ثبات السلطوية في الجزائر ومصر وليبيا والسودان
خلقت قدرة الحركات الاحتجاجية على التعبئة والاستمرار فرصة غير متوقعة للانتقال السياسي في السودان والجزائر خلال عام 2019. وفي كل من هاتين الدولتين، فإن التقبّل الضمني للقوّات المسلّحة، إن لم يكن تواطؤها النشط في الإطاحة برئيسين للجمهورية كانت قد ساندتهم في الحكم لفترة طويلة، عزز الآمال في حلول حقبة جديدة من التعددية السياسية والديمقراطية. لقد انخفض سقف هذه التوقعات نتيجة استغلال جائحة فيروس كورونا خلال عام 2020 لترسيخ الحكم السلطوي — كما حدث في العديد من الدول العربية وغير العربية الأخرى — بينما أدى اشتداد الخصومات الجيوسياسية امتدادًا من القرن الأفريقي إلى الصحراء الغربية، إلى إعادة بروز القوّات المسلّحة في شمال إفريقيا. لقد انحسر الأمل الأولي بحدوث تغيير سياسي فعلي في الجزائر، وربما يحدث الأمر نفسه في السودان، ما قد يضع البلدين على مسار مصر منذ انقلاب عام 2013 وليبيا منذ بداية الحرب الأهلية فيها في عام 2014.
ولكن هل كان واقعيًا في الأساس أن نتوقع من القوّات المسلّحة السودانية والجزائرية السماح بتعددية سياسية حقيقية، أو الالتزام بشكل لا رجعة فيه بالتداول السلمي للسلطة عقب الانتخابات الدورية، أو الانصياع للحكومات المدنية؟ بل يشير تاريخ العلاقات العسكرية المدنية في هذين البلدين،كما في مصر وليبيا، اللتين خضعتا لعمليتي انتقال سياسي في عام 2011 واللتين تم إحباطهما لاحقًا، إلى أن قواّتهما المسلّحة ستسعى بأي ثمن تقريبًا للاحتفاظ بموقعها السياسي القّوي في مؤسسات الدولة والحياة الوطنية، وأنها ستستمر بذلك. ربما لم يكن انسحاب القوّات المسلّحة السودانية والجزائرية في عام 2019 أكثر من إجراء تكتيكي.
إن السبب الوحيد لطرح هذا التساؤل إذًا هو أن القادة والجهات المتنفّذة في جميع البلدان الأربعة يواجهون بشكل واضح تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة لا يستطيعون معالجتها. فبدلًا من تحرير (لَبْرَلة) السياسة وزيادة التشاركية في السلطة، تشير التوجهات على مستوى المنطقة برمتها إلى أنهم عوضًا عن ذلك سيركّزون الموارد الشحيحة على خدمة الائتلافات الحاكمة الضيقة بشكل متزايد، فضلاً عن إجبار قطاعاتها العامة الضخمة، التي شكّلت لعقود من الزمن حاضنتها الاجتماعية والسياسية الرئيسة، على تحمل وطأة تقليص الأجور وانخفاض الخدمات والرعاية. ومن المفارقات أن هذا يجعل المؤسسة العسكرية، التي تمثل حاضنة رئيسة في القطاع العام في حد ذاتها، جزءًا لا غنى عنه في الائتلافات الحاكمة لمؤسسات الدولة. افتقرت حركات الاحتجاج الشعبية من النوع الذي أطاح بالرؤساء المتسلطين في مصر وليبيا في عام 2011 وفي السودان والجزائر في عام 2019 إلى الوحدة والتماسك لفرض تغييرات أكثر عمقًا ومنهجية على المنظومة الحاكمة.
