على الرغم من ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا منذ نهاية تموز/يوليو 2020، لا تزال الحكومة المغربية تتولى زمام المبادرة في إدارة الأمور في ظل جائحة كورونا. قدمت القوات المسلحة الملكية دعمًا محدودًا نسبيًا ولكنه فعال، ولا سيما في الرعاية الطبية والدعم اللوجستي والطمأنينة العامة. كان التقسيم الواضح للعمل والتعاون المؤسساتي بين الحكومة المدنية والقوات المسلحة عاملين أساسيين في هذا الجهد، ما يدل على تطور جوهري في العلاقات العسكرية المدنية المغربية منذ سبعينيات القرن الماضي.
جعل القصر الملكي التعاون في الاستجابة للوباء ممكنًا من خلال إنشاء آليات تنسيق لتكليف القوات المسلحة بدعم الحكومة المدنية بحسب الحاجة. فقد عقد الملك محمد السادس بتاريخ 17 آذار/مارس 2020، اجتماعًا رفيع المستوى مع كبار المسؤولين لمناقشة الجهود المبذولة لاحتواء الوباء. وشمل هذا الاجتماع مسؤولين عسكريين، مثل المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، وقائد الدرك الملكي (قوة شرطية ذات وضع عسكري وهي جزء من القوات المسلحة الملكية)، والمدير العام للأمن الوطني، بالإضافة إلى مسؤولين مدنيين، بمن فيهم رئيس الحكومة ووزيرا الصحة والداخلية. وبعد الاجتماع، أصدر القصر بيانًا أعلن فيه أن الملك، بصفته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، وجّه السلطات الصحية العسكرية والمدنية للعمل بشكل مشترك لمكافحة جائحة فيروس كورونا.
الدعم العسكري للرعاية الصحية المدنية
نتيجةً لذلك، شاركت القوات المسلحة بشكل نشط في الجهود المبذولة لدعم نظام الرعاية الصحية المدنية، ليس فقط من خلال وضع المستشفيات العسكرية القائمة في خدمة مكافحة الوباء، ولكن أيضًا من خلال بناء العديد من المستشفيات الميدانية والقيام بالتدخلات الطبية العاجلة.
كما قدمت القوات المسلحة الملكية المساعدة لقطاع البحث والتصنيع الطبي للرفع من درجة الاستقلال الطبي في المغرب. وقد ساعد تعاونهم على اختراع جهاز تنفس مغربي ذكي. علاوةً على ذلك، ساعد الدرك الملكي في تسريع إنتاج المغرب لأدوات الحماية الشخصية، مثل أقنعة الوجه. فمنذ منتصف شهر أيار/مايو، أنتجت وحدة تصنيع أقنعة الوجه التابعة للدرك الملكي أكثر من 17 مليون قناع، بمتوسط أسبوعي يبلغ مليون قناع واقي و200000 قناع جراحي.
لم يكن دعم قطاع الرعاية الصحية المدنية المساهمة الوحيدة للقوات المسلحة الملكية في احتواء الوباء. فقد قامت أيضًا بنشر مدرعات في مناطق حضرية مثل الدار البيضاء ومراكش والرباط وطنجة بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية في 20 آذار/مارس. خلافًا للتوقعات، فإن إرسال القوات المسلحة إلى مناطق مدنية لم يسبب الذعر في صفوف المواطنين، في تناقض واضح مع ما كان عليه الوضع عندما تم نشر القوات المسلحة لقمع الاحتجاجات الشعبية في منطقة الريف (1959‒1958) وفي الدار البيضاء والمناطق المحيطة بها (1981، 1965). هذه المرة رحّب عدد كبير من المواطنين بتواجد القوات المسلحة في الشوارع.
والسبب الراجح هو أن وجود القوات المسلحة في الشوارع كان مجرد بادرة رمزية من الدولة. تمركز الجنود داخل مدرعاتهم في مواقع إستراتيجية في جميع أنحاء المدن الكبيرة، من دون التعامل المباشر مع المواطنين. وكان الهدف من هذا الوجود الرمزي طمأنة السكان وتعزيز وجود الدولة (المخزن) وقدرتها على تنفيذ توجيهات الدولة أثناء حالة الطوارئ الصحية.
تداعيات العلاقات العسكرية المدنية المغربية
إن البروز المتزايد للقوات المسلحة منذ اندلاع الوباء لا يعني بالضرورة دورًا سياسيًا أكبر. إنه على الأرجح علامة على قدرة القوات المسلحة على تحمّل مسؤولية إضافية، ودعم استجابة الحكومة المدنية للوباء من دون التدخل في إدارتها اليومية.
