanon—Policies, Practices, and Perspectives (Beirut: UNESCO, 2017), 29–32.

41 حلقة النقاش الرقم 10 في النبطية، لبنان، 23 شباط/فبراير 2017.

42 World Food Program, UNICEF, and UNHCR, VASyR 2017; and Hana Addam El-Ghali, Roula Berjaoui, and Jennifer DeKnight, Higher Education and Syrian Refugee Students, 32.

43 United Nations Development Program (UNDP) and UNHCR, Regional Refugee & Resilience Plan 2015–16: Lebanon (Amman: UNDP and UNHCR, 2015), www.3rpsyriacrisis.org/wpcontent/uploads/2014/12/3RP-Report-Lebanon-formatted.pdf; and UNICEF, Joint Nutrition Assessment Syrian Refugees in Lebanon (Beirut: UNICEF, 2014), 90, https://www.unicef.org/lebanon/Lebanon_Nurition_Assessment_of_Syrian_Refugess_Report_May_2014(updated_31.08.2014).pdf.

44 APIS Health Consulting Group, Syrian Refugees Crisis Impact on Lebanese Public Hospitals—Financial Impact Analysis: Generated Problems and Possible Solutions, (Beirut: APIS Health Consulting Group Report, July 2016), 1.

45 دعم لبنان، "حصـول اللاجئين السـوريين على الرعاية الصـحـية. تأثير التشريعات المقيّدة تدريجياً والإجراءات غير النظامية على حياة السوريين اليومية"، دعم لبنان، 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2016،
http://civilsociety-centre.org/sites/default/files/resources/accesshealthcaresyrianrefugees-ls2016-ar.pdf

46 دانا سليمان وداليا عطالله، "ارتفاع مستوى الخدمات الصحية في لبنان نتيجة لأزمة اللاجئين السوريين"، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 6 أيلول/سبتمبر 2016،
http://www.unhcr.org/ar/news/latest/2016/9/57d1c0884.html;
انظر أيضاً:
APIS Health Consulting Group, Syrian Refugees Crisis Impact on Lebanese Public Hospitals, 10.

47 Carole Alsharabati and Jihad Nammour, “Survey on Perceptions of Syrian Refugees in Lebanon,” Université Saint Joseph, August 2015, 33–34.

48 World Food Program, UNICEF, and UNHCR, VASyR 2017.

49 John Davison, “Syrians in Lebanon hit by arrests, curfews and hostility after bombing,” Reuters, July 25, 2016, www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-syria-lebanon/syrians-in-lebanon-hit-by-arrests-curfews-and-hostility-after-bombings-idUSKCN1051KO.
انظر أيضاً: هيومن رايتس ووتش، "لبنان : عنف متصاعد يستهدف اللاجئين السوريين"، هيومن رايتس ووتش، 30 أيلول/سبتمبر 2014، https://www.hrw.org/ar/news/2014/09/30/264387;
وأيضاً: “Woman’s Murder Prompts Mass Eviction of Syrians From Lebanese Town,” Reuters, October 5, 2017, https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-lebanon-refugees/womans-murder-prompts-mass-eviction-of-syrians-from-lebanese-town-idUSKBN1CA18S

50 “Woman’s murder prompts mass eviction of Syrians from Lebanese town,” Reuters.

51 Francis Pia and Khaled Hanan, “Aoun Warns of ‘Conspiracy’ to Settle Syrian Refugees in Lebanon,” Daily Star Newspaper, September 15, 2015, www.dailystar.com.lb/News/Lebanon-News/2015/Sep-15/315335-aoun-warns-of-conspiracy-to-settle-syrian-refugees-in-lebanon.ashx; and Richard Hall, “After Trump’s Ban, Lebanon Renews Calls to Send Back Syrian Refugees,” Public Radio International, February 6, 2017, www.pri.org/stories/2017-02-06/after-trump-s-ban-lebanon-renews-calls-send-back-syrian-refugees

52 World Food Program, UNICEF, and UNHCR, VASyR 2017, 15

53 منظمة العفو الدولية، "الحدود السورية- الأردنية: 75,000 لاجئ عالقون في "المنطقة الحرام" من الصحراء في ظروف مزرية"، منظمة العفو الدولية، 15 أيلول/سبتمبر 2016،
https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2016/09/syria-jordan-border-75000-refugees-trapped-in-desert-no-mans-land-in-dire-conditions/

54 United Nations High Commissioner for Refugees, “Syrian Regional Refugee Response—Jordan,” United Nations High Commissioner for Refugees, March 9, 2018, http://data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=107

55 Mohammad Ghazal, “Jordan hosts 657,000 registered Syrian refugees,” Jordan Times, March 21, 2017, http://www.jordantimes.com/news/local/jordan-hosts-657000-registered-syrian-refugees

56 Sean Healey and Sandrine Tiller, “Out of the Spotlight and Hard to Reach: Syrian Refugees in Jordan’s Cities,” Humanitarian Practice Network, No. 59 (November 2013): 22-25.

57 United Nations High Commissioner for Refugees, “Syrian Regional Refugee Response—Jordan,” United Nations High Commissioner for Refugees, http://data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=107; and
CARE Jordan, “7 Years Into Exiles: How Urban Syrian Refugees, Vulnerable Jordanians and Other Refugees in Jordan Are Being Impacted by the Syria Crisis,” CARE International, June 20, 2017, https://reliefweb.int/report/jordan/7-years-exile-how-urban-syrian-refugees-vulnerable-jordanians-and-other-refugees.

58 البنك الدولي، "الأردن"، البنك الدولي، 2018،
https://data.albankaldawli.org/country/jordan

59 حلقة النقاش الرقم 31 في عمّان، الأردن، 10 آب/أغسطس 2017.

60 Aron Lund, “What Jordan’s Reopened Border Will Mean for Syria,” Syria Deeply, September 11, 2017, https://www.newsdeeply.com/syria/community/2017/09/11/what-jordans-reopened-border-will-mean-for-syria

61 منظمة العفو الدولية، "الحدود السورية- الأردنية".

62 بيل فريليك، "غلق الأبواب دون اللاجئين السوريين ليس الحل"، هيومن رايتس ووتش، 26 نيسان/أبريل 2013،
https://www.hrw.org/ar/news/2013/04/23/249494

63 Norwegian Refugee Council and International Human Rights Clinic at Harvard Law School, “Securing Status: Syrian Refugees and the Documentation of Legal Status, Identity, and Family Relationships in Jordan,” Norwegian Refugee Council, November 20, 2016, https://reliefweb.int/report/jordan/securing-status-syrian-refugees-and-documentation-legal-status-identity-and-family.

64 هيومن رايتس ووتش، ""نخاف على مستقبلهم ": حواجز تعليم الأطفال السوريين اللاجئين في الأردن"، هيومن رايتس ووتش، 16 آب/أغسطس 2016، ص. 13،
https://www.hrw.org/sites/default/files/report_pdf/jordan0816arweb.pdf

65 المصدر السابق، ص. 34.

66 Norwegian Refugee Council and IHCR, “Securing Status,” 10.

67 هيومن رايتس ووتش، "نخاف على مستقبلهم"، ص. 35.

68 Norwegian Refugee Council and IHCR, “Securing Status,” 4.

69 هيومن رايتس ووتش، "نخاف على مستقبلهم"، مصدر سبق ذكره. انظر أيضاً:
Norwegian Refugee Council and IHCR, “Securing Status”

70 United States Committee for Refugees and Immigrants, World Refugee Survey 2009—Jordan(Arlington, VA: U.S. Committee for Refugees and Immigrants, 2009), http://www.refworld.org/country,,USCRI,,JOR,,4a40d2aac,0.html.

71 Lorenza Errighi, and Jorn Griesse, “The Syrian Refugee Crisis: Labour Market Implications in Jordan and Lebanon,” European Commission, Discussion Paper 29, May 2016.

72 International Labor Organization, Work Permits for Syrian Refugees in Jordan, (Beirut: International Labor Organization Regional Office for Arab States, 2015); and Norwegian Refugee Council, “Drivers of Despair: Refugee Protection Failures in Jordan and Lebanon,” Norwegian Refugee Council, January 2016 https://www.nrc.no/globalassets/pdf/reports/drivers-of-despair.pdf .

73 CARE Jordan, “Syrian Refugees Outside Jordan’s Camps: Survey Results in Brief,” Care International, June 2015, https://1stdirectory.co.uk/_assets/files_comp/bfc99561-a1fa-43d2-a944-c554120cf98b.pdf;
انظر أيضاً: المملكة الأردنية الهاشمية، بيان صادر عن وزارة العمل وموجّه إلى غرفة تجارة الأردن، 13 شباط/فبراير 2017،
http://www.ammanchamber.org.jo/Uplaoded/PRNews/1050.pdf

74 Danish Refugee Council and UNHCR, “Understanding Alternatives to Cash Assistance,” Danish Refugee Council and UNHCR, September 2017, https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/UNHCR%20Livelihoods%20Assessment_Sep%202017_Online.pdf .

75 CARE Jordan, “7 Years Into Exiles.”

76 منظمة العمل الدولية، "تصاريح عمل اللاجئين السوريين وتشغيلهم في الأردن: نحو تنظيم عمل اللاجئين السوريين"، منظمة العمل الدولية – المكتب الإقليمي للدول العربية، حزيران/يونيو 2017،
http://www.ilo.org/beirut/publications/WCMS_559711/lang--ar/index.htm

77 المصدر السابق.

78 باسم نعمه، "أعباء الأردن"، ديوان، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 21 آذار/مارس 2017،
http://carnegie-mec.org/diwan/68343

79 International Labor Organization, “Results of Focus Group Discussions on Work Permits With Syrian Refugees and Employers in the Agriculture, Construction, and Retail Sectors in Jordan,”  International Labor Organization Regional Office for Arab States, April 2016, 4.

80 UNHCR, “Inter Agency Information Sharing Portal—Jordan,” UNHCR, Syria Regional Refugee Response, January 2, 2018, data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=107.

81 هيومن رايتس ووتش، "الأردن – أحداث عام 2016"، هيومن رايتس ووتش،  12 كانون الثاني/يناير 2017، https://www.hrw.org/ar/world-report/2017/country-chapters/298294

82 “Life in Za’atari Refugee Camp, Jordan’s Fourth Biggest City,” Oxfam International, www.oxfam.org/en/crisis-syria/life-zaatari-refugee-camp-jordans-fourth-biggest-city.
انظر أيضاً: مهى يحيَ، "مقال مصوّر: مدينة سورية في الأردن"، ديوان، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 8 أيار/مايو 2017، http://carnegie-mec.org/diwan/69899

83 Luigi Achilli, “Syrian Refugees in Jordan: A Reality Check,” Migration Policy Center, February 2015, http://cadmus.eui.eu/bitstream/handle/1814/34904/MPC_2015-02_PB.pdf?sequence=1&isAllowed=y.

84 اعتباراً من العام 2015، بات أكثر من 16000 لاجئ سوري يعيشون في مخيمات غير رسمية. ويشكّل هؤلاء اللاجئون 1% من عدد اللاجئين السوريين الحالي في الأردن. انظر:Alex Odlum, “Syrian Informal Tented Settlements in Jordan: Humanitarian Gaps and Challenges,” Oxford Monitor of Forced Migration 5, no. 2 (2015): 26–31.

85 Norwegian Refugee Council, “In Search of a Home: Access to Adequate Housing in Jordan,” Norwegian Refugee Council, June 2015, https://data2.unhcr.org/en/documents/download/45405

86 UNHCR, Johns Hopkins Bloomberg School of Public Health, Jordan University of Science and Technology, and World Health Organization, “Syrian Refugee Health Access Survey in Jordan,” December 2014, 15.

87 UNHCR, Jordan Refugee Response: Vulnerability Assessment Framework Baseline Survey, (Amman: UNHCR, 2015).

88 CARE Jordan, “Syrian Refugee, Other Minority Refugee, and Jordanian Host Households—Factsheet,” CARE International, June 2017, https://care.ca/sites/default/files/files/publications/2017%20CARE%20Jordan%20Syrian%20refugees%20FACT%20SHEET%20%28revised%2916062017.pdf

89 REACH Initiative, “Social Cohesion in Host Communities in Northern Jordan,” REACH Initiative, May 2015, 38, http://www.reachresourcecentre.info/system/files/resource-documents/reach_jor_report_social_cohesion_in_host_communities_in_northern_jordan_may_2015.pdf.

90 المصدر السابق، ص. 3.

91 هيومن رايتس ووتش، ""نخاف على مستقبلهم".

92 Government of Jordan, Ministry of Planning and International Cooperation, “The Jordan Response Plan for the Syria Crisis 2017–2019,” February 2017, https://static1.squarespace.com/static/522c2552e4b0d3c39ccd1e00/t/58aec230a5790a797f1d0c1f/1487848020031/JRP+2017-2019+-+Final+Draft+-+230217.pdf

93 UNICEF, Running on Empty II: A Longitudinal Welfare Study of Syrian Refugee Children Residing in Jordan’s Host Communities, (Amman: UNICEF, 2017).

94 المصدر السابق. انظر أيضاً: REACH Initiative, “Access to Education for Syrian Refugee Children and Youth in Jordan Host Communities—Joint Education Needs Assessment Report,” REACH Initiative, March 2015, https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/REACH_JENA_HC_March2015_.pdf

95 REACH Initiative,  “Access to Education for Syrian Refugee Children and Youth in Jordan Host Communities.”

96 Irene Lorisika, Leon Cremonini, and Malaz Safar Jalani, Study to Design a Programme/Clearinghouse Providing Access to Higher Education for Syrian Refugees and IDPs —Final Report, (Brussels: Delegation of the European Union to Syria, 2015); and Hana Addam El-Ghali, Roula Berjaoui, and Jennifer DeKnight, Higher Education and Syrian Refugee Students.

97 Amnesty International, “Living on the Margins: Syrian Refugees Struggle to Access Healthcare in Jordan,” Amnesty International, March 2016, https://www.amnestyusa.org/reports/living-on-the-margins-syrian-refugees-struggle-to-access-health-care-in-jordan/

98 المصدر السابق.

99 UNHCR, Health Access and Utilization Survey: Access to Health Services in Jordan among Syrian Refugees—Baseline Survey, (Amman: UNHCR, 2016), https://reliefweb.int/report/jordan/health-access-and-utilization-survey-access-health-services-jordan-among-syrian .

100 حلقة النقاش الرقم 38 في إربد، الأردن، 15 آب/أغسطس 2017.

101 CARE Jordan, “7 Years Into Exiles.”

102 المصدر السابق.

103 REACH Initiative, “Social Cohesion In Host Communities In Northern Jordan.”

104 دائرة الإحصاءات العامة، المملكة الهاشمية الأردنية، 5 شباط/فبراير، 2018،http://dosweb.dos.gov.jo

105 حلقة النقاش الرقم 38 في إربد، الأردن، 15 آب/أغسطس 2017.

106 Maira Seeley, Jordanian Hosts and Syrian Refugees: Comparing Perceptions of Social Conflict and Cohesion in Three Host Communities (Amman: Generations for Peace Institute, May–December, 2015).

107 حلقة النقاش الرقم 33 في عمّان، الأردن، 13 آب/أغسطس 2017.

مواقف اللاجئين من العودة إلى سورية

مع أن اللاجئين في لبنان والأردن يواجهون تحديات خطيرة ومتفاقمة، هذا لايعني بالضرورة أنهم سيعودون إلى سورية تلقائياً عند وقف الحرب. ففي حالات كثيرة، لم يعد لديهم منازل قائمة للعودة إليها. لذا، الاستماع إلى اللاجئين أمرٌ أساسي لسبر مواقفهم وفهم ما يحتاجون إليه من أجل العودة، وما تقتضيه عودتهم- هذا إذا افترضنا انهم يرغبون بذلك.

وأشار المشاركون في حلقات نقاش كارنيغي بوضوح إلى أن وضعهم معقّد، ناهيك عن أن مخاوفهم الكثيرة قد تبدّلت على نحو كبير منذ العام 2011. ومن بين دواعي قلقهم هو سلامتهم الشخصية وسلامة عائلاتهم، والآفاق البعيدة للاستقرار في سورية، ومصالحهم الاقتصادية، ومحاكمة مُرتكبي جرائم الحرب. وقد أبرز اللاجئون أولويات ومتطلبات مشتركة حيال مسألة العودة إلى سورية. ومواقفهم تحدّدها عموماً ظروف رحيلهم من البلاد، وشروطهم للعودة، ورأيهم في أي سورية مستقبلية يرغبون.