عوامل تشكيل السياسة العسكرية
يتباين شكل العقود السلطوية في هذه البلدان الأربعة في شمال إفريقيا، لكن لا يوجد الكثير مما يوحي بأن مثل هذه العقود ستختفي في المستقبل المنظور. ستتشكل السياسة العسكرية، في كلٍ من هذه البلدان، من خلال أربعة عوامل رئيسة. العامل الأول هو العلاقة بين المؤسسة العسكرية ورئيس الدولة، التي كانت الدعامة الرئيسة للنظام السلطوي والضامنة لاستمراره. ولأن المؤسسة العسكرية كانت ترى أصلاً أن الرؤساء قوّضوا التفاهمات الأساسية أو هدّدوا المصالح الحيوية، تمكّنت الحركات الاحتجاجية الشعبية من تعجيل الإطاحة بالرئيسين السابقين حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا في عام 2011، ثم بعمر البشير في السودان وعبد العزيز بوتفليقة في الجزائر في عام 2019. ومنذ ذلك الحين، سعت المؤسسة العسكرية إلى تأكيد استقلاليتها عن القادة الجدد في كل من هذه البلدان، سواء من خلال التعديلات الدستورية في مصر والجزائر أو من خلال المساومة والتنافس مع القادة المدنيين الناشئين والجهات المسلّحة المنافسة في المشهد السياسي والعسكري المتشظي في ليبيا والسودان.
ثانيًا، يتشكّل مسار السياسة العسكرية من خلال العلاقات والديناميات داخل كل من الأجهزة القسرية للدولة وفيما بينها. اضطر الرؤساء في بلدان شمال إفريقيا الأربعة هذه، في عامي 2011 و2019، إلى الاعتماد بشكل أساسي على الشرطة وأجهزة الأمن الداخلي وغيرها من القوّات شبه العسكرية أو قوّات حفظ النظام لقمع الاحتجاجات عندما رفضت القوّات المسلّحة المهمة. ويعكس موقف القوّات المسلّحة إرث التنافس وانعدام الثقة إزاء هؤلاء النظراء، وفي جميع الحالات مكّنها من استعادة النفوذ السياسي. وهذا يفسر عزم وزارتي الدفاع المصرية والجزائرية على تأكيد سلطتهما على أجهزة الأمن الداخلي والاستخبارات في مراحل ما بعد الفترة الانتقالية، ما يعزز استقلاليتهما المتزايدة عن السلطة الرئاسية. في المقابل، إن وجود الجماعات شبه العسكرية المنافسة القوّية يقيد القوّات المسلّحة الليبية والسودانية، ما يؤدي إلى عملية تنازعية تفاوضية ثلاثية الأطراف أكثر تعقيدًا معها ومع الممثلين المدنيين. وفي جميع البلدان الأربعة، يؤدي التنازع بين القوّات المسلّحة وخصومها، والتنافس بين الِشلل و"العشائر" داخل المؤسسة العسكرية، والروابط الخارجة عن المؤسسات بين الضباط والمدنيين إلى تعقيد الأمور. لكن هذه الديناميات لا تتجاوز في أي حال من الأحوال حدود التفاهمات التي ترتكز عليها الائتلافات الحاكمة، ولا تشير إلى استعداد عسكري لتفكيك النظام السلطوي والانتقال إلى الحكم المدني الفعال.
يشكّل التطور المشوّه والاستقلالية المقيّدة بشدة للقطاع الخاص العامل الثالث في تشكيل السياسة العسكرية. إنّ إرث المراحل المتتالية من التأميم الاقتصادي وبرامج الخصخصة المتقطعة، التي ضاعفتها العقوبات الدولية في حالتي ليبيا والسودان، جعل السعي وراء الريع نمطًا اقتصاديًا أساسيًا وولّد رأسمالية المحسوبية. أدى هذا الأمر، إلى جانب التدخلات الحكومية المكثفة التي تستمر في التحكم بالنشاط الاقتصادي للقطاع الخاص، إلى شلّ طبقة رجال الأعمال كقوّة اجتماعية سياسية. وبدلًا من اعتباره حليفًا في النظام السياسي الحاكم، ترى المؤسسة العسكرية في القطاع الخاص منافسًا محتملًا للنظام الحاكم وتسعى إلى مواصلة تهميشه. ولهذا السبب، تفضل المؤسسة العسكرية المحسوبين الجُدد بين رجال الأعمال، حتى في الوقت الذي سهّلت فيه عزل المحسوبين المقربين من الرؤساء السابقين. وعلى نفس القدر من الأهمية، استغلت المؤسسة العسكرية في كل من بلدان شمال إفريقيا الأربعة الضعف الناتج في أداء القطاع الخاص، وضعف طابعه المؤسساتي، واللوائح الحكومية المواتية للظهور كفاعل اقتصادي توسعي بل و مفترس في كثير من الأحيان.
