ملخّص
أنجزت تونس، منذ ثورة 2011، العديد من الخطوات لنقل السلطة من الهياكل شديدة المركزية التي أدارتها عائلة بن علي، إلى حكومة مركزية ديمقراطية جديدة، ومن ثَمَ من السلطة التنفيذية إلى البرلمان. واليوم، تُواجه البلاد مهمة حاسمة ودقيقة للغاية تكمن في تحويل السلطة من المستوى الوطني إلى المراتب المحلية. ومثل هذه اللامركزة للسلطة، قمينة بمعالجة القضايا المُعلَّقة منذ أمد بعيد والخاصة بالتفاوتات الجهوية الحادة في قطاعي الرعاية الصحية والتعليم، وفي مجالات الفقر والبنية التحيتة.
فُرص اللامركزية
- ستُؤدي اللامركزية، إذا ما طُبقت على نحو سليم، إلى تعزيز الأطراف المحلية وتمكينها من اتخاذ القرارات المتعلّقة بالبلديات والجهات، مايُوفّر تغييراً حقيقياً لصالح قواعدها الشعبية.
- قد يُنتج هذا طبقة سياسية جديدة خارج إطار الأحزاب السياسية التي لطالما هيمنت على تونس، كما قد يوفّر المزيد من الفرص أمام النساء والشباب لطرق أبواب العمل السياسي.
- يجب أن تحسّن اللامركزية كذلك إيصال الخدمات على الصعيد المحلي، حيث أسفر الأداء البائس منذ ثورة 2011 عن تبخّر الثقة بين المواطنين وبين الدولة، وأيضاً إلى انخفاض عائدات الضرائب.
- تتطلّب اللامركزية إرادة سياسية قوية من قِبَل المسؤولين في الحكومة المركزية، الذين يتعيّن عليهم أن يتخلّوا طوعاً عن بعض سلطاتهم، وأن يؤكدوا التزامهم بالحوكمة التشاركية على المستوى المحلي. كما أنها تستدعي من المسؤولين المحليين، الذين يقع على عاتقهم تشييد صرح الثقة مع قواعدهم الشعبية، وتوفير الفرص لانخراط المواطنين، ومنع إعادة إنتاج المؤسسات غير الفعّالة على المستوى المحلي.
ما يُمكن فِعْله؟
- يجب على الحكومة التونسية مقاربة التطلعات الشعبية، من خلال إحاطة المواطنين علماً بحيثيات انتقال الصلاحيات الإدارية والمالية.
- وهي قادرة على إتاحة فرص الحوكمة التشاركية خارج الأطر المنصوص عليها في القانون، مثل إنشاء مجالس مواطنين أو إجراء استطلاعات دورية لمعرفة مواقفهم حيال السياسة العامة.
- كما يتعيّن على الحكومة الوطنية توفير الموارد المالية والبشرية، بما في ذلك ضمان توزيع عائدات الضرائب على المستوى المحلي.
- يجب أن يواصل المجتمع المدني حماية وصيانة العملية الديمقراطية. لكنه يؤدّي أيضاً دوراً أهم على المستوى المحلي، يتمثّل في تشجيع وترسيخ ثقافة الديمقراطية التشاركية، من خلال إطلاق حملة توعية في صفوف الرأي العام حول اللامركزية.
- كما في وسعه أن يساعد على وضع آليات الحكومة التشاركية في متناول المواطنين، وبلورة آليات لاستطلاع آرائهم وتفضيلاتهم وإعلام المسؤولين المحليين بها.
- يتعيّن أن تعمل الجهات المانحة الدولية على تحسين قدرة الشبكات والمنظمات الأهلية المحلية (والوطنية) على الترويج للحوكمة التشاركية.
- علاوةً على ذلك، يجب على الجهات المانحة مواصلة تمويل جهود الحكومة الالكترونية، بما في ذلك رقمنة إجراءات وعمليات الحكومة المحلية، بهدف إيجاد محطة واحدة يقصدها المواطنون للحصول على الخدمات البلدية والتواصل مع المسؤولين البلديين.
- ثمّ، يتعيّن على الجهات المانحة تدريب وإعداد المسؤولين المحليين استناداً إلى الممارسات الفُضلى المُطبَّقة حول العالم.
مقدّمة
شكّلت الانتخابات البلدية في 6 أيار/مايو 2018، التي كانت الانتخابات المحلية الأولى في تونس، خطوة مهمة لدفع البلاد قدماً نحو التعزيز الكامل لانتقالها الديمقراطي. فمن خلال انتخاب 7200 مسؤول محلي سيُمثلون 350 بلدية، أظهر التونسيون مدى عمق التزامهم بالديمقراطية. بيد أن هذه الانتخابات كانت مجرد خطوة صغيرة نحو برنامج أكبر بكثير، يتمحور حول اللامركزية التي لايبدو مصيرها واضحاً بعد. والحال أن الانتخابات ستخلو من أي معنى يُعتد به، إذ خلت من إطار قانوني قوي يتعلق باللامركزية التي تُحدّد السلطات والمسؤوليات بين المستويين الوطني والمحلي. كما أن هذه العملية ستتطلّب أيضاً توافر الإرادة السياسية لتطبيق اللامركزية على كلٍّ من هذين المستويين.
نظرياً، كان ثمة حوكمة محلية في تونس لبعض الوقت، حيث مُنحت السلطات البلدية والجهوية صلاحية اتخاذ بعض القرارات، وإن اقتصرت على الشأن الإداري في معظمها. بيد أن اللامركزية التي جرت ممارستها منذ استقلال تونس العام 1956 كانت، وفقاً للباحث التونسي ناجي بكوش، "خيالاً بخيال".1 فالنظام السياسي كان في الحقيقة شديد المركزية في عهدَي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي،2 وهذا كان "خياراً سياسياً افتُرِض أنه يلبّي الحاجة إلى إعادة بناء دولة موحّدة، تكون قادرة على الكفاح ضد النظام القبلي القديم"، على حد تعبير هذا الباحث. وهكذا، كان يتم تعيين معظم السلطات المحلية من قِبَلْ الدولة المركزية، وكانت فرائص مثل هذه السلطات ترتعد من وزارة الداخلية المُخيفة.علاوةً على ذلك، كانت الدولة تُصفّي الحساب على جناح السرعة مع الأطراف المحلية التي كانت تُبدي أي قدر من الاستقلال السياسي، وهي احتفظت بسلطة تنصيب مسؤولين تختارهم هي مكان المجالس المحلية. ويوضح مختار الهمّامي، المسؤول عن عملية اللامركزية في تونس في حقبة مابعد 2011، مضمون هذه العملية كالتالي: "المعضلة الرئيسية التي واجهناها] حين بدأنا عملية اللامركزية[، كانت هيمنة النظام المركزي الذي انعكس سلباً على البلديات، التي تحوّلت إلى مرافق تابعة ومجرّدة من الصلاحيات. خلقت ]هذه المركزية[بيروقراطية مُكلفة وشوّهت صورة البلديات".3 هذا إضافةً إلى أن الجهات والبلديات شُكِّلت أساساً استناداً إلى مشاغل أمنية هدفت إلى تقسيم المناطق المثيرة للمشاكل، وتم توظيف التقسيم الترابي "لفرض سلطة الدولة المركز على كامل المجال الترابي. وهو مايمكن إثباته في العديد من الولايات التي تم إحداثها في ظروف استثنائية بغض النظر عن المتطلبات التنموية".4 وبالتالي "اقتصر دور البلديات على الخدمات الكلاسيكية، كرفع الفضلات وتهيئة المدن. أما الخدمات الحيوية المتصلة باحتياجات المواطنين الأساسية، كالصحة والتعليم، فكانت خارج نطاق تدخّلها، وهو ماساهم في إضعاف البلديات وانعدام الثقة في هذا الهيكل".5
بيد أن عملية اللامركزية التونسية قمينة بإنعاش عملية الانتقال الديمقراطي، من خلال تمكين الأطراف المحلية، وتحسين إيصال الخدمات، وضخ أفكار ودم جديد في عروق العملية السياسية على المستوى المحلي، وتخفيف وطأة الضغوط على الحكومة المركزية. لكن هذه العملية يجب أن تُسفر عن تغييرات بعيدة المدى في أجهزة الحوكمة والسلطة المالية، وأن تُظهر أيضاً مكاسب دانية، خصوصاً لصالح المناطق الداخلية المحرومة عادة. فنجاح اللامركزية يعتمد على ذلك.
أهداف ومنافع اللامركزية
على الصعيد العالمي، يُعتقد أن اللامركزية لها تأثيرات إيجابية عدة، من تطوير فعالية الحكومة، وتقليص وتائر الفساد، إلى ترقية آفاق العلاقات بين المواطنين وبين الدولة. فالمسؤولون الذين يُقيمون مع الناس عن كثب، يستطيعون تفهّم حاجياتهم أكثر من أي طرف آخر، مايؤدي إلى توفير خدمات عامة فعّالة. وهذه دورة ناجعة يُسفر فيها تقديم خدمات أفضل وأكثر شفافية عن معدلات أعلى من تحصيل الضرائب، التي تؤدي بدورها إلى وجود أموال أكثر في الخزينة وحتى إلى خدمات أرقى.6 يقول هنا بعض الباحثين: "اللامركزية، وبخاصة نقل السلطة، ستُحسّن المحاسبة والحوكمة، من خلال جعل الحكومة أقرب إلى الناس".7 ويقول وزير الشؤون المحلية والبيئة التونسي، رياض المؤخر: "اللامركزية، في حال نجاحها، ستُصبح العامل الرئيس في التنمية المحلية".8
توفّر اللامركزية أيضاً الفرصة لتجربة واختبار سياسات مختلفة. فلأن تغيير السياسة العامة أسهل بكثير على المستوى المحلي مع تباين الحاجات والموارد لدى كل بلدية، تستطيع اللامركزية إطلاق يد صانعي السياسات في تقييم أنواع البرامج والمبادرات الفعّالة وتحديد أماكنها. علاوةً على ذلك، غالباً مايكون السياسيون والبيروقراطيون على المستوى الوطني أقل استعداداً لركوب موجة المخاطر من زملائهم على الصعيد المحلي. ولذا، تستطيع الحكومات المحلية أن تكون خلاّقة في تطوير السياسات الكفيلة بحل القضايا المحلية. صحيحٌ أن الحلول الخلاقة لاتُصيب كلها عين النجاح، إلا أن المسؤولين المحليين أكثر استعداداً لتجربة أفكار جديدة قابلة، في حال نجاحها، لأن تُستنسخ في أماكن أخرى.لدى برنامج اللامركزية التونسية، عدا عن الخطة الشاملة لنقل السلطة المالية والإدارية من الدولة المركزية إلى الدوائر المحلية، ثلاثة أهداف: ضمان توزيع أكثر عدلاً للموارد، وتمكين الأطراف المحلية لاتخاذ القرارات لمجتمعاتهم المحلية، وتحسين توفير الخدمات عبر البلاد.
لكن، تتطلب اللامركزية كي تنجح قدراً هائلاً من الاستعدادات، وأيضاً درجة من الظروف المؤسسية والسايكولوجية. وهنا، الشرط المُسبق واللازب هو توافر الإرادة والرؤية السياسيين، خاصة من جانب الحكومة المركزية. إذ أن أي حكومة مركزية تُطبّق اللامركزية بهمّة فاترة أو تنشط لتقويض هذه العملية، ستُنتج سياسات فاشلة.
إضافةً إلى الإطار القانوني والهياكل المؤسسية المترافقة مع الأدوار الجديدة التي تم نقلها، يجب أن يحظى برنامج اللامركزية بموارد مالية وبشرية وازنة على كلٍّ من المستويين المركزي والمحلي. إذ يتعيّن أن تكون هناك بعض أشكال الإدارة البيروقراطية المختلطة لضمان المحاسبة، وأيضاً لمنع ازدواجية الجهود. ثم يجب إجراء شكل من أشكال الحوار المجتمعي، على المستويين الوطني والمحلي، لجعل المواطنين مشاركين في هذه العملية. فالرأي العام، من خلال منظمات المجتمع المدني والشبكات غير الرسمية وعمليات المشاركة المباشرة، يلعب دوراً حاسماً في تأمين الرقابة والمحاسبة.
التوزيع المتساوي للموارد
تُعاني تونس راهناً من تفاوت جهوي كبير وفق كل المؤشرات (انظر الجدول 1). ففي العام 2013، نالت 18 بلدية (بما في ذلك تونس العاصمة وضواحيها المرسى وحلق الوادي وسيدي بوسعيد وقرطاج) 51 في المئة من ميزانية الدولة للبلديات، فيما لم تنل الـ246 بلدية المتبقية سوى 49 في المئة.9 وقد وجدت دراسة لمنظمة العمل الدولية في حزيران/يونيو 2017 أن ثمة لامساواة فاقعة في مختلف المناطق، حين تجري المقارنة بالاستناد إلى معدلات الفقر، والقوة الشرائية، ونوعية ومدى قرب الخدمات العامة.10 وفي آخر ميزانية لنظام بن علي قُبيل سقوطه، كُرِّس 82 في المئة من مخصّصات الدولة للمناطق الساحلية، فيما لم يحصل الداخل سوى على 18 في المئة.