لماذا غادروا؟

لم يكن قرار السوريين بمغادرة البلاد يسيراً. ففي معظم الحالات، اتُّخذ القرار بعد عمليات نزوح متكررة داخل البلاد. كثرٌ من اللاجئين تعرّضوا شخصياً إلى حوادث هدّدت حياتهم أو حياة أفراد عائلاتهم. وفي مجموعة كارنيغي للنقاش، دار كلام اللاجئين حول أسباب مغادرتهم سورية، وكيف اختاروا بلد اللجوء، وآفاق العودة. وفي وقت يرى كثرٌ في أوروبا أن اللاجئين السوريين مهاجرون اقتصاديون يسعون إلى حياة أكثر ازدهاراً في الغرب، إلا أن الواقع لايعكس ذلك. فحتى لو أن مواقف اللاجئين من إعادة التوطين خارج الشرق الأوسط تغيّرت مع الوقت، فإن الداعي الأول إلى مغادرة سورية كان ببساطة العثور على ملاذ آمن في دول الجوار. وهذا ما أوضحه مراراً وتكراراً المشاركون في حلقات النقاش. فقد روى عمر، من درعا، ما حصل: "أُصبتُ أنا وأطفالي بجروح في الصراع، ورغبنا في مغادرة البلد. أوقفونا على حاجز المعضمية على مقربة من درعا. وعلى رغم أن إصاباتنا كانت واضحة ومرئية وكنا غارقين بالدم، سألونا إلى أين نذهب، فقلنا إننا نغادر... ثم [الجيش السوري] فتشونا وأرسلونا إلى وحدة أمنية. أخلوا سبيل النساء والأطفال واحتجزوني مع ابني الجريح.1

كان مُلفتاً إلى أي مدى أثّرت البيئة المعقّدة وحالة اللايقين في دوافع اللاجئين السوريين وقراراتهم. ففي حالات كثيرة، اضطرّ اللاجئون إلى اتخاذ خيارات صعبة فيما هم يعيشون في بيئة مضطربة تتغير بوتيرة سريعة- وهو سياق يطابق اليوم نظيره في الدول المضيفة. ومن أجل فهم عميق لطريقة تفكير اللاجيئن، لا غنى عن إدراك الصدمات الكبيرة التي نزلت بهم في إطار متحوّل وديناميكي يدحض القراءة الجامدة لأحوالهم.

الفرار من النزاع

ليس معظم اللاجئين في لبنان والأردن مهاجرين اقتصاديين، وقلة قليلة منهم كانت تعيش وتعمل في كلا البلدين (على رغم أن عددها أصغر كثيراً في الأردن) قبل ثورة 2011. فرّ 82 في المئة من اللاجئين الذين استطلعتهم حلقات نقاش كارنيغي، من سورية بسبب تدهور الأوضاع الأمنية أو بسبب نشوب حوادث أمنية استهدفتهم أو نالت من عائلاتهم. شملت هذه الحوادث اعتقالات تعسفية، وتوقيف عشوائي على الحواجز، أو وفاة أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء. وغادر العديد من الشباب لتفادي التجنيد العسكري الإلزامي للذكور مابين الثامنة عشرة والثانية والأربعين من العمر. تتطابق هذه النتائج مع تقارير منظمات دولية، بينها تقرير صادر في آب/أغسطس 2012 عن منظمة أطباء بلا حدود، يؤكد أن 75 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان غادروا بيوتهم لأسباب أمنية.2 وكان أسامة، وهو لاجئ شاب من درعا، لسان حال كثيرين حين قال: "غادرنا البلد لكي لا نَقتل أو نُقتل. أردنا أن نعيش مثل الجميع... لم نغادر لنقاتل. لو كنا نريد القتال لبقينا وتحدّينا العالم. لكن معنا نساء وأطفال. ولانرغب في أن يأتي أحدهم ويغتصبهم. لا نريد أن نُشتم أو نُهان. السوريون هم أكثر شعب تعرَض إلى الذل في العالم".3

بعض اللاجئين المؤيّدين للنظام- وبعضهم انتقل إلى لبنان، تحديداً من دمشق واللاذقية، لأهداف اقتصادية- هم من القلة التي لم تغادر لأسباب أمنية. وأشار فادي، وهو لاجئ مؤيّد للنظام، [إلى دواعي المغادرة] قائلاً: "طُلبنا كلنا إلى الخدمة العسكرية في الجيش. وفي حين أن الجميع يرغب في خدمة النظام وبلده، إلا أن الظروف الاقتصادية [حالت دون ذلك]... فنحن [نحتاج فعلاً] إلى مساعدة عائلاتنا".4

ولأن الفرص الاقتصادية في لبنان والأردن كانت محدودة أصلاً، أشار معظم مؤيدي النظام إلى أنه من غير المنطقي الانتقال إليهما لأسباب اقتصادية. وبينما خسر لاجئون كثر كل ما يملكون في ديارهم، اضطر عديدون، مع مرور الوقت، إلى إنفاق كل الأصول والمدخرات التي حملوها معهم. واضطرّوا تحديداً إلى استئناف حياتهم في بلدان توفّر فرص عمل محدودة، هذا إذا توفّرت أي فرصة.

عبّر معظم اللاجئين عن إحباطهم من شبكات المساعدات في البلدين، وأعلن عدد قليل ممن صرّحوا بأنهم يتلقّون المساعدات، أنها لاتلبّي حاجاتهم. كما قال عدد كبير منهم إن معايير الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات مبهمة؛ وروى كثيرون منهم قصصاً عن تجاوز المساعدات لهم، وذهابها إلى جيران أو معارف أحوالهم الاقتصادية أفضل منهم.

اختيار بلد مضيف

حدّد عدد من العوامل اختيار اللاجئين السوريين البلد المُضيف: القرب الجغرافي بشكلٍ أساسي؛ وألفة سابقة بالبلد؛ وأواصر عائلية، عشائرية، أو اجتماعية؛ وألفة ثقافية أو سياسية؛ وعمل سابق أو راهن في البلد.

وقد اختار بعض اللاجئين، خصوصاً المؤيدين لنظام الأسد، الانتقال إلى لبنان بسبب توجّهاته السياسية، إذ رأوا أن المشهد السياسي في تركيا والأردن معادٍ لهم، وأن وجود حزب الله في لبنان وقربه الجغرافي من مناطق يُمسك النظام بمقاليدها، يجعل هذا الخيار أضمن. وعلى خلافهم، رأى اللاجئون المعارضون للأسد أن وجود حزب الله مُقلق كثيراً، لذا اختاروا الفرار إلى الأردن. ويقر معظم اللاجئين بأنهم نادمون على خيارهم، وخصوصاً أولئك الذين قصدوا لبنان. فظروف عيش عائلاتهم هناك مرهقة ولا آفاق مستقبلية أمامهم.

في بادئ الأمر، لم يرغب الكثير من اللاجئين في مغادرة سورية. وكان نحو نصف المشاركين في حلقات النقاش قد نزحوا داخل البلاد أكثر من مرة قبل عبور الحدود، إذ فرّ كثر منهم بدايةً إلى مناطق قريبة أكثر أمناً لتفادي القتال. ولكن غياب الأمن تفشّى أكثر، وألقى بظلاله على عائلاتهم، فاتخذ كثر القرار العسير بالانتقال إلى لبنان أو الأردن. ويلاحَظ أن التحديات في رصد حركة الأفراد والعائلات تحول دون إمكانية تحديد العدد الدقيق للنازحين داخل سورية، والذين أصبحوا لاحقاً لاجئين.5 ويبدو جلياً أن معظم اللاجئين حسِبوا حين غادروا أنهم سيبقون في البلد المضيف أشهراً قليلة فقط. وهذا ما أشار إليه مالك، من إدلب، قائلاً: "أول ما وصلتُ [إلى لبنان] اعتقدتُ أنني سأبقى من 4 إلى 5 أشهر فقط، وأن الأمور ستتحسّن بعدئذ، وأنني سأعود لمتابعة تعليمي. ولكن الأمور لم تجرِ على هذا المنوال وبقيتُ هنا.6

ومنذ العام 2015، أتى معظم اللاجئين السوريين في لبنان من محافظات حلب (21 في المئة)، وحمص (21 في المئة)، وريف دمشق (14 في المئة)، وإدلب (13 في المئة) (انظر الشكل 1). وبدءاً من العام 2016، أتى معظم اللاجئين في الأردن من محافظات درعا (43 في المئة)، وحمص (16 في المئة)، وريف دمشق (12 في المئة)، وحلب (10 في المئة). والسبب أن حلب وحمص وإدلب وريف دمشق هي من أكثر المناطق التي دمرتها الحرب. والرحيل الجماعي كان شاقّاً للغاية، مع سعي الأفراد والعائلات إلى الفرار من القصف الجوي أو الاعتقال التعسفي أو اعمال اقتل المُرتكبة على أساس طائفي.

المواقف من إعادة التوطين خارج المنطقة العربية

مواقف اللاجئين من إعادة توطينهم في دول غير عربية متنوعة ومتبانية، ويُحتمل أن تتغير. وقد أعلنت غالبية المشاركين في حلقات النقاش في لبنان والأردن عن رغبة عارمة في العودة إلى سورية، وعبّرت عن دواعي قلق كثيرة من إعادة التوطّن في أوروبا. غير أن كثيرين منهم، خصوصاً النساء والمسنّين، أبدوا قلقاً مفهوم الدوافع من الأوضاع في سورية. قال واحد من كل ثمانية مشاركين إنه لا يرغب أبداً في العودة؛ ومعظم هؤلاء هم من الشباب الذين عانوا من صدمات كبيرة. ويقولون إنه لم يبقَ الكثير للعودة إليه- لذا، بالنسبة إليهم، التوطّن في أوروبا هو ربما الخيار الوحيد المُتاح أمامهم لضمان مستقبلهم.

في البداية، رفضت غالبية المشاركين في حلقات النقاش فكرة إعادة التوطين رفضاً صريحاً، في حين سارعت أقلية فوراً إلى قبوله من غير تحفّظ، كما لو أنها ترى ألا مستقبل أمامها في سورية. وكثيرون ممن رفضوا في البداية الفكرة، اعتبروا أن اللجوء إلى لبنان والأردن يُفسح أمامهم خيار العودة إلى موطنهم في حال سنحت لهم الفرصة. وكان آخرون ببساطة غير مستعدّين لبدء حياة جديدة، واكتساب لغة جديدة والتكيّف مع ثقافة مختلفة. كانوا قلقين من "الموت في أرض غريبة"، على حد قول أحد المشاركين.

وتشعر الأمهات، على وجه التحديد، بالقلق من الاختلافات الثقافية، إذ أبدين خشيتهن من "خسارة أولادهن" في بلدان أوروبية قيمها الأخلاقية مختلفة. قالت سعاد من دمشق: "تنقصني الشجاعة للذهاب إلى أوروبا. فنحن واجهنا صعوبات في التكيّف حتى في لبنان، فمن أين لنا التأقلم في مكان آخر؟"7 غير أن اللاجئين صاروا، مع الوقت، أقل ممانعة لفكرة إعادة التوطين، تحديداً بسبب انسداد الأفق السياسي والافتقار إلى الأمن في سورية، وتدهور الظروف في الدول المضيفة. قال ناصر من ريف دمشق: "الأردن بلد مسلم، وهذا جزئياً سبب ذهابنا إليه. فالعادات الثقافية والقيم فيه مماثلة لعاداتنا وقيمنا، وثمة ألفة اجتماعية هناك. ولكن اليوم نرغب في الرحيل، وإعادة التوطن في بلد آخر، سواء في أوروبا أو في بلد عربي آخر، بحثاً عن فرص عمل... وتعليم الأولاد وتأمين مستقبل أطفالنا".8

وأبدى اللاجئون في لبنان تحفظات أقل من نظرائهم في الأردن إزاء إعادة التوطين. وفي وقت لاتزال غالبية اللاجئين في كلا البلدين تأمل في العودة إلى سورية، كانت الرؤى حول مدة عملية إعادة التوطين متغيّرة بحسب أوضاع الأفراد والعائلات. ويرى بعضهم، وخصوصاً من هم في منتصف العمر، أن الإقامة في أوروبا ستكون مؤقتة، وتمنحهم الأمن والسلامة، والوعد بمستوى عيش لائق، وفرص تعليمية لأولادهم- على الأقل ريثما تستقرّ الأمور بشكل كافٍ في سورية. وإلا، فلا خيار أمامهم سوى البقاء في الدول المضيفة، نظراً إلى المخاطر التي سيواجهونها في حال عادوا إلى سورية.

ولاحظ معظم المشاركين كذلك أن مدة إعادة التوطين هي رهن حدوث انتقال سياسي في سورية. وأحْسَنَ راشد، وهو لاجئ شاب من ريف دمشق، تلخيص هذا الموقف حين قال: "بدأت أفكّر [في المغادرة]. فعودتي مستحيلة إلى سورية ما دام بشار الأسد في السلطة. وإذا سنحت الفرصة لأيٍّ كان بالسفر إلى أوروبا، فلن يرفضها".9

آراء حول التوقيت

يخشى لاجئون كثيرون من العودة المبكّرة، قبل التوصّل إلى حل شامل للنزاع في البلاد. قد يكون وراء هذا الخوف الوضع الأمني في سورية المبهم أو السياسات المقيّدة في البلدان المضيفة، خصوصاً في الأردن حيث يُحظّر على اللاجئين الذين يسافرون إلى سورية، دخوله مجدداً.

وفي لبنان، سمح غياب ضبط الحدود لعدد محدود من اللاجئين بالعودة إلى سورية لتلقّي العناية الطبية أو تفقّد عائلاتهم أو ملكياتهم. وبحسب مشاركين في حلقات النقاش، عاد عدد قليل ممن هم في منتصف العمر أو متقدّمين في السن، دورياً إلى سورية لعلاج أمراض مُزمنة- وهو علاج لا طاقة لهم بكلفته في لبنان. ويشعر لاجئون آخرون، وخصوصاً من الشباب، بضغط يحملهم على العودة بسبب المهانة المنهجية التي يواجهونها في لبنان. ولكن عدداً من اللاجئين يروي قصص شباب عادوا يائسين إلى سورية ليلقوا مصرعهم بسبب التجنيد الإلزامي أو النزاع في مناطقهم. عبّرت عائشة، من حمص، باقتضاب عن هذا الواقع متساءلةً: "هل يسير أحدهم بقدميه إلى الموت؟"10

على خلاف الحال في لبنان، يحظّر الإطار القانوني الحكومي في الأردن على اللاجئين العودة إلى أراضيه إذا غادروا البلد.11 ففي العام 2015، وبحسب أصدقاء وأقارب المعنيين بمثل هذا الأمر، ندم اللاجئون الذين دُفعوا للعودة إلى درعا، بعد وقوعها في قبضة المعارضة، بسبب ظروف معيشية قاهرة وفي ظل شحّ المساعدات الإنسانية، على قرارهم هذا.12 فقد قالت أم محمد، من درعا: "ما إن التحقت عائلة ابني به في درعا، حتى اندلعت أعمال القتال واضطروا إلى الانتقال إلى بلدة قريبة. واليوم، ندم على عودته، فهو عاطل عن العمل ويعتمد على الأموال التي يرسلها إليه أنسباؤه في الأردن ليبقى على قيد الحياة".13 وفعلاً، حين سيطر النظام من جديد على درعا، أُجبرت عائلة ابنها على الرحيل مجدداً، لكنها عجزت عن العودة إلى الأردن.14

كما يروي اللاجئون في الأردن، مثل نظرائهم في لبنان، قصصاً عن أقارب أو معارف عادوا إلى سورية، فأجبروا على الالتحاق بالجيش وماتوا في ميدان المعركة. وأشار آخرون، خصوصاً من اللاجئين في لبنان، إلى أن السلطات السورية تمنعهم من العودة إلى مناطقهم الأصلية.

يبدو من الواضح في هذه الأمثلة أن اللاجئين يلتزمون حذراً بالغاً إزاء العودة إلى سورية، قبل إرساء اتفاق شامل يُحسّن ظروف هذه العودة. وتتعارض مسوّغات تردّدهم مع من يقول في لبنان والأردن إن العودة إلى سورية ممكنة اليوم. العودة الآن قد يترتّب عليها نتائج سلبية يتكبّدها اللاجئون، لا بل قد تكون قاتلة. غير أن العودة إلى سورية قد لا تعني بالضرورة عودة المرء إلى مسقط رأسه. فالحكومة قد تمنعهم من العودة.

