المصدر: Getty

إشعال الصراعات في الشرق الأوسط - أو إخماد النيران

أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، لا يتم تعريف الشرق الأوسط بالعلاقات التجارية، أو التفاعل الدبلوماسي، أو المُنظمات الإقليمية وحسب، بل بالقوة الصارمة والقدرة العسكرية.

نشرت في ٢١ يناير ٢٠١٩

إشعال الصراعات في الشرق الأوسط - أو إخماد النيران

بيري كاماك وميشيل دنّ

مقدّمة

لا يتم تعريف الشرق الأوسط، أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، بالعلاقات التجارية، أو التفاعل الدبلوماسي، أو المُنظمات الإقليمية وحسب، بل بالقوة الصارمة والقدرة العسكرية. هكذا كان الحال في تاريخ المنطقة الحديث، وسيبقى كذلك في المستقبل المنظور. لكن، مع ذلك، لم يشهد الشرق الأوسط منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية قبل قرن من الزمان مايشهده الآن من تشنّج واضطراب إقليمي وصراع داخلي.

في غمرة هذا التداعي في النظام الإقليمي، تبدو الحروب الأهلية المتواصلة، وبخاصة في سورية واليمن، وكذلك في ليبيا والعراق، قضايا مستعصية على الحل. وتُعتبر الصراعات الإقليمية على النفوذ، مثل المنافسة بين المملكة العربية السعودية وإيران، على نطاق واسع، من العوامل التي تزيد الأمر تعقيداً. ومع أن هذه المنافسات عظيمة الأهمية بالفعل، إلا أن الديناميكيات الأوسع قد أطالت أمد هذه النزاعات وجعلتها أكثر قبحاً.

تضافرت أربعة عوامل، بشكل خاص، على تصعيد هذه الصراعات وإدامتها. الأول هو أن توازن القوى الإقليمي بدأ يشوبه الغموض والتقلّب في أعقاب انتفاضات العام 2011 وبفعل الغزو الأميركي للعراق في العام 2003.

العامل الثاني هو أن النزاعات المحلية أصبحت المسرح الذي تدور عليه المنافسات الإقليمية المتواصلة على هيئة صراعات أوسع نطاقاً وأشدّ فتكاً. أما الثالث، فهو أن توريد السلاح إلى المنطقة تعاظم بصورة حادة، وهي صفقات التي تتنافس فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بصورة نشطة. والعامل الرابع هو أن الشرق الأوسط يعاني من شحٍّ ملموس في معايير الحرب وآليات فضّ النزاع، بالمقارنة مع مناطق العالم الأخرى. وكان من نتائج ذلك أن المنطقة تحوّلت بجميع بقاعها إلى وكر دبابير من التدخّلات العسكرية.

يمثّل تذليل هذه العوامل مهمة عسيرة لراسمي السياسات الإقليميين والدوليين. فالمرجّح، حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، أن التقدم في مجال التهدئة وإعادة الاستقرار سيكون تدريجياً، وبطيئاً، ومتقطّعاً. ومع ذلك، في وسع الفاعلين الإقليميين والدوليين أن يستقرئوا بعض الخطوات العينية الملموسة للتخفيف من مخاطر هذه العوامل المؤدية إلى تصعيد النزاع. بالإضافة إلى هذه العوامل، ينبغي النظر كذلك إلى الخصائص المميزة لكل هذه النزاعات ومصالح الأطراف المتدخّلة، والتي سيجري التعامل معها في نهاية هذا الفصل من خلال سلسلة من التساؤلات والإجابات التي سيطرحها خبراء من البلدان التي تغطيها النقاشات.

مُصَعِّدات الصراع (1): الديناميكيات المتحرّكة للقوى الإقليمية

كان من تداعيات الاضطرابات التي أعقبت الربيع العربي العام 2011 وضعية توزّع القوى الإقليمية. فالبلدان التي كانت في الماضي تعتبر معاقل سلطوية إقليمية، مثل تونس في عهد زين الدين بن علي، ومصر في عهد حسني مبارك، وسورية في عهد بشار الأسد، وليبيا في عهد معمر القذافي، لم تكن أكثر من أصداف هشة تداعت في غمرة الفوران أو الصراع الداخلي. فواشنطن، التي كانت تعاني من الندوب التي خلفتها غزواتها للشرق الأوسط بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر، لم تكن قادرة – أو راغبة – في إدامة النظام الإقليمي السائد. وكان الدور الذي لعبته إدارة الرئيسين الأميركيين باراك أوباما ودونالد ترامب على التوالي أقل تأثيراً من أدوار الرؤساء السابقين في محاولة التوسّط في تلك النزاعات؛ كما أنهما انتهجا تجاه اسرائيل وإيران على التوالي سياسات اعتبرتها البلدان العربية مثيرة للفزع من وجوه عدّة.

كانت إيران، وحزب الله، وسورية قد أرست منذ أمد بعيد، "محور ممانعة" يجمعه العداء لإسرائيل ويعارض نظام الأمن الإقليمي الذي تتزعّمه الولايات المتحدة. لم يكن لإيران إلا ارتباط طفيف بالمرحلة الأولى من الفوران في سورية واليمن، غير أنها سعت بالتأكيد إلى الإفادة من التصدّع المؤسّسي والانشقاقات الطائفية اللاحقة. وأثارت هذه التطورات فزع إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة التي كانت مخاوفها من تلك المخاطر تتقارب وتتقاطع بصورة مطّردة خلال السنوات الأخيرة.

غير أن سلوكيات هاتين القوتين العالميتين – الولايات المتحدة وروسيا – هي التي عززت التلاحم بين هذه التحالفات الوليدة وحوّلتها إلى ما يشبه الكتل الإقليمية. ذلك أن تدخّل روسيا العسكري في أيلول/سبتمبر 2015 لنصرة حكومة الأسد أدخلها في شراكة عسكرية مع إيران، وسورية، وحزب الله.1 وحاولت إدارة أوباما أن تركب موجة الانقسامات الإقليمية، مع مواصلة التعاون مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتفاوض في الوقت نفسه حول خطة العمل الشاملة في مايتعلق ببرنامج إيران النووي. غير أن الكتلة المعادية لإيران ازدادت قوة بعد عجز الإدارة عن ترجمة هذه الخطة إلى أسلوب عمل جديد مع إيران حول أنشطتها الإقليمية، التي تزامنت مع وصول إدارة ترامب الصقورية إلى السلطة وانسحابها من خطة العمل المشتركة في أيار/مايو 2018.

تنطوي كل من هذه الكتل على تناقضات داخلية. فسورية هي نقطة الارتكاز للتعاون الروسي الإيراني، إلا أن روسيا تحاول العمل من خلال المؤسسة العسكرية السورية غير الطائفية، اسمياً، بينما تستخدم إيران الميليشيات الطائفية التي تقوّض تماسك الدولة. كما أن رد فعل روسيا الخافت على الغارات الجوية الإسرائيلية واسعة النطاق في أيار/مايو 2018 على المرافق الإيرانية داخل سورية- بالمقارنة مع احتجاجاتها المجلجلة على الضربات الجوية المحدودة، بما لا يقاس، التي قامت بها الولايات المتحدة على ما يشتبه بأنه أسلحة كيميائية قبل ذلك بشهر واحد، كان يوحي بأن روسيا لم تنزعج لخفض قدرة إيران العسكرية في سورية.

في تلك الأثناء، تبدو الكتلة التي تتزعمها الولايات المتحدة كما لو كانت حشداً بدائياً للنفور من إيران أكثر منها تحالفاً عسكرياً من النوع المتعارف عليه. وفي غياب الحديث عن دولة فلسطينية، ستظل إسرائيل تفتقر إلى علاقات دبلوماسية أساسية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

هناك تلاقح متبادل كذلك بين الكتل. فعلى الرغم من شراكتها مع إيران في سورية، حافظت روسيا على علاقات عملية مع أغلب الدول في المنطقة، ومنها شركاء الولايات المتحدة في الميدان الأمني.2 لازالت تركيا عضواً في كلٍّ من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والائتلاف الذي تتزعّمه الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتياً. غير أن العلاقات بين واشنطن وأنقره بدأت بالتأزم في الآونة الأخيرة، ويعود ذلك في جانب منه، إلى دعم الولايات المتحدة المستمر للمتمردين السوريين الكرد. كما أن تركيا اشتركت مع روسيا وإيران في عملية أستانة، التي ساندت سلسلة من اتفاقيات وقف إطلاق النار بين القوات السورية الموالية للأسد وجماعات المتمردين، مع السماح لروسيا بتوسيع نفوذها السياسي داخل سورية. وفي تلك الأثناء، واصلت المملكة العربية السعودية واتحاد الإمارات العربية مناهضتها لتركيا التي لم تؤدِّ سوى إلى نتائج عكسية لتركيا وقطر، في ميداني الإيديولوجيا وصراع القوى، ما دفع هذين الشريكين سابقاً إلى التودد لإيران.

مقابل هذه الخلفية المعقّدة، تلعب هذه المنازلات الثنائية الأربع المتنافسة: المملكة العربية السعودية – إيران، إسرائيل- إيران، الولايات المتحدة- إيران والولايات المتحدة– روسيا، دوراً حاسماً بصورة خاصة على مايبدو في تشكيل التوازن الأمني الإقليمي الجديد. ويُشار إلى أن احتمالات حل أي من هذه الصراعات ضئيلة، حيث أن بعضها يرتدي طابعاً شبه وجودي، بينما يحصد القادة في بعضها الآخر منافع سياسية. ثم، لاتبدو المصالحة بين أكثر هذه المحاور مُمكنة في المستقبل المنظور، بيد أن ثمة حاجة ملحة لاستكشاف ما إذا كان من الممكن جعل هذه المنافسة الحتمية أقل فتكاً، إذ إن ذلك قد يؤدي إلى إنقاذ بعض الدول، مثل سورية واليمن، من الدمار الشامل ويتيح الفرصة لحكومات الشرق الأوسط لتوفير الرعاية الاجتماعية والاقتصادية لمواطنيها.

يحذّر الباحثون في سياسات الأمن الدولية من المآزق الأمنية، التي تفضي فيها الخطوات التي تتخذها إحدى الدول إلى إجراءات معاكسة من خصم يشعر عندئذ بأنه غير آمن، ما يؤدي إلى سلسلة من تفاعلات تقود إلى نشوب صراع.3 ويعكس هذا المسلسل الدائري المتحرّك صورة دقيقة عن أوضاع الشرق الأوسط في الوقت الراهن. فمن الواضح تماماً للمراقبين في إسرائيل والمملكة العربية السعودية أن إيران تلعب دوراً مدمّراً لأقصى الحدود في مناطق مثل لبنان، وسورية، واليمن. ويشير المسؤولون عن الأمن في إسرائيل إلى أهمية إقامة رادع عسكري يتمتع بالمصداقية بالنظر إلى توافر عقود من العداء الإيراني.4 غير أن لهذه السلوكيات ما يبررها من المنظور الإيراني بوصفها ردّاً دفاعياً على تهديدات إسرائيل بشن غارات عسكرية، وعلى المرافق العسكرية التي أقامتها الولايات المتحدة على مرمى حجر من الحدود الإيرانية.5

أعلنت إدارة ترامب مؤخراً عن جهود ترمي إلى إقامة تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط يضم بلدان مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن.6 ومع أن احتمالات النجاح تبدو ضئيلة، نظراً إلى الانشقاقات العربية وما آلت إليه مبادرات سابقة، سيعود هذا التحالف بالفائدة بالتأكيد على أعضائه في مجال تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني.

بالمقارنة مع جميع المناطق الجغرافية الأخرى تقريباً في العالم، يعاني الشرق الأوسط من الافتقار إلى آليات حل النزاعات الإقليمية والبروتوكولات الدبلوماسية التي قد تضيّق من نطاق النزاع الإقليمي. لقد عُرِّفت الحرب الباردة بأنها تمثّل العداء بين حلف الناتو وحلف وارسو، غير أن الطرفين شعرا على نحو مطّرد بالحاجة إلى وضع آليات مؤسسية شاملة لتخفيف التوتر. واجتمع كل الرؤساء الأميركيين، من دوايت دي آيزنهاور إلى جورج دبيلو بوش مع نظرائهم السوفييت. وفي اللحظات الأكثر توترا، اكتسبت قنوات الاتصال الأميركية- السوفيتية على أعلى المستويات أهمية خاصة. ومع مرور الوقت، أُنشئ عدد من المؤسسات لتعزيز الإجراءات الرامية إلى بناء الثقة والارتقاء بمستوى الشفافية، ومنها "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، والاتفاقيات المتتالية لضبط التسلح، وبعدها "اتفاقية الأجواء المفتوحة"، التي تسمح برحلات طائرات المراقبة غير المسلحة بالتحليق في أجواء البلدان الموقّعة على الاتفاقية، لتعزيز المكاشفة في مايتعلق بالسلاح العسكري والنووي.