أخيرًا، يتأثر مسار السياسة العسكرية بقدرة الفاعلين المحليين الرئيسين على الاستفادة من الدعم الأجنبي. وهذا يعني في المقام الأول رئيس الدولة والمؤسسة العسكرية، بالتأكيد في مصر والجزائر، مع استثناء جزئي لشخصيات مدنية مثل رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان في ليبيا والسودان. في البلدين الأخيرين، يساهم استعداد الحكومات الأجنبية لتأييد ومساعدة شركاء مختارين بين القوّات المسلّحة الوطنية وخصومها من الجماعات شبه العسكرية في النظرة المحلية تجاه أهمية هذه القوّات وشرعيتها، ويضمن حصتها في ترتيبات الحكم الناشئة والعلاقات العسكرية المدنية. في مصر والجزائر، تُعدّ قدرة الرؤساء على حماية العلاقات مع مقدمي المساعدات العسكرية الأجانب في مواجهة المطالب الدولية باحترام حقوق الإنسان أو التحول الديمقراطي أمرًا أساسيًا للحفاظ على ولاء قواّتهم المسلّحة. فمن خلال تأمين صفقات أسلحة كبيرة على الرغم من قيود الميزانية، يُظهر الرؤساء نفعهم للمؤسسة العسكرية ويوازنونها في آن. إن الأهمية التي توليها الحكومات الغربية لمكافحة الإرهاب ومنع الهجرة غير الشرعية، إلى جانب المنافسات الجيوسياسية مع القوى العالمية والإقليمية الأخرى، تعزز مكانة القوّات المسلّحة في موازين القوى المحلية، بينما تعزز الزيادة في المساعدات العسكرية الأجنبية استقلاليتها وتقلص مساءلتها أمام حكوماتها .
استمرار السلطوية
تكشف هذه العوامل الأربعة أن المؤسسة العسكرية في كل من هذه البلدان الأربعة في شمال إفريقيا لا تزال غير مستعدة للتخلي عن مكانتها المتميزة في الدولة والسياسة. ومع ذلك، فإن هذه المؤسسات العسكرية عالقة في معضلة، إذ لا يمكن أن يؤدي عملها على خدمة مصلحتها الذاتية إلى النتائج المثلى التي تريدها. لا أمل للفاعلين العسكريين الأقوياء في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي ولّدت حركات احتجاجية شعبية في عامي 2011 و2019، والتي تلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى في أعقاب جائحة فيروس كورونا. لقد ساعدت هذه المؤسسات العسكرية في إدامة الظروف التي تولّد الأزمات على مستويات متعددة، لكنها أيضًا تواصل عرقلة الحوار الهادف وإعاقة الإصلاحات التي يمكن أن تحسّن الوضع، معتبرة الإصلاحات تهديدًا لتفوقها السياسي واستقلاليتها.