ما تقتضيه عودة اللاجئين

على الرغم من رغبتهم العارمة في العودة، لا يرجّح أن يعود اللاجئون طوعاً في المستقبل القريب، حتى لو أُعلن عن وقف القتال. وقد عدّد المشاركون في حلقات النقاش، سلسلةً من الهواجس التي تشغلهم، منها ضمان سلامتهم وأمنهم، وانتقال سياسي مستدام، والرجوع إلى مسقط الرأس، وإرساء آلية قضائية تحاسب مرتكبي جرائم الحرب، وتوفّر الفرص الاقتصادية.
في كلٍّ من لبنان والأردن، يشكّ معظم اللاجئين في عودة الاستقرار والنظام إلى سورية في القريب العاجل. وحتى المشاركين في حلقات النقاش المؤيّدين للنظام تفاوتت آراؤهم حيال مستقبل البلاد. بعضهم كان على ثقة في أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح مع استعادة النظام السيطرة على مناطق البلاد. لكن آخرين كانوا على يقين بأن الأوضاع في سورية ستبقى غير مستقرة لفترة أطول. وأعربت فرح، من ريف دمشق، عن توقعاتها قائلةً: "في المرحلة المقبلة، لن يكون لدينا حكومة، بل حرب وأمراء حرب، وفوضى النزاع".15

أجمع معظم اللاجئين كذلك على أن العودة مستحيلة في الظروف الراهنة. لكنهم يشعرون، في الوقت نفسه، بأنهم لايملكون مكاناً يعتبرونه موطنهم. ويشعر اللاجئون بالذعر إزاء ما قد يخبِّئه المستقبل لهم ولأولادهم. فقد خسر كثيرون منهم ماكانوا يملكون، وباتوا يعيشون في ظروف بائسة، ويعانون من تراكم الديون الشخصية وتقلّص شبكات الأمان مع خفض منظمات الأمم المتحدة دعمها للاجئين السوريين في الدول المضيفة.16 يُضاف إلى ذلك أن أولادهم لا يحصلون على التعليم الذين يحتاجون إليه لتأمين مستقبل منتج ومجزٍ. في الواقع، يبدو أن اللاجئين يراوحون مكانهم، فهم عاجزون عن بناء حياة ذات معنى في المنفى، كما أنهم غير قادرين على العودة إلى ديارهم.

السلامة والأمن أولاً

قال معظم المشاركين في حلقات النقاش إن الشرط المسبق للعودة هو السلامة والأمن، تليهما عملية انتقال سياسي مستدامة، وتوفّر سبل العيش، وإمكانية الوصول إلى مناطقهم الأصلية والحصول على الخدمات. ويرى معظم اللاجئين أن هذه الشروط وثيقة الارتباط، وأن إرساء الأمن والسلامة متعذّر من دون تغيير سياسي أو حكومة مختلفة في سورية (انظر الشكل 2).

قال بلال، وهو لاجئ شاب من ريف دمشق: "كلنا نبحث عن عيش آمن. نحن نعيش حياة بلا كرامة في لبنان، لكن هذا هو واقع الأمور. العيش هنا أكثر أماناً من سورية للحفاظ على حياة أطفالنا وإخوتنا. سنعود إلى سورية إذا سقط النظام وعمّ الأمان، أي إذا توقّف القتل والقصف".17 لكن ماهية السلامة والأمن ليست واحدة في أوساط اللاجئين، وهي تُعرّف استناداً إلى الانتماءات السياسية ونوع الجندر.

بالنسبة إلى غالبية اللاجئين، تشمل استعادة السلامة والأمن وقف القصف الجوي والحصار، وحل المجموعات المسلحة والحواجز العشوائية، وتجريد الميليشيات من السلاح، ووقف الاعتقالات التعسفية. وأبدى معظم اللاجئين استياءهم من عسكرة المجتمع وكثرة الفصائل المسلحة، وهم يعتقدون أن السلطات الشرعية وحدها من يحق له اللجوء إلى العنف، تحت سلطة القانون. لكن تعريف اللاجئين المؤيّدين للنظام ومعارضيه لهذه السلطات كان متبايناً. فاللاجئون من مؤيّدي النظام يساندون احتفاظ الحكومة الحالية بالسيطرة على الأجهزة الأمنية، بينما يعتقد اللاجئون من معارضيه أن الأمور تقتضي إصلاح هذه الأجهزة من خلال عملية انتقال سياسي تحمل إلى سُدة الحكم رئيساً آخر.

يرى معظم معارضي النظام أن اللاعبين المحليين من كل أطياف النزاع عاجزون عن ضمان أمنهم. ويحسِب مؤيّدو النظام ومعارضوه، على حد سواء، أن اللاعبين الدوليين وحدهم قادرون على توفير ضمانات فعلية، على الرغم من أن المشاركين في حلقات النقاش من مؤيّدي النظام، وللمفارقة، قالوا إنهم يثقون في نظام الأسد وأبدوا سخطهم من الوجود الأجنبي في سورية. ويعتقد العديد من معارضي النظام، وعلى رغم انتقادهم لروسيا والولايات المتحدة على المستوى السياسي، أن البلدين يملكان قدراً كافياً من النفوذ على مختلف اللاعبين المحليين لفرض الأمن وتلبية شروطهم للعودة.

مال اللاجئون من معارضي النظام إلى تأييد الاستعانة بقوة دولية، مثل قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة، لضمان أمنهم، وكانوا منفتحين على العودة في مثل هذه الظروف. وبدورهم، أيّد اللاجئون من مؤيّدي النظام دور قوات حفظ السلام، لكن بشرط أن تساعد الحكومة السورية الحالية على إرساء النظام واستعادة السيطرة على الأرض. وبالنسبة إلى اللاجئين المعارضين للنظام، تشمل شروط سلامتهم وقواعد استقرار البلاد إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وانسحاب القوات الأجنبية والميليشيات. والشرط الأخير هو انعكاس لسردية منتشرة في أوساط اللاجئين، مفادها أن النزاع السوري صار حرباً بالوكالة بين جهات غير سورية.

كانت مسألة بقاء الأسد في السلطة عاملاً من عوامل النقاش حول الأمن والسلامة في سورية. وربط كثير من اللاجئين، خصوصاً في الأردن، تحسّن الأوضاع في سورية برحيله، قائلين إن وجوده يُشعرهم بعدم الأمان ويحول دون عودتهم. غير أن قلّة من اللاجئين، وفي الدرجة الأولى الشباب من الذكور والإناث الأكبر سناً، أشارت إلى أن رئيساً سنّياً وحده يُشعرهم بالأمان. وخالف لاجئون آخرون في مجموعة النقاش نفسها هذا الرأي، قائلين إن أداء الرئيس السياسي، وليس مذهبه، هو المعيار الأهم.

من الجدير بالذكر هنا أن عتبة الأمن والأمان كشرطٍ للعودة تبدو أعلى في أوساط اللاجئين مما هي بين النازحين داخلياً، ويرجّح أن ذلك يعود إلى أن اللاجئين سبق لهم أن بدأوا رحلة المشقّات خارج البلاد. وأشارت منظمة الهجرة الدولية إلى أن أكثر من 710 آلاف نازح داخلي عادوا، بين كانون الثاني/يناير وتشرين الأول/أوكتوبر 2017، إلى المناطق التي يتحدّرون منها، فيما اقتصر عدد اللاجئين العائدين على 30 ألفاً.18 لكن العوامل المستخدمة في تحديد العودة غير واضحة، وهذا يحمل على التساؤل حول دقة هذه البيانات. بعض اللاجئين عاد إلى سورية ضمن اتفاقات أُبرمت محليّاً في لبنان- ولكنهم عادوا إلى مناطق غير التي تحدّروا منها.19 وعاد آخرون أعقابهم إلى سورية، إما طوعاً أو قسراً، من الأردن وتركيا. وبصرف النظر عن مسائل التعريف ودقته، تبدو عودة اللاجئين الجماعية في الظروف الأمنية الحالية المبهمة، مُستبعدة.

انتقال سياسي

تبدو العودة الجماعية للاجئين أقل احتمالاً عند احتساب العوامل السياسية. فقد أشار معظم المشاركين في حلقات النقاش إلى أنهم لن يعودوا ما لم تكن الظروف السياسية مؤاتية، حتى لو توفرت فرص العمل والخدمات والسكن. وتحديداً، حين سُئلوا إذا ما كانوا سيعودون في ظروف سياسية مناسبة ولو لم تتوفّر لهم الفرص الاقتصادية أو السكن، أجاب معظمهم بالإيجاب. وأعلنت خلود من ريف دمشق: "إذا عُزل بشار الأسد وعمّ الأمن في سورية، فحتى إذا لم يتوفّر طعام أو شراب، سنؤمّن الطحين ونصنعه بأيدينا".20

قال معظم المشاركين إن تغيير شكل الحكم يتصدّر أولوياتهم، ويليه في سلم الأولويات، تأمين السكن وتوفير الخدمات الحكومية بالنسبة إلى المشاركين الذين هم فوق سنّ الخامسة والعشرين؛ وتوفير سبل العيش بحسب المشاركين الذين هم ما دون الخامسة والعشرين. وأشار كذلك عدد كبير من اللاجئين إلى أن منازلهم دُمّرت، لكنهم رغم ذلك سيعودون إلى سورية إذا ماسمحت الظروف الأمنية والسياسية وتوفّرت فرص العمل. وهم أصرّوا على أنهم سينصبون خيمة وسط أنقاض منازلهم ويعيدون إعمارها.

وحين سُئلوا عما إذا كان وجود الأسد يؤثّر في استعدادهم للعودة، شدّد مرة أخرى المشاركون المؤيّدون للنظام أنهم لن يعودوا إذا عُزل الأسد من السلطة. وعلى خلافهم، أكّد معظم اللاجئين المناوئين للنظام أنهم لن يعودوا إلا إذا عُزل الأسد. قال طارق، وهو لاجئ شاب من حمص: "كنتُ أعمل متعهّد دفن في سورية. كان عملي هو دفن الشهداء. وحين رأيتُ ما فعلوه بهم، وكيف قاموا بتقطيعهم بالسكاكين، لم يعد هناك مجال، تبدّدت الثقة. وحتى لو وفّروا كل ما نحتاجه، لا ثقة بهم. 21 وأشار قلّة من اللاجئين المناوئين للنظام إلى أنهم رضخوا لاحتمال بقاء الأسد وأنهم سيعودون إذا ما أُرسي الأمن وتوفّرت الوظائف، ذلك أنهم لا يريدون البقاء في المنفى إلى ما لا نهاية. وقال مناوئون آخرون للنظام إنهم إذا أُجبِروا قسراً على العودة في ظل النظام الحالي، سيسعون إلى معارضته، ولن يسمحوا للأسد بالاستيلاء على البلد.

التركيز على النساء والشباب

في وقت ساهمت ظروف العيش البائسة في الدول المضيفة في قولبة المواقف من العودة، يتردّد لاجئون كثيرون في العودة إلى ديارهم. فواقع الحال أن خوفهم من تبعات العودة يفوق التحديات التي يجبهونها في الدول المضيفة. على سبيل المثل، يشعر اللاجئون بالقلق من إجبارهم على المشاركة في لُجج النزاع، ويخشون على سلامة عائلاتهم وأمنها. والشباب تحديداً قلقون من التجنيد الإلزامي، ويُبدون حماسة أكبر لإعادة توطينهم في بلد ثالث، آملين بناء مستقبل أفضل لأنفسهم. والنساء، على رغم أنهن أقل حماسة إزاء إعادة التوطين، إلا أنهن كذلك لايرغبن في العودة مع أطفالهن إلا إذا حصلن على ضمانات أمنية وازنة.

أخذت اللاجئات الإناث مواقف أكثر تشدّداً من الذكور إزاء مسألة العودة، وكانت شروطهن أكبر. فأكثر من ثلثي الإناث المشاركات في حلقات النقاش لم يَحسمْن أمرهن أو تردَّدْن حيال مسألة إعادة التوطين في بلد آخر، على رغم أنهن يرَيْن أنها أهون الشرّين، فيما ثلث الإناث فقط يسعَيْن إلى العودة إلى سورية. وعلى خلافهن، كان أكثر من نصف المشاركين الذكور يتوق إلى العودة إلى سورية، في حين أن بعضهم الآخر كان متردّداً أو سعى إلى إعادة التوطين في بلد آخر. ولم ترغب إلا أقلية صغيرة من اللاجئين، الذكور والإناث، في البقاء في البلد المضيف.

ثمة اعتبارات عدة وراء المواقف المتشدّدة بين الإناث حيال مسألة العودة إلى سورية. فالأمهات أو الجدّات غير مستعدّات للمغامرة بنقل أطفالهن وعائلاتهن إلى أمكنة ملتبسة الأحوال تتعذّر فيها، بقدر ما يعنيهن الأمر، السلامة والأمن في ظل النظام الحالي.

إضافةً إلى تحسّن الظروف الأمنية والسياسية، تطلب النساء كذلك توفّر الخدمات الأساسية، وتحديداً التعليم والرعاية الصحية، ودعم الإسكان. وترى اللاجئات أن الانتقال السياسي والوصول إلى الخدمات الأساسية مترابطان، غير أن أولويتهن هي للانتقال السياسي. فخيار العودة بعائلاتهن إلى منطقة نزاع في ظل النظام الحالي، يعرّضها إلى الخطر. وأعربت معظم الإناث في مجموعات المشاركين عن الحاجة إلى آلية عدالة انتقالية تشمل تحديداً إطلاق سراح المعتقلين، وإعادة الملكية لأصحابها، وملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، ونزع سلاح المجموعات المسلّحة.

وترتفع الرغبة في العودة مع تقدّم اللاجئين في السن. فثلث المشاركين في حلقات النقاش ممن هم ما دون الخامسة والعشرين، يتوق إلى العودة، وأكثر من نصفهم متردّد أو يستسيغ إعادة التوطين في مكان آخر. ولم يسعَ سوى عدد ضئيل منهم إلى البقاء في الأردن أو لبنان. وعلى خلافهم، يتوق أكثر من نصف من هم فوق الأربعين من العمر إلى العودة إلى سورية.

كانت مشاعر الاستكانة واليأس والعجز حادّة في أوساط الشباب أكثر مما هي في أوساط الأكبر سنّاً. وهذا يعود، جزئياً، إلى محدودية الفرص المُتاحة أمامهم لبناء مستقبلهم في الدول المضيفة. ويرغب بعضهم في العودة إلى سورية، لكنه يخشى أن يعتقله النظام بتهمة الفرار من التجنيد الإلزامي، قبل إرساله إلى حتفه على الجبهة. وفيما يأمل الجزء الأكبر منهم في إعادة التوطّن في أوروبا، بسبب اليأس وضيق الآفاق في البلدان المضيفة، وصعوبة السفر إلى الخارج، تفكّر قلّة صغيرة في العودة إلى سورية، عوض مواصلة العيش في المهانة والذل، حتى لو واجهت خطر الموت. في غضون ذلك، قَنَعَت حفنة منهم بالتكيّف مع الوضع الراهن. وفي هذه المجموعة، أشار كثيرون إلى انهم يستسيغون العودة إلى سورية وإيجاد طريقة لمعارضة نظام الأسد من الداخل، من دون حمل السلاح، والمساهمة في نهاية المطاف في إعادة إعمار بلدهم.

حمل الخوف من التجنيد الإلزامي معظم الشباب المشاركين في حلقات النقاش- المؤيّدين للنظام ومعارضيه على حد سواء- على البقاء خارج سورية.22 ومخاوف اللاجئين المعارضين للنظام كانت تنطوي أيضاً على أبعاد طائفية. وثمة لازمة تتكرّر في سرديات الشباب الذكور المعارضين للنظام مفادها أن المجنّدين السنّة يُرسلون إلى الموت على الجبهات الأمامية، في حين يبقى العلويون من طائفة الرئيس السوري، وهي من الأقليات، بعيداً عن الجبهات. وقال أحمد من حلب: "بسبب الحرب، يضعونني، أنا السنّي، على الجبهة، ويتركون العلويين خلفي. لماذا يرسلونني إلى الجبهة؟ من سأقاتل؟ ولماذا يختبئ العلويون ورائي؟ ولماذا عليّ أنا الموت، وليس العلويين؟23

تفاقم قوانين التجنيد في الخدمة العسكرية الإلزامية الصادرة مؤخراً المصاعب المُحدقة بآفاق عودة الشباب إلى بلدهم.24 ويلغي المرسوم التشريعي الرقم 24/2017 صلاحية قيادة الجيش العامة في منح إعفاءات من الخدمة العسكرية، ويُطلب من الذكور في سن بين الثامنة عشر والثانية والأربعين الذين لا يلتحقون بالجيش، دفع غرامة قدرها 8 آلاف دولار خلال ثلاثة أشهر من بلوغ سن التجنيد. وإذا لم يلتحقوا بعد ذلك، يسُجنون لمدة عام، ويُغرّمون 200 دولار سنوياً، بدءاً من تاريخ التجنيد، وحد الغرامة الأقصى هو 2000 دولار. ويواجه من لايلتحق بالخدمة العسكرية الإلزامية خطر مصادرة أمواله المنقولة أو غير المنقولة، إلى حين تسديد المبلغ كاملاً.