إن غياب مايشبه هذه الآليات أو المنظمات، ولاسيما في فترة انتشار النزاعات العسكرية، يؤدي إلى تفاقم المآزق الأمنية من اتجاهات متعددة، وفي هذه الحالة فإن الخطوات التي تعتبرها إحدى الدول ضرورية للمحافظة على أمنها– مثل التدخّل العسكري، وتشكيل تحالفات وما إلى ذلك- ستكون مصدراً للتهديد في نظر دولة أخرى منافسة لها. وخلال الجهود الرامية إلى إحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين في تسعينيات القرن الفائت، جرت محاولات لإقامة آليات للتواصل والتعاون الإقليمي. فقد شكّل المشاركون في مؤتمر مدريد العام 1991 خمس لجان عمل متعددة الأطراف لمواجهة التحديات الإقليمية، يضم كلٌّ منها إسرائيل ومجموعة من الدول العربية. وكانت المجموعة الرئيسة هي التي تعالج "ضبط التسلح والأمن الإقليمي"، وكان ذلك يمثّل الخطوة الأولى لبلورة إطار نظامي متعدد الأطراف لمعالجة قضايا الأمن الإقليمي. وعقدت بحضور جميع الأعضاء ست جولات استضافتها الولايات المتحدة وإسبانيا بصورة مشتركة، وحددت المعالم الأساسية لسلسلة من الترتيبات قبل توقف لجنة العمل تدريجياً بحلول العام 1995 في ظل تصاعد العداوات الإقليمية وتحديات التنفيذ. ومع أن جميع لجان العمل تلك قد قضت منذ عهد بعيد، فإن واحدة وحسب من نتائجها الملموسة لازالت قائمة؛ وهي "مركز بحوث تحلية المياه في الشرق الأوسط في سلطنة عُمان"، الذي أُنشئ العام 1995. ويقوم المركز بدراسة قضايا المياه العابرة للحدود ومشروعات التنمية، ويضم في عضويته إسرائيل والأردن وعُمان وفلسطين وقطر، بالإضافة إلى دول أوروبية عدة.

توصيات السياسة العامة

من المرجّح أن عدم الاستقرار سيستمر في الشرق الأوسط طالما استمر تأجج الصراعات الداخلية. ويبدو أن بناء الثقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وإيران مستحيل في الوقت الحاضر. غير أن الهدف الأقرب إلى التحقيق هو دعم الفاعلين الإقليميين والدوليين لاتخاذ ترتيبات لإدارة هذه الصراعات على نحو أفضل، لتقليص احتمالات تصعيد الصراع على المستوى الإقليمي. وفي هذه الحالة، لن يحقّق أي طرف أية فائدة. بل إن تأسيس آليات لتبادل المعلومات يمكن أن يخفّف من احتمالات سوء التقدير أو الحساب وقد يوفّر طرقاً جانبية لتخفيض حدة الأزمات عند وقوعها. وقد تتضمن التدابير التي يمكن النظر فيها مايلي:

  • الترتيبات الثنائية: إن المدركات الشعبية تعرض الاتصالات الدبلوماسية أحياناً بصورة كاريكاتورية باعتبارها دليلاً على الضعف. لكن، إذا كانت الاتصالات الدبلوماسية الروتينية مع الشركاء على جانب من الأهمية، فإن الاتصالات الدبلوماسية المتبادلة مع الخصوم قد تكون أكثر أهمية. ويولّد التحيّز ضد التواصل بين الخصوم في الشرق الأوسط نتائج عكسية، وقد يكون السير في الاتجاه المعاكس واحداً من المكونات المهمة في خلق بيئة إقليمية أقل اضطراباً. وفي وسع واضعي السياسات أن ينظروا في إمكانيات عدة– مثل إعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران؛ والسماح للدبلوماسيين العرب من الدول التي لم تعترف بإسرائيل بالاجتماع بهدوء مع نظرائهم الإسرائيليين على أرض محايدة؛ وإعادة فتح القنوات الدبلوماسية التي افتتحت خلال إدارة أوباما بين الولايات المتحدة وإيران. ومع أنه من غير المرجّح أن تسفر هذه الخطوات عن أي اختراقات سريعة، إلا أنها قد تضيّق احتمالات المزيد من التصعيد عند نشوب الأزمات.
  • التدابير متعدّدة الأطراف: ينبغي على الولايات المتحدة والفاعلين الإقليميين والدوليين الآخرين، حتى مع استمرار ترامب في جهوده الرامية إلى إقامة تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط، أن تبذل جهوداً موازية لتوسيع الآليات والمنتديات للحوار حول القضايا الإقليمية الملحّة. وقد تنشأ في المستقبل منظمة في الشرق الأوسط تلعب الدور الذي لعبته منظمة الأمن والتعاون في أوروبا خلال الحرب الباردة، الأمر الذي سيزيد من مستوى الشفافية حول قضايا عدم انتشار الأسلحة والقضايا العسكرية. غير أن سجل لجنة "ضبط التسلح والأمن الإقليمي" يوضح طبيعة العوائق التي تحول دون النجاح. وثمة تدابير أخرى متعددة الأطراف وأقل طموحاً قد تحذو حذو النموذج الذي طرحه "مركز بحوث تحلية المياه"، وتركز على تحديات ملحة لا علاقة لها بالناحية الأمنية مثل تغيّر المناخ، والاستعداد لمواجهة الكوارث والأوبئة، والزلازل. وحيث إن الاستجابات على المستوى الوطني لهذه المشاكل تكون أكثر فعالية بما لا يُقاس مع زيادة التعاون الدولي، فقد تتوفّر للحكومات الحوافز اللازمة لإقامة ملتقيات للمهنيين مثل علماء الوبائيات، وعلماء الزلازل، أو أوائل المستجيبين، لتبادل المعلومات والخبرات أو الممارسات الفضلى.
  • دعم الدول المحايدة: سعت بعض الدول، وفي مقدمتها الكويت، وعُمان، وتونس، والسلطة الفلسطينية، ومؤخّراً العراق، إلى رسم مسارات مستقلة لنفسها في الفضاء الإقليمي الحافل بالاضطراب في الآونة الأخيرة. لكن الضغوط تتعاظم عليها للانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك مع تدويل المنازعات وتصلّب الكتل الإقليمية. وقد فرضت المملكة العربية السعودية ضغوطاً كبيرة على البلدان العربية الأصغر لمساندة سياساتها تجاه اليمن وقطر، بينما ضغطت إيران على العراق لدعم سياساتها في سورية. غير أن الحياد يؤدي دوراً محتملاً مهمّاً في المنطقة، كحاجز جيو-استراتيجي لمقاومة الضغوط، أو كوسيط محتمل للتدخّل لإصلاح ذات البين في المستقبل. وسيكون من باب الحكمة أن يدعم اللاعبون الإقليميون والدوليون استقلال هذه الدول.
  • المسار الثاني: إن لدبلوماسية "المسار الثاني" (التي تشمل استخدام قنوات خلفية للتواصل بين مواطنين في القطاع الخاص يتصرّفون على أساس غير رسمي) تاريخاً عريقاً في الشرق الأوسط. ومع أن النتائج قد تكون متفاوتة، فإن الاختراقات الدبلوماسية – مثل اتفاقيات أوسلو للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين العام 1995، واتفاقية "خطة العمل الشاملة المشتركة" العام 2015 بين إيران والدول 5+1 (أي الصين، وفرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، زائد ألمانيا)- غالباً ما تعتمد على خبرات غنية في ميدان الاتصالات غير النظامية والمفاوضات غير الرسمية. وينبغي على الفاعلين الدوليين، وبخاصة في الأوقات التي تبدو فيها إمكانيات الدبلوماسية الرسمية محدودة، أن يدعموا جهود "المسار الثاني" وعلى جميع الخطوط في نزاع الشرق الأوسط لإتاحة المجال للمشاركين المؤثرين أن يستكشفوا الآفاق البديلة في المستقبل. ونظراً إلى ارتفاع مستوى النزعات الطائفية والراديكالية الجذرية، من الضروري إشراك المزيد من الزعماء الدينيين والشباب في هذه المساعي.

مُصَعِّدات الصراع (2): انتشار التدخّلات الخارجية

تعود ثلاث من الحروب الأهلية الأربع في المنطقة – في ليبيا، وسورية، واليمن – إلى أصول محلية منذ العام 2011، بينما ترتبط الحرب الأهلية العراقية ارتباطاً لا فكاك منه بالغزو الذي تزعمه الأميركيون في 2003. ومع أن لكل نزاع خصائصه الفريدة المتميّزة، فإن ثمة مكونات مشتركة في الحالات الأربع: الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية الآيلة للسقوط، والريعية الفاسدة، والنزعة السلطوية المتوحشة (انظر الفصلين في هذا التقرير عن الاقتصاد السياسي والحوكمة في الدول العربية). ومع مرور الوقت، استفحل كل واحد من هذه النزاعات وغدا إقليمياً ودولياً في الوقت نفسه.

وبصرف النظر عما إذا كان فك ارتباط الولايات المتحدة بالشرق الأوسط يمثّل خطأ فاضحاً، أو تعديلاً لمسار، أو ضرورة مالية، حاولت القوى الإقليمية والدولية ملء الفراغ الناجم عن ذلك. ففي جميع أرجاء المنطقة، تتدخّل الدول الآن في شؤون جاراتها بمعدلات غير مسبوقة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وقد تحرّك شركاء الولايات المتحدة ومنافسوها على حد سواء لحصد أدوار أعظم لأنفسهم في المنطقة. إن الصراعات في ليبيا وسورية واليمن لازالت مستمرة لأن القادة المحليين، شأنهم شأن شركائهم الدوليين، يعتقدون أن في وسعهم تحقيق أهدافهم الاستراتيجية من خلال انتصارات عسكرية تتعادل فيها المكاسب والخسائر للطرفين كليهما. غير أنهم قد يكونون على خطأ في هذا الاعتقاد، كما أثبتت معاناة الولايات المتحدة التي استمرت خمس عشرة سنة في العراق. ففي العام 2003، أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين في أقل من ثلاثة أسابيع. غير أن انتصار الولايات المتحدة العسكري المدوّي، مهّد السبيل لاحتلال عسكري استمر نحو عقد كامل، ولتحول في أصوات الناخبين في الولايات المتحدة ضد تلك التدخّلات، ما أسفر عن التقوّض التدريجي "للسلام الأميركي" في الشرق الأوسط. ومع أن الولايات المتحدة لازالت القوة العسكرية التي لا تقارَع في المنطقة، واجهت واشنطن في السنوات الأخيرة صعوبة في خدمة مصالحها، بل حتى في تحديدها أحياناً، كما فشلت محاولاتها لتحويل قدرتها العسكرية إلى إنجازات سياسية دائمة في الشرق الأوسط.

تشير الدلائل المبكّرة إلى أن هذه الدول التي تتدخّل الآن في الصراعات الإقليمية، خصوصاً عندما ترمي إلى بلوغ أهداف سياسية عريضة، لا مجرّد غايات دفاعية، قد تشهد نتائج مماثلة. فقد حمت إيران، بل خدمت، مصالحها الأمنية في سورية عن طريق تدخّل عسكري وحشي، بالتعاون مع روسيا، ساعد في تشديد قبضة حكومة الأسد على مقاليد السلطة على حساب تضحيات بشرية مفزعة. كما حافظت إيران على الجسر البري الذي يربطها بحزب الله، ووسّعت نفوذها على الأرض ليصل إلى عتبة إسرائيل في مرتفعات الجولان. غير أن سورية ربما تصدعت الآن بحيث يتعذّر إصلاحها، كما أن ثمة انشقاقات في إيران التي لايبدو أن جماهيرها راضية عن تجربتها، كما الجماهير الأميركية قبل عقد من الزمن. ومن الحوافز الدائمة للتململ الشعبي الذي استبد بالإيرانيين منذ كانون الأول/ديسمبر 2017 السخط المتعاظم على ما قد يعادل العشرين مليار دولار التي أنفقت لدعم الأسد عسكرياً واقتصادياً.7 وهذا المبلغ لا يشمل المبالغ الأقل التي أنفقت على الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والجماعات الإرهابية الأخرى في العراق، وفلسطين، وسورية وغيرها. وفي تلك الأثناء، تسبّب التضخم الكاسح ومعدلات البطالة العالية في اختلالات اقتصادية كبيرة في البلاد.

في اليمن، حقق التحالف الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية ضد المتمردين الحوثيين بعض المكاسب المرحلية البطيئة منذ العام 2015. غير أن النصر الحاسم لازال يراوغ ويلوح ويختفي. وقد استُعيدت تحت إمرة الحكومة، اسمياً، مدناً عدة، منها عدن ومُخا والمكلّا وتعز، غير أن القوات الموالية للحكومة لازالت تحاول فرض السيطرة عليها. وكانت المحصلة هي شرذمة اليمن التدريجية البطيئة التي تزامنت مع انهيار كارثي في الأوضاع الإنسانية. ومن الصعب أن نستشف النهاية بعد نحو أربع سنوات من الحملة.
ميزانية الدفاع في المملكة العربية السعودية مثلها مثل إيران، سرّية، غير أن نفقاتها في اليمن قُدِّرَت بما يتراوح بين 3 مليارات و5 مليارات دولار شهريا.8 وإذا نظرنا إلى ما حققته إيران والمملكة العربية السعودية من أهداف في سورية واليمن على التوالي، فإن تلك لن تكون بالتأكيد أكثر من انتصارات فادحة الكلفة.