ومع ذلك، فإن المؤسسة العسكرية هي وحدها القادرة على تحدي عملية إعادة إنتاج النظام السلطوي. فيمكن أن يؤدي الانكماش الاقتصادي والمالي في حقبة ما بعد جائحة كورونا إلى تآكل المكافآت المادية والتفاهمات التي كانت تدعم في السابق حصة القوّات المسلّحة في النظام الحاكم. في هذه الحالة، قد تُجبَر المؤسسة العسكرية على دخول فضاء غير مألوف، حيث يتعين عليها التفاوض مع الجهات الفاعلة السياسية والاجتماعية الأخرى فيما تسعى إلى الحفاظ على مكانتها المتميزة. لكن حدوث تحول جوهري في نمط الحكم يتضمن انسحابًا ولو جزئيًا من قبل المؤسسة العسكرية ليس في الأفق المنظور. بل لا تزال المؤسسة العسكرية في الوقت الحالي شريكًا رئيسًا للنخب الحاكمة التي تستخدم مزيجًا من العنف الصريح والعصبية القومية الضيقة والإقصاء الاجتماعي لإغلاق الباب أمام التفاوض.
العلاقات العسكرية المدنية في مصر السيسي
يظل المنطق الأساسي للعلاقات العسكرية المدنية في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كما كان عليه في مصر منذ عقود، على الرغم من أن ذلك قد يتغير. يجب أن يستوعب الرئيس مؤسسة عسكرية كبيرة ويراعي مصالحها التنظيمية والاقتصادية للاحتفاظ بدعمها وبسلطته في الحكم. ومع ذلك، نظرًا إلى التحديات الكبيرة التي تواجه مصر، من غير المؤكد ما إذا كان السيسي قادرًا على الوفاء بالتزامه في تلك الصفقة. ربما لهذا السبب، قد يسعى إلى قلب الصيغة الأساسية للعلاقات العسكرية المدنية المصرية من خلال زيادة سيطرته الشخصية على المؤسسة العسكرية وقوّات الأمن، وهي استراتيجية محفوفة بمخاطر كبيرة.
سلطة مستقلة للحكم
إنّ حياة السيسي المهنية العسكرية الطويلة وأدواره القيادية، بما في ذلك مناصبه في المخابرات العسكرية وكوزير للدفاع في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، تعني أنه يدرك ويشاطر النظرة الأساسية لأولئك الذين يديرون المؤسسات العسكرية المصرية اليوم. ومع ذلك، فإن مصالح السيسي كرئيس لا تتوافق بالكامل مع مصالح المؤسسة العسكرية. إن كان السيسي غير راغبًا في أن يبقى دمية أو سجلًا خاملًا لمصالح جنرالاته، فعليه الحفاظ على سلطة مستقلة للحكم، وربما قاعدة دعم في الدولة والمجتمع لموازنة اعتماده على القطاع القسري .
في الواقع، كان اعتماد السيسي على مصلحة المؤسسة العسكرية واضحًا منذ البداية، حتى قبل أن يحصل على موافقتها على الترشح للرئاسة في عام 2014. فعلى سبيل المثال، ضمّنت القيادة العسكرية، في إطار الدستور الذي تمت صياغته في أواخر عام 2013، ضمّنت القيادة العسكرية ضوابط حول من يختياره الرئيس كوزير للدفاع عن طريق اشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة على التعيينات لفترتين. كما جعلت المراسيم اللاحقة التي أصدرها الرئيس المؤقت عدلي منصور وزير الدفاع على رأس المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة، وبدلًا من الرئيس كما في الماضي. وعلى الرغم من أن السيسي قد عيّن منذ ذلك الحين وعزل العديد من القادة العسكريين، بمن فيهم وزير دفاعه، فإن هذه الأحكام الدستورية هي تذكير بأنه يحتفظ بهذه الصلاحيات، وفي نهاية المطاف على منصبه بناءً على طلب جنرالاته.