قال غازي، وهو شاب سوري مقيم في طرابلس، ساخراً: "المشكلة هي أن الذهاب إلى سورية مُمكن، فطرق كثيرة تقود إليها. لكن ما العمل حين تصل إلى سورية؟ إما تلتحق بالجيش أو تحتاج إلى حوالى 3 إلى 4 مليارات دولار".25

المُلفت أن المواقف السلبية من الخدمة العسكرية الإلزامية لم تتحول إلى رفضٍ للجيش، بل على خلاف ذلك، أبدى عدد كبير من اللاجئين الشباب احترامهم للجيش كمؤسسة حكومية مهمة، وهم يرَوْن أن خدمة وطنهم واجب، لكنهم يعارضون خدمة النظام وقتل مواطنيهم. ويُظهر رد الفعل هذا شعوراً عميقاً بالوطنية في أوساط السوريين، وقد أعلن المشاركون في حلقات النقاش مراراً وتكراراً: "من المهم خدمة الوطن، لكنني لم أشأ قتل إخوتي أو خدمة النظام".

العودة إلى مسقط الرأس

حدّدت المناطق التي يتحدّر منها اللاجئون مواقفهم من العودة. فالأفراد المتحدّرون من مناطق اندلعت فيها الثورة ومناطق صارت بعد ذلك معاقل للثوار، كانوا أكثر المتردّدين، وحتى المذعورين، من العودة إلى سورية. فعلى سبيل المثال، كان اللاجئون من حمص وحلب الأقل اهتماماً بالعودة والأكثر رغبة في السعي إلى اللجوء في مكان آخر. وعلى خلافهم، كان اللاجئون المتحدّرون من نواحٍ في ريف دمشق لم تشهد الحصار والقصف الجوي، أكثر رغبة في العودة.

بالنسبة إلى السواد الأعظم من المشاركين في حلقات النقاش، كانت العودة إلى سورية صنو العودة إلى منازلهم ومسقط رأسهم، لكنهم كانوا يخشون مما سيجدونه حينها. وأبدى كثيرون قلقهم من احتمال ألّا يتعرّفوا على أحيائهم، إما بسبب الدمار الكاسح أو لأن جيرانهم السابقين غادروا أو حتى هاجروا.

كذلك، يعتقد لاجئون كثر من حلب وحمص والزبداني، أنه لن يُسمح لهم بالعودة إلى أحيائهم. ولا يملك اللاجئون معلومات موثوقة حول المراسيم الحكومية الأخيرة، خصوصاً تلك المتعلقة بالإسكان والأرض وحقوق الملكية. وهذا يعني أن كثيرين يعتمدون في معلوماتهم على شبكات غير رسمية وعلى الأحاديث الشفوية، ما يولِّد قلقاً عارماً في أوساط جماعات اللاجئين. وأوجز طلال البرازي، محافظ حمص، بعض إجراءات التدقيق التي اعتمدها النظام والتي يُرجّح أن تجعل العودة بالغة العسر. ففي سبيل استعادة منازلهم، على العائدين تقديم وثائق قانونية تثبت محل ولادتهم وملكية عقارهم. وعليهم الخضوع إلى تحقيق أمني على يد الشرطة المحلية لتحديد ما إذا كان ثمة اتهامات أمنية أو جنائية صادرة في حقهم.26 وتنص قوانين ناظمة صادرة مؤخراً على أن على اللاجئين الراغبين في استعادة ملكيتهم المطالبة بها شخصياً. وفي مثل هذه الظروف، يخشى كثيرٌ من اللاجئين الاعتقال، حتى لو لم يشاركوا في النزاع. ويخشى الرجال ما دون الثانية والأربعين، كذلك، تسجيلهم قسراً في الجيش. وأشار كثيرون إلى أنهم ببساطة لايملكون الوثائق القانونية المطلوبة.

مع أن طبيعة النزاع السوري سياسية في الغالب، إلا أن جوانبه الإثنية والطائفية في بعض المناطق، تفاقم مستويات تعقيده. ففي أعقاب النزاعات التي شهدتها البوسنة- الهرسك والعراق،27 بدا أن الأغلبيات الإثنية أو الطائفية هي أسرع من الأقليات في العودة إلى الوطن بعد مرحلة من النزوح. لكن هذه لن تكون الحال في سورية؛ فمعظم اللاجئين السوريين هم من المسلمين السنّة الذين يشكّلون الأغلبية في سورية، وهم يعارضون النظام. ومع الأسد في سُدة السلطة، ونظراً إلى انتشار الفوضى والدمار، تبدو آفاق عودة اللاجئين الطوعية بالغة الضآلة، كما أن عودة عدد كبير منهم مستبعدة نظراً إلى مساعي النظام المتواصلة لنقل السكان قسراً وإعادة توطينهم.28 فالنسيج الاجتماعي في العديد من المناطق يتغيّر رأساً على عقب بحيث يتعذّر التعرف إليه، وهذه حال يبدي إزاءها اللاجئون قلقهم العميق.

كذلك، تخشى أقليات سورية الدينية والإثنية، التي هي نظرياً تحت حماية النظام، العودة. فهي تشعر بالقلق من الدمار الذي نزل بسورية والذي لن يُصلَح أبداً. ولم تؤدِّ ثقتهم في النظام ورضاهم عن الانتصارات العسكرية إلى التفاؤل حيال مستقبل سورية. فكثيرون منهم يشكون في أن يتم إرساء النظام والاستقرار بعد انتهاء الأعمال العدائية. وفي هذا السياق، ومع ذواء احتمال عودة اللاجئين إلى مسقط رأسهم، ليس مفاجئاً أن يعتبروا إعادة التوطين الحل الوحيد الممكن لضمان أمنهم وسلامتهم.

الحصول على الملكية

يرغب اللاجئون في العودة إلى منازلهم وتلقي الدعم لإعادة بناء حواتهم. لكن، في ظل انتشار الدمار الواسع في مدن سورية وبلداتها، تعقّد أوضاع المنازل آفاق عودة معظم اللاجئين. وبحسب تقديرات البنك الدولي، أصاب دمار جزئي أو كلّي 30 في المئة من مساكن سورية، وخصوصاً في حلب، ودير الزور، وإدلب وتدمر.29

وأشار نصف المشاركين في حلقات النقاش في الأردن وثلثاهم في لبنان إلى أن منازلهم دُمِّرت جزئياً أو كلياً. وقال لاجئون آخرون إن منازلهم احتلها نازحون سوريون أو أطراف مرتبطة بالنظام، مثل الميليشيات الموالية لإيران، وأكثر المعنيين بهذه المسألة هم، خصوصاً، اللاجئون من درعا وحمص وريف دمشق والزبداني والسيدة زينب، حيث وقعت بعض المناطق في قبضة الدولة الإسلامية أو ميليشيات إيرانية الولاء.30 وشرح إبراهيم من ريف دمشق أسباب رحيله، قائلاً: "كانت الميليشيات هي السبب، الميليشيات الإيرانية... الميليشيات العراقية... وبدا أن ثمة خطة مدبّرة عمداً لإجبار الناس على المغادرة".31

في هذا السياق، عبّر الناس عن قلقهم حيال السكن والأراضي وحقوق الملكية. قُبيل النزاع، كان شطر راجح من الملكية في سورية عشوائياً وغير موّثق: كانت الملكيات تُشيَّد من دون رخص مناسبة أو على أراض مشاع عامة، وتنتصب كعشوائيات سكنية. وقد دُمّر جزء كبير من هذه الممتلكات في سنوات القتال.32 وقالت لميا من ريف دمشق: "بلغني أن الجيش يحتل فوراً أي منزل صاحبه غائب، حتى لو كان ثمة مستأجر يقيم فيه... يصادرون عقد الإيجار، ويطردون المستأجر، ويأخذون البيت".33

لقد غادر نحو نصف المشاركين في حلقات النقاش سورية من دون سندات ملكية أو وثائق قانونية تثبت ملكيتهم (انظر الشكل 3). ولا يملك حوالى نصف مَن دُمِّرت منازلهم أي نوع من الوثائق، ما يجعل من استعادتها عمليةً بالغة الصعوبة.

وتشير تقارير متنوّعة من سورية إلى أن النظام استند إلى سجلات الأراضي لتحديد الدوائر السكنية والمناطق المتحالفة مع المعارضة، ثم شنّ حملات عسكرية لاستهدافها تحديداً، والاقتصاص جماعياً من سكانها المدنيين وإحباطهم، لدفعهم إلى الانقلاب على المعارضة.34

كذلك، يشير عدد كبير من التقارير الصادرة في العام 2016 إلى أن النظام يُدمّر السجلات العقارية لمحو إثباتات الملكية،35 ويزوِّر سجلات ملكية جديدة لصالح سكان موالين له.36 ولاحظ تقرير يتناول الوضع في حمص أن "في تموز 2013، دمّر حريق مكتب السجلات العقارية الذي احتوى وثائق الملكية الرسمية. ويرى بعضهم أن هذا الحريق مفتعل، فهو المبنى الوحيد الذي اشتعلت به النيران في أكثر أجزاء المدينة أمناً".37

ويرغب معظم المشاركين في حلقات النقاش في العودة إلى مناطقهم الأصلية، حتى لو كانت منازلهم قد اندثرت، وحتى لو كانت الظروف أفضل في أنحاء أخرى من سورية. فبعض اللاجئين يريد ببساطة طيَّ صفحة النزوح. أعلنت فريدة من حمص :"تعبنا من وصمة اللاجئ"،38 كما أكّد كثيرون أنهم سيعيدون بناء منازلهم بأيديهم، إذا كانت الظروف السياسية والأمنية مناسبة، بغض النظر عن وجود فرص العمل والخدمات. غير أن العديد من اللاجئين ذكروا حاجتهم إلى دعم مالي لإعادة بناء ملكياتهم. وكانت المشاركات أكثر إصراراً على هذه المسألة، إذ يعتقدن أن من واجب الحكومة إعادة الإعمار. وأعلنت قلة من المشاركين أن سورية كلها موطنها، وأنها ستقيم في أي ناحية من البلاد إذا كان ذلك هو الخيار الوحيد.

سورية التي يتوقون إليها

الطلب من اللاجئين وصف صورة سورية التي يرغبون، حيوي للتوصّل إلى فهم أفضل لما يحفزهم على العودة. وكان لمعظم المشاركين في حلقات النقاش رؤية واضحة لأي سورية يريدون، وساهمت في تحديد سماتها حاجاتهم إلى الأمن والأمان والعدالة، فضلاً عن تصوّراتهم حول المساعي الدولية المتواصلة لإنهاء النزاع السوري.

سورية حرة

وصفت غالبية واسعة من المشاركين، وكثيرون منهم يعارضون نظام الأسد، سورية المتوخاة على أنها تلك التي تلتزم قيم الحرية والمساواة والعدالة والحكم الديمقراطي، تحت راية حكم القانون. وشدّد كثيرون على الحاجة إلى المصالحة والوحدة الوطنية والتعايش، واعتبروا أوروبا نموذجاً لأنها تحترم حكم القانون والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان. قالت أسمهان، المقيمة في بيروت: "ما معنى الحرية؟ هي أن تكون موجوداً، أن تملك حقوقاً، لا أن تأتي زوجة ضابط، أو ابن ضابط، لأخذ كل ما تملك".39

إضافةً إلى الإصرار على المصالحة والتأكيد بقوة على أن السوريين قادرون على العمل والعيش معاً كما في السابق، لم يرغب المشاركون في حلقات النقاش بتحميل طائفة أو إثنية مسؤولية النزاع، وأوضحوا أن السوريين، إذا تُرك لهم القرار، قادرون على حل خلافاتهم.

لكن الرؤى حول مستقبل سورية يقيّدها جو من الإحباط السائد في أوساط اللاجئين. فقد كانت رؤى معظم المشاركين في حلقات النقاش متشائمة حول مستقبل سورية، ولم يكونوا على يقين من أن في الإمكان إعادة إرساء الاستقرار والنظام مجدّداً. وهم يعتقدون أن العنف في سورية قد يأخذ، على الأغلب، أشكالاً أخرى، ويخشون عسكرة المجتمع وهيمنة أمراء الحرب في أي تسوية يُكتَب لها أن تُبرم بعد النزاع. عبّر مؤيّدو النظام كذلك عن آراء متضاربة ومتفاوتة حيال مستقبل سورية. وفيما التزم بعضهم سردية النظام عن قرب إرساء الأمن والاستقرار، كان آخرون منهم أكثر تشكيكاً في المسألة وحاججوا بأن تحسّن الأحوال يتطلّب قسطاً من الوقت.

ينبع شعور اللاجئين بالإحباط من اعتقادهم العميق بأن المجتمع الدولي تخلّى عنهم، وبأن الأطراف الخارجية في النزاع السوري قادرة على فرض السلام والاستقرار، إذا ما شاءت ذلك، ناهيك عن أنهم فقدوا ثقتهم عموماً بمسارَي أستانة وجنيف. فقد قالت سميرة من ريف دمشق: "نسمع كثيراً من الكلام، ولكن في الواقع، لا نرى إلا القليل على الأرض".40 كذلك، معظم اللاجئين على قناعة بان عمليات السلام ترمي إلى ترجيح مصالح الأطراف المشاركة فيها، خصوصاً روسيا والولايات المتحدة وإيران، غير آبهةٍ بسورية أو بالسوريين.

سورية موحّدة جغرافياً

تناول المشاركون في حلقات النقاش مقاربات مختلفة لأشكال الحكم في سورية، تحديداً الفيديرالية، واللامركزية، وتقاسم السلطة، وغير أنهم أجمعوا على رفض أي مقاربة تؤدي إلى تفكّك سورية وتذرّرها رفضاً قاطعاً.

وحين طُلب من المشاركين التفكير في الفيديرالية، تفاوتت ردود فعلهم. ففيما حبّذت قلة من اللاجئين فكرة القدرة على حكم أنفسهم على مستوى الأقاليم، لفظت الأغلبية الفكرة فوراً، وأعربت عن اعتقادها بأن سورية الفيديرالية ستتفكّك إلى أجزاء عدة. فكرة اللاجئين عن الفيديرالية مُخطئة، وتردّدت في أقوال كثر منهم أصداء مشاعر ابتسام من ريف دمشق حين قالت: "لا نرغب في العودة إلى سورية نحتاج فيها إلى تأشيرة للعبور من منطقة إلى أخرى". وأضافت: "سينتهي بنا الأمر إلى ضرورة وجود جواز سفر للانتقال من حلب إلى حمص".41

بدا اللاجئون أكثر انفتاحاً على اللامركزية الإدارية. ومع أن غالبيتهم كانت تجهل ما يترتب عليها، بدت لهم فكرة التمثيل المباشر ونفوذهم على ممثّليهم المحليين جذّابة. قلة صغيرة فقط من المشاركين كانت مُطّلعة على المرسوم الحكومي الصادر في العام 2011 حول اللامركزية (المرسوم 107)،42 والذي يمنح صلاحيات سياسية ومالية أوسع، تشمل المشاريع التنموية المحلية، للمجالس المحلية المُنتخبة ومجالس المحافظات وحكامها.43 لكن أغلبية اللاجئين لم تكن تدرك ببساطة نتائجها ومعناها بالنسبة إليهم.

فيما أصرّت أغلبية المشاركين على أن الطائفية لم تكن موجودة قبل النزاع، أبدى مؤيّدو النظام ومعارضوه، على حد سواء، استعدادهم للقبول بتقاسم السلطة بناءً على الهوية الإثنية والدينية، ورأوا في مثل هذا التقاسم مسار عملي وواقعي يحل النزاع السوري ويحمي الأقليات. ويرى شطر راجح من أغلبية اللاجئين، وهم من المسلمين السنّة، أن طبيعة النزاع سياسية أكثر مما هي طائفية، حتى أن بعضهم أشار إلى دعم كثير من السنّة للنظام لحماية مصالحهم الاقتصادية. وعلى رغم أن أقلية من اللاجئين أعربت عن قلقها إزاء تراجع حصة السنّة في السلطة قياساً على حجمها السكاني، في ظل نظام لتقاسم السلطة على أساس طائفي أو إثني، أكّد الجميع على الحاجة إلى آلية حكم شاملة للجميع يشارك فيها كل السوريين، مهما كانت هوياتهم الإثنية والطائفية. وقد أعرب عدد قليل من اللاجئين عن قلقه جهاراً من أن يحكم علوي البلاد، وأن وجود رئيس سنّي في سدة السلطة من شأنه أن يُشعرهم بالأمان.