لايعني كل ذلك أن ثمة إجابات سهلة عما إذا كان من الممكن اعتبار التدخّلات الخارجية في النزاعات المحلية مبرَّرة أو ناجحة. ويسود الاعتقاد على نطاق واسع أن التدخّل العسكري الأميركي في العراق العام 2003 قد خلّف مشاكل محلية وإقليمية هائلة في الشرق الأوسط، واضطرابات سياسية داخلية في الولايات المتحدة كذلك. غير أن التدخّل الذي تزعمته الولايات المتحدة العام 1991 لدحر الغزو العراقي للكويت يُعتبر على العموم مبرَّراً وناجحاً. ويعود ذلك، في جانب منه، إلى أن أهدافه العسكرية كانت محدودة.

في المقابل، لم يُعرف بعد رأي المحليين حول مآلات تدخّل الناتو في ليبيا والتدخّل المعادي للدولة الإسلامية في سورية والعراق. ويعود ذلك جزئياً إلى أن النتائج النهائية غير معروفة حتى الآن. فهل كان التدخّل في ليبيا يمثّل انتهاكاً للحقوق الإنسانية، وزعزعة الاستقرار البلاد، وتمهيداً لسبيل الجهاديين؟ أم أنه أنقذ الليبيين من مذبحة مدنية كبرى مماثلة لما حدث في سورية؟ وفي ما يتعلق بسورية، هل كان من الحكمة أن تبقي الولايات المتحدة نفسها خارج نزاع محلي وتقصر أهدافها على إلحاق الهزيمة بمنظمة إرهابية دولية؟ أو هل قوّضت بذلك الأعراف الدولية عندما تجاهلت الوحشية الرهيبة ومهّدت الطريق لتعزيز النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة؟ بل هل لازال قرار الولايات المتحدة بإبقاء وجودها العسكري في شرقي سورية ضرورياً ولا نهاية له للحيلولة دون حدوث فراغ خطير للقوى في المنطقة، أما أنها بدأت بالانزلاق تدريجيا إلى تدخّل مفتوح يفتقر إلى أهداف قابلة للتحقيق؟

لابد لكل حرب أن تنتهي. لكن عندما تنتهي الصراعات المدنية بتسويات سياسية لا بانتصارات عسكرية مؤكّدة، فمن المرجح أن يشكك المتحاربون بإمكانية احترام هذه الاتفاقيات والالتزام بها، ما لم تكن مصحوبة بشكل من آليات التنفيذ الدولية. من هنا، فحتى عند التوصل إلى تسويات سياسية للنزاعات في الشرق الأوسط،9 يُستبعد أن تتكلّل بالنجاح ما لم تعزّزها قوة لحفظ السلام.

وهنا تبرز إمكانية أن تنطوي تسويات النزاعات الحالية في المستقبل على الشرارات التي قد تتسبب في نشوب نزاعات جديدة وظهور متحاربين جدد. ويصدق ذلك بصورة خاصة على سورية، حيث يمكن أن نتصوّر نشوء نزاعات جانبية من اتجاهات عديدة، تواجهها تدخّلات عسكرية مستمرة من جانب إيران وإسرائيل وتركيا والولايات المتحدة وحزب الله.

توصيات السياسة العامة

تواجه الجيوش في المجتمعات السلطوية التي لاتخضع فيها الحكومات إلى المساءلة من جانب المواطنين، تقييدات أقل على إدارة شؤون الحرب مما تواجهه الجيوش في المجتمعات الديمقراطية. من هنا، قد يتطلّب خفض مستوى التدخّلات الدولية من المواطنين العرب، على المدى الطويل، أن يلعبوا دوراً أكبر في حوكمة مجتمعاتهم. وقد غدت الولايات المتحدة وأوروبا، اللتان عانتا من تجارب سابقة ومن نتائجها السياسية المحلية، أكثر حذراً، بينما تجدّدت ثقة الروس في النزعة التدخّلية. وعلى كل حال، ثمة خطوات قد تحدّ مع مرور الوقت من إضفاء نزعة إقليمية على نزاعات الشرق الأوسط.

  • المزيد من التدخّلات الأضيق نطاقاً: إذا شعر القادة الإقليميون بأن عليهم الاستمرار في التدخّل في الشرق الأوسط، فلابد أن يدركوا أن من صالحهم أن يقوموا بذلك بطريقة أضيق نطاقاً. وعند النظر إلى تدخّل الولايات المتحدة في العراق، وروسيا وإيران في سورية، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية في اليمن، يتبيّن لنا أن التدخّلات في الشرق الأوسط تميل إلى أن تبدأ كعمليات عسكرية قصيرة الأمد وذات أهداف عسكرية محدودة، ونتطور بعدها إلى التزامات مفتوحة ذات أهداف سياسية أعرض. وقد يقتدي القادة الذين يفكرون بالتدخّل بخصائص التدخّل ضد العراق العام 1991: فقد اعتمد التدخّل عموماً على مبدأ مقبول عالمياً (يحظر استخدام القوة ضد سلامة أراضي دولة ذات سيادة)؛10 وكان له هدف محدد ومحدود (هو رد الغزاة وإعادة الحكومة الكويتية المعترف بها دولياً)؛ وتمتع بتأييد كافٍ (مع أنه غير كامل) داخل المنطقة العربية وخارجها؛ كما أن التدخّل لم يولّد فراغاً في القوة؛ وانتهى بعد أن حقق أهدافه المحدّدة.
  • التخطيط لإحلال السلام: توضح الأدبيات الأكاديمية المكثّفة، أنه ما لم تكن هناك قوة لإحلال السلام ونزع سلاح الفاعلين غير الدولتيين، فإن معدل انتكاسة التسويات المتفق عليها يكون عالياً. وبالنظر إلى ضخامة التعقيدات التي تنطوي عليها عملية حفظ السلام في البيئات القابلة لعدم الاستقرار بعد انتهاء النزاع (على افتراض أنها تشمل بقايا الميلشيات المسلحة خارج نطاق الدول والجماعات الإرهابية) فإن من الضروري إيلاء اهتمام مركّز على الكيفية التي سيتم بها تنفيذ التسوية السلمية المستقبلية وإقرارها، ومدى الحاجة، عند الضرورة، لتفعيل آليات نزع السلاح، وتسريح المجندين، وإعادة دمج الجماعات المتحاربة. وفي هذه الحالات جميعها، سيكون من المتوقع ظهور صراعات أصغر بعد النزاع بين الأحزاب والأطراف المحلية، ولابد أن تُدرج في تسويات النزاع على المستوى الوطني آليات لفض النزاعات بشكل سلمي (من خلال التنافس السياسي، والتوسط، وما إلى ذلك).

مُصَعِّدات الصراع (3): مبيعات السلاح الفلكية

بالإضافة إلى التدخّل العسكري المباشر، يتدخّل الفاعلون الخارجيون على نحو غير مباشر كذلك، عن طريق بيع السلاح والمساعدة الأمنية التي قد تبدو وسيلة جذابة للتأثير على مسارات النزاع بدون استخدام الجنود أو القيام بعمل عسكري. علاوةً على ذلك، قد تجلب مبيعات السلاح بالنسبة إلى كبار المصدّرين، مثل الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وكذلك روسيا والصين، فوائد اقتصادية مهمة، وهي غدت من الأولويات الدبلوماسية وعاملاً في تحقيق مكاسب سياسية للقادة في الدول المصدرة.

إن الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر عسكرةً في العالم ومع أنه، من الناحية العددية، يشكّل ستة في المئة من سكان العالم، ويسهم بستة في المئة فقط من الناتج الإجمالي المحلي فيه، فإنه يمثّل ما يقرب من ثلث واردات السلاح في الفترة بين عامي 2013 و2017 – أي أكثر من ضعفي وارداته بالمقارنة مع السنوات الخمس السابقة.11

إن ثلاثاً من الدول - المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة - هي من أربع دول تتصدّ، قائمة مستوردي السلاح في العالم (كما أن الجزائر والعراق يقعان في قائمة العشرة الأوائل) بين عامي 2013 و2017. وقد تدخّلت البلدان الثلاثة، عسكرياً في الدول المجاورة (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن، ومصر في ليبيا) منذ العام 2013. وكانت تركيا وإسرائيل (وهي كذلك مصدِّر مهم للسلاح) من الدول العشرين التي تتصدّر قائمة مستوردي السلاح، بينما استوردت إيران قدر أقل بكثير من السلاح ومن روسيا والصين أساساً) جرّاء العقوبات الدولية المفروضة عليها. 12

في تلك الأثناء، كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أكبر مصدّر للسلاح بين عامَي 2013 و2017، وكان نصيبها 34 في المئة من المجموع العالمي، وتلتها روسيا وفرنسا، وألمانيا والصين والمملكة المتحدة. وكانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هما المصدران الأساسيان للعربية السعودية، بينما قامت الولايات المتحدة وفرنسا بإمداد مصر والإمارات العربية المتحدة بالسلاح. وقد قلّصت ألمانيا مبيعاتها إلى البلدان العربية، مع أنها ظلت مصدِّرا أساسياً إلى إسرائيل.13

إن المذكرة الرئاسية التي أصدرها دونالد ترامب في نيسان/أبريل 2018 حول تنسيق الإجراءات الخاصة بانتقال السلاح بالطرق التقليدية، لا تنكر المزايا والفوائد الاقتصادية لتصدير السلاح؛ فالفقرة الأولى منها تشيد ﺑِ "قاعدة الصناعة الدفاعية الديناميكيكية التي تستخدم مايزيد على 1.6 مليون شخص".14 كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون روّج بنشاط مبيعات السلاح إلى الشرق الأوسط، على الرغم من تعاظم حملات النقد ضد المساوئ المحتملة المتعلقة بالتكنولوجيا التي يجري تصديرها.15

بالإضافة إلى المنافع الاقتصادية، يرى المدافعون عن تصدير السلاح في الدول الديمقراطية أن مبيعات السلاح وبرامج المساعدة الأمنية قد تساعد على إضفاء المهنية على المؤسسات العسكرية الناشئة، وقد تُولّد بذلك تأثيراً اعتدالياً على البلدان المتلقية لهذه المعونات.16 ويشدّد المسؤولون الأميركيون على الحاجة إلى الارتقاء بقدرات الدول الحليفة وتعزيز إمكانية قيامها بعمليات مشتركة مع القوات الأميركية.

لكن، هل هناك من دلائل حقّاً على أن تزايد إمداد السلاح قد ساعد على تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، أو حتى تحقيق النصر للحلفاء الرئيسين؟ من المؤسف أن وحشية الصراعات المعاصرة في الشرق الأوسط توحي بأن طوفان الأسلحة صب الزيت على النار وأطال هذه النزاعات وجعلها أشد فتكاً.

قلما تكون مبيعات السلاح إلى المتحاربين في نزاع ما عاملاً حاسماً، بل هي تستدعي بدلاً من ذلك رد فعل معاكساً من جانب الدول المعارضة، الأمر الذي سيفاقم النزاع بدل إطفائه. وهكذا، تزامنت إمدادات السلاح من الولايات المتحدة وأوروبا إلى التدخّل السعودي الإماراتي في اليمن مع تزايد دعم إيران لحلفائها الحوثيين.17 كما أن الإمدادات من الولايات المتحدة وبلدان أخرى خليجية إلى المتمردين السوريين ساعدت أول الأمر على ترجيح الكفة لصالحهم ضد الجيش السوري. غير أن هذا الدعم شجّع إيران كذلك على تصعيد مساندتها للنظام السوري، وحالما اتضح أن إدارة أوباما لن تقوم بأي عمل عسكري مباشر ضد القوات المسلحة السورية، اغتنمت روسيا الفرصة للتدخّل وإلحاق الهزيمة بهؤلاء المتمردين أنفسهم. وأدى ذلك إلى تغيير مسارات النزاع.

الأسوأ من كل ذلك أن السلاح الذي تزوّد به المؤسسات العسكرية في البلدان الهشة أو الحافلة بالفساد، قد يتسرّب ويقع بين أيدي الإرهابيين والميلشيات وفاعلين آخرين غير دولتيين. فعلى الرغم من أن الحوثيين، كما تفيد بعض التقارير، تلقّوا قذائف صاروخية إيرانية الصنع، يشمل مخزونهم من القذائف الصاروخية أسلحة روسية وكورية شمالية زوّدت أصلاً للجيش اليمني وتم الاستيلاء عليها خلال تقدم الحوثيين في العامين 2013 و2014.18 ويشير مسح شامل أجراه "مركز أبحاث التسلح خلال النزاعات" على أن 40000 من قطع السلاح التي تم الاستيلاء عليها من مقاتلي الدولة الإسلامية في سورية والعراق كانت قد أنتجت في الأصل في روسيا والعراق (وجاء كثير منها من الجيشين السوري والعراقي)، وأن 30 في المئة جاء في الأصل من الدول التي كانت أعضاء في حلف وارسو في أوروبا الشرقية. وكان ثلاثة في المئة من تلك الأسلحة و13 في المئة من الذخيرة من الأنواع المستخدمة في الناتو، ويُفترض أنه تم الاستيلاء عليها من الجيش العراقي أثناء تقدّم قوات الدولة الإسلامية العام 2014.19

في إحدى الحالات، ذكرت بعض التقارير أن أحد الأسلحة الموجّهة المضادة للدبابات صُنعت في أوروبا وبيعَت للولايات المتحدة، وزوّدت به سورية، ونقل إلى الدولة الإسلامية في العراق – حيث اكتشف. وقد جرى ذلك كله خلال شهرين بعد خروج هذا السلاح من المصنع.20 ومن سوء الحظ أن أجهزة السلاح المتقدم التي تباع للحكومات السلطوية العربية اليوم قد يستخدمها المقاتلون المتمردون في حروب المستقبل.