إضافةً إلى ذلك، كان أكثر من 50 في المئة من البلاد "من دون بلديات"، وهذا عنى أن ثلث سكان تونس كانوا يعيشون خارج النطاق البلدي، وبالتالي لم يكن بمقدورهم انتخاب المسؤولين المحليين.11 وبهدف ضمان أن يقطن كل مواطن في إطار بلدية، أقدمت الحكومة على تكوين 86 بلدية جديدة، ووسّعت أراضي العديد من البلديات الأخرى. كما كان من ضمن الركائز الأساسية لعملية اللامركزية تصحيح التفاوتات الجهوية من خلال مبدأ "التمييز الإيجابي".12 هذه العملية هدفت إلى توفير توزيع عادل (وليس متساوٍ) للموارد من ميزانية الدولة لدعم القدرات البشرية والإدارية، التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى توفير الفرص المنصفة لكل التونسيين، بغض النظر عن أماكن سكنهم.
التمييز الإيجابي منصوصٌ عليه في دستور العام 2014 (الفصل 12)، لكنه ليس مفهوماً مُستجدّاً في تونس. فالحوافز الضريبية ومنح الاستثمار للتنمية الجهوية كانت قيد التطبيق منذ السبعينيات.13 بيد أن عملية اللامركزية أُعدَّت، في المقام الأول، بوصفها وسيلة لتصحيح التفاوتات الجهوية القائمة منذ زمن طويل، عبر منح الأولوية لبعض المناطق على حساب غيرها.
يأمل مواطنو المناطق التي كانت مهمّشة تاريخياً أن تجذُب اللامركزية اهتماماً أكبر بنواحيهم. وكما لاحظ ناشط في المجتمع المدني في سيدي بوزيد: "في أوائل 2018 لم يكن هناك أي وزير وطني أو مسؤول عالي الرتبة من سيدي بوزيد"،14 ما يساهم في مفاقمة مشاعر الاغتراب والنفور، ويخلق فجوة مادية ونفسية مع المركز. وقال مواطن في ولاية سليانة ترشّح للانتخابات البلدية في بلدة كسرى، إنه يأمل بأن تجلب اللامركزية تحسينات لبلدته "لأن الأشخاص الذين سيُنتخَبون سيتجاوبون مع حاجيات المواطنين وآرائهم"، على عكس المسؤولين الحاليين الأغرار وقليلي الخبرة الذين يتلقّون توجيهاتهم من تونس العاصمة.15 وأضاف إن المجلس البلدي الجديد المُنتخب سيحظى على الأرجح بشرعية أكبر، جزئياً لأن أعضاءه جرى انتخابهم، وأيضاً "لأنهم سيتفهمون حقائق المنطقة".16 صحيحٌ أن اللامركزية قد لا تُصحّح مشكلة عدم تمثيل المصالح المحلية على المستوى الوطني في تونس العاصمة، إلا أنها ستخلق الفرص لمواطني سيدي بوزيد وسليانة كي يتخذوا قرارات حول سيدي بوزيد وسليانة.
طرح سكان كسرى قضية جذب الانتباه هذه، حين أعربوا عن أملهم بأن تزودهم اللامركزية بالفرصة لعرض قضية منطقتهم على باقي التونسيين.17 والحال أن قلة من التونسيين، ناهيك عن الأجانب، على دراية بوجود كسرى، وهي بلدة تقع في أعلى بقعة في تونس، وموطن لتعددية بيولوجية هائلة، ومواقع تاريخية، ونقطة جذب سياحية محتملة. وفي حين أن السياحة في كسرى تحسّنت بالفعل بعد الثورة، إلا أن القطاعين السياحي والزراعي لازالا متأخّرين فيها إلى حد كبير.
ويقول مرشح آخر للانتخابات المحلية في كسرى أن اللامركزية هناك لها أهداف تنموية محضة.18 سليانة هي إحدى الولايات المهمّشة، حين يأمل محبّذو اللامركزية فيها أنها سترقّي التنمية الاقتصادية، من خلال حشد الموارد بشكل أكبر لقطاعي الزراعة والسياحة. وقد أشار المرشح المذكور إلى أنه يمتلك تصوّراً حول كيفية تحسين صناعة السياحة، ومكافحة التلوث، وتطوير قطاع الزراعة في الولاية كي يصبح نموذجاً للفلاحة العضوية، لكنه يحتاج إلى موارد مالية واستقلالية إدارية وسياسية لتنفيذ هذه التطلعات.19
تمكين القوى المحلية
وفقاً للبنك الدولي، يكمن أحد أبرز أهداف المركزية في جعل البلديات "أكثر فعالية ونشاطاً في تخطيط وتنفيذ وتوفير مرافق البنية التحتية والخدمات البلدية".20 ولاحظ بعض المحللين أن استجابة الحكومة المحلية تكون أقوى من استجابة الحكومة المركزية بفعل حصولها على معلومات أفضل، وحوافز أقوى.21 وكتب الباحث الغاني جوزيف آيي أن المركزية في بلاده "أيقظت روح التطوّع و"الصحوة" في أوساط قطاعات من المجتمعات المحلية". وتابع: "كما أنها أدّت إلى زيادة مداخل الناس في المناطق التي كانت مهملة سابقاً إلى موارد ومؤسسات الحكومة، وفتحت عدداً كبيراً من الفرص لأشخاص جلّهم من الشبان المُتطلعين إلى العمل السياسي".22
تستطيع اللامركزية أن توفّر فرص العمل للشباب المُتبطلين، خاصة منهم أولئك الذين لديهم شهادات في تخصصات الإدارة أو السياسة العامة، وبالتالي في وسعهم لعب أدوار جديدة كبيروقراطيين محليين. ومثل هذه القيادة الجديدة ستمنح النساء والشباب الفرصة كي يكونوا جزءاً من عملية صنع القرار. وكما لاحظ ناشط تونسي في المجتمع المدني: حتى حين يكون النساء والشبان أعضاء ناشطين في حزبهم السياسي، إلا أنهم "يُطرحون جانباً" حين يحاولون الترشّح إلى منصب وطني.23
يحاول القانون الذي يحكم الانتخابات البلدية معالجة هذه القضية، فينص على أن المجالس البلدية والجهوية يجب أن تتضمّن المساواة الجندرية (بين الجنسين). وهذا يتحقّق من خلال التناوب بين الرجال والنساء في كل قائمة مرشحين، مع التساوي بين رؤساء لوائح الأحزاب التي لديها أكثر من لائحة.24 كل من هذه اللوائح يتعيّن أن تشمل فرداً عمره أقل من 35 سنة من بين المرشحين الثلاثة الأوائل.25 ونتيجةً لذلك، يكون عمر 75 في المئة من المرشحين المُسجلين أقل من 45 سنة، وعمر أكثر من 50 المئة أقل من 35 سنة.26
تحسين إيصال الخدمات
أظهرت اللامركزية على المستوى العالمي تحسّناً في فعالية استخدام الموارد العامة، وزيادة في التنافس عليها.27 ففي مدينة بورتو أليغري البرازيلية، على سبيل المثال، تضاعفت تقريباً حظوظ الناس في الوصول إلى المياه، ومعالجة الصرف الصحي، والانتساب إلى المدارس الابتدائية والثانوية، خلال الفترة بين 1989 و1996، وفي الوقت نفسه ارتفع معدل تحصيل العائدات 48 في المئة.28 وفي بوليفيا، أسفرت اللامركزية عن تحوّل كاسح في مجال تخصيص الموارد العام لصالح البلديات الأصغر والأفقر. هناك، ارتفعت الاستثمارات في التعليم، ومعالجة المياه، والصرف الصحي في ثلاثة أرباع كل البلديات، ما شكّل نقلة نوعية من الإنتاج الكبير إلى الحاجات الاجتماعية.29
يقول بعض الأشخاص الناشطين في المجتمع المدني والذين يعملون في مجال اللامركزية، إن التونسيين يودّون أكثر مايودّون تحسين الخدمات القائمة حالياً، على غرار إضاءة الشوارع، وجمع القمامة، ونوعية الطرق وشقّها، وتحسين النقل المحلي.30 وهذا ينطبق على وجه الخصوص على المواطنين التونسيين في المناطق المحرومة عادةً، الذين يداعبون الأمل بتحقيق هذا التحسّن.
يترافق تحسين إيصال الخدمات مع العديد من المحصّلات الثانوية. فهو يساعد على إعادة بناء الثقة بين المواطنين وبين المسؤولين المُنتخبين. ووفقاً لاستطلاع أجراه المعهد الجمهوري الدولي في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، صنّف 57 في المئة من التونسيين أداء الحكومة بأنه "سيّئ للغاية" أو "سيّئ إلى حد ما"، وقال 67 في المئة منهم إن الوزراء" لايفعلون شيئاً على الإطلاق" لتلبية حاجات أناس مثلهم، فيما أسبغ 73 في المئة الأمر نفسه على البرلمان.31
علاوةً على ذلك، أوحت بعض الدراسات بأن اللامركزية المالية يمكن أن تخفض مشكلة الفساد.32 فمن خلال إقامة روابط مباشرة أوثق بين المواطنين وبين السلطات، برز قدر أكبر من الشفافية، وبات في قدرة الناس تحديد مراكز السلطة وكيفية التواصل معها. قد يكون هذا، كما يقول ناشط، "مجرد أمر رمزي إلى حد كبير"، لكن من السهل تحقيقه.33 يتلقى التونسيون حالياً القليل من الاتصالات من البلديات. ووفق استطلاع للبنك الدولي في العام 2015، قال 3 في المئة فقط من المُستطلعة آراؤهم إنهم تلقوا اتصالات من بلديتهم خلال السنة المنصرمة.34 جزءٌ من هذه المشكلة يكمن في البنية التحتية الرقمية، إذ أن العديد من البلديات ليس لديها مواقع إلكترونية قيد العمل، ولذا يتعيّن على مسؤولي البلدية استخدام صفحاتهم الشخصية على فايسبوك للتواصل.35 إضافةً إلى ذلك، ليس لدى العديد من البلديات مسؤول عن التواصل، فيما لايوجد في بلديات أخرى سوى موظف واحد أو موظفين اثنين لتغطية كل القضايا في البلدية. وهكذا، ثمة حاجة ماسة إلى زيادة كبيرة في الوظائف المحلية.
ثمة تأثير ثانوي يتعلق بإيصال الخدمات بشكل أفضل، يتمثّل في أنه يساعد على جعل البلديات، خاصة في مناطق الداخل، أكثر جاذبية للمانحين الدوليين والقطاع الخاص. على سبيل المثال، لاتزال هناك تفاوتات ضخمة في أوضاع الطرقات بين تونس العاصمة في الشمال، وبين المناطق الجنوبية والشمالية- الغربية. فحين نقود السيارة جنوباً من العاصمة، نجد الطريق السريع الموصِل إلى القيروان في حالة جيدة، لكن الطريق يعج بعدها بالمفاجآت، فيتحوّل حيناً إلى ممر مُغبر ومرة أخرى إلى طريق سريع عريق. لذا، وبسبب بؤس حالة الطرقات، تستغرق السياقة إلى الجهة الجنوبية الغربية من تونس العاصمة إلى سليانة، أي نحو 80 ميلاً، وقتاً أطول من السياقة من واشنطن العاصمة إلى فيلادلفيا على رغم أن المسافة بينهما ضعف المسافة بين تونس وسليانة.