سورية شاملة للجميع

على رغم أن اللاجئين المؤيدين للنظام ومعارضيه أجمعوا، من جهة، على الحاجة إلى تقاسم شامل للجميع للسلطة، غاب، من جهة أخرى، الإجماع حول الخيارات السياسية في سورية أو حول الشكل المُحتمل للحكم. ففيما يستسيغ اللاجئون المعارضون للنظام تشكيل حكومة وحدة وطنية، على رغم شكوكهم في قدرتها على إرساء الاستقرار في سورية، يرفض اللاجئون المؤيدون للنظام مثل هذه الحكومة رفضاً مطلقاً. فهم يطعنون في صدقية كل المجموعات المعارضة والبدائل المُحتملة عن نظام الأسد.

يقر اللاجئون المعارضون للنظام بأنه من غير المُحتمل حدوث تغيّر كامل في الحكم، بسبب تدعيم النظام قوته تدريجاً والدعم الروسي والإيراني له، وهم مستعدّون لأن يأخذوا في عين الاعتبار حكومة انتقالية تجمع شخصيات النظام ومعارضيه على حد سواء. لكن على خلافهم، يبدو اللاجئون المؤيّدون للنظام أقل استعداداً للتسوية والمساومة، في وقت يعتقدون أنهم يربحون الحرب ويعربون عن ازدرائهم لأعضاء المعارضة، ويصفونهم بالخونة. كما أنهم يرفضون احتمال الإشراف الدولي على النظام وعلى أي عملية سياسية مستقبلية. هذه الآراء تعكس مواقف النظام ومفادها أنه سيرفض أي تسوية سياسية تنقل كامل صلاحيات الرئيس بشار الأسد إلى حكومة انتقالية. وبرفضه هذا الاقتراح، وهو جزء من عملية السلام في جنيف، سيكون في مقدور النظام التملّص من الإشراف الدولي على وضع سورية في حقبة ما بعد النزاع.

وإذا نحينا هذه الخلافات جانباً، سنرى أن مؤيّدي النظام ومناوئيه يُجمِعون على معارضة الاقتراحات لتجميد خطوط الحبهات بين الفصائل. فهم يخشون من أن يؤدي إرساء مناطق خفض التصعيد إلى تقسيم سورية. وقد قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، إن هذه المناطق- التي اقتُرحت خلال مفاوضات السلام في أستانة- قد تؤدي إلى "تقسيم ناعم" لسورية.44 كذلك، لفظ اللاجئون كلهم فكرة إنشاء "مناطق آمنة" لهم داخل سورية، إذ نبّه عدد كبير منهم إلى أن مثل هذه المناطق قد تكون آمنة اليوم، لكنها لن تبقى على هذا المنوال غداً.

سورية أكثر تمثيلاً

بدا أن معظم اللاجئين السوريين متأكدون بأن وسطاء غير سوريين هم وحدهم القادرين على إنهاء النزاع، وبأن لا كلمة وازنة للسوريين في هذه العملية. غير أنهم فقدوا الثقة في عملية السلام السياسية الدائرة اليوم، وفي اللاعبين الحاليين الضالعين في النزاع، المحليون والدوليون على حد سواء، ومنهم روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا والسعودية، ودول خليجية أخرى. وهم يزعمون أن اللاعبين الدوليين كلهم يضحّون بسورية ومواطنيها لتحقيق أهدافهم الخاصة. وعبّر اللاجئون المؤيدون للنظام والمعارضون له عن شعورهم بالتعب والقرف من السياسة والسياسيين.

يحاجج معظم اللاجئين ألا جهة تمثّلهم. وعلى رغم أن مؤيدي النظام أعلنوا دعمهم الكبير له، بدا أنهم عموماً يطرحون السياسة جانباً. وغالبيتهم قالت إن السياسة بالغة التعقيد، ومصدر متاعب وحسب، وأنهم لا يرغبون بأي صلة بها. جلّ ما يصبون إليه هو حياة طبيعية.

وأبدى اللاجئون المعارضون للنظام خيبة أملهم من كل اللاعبين السياسيين في سورية، وفقدوا ثقتهم في قيادات المجموعات المعارضة داخل سورية وخارجها. معظمهم يعتقدون أن اللاعبين وهذه المجموعات يعملون لخدمة مصالحهم الخاصة وأن انقساماتهم كثيرة، أو أنهم خانوا الشعب السوري ومبادئ الثورة. غير أن عدداً يعتدّ به منهم ميّز بين المقاتلين في سورية- وهو يرى أن مشروعية هؤلاء أكثر تمثيلية للسوريين لأنهم موجودون في الميدان- وبين المعارضة في المنفى التي يصفونها بـ"معارضة الفنادق". وقال منصور من الزبداني: "لم نعد نعرف الفرق بين الصالح والطالح. لا نثق إلا بالله. وعلى كل مَن يمثّلني أن يتعاطف معي، ومع ألمي، والمأساة التي أعيش".45

وعبّر اللاجئون المعارضون للنظام عن مشاعر تعاطف مع الجيش السوري الحر وبعض الحنين إليه. فهم يعتقدون أنه مثّل بصدق قيم الثورة السورية وأهدافها- فهو خاض صراعاً غير طائفي ورَكّز على قتال النظام. وعلى رغم هذا التعاطف، وجهوا نقداً قاسياً ومريراً إلى ما آل إليه الجيش السوري الحر، وعابوا عليه الفساد والأجندات الشخصية، ما أدّى إلى فقدانه أهميته ووزنه.

الملفت هنا أن آراء عدد من اللاجئين في الأردن في الشخصيات المعارضة كانت أكثر إيجابية. فهم أعلنوا أنهم، على رغم إخفاقات المعارضة، يشعرون بأن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أي أولئك الناطقون باسم المعارضة في جنيف، لايزال يمثّلهم.

سورية عادلة

رأى بعض المشاركين في حلقات النقاش أن العدالة مرتبطة بشكلٍ أساسي بمفاهيم دولة القانون والمساءلة والمحاسبة، وهي قيم تُعتبر مركزية لمسألتي الحوكمة ووظائف الدولة. قال محمود من الزبداني: "العدالة... هي تغيير الحكومة، وأن يكون هناك وزارة عدل. إذا ارتكب أحدهم جريمة قتل، يجب أن يُحاسب. وإذا رفع المرء شكوى، ينبغي أن تجد شكواه آذاناً صاغية. وإذا قلتَ لهم إن منزلك مدمّر، يجب أن يساعدوك أو يعطوك قرضاً. بعبارة أخرى، نريد دولة. أما الآن، فلا نملك سمات الدولة في سورية".46

عند مناقشة سبل إرساء العدالة في سورية ما بعد الحرب، احتدم النقاش بين المشاركين في حلقات النقاش حول فكرة العفو. وبرزت طريقتان في فهم العفو: فقد ربطها بعض المشاركين بعفو رئاسي لكل من فرّ من التجنيد أو شارك في أعمال مناهضة للنظام، فيما ألحقها بعض آخر بحصانة كاملة من الجرائم المرتبكة في خضم النزاع.

كان موقف اللاجئين المؤيدين للنظام بالغ العدائية لفكرة العفو الرئاسي، بينما انقسم معارضو النظام انقساماً بائناً. رأى معظم مؤيدي النظام أن الحاجة ماسّة إلى ملاحقة أولئك الذين تآمروا على سورية، وفق تعبيرهم. وفي المقابل، أعلن بعض اللاجئين المعارضين للنظام أنهم يرفضون العودة إلى سورية بناءً على عفو رئاسي، لأنهم لايثقون بمثل هذا العفو. بيد أن شطراً آخر رأى أنه شرط مسبق لاغنى عنه للعودة، في وقت تنتشر بين اللاجئين مشاعر الخوف من الاعتقال بتهمة المشاركة في الاحتجاجات أو تجنّب الخدمة العسكرية. وكذلك، أثّرت الانتماءات السياسية في المواقف إزاء إطلاق سراح المعتقلين. ففيما أصرّ اللاجئون المعارضون للنظام على الحاجة إلى الإفراج عن كل المعتقلين، يعتقد اللاجئون المؤيدون للنظام أنهم مجرمون ويجب محاسبتهم.

واضح أن اللاجئين الذين يربطون العفو بحصانة واسعة من العقاب، يقصدون به- وفق انتماءاتهم السياسية- العفو عن الجرائم التي ارتكبها مسؤولو النظام، وقواته، وحلفاؤهم، أو مسامحة المجموعات المعارضة. وفي وقت يعارض كل مؤيدي النظام قطعياً فكرة العفو العام، تنقسم آراء اللاجئين المعارضين. فمعظمهم، وخصوصاً النساء والشباب، ينظر نظرة سلبية إلى العفو العام، ويرى أن السلام المُستدام مستحيل من دون العدالة والمحاسبة، وأن محاسبة الأسد على جرائمه، واجبة. وبعضهم يشعر بأن مثل هذا العفو يعبّد الطريق أمام تفاقم النزاع ويشجّع الأفراد الذين يسعون إلى العدالة على إنفاذها بأيديهم. من يؤيدون العفو العام يرون أنه شرّ لا بدّ منه. والذريعة السائدة، خصوصاً في أوساط الرجال الأكبر سناً، هي: "لايسعنا محاكمة الشعب برمته".

خلصت النقاشات حول من يُمنح العفو، إذا كان هذا ممكناً، إلى اتفاق عام حول وجوب محاسبة من أعطى الأوامر بالقتل، في حين أن الجرائم الأصغر، مثل السرقة، تُسامح ويُعفى عنها. لكن حين جوبه اللاجئون بإمكان مصادفتهم ذات يوم الرجل الذي ارتكب الجريمة، وتحديداً ذلك الذي قتل من هو أثير على القلب، قال لاجئون كثيرون أنهم قد يحاولون الأخذ بالثأر، لكنهم قالوا أيضاً إن المحاكم ضرورية للحؤول دون إنفاذ الناس العدالة بأنفسهم.

قال عصام من ريف دمشق: "أن أرى من قتل شقيقي أو قريبي يعيش حياةً طبيعية، ويتجوّل، ويتمتّع، فهذا أمر لايُطاق! لا، لن أعود. فحرب أهلية ستندلع. وسيقول الناس: "سأرتكب جريمة اليوم ويُعفى عني غداً"".47

أعلنت أغلبية اللاجئين المعارضين للنظام أن ثقتهم ضعيفة بالنظام القانوني الحالي في سورية، ويرون أنه أداة النظام ويفتقر إلى الاستقلالية والصدقية. غير أنهم أجابوا عفوياً، حين سئلوا عن كيفية محاكمة الملاحقين بارتكاب جرائم الحرب: "سيحكم الشعب عليهم". والجواب هذا يعني ضمنياً أن المجرمين سيُحاكمون في سورية على يد سوريين. لكن كثير من اللاجئين المعارضين أشاروا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية هي الوحيدة القادرة على القيام بمثل هذه الملاحقات القضائية- على رغم أنهم سلّطوا الضوء على الحاجة إلى التعاون بين الهيئات القضائية الدولية والكيانات التشريعية السورية. إلا أنهم لم يوضحوا مايقصدون بهذه الهيئات نظراً إلى غياب ثقتهم بالقضاء السوري.

هوامش

1 حلقة النقاش الرقم 8 في سعدنايل في سهل البقاع، لبنان، 19 شباط/فبراير 2017.

2 Médecins sans Frontières, “Fleeing the Violence in Syria: Syrian Refugees in Lebanon,” Médecins sans Frontières, August 2012, http://www.msf.or.jp/library/pressreport/pdf/MS1221_LebanonReport_Final_LoRes_v2.pdf.

3 حلقة النقاش الرقم 8 في سعدنايل، سهل البقاع، لبنان، 19 شباط/فبراير 2017.

4 حلقة النقاش الرقم 2 في بيروت، لبنان، 1 شباط/فبراير 2017. مسقط رأس فادي لم يسجّل.

5 Internal Displacement Monitoring Centre, “Syria IDP Figures Analysis,” Internal Displacement Monitoring Centre, No date, http://www.internal-displacement.org/middle-east-and-north-africa/syria/figures-analysis.

6 حلقة النقاش الرقم 21 في طرابلس، لبنان، 6 حزيران/يونيو 2017.

7 حلقة النقاش الرقم 24 في صيدا، لبنان، 29 تموز/يوليو 2017.

8 حلقة النقاش الرقم 39 في إربد، الأردن، 15 آب/أغسطس 2017.

9 حلقة النقاش الرقم 23 في غزة، سهل البقاع، لبنان، 17 تموز/يوليو 2017.

10 حلقة النقاش الرقم 20 في طرابلس، لبنان، 6 حزيران/يونيو 2017.

11 هيومن رايتس ووتش، "لا أعرف لماذا أعادونا".

12 “Refugees Return to Daraa After Recent Rebel Gains,” Syria Direct, April 21, 2015, http://syriadirect.org/news/refugees-return-to-daraa-after-recent-rebel-gains/.

13 حلقة النقاش الرقم 17 في مخيم الزعتري للاجئين، الأردن، 23 نيسان/أبريل 2017.

14 منظمة العفو الدولية، "الحدود السورية- الأردنية".

15 حلقة النقاش الرقم 22، في غزة، سهل البقاع، لبنان، 17 تموز/يوليو 2017.

16 Stephanie Nebehay, “UN warns of new Syrian refugee wave to Europe if aid dries up,” Reuters, December 12, 2017, https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-syria-un-refugees/u-n-warns-of-new-syrian-refugee-wave-to-europe-if-aid-dries-up-idUSKBN1E629V?il=0 انظر أيضاً: Aron Lund, “For Syria, There’s Money for Missiles, but No Funding for Food,” The Century Foundation, April 11, 2017, https://tcf.org/content/commentary/syria-theres-money-missiles-no-funding-food/ وأيضاً: Najia Houssari, “UNHCR Stops Cash Aid to 20,000 Syrian Families in Lebanon,” Arab News, September 15, 2017, http://www.arabnews.com/node/1161436/middle-east .

17 حلقة النقاش الرقم 23 في غزة في سهل البقاع، لبنان، 17 تموز/يوليو 2017.

18 International Organization for Migration, “Nearly 715,000 Syrian Displaced Returned Home Between January and October 2017,” press release, International Organization for Migration, November 21, 2017, https://www.iom.int/news/nearly-715000-syrian-displaced-returned-home-between-january-and-october-2017.

19 مهى يحيَ، "سلام متصدّع"، ديوان، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 31 آذار/مارس 2017، http://carnegie-mec.org/diwan/68486 انظر أيضاً: مهى يحيَ، "لوم الضحايا"، ديوان، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 31 تموز/يوليو 2017، http://carnegie-mec.org/diwan/72696

20 حلقة النقاش الرقم 35 في الزرقا، الأردن، 14 آب/أغسطس 2017.

21 حلقة النقاش الرقم 7 في سعدنايل، سهل البقاع، لبنان، 18 شباط/ فبراير 2017.

22 برلمان الجمهورية العربية السورية، "المرسوم التشريعي 30 لعام 2007 ،قانون خدمة العلم"، (دمشق: سورية، 2007)، http://parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4921&

23 حلقة النقاش الرقم 33 في عمّان، الأردن، 13 آب/أغسطس 2017.

24 "مجلس الشعب يقر مشروع قانون يتعلق بمن تجاوز سن التكليف للخدمة الإلزامية وآخر حول ربط السجل العام للعاملين في الدولة بوزارة التنمية الإدارية"، سانا، 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، https://www.sana.sy/?p=656572/

25 حلقة النقاش الرقم 19 في طرابلس، لبنان، 19 أيار/ مايو 2017.

26 داليا نعمة، "تحقيق: أحياء حمص ما زالت مدمرة بعد مرور سنوات على انتصار الأسد"، رويترز، 18 آب/أغسطس 2017، https://ara.reuters.com/article/ME_TOPNEWS_MORE/idARAKCN1AY22A

27 Bogdan Ivanisevic, “Legacy of War: Minority Returns in the Balkans,” cited in Human Rights Watch World Report: Human Rights and Armed Conflicts (Human Rights Watch, 2004), 351–75, https://www.hrw.org/legacy/wr2k4/download/wr2k4.pdf; and Joseph Sassoon, The Iraqi Refugees: The New Crisis in the Middle East (London, New York: I.B. Tauris, 2009), 153–64.

28 منظمة العفو الدولية، "إما أن نرحل أو نموت: التهجير القسري بموجب اتفاقات "المصالحة" في سوريا" (نسخة موجَزة)، منظمة العفو الدولية، تشرين الثاني/نوفمبر 2017، https://www.amnesty.org/download/Documents/MDE2473092017ARABIC.PDF النسخة الكاملة باللغة الإنكليزية متوفّرة على الرابط التالي: https://www.amnesty.org/download/Documents/MDE2473092017ENGLISH.pdf انظر أيضاً: فابريس بالاونش، "التطهير العرقي يهدّد وحدة سوريا"، معهد واشنطن، 3 كانون الأول/ ديسمبر 2015، http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/ethnic-cleansing-threatens-syrias-unity

29 البنك الدولي، "خسائر الحرب".