وماذا بشأن الحجة القائلة بأن المساعدة الأمنية ومبيعات السلاح قد تولّد تأثيرا اعتداليا على البلدان التي تتلقى هذه المعونات؟21 تشير الدلائل هنا أيضاً إلى غير ذلك. وما علينا إلا أن نأخذ على سبيل المثال، المساعدة الأمنية الأميركية لمصر، ومبيعات السلاح إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

منذ اتفاقيات كامب ديفيد العام 1978، زوّدت الولايات المتحدة مصر بما يعادل 1.3 مليار دولار من المساعدة الأمنية سنوياً، أي ما مجموعه 46 مليار دولار.22 ومع أنه كان من المؤمل أن تؤدي هذه المساعدة إلى عَصْرَنة ومَهْنَنَة المؤسسة العسكرية في مصر وتجريدها من طابعها السياسي، فإن ما حدث بالفعل كان عكس ذلك. ففي العام 2013، أطاح وزير الدفاع آنذاك (ورئيس الجمهورية الآن) عبد الفتاح السيسي بمرحلة ديمقراطية وجيزة، وتصاعدت منذئذ بصورة حادة الهيمنة العسكرية على الحياة السياسية والاقتصادية. كما تزايدت الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان، ما أسفر عن قيام عصيان في سيناء، واستفحال التطرّف في أوساط الشباب في السجون. وقد بذلت الولايات المتحدة جهودها لاستخدام ماتقدّمه من مساعدة كوسيلة لتحقيق أهداف أخرى، فقد أوقفت إدارتا أوباما وترامب جانباً من المساعدة والمعدّات جرّاء انتهاكات حقوق الإنسان المفزعة وغياب التعاون بأشكال أخرى في مصر، غير أنهما أقرّتا بالعجز واستأنفتا تقديم المعونة من دون تحقيق أي هدف بالمقابل. وبذلك فقدت تلك المساعدات جدواها الممكن كرافعة سياسية.

وقد بيّنت مراجعة لمبيعات السلاح الأميركية العام 2017 أن ما لا تقل قيمته عن 659 مليون دولار مما بيع للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من القنابل الموجّهة بالليزر والذخائر، وكذلك البنادق، قد استخدم في العمليات القتالية في اليمن.23 لكن ليس هناك ما يدل على أن الدعم الأميركي للحملة السعودية-الإمارتية سرّع تحقيق نصر عسكري للحلف (بحيث قلل فترة النزاع) أو خفض معدل الإصابات بصورة كبيرة في اليمن. كما أن أنظمة السلاح أميركية الصنع قد استهدفت حافلات المدارس، والمآتم، والمستشفيات.24 وبعد أربع سنوات من الحرب، وصف الوضع هناك بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يتضوّر ملايين اليمنيين جوعًا. وقد حظّرت ألمانيا وإسبانيا بيع السلاح للأطراف المتحاربة، وتصاعدت الضغوط في المملكة المتحدة والولايات المتحدة للتصرّف على هذا النحو، ولاسيما بعد أن كشف تقرير أصدرته الأمم المتحدة النقاب عن أن ممارسات الطرفين في النزاع ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.25

علاوةً على ذلك، تبيّنت أيضاً استحالة التعاون العملياتي البيني. فقد تعاونت الولايات المتحدة في بعض الحالات مع الجيوش العربية لتحقيق أهداف مشتركة: حدث ذلك في العام 1991 لطرد القوات العراقية من الكويت؛ وفي التدخّل في ليبيا العام 2011، وفي الحرب الأخيرة ضد الدولة الإسلامية في العراق وسورية. لكن الجيوش العربية تستخدم، بصورة متزايدة، السلاح والتكنولوجيا والتدريب الذي حصلت عليه من الغرب لتنفيذ تدخّلات لا تروق للغرب بالضرورة - مثل القوة الخليجية التي سحقت انتفاضة البحرين السلمية العام 2011، والحملة السعودية الإماراتية القائمة الآن في اليمن، والحملة المصرية الإماراتية الآن لصالح المشير خليفة حفتر في ليبيا.

توصيات السياسة العامة

  • تحديد نطاقات جديدة لبيع السلاح: ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين أن تدرس الظروف التي تزوّد فيها دول الشرق الأوسط بالسلاح، وأن تدقّق كذلك في منافسيها غير المناسبين في هذا المجال. إن مثل هذه الأسلحة تلهب الصراع في تلك البلدان وتؤدّي إلى تهديد أمنها الجماعي عن طريق الهجرة والإرهاب. وللإقلال من احتمال تسرّب الأسلحة إلى فاعلين خارج نطاق الدولة، فإن عليها تضع قيودا مشدّدة على بيع أنظمة الأسلحة المتقدمة للبلدان الهشة، لتفادي أخطار اندلاع نزاعات داخلية في المستقبل. كما أن على الولايات المتحدة وحلفائها كذلك أن تشدّد القيود على المبيعات للدول التي تمارس الإساءة الجسيمة لحقوق الإنسان ضد مواطنيها.
  • المساعي الدبلوماسية لتوسيع المعايير للحد من بيع السلاح: على الدول الغربية أن تتوصل إلى اتفاقيات مبدئية في ما بينها، وأن تنطلق من هذه المبادئ لردع مصدري السلاح الآخرين مثل روسيا والصين. وسيكون لهذه السياسات أثر محدود على البلدان التي لاتقوم بالتدخّل، مثل المغرب، وتونس، والأردن، مع أن بعض الأنظمة المتقدّمة قد تتأثر بذلك. غير أن هذه السياسات قد تحدّ من بيع السلاح لبلدان مثل العراق وليبيا (نظراً لما تمارسه من إساءة لحقوق الإنسان)، وكذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (لتورّطها في الصراع الدائر في اليمن).

مُصَعِّدات الصراع 4: الافتقار الإقليمي لمعايير النزاع

تاريخ الشرق الأوسط الحديث حافل بالصراعات، وبخاصة الحروب العربية-الإسرائيلية العديدة، التي كانت في أغلب الأحيان قصيرة الأمد، وشاركت فيها في العقود الأخيرة جهات من خارج نطاق الدولة مثل حماس وحزب الله. غير أن التدخّلات العسكرية من إحدى الدول العربية إلى دولة أخرى في هذا لم تكن شائعة نسبياً قبل العام 2011. وتشمل الاستثناءات الملحوظة في هذا المجال تدخّل مصر في اليمن بين العامين 1963 و1967، واحتلال سورية للبنان في الفترة من 1976 و2005، واحتلال العراق للكويت في 1990/1991. وكانت الحرب المدمّرة بين إيران والعراق بين العامين 1980 و1988 نزاعاً تقليدياً بين دولتين أكثر منه تدخّلاً من دولة قوية في شؤون دولة أضعف. في المقابل، تدخّلت الدول العربية وإيران عسكرياً في أربع دول أخرى (سورية واليمن وليبيا، بالإضافة إلى تدخّل وجيز لقمع انتفاضة في البحرين)، وكذلك سياسياً في بلدان أخرى (أبرزها دعم الانقلاب دعم الانقلاب العسكري في مصر العام 2013). لقد أدّى امّحاء الخطوط الفاصلة بين المدنيين والمحاربين، وغياب الإجماع الدولي حول كيفية إنهاء هذه النزاعات، إلى خلق بيئة غدت فيها الانتهاكات الفاحشة للقوانين الإنسانية الدولية أمراً شائعاً، ولاسيما في سورية واليمن، ولكن في العراق وليبيا كذلك. وتشمل هذه الإساءات، من جملة أمور أخرى، القصف العشوائي للسكان المدنيين في المراكز الحضرية، التطهير الإثني العرقي ونزوح المدنيين على نطاق واسع، والعنف الجنسي واسع الانتشار، واستخدام السلاح الكيميائي، الحرمان من الوصول إلى المساعدات الإنسانية، واستخدام التجويع كسلاح، وقصف المستشفيات والمدارس.

لم تكن معايير النزاع وآليات فض النزاعات على الإطلاق قوية في الشرق الأوسط، بالمقارنة مع مناطق أخرى. ولم تكن منظمات مثل جامعة الدول العربية (التي تأسّست العام 1945 في الأصل ردا على النزعة الكولونيالية الأوروبية ومحاولات تأسيس إسرائيل)، ومجلس التعاون الخليجي (الذي أقيم العام 1981 بعد الثورة الإيرانية والحرب الإيرانية العراقية التي تلتها) نشطة أو شاملة كالهيئات التي أقيمت في مناطق أخرى، مثل منظمة الوحدة الأفريقية، ومنظمة الدول الأميركية، أو رابطة دول جنوب شرق آسيا. وفي حين أن وثائق الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي تتضمّن الالتزامات والآليات الخاصة بالتسويات السلمية للنزاعات بين الدول الأعضاء، إلا أنها تفتقر إلى الآليات الجديرة بالثقة لغرض النتائج، مثل فرض العقوبات على الأعضاء لعدم امتثالهم إلى شروط العضوية قبل طردهم من المنظمة. كما أنها خضعت إلى حد كبير للهيمنة من جانب دولة أو دولتين في المنطقة، وغالبا ما تكون مصر أو المملكة العربية السعودية، واتحاد الإمارات العربية في الآونة الأخيرة – الأمر الذي أدى إلى إساءة التعامل مع تلك المنظمات أو التخلي عنها مع السعي لتبني أجندات محدودة وضيقة أخرى، من نوع النزاع الدبلوماسي الذي ابتدأ في العام 2017 بين المملكة العربية السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى.

من المرجّح أن تأسيس أعراف جديدة حول الصراع وتعزيز المعايير القائمة ستكون عملية طويلة، وقد تستغرق عدة أجيال، غير أنها لابد أن تكون جزءاً من الأجندة الدولية حول الشرق الأوسط. فبلدان الشرق الأوسط جميعها صادقت على اتفاقيات جنيف، وعلى هذا الأساس، فإن القادة السياسيين والعسكريين خلال العمليات الحربية.

توصيات السياسة العامة

يدلّنا التاريخ على أن الأعراف يصار إلى تأسيسها بعد النزاعات، لا خلالها. فقد وضع بروتوكول جنيف العام 1925 كرد فعل على استخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع في الحرب العالمية الأولى. أما اتفاقيات جنيف الأكثر اتساعاً، والتي تشكّل الأساس للقانون الدولي الإنساني الحديث، فقد جرى التفاوض في شأنها بعد فظائع الحرب العالمية الثانية. من هنا، فإن نهاية الصراعات الدائرة الآن ستوفّر في المستقبل فرصة لتعزيز الأعراف. بيد أنه من الممكن اتخاذ عدد من الخطوات التفاعلية الآن:

  • تجديد الالتزام بأعراف النزاع الدولية: ينبغي تشجيع منظمات مثل الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، على الإعلان مجدّداً عن التزامها بالقانون الدولي الإنساني. ويجب حضُّ القادة السياسيين على أن يصرّحوا علناً بما سيكون عليه الوضع عند إحلال السلام – أو نهاية النزاع على الأقل في حالات نزاع محددة. وعلى المانحين الخارجيين أن ينظروا في تعزيز الدعم لحوار "المسار الثاني" حول معايير الحرب، بما في ذلك النقاشات في أوساط رؤساء الطوائف الدينية والمربين، لاستخدامها مع الجماهير في البلدان العربية.
  • القيادة بطرح القدوة الحسنة: يجب على الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإسرائيل أيضاً أن تعترف بالآثار السيئة للخطوات التي اتخذتها تحت ستار مكافحة الإرهاب، بما فيها أساليب التحقيق المطوّلة، والتعذيب الوحشي، وكذلك التكتيكات العسكرية مثل قصف التجمعات البشرية عشوائيا بطائرات بدون طيار (التي تستهدف القتل الجماعي على أساس الشبهة وأنماط السلوك) والاغتيالات المستهدِفة (وهي، منذ أمد بعيد، من عناصر مقاربة إسرائيل لمكافحة الإرهاب). والمضي قدما من جانب الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الناتو وإسرائيل يتطلّب وضع قواعد اشتباك أكثر تشدّداً.
  • التدريب في ميدان القانون الدولي الإنساني: ينبغي أن يكون التدريب في ميدان القانون الدولي الإنساني جزءاً أساسياً من مناهج تدريب فرق الضباط والجنود على حد سواء. ويجب على مقدمي المساعدات الأمنية وبائعي السلاح أن يتشدّدوا في توفير الحصول على أنظمة السلاح المتقدمة شريطة قيامهم بهذا التدريب.
  • متابعة المساءلة والمحاسبة: من المحتم أن تبرز إغراءات باللجوء قدر المستطاع إلى أفضل السبل لإنهاء الحرب، بما في ذلك الضمانات بأن أطراف النزاع لن تخضع إلى المساءلة، إلا أن على الفاعلين الدوليين والمنظمات أن تأخذ بالحسبان الأهداف المنشودة من إقرار مبدأ المساءلة ومن الارتقاء بمستوى المعايير الخاصة بتخفيف حدة النزاعات والحيلولة دون وقوع الفظاعات في المستقبل. ويعني ذلك، في سورية واليمن بشكل خاص، دعم الجهود المبذولة لجمع وحماية الدلائل ضد مقترفي جرائم الحرب. ويجب على الحكومات، في المنطقة وخارجها، أن تمتنع عن تطبيع العلاقات مع حكومة الأسد التي ما فتئت تواصل بصورة خاصة ارتكاب جرائم الحرب البشعة.