اعتمد السيسي في إدارة علاقته مع المؤسسة العسكرية على تكتيكات مُجرّبة تتعلق بالتنازل لصالح سيطرة القوّات المسلّحة على أجزاء كبيرة من الاقتصاد. بدأ النمط الذي نراه اليوم في مقايضة الولاء العسكري مقابل جزء من الاقتصاد في عهد الرئيس السابق أنور السادات. ومع نزع السلاح في سيناء والتغييرات الأخرى التي كانت مطلوبة في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، سعى السادات إلى تعويض المؤسسة العسكرية (وتوفير وظائف لأفرادها) من خلال توسيع دور القوّات المسلّحة في الاقتصاد المدني تحت رعاية جهاز مشروعات الخدمة الوطنية. في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وخاصة عندما كان عبد الحليم أبو غزالة وزيرًا للدفاع، استولت القوّات المسلّحة على شرائح أكبر من الاقتصاد. ومنذ ذلك الحين، أشرف السيسي على التوسع المطّرد في دور القوّات المسلّحة في المؤسسات التجارية وشرع في مشاريع بنية تحتية جديدة. تظل هذه المؤسسات غير خاضعة للرقابة والمساءلة من قبل الهيئة التشريعية أو البيروقراطية المدنية، وهي معفية من الضرائب، وغالبًا ما تكون قادرة على استغلال العمالة المجندة.
ريسا بروكس
ريسا بروكس أستاذة مشاركة في العلوم السياسية في جامعة ماركيت.
دور إقليمي موسّع
سعى السيسي إلى توسيع الدور الإقليمي للقوّات المسلّحة. فقد قامت البحرية المصرية بالتنسيق مع نظيراتها الإماراتية والسعودية والأمريكية بمهام في البحر الأحمر، بينما شاركت القوات الجوية المصرية والقوات الخاصة في الجيش في دعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. في الآونة الأخيرة، كثّف السيسي تهديداته بمزيد من التدخل العسكري في ليبيا في مواجهة تنامي التدخل التركي وخسائر الجيش الوطني الليبي. وفي حين يستشهد السيسي بمصالح الأمن القومي المصري على أنها الدافع وراء هذه الإجراءات، إلا أنها تلائم أيضًا المصالح التنظيمية للقواّت المسلّحة — وتصوّر ضباطها بأن مصر لديها مؤسسة عسكرية محترفة تركز على التهديدات الخارجية — بينما تُبقي الضباط — على الأقل إلى حدٍ ما — مشتتين بعيدًا عن السياسة الداخلية.
يعزز نشاط السيسي الخارجي أيضًادور مصر كوسيط قوة إقليمي، وهو الدور الذي لطالما كان يتطلع إلى لعبه والذي قد يجد دعمًا كبيرًا داخل المؤسسة العسكرية. ومع ذلك، لم ينجح السيسي دائمًا في التصالح مع قياداته العسكرية من خلال سياساته الخارجية — فقد أثار قراره بالتنازل عن جزيرتين مصريتين للسعودية قلقًا كبيرًا لدى هؤلاء الجنرالات.
الباب الدوّار في القيادة
يدير السيسي القطاع القسري من خلال استخدام أسلوب مُجرّب للعلاقات العسكرية المدنية الأوتوقراطية: ألا وهو تدوير وإقالة الأفراد العسكريين من أجل تعيين ضباط موالين ومخلصين له في مناصب مهمة — وهي تكتيكات استخدمها حتى قبل أن يصبح رئيسًا. ساعدته خبرته السابقة في الاستخبارات العسكرية في تنظيم هذا الباب الدوّار لضباط القوّات المسلّحة من خلال تعيينات وإقالات في المناصب القيادية.
السيسي ليس أول رئيس يستخدم هذه الأساليب. فقد كان السادات يعيّن ويقيل القادة العسكريين بانتظام، مثل أولئك الذين عارضوا خطته الحربية المحدودة في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973. في الثمانينيات من القرن الماضي، قام مبارك بتهميش أبوغزالة، خوفًا من احتمال قيام هذا القائد العسكري ذو الشخصية الكاريزمية بحل محله أو تهميشه. بعد ذلك، فضّل مبارك استخدام التكتيك الناجم عن هذا الأسلوب بالحث على الولاء — كتثبيت القادة المتملقين غير الكاريزماتيين، مثل تسمية المشير محمد حسين طنطاوي وزيرًا للدفاع.