يقدم نصف قرن من العلاقات العسكرية المدنية المغربية سياقًا مهمًا للدور السياسي المحدود للقوات المسلحة الملكية منذ ظهور الوباء. منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، أدت العلاقة بين الدولة والقوات المسلحة إلى قيود شديدة على قدرة القوات المسلحة على التدخل في الشؤون المدنية. يذكر إبراهيم اسعيدي أن النظام الملكي انتهج إستراتيجية منع الانقلاب وإضفاء الطابع المؤسساتي عليه لحماية نفسه من الانقلابات. تضمنت هذه الإستراتيجية استعادة شرعية النظام السياسي الحاكم، وبناء مؤسسات أمنية موازية، وإعادة توزيع الحوافز المادية والامتيازات الاقتصادية، ومأسسة القوات المسلحة من خلال مجموعة من القواعد والمبادئ والإجراءات الدستورية والقانونية بنظام قائم على الجدارة. لقد أبقت هذه الإستراتيجية القوات المسلحة خارج المجال السياسي مع تحديث أجهزتها.
الأهم من ذلك، أن هذه العلاقة لم تتغير خلال الجائحة، حيث يتم التدقيق على القوات المسلحة من قبل الملك نفسه، الذي يظل رأس الدولة وقائد القوات المسلحة. على سبيل المثال، في 7 أيار/مايو 2020، أقال الملك قائد الحرس الملكي بعد تفشي فيروس كورونا في قاعدته في الرباط.
علاوةً على ذلك، لم يبد استقرار النظام السياسي موضع شك، من وهنا كلّف القصر الملكي الحكومة المدنية بإدارة الأزمة. كان من الواضح منذ بداية الوباء أن دور المؤسسة العسكرية سيكون مؤقتًا وأن وظيفتها محددة بشكل دقيق ومحدودة. كما أشار بيان القصر ذاته بوضوح إلى أن الدور الوحيد للقوات المسلحة هو دعم قطاع الرعاية الصحية المدنية.
دفع ازدياد عدد الحالات منذ تموز/يوليو 2020 نظام الرعاية الصحية المدنية المثقل بالأعباء إلى طلب المزيد من الدعم العسكري. وعد نظام الرعاية الصحية المدنية بتجهيز 3000 سرير للعناية المركزة لاستضافة أشد حالات فيروس كورونا، ولكن عندما زاد عدد المرضى الذين يحتاجون إلى العناية المركزة، لجأ قطاع الرعاية الصحية المدنية إلى القوات المسلحة لبناء العديد من المستشفيات الميدانية وتقديم الدعم الطبي على الميدان.
على الرغم من ذلك، لم تفرض القوات المسلحة نفسها بطرق أخرى. لم يخصص قانون حالة الطوارئ الصحية الذي نُشر في 24 آذار/مارس دورًا للقوات المسلحة، لكنه نص على أن إدارة الوباء يجب أن تتم بشكل مشترك وحصري بين وزارتي الداخلية والصحة. هناك مثالان للتوضيح. الأول، ترتيب وتكوين الدوريات الأمنية لفرض حظر التجول ليلًا له تسلسل هرمي واضح، حيث تترأس الشرطة الدوريات، ثم القوات المساعدة، ثم الدفاع المدني (رجال الإطفاء)، ثم المركبات العسكرية. الثاني، لا تضم لجنة اليقظة الاقتصادية، وهي فرقة العمل الرئيسة لاقتراح الاستجابات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا، أي أعضاء من القوات المسلحة.
العلاقات العسكرية المدنية التعاونية
من المرجح أن يستمر الحضور الخفيف للقوات المسلحة وتركيزه على دعم السلطات الصحية المدنية حتى نهاية الوباء. تُظهر هذه الجائحة ميلًا نحو مزيد من التعاون بين السلطات العسكرية والمدنية، على نطاق صغير ولكن متزايد. للمرة الأولى منذ سبعينيات القرن الماضي، أصبحت القوات المسلحة بالفعل تحت السيطرة المدنية على الأرض، وهي فكرة أصبحت أكثر قبولًا ومؤسساتية مع مرور الوقت.
لا تزال هناك تحديات جدية خاصة على الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية. فقد مئات الآلاف من المغاربة وظائفهم وسيتأثر قطاع السياحة بشدة، ليس فقط في العام 2020 ولكن، على الأرجح، أيضًا في العام 2021. قد يكون هناك طلب متزايد للتجنيد في الجيش، وقد تواجه الحكومة أيضًا احتجاجات بسبب تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي. يبقى أن نرى ما إذا كان النظام سيستدعي القوات المسلحة مرة أخرى، لكن يبدو على الأرجح أن السلطات المدنية ستقود هذا الجهد.
*محمد مصباح مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات وزميل مشارك في معهد تشاثام هاوس في لندن.