خلاصة

اعتبر الشرق الأوسط منطقة متميّزة بين أقاليم العالم من حيث تواتر الصراعات وشدتها لأمد طويل، لكن ينبغي الإقرار الآن بأنه يتميّز كذلك بقلة قنوات التواصل الإقليمي فيه، وآليات فض النزاعات، وقلة المعايير حول مجريات الحرب، مع فائض وفير من واردات السلاح. وثمة فرص أمام دول الإقليم والفاعلين الدوليين لفتح القنوات لحل النزاعات الحالية، وربما تحول بذلك دون اندلاع نزاعات في المستقبل.

إن الاضطرابات الداخلية، وصراعات القوة بين دول الإقليم، والمشاجرات بين الدول المتجاورة قد تستمر على الأرجح في المنطقة التي تصارع الآن لإقرار توازن جديد، لأن النماذج الاقتصادية والعقود الاجتماعية القائمة منذ عقود بدأ يعفو عليها الزمن. لكن ليس ثمة ما يحتّم ترجمة هذه المشاكل وتحويلها إلى نزاعات مسلحة واسعة الانتشار تتسبب في معاناة إنسانية مهولة، وفي تدمير مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى انتشار هذه النزاعات في المناطق المجاورة.

يناقش فصل سابق من هذا التقرير التحديات التي تطرحها قضايا اللاجئين والنازحين. وهنا تكفي الإشارة إلى أن المساعدة الدولية الإنسانية المستمرة للاجئين والنازحين الآخرين في الشرق الأوسط ستكون ضرورية في المستقبل القريب، وستطرح كذلك تحدي الاستمرار مع مرور الوقت عندما تبرز تحديات إقليمية ودولية جديدة. إن ثروة منطقة الشرق الأوسط لا تتمثّل، آخر الأمر، في الموارد الهيدروكربونية أو أنظمة السلاح المتقدمة، بل في سكانها الشباب المسلّحين بالحيوية والنشاط.

مقابلة

ليبيا: المصالحة بين التظلّمات والجشع طارق المجريسي

كيف يمكن تحقيق تسوية متفاوض عليها للصراع في ليبيا؟

ثمة قوتان محركتان للنزاع ينبغي التوصل إلى تسوية ومصالحة بينهما: التظلّمات والجشع. وستستلزم تلبية مطالب المتظلمين مزيجا من العدالة الانتقالية والضمانات على الصعيد الدستوري لتهدئة المخاوف حول المستقبل. وسيكون من الصعب إشباع رغبات الفاعلين المتوحشين، وسيتطلّب ذلك استخدام إجراءات تنطلق من سياسة "العصا والجزرة" لضمان عدم إقدامهم على إفساد أي من تلك الترتيبات. ومن المشكوك فيه على العموم، أن يكون من الممكن تحييد محركي الصراع الجشعين إلا إذا تم إصلاح نظام الحوكمة في ليبيا، والأهم من ذلك على نحو حاسم، إصلاح الآليات المتمركزة التي تتولى توزيع ثروة الدولة.

من هم الفاعلون الأجانب الرئيسون، وكيف يؤثرون في الصراع؟

على الرغم من مزاعم المجتمع الدولي الدائمة بأنه إنما يتصرف في إطار بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (يونسميل)، فإن أكثر الدول تتصرّف في الواقع بصورة أحادية وفردية في محاولة لحماية مصالحها.

الائتلاف المساند لخليفة حفتر الذي يضم الإمارات العربية المتحدة، ومصر، وفرنسا، وروسيا إلى حد ما، يزيد من التعقيد والتعثّر في العملية السياسية، كما أنه ولّد تظلّمات جديدة في أوساط العديد من الفئات والمحافظات. اللاعب الرئيس الآخر هو إيطاليا، التي تعطي الأولوية للمحافظة على المرافق التابعة لشركة النفط الإيطالية "إيني"، التي تتولى حماية النفط المستخرج من أعماق البحر الأبيض المتوسط، وكذلك لمنع المهاجرين من ليبيا من دخول إيطاليا. وقد أدّت المنافسة الإيطالية الفرنسية للعب دور رئيس إلى تقويض فعالية اللاعبين الدوليين. ومع أن قطر كانت لاعباً مسيطراً في الماضي، انحسرت مشاركتها بالتوازي مع تهميشها في النطاق الليبي وتولّي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم، وبعد انهيار "فجر ليبيا" وحكومة الإنقاذ الوطني التي ترأسها خليفة غويل، توجه العديد من الجماعات الإسلاموية في ليبيا إلى تركيا هرباً من البيئة غير الآمنة. ومع أن الجماعات الليبية في تركيا لازالت ترسل الأسلحة والموارد إلى حلفائها في مصراته أو طرابلس، فإن الحكومة التركية غير معنية أساساً، على ما يبدو، بالنزاعات الداخلية في ليبيا.

طارق المجريسي
طارق المجريسي زميل في قسم السياسات في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. وهو متخصص في القضايا الليبية.

هل من الممكن إبطال أدوار الفاعلين الخارجيين؟

لدى اللاعبين الأوروبيين مصالح في ليبيا على المدى القصير والطويل. وإذا اتفقت أوروبا على الطريق الذي سيؤدي إلى الاستقرار، وعلى العمل لوضع سياسات متماسكة، فقد يفضي ذلك إلى بروز لاعب موحّد يتمتع بالثقل الكافي لتوجيه اللاعبين الإقليميين إلى طريق مشترك. وسيكون من الأمور الأكثر صعوبة كذلك تفكيك أدوار اللاعبين الإقليميين بسبب اختلاف المنظورات الآيديولوجية التي ينظرون من خلالها إلى النزاع. وسيكون من المناسب لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (يونسميل) أن تبذل الجهود الرامية إلى تسوية الخلافات بين اللاعبين الإقليميين وخططهم العملية، وتقليل السلبيات الأسوأ في مقارباتهم الإقليمية. كانت الجزائر قد طرحت في الماضي فكرة عقد ملتقى موسّع يتلاقى فيه جميع اللاعبين الليبيين في المجالات الأمنية والسياسية لوضع خريطة طريق، وقد يكون إحياء هذا الاقتراح واحداً من الوسائل الدبلوماسية لتفكيك الانخراط الدولي.

عندما تؤخذ بالاعتبار التجزئة السياسية السائدة في ليبيا منذ عدة سنوات، فما هي بنى الحوكمة المطلوبة؟

إن الصراع، والمعاناة السياسية، والتجزئة في ليبيا ما بعد الثورة هي، في أساسها، نتاج لنظام الحوكمة الموروث من أيام الجماهيرية، الذي ألغى وأبطل المنافسة بين الليبيين. وتكمن المشكلة في تمركز إدارة الدولة، وأنظمة اتخاذ القرار، والمالية. وعلى هذا الأساس فإن اللامركزية هي من العناصر الجوهرية لأية عملية إصلاحية في البلاد. وينبغي نقل الصلاحيات في القضايا السياسية (مثل تقديم الخدمات والمشاريع التنموية)، مع ضمان توزيع عائدات النفط في البلاد. وعندما تتم اللامركزية في مجالَي الإنفاق وصنع القرار، سيغدو من السهل إلى درجة كبيرة، حل الكثير من المليشيات وتحويلها إلى جهاز للأمن الوطني.

مقابلة

إيران في سورية: تأمين رادع إقليمي حسن أحمديان

ما مصالح إيران الأساسية في سورية؟

إيران معنية أساساً بالمحافظة على دور سورية البارز في محور الممانعة، وأيضاً على هدفها الرئيس وهو تأمين قدرتها الإقليمية الرادعة. ومن هنا، فإن انهيار دمشق لم يكن أمراً يمكن التساهل فيه، لأنه كان يؤثر سلباً على إيران وحلفائها في المنطقة. ويشمل ذلك تأمين وصول الإمدادات إلى لبنان؛ وتعزيز قوة الردع والخبرة العملياتية لمحور الممانعة ضد إسرائيل والولايات المتحدة، ولاسيما مع تجديد ترامب لموقف العداء؛ والمحافظة على التوازن مع تركيا شمالي سورية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحفاظ على موقف سورية المهم داخل محور الممانعة سيفصح بوضوح عن فعالية إيران في مساندة حلفائها ودورها القيادي في نطاق المحور.

ما النتيجة الفضلى التي تستسيغها إيران في سورية، وكيف تسعى إلى تحقيقها؟

فيما كانت فيه إيران وحلفاؤها تعارض أول الأمر أي حل عسكري في سورية، إلا أنها أخذت تتّجه تدريجياً إلى الوسائل العسكرية لتمهيد الطريق إلى تسوية سياسية عبر المفاوضات، بعد أن تحوّلت كفة التوازن العسكري على الأرض ضد النظام السوري بصورة حادة. وتبيّن هذا الانتقال بوضوح في الشراكة الإيرانية-الروسية، التي استهدفت وقف تقدّم المعارضة في سورية ووفرت طوق النجاة للحكومة السورية. وكانت المسلّمة التي انطلقت منها هذه الاستراتيجية هي أن المعارضة في سورية، مع تقهقر مسارها، ستتولّد لديها حوافز للوصول إلى تسوية سياسية. ومع أن إيران لازالت تُصرّ على هذا المخطط السياسي العام، فإن الحل المفضل لدى طهران هو الذي يظل فيه النظام والدولة في سورية على قيد الحياة، وتُطوَّع المعارضة وتصل إلى الوضع الأمثل الذي يتحقق فيه الاندماج والتكامل. كما أنها تريد إقصاء التكفيريين ومؤيديهم إقصاءً تامّاً. ومن المهم بالنسبة إلى إيران كذلك ردع الولايات المتحدة شرقي نهر الفرات. ولتحقيق ذلك، تراهن طهران على حلفائها على الأرض وعلى نظرائها في عملية أستانة التي أثبتت نجاحها في تقليص الآثار التأثيرات الناجمة عن الحرب الأهلية.

 
حسن أحمديان
حسن أحمديان زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في برنامج إيران في مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في كلية كينيدي في جامعة هارفرد، وهو أيضاً أستاذ مساعد في دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جامعة طهران.

كيف يمكن تجنّب صراع إيراني– إسرائيلي في سورية؟

أولاً، من المهم لتحاشي الصراع تجنّب المغالطات حول سياسة إيران وأولوياتها في سورية، التي تشمل إعطاء الأولوية للتوازن مع تركيا وصد الولايات المتحدة في شمال سورية. والصراع مع إسرائيل ليس من الأولويات. ستبقى إيران في سورية حتى تطمئن استراتيجياً إلى أن سورية ستبقى في محور الممانعة. ويشمل ذلك أن تخلو سورية من القوات الأجنبية، في ما يخص القوات الأميركية والتركية. وثانياً، ثمة إمكانيات لاندلاع نزاع غير مقصود. فإيران لايمكن أن تغض الطرف عن اعتداء إسرائيلي عليها أو على حلفائها وتعريض سمعتها إلى الخطر. من هنا، من الممكن أن تتسبّب أولويات إيران الثانوية، في أي وقت، في اندلاع صراعات غير مقصودة تتجاوز الساحة السورية. قد يلعب الشركاء الدوليون، وبخاصة روسيا، دور الوسيط الذي يقوم بدور حاسم في احتواء التبعات والحرائق التي قد تكتنف المنطقة بأسرها بسرعة.