30 Martin Chulov, “Iran Repopulates Syria With Shia Muslims to Help Tighten Regime’s Control,” Guardian, January 13, 2017, https://www.theguardian.com/world/2017/jan/13/irans-syria-project-pushing-population-shifts-to-increase-influence.

31 حلقة النقاش الرقم 39 في إربد، الأردن، 15 آب/أغسطس 2017.

32 Valérie Clerc, “Informal Settlements in the Syrian Conflict: Urban Planning as a Weapon,” Built Environment, 40, No. 1 (2014), 34–51.

33 حلقة النقاش الرقم 32 في عمّان، الأردن، 13 آب/أغسطس 2017.

34 Jon Unruh, “Weaponization of the Land and Property Rights System in the Syrian Civil War: Facilitating Restitution?,” Journal of Intervention and Statebuilding, March 2016, https://www.researchgate.net/publication/298728439_Weaponization_of_the_Land_and_Property_Rights_system_in_the_Syrian_civil_war_facilitating_restitution.

35 Jihad Yazigi, “Destruct to Reconstruct: How the Syrian Regime Capitalises on Property Destruction and Land Legislation,” Friedrich-Ebert-Stiftung Study, July 2017, http://library.fes.de/pdf-files/iez/13562.pdf.

36 "رغم تهجير نصف سكانها.. ديموغرافيا حمص تحافظ على ثباتها حتى الآن"، عنب بلدي، 31 كانون الثاني/يناير 2016 ،https://www.enabbaladi.net/archives/62787 انظر أيضاً: "مشروع استيطاني... إيران تغزو سوق العقارات في دمشق وحمص" ،هافيغتون بوست عربي، 26 آذار/مارس 2016، http://www.huffpostarabi.com/2016/03/26/story_n_9549892.html وأيضاً: "سوريا: "استملاك" منزل في منطقة مُهجّرة؟"، صحيفة المدن الإلكترونية، 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، www.almodon.com/arabworld/2016/11/17/موال-للنظام-وتريد-استملاك-منزل-في-منطقة-سنية-مهجرة

37 Syria Institute and PAX, No Return to Homs: A Case Study on Demographic Engineering in Syria (Washington, DC: Syria Institute and PAX, 2017), 43.

38 حلقة النقاش الرقم 29، في عمّان، الأردن، 10 آب/أغسطس 2017.

39 حلقة النقاش الرقم 3 في بيروت، لبنان، 6 شباط/فبراير 2017.

40 حلقة النقاش الرقم 35، في الزرقا، الأردن، 14 آب/أغسطس 2017.

41 حلقة النقاش الرقم 32، في عمّان، الأردن، 13 آب/أغسطس 2017.

42 سامر عرابي، "خريطة الطريق نحو اللامركزية في سورية"، صدى، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 23 آذار/مارس 2017 ،https://carnegieendowment.org/sada/68374?lang=ar انظر أيضاً: الجمهورية العربية السورية- مجلس الشعب : "المرسوم التشريعي 107 لعام 2011 قانون الإدارة المحلية"(دمشق: سورية، 2011)، http://parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=5575&cat=4390 ينصّ هذا القانون على إنشاء مجالس محلية منتخبة تملك صلاحيات متعلّقة بشؤون التخطيط وإعداد الموازنة.

43 سامر عرابي، "خريطة الطريق نحو اللامركزية في سورية"، صدى، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 23 آذار/مارس 2017، http://carnegieendowment.org/sada/68374?lang=ar

44 Associated Press, “The Latest: UN Envoy Cautions Against Soft Syria Partition,” Business Insider, May 11, 2017, http://www.businessinsider.com/ap-the-latest-un-envoy-cautions-against-soft-syria-partition-2017-5.

45 مقابلة أجراها المؤلّفون مع منصور في سعدنايل، سهل البقاع، لبنان، 24 شباط/فبراير 2017.

46 مقابلة أجراها المؤلّفون مع محمود من الزبداني في غزة، سهل البقاع، لبنان، 17 تموز/يوليو 2017.

47 حلقة النقاش الرقم 23 في غزة، سهل البقاع، لبنان، 17 تموز/يوليو 2017.

خلاصة وتوصيات

لدى اللاجئين السوريين في لبنان والأردن رؤية واضحة حول سورية التي يتوقون إليها، لكنهم يقرّون بأن بلوغها في الظروف الحالية شبه مستحيل. ولضمان مستقبل أفضل، يجب أن تعالج مساعي التوصّل إلى تسوية سياسية مستدامة جذورَ النزاع وتبعاته على اللاجئين في الدول المضيفة. والأهم هو تمكين هذه المساعي اللاجئين من العودة عودةً آمنة وسالمة إلى منازلهم. ومع استعادة النظام السوري السيطرة على أجزاء من سورية، يُصرّ كثيرون في الدول المضيفة، تحديداً في لبنان والأردن، على عودة اللاجئين السوريين إلى مناطق "آمنة" في بلدهم. وهذه الدعوات تضطر اللاجئين إلى الاختيار بين العودة وتعريض حياتهم للخطر أو القبول بمنفى تتفاقم فيه المعاناة والمهانة بسبب تدهور الأوضاع في البلدان المضيفة.

الظروف الأمنية الراهنة في سورية مُتقلبة وتعصى على التوقّع. لذا، لا تشكّل بيئة ملائمة لعودة معظم اللاجئين. وتحتدم عمليات عسكرية في عدد من المناطق، مايترتب عليها موجات جديدة من النزوح. وعلى رغم مكاسب النظام، لاتزال سورية، إلى حد بعيد، مُتذررة إلى مناطق نفوذ مختلفة. ولذا، احتمالات اندلاع نزاع مستقبلي، كبيرة. وقد ثبت أن مناطق خفض التصعيد غير مُستقرة، بعد تسجيل انتهاكات كثيرة خلال الأشهر الماضية.1

في ضوء هذا الواقع، يواجه اللاجئون في لبنان أحوالاً تزداد صعوبةً. فالقادة السياسيون والسكان في كلا البلدين لايرغبون في استقرار اللاجئين على نحو دائم. فمن جهة، يؤيدون توفير بعض الوظائف والتعليم الأساسي والخدمات الصحية للاجئين، لكن، من جهة أخرى، تنحو السياسة فيهما إلى الحظر التدريجي. وينجم عن الحظر هذا أشكال مختلفة من التمييز القانوني والاجتماعي، وتقييد الوصول إلى القضاء والعدل. وهذا الوضع ترك اللاجئين في وضع اجتماعي- اقتصادي حرج، وجعلهم عُرضة إلى الانتهاكات والاستغلال.

تُعرِّض ثلاثة عوامل مترابطة اللاجئين إلى خطر كبير إذا أجبروا على العودة: أولها، إمكان منع اللاجئين من الدخول لدى عودتهم إلى مسقط رأسهم أو اضطهادهم، في وقت تؤدّي قوات النظام دوراً في النقل القسري للسكان، من طريق الحصار واتفاقات السلام المحلية. وثانيها، عودة اللاجئين بالغة العسر بسبب تشظي الأراضي، ودمار النواة الحضرية والمناطق الريفية، والتشريعات الأخيرة حول حقوق الملكية. وثالثاً، رحلة العودة بالغة الخطورة مع انتشار العصابات والميليشيات في مناطق النظام والمعارضة.

في هذا السياق، يفقد مبدأ العودة الطوعية، وهو الركن الرئيس للاتفاقات الدولية حول اللاجئين، مغذاه والقصد منه. ويواجه اللاجئون أكثر فأكثر خيارات غير مرضية، أو يواجهون انسداد الأفق وغياب الخيارات، مع عودة بعضهم القسرية عبر وسائل عديدة إلى سورية.2 أمامهم في الأساس، ثلاثة خيارات: العودة إلى سورية غير مُستقرة، أو مواصلة العيش في ظروف غامضة يغلب عليها المجهول في البلدان المضيفة، أو شدّ الرحال إلى أوروبا عبر رحلة بالغة الخطورة.

ركّزت المحاولات التي بذلها المجتمع الدولي لمعالجة الأزمة، في المقام الأول، على التوصّل إلى اتفاق سياسي من خلال مفاوضات جنيف والحؤول دون وصول اللاجئين إلى شواطئ أوروبا.3 وتفترض هذه المقاربة غير الواقعية، أن في إمكان اللاجئين الإقامة إلى ما لا نهاية في الدول المضيفة على الحدود مع سورية، في أثناء السعي إلى صوغ تفاصيل التسوية السياسية. وعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي وغيره من الجهات المانحة وفّر للبنان والأردن مساعدات إنسانية كبيرة، إلا أنها كانت غير كافية، نظراً إلى طول مدّة النزاع. ولايقتصر التحدّي على معالجة ثغرات التمويل، وهي ثغرات جوهرية، أو على إنهاء الشلل الذي نزل بالمفاوضات السياسية. فإرساء الاستقرار في سورية يقتضي وقتاً طويلاً. لذا، على المجتمع الدولي السعي مع حكومات الدول المضيفة إلى تعديل أطر السياسات الخاصة باللاجئين، والاستثمار في الاقتصاديات المحلية.

على اللاعبين الدوليين الاستماع إلى مايفكّر به ملايين اللاجئين والنازحين في الداخل. وعلى الرغم من أن ربع السوريين يقيم اليوم في المنفى، وحوالى ثلثهم نازح في الداخل، تغيب مشاغلهم وأولوياتهم عن مفاوضات التسوية السياسية لمابعد الحرب. وبالتوازي مع مسار جنيف، ركّزت المفاوضات المُستمرة في الأستانة على مساعي إرساء الاستقرار وخفض التصعيد، وتجاهلت مصاعب اللاجئين والنازحين داخلياً، وتركتهم لمصيرهم. ومن وجهة نظر اللاجئين، ونظراً إلى الظروف الحالية في سورية، تنحو مسألة العودة إلى أن تصبح أكثر تعقيداً وتتعلق بقضايا خارج نطاق سيطرتهم.

من مصلحة المجتمع الدولي على المدى الطويل، بما في ذلك لبنان والأردن، الاستثمار في تسوية سياسية مُستدامة في سورية. وقد تولِّد أي تسوية تتجاهل جذور أسباب الحرب، نزاعات جديدة وتفاقم زعزعة استقرار المنطقة، وتسفر عن المزيد من نزوح السكان، وعن موجات هجرة جديدة. ولاتقيض الحياة لتسوية مستدامة ما لم تعالج مسائل العودة الطوعية، والتمثيل السياسي، وإعادة الدمج أو الاندماج، وتوفّر العدالة، كجزء من اتفاق سلام شامل. وعليه، يقضي جزء أساسي من هذا المسعى إرساء إطار جديد للاجئين وتنفيذ إجراءات سياسية مُجزية.

إرساء إطار عمل نواته شؤون اللاجئين

لاتقتصر عودة اللاجئين على حركة انتقالهم المادي عبر الحدود، بل هي تقتضي أولاً ضمانات أمن وسلامة، وبنى تحتية ملائمة، وتوفير الخدمات الأساسية والعدل. من دون هذه المقتضيات، قد تكون عودة اللاجئين الطوعية والجماعية إلى سورية محفوفة بالمخاطر.

بات واضحاً، حين استمعنا إلى المشاركين في مجموعة النقاش، أن ثمة حاجة إلى إطار جديد نواته شؤون اللاجئين، أي إطار يُسهّل العودة المُستدامة للاجئين وتمكّنهم من انتقاء الخيارات الملاءمة بشكل أفضل لظروفهم.4 ويتعيّن إرساء هذا الإطار على ثلاثة مبادئ مترابطة: الاعتراف بالجذور السياسية لأزمة اللاجئين؛ والتركيز على دور العدالة في تحقيق تسوية مستدامة؛ ودعم حق اللاجئين بالعودة إلى منازلهم ومناطقهم الأصلية.

الإقرار بالجذور السياسية لأزمة اللاجئين

غالباً ماتنزع مساعي المجتمع الدولي لمعالجة أزمة اللاجئين هذه الأزمة من إطارها السياسي، وتقاربها من منطلق إنساني وحسب. وعليه، يتمّ تجاهل الواقع بأن ملايين السوريين حملتهم دواع سياسية وأمنية على الرحيل قسراً عن بلدهم. فاللاجئون في لبنان والأردن غادروا وطنهم هرباً من البراميل المتفجّرة والحصار، والتجنيد الإلزامي، والترحيل القسري، والقتل السياسي والطائفي. ومعظمهم في كل من البلدين، يعارضون نظام الأسد، ولايعتقدون أنهم بأمان في المناطق التي يمسك بمقاليدها. ويعجز كثيرون عن العودة إلى مسقط رأسهم من دون ضمانات تكفل قدرتهم على العودة لأنهم طردوا من بلداتهم وقراهم لأسباب سياسية وطائفية.5

مسألة العودة في أوساط اللاجئين إلى لبنان والأردن، وثيقة الارتباط بنموذج الحكم المستقبلي في سورية وبطبيعة القيادة السياسية في مرحلة مابعد النزاع. ويحتاج اللاجئون إلى ضمانات بأن توزيع مكاسب السلام، وهي تشمل البنى التحتية الأساسية، لن يكون بناء على اعتبارات سياسية أو إثنية أو طائفية، ولن يكون أداة يتوسلها النظام لتعزيز سطوته.

جعل العدالة حجر زاوية تسوية السلام

لن يؤدي إرساء مناطق خفض التصعيد إلى استقرار راسخ، ولن يرسي أسس سلام مستدام. حالياً، تملك كل من روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا والأردن وإلى درجة أقل مصر، دوائر نفوذ ومصالح في سورية- وهذا واقع ساهمت في بروزه جزئياً مفاوضات الأستانة. ولذا، على رغم أن حدة النزاع قد تهدأ في المستقبل القريب، لن يُرسى الاستقرار على الأرض لبعض الوقت. وتساهم أجندات الأطراف المتضاربة في إثارة القلق من تعثّر عودة اللاجئين والنازحين داخلياً بتعقيدات واعتبارات سياسية وطائفية وإثنية.6

لا مفر من اندلاع نزاع مستقبلي في سورية بسبب الإنصراف إلى إنهاء العمليات العسكرية من دون معالجة جذور الأزمة وتغيير بنية السلطة في سورية. ولن تسمح عملية سياسية انتقالية تمنح العفو إلى أفراد متّهمين بالتطهير الإثني، وبارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، بالتنافس السياسي العادل، ولن تصون الحريات الفردية والكرامة الإنسانية. وتقوّض مثل هذه العملية مبادئ العدالة والمحاسبة الدولية. ثمّ أن إقامة بُنى سياسية وقضائية وأمنية جديدة الكرامة الإنسانية، وهي ضرورة لاغنى عنها لتجنّب انبعاث العنف.

دعم حق اللاجئين في العودة إلى مناطقهم الأصلية

على المجتمع الدولي أن يسعى إلى دعم حق اللاجئين والنازحين في العودة إلى مناطقهم الأصلية في سورية. ولم تكن أغلبية المشاركين في حلقات النقاش مع كارنيغي مستعدّة للمساومة على حق العودة هذا. لكن الحكومة السورية تسنّ إطاراً تشريعياً جديداً يفاقم صعوبة عودة اللاجئين إلى منازلهم، بينها آليات لتدقيق وتنظيم حقوق الملكية، وتعديل قوانين الخدمة العسكرية.

وبالتالي، حريّ باللاعبين الدوليين الإصرار على إلغاء إجراءات التدقيق السياسية (ووراؤها دوافع إثنية أو طائفية في بعض الأحيان) التي فرضها النظام والمجموعات المُسلحة في المناطق المُستعادة. وعليهم تحديداً الاهتمام بالإجراءات التي تنتهك حق السوريين في العودة إلى مسقط رأسهم ومنازلهم، خصوصاً حق النازحين في الداخل السوري أو الذين أجبروا على اللجوء إلى خارج البلاد نتيجة الحصار أو التطهير الإثني أو الهجمات الطائفية. كما يجب توفير ضمانات وإجراءات بناء ثقة للمساهمة في إعادة دمج العائدين والحؤول دون أعمال انتقام.

إرساء إجراءات سياسية مُيسِّرة

يترتب على إلتزام المبادئ التي تقدّم ذكرها، إرساء إجراءات أساسية لضمان سلامة وأمن وحماية وإعادة اندماج السكان العائدين. وتقتضي بعض هذه الإجراءات مساعٍ مؤسسية طويلة الأمد. لكن يمكن المبادرة إلى خطوات فورية تعالج ظروف اللاجئين وقلقهم إزاء مسائل مرتبطة بالحوكمة وإعادة الإعمار والحق في الحماية وعيش حياة كريمة.