وأخيرا، تستطيع اللامركزية أن تساهم في إزالة الاختناقات البيروقراطية والإدارية التي تنزع إلى تأخير عملية صنع القرار، ما يُثبط المواطنين ويشجّع على الفساد.36 وفي هذا المجال، تكون اللامركزية مفيدة ليس فقط للقادة المحليين بل أيضاً للمسؤولين الوطنيين، الذين تُطلق حينذاك يدهم للتركيز على صنع السياسات على المستوى الوطني، إذا ما نقلوا مهام الحوكمة الروتينية إلى مسؤولين محليين.37
تحديات اللامركزية
مع ذلك، ثمة الكثير من التحديات، البنيوية واللوجستية والنفسية، التي لاتزال تقف حجر عثرة في وجه اللامركزية في تونس. أضخم التحديات اللوجستية هي أن قانون السلطات المحلية، المعروف في تونس بـ"مجلة الجماعات المحلية"، والذي يتحكّم بعملية اللوجستية بقضّها وقضيضها (القانون الأساسي الرقم 48 للعام 2017)، لم يُقر في البرلمان إلا في 26 نيسان/أبريل 2018، أي قبل 10 أيام فقط من الانتخابات البلدية.38
وقد أعرب العديد من نشطاء المجتمع المدني عن قلقهم من أن هذا القانون لن ينضج بما فيه الكفاية قُبيل الانتخابات بشكل يسمح للمرشحين بفهم ماهية أدوارهم، ويمكّن الناخبين من هضم ماذا ينتخبون. وهذا القانون، الذي هو الأطول والأعقد في تاريخ تونس، يحل محل قانون الحوكمة البلدية القديم الذي لم يعطِ المسؤولين المحليين "سلطة فعلية تتمتّع باختصاصات ذاتية واستقلالية مالية أو إدارية"، على حد تعبير الصحافية التونسية هيفاء ذويب.39
ثمة تحدٍّ بنيوي آخر هو أن البلديات الـ86 الجديدة (من أصل 350 بلدية) استُحدثت خلال تطبيق عملية اللامركزية ولاتزال "حبراً على ورق".40 والحال أن 18 في المئة من التونسيين باتوا يعيشون في إطار بلديات جديدة، فيما يقيم 58 في المئة داخل حدود بلديات ممتدة.41 وفي حين أن بعض هذه البلديات اشتُقّت من بلديات أكبر، وبالتالي لديها أصلاً موظفون فاعلون ومكاتب وميزانيات، إلا أنه من الصعب تزويد 350 بلدية بالموظفين وخلق ثقافة المجتمع الصغير في وقت قصير. وكما لاحظ ناشط في المجتمع المدني في سيدي بوزيد: من الصعب للغاية في معظم المناطق الريفية وضع الأنظمة المادية في مكانها، بشكل يسمح ببروز اتصال مباشر بين المسؤولين المحليين وبين المواطنين.42
وأخيرا، اللامركزية هي عملية مديدة زمنياً، إذ تقدّر الحكومة بأن الأمر قد يستغرق 27 سنة لنقل السلطة بالكامل إلى المسؤولين المحليين، ولجعل البلديات ذات الأداء البائس على قدم مساواة مع بقية البلاد، الأمر الذي يُهدّد بتبديد الزخم. ولاحظ أحد المشاركين في ورشة عمل لكارنيغي وجود خشية من اللامركزية الجزئية، فيما الفشل في تطبيق اللامركزية الكاملة قد ينشر الفوضى ويعيق المحاسبة في كلٍّ من الحكومتين المحلية والمركزية.43 وقد كانت اللامركزية الجزئية مشكلة في بعض الحالات حول العالم: ففي البرازيل وباكستان وجنوب أفريقيا، مُنحت السلطات المحلية صلاحيات إدارية وحُجِبَت عنها الصلاحيات المالية، ماحرمها من القدرة على تفعيل وتجسيد قراراتها في مجال السياسة العامة.
الاعتناء بالتوقّعات
بدا واضحاً من المناقشات التي أجريناها مع المسؤولين ونشطاء المجتمع المدني داخل تونس العاصمة وخارجها، أن التوقعات تتباين بحدة حول مايمكن أن تحققه اللامركزية للبلاد. فالمناطق التونسية المُهمّشة تاريخياً تحتضن توقعات عالية حيال المركزية (بأنها ستجلب المساواة وتوفّر توزيعاً أكثر عدلاً للموارد). بيد أن مثل هذه المحصلات ليست في الجيب. إذ حتى مع وجود نظام من التمييز الإيجابي، قد لاتتأثّر قضايا الضرائب وتوزيع الموارد، "لأن بعض المناطق المحلية ستجد من الأسهل عليها رفع وتيرة عائدات الضرائب بشكل كبير أكثر من غيرها"، بسبب توافر الموارد الطبيعية والبنى التحتية ومسائل أخرى لن تُحل بشكل سحري مع اللامركزية".44 ففي غانا، على سبيل المثال، لاينجح سوى أولئك الذين يقيمون في بلدات كبيرة أو لديهم نفوذ سياسي خاص يمكّنهم من تطوير مناطقهم. وقد جرت الإطلالة على اللامركزية بكونها مسـألة علاقات عامة أكثر منها عملية حقيقية، ما أصاب الإرادة السياسية لفرض التغيير مقتلاً نتيجةً لذلك. وعلى العكس، نجحت أوغندا حيث فشلت غانا، بفعل التنسيق السليم بين الوزارات (بقيادة مكتب تابع للرئاسة)، في مجال بناء القدرات على مستوى النواحي (التي قام بها موظفون محليون درّبهم خبراء أجانب).45
يتعلّق جزء من تدبّر أمر التوقعات، كما لاحظ تقرير للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) بأن "فوائد نقل السلطة يمكن أن تستغرق سنوات قبل أن ترى النور، لكن الأكلاف تتم في بداية العملية".46 صحيح أن خطة السنوات الـ27 التي وضعتها حكومة الشؤون المحلية محمودة وجاءت بعد سنوات طوال من التحضيرات (من ورش العمل والحلقات الدراسية في طول البلاد وعرضها، إلى المشاورات مع خبراء دوليين من 12 بلداً)،47 إلا أنه من غير الواضح ما ستقدّمه اللامركزية على المدى القصير لسكان المناطق الداخلية. وقد لاحظ وفد من سيدي بوزيد أن اللامركزية عملية بطيئة ستدوم عقداً، "ولذا لايجب أن تكون التوقعات عالية للغاية، فهي ليست على وشك اجتراح المعجزات".48
لم يتضح من خلال أحاديث مع أفراد في المناطق الداخلية أي نمط تغيير يريدون تحقيقه على المدى القصير، عدا السيطرة المحلية على شؤونهم الخاصة. وعلى رغم أن هذا هدف واقعي، إلا أنه لن يضمن التنمية الاقتصادية التي تحتاجها البلديات التونسية التي لطالما كانت مُهمّشة. وكما أظهرت تجارب أخرى، فإن الحكومات المركزية هي عموماً أكثر فعالية من الحكومات المحلية في توزيع الثروة وتخفيف وطأة التفاوتات الاقتصادية. وهكذا، وحالما تتحرّك اللامركزية قدماً إلى الأمام، وتتناقص بالمثل سلطة الحكومة المركزية للتدخّل محلياً، قد تتناقص بالمثل قدرة الحكومة على تحقيق العدل والمساواة بين المناطق.
يتعيّن على المسؤولين والسياسيين والمجتمع المدني أن يعتنوا بالتوقعات الشعبية المتعلقة بقدرة اللامركزية على تحقيق الحوكمة المحسّنة. وتقول هنا أحلام حشيشة شاكر، المديرة التنفيذية لمعهد السياسات العامة في حركة مشروع تونس، أن العامة لديهم توقعات عالية بأن الانتخابات المحلية ستحسّن ظروف مشاركة المواطنين. فمن خلال الانتخابات البلدية "يختار الناخب، بطريقة مباشرة، الأشخاص الذين يمثلونه محلياً، ويديرون الشأن العام بالنيابة عنه".49 لكنها تضيف: "أعتقد أننا نعطي هذه الانتخابات معانٍ أكثر مما هي عليه. فنحن نريد أن نعتقد أن هذه الانتخابات ستحل كل مشاكل المجتمع، وأنها بمثابة "ديمقراطية فورية" ستلد النموذج الجديد من الحوكمة الذي طال انتظاره". بيد أن مثل هذه المحصلات غير محتملة إلى حد كبير.50
بناء الإرادة السياسية
أحد أهم المؤشرات التي تنبئ بنجاح اللامركزية، هي مستوى الإرادة السياسية على المستويين المحلي والوطني. ذلك أن الفرضية الأساسية لعملية اللامركزية، هي تحوّل السلطة من الدولة المركزية إلى المستوى المحلي. ولذا، يُحتمل أن تعارض البيروقراطية المُمركزة هذا "التهديد" لسلطتها وسيطرتها.51 يقول الباحث السياسي كينت إيتون إنه "في تشيلي والأرغواي، كان مسؤولو المناطق غائبين إلى حد كبير عن المفاوضات حول اللامركزية.. وبالتالي كانت أجراءات اللامركزة محدودة للغاية، وحذرة، وتدريجية، على عكس المقاربات الراديكالية غالباً التي انتهجتها بلدان مجاورة".52
الإرادة السياسية في تونس مُتوافرة، ولكن نظرياً فقط. فالدستور كرّس باباً كاملاً (الباب السابع، والفصول من 131 إلى 142) للحكومة المحلية. ويوصّف الفصل 12 عملية التمييز الإيجابي كالآتي: "تسعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استناداً إلى مؤشرات التنمية واعتماداً على مبدأ التمييز الإيجابي".53 علاوةً على ذلك، ينص الفصل 14 على أن الدولة "تلتزم بدعم اللامركزية واعتمادها في كامل التراب الوطني في إطار وحدة الدولة".54 وهكذا، يتضح أن الدولة ملتزمة قانونياً باللامركزية، بيد أن بعض ناشطي المجتمع المدني والمحللين يشكّون بمدى التزام الطبقة السياسية بذلك.55
ثمة مثل فاقع هنا هو التأجيل المتواصل للانتخابات البلدية (ناهيك عن عجز البرلمان عن وضع اللمسات الأخيرة على قانون السلطات المحلية قُبيل إجراء هذه الانتخابات).56 وقد قال المشاركون في ورشة عمل كارنيغي حول المجتمع المدني، إن اللامركزية ليس لها أنصار كثر، وأشار أحدهم إلى أن "أبدان السياسيين تقشعرّ خوفاً من اللامركزية، بسبب المخاطر التي قد تجلبها لسلطتهم. لذا، لا تروّج الأحزاب لها".57
إضافةً إلى ذلك، يشكّك العديد من المواطنين بنوايا هذا المشروع، لأن وزارة الداخلية سيطرت على عملية اللامركزية. ويشعر بعض المسؤولين البلديين ونشطاء المجتمع المدني بالانزعاج مما أطلق عليه أحدهم تعبير "مركزية اللامركزية".58 ولاحظ ناشط في المجتمع المدني أن "المديرية العامة للسلطات المحلية في وزارة الداخلية، وضعت مسودة مجلة الجماعات المحلية الهادفة إلى تنفيذ اللامركزية. إنها هذه الوزارة أي السلطة المركزية التي تتخيّل اللامركزية.. المركز تاريخياً سيطر على كل شيء ويجد مضاضة في التخلّي عن هذه السيطرة".59 وكرر مسوؤل بلدي مثل هذه المشاعر حين قال إن قانون اللامركزية "وضعه أناس هم ضد اللامركزية.. فوزارة الداخلية أعدّت المشروع.. وطالما أنه لم يجر إصلاحه سيبقى تحت نيرها".60
يشعر بعض المواطنين على وجه الخصوص بأن اللامركزية لن تفعل شيئاً سوى إعادة إنتاج الهياكل السلطوية التي ابتُلي بها عهد بن علي. وقال مسؤول بلدي: "المسألة هي كيف يقطع المشروع الجديد للامركزية مع إرث الدولة البوليسية والسلطوية، ويتجنّب الفوضى، ويضمن التنمية، وكل هذا كان على رأس مطالب الثورة".61
حين يتم استحداث هياكل الحكومة المحلية، يكون ثمة ميل إلى استنساخ تنظيم الحكومة المركزية. وفي حين أن هذا يبدو أسهل خطوة إلى الأمام، إلا أنه يخاطر بإعادة إنتاج التوجهات السلطوية والشبكات الزبائنية، ويمكن أن يساهم في الفساد الجهوي. ولاحظت دراسة حول اللامركزية في العالم النامي أن "الطبيعة الأساسية للقطاع العام لا تتغيّر بشكل تلقائي حين يتم "لامركزة" هذا القطاع عبر قطع المراتب الدنيا من بيروقراطية الدولة عن المراتب العليا، وفي الوقت نفسه يجري استبدال "الرأس الكبير" في أعلى هرم الحكومة المركزية بـ"رؤوس كبيرة" في قمة كل أهرامات حكومة محلية".62 وقد أوضحت الأمم المتحدة أنه في بعض الحالات الأميركية اللاتينية، على سبيل المثال، "كانت إصلاحات اللامركزية موجّهة إلى التغلغل بشكل أفضل في المجتمع، ومراقبة المعارضة، وتعزيز استقرار الأنظمة السطوية".63 وأشار باحثون إلى أن الحكومات "غالباً ماتُطبّق خطوات اللامركزية كمجرّد تمثيلية مسرحية لاسترضاء المانحين الدوليين والمنظمات غير الحكومية، أو للتأثير على القواعد الشعبية المحلية".64
علاوةً على ذلك، وعلى الصعيد المحلي أيضاً، من الصعب توظيف كوادر مهنية والحفاظ على نوعية كفاءات عالية، لأن هؤلاء الموظفين يضعون نصب أعينهم الحصول على مواقع متميّزة في العاصمة. ولاحظت دراسة حول اللامركزية في تونس أن العديد من البلديات لايتوفّر لديها حتى مهندس مدني أو معماري".65 ويوضح رئيس بلدية في التقرير نفسه: "نحن فقراء للغاية في مجال الإدارة العليا، ولدينا معدلات بائسة للغاية في مدى شغل الوظائف. وكل هذا له مضاعفات سلبية على تنفيذ المشاريع وتقدّمها.. من يدقق ويراقب هذه المشاريع؟ نحن في حاجة إلى تقنيين".66
بالطبع، الطاقة البشرية مسألة حاسمة للغاية. فالانتخابات البلدية ستجلب إلى المناصب آلاف المسؤولين الجدد الذين لايتمتعون بخبرة إدارة المواقع العامة أو تسيير البلديات. وفي حين أن بعض المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية تخطط لإطلاق برامج تدريب لهؤلاء المسؤولين، إلا أنه سيكون تحدياً شاقاً للغاية أن يتم تدريب هذا العدد الكبير من المسؤولين على مهام الحوكمة، وبناء التوافق، والاتصال بالرأي العام، والعمل مع الحكومة المركزية. وما يفاقم من هذه الصعوبة الحقيقة بأن قانون السلطات المحلية لم يُنشر بعد، مايعني أن هؤلاء المسؤولين الجدد سيُمسكون بصولجان السلطة، من دون أن يتسنى لهم سوى النذر اليسير من الوقت للتدرُّب على مسؤولياتهم الجديدة، ناهيك عن تنفيذ هذه المسؤوليات بفعالية.