بالنسبة إلى اليمن، ما السبيل الأفضل لبلوغ تسوية مُتفاوَض عليها في البلاد؟

الدافع الأساسي للدعم المحدود الذي تقدّمه إيران إلى مجموعة أنصار الله (وهو الاسم النظامي للحركة الحوثية)، هو المساعدة في المحافظة على استقلال اليمن عن السيطرة السعودية، ويمثّل ذلك، في حد ذاته، مكسباً استراتيجياً على الرياض. ويمثّل توريط المملكة العربية السعودية في المستنقع اليمني جانباً من استراتيجية ترمي إلى إنهاك حملة الرياض المعادية لإيران في المنطقة. ولتحقيق هذا الهدف الواضح المحدّد، طرحت طهران مبادرة للوصول إلى تسوية سياسية في اليمن تؤكّد في البند الأول منها على وضع حدٍّ للحرب التي تخوضها السعودية، مايعني هزيمة المملكة العربية السعودية. وهذا يظهر أن أي سيناريو (سواء أكان سلاماً أم حرباً) إنما يمثّل هزيمة بالنسبة إلى السعوديين. وعلى هذا الأساس، وعلى الرغم من علاقتها الوثيقة مع مجموعة أنصار الله، إلى أن طهران لم تكن موضع ترحيب كوسيط من جانب المملكة العربية السعودية. ونظرياً، لا يمكن تحقيق تسوية سلمية في اليمن إلا عبر الإقرار بالواقع على الأرض، أي بالسلطة السياسية العليا لأنصار الله. لكن لا يبدو أن المملكة العربية السعودية مستعدة للاعتراف بأنصار الله والتفاوض معهم.

مقابلة

الولايات المتحدة في سورية: إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية، ونزع الأسلحة الكيميائية جيمس كارافانو

ما مصالح الولايات المتحدة الأساسية في سورية؟

للولايات المتحدة مصالح استراتيجية في سورية عدة، غير أن اثنتين منها ترقيان إلى مستوى المصالح الحيوية التي تستحق استخدام القوة العسكرية الأميركية: إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية، وردع/ومعاقبة استخدام الأسلحة الكيميائية من جانب نظام الأسد. بالإضافة إلى هاتين المصلحتين، فإن للولايات المتحدة مصلحة في احتواء النفوذ الإيراني، وحماية الحلفاء من التهديدات المنطلقة من سورية، ومعالجة الوضع الإنساني داخل سورية، والحيلولة دون تدفّق المزيد من اللاجئين إلى خارج سورية. إلا أن المشكلة تكمن في المحافظة على مصالح الولايات المتحدة من دون تحمّل تكاليف مالية وعسكرية عير ضرورية. لذلك، على الولايات المتحدة أن تُعنى أساساً بعمليات مكافحة الإرهاب في سورية وردع/ومعاقبة استخدام الأسلحة الكيميائية. وعليها كذلك أن تستمر في إزالة ما تبقّى من حضور الدولة الإسلامية، ومنعها هي والجماعات الإرهابية الأخرى من الظهور مرة أخرى. أما أهداف المرتبة الثانية، فيمكن تحقيقها من خلال العمل عبر الحلفاء والفصائل السورية الصديقة، من دون الاستخدام المباشر للقوة العسكرية الأميركية، بخاصة في الوقت الحاضر.

كيف ستسعى إدارة ترامب إلى تأمين هذه المصالح؟

ينبغي أن تركّز السياسة العسكرية الأميركية في سورية على مكافحة الإرهاب أولا. كما أن القوات الأميركية يجب ألا تبقى في سورية مدة أطول مما تقتضيه الضرورة لبلوغ أهدافها الاستراتيجية هناك، وينبغي أن تعطي الأولوية للعمل مع الحلفاء في المنطقة. ولمنع إيران من ملء الفراغ الذي خلفته الدولة الإسلامية، يتوجّب على الولايات المتحدة ألا تسحب حضورها العسكري المحدود من شرق سورية إلا بعد استكمال تدريب الحلفاء والشركاء المحليين وتجهيزهم وتشكيلهم للحيلولة دون انبعاث الدولة الإسلامية مجددا. كما أن على الولايات المتحدة أن تواصل العمل مع الحلفاء لا في ميدان مكافحة الإرهاب وحسب، بل كذلك لتخفيف الامتدادات والتبعات التي خلفتها الحرب الأهلية السورية.

ويتعيّن على الولايات المتحدة أن تؤيد بقوة حق إسرائيل بالدفاع عن النفس عن طريق التصدي للتقدم الإيراني في سورية. كما ان عليها أن تساعد الأردن في حماية نفسه ضد الدولة الإسلامية، وإيران، والميليشيات التي درّبتها إيران، ونظام الأسد.

 
جيمس كارافانو
جيمس كارافانو نائب رئيس معهد "كاثرين آند شلبي كولوم ديفيس للأمن الوطني والسياسة الخارجية"، وزميل في برنامج إي. دبليو. ريتشاردسون في مؤسسة هيريتيج.

هل يمكن الوصول إلى توافق بين واشنطن وموسكو في سورية؟ (وإذا كانت الإجابة بالنفي، فلِمَ ذلك؟ وفي حالة الإيجاب، فما المعالم الرئيسة المحتملة لهذا التوافق؟)

للولايات المتحدة وروسيا مصالح متضاربة في سورية. فروسيا تربطها علاقة صداقة مع نظام الأسد، وهي دعمت سورية ضد إسرائيل والولايات المتحدة. علاوةً على ذلك، وقفت موسكو إلى جانب إيران وساندت التدخّل الإيراني في سورية. ويتعارض هذان التطوران مباشرة مع مصالح الولايات المتحدة.

أثبتت روسيا كذلك أنها لايمكن أن تكون شريكاً دبلوماسياً باعثاً على الثقة للولايات المتحدة في سورية. فقد فاوضت حول خلق أربع مناطق لعدم التصعيد مكّنتها من تخفيف حدة القتال مؤقتاً في بعض الجبهات، بينما قامت بتدمير جبهات أخرى واحدة إثر أخرى. وتُمثّل إدلب آخر مناطق عدم التصعيد تلك. كما أن تدخّل بوتين في أوكرانيا وجورجيا يظهر أن روسيا لاتتورّع عن خرق التزاماتها القانونية الدولية وتقويض عمل حكومات الدول الأخرى وحدودها.

سؤال سريع عن اليمن: ما مدى الدعم الذي ينبغي على إدارة ترامب توفيره للتدخّل الذي تتزعّمه المملكة العربية السعودية هناك؟

المملكة العربية السعودية حليف مهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقد غدا الحوثيون، الذين أطاحوا حكومة اليمن الشرعية المُعترف بها دولياً، قوة وكيلة لإيران بصورة متزايدة، وأطلقوا قذائف صاروخية أعدتها إيران على أهداف مدنية في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة واليمن. كما أنهم شنّوا هجمات على حركة الشحن البحري الدولية، والقطع البحرية الأميركية، والقطع البحرية الملكية السعودية، والسفن في البحر الأحمر. للولايات المتحدة مصلحة حيوية في حماية تدفق النفط والشحنات الأخرى بحريّة عبر البحر الأحمر، وتعطي الأولوية بعد ذلك إلى مصلحة أخرى هي مساعدة المملكة العربية السعودية في صد الحوثيين، والوقوف ضد نفوذ الحوثيين في الجزيرة العربية، وإعادة الحكومة الشرعية في اليمن، والتوسط لتحقيق تسوية سياسية في اليمن لوضع حد للقتال، وتخفف من المعاناة الإنسانية، وإتاحة الحرية للحكومة اليمنية والتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية لمزيد من التركيز على إلحاق الهزيمة بالقاعدة والدولة الإسلامية في اليمن.

مقابلة

سورية: الاحتفاء بانتصار مُكلف خضر خضّور

في اعتقادك، ما طبيعة ومدى السيطرة التي سيمارسها الأسد حالما يتوقف القتال – جُلُّه أو كُلُّه؟

من خلال مزيج من الوسائل العسكرية والأمنية، سيحتفظ نظام الأسد، على الأغلب، بالسيطرة على أغلبية الأراضي والمناطق الاستراتيجية السورية، مثل المعابر الحدودية والطرق الرئيسة الكبرى. غير أن الجانب الأكبر من هذه السيطرة سيكون على أراضٍ خلت إلى حد بعيد من سكانها، أو أخليت منهم تماماً في بعض الأحيان. وبدلاً من التفاوض مع المقيمين في تلك الأراضي، اختار النظام تهجيرهم، والاستيلاء على الأرض، ثم ترك الأمر للقوى الدولية للتفاوض حول حقوقهم.

ويرمي النظام في وقت لاحق إلى إعادة ربط جميع الأراضي التي يسيطر عليها مع دمشق، لتكون العاصمة هي المحور الوحيد الذي تستطيع القوى الإقليمية والدولية التعامل من خلاله مع الحكومة على الصعيد الوطني حول قضايا مثل إعادة الإعمار، أو عودة اللاجئين. وباختصار، ستتميّز طبيعة سيطرة نظام الأسد بالجهود الرامية إلى الهيمنة على الموارد عبر محور دمشق المركزي.

هل ثمة حاجة إلى بُنى حوكمة جديدة لإعادة الاستقرار إلى البلاد؟ وهل ثمة طريقة لمأسستها؟

لقد خلق النظام مأزقا لنفسه. وليتسنى له البقاء على قيد الحياة، خلق حلقة ضخمة من الشبكات والبنى غير الرسمية خارج مؤسسات الدولة الرسمية طيلة سنوات الحرب. وقد انتشرت هذه البنى غير الرسمية في كل مكان وعلى شتى المستويات، بينما أصيبت البنية النظامية الرسمية بالضعف. ويتوجب على النظام الآن أن يعثر على طريقة لرَسْمنة هذه الشبكات غير الرسمية إذا أراد أن يتمتع بالاعتراف السياسي بوصفه حكومة البلاد الشرعية التي جهد للحصول عليها. وبالتالي، فإن بنى الحوكمة المقبلة ستضم بالضرورة أشخاصا كانوا منخرطين بالحرب، إما تجارياً أو عسكرياً. وسيتضمن ذلك على الأغلب شخصيات بارزة من المليشيات المتعددة التي غدت تشارك الآن في الانتخابات المحلية، وكذلك رجال الأعمال الذين ساعدوا في تسليح الجماعات المسلحة، ولازال بعضهم أعضاء في البرلمان السوري. وستتواصل هذه العملية بينما تُدمج الجماعات المحلية المسلحة والمنظمات غير الحكومية تدريجيا في إطار الدولة.

 
خضر خضّور
خضر خضّور باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. تدور دراساته على العلاقات المدنية – العسكرية والهويات المحلية في المشرق، مع التركيز على سورية.

سيكون من نتائج الحرب أن سورية لن تشهد بنية حكومية مركزية قادرة على إعادة الاستقرار إلى البلاد، بل ستُستخدم البنى القائمة الآن لتعزيز القوى الباقية – وهي النظام، وقوات سورية الديمقراطية – وقوات المعارضة المسلحة- بدلا من سورية بأسرها.

بالنظر إلى الدور المستمر للاعبين الإقليميين والدوليين في الساحة السورية، ما الذي يمكن عمله لتحاشي استمرار أو اندلاع صراعات مسلحة جديدة؟

يتجلّى نفوذ تركيا والولايات المتحدة على الأغلب في المناطق الحدودية في الشمال والشرق، بينما يرابط الإيرانيون والروس في جنوب سورية والمحاور الحضرية الرئيسة. ولتحاشي الصراعات المستمرة، لابد من المحافظة على القنوات السياسية التي تشارك فيها جميع القوى الفاعلة في الساحة السورية، ولاسيما في المناطق الحدودية الشمالية والشرقية.

بالنظر إلى احتمال استمرار حكم الأسد في الوقت الراهن، ما الذي يمكن عمله لضمان السلامة وحقوق الملكية للاجئين والأحزاب الديمقراطية المستقلة التي تسعى إلى العودة إلى الوطن؟

يحاول نظام الأسد، بمساعدة من الروس، أن يستعيد الشرعية السياسية، وتحويل دمشق إلى محور مركزي في سورية للتعامل مع قضية اللاجئين، مع التعامل، جزئيا، مع الدول المجاورة.

ينبغي أن تكون قضايا النازحين واللاجئين على أجندة العملية السياسية في جنيف، وأن تكون جزءاً من أي قرار دولي حول سورية. وسيكون هذا الاهتمام الدولي واحدا من أفضل السبل لضما ن حقوق الملكية.

مقابلة

روسيا في سورية: الحيلولة دون تغيّر النظام، وكسب النفوذ الدولي ماريانا بيلنكايا

ما مصالح روسيا الأساسية في سورية؟

وفقاً للسردية الرسمية، فإن التدخّل الروسي عبارة عن حرب ضد الإرهاب الدولي في منطقة نائية. بيد أن سورية كانت دائماً وثيقة الصلة، دبلوماسياً، بروسيا: فهي الدولة الوحيدة التي تحتفظ فيها روسيا بقاعدة عسكرية- فنية في البحر الأبيض المتوسط، مع أنه كان من الصعب اعتبارها قاعدة عسكرية قبل بدء النزاع السوري. كما أن لروسيا مخططات اقتصادية في سورية. غير أن المعاناة النفسية التي واجهتها القيادة الروسية جراء تطورات النزاع الليبي واغتيال الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، غدت هي العامل المُحفِّز للسلوكيات الروسية. فبعد بضعة شهور من بدء الحملة العسكرية العام 2015، أصبح من الواضح أن روسيا استعادت نفوذها في الشرق الأوسط، بعد أن كانت قد فقدته في الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وتزامنت عمليات روسيا العسكرية في سورية مع الحملة الدولية لعزل روسيا جراء الأحداث التي وقعت في أوكرانيا، غير أن نفوذ روسيا على المسرح السياسي الدولي تزايد بفضل الحملة السورية. وبالنسبة إلى روسيا الآن، يُعتبر استقرار الوضع في سورية من العوامل الكفيلة بالمحافظة على مواقع روسيا في الشرق الأوسط وفي الساحة الدولية على حد سواء.