خطة الانتقال السياسي

شدّدت غالبية المشاركين في حلقات نقاش الدراسة هذه على أن الأمن والأمان يتصدران أولوياتهم، وأنهما متعذّران في غياب نظام حوكمة مختلف وقيادة سياسية جديدة. لكن حظوظ مثل هذه التغييرات ضعيفة الآن، في وقت تتواصل التدخلات الأجنبية، وعسكرة المجتمع السوري، ويتعاظم عدد المجموعات المحلية المسلحة، وتغيّب المحاسبة أو تنسدّ آفاق العدالة والقضاء. قد يكون إصلاح الحكم عملية طويلة وشاقة، خاصةً في ظروف النزاع تحديداً. وهذه هي الحال الآن في سورية حيث التفاعل بين السياسات المحلية والدولية هو تحدّ كبير أمام بلوغ تسوية سياسية مستدامة وعودة الاستقرار.

ويقتضي ضمان أمن وسلامة السوريين جميعاً، بمن فيهم اللاجئون، جهوداً منظّمة ومنهجية للعودة عن عسكرة المجتمع السوري؛ ومعالجة مشكلة انتشار المجموعات المسلحة عن طريق نزع السلاح وبرامج تسريح القوى العسكرية، وإعادة الدمج، فضلاً عن إصلاح المؤسسات الأمنية الوطنية، بما فيها الجيش. ويتطلّب العمل بهذه الإجراءات وقتاً. وإذا أبرمت تسوية سياسية،

وبدأت عملية تسريح الميليشيات المحلية، سيكون في الإمكان نشر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، على الفور، للمساهمة في معالجة المشاغل الأمنية للاجئين وتعزيز ثقتهم وطمأنينتهم في حال اختاروا العودة. ومثل هذا الانتشار في محله نظراً إلى الشروط الكبيرة التي يضعها اللاجئون للعودة قياساً بشروط النازحين داخلياً، وغياب ثقتهم بأطراف النزاع المحليين والدوليين، على حد سواء.

لن يدوم أي اتفاق سياسي من دون إيلاء أولوية للعدالة في المفاوضات الجارية. وتعرّض إجراءات التدقيق التي يُعمل بها في أجزاء كثيرة من سورية- وخصوصاً في معاقل المعارضة السابقة في حلب وحمص وريف دمشق- لاجئين كثيرين ممن شاركوا في الاحتجاجات السلمية أو أعلنوا عن مواقف مناوئة للنظام، إلى خطر منعهم من العودة إلى مسقط رأسهم. ولذا، يجب إلغاء هذه الإجراءات وإرساء آلية لتدارك آثارها. ومن الحيوي أيضاً إرساء آليات لإلغاء مفهوم الإفلات من العقاب، ومحاسبة من ارتكب جرائم كبيرة خلال النزاع السوري، وكبح جماح الفوضى. ويُرجّح أن يكون دور المؤسسات القضائية الدولية أساسياً في هذا الصدد، خصوصاً في ظل الضغوط الكبيرة التي تمارسها الحكومة والأجهزة الأمنية على القضاء في سورية.

كي يعود اللاجئون، يحتاجون إلى طمأنتهم إلى أن إجراءات العدالة والمحاسبة ستكون في متناولهم لمعالجة مواضع قلقهم. قد تكون تلبية حاجاتهم كلها على الفور عسيرة، خصوصاً في المناطق التي يسيطر عليها النظام. لكن في وسع المجتمع الدولي إعدادهم للتعامل مع مسارات قضائية قد توضع لاحقاً.

في الإمكان تقديم المشورة القانونية للاجئين وإطلاعهم على حقوقهم في المنظومة القانونية السورية، خصوصاً في ضوء الأعداد الكبيرة من النزاعات القانونية- كخلافات حقوق السكن وملكية الأرض والممتلكات- التي يرجّح أن تتزامن مع الانتقال التدريجي إلى مرحلة ما بعد النزاع. وفي الواقع، قد يكون لإعداد أصحاب الكفاءة، من محامين سوريين أو مدرّبين في الشؤون القانونية من الذين يألفون الأطر القانونية في البلاد والحقوق التي تكفلها الاتفاقات الدولية، شأواً كبيراً في تمكين السوريين من الدفاع عن أنفسهم. وفي وسع هذه الكفاءات إطلاع اللاجئين على حقوقهم وواجباتهم، وعلى التغيرات القانونية المرتبطة بالملكية الخاصة، وتعزيز ثقتهم. كما في إمكان مثل هذه الكوادر المساهمة في سدّ النقص في عدد المحامين والقضاة القادرين على التعامل مع الخلافات المتوقّعة.

كذلك، يساهم تطوير شبكة وسطاء محليين من اللاجئين أصحاب الكفاءة والثقة في مساعدة غيرهم اللاجئين العائدين على تسوية الخلافات المحلية المحتملة، في ضوء طبيعة النزوح السوري الإثنية والطائفية والسياسية. وفي إمكانهم مساعدة المجتمع الدولي على تحديد شركاء محتملين في عملية إعادة الإعمار، والإضاءة على الحاجات المحلية.

على المجتمع الدولي، كذلك، التزام إجراءات تضمن إدراج القوانين السورية الحالية في مسائل التجنيد الإلزامي، والمعتقلين السياسيين، والمفقودين، في نواة مناقشات جنيف والأستانة. كما ينبغي على المفاوضات السياسية المتواصلة التدقيق في القوانين الجديدة المتعلقة بحقوق الملكية والتطوير المُدني ونتائجها على اللاجئين، خصوصاً في مسألة مصادرة الأصول. كما تتمتّع حقوق ملكية النساء بأهمية بالغة، في وقت زاد فيه عدد الأسر التي ترأسها النساء. ودرجت العادة والتقاليد في سورية على تسجيل الملكية تحت خانة الرجل، وحتى حين تُسجل تحت خانة المرأة، لا تُسلّم عادة السند أو الوثيقة. وهذا الوضع يفتح المجال أكثر أمام السلطات المحلية لرفض تسليم الملكية، خصوصاً في مناطق يتلاعب فيها النظام بحقوق اللاجئين.

نحو إعادة إعمار لا تعزّز النظام

يرى المجتمع الدولي أن عملية إعادة الإعمار تعزّز الاستقرار وتوفّر فرص العمل وتحفّز، بالتالي، اللاجئين على العودة. وفي ما خلا بعض اللاجئين، معظم المشاركين في حلقات النقاش أعلنوا أنهم لن يعودوا مالم تترافق الفرص الاقتصادية مع ضمانات أمنية وتغييرات سياسية.

ويُرجح أن يعزّز أي دعم مالي واسع النطاق يُقدّم عبر الحكومة المركزية كفّة النظام، حتى ولو مُنحت المساعدات على المستوى المحلي. وهذا يعود، جزئياً، إلى أن النظام استغلّ النزاع، والأزمة الإنسانية التي ترتبت عليه، لينشئ شبكات من الوسطاء المحليين يتولاها أشخاص يثق بهم، وكثر منهم صاروا أمراء حرب بارزين.7 وفي مناطق سيطرته، سيستخدم النظام على الأغلب أموال إعادة الإعمار لبناء ما دمّره، وتقديم نفسه على أنه مفاوض لابديل عنه في شؤون إعادة الإعمار. وهذا يعزّز مشروعيته وكلمته في أولويات التمويل، ويمنحه مصدر قوة هائلة. ويرسّخ أكثر نُظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتمحور حول أمراء الحرب والنقل القسري للسكان.

وعلى رغم بواعث القلق هذه وحماسة بعض الدول لبدء إعادة الإعمار، في مقدور المجتمع الدولي بدء العمل في المناطق المدمّرة والتي لاتزال خارج سيطرة النظام. وعلى رغم التوترات السياسية بين اللاعبين الدوليين في سورية، يساهم دعم إعادة الإعمار في هذه المناطق، في تشجيع النازحين على العودة إلى منازلهم، وفي إنشاء نموذج تشاركي في إعادة الإعمار يشمل خبرات المحليين في التخطيط والتصميم وعملية التنفيذ، ويراعي الحساسيات الاجتماعية في مرحلة مابعد النزاع.

إذا رجحت كفّة الواقعية السياسية وضُخّ التمويل في مناطق سيطرة النظام، وجب الإقدام على عدد من الإجراءات، منها إرساء آلية تدقيق في الكيانات المحلية التي ستتلقى التمويل الدولي، وربط الأموال المنفقة في سورية بقدرة الناس على العودة إلى مناطقهم واستعادة ملكياتهم. والشرط الأخير حيوي في ضوء مساعي النظام الكثيفة، مراراً وتكراراً، لإعادة هندسة أو تصميم خريطة سورية الديموغرافية والسياسية عن طريق النقل القسري للسكان وآليات تدقيق وإقصاء جديدة.8

في هذا السياق، حري بأي تسوية سياسية أن توفّر بدائل للاجئين العاجزين عن العودة إلى مسقط رأسهم، خصوصاً إلى تلك المناطق التي حدث فيها تطهير إثني وطائفي أو حيث السكان حوصروا وارتُكبت جرائم كبرى في حقهم. والبدائل قد تشمل تعويضات عن الممتلكات الضائعة وإيجاد مواقع بديلة لإعادة التوطين إذا شاء اللاجئون.

احترام حق اللاجئ في العودة الطوعية

في وقت يتوالى النزاع السوري فصولاً ويطول أمده، حري بالمجتمع الدولي أن يجدّد مساعيه الرامية إلى احترام حق اللاجئين في العودة الطوعية، من جهة، وحقّه في عدم الإعادة القسرية، من جهة أخرى. وهذا حيوي في ضوء تنامي مطالبات الدول المضيفة بإعادة توطين اللاجئين قسرياً. ولاتقتضي المساعي هذه عدم الترحيل القسري وحسب بل تقليص العوامل في البلدان المضيفة التي تحمل اللاجئين على العودة قبل الأوان إلى منازلهم، ومعالجة العوامل في سورية التي تحول دون عودتهم. ويترتّب على ذلك تقليص الظروف المقيّدة في الدول المضيفة التي تنكر على اللاجئين الحق في عيش حياة كريمة، ومعالجة الإجراءات القانونية والأمنية في سورية التي تحرم اللاجئين من العودة إلى منازلهم.

إضافةً إلى توفير المساعدات الإنسانية، يتعيّن على المجتمع الدولي دعم إجراءات تحفزّ الاقتصاد في البلدان المضيفة، لبنان والأردن على وجه الخصوص، وبناء قدراتهم لتحسين الخدمات. ومن شأن هذا الدعم أن يعزّز قدرة هذه الدول على التعافي من المصاعب، ويساهم في صون كرامة وحقوق اللاجئين والمحليين، على حدّ سواء. في المقابل، حري بلبنان والأردن العودة عن تشديد إجراءات الإقامة وسياسات العمالة. وهذا يصبّ في مصلحتهما، في وقت يُفاقم وضع اللاجئين غير القانوني انكشافهم على الاستغلال، ويوسِّع نطاق الاقتصاد الموازي. ويشرّع توسيع الاقتصاد هذا الأبواب أمام أعمال غير قانونية ويفسح المجال أمام المُفسدين للاستفادة من استياء اللاجئين والمحليين على حد سواء.

وتزداد الحاجة إلى حوار مستدام بين اللاعبين الدوليين والقادة في لبنان والأردن، يولي الأولوية للحق في العودة الطوعية. وحري بهذين الطرفين توضيح متطلبات توفير الحياة الكريمة للاجئين، والسياسات المنوطة بها تحقيق ذلك. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار جوانب عميقة، غالباً ماتكون وجودية، وثيقة الصلة بالقلق على هوية البلدان المضيفة، وهو قلق يظهر في النقاشات حول اللاجئين في هذه البلدان. وإلا خسر مبدأ العودة الطوعية الغاية منه ومغذاه، وبدأ اللاجئون يفكّرون في العودة إلى منازلهم في ظروف بالغة الخطورة.

يجب أن يُعزّز دعم البلدان المضيفة، ويشمل تمويل مشاريع بنى تحتية. فمثل هذه المشاريع تخوّل هذه البلدان تقديم خدمات أفضل وتحسين سبل العيش والفرص المتاحة أمام المحليين واللاجئين، على حد سواء، خصوصاً في أكثر المناطق فقراً في لبنان والأردن. إضافةً إلى ذلك، يجب معالجة بعض مصادر التوتر بين المحليين واللاجئيين، وتعزيز آفاق الاستقرار.

والحق أن عودة اللاجئين هي عملية مُثقلة بالمخاطر. وفي حالة اللاجئين السوريين، تفاقم محنة رحيلهم وبقاء النظام المتهم بجرائم ضد الإنسانية، صعوبة العودة وتحدياتها. ولن تقيّض الاستدامة لأي تسوية سياسية وعودة طوعية ما لم تأخذ حاجات اللاجئين وظروفهم في الاعتبار. فأصواتهم يجب أن تكون مسموعة، كما ينبغي على المجتمع الدولي ضمان عيشهم الكريم وتوفير شروط عودتهم إلى سورية. وإذا لم يفعل، قد تتمدّد تبعات النزاع في سورية إلى دول الجوار، لا بل إلى خارج حدود الشرق الأوسط. وهذه ستكون الخطوة الأولى في مسار الألف ميل الرامي إلى تحقيق الاستقرار في سورية والمنطقة.

هوامش

1 Nada Homsi and Anne Barnard, “Marked for ‘De-Escalation,’ Syrian Towns Endure Surge of Attacks,” New York Times, November 18, 2017, https://www.nytimes.com/2017/11/18/world/middleeast/syria-de-escalation-zones-atarib.html.

2 مهى يحيَ، "لوم الضحايا"، ديوان، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 31 تموز/يوليو 2017، http://carnegie-mec.org/diwan/72696
انظر أيضاً:  هيومن رايتس ووتش، "لا أعرف لماذا أعادونا".

3 Human Rights Watch, “EU Policies Put Refugees At Risk,” Human Rights Watch, December 6, 2016, www.hrw.org/news/2016/11/23/eu-policies-put-refugees-risk.

4 مهى يحيَ وجان قصير، "متى العودة؟ اللاجئون أولوية أي تسوية أو حلّ سياسي في سورية"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 30 آذار/مارس 2017، http://carnegie-mec.org/2017/03/30/ar-pub-68691

5 "35 مليار ليرة لتأهيل داريا الشمالية.. العودة تحكمها اعتبارات أمنية"، عنب بلدي، 1 كانون الثاني/يناير 2018، https://www.enabbaladi.net/archives/196338#ixzz57Fx0sDFy

6 مهى يحيَ وجان قصير، "متى العودة؟".

7 خضر خضّور، "أنا، الأعظم"، ديوان، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 22 آذار/مارس 2017، http://carnegie-mec.org/diwan/68359

8 فابريس بالاونش، "التطهير العرقي يهدّد وحدة سوريا".

الملحق 1: منهجية الدراسة

أطلق مركز كارنيغي للشرق الأوسط دراسة بعنوان "محفّزات عودة اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان"، في تشرين الأول/أكتوبر 2016، شملت تحليلات نوعية وكميّة توسّلت معلومات رئيسة قامت بتوفيرها وأخرى ثانوية منشورة سابقاً. وارتكزت منهجية الدراسة على سلسلة من النقاشات الميدانية مع مجموعات سورية متنوعة، سعت إلى الوقوف عند وجهات نظر اللاجئين السوريين. كما رُدفت هذه النقاشات بأبحاث أرشيفية، وبمراجعة للأدبيات المتوفّرة حول هذه المسألة، فضلاً عن نقاشات، وورش عمل، ولقاءات، ومقابلات.

ركّزت الأبحاث الأرشيفية على جمع وتحليل المعلومات والبيانات المتوفّرة حول التركيبة الجغرافية للاجئين السوريين في لبنان والأردن. وكان هذا محورياً في تحديد مسقط رأس اللاجئين، وخصائصهم الديموغرافية، والتحديات التي يواجهونها. كما ساهم هذا البحث في تحديد سمات المشاركين في حلقات النقاش، وفي وضع دليل الأسئلة التي طُرحت خلالها.