مكافحة الفساد
يمكن للأنظمة السياسية اللامركزية أن تكون أكثر عرضة إلى الفساد، بسبب الطبقات الإضافية من البيروقراطية التي في الوسع التأثير عليها.67 وقد وجدت منظمة الشفافية الدولية أن الدول الفيدرالية أكثر فساداً بوجه عام من الدول البسيطة، "حيث أن القيود من جانب أحد مستويات الدولة يزيد فقط التقاط (المنافع) في مرتبة أخرى". وحين نضع في الاعتبار أن مسؤولي المناطق طليقي اليد، نجد أنهم ينخرطوندائماً في ممارسات الفساد التي تقوّض الدولة.68 أما الأنظمة البسيطة فهي تحد من هذه الإمكانية.69 الهياكل المحلية تكون عادة أقل تطوراً من البنى الوطنية، ولذا الفساد فيها أيسر. فالمسؤولون فيها يحظون بالاجمال بتدريب ورواتب أقل، لأن أولئك الذين يحوزون على التعليم المطلوب والطموح يسعون للحصول على وظائف على المستوى الوطني. ومع توافر موظفين مهرة، تميل الهياكل الوطنية إلى أن تكون أكثر شفافية وعرضة إلى مساءلة المواطنين.70 إضافةً إلى ذلك، إن الثقة باللامركزية على أنها علاج للفساد يغفل احتمال إحكام النخبة قبضتها على موارد الحكومة المحلية. إذ "غالباً مايفرط المسؤولون المحليون في تقديم الخدمات للنخب المحلية على حساب غير النخب"، ما يقوّض اللامركزية عبر إعادة إنتاج المشاكل الوطنية على المستوى المحلي.71
دور الحكومة
في حين يتعيّن على مسؤولي ومؤسسات الحكومة المحلية والوطنية العمل معاً لجعل اللامركزية حقيقة واقعة، إلا أن الإرادة السياسية لدى الحكومة الوطنية هي أكثر العوامل حسماً لتحقيق النجاح. فالحكومة الوطنية يجب أن تقوم بدفع العملية قدماً في البداية، وتلتزم بنقل السلطة المالية والإدارية، وأن تقيم أيضاً فصلاً واضحاً بين السلطات على المستويات المحلية والوطنية. كذلك، يجب أن تكون الحكومة الوطنية رأس الحربة في الجهود الرامية إلى بث ثقافة التواصل المستمر والواضح بين المسؤولين على كل المستويات. وكما جادل تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن "تنفيذ اللامركزية المنظّمة في تونس، يعتمد على مدى قدرة البلاد على إقامة تنسيق فعال وأنظمة ضبط".72 بيد أنه يتعيّن أن تقوم الحكومة الوطنية في الوقت نفسه بحماية سلامة أراضي الدولة. ووفق مالاحظه تقرير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية: "يجب على الحكومة الوطنية أن تكون قوية بما فيه الكفاية للدفاع عن الحريات المدنية، والحقوق السياسية وحكم القانون في كل أنحاء البلاد".73
تتطلّب اللامركزية على المستوى المحلي تعاوناً نشطاً وتنسيقاً بين مختلف مراتب الحكومة المحلية (مثلاً بين رئيس البلدية والمجلس البلدي)، وبين مختلف الإدارات المحلية (مثل الصحة، والتعليم، والنقل). كما تتطلب التعاون بين المسؤولين المحليين من جانب، وبين القطاع الخاص والمجتمع المحلي الأعم، من جانب آخر.74 والدستور نفسه يطلب من السلطات المحلية العمل وفق مبادئ "الحوكمة الرشيدة" و"الحوكمة المفتوحة" و"مشاركة المواطنين والمجتمع المدني"، بيد أن هذه المبادئ ستبقى واهية ما لم يبتكر المسؤولون المحليون، كتفاً بكتف مع المجتمع المدني وبتشجيع من الحكومة المركزية، آليات لوضعها موضع التطبيق.75
الحكومة الوطنية
إضافةً إلى منحها عملية اللامركزية برمّتها غطاء من أعلى، لدى الحكومة الوطنية ثلاثة أدوار تلعبها لدفع هذه العملية قدماً وهي: نقل السلطة بفعالية وإنصاف، وتطوير وسيلة فعّالة وعادلة لنقل المخصّصات، وضمان وجود قوة عاملة كفؤة على المستوى المحلي من خلال التدريب وتجهيز المسؤولين المحليين، وتحفيز الأشخاص من ذوي الأداء الأرقى على تسنّم مناصب في المناطق المهمّشة.
نقل السلطة الإدراية بفعالية وإنصاف
تحتفظ الحكومة الوطنية حتى في الدولة اللامركزية بسلطات راجحة. وفي تونس ستكون هذه الحكومة مسؤولة عن تحديد مدى السلطات والمسؤوليات التي ستتلقاها مختلف مستويات الحكومة المحلية. وهنا قد يكون النقاش الذي جرى حول مجلة الجماعات المحلية مشوّقاً ومثيراً للاهتمام. فأعضاء البرلمان تنازعوا بشدة حول دور الوالي الذي يُعيَّن مركزياً- في مقابل المستشارين البلديين المُنتخَبين. وينص الفصل 21 من مشروع القانون على ما يلي: "يتولى كل من رئيس الجهة ورؤساء المجالس البلدية والوالي باعتباره ممثلاً للسلطة المركزية بالجهة وضع آلية للتنسيق والتعاون بين البلديات والجهات والمصالح الخارجية للإدارة المركزية والمنشآت التابعة لها".76 وقد أبدى بعض الأعضاء توجسّهم من أن هذا القانون غامض للغاية ويخاطر بجعل الوالي يتعدّى على عمل المجالس المحلية.77
أطلق الفصل 200، الذي يصف الظروف التي يمكن بموجبها حل المجلس البلدي، نقاشات عميقة. فبعض البرلمانيين جادلوا بأن المجلس البلدي يجب أن يُحل كليّاً إذا ما فشل في القيام بواجباته، فيما كان آخرون غير مرتاحين حيال مدى السلطة المعطاة إلى المسؤولين غير المنتخبين لحل المجلس.78
ثم أن الفصل 264، الذي ينص على أنه يحق للوالي أن يباشر صلاحيات رئيس البلدية بنفسه أو أن يُكلِّف من ينوبه لهذا الغرض، إذا امتنع رئيس البلدية أو أهمل القيام بالمهام المُستوجَبة، كان على رأس بنود النقاش الأكثر التهاباً. فقد اقترح عضو أن يحاول المجلس أولاً حل المشكلة، على ألا يتدخّل الوالي إلا إذا عجز المجلس البلدي عن حل المشكلة. لكن هذا التعديل رُفض في نهاية المطاف.79
توضح هذه النقاشات بجلاء أن الخلافات لاتزال قائمة على قدم وساق حول مدى السلطة التي يجب أن تُمنح للمسؤولين المحليين المنتخبين، وما الدور الذي يجب أن يلعبه الوالي المُعيَّن، وأيضاً مدى السلطة التي يجب أن تُناط بوزير الشؤون المحلية والبرلمان في مجال التدخّل في الشؤون المحلية. لكن، لكي تنجح اللامركزية، من اللازب تمكين المسؤولين المحليين بما فيه الكفاية كي يمثّلوا حقّاً قواعدهم الناخبة، وإلا فإن العملية تخاطر بإعادة إنتاج هياكل السلطوية السامّة ومعها الإجراءات التي ابتُلي بها عهد بن علي. كما أنها قد تساهم في مفاقمة فجوة الثقة المتّسعة على نحو خطِر بين الشعب التونسي وبين حكومته.
لمعالجة هذا الأمر، يجب على الحكومة الوطنية أن تُعطي الأولوية بسرعة لنقل السلطة إلى المستوى المحلي، كما يتعيّن عليها أيضاً أن توضح للرأي العام بجلاء حدود هذه السلطة. أما بالنسبة إلى التونسيين الذين يعيشون منذ عقود في ظل دولة شديدة المركزية، فإن النقلة الثقافية إلى اللامركزية والحوكمة المحلية ستستغرق وقتاً. لكن مثل هذه النقلة يمكن أن تكون أسلس إذا ما كان ثمة شفافية كاملة حول من يسيطر على ماذا، وماذا يمكن للمواطنين أن ينتظروا واقعياً من المسؤولين المحليين.
مستويات الحكومة
تتوزّع الحكومة المحلية على ثلاثة مستويات هي: الجهات والولايات والبلديات. يتولّى رئاسة الجهات الأربع والعشرين في تونس ولاة تعيّنهم الدولة المركزية. على رأس كل من البلديات الـ350 هناك رئيس بلدية، ينتخبه أعضاء المجلس البلدي لمدّة خمس سنوات، وتشمل مهامه أعمال التخطيط، والأمن العام، وحركة المرور، والإدارة البيئية. كما يعمل رئيس البلدية مع المجلس البلدي لتطوير خطة استثمار خاصة بالبلدية وفرض الضريبة البلدية. وقد كانت الإدارة العامة للجماعات العمومية المحلية، التي تشرف على البلديات، تابعة سابقاً لوزارة الداخلية، لكن جرى إلحاقها في العام 2016 بوزارة الشؤون المحلية والبيئة المُنشأة حديثاً.
تُشرف وزارة الداخلية على عمل ولاة الجهات، الذين يمثّلون الدولة المركزية، من خلال الإدارة العامة للشؤون الجهوية. وقد تم فصل كلٍّ من الإدارة العامة للشؤون الجهوية والإدارة العامة للجماعات العمومية المحلية عن الوزارة، ثم إلحاقهما بوزارة الشؤون المحلية والبيئة عند إنشائها في أيار/مايو 2016. لكن في حزيران/يونيو 2017، أُعيد إلحاق الإدارة العامة للشؤون الجهوية بوزارة الداخلية بموجب أمر حكومي. تشمل بعض مهام الإدارة العامة للشؤون الجهوية ما يلي:
- تنشيط عمل الولاة وتوجيهه ومراقبته في الميادين الإدارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية؛
- التنسيق مع الوزارات والوكالات المعنية في كل المسائل التي تقع ضمن نطاق مهام الإدارة العامة للشؤون الجهوية؛
- متابعة تنفيذ البرامج الجهوية للتنمية؛
- السهر على التنسيق بين مختلف الولايات، ودراسة المشاكل والإصلاحات المتعلقة بالهياكل الإدارية الجهوية. 3
هوامش
1 Intissar Kherigi, “How to Make Local Government in Tunisia More Accountable,” Jasmine Foundation, June 2016.
2 أمر حكومي عدد 729 لسنة 2017 مؤرّخ في 5 حزيران/يونيو 2017.
3 انظر الموقع الإلكتروني الخاص بوزارة الداخلية، https://www.interieur.gov.tn/fr/.
تطوير وسيلة فعّالة وعادلة لنقل المخصّصات
إضافةً إلى الحفاظ على القليل من السلطة الإدارية، ستستبقي الحكومة الوطنية سلطة المحفظة، أي القدرة على تقديم التحويلات المالية إلى الكيانات المحلية. اليوم، تسيطر تونس العاصمة على 96 في المئة من الإنفاق العام، فيما يُنفَق 4 في المئة فقط من ميزانية الدولة على المستوى المحلي.80 وتحاول عملية اللامركزية أن تعالج هذه المسألة، حيث أعلن مؤخراً وزير الشؤون المحلية والبيئة، رياض المؤخر، أنه يخطط لزيادة الـ4 في المئة لتصبح 10 في المئة في غضون سنوات ست. بيد أن مجرد ضخ المال إلى المستوى المحلي ليس كافياً.81 فالحكومة يجب أن تتبنّى وسيلة شفافة ومُنصفة في مجال نقل الموارد إلى المراتب الدنيا، وأن تُرقي توزيعها بشكل عادل.