 
ماريانا بيلنكايا
اريانا بيلنكايا تكتب عن قضايا الشرق الأوسط للصحيفة الروسية "كوميرسانت". وهي باحثة متخصصة في الدراسات العربية وتمتد خبرتها في تغطية قضايا الشرق الأوسط نحو عشرين سنة. كما تساهم في أعمال "المونيتور" ومركز كارنيغي في موسكو.

من منظور الحكومة الروسية، ما هو الوضع النهائي المفضّل لسورية، وكيف يمكن تحقيقه؟

روسيا مهتمة باستقرار الوضع في سورية والمحافظة على سلامة أراضيها. ومن المهم بالنسبة إلى روسيا ليس فقط إظهار نجاحها في وضع حد للإرهاب في سورية، بل التأكيد أيضاً على دورها الإيجابي في الوصول إلى تسوية سياسية في البلاد. ومن المهم أن تبقى السلطات المقبلة في سورية موالية لروسيا، وأن يظل ذلك البلد في مدار المصالح الروسية. يُضاف إلى ذلك أن السياسيين الروس يدركون أن المحافظة على السلامة الوطنية السورية ليست بالأمر السهل، نظراً إلى الدور الأنشط الذي بدأت تلعبه الولايات المتحدة، ووجود المصالح التركية، ولاسيما على ضوء الحاجة إلى إعادة إعمار البلاد. وليس في وسع أي دولة أن تحقق المهمة الأخيرة بمفردها. ولدى روسيا بعض الأسباب الداعية إلى التخوف من أنها لن تجد نفسها آخر الأمر في الوضع الذي تنشده لنفسها.

ما الذي تستطيع روسيا أن تفعله للتخفيف من احتمال اندلاع النزاع بين إسرائيل وإيران في المنطقة الجنوبية الغربية من سورية؟

بذلت روسيا كل ما في وسعها من هذه الناحية. فموسكو هي التي جعلت من القوات الموالية لإيران تحجم عن المشاركة رسمياً في العمليات الرسمية في الجنوب الغربي من سورية والتحرّك إلى مناطق أخرى. صحيحٌ أن بعض قوات حزب الله والقوات الأخرى الموالية لإيران موجودة بصورة غير رسمية في المنطقة، وأن الإسرائيليين يعرفون ذلك، لكن الإسرائيليين يغضون الطرف عن ذلك مع احترام الوضع الراهن. ولا تعتمد التطورات المقبلة على موسكو وحدها، بل كذلك على موقف المجتمع الدولي تجاه طهران. وكلما ازداد الضغط على طهران، فإن مقاومتها ستغدو أنشط. وستحاول موسكو كبح جماح كل من إسرائيل وإيران، لأن الصراع المكشوف بينهما ليس في مصلحتها، طالما ظل الوضع في سورية غير مستقر. بيد أن تطور الأمور لايعتمد كليّاً على موسكو.

هل من الممكن قيام توافق بين واشنطن وموسكو في سورية؟ (وإذا كانت الإجابة بالنفي، فلِمَ ذلك؟) (وفي حالة الإيجاب، كيف سيكون ذلك؟)

الآن، وبعد أن تشدّدت الولايات المتحدة في سياستها في سورية وعقدت العزم على البقاء في تلك البلاد لمدة طويلة، ليست احتمالات الوصول إلى اتفاقيات بين واشنطن وموسكو بالأمر الهين. غير أن الاتصالات العسكرية والحوار السياسي بين الدولتين ستتواصل. إلا أن روسيا لن تستطيع مقاومة الولايات المتحدة إذا قررت البقاء في سورية. وفي هذه الحالة، سيكون التوصّل إلى حل سياسي في سورية أكثر صعوبة، وسيطيل أَمَد الصراع. في جميع الحالات، سيضطر الطرفان إلى التواصل والتفاوض حول قضايا التعايش السلمي في سورية.

مقابلة

العراق: البحث عن حوكمة فعّالة ميسون الدملوجي

ما الذي يمكن عمله للحيلولة دون بروز الدولة الإسلامية مجددا في العراق؟

ينبغي اتخاذ إجراءات متعددة على الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية للحيلولة دون بروز الدولة الإسلامية مجدّداً في العراق. إذ يجب أن يشعر السكان الذين كانوا قد وفّروا الملاذ للدولة الإسلامية أنهم جزء من العملية السياسية. فقد خضع هؤلاء للتهديد والحرمان منذ العام 2003، وعانوا من عملية اجتثاث حزب البعث، والاحتجاز الفجائي، والحبس الاعتباطي، والإقصاء عن القوات المسلحة.

كما أن الاقتصاد يلعب دوراً في إعادة الحياة الطبيعية إلى المنطقة. ولا بد أن يتولى الشباب تنفيذ إعمار المدن بأيديهم، كما ينبغي العمل على تطوير الأراضي الزراعية والمناطق الريفية من أجل تعزيز العمالة والإنتاجية.

من الواجب كذلك مواجهة التحديات الفكرية، والثقافية، والمادية، كما من الضروري تحويل المكتبات، والمرافق الرياضية، والمتاحف وما إلى ذلك، إلى عناصر حيوية في حياة المجتمعات المحلية، مع تقديم الدعم على نطاق أوسع إلى منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام.

 
ميسون الدملوجي
ميسون الدملوجي كانت تزاول الهندسة حتى العام 2003، عندما عُيّنت نائبة لوزير الثقافة في العراق، وتولت هذا المنصب حتى العام 2006 عندما أصبحت عضوا في البرلمان العراقي لثلاث دورات انتخابية.

وأخيراً، وربما كان ذلك هو الجانب الأكثر أهمية، ينبغي أن تثبت قوات الشرطة والمؤسسات الأمنية أنها تعمل لخدمة المجتمعات المحلية وليس ضدّها.

ما الذي يمكن فعله لحماية العراق من تأثيرات المنافسة الإقليمية بين الولايات المتحدة وإيران؟

إن طول الحدود الفاصلة بين العراق وإيران، يجعل من الصعب توفير تلك المنعة وهذه الحماية، وهو ما أضاف عناصر تاريخية ودينية عميقة تربط ما بين البلدين. وما فتئت إيران تمارس نفوذاً ضخماً على النشاط السياسي في العراق منذ الغزو الأميركي العام 2003، بحجة نشر الدين ومقاومة الغزو.

في الوقت نفسه، تتصاعد نزعة وطنية عراقية جديدة، ولاسيما بعد إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية. ويعتبر السياسيون الذين تدعمهم إيران مسؤولين عن النزاعات الطائفية والفساد الذي لازال يستنزف داخل العراق منذ العام 2003.

إن ما يحتاجه العراق اليوم هو الحكومة التي تتسم بالكفاءة، وتستطيع تقديم الخدمات، وبناء اقتصاد سليم، والحد من نفوذ الميليشيات، لا بل يستطيع العراق الإفادة من المنافسة الاقليمية عبر التفاوض حول تدفّق المياه في الأنهار من تركيا وإيران.

هل من الممكن التوصّل إلى اتفاق أكثر إنصافاً في العراق؟

ثمة حاجة ماسة لإجراء مراجعة للدستور العراقي من أجل توضيح العلاقة بين الحكومة الاتحادية وبين الأقاليم، وللنظر في توزيع الموارد الطبيعية، ولإقامة نظام عادل لتوزيع الثروة. وقد آن الأوان، بعد خمس عشرة سنة، لوضع حد لعملية اجتثاث حزب البعث وإحالة جميع التظلّمات الشخصية إلى المحاكم.

من الواجب أيضاً تعديل نظام الانتخابات ليصبح أكثر شمولاً، عن طريق إقامة دوائر انتخابية واضحة يستطيع الناخبون والناخبات فيها أن يعززوا ارتباطهم بممثليهم. كما ينبغي تحصين الجهاز القضائي وتمكينه من اكتساب المزيد من ثقة الجمهور، وتعظيم قدرته على محاسبة المسؤولين على أي سلوكيات سيئة.

تحسّنت علاقات العراق مع جيرانه العرب في الآونة الأخيرة. فما الذي يمكن عمله لتنمية هذه العملية؟

يمكن للعراق أن يلعب دوراً محورياً لإعادة الاستقرار والتوازن في المنطقة. وعندها لن يقتصر الازدهار على العراق وحده، بل إنه سيعمم في البلدان المجاورة، ويمهد لقيام علاقات اقتصادية، وثقافية، واجتماعية أكثر عمقاً مع العالم العربي.

وقد تستفيد دول الجوار من الاستثمار في استقرار العراق وازدهاره، وفي إيجاد الوسائل الكفيلة بتحقيق التعايش مع الأغلبية الشيعية في العراق.

ربما تتمثّل البداية الطيبة لهذه المسيرة في تبادل الزيارات، وتنشيط عمل السفارات والاستثمارات الصغيرة.

مقابلة

اليمن: تمكين الحكومات المدنية المحلية أمة العليم السوسوه

كيف يمكن تحقيق تسوية سياسية مُتفاوَض عليها لحلّ الصراع في اليمن؟

ينبغي على مجلس الأمن الدولي أن يدعم إطاراً يعزز الثقة بين الأطراف المحلية والإقليمية المتورطة في الصراع، ويشجّعها على العودة إلى مائدة المفاوضات. الأمم المتحدة تعطي الأولوية الآن لصفقة بين الحوثيين والحكومة اليمنية (أي إدارة الرئيس عبد ربه منصور هادي)، غير أن الحوثيين سيطالبون بضمانات من التحالف العربي (الذي يتألف أساساً من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)- وهي الضمانات التي لا يستطيع هادي توفيرها- قبل إلقاء السلاح. ومقابل ذلك، ينبغي أن ينأى الحوثيون بأنفسهم بعيداً عن إيران ويوقفوا هجماتهم على المملكة العربية السعودية. لكن من المستبعد تحقيق مثل هذا التقدم إلا إذا خفّت حدة التوتر بين القوى الإقليمية. كما يتوجب على مجلس الأمن الدولي كذلك أن يشجّع أي تقارب بين القوى الإقليمية، الأمر الذي قد يمهد لقيام بيئة أنسب للتفاوض.

ينبغي كذلك تقويض اقتصاد الحرب، ومن واجب حكومات التحالف معاقبة القيادات المنتفعة من الصراع ووقف التجارة غير المشروعة التي ينطلق بعضها من الدول المجاورة. لقد فرض مجلس الأمن عقوبات على كبار المنتفعين من الحرب في جميع النواحي، ويجب ربط هذه الإجراءات وغيرها بعملية السلام الأوسع نطاقاً، التي يتعين فيها تقديم الحوافز للأطراف المتحاربة للتعاون مع مبعوث الأمين العام في مفاوضات جادة.

هل يمكن إعادة تفعيل الآليات التقليدية لحل المنازعات في اليمن إذا سمحت بذلك قوى التدخّل الخارجية؟ أم أن علاقات القوة بين الفصائل اليمينة قد طرأ عليها تغيّر جوهري جراء الحرب؟

لقد قوّضت الحرب وجود الدولة نفسه، والمؤسسات، والأحزاب السياسية في اليمن، وما من قادة وطنيين متنفذين وقادرين على اتخاذ قرارات أساسية تستطيع إيقاف الحرب وبدء سيرورة المصالحة الوطنية، وتكفل العدالة (أو حتى إعادة المُلكية أو أحد أشكال التعويض) لضحايا جرائم الحرب. وسيكون أصحاب النفوذ المباشر هم السلطة الفعلية وزعماء الميلشيات المسلحة الذين يواصلون الإفادة من الحرب ومن الفساد. من هنا، فإن النقاشات حول مستقبل اليمن ينبغي أن تدور بمشاركة ممثلين عن جميع المناطق في اليمن، وممثلين عن مكوّنات المجتمع اليمني، فيتم بذلك دمج وتكامل الاحتياجات والآراء الصادرة عن المجتمعات المحلية بصورة خاصة.

 
أمة العليم السوسوه
أمة العليم السوسوه سياسية ودبلوماسية يمنية ووزيرة سابقة لحقوق الإنسان، ومساعدة للأمين العام للأمم المتحدة ومديرة مساعدة لبرنامج الأمم المتحدة سابقاً.

لا يبدو في الوقت الحاضر أن الأطراف الخارجية تريد المصالحة في اليمن. ولايقتصر الأمر على تدخّل العناصر الموالية للعربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بل إن ثمة حضوراً غير معلن لإيران، وقطر، وتركيا. وينبغي أن تُفرض الضغوط على هؤلاء اللاعبين والتخفيف من اندفاعهم ليتسنى تسهيل الوصول إلى وقف إطلاق النار بصورة دائمة على الأرض.