أُرفق البحث بمراجعة الأدبيات المتوفرة حول هذه المسألة، وبنقاشات وورش عمل وسلسلة من اللقاءات الشخصية. وشملت مراجعة الأدبيات دراسات عن الظروف التي يواجهها اللاجئون السوريون في الدول المضيفة، وأبحاث مُقارنة أُجريت في دول ومناطق أخرى. في إحدى حلقات النقاش، جمع فريق الدراسة بين أشخاص يعملون مع منظمات غير حكومية سورية ودولية من جهة، وبين ناشطين وصحافيين وباحثين من جهة أخرى، للتفكير في التحديات الرئيسة والدروس المستقاة من سوابق تاريخية في النزوح وعمليات إعادة النازحين واللاجئين إلى موطنهم. ووقف المشاركون على الأهمية النسبية لـ"عوامل الجذب" في الدول المضيفة، مقابل "عوامل اللفظ" التي تقف وراء قرار الرحيل من مسقط الرأس، وكيف تؤدي هذه العوامل إلى أشكال مختلفة من عمليات الإعادة إلى الوطن، سواء كانت جماعية، أو موزّعة على أوقات مختلفة، أو دورية، أو غيرها. وفي حلقتين أخريين من النقاش، جمع فريق الدراسة أكاديميين وعاملين في المجال لمناقشة ديناميكيات عملية إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاع، إثر مؤتمر بروكسل في نيسان/أبريل 2017 حول سورية، ولتحليل أبرز خلاصات دراسة كارنيغي وتوصياتها والسياسية المقترحة.

نظّمت الدراسة كذلك ورشتي عمل، ركّزت أولاهما على تحديات العودة استناداً إلى مقاربة مقارنة نظرت إلى تجارب اللاجئين والنازحين داخلياً في أفغانستان والبوسنة والعراق، والدروس المُستخلصة. وتناولت ثانيهما آفاق تسوية سياسية مستدامة وإعادة اللاجئين إلى سورية في حقبة ما بعد النزاع. وقد سبرت ورشة العمل هذه، تحديداً، مسائل بارزة يُرجّح أن تؤثّر في عودة اللاجئين، بما في ذلك الإسكان، والملكية العقارية، وحقوق الملكية، والعدالة الانتقالية، واقتصاد الحرب، ودور منظمات المجتمع المدني وزعماء القبائل في تيسير عملية العودة.

البحث الميداني

شمل البحث الميداني جولتين من حلقات النقاش مع مجموعات متنوعة من اللاجئين السوريين، سعت إلى الوقوف عند وجهات نظرهم، فضلاً عن مقابلات شخصية مع عدد من الأفراد الذين وقع الاختيار عليهم. وتم اعتماد مقاربة حلقات النقاش لأنها تتيح إجراء حوار مفصّل ودقيق معهم حول القضايا السياسية والاجتماعية الحسّاسة. وأجرى الفريق كذلك استطلاعاً مصغّراً مع المشاركين في الجولة الثانية من حلقات النقاش، سعياً إلى فهمٍ أدق للإجابات التي قدّموها خلال النقاش. وقد أُرفِقت الخلاصات الأساسية بمقابلات شخصية ونقاشات وورش العمل، وتم التحقّق من دقّتها.

منهجية مجموعات النقاش

اعتُبرت أربعة معايير محورية في تحديد سمات مجموعات النقاش: مسقط رأس اللاجئين المشاركين، والمناطق التي وضعوا الرّحال فيها، ونوع الجندر، والسن، والمتغيرات الاجتماعية- الاقتصادية. كانت المناطق التي يتحدّر منها اللاجئون وازنة لتحديد الظروف السائدة وقت الرحيل، وكذلك لتحديد المواقف من العودة. وقد سمحت المناطق التي نزلوا فيها لفريق الدراسة بفهمٍ أدق للظروف المتباينة في الدول المضيفة. وساهمت أعمار اللاجئين، وجندرهم، ووضعهم الاجتماعي- الاقتصادي والقانوني، في فهمٍ أمثل لتأثير البنية الديموغرافية على المواقف السياسية من العودة. وفيما كانت بعض الإحصاءات متوفّرة وجاهزة للاستعمال، مثل أعمار اللاجئين وجندرهم، كانت بيانات أخرى، مثل المحافظات والبلدات التي يتحدّرون منها متناثرة في عدد هائل من تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

جمع فريق البحث المعلومات المتناثرة في تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في قاعدة بيانات واحدة لرسم صورة تقريبية عن الخصائص الديموغرافية للاجئين ومسقط رأسهم، حتى نيسان/أبريل 2015 في لبنان، وأيلول/سبتمبر 2016 في الأردن. وكان تاريخ المعلومات في حالة الأردن قريباً من تاريخ بدء الدراسة، لذا استُخدمت كما هي، على خلاف المعلومات في حالة لبنان، حيث افترض فريق البحث أن نسبة تراجع إجمالي اللاجئين المسجلين بين نيسان/أبريل 2015 وأيلول/سبتمبر 2016، والبالغة 10 في المئة، موزّعة بشكلٍ متناظر على المحافظات والبلدات، ما يعني أنه تم اعتبار تركيبة اللاجئين المسجّلين في نيسان/أبريل 2015، مماثلة إلى حد ما، لنسبتهم في تشرين الثاني/نوفمبر 2016. (انظر الشكل 4 أدناه والشكل 1 الوارد آنفاً).

استخدم فريق البحث أيضاً بيانات وردت في عددٍ من التقارير الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لمعرفة مواقعإقامة اللاجئين في الدول المضيفة، ليُصار بالتالي إلى تحديد المناطق التي ستُجرى فيها حلقات النقاش. وعلى رغم أن اللاجئين مالوا إلى التنقّل من مكان إلى آخر، لم يُخلص إلى أن تأثير هذه الحركة قوي بما يكفي لتغيير سمات مجموعات النقاش. يُضاف إلى ذلك أن الخصائص الديموغرافية للمشاركين في مجموعات النقاش اختيرت لتكون قريبة، قدر الإمكان، من الخصائص الديموغرافية للاجئين في البلدين، على نحو ما حدّدتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

سمات مجموعات النقاش

أجرى فريق الدراسة العمل الميداني على مرحلتين: بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 2017، وبين أيار/مايو وآب/أغسطس 2017. شملت المرحلة الأولى تسع حلقات نقاش في لبنان وثماني حلقات في الأردن، وتضمّنت المرحلة الثانية تسع حلقات نقاش أخرى في لبنان وثلاث عشرة حلقة في الأردن. وبين المرحلتين، قيَّم الفريق النتائج التي توصّلت إليها الجولة الأولى من النقاشات، وعدّل بناءً عليها دليل الأسئلة، وأعدَّ استمارة قصيرة طُلب من المشاركين في الجولة الثانية ملؤها قبل كل حلقة نقاش. إذن، عُقد مامجموعه 21 حلقة نقاش في الأردن و18 في لبنان (انظر الجدول 1 والجدول 2)، شكّل الذكور 51 في المئة من المشاركين فيها، والنساء 49 في المئة، وتراوحت أعمار المشاركين بين الخامسة والعشرين وما دون (أي الشابات) وبين الخمسين ومافوق (أي في منتصف العمر).

نتيجةً لحساسية موضوعات النقاش، حرص منسّقو حلقات النقاش على ضمان تجانس المجموعة. فلأن مسألة العودة والتسوية السياسية معقدة، قد يمتنع المشاركون عن الجواب على سجيتهم في بيئة غير متجانسة، مخافة الظهور في صورة الخارجين عن الجماعة أو المنشقّين عنها ومخالفيها في الرأي. وقد سعى فريق الدراسة أساساً إلى تجنّب أوضاع يضطر فيها المشاركون إلى الكذب لحماية أنفسهم أو عائلاتهم. وطبعاً، كان تقييم الميول السياسية بالغ العسر، ولم يتّضح إلا بعد أسئلة متتالية ومدقِّقة. في لبنان، صرّح معظم اللاجئين بأنهم معارضون للنظام، وأعلنت أقلية من اللاجئين بأنها موالية للنظام؛ أما في الأردن، فقد صرّح معظم اللاجئين بأنهم معارضون للنظام.

وكذلك، حاول منسّقو حلقات النقاش تجنّب ضم أفراد يعرفون بعضهم البعض، لكن التأكد من غياب المعرفة بينهم كان عسيراً أحياناً. وفي بعض النقاشات، كان لا مناص من ضم أفراد عائلة واحدة أو جيران في المجموعة نفسها. وهذه المسألة أُخذت في الاعتبار أثناء تحليل النتائج، إذ تم حذف الإجابات التي تشير إلى تأثير العائلي.

حلقات النقاش

صيغت الأسئلة الموجهة إلى مجموعات النقاش بطريقةٍ تقلّص احتمال التأثير في أجوبة المجيبين. وبلغ متوسط مدّة النقاشات ساعة ونصف تخلّلها توجيه 15 سؤال، فيما خلا الاستطلاع المصغّر والأسئلة الفرعية. وتناولت النقاشات مسائل تراوحت بين أسباب مغادرة اللاجئين سورية، وأحوال العيش في لبنان والأردن، والآفاق المستقبلية وآفاق العودة إلى وطنهم، والصورة التي يحبون أن تكون سورية عليها. وتُرك لهم هامش كبير في تفسير المسائل المقترحة في النقاش. إضافةً إلى ذلك، أُجري استطلاع مصغّر مع المشاركين في المرحلة الثانية من البحث لجمع معلومات إضافية عنهم والتدقيق أكثر في الإجابات ومدى تقاطعها، لتوفير قراءة أكثر دقة لمواقف الأفراد من مسائل بارزة.

محدودية البيانات

أثّرت محدودية توافر بعض البيانات المتوفّرة في تحليل نتائج الدراسة. فعلى سبيل المثل، لم تكن المعلومات حول الأعداد الكبيرة لللاجئين غير المسجّلين في لبنان والأردن كافية. وقدّر الإحصاء الوطني الأخير في الأردن في العام 2015 أعداد اللاجئين السوريين بـ1.27 مليون لاجئ، بلغ عدد المسجّلين منهم 659 ألفاً وحسب حتى آذار/مارس 2018.1 وفي لبنان، كان الفرق في العام 2016 بين أعداد اللاجئين المسجّلين وغير المسجّلين أقل دراماتيكية مما هو عليه في الأردن؛ إذ ثمة حوالى مليون لاجئ مسجّل في لبنان راهناً من أصل مجموع اللاجئين الذين يعيشون في البلاد ويُقدّر عددهم بمليون ونصف المليون لاجئ.2 وعليه، ومع أن فريق البحث تمكّن من إجراء حلقات نقاش مع لاجئين غير مسجّلين، لم يكن في المقدور احتساب الصورة الأوسع المستقاة من خصائصهم الديموغرافية ومناطقهم الأصلية، في التحليل.

وترتّب على غياب المعلومات في دوائر العلن عجزُ فريق البحث عن الربط بين بيانات تقدّم معلومات تفصيلية عن كلٍّ من  مناطق اللاجئين الأصلية ومواقع انتشارهم وسكنهم في لبنان والأردن. لذا لم يستطع فريق البحث معرفة أعداد اللاجئين الذين أتوا من مناطق معينة في سورية واستقرّوا في مختلف مناطق لبنان والأردن. وللتخفيف من آثار المشكلة، استعان الفريق بشركاء محليّين، ومصادر مطّلعة رئيسة، ومستشارين للمساعدة في تحديد المشاركين وضمّهم إلى حلقات النقاش استناداً إلى سمات ومعايير محدّدة مسبقاً، إضافةً إلى معلومات عن عمل المشاركين في حلقات النقاش وأوضاعهم القانونية.

بسبب محدودية البيانات، تعذّر أخذ بعض العوامل التي أثّرت في مواقف المشاركين تجاه العودة في الاعتبار، وكانت أبرزها مرحلة النزوح. فانطلاقاً من فرضية أن ظروف مغادرة المرء سورية تؤثّر في موقفه تجاه العودة، كان من الممكن التمييز بين المجموعات التي غادرت في مراحل الحرب الأولى، وبين تلك التي غادرت مع بدء احتدام العمليات العسكرية. وعلى الرغم من توفّر الأرقام عن اللاجئين المسجّلين، يغيب الترابط بين البيانات والتطورات الميدانية. وهذا يعود جزئياً إلى نزوح اللاجئين أكثر من مرة داخل سورية قبل أن يعبروا الحدود، وإلى تأخّر تسجيلهم في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهذا بدوره يُعزى إلى إرجاء أو عدم رغبة الأشخاص أحياناً في التسجيل في المفوضية فور دخولهم البلاد. وأشارت نقاشات مع مصادر مطّلعة بارزة إلى أن الوقت بين عبور الحدود والتسجيل غالباً ما يتراوح بين ستة أشهر وعام. يُضاف إلى ذلك أن الحكومة اللبنانية طلبت من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أيار/مايو 2015 وقف عملية التسجيل في سجلّاتها. وتناول الاستطلاع المصغّر في المرحلة الثانية، جزئياً، هذه المشكلة مع المشاركين، وأظهر أن معظم المشاركين غادروا سورية في العام 2013 بسبب غياب الأمن والاستقرار، والعمليات العسكرية التي استهدفتهم أو استهدفت عائلاتهم.

مصطلحات وتعريفات

حدّد فريق الدراسة الشباب باللاجئين الذين هم تحت سنّ الخامسة والعشرين. وتشير المناطق التي يتحدّر منها من يشملهم التقرير إلى المحافظات وليس إلى المدن، إلا إذا حُدّد خلاف ذلك. واستساغ فريق البحث استخدام تسميتَي "موالٍ للنظام" و"معارضٍ للنظام"، عوضاً عن "موالٍ للنظام" و"موالٍ للمعارضة"، ذلك أن شطراً كبيراً من المشاركين المعارضين للنظام لايعتبرون أنفسهم مؤيّدين للمعارضة، بل كان موقفهم نقدياً إزاء المعارضة المسلّحة والسياسية على حد سواء، لكنهم صرّحوا بأنهم معارضون للنظام. وفي الختام، نشير إلى أنه جرى تغيير أسماء المشاركين كلهم لأسباب أمنية ولحماية خصوصيتهم.

شُكر

يتوجّه المؤلّفون بالشكر إلى قسم الأمن الإنساني في وزارة الخارجية الاتحادية السويسرية ووزارة الخارجية والكومنولث البريطانية لدعمهما الكريم هذا المشروع المهم الذي دام طوال عام؛ وإلى منظمتين محلّيتين شريكتين لكارنيغي، هما منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية في الأردن، ولمسة ورد في لبنان، لمساعدتهما الأساسية في الأبحاث الميدانية.

والشكر موجّه كذلك إلى الأشخاص التالية أسماؤهم لمساهماتهم القيّمة: باسم نعمه، لتحليله الدقيق لنسيج اللاجئين الديموغرافي في لبنان والأردن ومساهمته في صياغة دليل حلقات النقاش والأبحاث الميدانية في الأردن؛ سمر محارب وأشرف الحفني، لمشاركتهما التقنية ودعمهما الصادق طوال فترة الدراسة؛ ونيكولاس ماسون، لدعمه الثابت لهذا المشروع؛ وجورج عشي، وعلي أمير قاسمي، وجويل حاج بطرس، وجوي غصن، وإيزادورا غوتس، وياسمين بوحمزة، ويمنى الحوراني، وجورجيا ليتلتشايلد، وآيلا عوجه، وريان صباح، وسلافة الشامي، وياسمين زرغلولي، ونور زرغوني ونايلة–جوي زين لمساعدتهم البحثية المهمّة.

والامتنان الكبير لمديري الجلسات: ديانا البابا وأشرف الحفني، وجلال حسيني، ولينا دراس؛ ولمنسّقيها: ريم عثمان، وزين جبيلي؛ وللخبراء والباحثين الذين شاركوا في جلسات عصف ذهني ولقاءات لمناقشة نتائج الدراسة وتقريرها؛ وللزملاء في كارنيغي الذين وفّروا دعماً لا غنى عنه طوال مدة المشروع.

ويُعرب المؤلّفون كذلك عن خالص شكرهم وامتنانهم للاجئين كلّهم الذين منحونا من وقتهم، وتكبّدوا عناء مشاطرتنا قصصهم وأحلامهم ورؤاهم في حلقات النقاش والمقابلات.

هوامش

1 "توزيع السكان غير الأردنيين الموجودين في الأردن حسب الجنس والجنسية والحضر والريف والمحافظة"، التعداد العام للسكان والمساكن 2015، دائرة الإحصاءات العامة، http://www.dos.gov.jo/dos_home_a/main/population/census2015/Non-Jordanians/Non-jordanian_8.1.pdf
وأيضاً: UNHCR, “Syrian Regional Refugee Response—Jordan,” UNHCR, March 9, 2018, http://data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=107.

2 International Labor Organization,“ILO Response to Syrian Refugee Crisis in Lebanon,” International Labor Organization,no date, http://www.ilo.org/beirut/areasofwork/syrian-refugee-crisis/lebanon/lang--en/index.htm; and UNHCR, “Syria Regional Refugee Response—Lebanon,” UNHCR Syria Regional Refugee Response, January 31, 2018, data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=122.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.