وقد أوضحت ورقة بيضاء أصدرتها الحكومة التونسية في العام 2011 أهداف تقليص التفاوتات الجهوية كما يلي:
الهدف الأول هو تحسين أوضاع المناطق المهمّشة من خلال الحد من التفاوت الاجتماعي-السياسي؛ والهدف الثاني هو ربط المناطق المهمّشة بالمناطق المتقدّمة كي تفيد من التدريب والتواصل اللذين تمارسهما التجمّعات السكانية"؛ والهدف الثالث هو دمج المناطق كافة في الاقتصاد العالمي كي تصبح جزءاً من رؤية تنموية ديناميكية ومستدامة.82
وجادل تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنه "من دون تمكين مالي مناسب، لايمكن تجسيد استقلالية الحكومات الجهوية. وحينها لن تتحقق الإمكانات الكاملة للامركزية.83 وهكذا، يتعيّن على الحكومة الوطنية أن "تحدد بوضوحمسوؤليات الإنفاق بهدف تحسين مسألة المحاسبة، وتجنُّب التداخل غير المنتج.. وازدواجية السلطة، والتحديات القانونية".84 والحال أن أبحاثاً عديدة وحبراً كثيراً أُهرق حول الوسيلة الأنجع والأكثر إنصافاً التي بموجبها يمكن تحقيق هذا الهدف، من خلال شراكة بين وزارة الشؤون المحلية والبيئة من جهة والبنك الدولي من جهة أخرى (لمزيدٍ من التفاصيل، انظر الجزء المتعلق بالمجتمع الدولي).
مع ذلك، شطر كبير من السلع والخدمات لايمكن تقسيمها بسهولة بين المستويات الوطنية والمحلية. فالعناية الصحية، والتعليم، والنقل، تتجاوز كلها حدود المناطق وتتطلّب تنسيقاً دقيقا. علاوةً على ذلك، يجب على الحكومة الوطنية أيضاً أن تحتفظ بمسؤولية إعادة توزيع الدخل بين الجهات، لأن الحكومات المحلية لن تكون قادرة على الأرجح على تنفيذ ذلك بطريقة عادلة.85 ثم، لضمان توزيع منصف وعادل للموارد، يتعيّن على الحكومة المركزية تشجيع التنمية في كل أنحاء البلاد "لأن رفع دخل الفرد ليس الأمر نفسه كما زيادة قدرات التنمية في المناطق".86
إضافةً إلى التحويلات من الحكومة الفدرالية، يمكن للحكومات المحلية زيادة العائدات من خلال فرض مختلف أنواع الضرائب على الملكية، والبيع بالمفرّق، والعربات الآلية، ووقود الموتورات، وأيضاً من خلال وضع رسوم على مستخدمي الخدمات المحلية. لكن، وفقاً لتقرير صدر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في العام 2016، فإن قانون الضرائب التونسي "يفاقم اللامساواة، والتهرّب من دفع الضرائب، واللاقانونية".87 فعلى سبيل المثال، بلدية قرطاج مدعومة بالكامل، والسكان لايدفعون الضرائب. ووفقاً لاستطلاع للبنك الدولي العام 2014، 38 في المئة من العائلات التونسية لاتدفع الضرائب.88 ولاحظت دراسة حول عملية اللامركزية التونسية أنه "بعد الثورة.. قرر العديد من المواطنين أنهم لن يدفعوا للسلطات المحلية غير الكفؤة وغير الشرعية".89 ومع ذلك، من الضروري للغاية أن تقوم الحكومات المحلية برفع الضرائب وجبايتها- "فحين يدفع المواطنون الضرائب إلى الحكومات المحلية، يُرجّح حينها أن يطلبوا خدمات منها، ما يخلق دورة حميدة من المحاسبة".90 وقد أثبت هذا نفسه بالفعل في تونس. ففي البلديات التي طُبِّقت فيها الميزانيات التشاركية، أفادت السلطات البلدية أن المزيد من المواطنين باتوا يدفعون الضرائب أكثر مما كان عليه الحال في النظام السابق.91
ضمان وجود قوة عاملة كفؤة
إذا ما أراد المسؤولون الوطنيون حصد فوائد اللامركزية، مثل تقليص أعباء العمل وتحسين المداخل إلى المعلومات في المناطق القصِيَة، سيتعيّن أن يكون لديهم شركاء من ذوي الكفاءة في كل أنحاء البلاد. وفي حين لن يكون لدى بعض المناطق، خاصة تلك التي تطل على الساحل، مشكلة في مجال اجتذاب أفضل وألمع العاملين إليها، إضافةً إلى قدرتها على توفير معدات ذات نوعية عالية للمسؤولين الحكوميين المحليين، إلا أن الجهات المحلية المهمّشة عادةً ستحتاج إلى مساندة الحكومة المركزية.
إحدى الوسائل لتحقيق ذلك تكمن في ابتكار هياكل تحفيزية لجذب الموظفين الرسميين من ذوي الكفاءة إلى البلديات الأكثر فقرا. أما المسؤولون المُنتخبون فقد لاينجحون "بسبب التفاوت الكبير بين الموارد المتاحة وبين الإنفاق الموعود"، ما يخلق مضاعفات لكلٍّ من الحكومتين المركزية والمحلية.92
الحكومة المحلية
إضافةً إلى الدور الواضح الذي تلعبه الحكومة المحلية في عملية اللامركزية، يجب أن تعمل المجالس البلدية ورؤساء البلدية والولاة على إقامة علاقات إدارية ومالية سوية وصحية مع الحكومة المركزية وحفز الانخراط عبر الحدود البلدية. كما يتعيّن على المسؤولين المحليين تطوير وسائل لصياغة وتطبيع الحوكمة التشاركية.
صياغة الحوكمة التشاركية
في حين تخصّص مجلة الجماعات المحلية قسماً كاملاً للحوكمة التشاركية، تترك التفاصيل للمسؤولين المحليين، وتنصّ على أن "المجلس المحلي المنتخب، بالتشاور مع المجتمع المدني، يحدّد آليات وطرق الديمقراطية التشاركية".93 كما تكلّف المجلة المجالس المحلية والجهوية اتّباع نهج تشاركي في مراقبة المرافق وتطوير خطة التنمية المحلية. وتدعو المجلس المحلي والجهوي إلى تشكيل لجنة متخصّصة في مجال الحوكمة التشاركية والديمقراطية المحلية. مع ذلك، أوصت الباحثة التونسية انتصار خريجي بتكريس وسائل حماية أقوى لانخراط المواطنين في هذا القانون. ودعت، على وجه الخصوص، إلى أن يتمتع المواطنون بالحق في مطالبة السلطات المحلية بعقد جلسات استماع عامة وتلقّي عرائض عامة. وقالت إن "ذلك يمكن أن يعزّز الشفافية، عبر تمكين وإشراك المواطنين عبر آليات متعددة تتجاوز طلبات الحصول على المعلومات، وعبر إلزام السلطات المحلية بإيصال قراراتهم وتبريرها بشكل أكثر انفتاحاً".94
إحدى الطرق المستخدمة تقليدياً لإشراك المواطنين تكمن في الميزانية التشاركية. ففي بورتو أليغري، مثلاً، كانت الميزانية التشاركية فعّالة للغاية في تعزيز الشفافية والمساءلة في استخدام الأموال العامة، وأدّت القرارات التي تمخّضت عن العملية إلى إنفاق أكثر إنصافاً وتنمية مجتمعية قائمة على الاحتياجات.95 الجدير ذكره هنا أن لتونس أصلاً بعض التجارب في وضع الميزانيات التشاركية، والتي تمّ تطبيقها بشكل تجريبي في عدد قليل من الجهات المحلية. في المرسى، على سبيل المثال، علّمت العملية أن الميزانية التشاركية تتطلّب معارف تقنية، وبالتالي يكون الموظفون التقنيون مفيدين في مساعدة المواطنين على فهم الصورة العامة للميزانية، فضلاً عن اتّخاذ قرارات مدروسة.96 ثمّة طرق أخرى لتشجيع مشاركة المواطنين تتمثّل في إنشاء دوائر بلدية، وعقد جلسات مفتوحة للمجالس، وإجراء دراسات استقصائية للمواطنين لإيصال تفضيلات المواطنين إلى الحكومة المحلية. في هذا الإطار، يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دوراً في زيادة الخيارات التشاركية للمواطنين.97 فقد قامت مثلاً مؤسسة الياسمين، وهي مركز بحوث تونسي، بتجربة إعداد بطاقات أداء للمواطنين لعرض تفضيلاتهم على الحكومة المحلية، وهي تأمل بتوسيع نطاق ذلك ليصبح مؤشراً من شأنه إظهار المقارنات مع مرور الوقت، بما في ذلك مقارنات بين البلديات.98
تتمثّل إحدى الطرق الأخرى التي يتمّ الاستعانة بها للحصول على استجابة أكبر من المواطنين، في استخدام الوثائق الرقمية ومبادرات الحوكمة الإلكترونية. وفي هذا السياق، أوصت خريجي بإنشاء "محطات واحدة للإجراءات الحكومية" تسمح للمواطنين في كل بلدية بوصول أسهل إلى المعلومات المتعلقة بالخدمات والإجراءات الحكومية.99 ويمكن أن تكون هذه المحطات متوافرة في مبانٍ أو على شكل منصات رقمية، لسهولة أكبر في الاستخدام، كما أنها ستوفّر الوقت للبيروقراطيين المحليين الذين كانوا سيقضون ساعات طوال في الردّ على الأسئلة شخصياً. يمكن أن نأخذ هنا نموذج الخدمة 311 التي تقدمها حكومة واشنطن العاصمة، المتوافرة عبر الهاتف والتطبيق والموقع الالكتروني، مايسمح للمواطنين بالتواصل مع المكتب الحكومي المحلي المناسب للعمل الذي يحتاجون إليه. فعبر الهاتف، يقوم المواطنون بالاتصال على الرقم 3-1-1، ويتم توجيههم من قبل مشغّل إلى المكتب المناسب. وباستخدام التطبيق أو الموقع الالكتروني، يمكن للمواطنين الإبلاغ عن المشاكل التي يواجهونها (مثل عدم جمع النفايات في وقتها أو الحفر)، أو الاطلاع على المشاكل الأخرى التي تمّ الإبلاغ عنها، أو الاتصال برئيس البلدية، أو وضع تصنيف للخدمات والوكالات المحلية.
تطبيع الحوكمة التشاركية
يتعيّن على المسؤولين المحليين، إلى جانب الآليات الرسمية للحوكمة التشاركية، أن يشجّعوا ثقافة هذا النوع من الحوكمة في أوساط المجتمع المدني والقاعدة الشعبية الأوسع. ويُعتبر الجزء الأكبر من عملية إشراك المواطنين تقديرياً؛ ففي بلد كانت المشاركة العامة فيه معدومة، أو محفوقة بالمخاطر طيلة عقود، سيحتاج المسؤولون المحليون إلى العمل مع المجتمع المدني لتشجيع المشاركة العامة. ومن شأن ذلك أن يفيد جميع الأطراف على الأرجح، فيفيد المسؤولين المحليين لأنهم أكثر قدرة على الاستجابة لمواطنيهم، الأمر الذي يجعل احتمال اعتبارهم فعّالين أكثر ترجيحاً، وبالتالي يحتفظون بمواقعهم في السلطة. كما لاشكّ أن المواطنين يستفيدون من المشاركة العامة القوية، لأن أولوياتهم وتفضيلاتهم ستجد ترجمتها على الأرجح في السياسات العامة. علاوةً على ذلك، يمكن أن تساهم المشاركة العامة المدعومة من الحكومة المحلية في الحؤول دون بروز فجوة ثقة هائلة كتلك الموجودة حالياً بين التونسيين وبين الحكومة الوطنية.
دور المجتمع المدني والمواطنين
يضطلع المجتمع المدني بدور حاسم في تطوير عملية اللامركزية في تونس وكذلك في تنفيذها، بما في ذلك العمل كجهة رقابة على الحكومات المحلية والوطنية؛ وجمع وإيصال تفضيلات المواطنين إلى المسؤولين المحليين؛ والتشجيع والمشاركة في الحكم التشاركي.
الاضطلاع بدور جهة رقابة
يُعتبر المجتمع المدني التونسي بارعاً بشكل خاص في العمل كجهة رقابة على الحكومة الوطنية. وقد أبدت العديد من المنظمات الوطنية الأكثر نفوذاً وقوة في البلاد – على غرار البوصلة، ومراقبون، وبرّ الأمان – قدرتها ورغبتها في لعب هذا الدور على المستوى المحلي. فقد أطلقت البوصلة مشروع "مرصد بلدية" في كانون الثاني/يناير 2014 لمراقبة البلديات وتشجيع المواطنين على التواصل معها.100 ويَجمع فريق "مرصد بلدية" معلومات تتعلق بميزانية البلدية والموارد البشرية والممتلكات والاستثمارات ونشاط المجلس البلدي، وينشرها على الموقع الالكتروني للمشروع.