وعندما يؤخذ بالاعتبار التشظي السياسي السائد طيلة السنوات الأخيرة، هل ستكون ثمة حاجة لبنى حوكمية جديدة في سيناريو ما بعد الصراع؟

الحل الأفضل لليمن هو الوصول إلى نظام مركزي مرن للحكم ونظام للأقاليم يقوم على التكتلات الاجتماعية التاريخية الخاصة بها، لا على الأسس القَبَلية وحسب. ويتمثّل أحد السبل الكفيلة بتحقيق ذلك في تمكين الحكومات المحلية التي تتبنى المساواة في المواطنة وتعلي من شأن حكم القانون، وتمكينها كذلك من إعادة بناء المجتمعات المحلية في البلاد. وستُنتخب هذه الهيئات المحلية قبل أية انتخابات وطنية، وستؤدي هذه المقاربة إلى انتزاع القدرة على اتخاذ القرارات المتعلقة بالحوكمة والتنمية من أيدي النخبة السياسية، وتحويلها إلى القادة المحليين الأكثر تجاوباً مع احتياجات مجتمعاتهم ومطالبها.

ماهي احتمالات إلحاق الهزيمة بالقاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى العاملة في اليمن؟

ينبغي الإطلالة على مكافحة الإرهاب على الصعيدين المحلي والدولي. فعلى المستوى المحلي، ستساعد على القضاء على القاعدة عوامل عدة منها: حكومة تمثيلية توفّر الخدمات الأساسية، وتجلب الاستقرار لسبل العيش في جميع أرجاء البلاد، وتكسر شوكة القادة الفاسدين الذين يستخدمون النزعة الطائفية كوسيلة لبلوغ أهدافهم الخاصة. لكن احتمالات إلحاق "الهزيمة" بالقاعدة، متواضعة هنا أيضاً.

غير أننا نحتاج كذلك إلى محاولة جادّة لإعادة صياغة سياسة مكافحة الإرهاب. إذ ينبغي التأكيد على أهمية تجفيف منابع الفكر الإرهابي وتبني سياسات واقعية لاحتواء العناصر الإرهابية والحد من مخاطرها، عن طريق اتباع خطط اقتصادية وتربوية تساعد على استئصال التخلّف، والفقر، والبطالة في البلدان العربية والإسلامية.

مقابلة

الإمارات العربية المتحدة في اليمن: مساندة الحكومة الشرعية محمد باهارون

ما النجاح الذي حقّقه التدخّل العسكري في اليمن للوصول إلى الأهداف الأساسية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية؟

الجهود المبذولة في اليمن عسكرية ودبلوماسية في آنٍ. ويقوم جهد السعوديين والإماراتيين الدبلوماسي على تشكيل موقف دولي حول اليمن، يمثلّه قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2216، ويستند إلى مبدأين مهمّين: دعم الحكومة الشرعية التي يرأسها عبد ربه منصور هادي، والحيلولة دون خضوع اليمن إلى سلطة دينية شبيهة بالدولة الإسلامية التي احتلت الموصل والرقة. وخلال ذلك، أوقفت الحملة العسكرية تقدّم الحوثيين في عدن ومأرب وأرغمتهم على التراجع في مناطق عديدة، بما فيها الساحل الغربي الذي كان يحدث فيه الجانب الأكبر من التهريب عبر موانئ مثل مُخا وميدي. ولايعني ذلك أن العمليات العسكرية كانت ناجحة تماماً، لكنها مثّلت مع ذلك جانباً مهمّاً من ذلك الوضع.

برأيك، ما ملامح الوضع النهائي المقبول في اليمن؟

إن القرار الرقم 2216 يحدّد بالتفصيل المسار الرئيس لجميع الأطراف المعنية، سواء منها المحلية أو الأجنبية. وحالما تستعاد الحكومة الشرعية في صنعاء، فإنه يمكن استئناف العملية السلمية التي ستقرر الوضع النهائي في اليمن. اليمنيون وحدهم هم الذين سيحدّدون في نهاية المطاف شكل الحوكمة التي توفّر العدالة وتحقّق تطلعاتهم. قد لايعود اليمن إلى الدولة المركزية التي كانت قائمة ذات يوم، وربما تتولى دولة أكثر لامركزيةً إدارة ما في البلاد من تنوّع.

 
محمد باهارون
محمد باهارون مدير مركز دبي لبحوث السياسة العامة (بحوث)، الذي يركّز على سياسات الإمارات العربية المتحدة وآثارها على التنمية في الإمارات وعلاقتها بالتطورات الإقليمية والعالمية.

هل يمكن الوصول إلى حل مُتفاوَض عليه في اليمن الآن؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن تحقيقه؟

لقد أثبتت التجربة أن الحوثيين لن يهتمّوا بحل متفاوض عليه إلا إذا تعرّضوا إلى الضغط. وقد صُمّمَت على هذا الأساس العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف الآن لخلق رافعة تفعِّل العملية السياسية. وعلى الرغم من ضخامة الدعم الدولي، فإن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث لم يحالفه الحظ حتى الآن في بدء المفاوضات. مع ذلك، من المحتمل أن يُفضي الحوار القَبَلي مع الحوثيين إلى اختراق في الوضع مستقبلاً.

ما الدور الذي تتوقّع أن تؤدّيه القوى السياسية والاجتماعية لحل النزاع؟

تجري المفاوضات الآن بين مختلف القوى السياسية، غير أن الأنشطة السياسية اليمنية تتغيّر. فقد انشق حزب المؤتمر الشعبي العام إلى ثلاثة فصائل بعد اغتيال الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بينما يعاني جناح "الإصلاح" من انقسامات داخلية. في تلك الأثناء، برزت في الساحة قوى سياسية جديدة عدة، مثل "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي. ومن التحديات الأساسية أن الحوثيين، المعروفين رسمياً باسم مجموعة أنصار الله، ليسوا حزباً سياسياً ولا يريدون أن يُنظر إليهم بهذه الصفة. هم يصرّون على أنهم حركة لا غير، لأنهم لا يريدون أن يقيَّموا على أساس حجم نفوذهم. وسيؤدي هذا التمييز إلى تعقيد الأمور.

لقد كانت القوى القبلية التقليدية غائبة عن تلك العملية، غير أنها قد تلعب دوراً حيوياً في مسار النقاشات الثاني. ومن الأمثلة على ذلك الهدنة المؤقتة التي حقّقتها المملكة العربية السعودية مع الحوثيين في 15 كانون الأول/ديسمبر 2015. وليس ثمة دليل على أن منظمات المجتمع المدني ستساعد في حوار سياسي، مع أنها ستقوم بدور حيوي في نقاشات مرحلة ما بعد انتهاء الصراع.

هوامش

1 أعلنت روسيا وإيران والعراق وسورية، إلى جانب حزب الله، عن اتفاق لتبادل المعلومات الاستخبارية في أيلول/سبتمبر 2015، على الرغم من أنه بدا أنه أفاد بالقليل، وفي العام 2016 رفضت إيران السماح لطائرات روسية بنقل بعثات قتالية إلى داخل سورية من القواعد الجوية الإيرانية. انظر: Anne Barnard and Andrew E. Kramer, “Iran Revokes Russia’s Use of Air Base, Saying Moscow ‘Betrayed Trust,’” New York Times, August 22, 2016, https://www.nytimes.com/2016/08/23/world/middleeast/iran-russia-syria.html.

2 وفقاً لمستشار غير رسمي في الكرملين حول شؤون الشرق الأوسط، تمكّنت روسيا من تطوير العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، وإيران، وإسرائيل، وتركيا، والأكراد، ما يجعلها الطرف الفاعل الوحيد الذي يتمتّع حاليًا بالقدرة على التوسّط في صراعات الشرق الأوسط.

3 يمكن العثور على التعبير الأصلي للمعضلة الأمنية في: John H. Herz, “Idealist Internationalism and the Security Dilemma,” World Politics 2, No. 2 (January 1950): 157.

4 مناقشة مع مسؤول عسكري إسرائيلي متقاعد، أوروبا، شباط/فبراير 2018.

5 مناقشة مع باحث في العلاقات الدولية الإيرانية، أوروبا، شباط/فبراير 2018.

6 Yara Bayoumy, Jonathan Landay, Warren Strobel, “Trump Seeks to Revive ‘Arab NATO’ to Confront Iran,” Reuters, July 27, 2018, https://www.reuters.com/article/us-usa-gulf-alliance/trump-seeks-to-revive-arab-nato-to-confront-iran-idUSKBN1KH2IK.

7 Ahmad Majidyar, “Iran Faces Uphill Battle to Profit From Its Role in Syria War,” Financial Times, February 13, 2018, https://www.ft.com/content/f5129c30-0d7f-11e8-8eb7-42f857ea9f09.

8 بروس ريدل، "الإنفاق الدفاعي السعودي يرتفع، ولكن ليس لصالح أمريكا"، المونيتور، 13 أيار/مايو 2018، https://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2018/05/saudi-defense-spending-economy-washington-yemen.html

9 Barbara F. Walter, “Bargaining Failures and Civil War,” in Annual Review of Political Science 12 (June 15, 2009), https://www.annualreviews.org/doi/abs/10.1146/annurev.polisci.10.101405.135301.

10 Christopher Greenwood, “New World Order or Old? The Invasion of Kuwait and the Rule of Law,” Modern Law Review 55 (March 1992), https://onlinelibrary.wiley.com/doi/pdf/10.1111/j.1468-2230.1992.tb01870.x.

11 “Trends in International Arms Transfers, 2017,” Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), March 2018, https://www.sipri.org/sites/default/files/2018-03/fssipri_at2017_0.pdf, انظر أيضاً: "إجمالي الناتج المحلي (القيمة الحالية بالدولار الأمريكي)"، البنك الدولي، 2017، https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD

12 Kate Blanchfield, Pieter D. Wezeman, and Siemon T. Wezeman, “The State of Major Arms Transfers in 8 Graphics,” SIPRI, February 22, 2017, https://www.sipri.org/commentary/blog/2017/state-major-arms-transfers-8-graphics.

13 “Trends in International Arms Transfers, 2017,” SIPRI, March 2018, https://www.sipri.org/sites/default/files/2018-03/fssipri_at2017_0.pdf.

14 “National Security Presidential Memorandum Regarding U.S. Conventional Arms Transfer Policy,” White House, April 19, 2018, https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/national-security-presidential-memorandum-regarding-u-s-conventional-arms-transfer-policy/.

15 John Irish and Sophie Louet, “Despite Criticism at Home, French Arms Sales Double in the Middle East,” Reuters, July 3, 2018, https://www.reuters.com/article/us-france-egypt-arms/despite-criticism-at-home-french-arms-sales-double-in-the-middle-east-idUSKBN1JT21E.

16 A. Trevor Thrall and Caroline Dorminey, “Risky Business: The Role of Arms Sales in U.S. Foreign Policy,” Cato Institute, March 13, 2018, https://object.cato.org/sites/cato.org/files/pubs/pdf/pa-836.pdf.

17 Jonathan Saul et al., “Exclusive: Iran Steps Up Support for Houthis in Yemen’s War – Sources,” Reuters, March 21, 2017, https://www.reuters.com/article/us-yemen-iran-houthis/exclusiveiran-steps-up-support-for-houthis-in-yemens-war-sources-idUSKBN16S22R.

18 Asa Fitch, “How Yemen’s Houthis Are Ramping Up Their Weapons Capability,” Wall Street Journal, April 25, 2018, https://www.wsj.com/articles/how-yemens-houthis-are-ramping-uptheir-weapons-capability-1524664569.

19 “Weapons of the Islamic State: A Three-Year Investigation in Iraq and Syria,” Conflict Armament Research, December 2017, http://www.conflictarm.com/download-file/?report_id=2568&file_id=2574.

20 المصدر السابق.

21 Ambassador Tina Kaidanow, “U.S. Arms Transfer Policy: Remarks by Acting Assistant Secretary, Bureau of Political-Military Affairs,” Center for International and Strategic Studies (CSIS), August 8, 2018, https://www.state.gov/t/pm/rls/rm/2018/285045.htm.

22 Jeffrey M. Sharp, “Egypt: Background and U.S. Relations,” Congressional Research Service, June 7, 2018, https://fas.org/sgp/crs/mideast/RL33003.pdf.

23 William Hartung, “Trends in Major U.S. Arms Sales in 2017,” Security Assistance Monitor, March 2018, p.8, https://securityassistance.org/sites/default/files/US%20Arms%20Sales%202017%20Report.pdf.

24 "اليمن: قصف حافلة الأطفال يبدو أنه جريمة حرب"، هيومن رايتس ووتش، 2 أيلول/سبتمبر 2018، https://www.hrw.org/ar/news/2018/09/02/322072

25 “Annual Report of the United Nations High Commissioner for Human Rights: Situation of Human Rights in Yemen, Including Violations and Abuses Since September 2014,” United Nations Human Rights Council, August 17, 2018, https://www.ohchr.org/Documents/Countries/YE/A_HRC_39_43_EN.docx.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.