من جهتها، قامت شبكة "مراقبون"، التي انطلقت كمنظمة لمراقبة الانتخابات في العام 2011، بعمل مهم لجهة مراقبة تسجيل الناخبين في الانتخابات البلدية ومراقبة قطاع الصحة. وفي شراكة مع منظمة Democracy International، أنشأت "مراقبون" مقراً مركزياً للبيانات والخرائط والتحليلات المتعلقة بالانتخابات، والتي "تسهّل صنع القرارات المستندة إلى البيانات لتحسين العملية الانتخابية".101 وفي القطاع الصحي، عمدت شبكة "مراقبون" إلى مراقبة 2060 مركزاً للرعاية الصحية الأساسية في 264 معتمدية في كانون الثاني/يناير 2017 لمراقبة حالة بنيتها التحتية، وطريقة إجراء الاستشارات الطبية، ووضع المعدّات واللوازم، وغيرها من المؤشرات.102
أما "برّ الأمان" فتعمل على تحسين الحوكمة من خلال وسائل الإعلام. ويركّز برنامجها الإذاعي الأسبوعي الذي يستمر ساعة على الهيئات المحلية والوطنية المُنتخبة. وهي تسعى إلى "عرض القضايا المتعلقة باللامركزية، والانتخابات المحلية المقبلة، والإجراءات الإدارية، وحسن أداء مؤسسات الدولة وأوجه قصورها، بشكل ملموس وقريب من واقع المواطنين".103 إضافة إلى ذلك، تمتلك منظمات وطنية مثل "كلنا تونس" فروعاً محلية في جميع أنحاء البلاد، ويديروها ناشطون محليون وتسعى إلى معالجة القضايا المحلية.
بيد أن الناشطين التونسيين يشعرون ببعض القلق من أن يتمّ تهميش المنظمات المحلية من قبل المنظمات التي تتخذ من تونس مقراً لها أو المنظمات الدولية. في هذا السياق، قال أحد ممثلي المجتمع المدني:
وحده المجتمع المدني الجهوي يمكن أن يعطي الأولوية لمسألة اللامركزية... سيواجه المجتمع المدني في المناطق الجمعيات التي تأتي من تونس العاصمة بالرفض، وبالتالي سننشئ شرخاً داخل المجتمع المدني بحدّ ذاته. شجعنا هؤلاء الناس لتكون كلمتهم مسموعة، والخطوة التالية هي التحدث إلى المجتمع المدني التونسي... لإخبارهم بأنه يجب علينا الاستماع إلى هؤلاء الناس، يجب أن يتم تمثيلهم، يجب علينا دمجهم. في جميع التحليلات التي أجريت، ظهر أنه لمن الضروري أن تقوم وسائل الإعلام بدعوة الجمعيات العاملة في المناطق الداخلية. لابدّ من الاستماع إلى هؤلاء الأشخاص.104
علاوةً على ذلك، أشار أحد ممثلي المجتمع المدني إلى أنه حتى تلك المنظمات التي تتخذ من العاصمة التونسية مقراً لها، ينظر إليها الممثلون المحليون بعين الريبة، فقد قال:
تتمثّل المشكلة مع البلديات في أنه حتى لو كنّا منظمة غير حكومية تونسية، ستُطرح بشكل منهجي الأسئلة نفسها مثل: من يقف وراءك؟ ما هي أجندتك؟ هذه نظرية المؤامرة الكلاسيكية... في الوقت نفسه، لايستطيع المواطنون قبول المزيد من الوعود المنكوثة من المجتمع المدني. فهذا المجتمع يحل محل الحكومة، إذ تقوم الجهات الفاعلة في المجتمع المدني بعقد الاجتماعات والمناقشات المغلقة في كل مكان، تبحث في الحلول، وبعدها لايرون أي شيء ملموس... الناس يريدون أموراً ملموسة، لايريدون الكلام لمجرد الكلام، لقد سئموا من الكلام الذي لامعنى له... لذلك نقول لهم، إذا حضرتم الجلسات التمهيدية، لن تتغيّر حياتكم بين ليلة وضحاها، لكنكم ستفهمون كيفية سير الأمور، هذا كل شيء. كما قلنا للبلديات، سنساعدك في التحدث عن قضايا التوظيف والمعدات الخاصة بك للمواطنين، وهذا هو أقصى مايمكننا القيام به. الوعود المنكوثة هي الأسوأ بعين المواطنين والبلديات.105
جمع وإيصال تفضيلات المواطن
يمكن للمجتمع المدني أن يقوم، إلى جانب مراقبة أداء الحكومات المحلية، بجمع وإيصال تفضيلات المواطنين إلى المسؤولين المحليين. ففي سيدي بوزيد، مثلاً، عملت المنظمة غير الحكومية Smart Solutions بشكل ناشط على إطلاع المواطنين على دور البلدية، وكيفية التعامل بشكل أفضل مع مسؤوليهم المنتخبين. عقدت المنظمة أكثر من عشرين ورشة عمل في بعض المناطق الأكثر حرماناً في تونس – مثل سيدي بوزيد والقصرين - وجمعت خلالها 6500 شخص للإجابة على السؤال التالي: "ماذا ستفعل إن كنت رئيس بلدية؟"106
كما كان المجتمع المدني فعّالاً في شرح أهمية اللامركزية وآلياتها. وقد ذكر أحد ناشطي المجتمع المدني في سيدي بوزيد، قائلاً "يريد الناس أن يكونوا مستقلين، لكنهم لايثقون بالأحزاب السياسية. لذا لن يدلوا بأصواتهم".107 باختصار، يمكن أن تتمكّن حالة انعدام الثقة المتزايدة بين الناس وبين حكومتهم من كبح جماح فوائد اللامركزية. وبالتالي، يجب على المجتمع المدني إقناع الناس بأن من مصلحتهم المشاركة في قرارات الحكومة المحلية التي تؤثّر مباشرة على حياتهم. وكما قال الناشط في المجتمع المدني: "ليست أولويات الناس سياسية، بل تتمثّل في العمل على تحسين الوضع الاقتصادي ووضعهم المعيشي"، لكن الكثير من الناس، ولاسيما من هم خارج العاصمة، لايدركون تماماً أنهم يملكون فرصة القيام بذلك من خلال المشاركة في الحوكمة المحلية.108 وقد لفت أحد ممثلي المجتمع المدني في تونس العاصمة، إلى أن المجتمع المدني بحاجة إلى المزيد من الدعم المالي ليتمكّن من رفع مستوى الوعي حول مسألة اللامركزية. واعتباراً من اليوم، "معظم الناس لايملكون معلومات حولها".109
ولفت مندوب من سيدي بوزيد إلى أن المواطنين هم "صنّاع سياسة" على المستوى المحلي. وقد أعاد ناشط آخر التأكيد على هذه النقطة، مشيراً إلى أن المواطنين يجب أن يفعلوا أكثر من مجرد التصويت، فهم بحاجة إلى الانخراط في عملية صنع القرارات والسياسات التي ستؤثر على مدينتهم وحياتهم.110
المشاركة النَشِطة في الآليات المُتاحة
أثارت مسألة الحوكمة التشاركية الكثير من الجدل – حيث كانت إحدى البنود القليلة في مجلة الجماعات المحلية التي تم تأجيل البتّ فيها إلى ما بعد انتهاء النقاش، بسبب غياب التوافق حولها. مع أن آلية الميزانية التشاركية مُعتمَدة راهناً في تونس، إلا أن ناشطي المجتمع المدني أجمعوا على ضرورة توسيع نطاق المشاركة المحلية بشكلٍ أكبر.111 يقدّم الدستور تعريفاً واسعاً وشاملاً للمشاركة: "تعتمد الجماعات المحلية آليات الديمقراطية التشاركية، ومبادئ الحوكمة المفتوحة، لضمان إسهام أوسع للمواطنين والمجتمع المدني في إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابية ومتابعة تنفيذها طبقاً لما يضبطه القانون".112
لكن ثمة بعض الخوف الناجم من واقع أن المجلة لاتنصّ على آليات تطبيق مبدأ الديمقراطية التشاركية طبقاً لما هو محدّد في الدستور.113 وعليه، لابدّ للمجتمع المدني من تيسير انخراط المواطنين في الشؤون المحلية كي يتكلّل مسار اللامركزية بالنجاح. في غضون ذلك، أشارت دراسة إلى أن "إشراك المواطنين في عملية صنع القرار في إطار الحوكمة المحلية لايحدث بشكلٍ تلقائي، بل يتطلّب وضع استراتيجيات محدّدة تهدف إلى إقامة قنوات اتصال وبناء قدرات كلٍّ من المواطنين (والمنظمات التي تمثّلهم) والحكومات المحلية، للانخراط معاً في حوار بنّاء".114
وإذ يبدو من الأسهل عموماً تطبيق آليات الديمقراطية التشاركية على المستوى المحلي، إلا أن الانتقال من الحوكمة المركزية التي تنطلق من أعلى مستويات الهرم إلى أدناه، نحو عملية تشاركية تنطلق من أدنى إلى أعلى، يتطلّب تقديم محفّزات رسمية – في المراحل الأولى على الأقل - من خلال سنّ مرسوم تشريعي يقتضي من الحكومة المحلية "استطلاع المواطنين عن حاجاتهم، والوقوف عند آرائهم، أو منحهم حق المشاركة في مداولات المجلس، أو إبلاغهم بالقرارات الحكومية المطروحة على بساط البحث"، وفقاً لتقرير صادر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.115
لكن حتى المشاركة المنصوص عليها قانوناً ستبقى محدودة ما لم تتوافر الإرادة السياسية. فقد قال ناشط في المجتمع المدني:
في العام 2016، كانت كل المشاريع التنموية في تونس تشاركية. أقول ذلك لأن وزارة الداخلية أرسلت إلى البلديات دليلاً توجيهياً حول المشاركة. لكن ما من آلية لضبط تطبيق هذه المقاربة التشاركية، فالإيعاز الوحيد الذي وُجِّه إلى البلديات دعاها إلى عقد اجتماعين على الأقل وأغفل ذكر ممثّلي المواطنين... إذن، كل ما يجب على البلديات فعله هو عقد اجتماعين على الأقل، وتوثيق الاجتماعات بالصور ورفع تقرير بشأنها.116
وحتى إعداد مشروع مجلة الجماعات المحلية لم يستوفِ المعايير التشاركية التي كان يتوقّعها المجتمع المدني. فقد أشار ناشط إلى أن خبراء قانونيين تولّوا صياغة القانون من دون استشارة المجتمع المدني سوى في النزر القليل من البنود. وحينما طُرح مشروع القانون للمناقشة، أُعطيَ القضاء مهلةً لم تتعدّ نصف اليوم لمراجعته، ونصف اليوم للمجتمع المدني، ونصف اليوم لكلٍّ من الأقاليم الستة. وقد استغرق تقديم المجلة وتعريفها معظم الوقت المخصّص للمجتمع المدني، ولم يُعطً كلٌّ من منظمات المجتمع المدني المُشاركة في النقاش أكثر من دقيقتين للإجابة. يُضاف إلى ذلك أن مشروع القانون هذا، الذي يضمّ أكثر من 300 فصل، عُمِّم على الرأي العام قبل ثلاثة أيام فقط من موعد الاستشارة، وبالتالي لم يحظَ كلٌّ من المجتمع المدني وعامة الناس سوى بقسط ضئيل من الوقت لدراسته.117 في غضون ذلك، جادل أحد نواب حزب النهضة بأنه "ثمة أزمة ثقة بين المواطنين وبين السياسيين لايمكن حلّها إلا عبر تكثيف الحوار مع المواطنين".118
دور المجتمع الدولي
باستطاعة المجتمع الدولي نشر التوعية حيال عملية اللامركزية، وتوفير المساعدة التقنية والدعم المالي اللازمَين لتطبيقها. أجرى العديد من الجهات المانحة الدولية أبحاثاً وافية لاستطلاع الأولويات المحلية، إلى جانب المشاريع التمهيدية التي أطلقتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لتحسين توفير الخدمات على المستوى المحلي. كما يمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص أن تؤدّي دوراً بارزاً في هذا الصدد. يُشار أيضاً إلى الدعم الكبير الذي قدّمته المنظمات غير الحكومية والجهات المانحة الدولية خلال الفترة السابقة للانتخابات البلدية التي أُجريت في 6 أيار/مايو، والذي شمل تدريب المرشّحين، وحملات توعية، والانخراط في الجهود الرامية إلى زيادة نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع. والحال أن الخبراء الدوليين بدأوا بتدريب المسؤولين المحليين قبل وقتٍ طويل من موعد الانتخابات. وعلى حدّ قول ناشط في المجتمع المدني في سيدي بوزيد، يمكن للجهات المانحة الدولية المساعدة على "توسيع آفاق" المجتمع المدني والمسؤولين المحلين، من خلال مدّ جسور التواصل بينهم وبين مناطق أخرى من العالم لتعليمهم الممارسات الفُضلى.119
لقد أحرز برنامج التنمية الحضرية والإدارة المحلية المدعوم من البنك الدولي نجاحاً كبيراً في التحفيز على الحوكمة الرشيدة على المستوى المحلي، وفي رقمنة وإعادة تنظيم الإجراءات البيروقراطية. فبوابة الجماعات المحلية التابعة لوزارة الشؤون المحلية والبيئة والمدعومة من البنك الدولي "تضع في متناول المستخدمين معلومات متنوعة حول المالية، وأداء البلديات، والخطة الاستثمارية، والإطار القانوني والتنظيمي المنظّم للجماعات المحلية. يمكّن الفضاء الإلكتروني للعرائض المواطنين من إيداع الشكاوى، ويعزّز الفضاء الخاص بالجماعات عملية التعاون على المستوى المركزي والمحلي".120
وُضع هذا البرنامج الذي يمتدّ إنجازه على مدى 60 شهراً وتبلغ كلفته 1220 مليون دينار (أي 508 مليون دولار، موّل البنك الدولي 300 مليون دولار منها) بهدف "تطبيق الأحكام الدستورية في مجال اللامركزية التي يكرّسها الدستور، واعتماد آليات الديمقراطية التشاركية، ومبدأ التدبير الحر للجماعات المحلية".121 أحد الجوانب الرئيسة في البرنامج هو استحداث نظام جديد لتخصيص أموال المنح، بحيث يتم تحديد مقدار المنح التي ستتلقّاها البلديات على أساس آليات وُضعت لتقييم أدائها. وقد خُصِّصت هذه المنح لدعم المشاريع الرامية إلى تحسين البنى التحتية والخدمات.122 وحتى تصبح البلدية مؤهّلة لتلقّي هذه المنح، يجب أن تستوفي على الأقل خمسة شروط أساسية هي:
- إعداد ميزانية يقرّها المجلس؛
- تقديم بيانات مالية لوزارة المالية ضمن مهلة أقصاها 31 تموز/يوليو؛
- إعداد خطة استثمارية تحظى بموافقة المجلس؛
- تحميل خطط المشتريات على الموقع الإلكتروني الخاص بالصفقات العمومية؛
- التوقيع على مذكرة تفاهم مع "صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية"
إضافةً إلى الشروط الواردة أعلاه، يتم تقييم البلديات باستخدام نظام تصنيف من مئة نقطة، يستند إلى مؤشرات تغطي مجالات الحوكمة والاستدامة والإدارة. وتتولّى هيئة مراجعة مستقلّة تقييم أداء البلديات، ثم يتم نشر النتائج على بوابة الجماعات المحلية. وفي حال حصلت البلدية على 70 نقطة أو أكثر، يتم مضاعفة مقدار المنح التي تتلقّاها للعام 2018 والأعوام اللاحقة.123 في السنة الأولى، استوفى أكثر من 90 في المئة من البلديات الشروط الخمسة الأساسية التي خوّلتها تلقّي منح للعام 2016.
خاتمة
تُعدّ إمكانيات تحقيق اللامركزية في تونس باهرة. فهي ترتدي أهمية رمزية باعتبارها خطوة رئيسة نحو توطيد أركان عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد، وخطوة عملية نحو معالجة بعضٍ من أوجه الظلم والتفاوت الجهوي التي كانت تعتمل قبل الثورة. فواقع الحال أن الجهود التي تبذلها الحكومة بهدف إرساء اللامركزية، قد تسهم في ردم هوة فقدان الثقة الكبيرة بين التونسيين، من خلال تمكين اللاعبين المحليين وتحسين آلية توفير الخدمات. لكن هذه العملية لن يُقيَّض لها النجاح ما لم تدلُ جميع الأطراف بدلوها فيها، بدءاً من الحكومة المركزية والحكومة المحلية، مروراً بالمجتمع المدني، ووصولاً إلى الجهات المانحة الدولية.
توصيات
باستطاعة الحكومة المركزية التونسية اتّخاذ سلسلة من الإجراءات لإبداء استعدادها السياسي لدعم الدمقرطة:
- مقاربة التطلعات الشعبية من خلال إحاطة المواطنين علماً بحيثيات انتقال الصلاحيات الإدارية والمالية، بما في ذلك تعميم خطة الـ27 عاماً، والتي لم يتسلّمها بعد بعض النواب حتى تاريخ كتابة هذه السطور،124 وتحديد المعايير قصيرة وطويلة الأمد التي ستقيّم بموجبها وزارة الشؤون المحلية والبيئة عملية اللامركزية. كذلك، ينبغي على الوزارة تعميم نتائج البحث الذي طال مناطق واسعة في العالم وأفضى إلى صياغة مسودة مجلة الجماعات المحلية.
- تقديم محفّزات لموظّفي الخدمة المدنية من ذوي الكفاءات العالية لتشجيعهم على العمل في الجهات الأكثر تهميشاً، من خلال مكافآت على شكل زيادة في الرواتب، أو جعل الترقية مشروطة بتوفير خدمات في مناطق محدّدة.
- ضمان تحقيق عملية مراجعة عامة فعّالة لتعزيز المشاركة العامة على المستوى المحلي. فمجلة الجماعات العامة لاتحدّد بوضوح حيثيات الديمقراطية التشاركية، بل يتولّى ذلك الدليل التوجيهي حول المشاركة الذي يصدر بموجب أمر حكومي. لكن إصدار مرسوم حول المشاركة العامة هو أمر يتنافى مع جوهر الديمقراطية التشاركية. لذا، ينبغي على الدولة صياغة مشروع المرسوم ثم إفساح المجال أمام جميع مكوّنات المجتمع التونسي لمراجعته ضمن مهلة زمنية كافية، بحيث تتمكّن كل الأطراف الفاعلة من المساهمة في إعداد الدليل التوجيهي.
باستطاعة الحكومات المحلية القيام بما يلي:
- إتاحة فرص الحوكمة التشاركية خارج الأطر المنصوص عليها في القانون، مثل إنشاء مجالس مواطنين أو إجراء استطلاعات دورية لمعرفة مواقفهم حيال السياسة العامة.
- بلورة آليات للتنسيق والتواصل بين البلديات. صحيحٌ أنه ينبغي على المسؤولين المحليين التركيز على نطاق بلديتهم، لكن عليهم أيضاً العمل مع المسؤولين المحليين في البلديات المجاورة لمناقشة القضايا المشتركة في مابينها، وعقد جلسات عصف ذهني لإيجاد حلول سياسية مُبتكرة.
ينبغي على منظمات المجتمع المدني أن تواصل الاضطلاع بدورها كحارس أمين للعملية الديمقراطية. لكنها تؤدّي أيضاً دوراً أهم على المستوى المحلي، يتمثّل في تشجيع وترسيخ ثقافة الديمقراطية التشاركية. إذن، ينبغي على المجتمع المحلي تحديداً:
- إطلاق حملة توعية في صفوف الرأي العام حول اللامركزية، تقودها منظمات أهلية محلية تتمتع بمصداقية كبيرة في بلدياتها، وتركّز على شرح كلٍّ من الدور الذي يضطلع به المجلس البلدي بموجب مجلة الجماعات المحلية، وفرص المشاركة العامة في الحكومة المحلية.
- وضع آليات الحوكمة التشاركية في متناول المواطنين. يجب على المجتمع المدني أن يشكّل مصدراً للمعلومات في ما يتعلق بفرص المشاركة، وجسراً بين المسؤولين العموميين والمحليين. وينبغي على المجتمع المدني كذلك بلورة آليات لاستطلاع آراء المواطنين وتفضيلاتهم وإعلام المسؤولين المحليين بها – إما من خلال اللقاءات البلدية، أو الاستشارات الرسمية، أو الاستمارات الإلكترونية، أو القنوات غير الرسمية.
لمساعدة المجتمع المدني على تأدية هذه المهام، يتعيّن على الجهات المانحة الدولية العمل على بناء قدرات الشبكات والمنظمات الأهلية المحلية (وتلك التي يقع مقرّها في تونس العاصمة) كي تتمكّن من الترويج للحوكمة التشاركية على نحو فعّال. كذلك، ينبغي على هذه الجهات المانحة الدولية:
- تمويل جهود الحكومة الإلكترونية، بما في ذلك رقمنة إجراءات وعمليات الحكومة المحلية. يجب أن يكون الهدف إنشاء مبنى وموقع إلكتروني يقصدهما المواطنون للحصول على الخدمات البلدية والتواصل مع المسؤولين المحليين. كذلك، يمكن للجهات المانحة دعم الحكومة التونسية في إنشاء بوابة إلكترونية للمساعدة على تحقيق المواءمة بين الوظائف الشاغرة في الحكومة المحلية وبين المسؤوليين الحكوميين الحاليين على أساس كفاءاتهم وخبراتهم.125
- تدريب وإعداد المسؤولين المحليين استناداً إلى الممارسات الفُضلى المُطبَّقة حول العالم. بإمكان الجهات المانحة، بالشراكة مع القطاع الخاص، ضمان حصول المسؤولين المحليين في أرجاء البلاد كافة على الموارد التكنولوجية المناسبة التي تتيح لهم التواصل مع تونس العاصمة من جهة، ومع قواعدهم الشعبية من جهة أخرى. كذلك، يتعيّن على الجهات المانحة تدريب المسؤولين المحليين على كيفية أداء مهامهم على النحو الأكثر فعالية.
يودّ المؤلّفان توجيه جزيل الشكر إلى هدى مزيودات وكريم أصفري لمساعدتهما البحثية الاستثنائية. كما يودّان تقديم الشكر إلى سامويل برايز وميشيل دنّ وانتصار خريجي ولوري ميريت وجوسلين سولي، لمساهمتهم القيّمة في هذه الدراسة، ويعربان عن امتنانهما للمشاركين في ورشة العمل التي عقدتها مؤسسة كارنيغي حول المجتمع المدني في تونس في شباط/فبراير 2018، وكذلك لأولئك الذي أجرى المؤلّفان مقابلات معهم في سياق البحث. وأخيراً، يُعرب المؤلّفان عن الامتنان لمؤسسات المجتمع المفتوح لدعمها السخي لهذه الدراسة ولمشروع "مرصد تونس" الأوسع.
ملاحظة: أُعدّت هذه الدراسة قبل إجراء الانتخابات البلدية في تونس.
هوامش
1 Néji Baccouche, “Decentralization in Tunisia: Challenges and Prospects,” in Federalism: A Success Story?, ed. Hanns Buhler, Susanne Luther, and Volker L. Plan (Munich: Hanns Seidle Stiftung, 2016).
2 المصدر السابق.
3 هيفاء ذويب، "حوار مع مختار الهمّامي حول اللامركزية: مقاربة جديدة في ظل أزمة هيكلية"، موقع نواة، 20 تموز/يوليو 2017. الهمامي هو مسؤول سابق في وزارة الداخلية تقاعد مؤخراً، لكنه احتفظ بمنصبه كرئيس الهيئة العامة للاستشراف ومرافقة المسار اللامركزي التابعة لوزارة الشؤون المحليّة والبيئة.
4 المصدر السابق.
5 المصدر السابق.
6 Ivar Kolstad and Odd-Helge Fjeldstad, “Decentralization and Corruption: A Brief Overview of the Issues,” Chr. Michelsen Institute, 2006.
7 Mushtaq H. Khan, “Corruption and Governance in Early Capitalism: World Bank Strategies and Their Limitations,” in Reinventing the World Bank, ed. Jonathan R. Pincus and Jeffrey A. Winters (Ithica, NY: Cornell University Press, 2002).
8 تعليقات لرياض المؤخر خلال نقاش مغلق أُجري في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 9 شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
9 Yassine Bellamine, “A quand un projet de loi de décentralisation?” [When is the decentralization bill?], Nawaat, January 22, 2015, https://nawaat.org/portail/2015/01/22/a-quand-un-projet-de-loi-de-decentralisation-1e-partie/.
10 “La Discrimination Positive: un principe constitutionnel à concrétiser pour la promotion de l’emploi décent dans les regions” [Positive discrimination: a constitutional principle to be achieved for the promotion of employment in the regions], International Labor Organization, June 2017, http://www.itceq.tn/upload/files/etudes/discrimination-positive-2017.pdf.
11 Ines Labiadh, “Décentralisation et renforcement du pouvoir local : La Tunisie a l’épreuve des réformes institutionnelles” [Decentralization and the strengthening of local power : Tunisia facing institutional reforms] (Maillages territoriaux, démocratie et élection, January 2016, Monastir, Tunisia).
12 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع مسؤول في وزارة الشؤون المحلية والبيئة، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
13 “La Discrimination Positive,” International Labor Organization.
14 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع ناشط من المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، سيدي بوزيد، تونس.
15 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع مرشّح للانتخابات المحلية، شباط/فبراير 2018، كسرى، تونس.
16 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع مرشّح للانتخابات البلدية، شباط/فبراير 2018، كسرى، تونس.
17 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع ناشطين من المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، كسرى، تونس.
18 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع مرشّح للانتخابات المحلية، شباط/فبراير 2018، كسرى، تونس.
19 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع مرشّح للانتخابات البلدية، شباط/فبراير 2018، كسرى، تونس.
20 "تدعيم مجالس الحكم المحلي في تونس خطوة أولى نحو اللامركزية"، البنك الدولي، 24 تموز/يوليو 2014، http://www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2014/07/24/strengthening-local-governments-in-tunisia-as-a-first-step-toward-decentralization
21 Pranab Bardhan, “Decentralization of Governance and Development,” Journal of Economic Perspectives 16, no. 4 (Autumn 2002): 185–205.
22 Joseph Ayee, “The Adjustment of Central Bodies to Decentralization: The Case of the Ghanaian Bureaucracy,” African Studies Review 40, no. 2 (September 1997): 37–57.
23 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع ناشط من المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
24 “Loi organique n° 2017-7 du 14 février 2017, modifiant et complétant la loi organique n° 2014-16 du 26 mai 2014 relative aux élections et référendums” [Organic Law No. 2017-7 of February 14, 2017, amending and supplementing Organic Law No. 2014-16 of May 26, 2014 on Elections and Referendums], Tunisian National Portal of Legal Information, February 14, 2017, http://www.legislation.tn/sites/default/files/fraction-journal-officiel/2017/2017F/014/Tf201771.pdf.
25 المصدر السابق.
26 محمد علي لطفي، "توقّعات عن اكتساح الشباب والمستقلّين الانتخابات البلديّة في تونس"، المونيتور، 23 آذار/مارس 2018، https://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2018/03/tunisia-elections-municipal-youth-candidates-women-new-blood.html
27 انظر على سبيل المثال: Nicoletta Feruglio and Dallas Anderson, “Fiscal Decentralization: An Overview” in Fiscal Decentralization Handbook, ed. Feruglio and Anderson (New York: United Nations Development Program, December 2007).
28 Bardhan, “Decentralization of Governance and Development.”
29 المصدر السابق.
30 نقاش مع ناشطين من المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
31 Center for Insights in Survey Research, “Public Opinion Survey of Tunisians: November 23-December 3, 2017,” International Republican Institute, January 10, 2018, http://www.iri.org/sites/default/files/2018-01-10_tunisia_poll_presentation.pdf.
32 Stacey White, “Government Decentralization in the 21st Century: A Literature Review,” Center for Strategic and International Studies, December 30, 2011.
33 نقاش مع ناشطين من المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
34 المصدر السابق.
35 المصدر السابق.
36 للاطلاع على المزيد من المعلومات حول العلاقة بين البيروقراطية والحوكمة في تونس. انظر: سارة يركيس ومروان المعشّر، "عدوى الفساد في تونس: المرحلة الانتقالية في خطر"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 25 تشرين الأول/أكتوبر 2017، https://carnegie-mec.org/2017/11/10/ar-pub-74696
37 Dimce Nikolov, “Decentralization and Decentralized Governance for Enhancing Delivery of Services in Transition Conditions” (prepared as background for the Regional Forum on Enhancing Trust in Government Through Leadership Capacity Building, September 28–30, 2006, St. Petersburg, Russia), United Nations, 2006.
38 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع عضو في البرلمان، آذار/مارس 2018، واشنطن العاصمة.
39 هيفاء ذويب، "المواطن والانتخابات البلدية: في جدلية المشاركة والعزوف"، موقع نواة، 13 آذار/مارس 2018، www.nawaat.org/portail/2018/01/05/المواطن-والانتخابات-البلدية-في-جدلية/
40 نقاش أجراه أحد المؤلّفين مع أعضاء من المجتمع المدني التونسي، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
41 “Combining Art and Data to Support Tunisia’s First Municipal Elections,” Democracy International, October 23, 2017, http://democracyinternational.tumblr.com/post/166712501972/combining-art-and-data-to-support-tunisias-first.
42 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع ناشط من المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، سيدي بوزيد، تونس.
43 نقاش أجراه أحد المؤلّفين مع أعضاء من المجتمع المدني التونسي، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
44 Bardhan, “Decentralization of Governance and Development.”
45 Ayee, “The Adjustment of Central Bodies to Decentralization.”
46 Hilton Root, Anh Pham, and Anne Spahr, “Policy Challenges of Decentralizationin Tunisia,” USAID, December 18, 2016.
47 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع مسؤول في وزارة الشؤون المحلية والبيئة، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
48 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع مندوب من سيدي بوزيد، شباط/فبراير 2018.
49 Nadia Dejoui, “Municipales, entre mythologie et pragmatism” [Municipals, between myth and pragmatism], Le Economiste Maghrébin, February 26, 2018, https://www.leconomistemaghrebin.com/2018/02/26/municipales-entre-mythologie-et-pragmatisme/.
50 المصدر السابق.
51 Ayee, “The Adjustment of Central Bodies to Decentralization.”
52 Kent Eaton, “Risky Business: Decentralization From Above in Chile and Uruguay,” Comparative Politics 37, no. 1 (October 2004): 1–22.
53 الدستور التونسي متوافر على الرابط التالي: "تونس 2014"، Constitute، https://constituteproject.org/constitution/Tunisia_2014?lang=ar
54 المصدر السابق.
55 نقاش أجراه أحد المؤلّفين مع أعضاء من المجتمع المدني التونسي، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
56 صوتت قوات الأمن في 29 نيسان/أبريل، وأدلت فئات المجتمع الأخرى بأصواتها في 6 أيار/مايو. كان من المقرر أساساً إجراء الانتخابات في تشرين الأول/أكتوبر 2016، لكن تم تأجيلها إلى آذار/مارس 2017، ومن ثم إلى كانون الأول/ديسمبر 2017، ومرة أخرى إلى آذار/مارس 2018 وأخيراً إلى أيار/مايو 2018، بسبب مجموعة متنوعة من العوامل اللوجستية والسياسية.
57 نقاش أجراه أحد المؤلّفين مع أعضاء من المجتمع المدني التونسي، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
58 حوار مع ناشط من المجتمع المدني التونسي، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
59 Hela Yousfi, “Redessiner les relations Etat/collectivités locales en Tunisie : enjeux socio-culturels et institutionnels du projet de décentralisation.” [Redefining state-local relations in Tunisia: socio-cultural and institutional issues of the decentralization project.], Papiers de Recherché AFD, no. 2017–47, June 2017.
60> المصدر السابق.
61 المصدر السابق.
62 Deborah Kimble, Jamie Boex, and Ginka Kapitanova, “Making Decentralization Work in Developing Countries: Transforming Local Government Entities Into High-Performing Local Government Organizations,” Center on International Development and Governance, Urban Institute, November 2012.
63 “Institutional Development and Transition: Decentralization in the Course ofPolitical Transformation,” United Nations Economic and Social Commission forWestern Asia, October 22, 2013.
64 Arun Agrawal and Jesse Ribot, “Accountability in Decentralization: A FrameworkWith South Asian and West African Cases,” Journal of Developing Areas 33, no. 4(Summer 1999) : 473–502.
65 Yousfi, “Redessiner les relations Etat/collectivités locales en Tunisie.”
66 المصدر السابق.
67 Bardhan, “Decentralization of Governance and Development”; Daniel Triesman,“Decentralization and the Quality of Government” (draft paper), November 20, 2000.
68 Kolstad and Fjeldstad, “Decentralization and Corruption.”
69 المصدر السابق.
70 Vito Tanzi, “Pitfalls on the Road to Fiscal Decentralization,” Carnegie Endowment for International Peace, April 2001.
71 Kolstad and Fjeldstad, “Decentralization and Corruption.”
72 “Un meilleur contrôle pour une meilleure gouvernance locale en Tunisie : Le contrôle des finances publiques au niveau local.” [Better control for better local governance in Tunisia: Public financial control at the local level.], Organization for Economic Cooperation and Development, 2016.
73 “Democratic Decentralization Programming Handbook,” USAID, June 2009.
74 Kimble, Boex, and Kapitanova, “Making Decentralization Work in Developing Countries.”
75 Intissar Kherigi, “How to Make Local Government in Tunisia More Accountable,” Jasmine Foundation, June 2016.
76 "مشروع قانون أساسي عدد 2017/48 يتعلق بمجلة الجماعات المحلية"، مرصد مجلس، https://majles.marsad.tn/2014/lois/591dbe75cf4412226ec753d9
77 المصدر السابق.
78 المصدر السابق.
79 المصدر السابق.
80 Intisar Kherigi, “Local Elections in Tunisia: The Last Hope for Real Change,”Middle East Eye, October 6, 2017.
81 "الحكومة والرفع من الميزانية المرصودة للبلديات"، جريدة المغرب، 29 آذار/مارس 2018، www.ar.lemaghreb.tn/سياسة/المغرب-اليوم/item/26839-الحكومة-والرفع-من-الميزانية-المرصودة-للبلديات
82 Abderrazak Zouari, “White Paper on Decentralization” [in French], Government of Tunisia, November 2011.
83 Feruglio and Anderson, “Fiscal Decentralization: An Overview.”
84 المصدر السابق.
85 Remy Prud’homme, “The Dangers of Decentralization,” World Bank Research Observer 10, no. 2 (August 1995): 201–20.
المصدر السابق.
87 Root, Pham, and Spahr, “Policy Challenges of Decentralization in Tunisia.”
88 "آفاق جديدة للحكومات المحلية في تونس"، البنك الدولي، 20 تشرين الأول/أكتوبر 2015، http://www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2015/10/19/a-new-horizon-for-local-governments-in-tunisia
89 Frédéric Volpi, Fabio Merone, and Chiara Loschi, “Local (R)evolutions in Tunisia, 2011–2014: Reconstructing Municipal Political Authority,” Middle East Journal 70, no 3 (Summer 2016): 365–81.
90 Root, Pham, and Spahr, “Policy Challenges of Decentralization in Tunisia.”
91 حوار أجراه أحد المؤلّفين مع باحث تونسي، آذار/مارس 2018.
92 Prud’homme, “The Dangers of Decentralization.”
93 "مشروع قانون أساسي عدد 2017/48 يتعلق بمجلة الجماعات المحلية"، مرصد مجلس، https://majles.marsad.tn/2014/lois/591dbe75cf4412226ec753d9/chroniques
94 Kherigi, “How to Make Local Government in Tunisia More Accountable.”
95 “Participatory Budgeting in Tunisia: Seizing Opportunities for Municipal Civic Engagement,” Tadamun, March 29, 2016, http://www.tadamun.co/2016/03/29/participatory-budgeting-tunisia-seizing-opportunities-municipal-civic-engagement/?lang=en#.WutuV4gvyUk.
96 المصدر السابق.
97 “Democratic Decentralization Programming Handbook,” USAID.
98محادثة أجراها أحد المؤلّفين مع انتصار خريجي، آذار/مارس 2018، عبر البريد الإلكتروني.
99 Kherigi, “How to Make Local Government in Tunisia More Accountable.”
100 الموقع الإلكتروني لـ"مرصد بلدية"، http://baladia.marsad.tn/fr/page/about
101 الموقع الإلكتروني للانتخابات التونسية، http://www.tunisieelections.org/about
102 “Rapport Final sur l’état des lieux des centres de santé de base” [Final report on the state of basic health centers], Mourakiboun, January 2017.
103 الموقع الإلكتروني لـ"برّ الأمان"، http://news.barralaman.tn/apropos/
104 Yousfi, “Redessiner les relations Etat/collectivités locales en Tunisie.”
105 المصدر السابق.
106 Leo Siebert, “Civic Education in Sidi Bouzid on the Anniversary of Mohamed Bouazizi,” International Republic Institute, February 6, 2018.
107 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع ناشط من المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، سيدي بوزيد، تونس.
108 المصدر السابق.
109 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع ناشط من المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
110 مقابلة أجراها أحد المؤلّفين مع ناشط من المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، كسرى، تونس.
111 مقابلة أجراها المؤلّفان مع ناشطين في المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
112 الفصل 139 من الدستور التونسي، "تونس 2014"، https://www.constituteproject.org/constitution/Tunisia_2014.pdf?lang=ar
113 مقابلة أجراها المؤلّفان مع ناشطين في المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
114 Ronald W. Johnson and Henry P. Minis, Jr., “Toward Democratic Decentralization: Approaches to Promoting Good Governance,” Research Triangle Institute, 1996.
115 Henry P. Minis, Jr., “Recommendations for a Citizen Participation Program,” USAID, March 1997, https://pdf.usaid.gov/pdf_docs/Pnacd966.pdf.
116 Yousfi, “Redessiner les relations Etat/collectivités locales en Tunisie.”
117 مقابلة أجراها المؤلّفان مع ناشطين في المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
118 مقابلة أجراها المؤلّفان مع نائب في البرلمان التونسي، شباط/فبراير 2018، تونس العاصمة، تونس.
119 مقابلة أجراها المؤلّفان مع ناشط في المجتمع المدني، شباط/فبراير 2018، سيدي بوزيد، تونس.
120 "بوابة الجماعات المحلية"، وزارة الشؤون المحلية والبيئة، http://www.collectiviteslocales.gov.tn/ar/
121 المصدر السابق.
122 "الشفافية والمساءلة: مفاتيح نجاح اللامركزية في تونس"، البنك الدولي، 15 أيلول/سبتمبر 2016، http://www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2016/09/09/transparency-and-accountability-keys-to-tunisia-s-decentralization-success
123 المصدر السابق.
124 كذلك، طلب المؤلّفان مراراً الحصول على نسخة من خطة الـ27 عاماً من وزارة الشؤون المحلية والبيئة، لكنهما لم يلقيا ردّاً.
125 Root, Pham, and Spahr, “Policy Challenges of Decentralization in Tunisia.”