مع ذلك، فقد ارتقى السيسي بهذه الممارسة إلى مستوى جديد في بعض النواحي، ليس فقط من خلال وضع الحلفاء في مناصب مهمة، ولكن أيضًا من خلال احتمال استخدام هذا النفوذ الجديد لترويض المؤسسة العسكرية ككل. ومن الأمثلة على ذلك حالة محمود حجازي، الذي كان قائدًا للقوّات المسلّحة من آذار/مارس 2014 إلى أن عزله السيسي في كانون الأول/ديسمبر 2017. كان لدى السيسي روابط نسب مع حجازي، ولم يكن هناك أي مؤشر خارجي على عدم الولاء. في حين أن الإقالة حدثت في أعقابكم ينأدى إلى مقتل عناصر من الشرطة من قبل المتمردين في شبه جزيرة سيناء. من المرجح أن خطأ حجازي الرئيس كان ولاءه الأول، مثله مثل القيادات المؤسساتيةالأخرى في القوّات المسلّحة، للمؤسسة العسكرية، وليس للسيسي. كان السيسي يكشف قدرته الديكتاتورية الطبيعية، ويستعرض حقه في إقالة الأفراد من أجل ردع الآخرين عن معارضة حكمه.
تحويل العلاقات العسكرية المدنية
في الواقع، قد يهدف السيسي إلى تغيير أسس العلاقات العسكرية المدنية المصرية، باعتماد أساليب شائعة في الأنظمة التي تُظهر نكهة أكثر شخصانية، كما هو الحال في العراق وليبيا وسوريا. فقد عيّن أفرادًا من عائلته في مناصب مهمة في جهاز الأمن، بمن فيهم أحد أبنائه، والذي ساعد بدوره في تنظيم عمليات التطهير والإقالة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم السيسي التنافس بين القوّات المختلفة لإبقاء القطاع الأمني تحت السيطرة.
ومع ذلك، لم يتخذ السيسي الخطوة التالية المعهودة في هذه الأنواع من العلاقات العسكرية المدنية الشخصانية، من خلال إنشاء وحدات عسكرية جديدة أو قوات شبه عسكرية يرأسها أولئك الذين تربطهم علاقات وثيقة (وربما عائلية) يتم تجنيدهم من خارج هرم القيادة العسكرية. تميل المؤسسات العسكرية مثل القوّات المسلّحة المصرية إلى الشك بشدة في الإهانات التي تتعرض لها نزاهتها التنظيمية، لذا فأي جهد لإنشاء وحدات أمنية جديدة ومستقلة ومجهزة وممولة تمويلًا جيدًا يمكن أن تتسبب خلاف خطير مع المؤسسة العسكرية.
بينما نادرًا ما تظهر التوترات أمام الرأي العام، إلا أن هناك إشارات عرضية على عدم الرضا عن قيادة السيسي. أحد الأمثلة البارزة هو المحاولة الفاشلة من قبل المهندس العسكري السابق العقيد أحمد قنصوة للترشح للرئاسة ضد السيسي، والتي أعلن عنها في مقطع فيديو على يوتيوب في تشرين الثاني/نوفمبر 2017.
الحاجة إلى قاعدة اجتماعية
في الوقت الحالي، لا يزال السيسي مدينًا بفضل مؤسسة القوّات المسلّحة، ومستعداً لقبول نفوذها الملحوظ للحفاظ على تواطئها مع حكمه. ومع ذلك، فإن الاعتماد ببساطة على المؤسسة العسكرية أو الجمهور داخل قطاع الأمن كقاعدته السياسية يترك السيسي ضعيفًا، ومن المحتمل أن يكون مُستَهلكًا كزعيم سياسي للبلاد. وبذلك يوفر الدعم من دول الخليج قاعدة بديلة من خلال ضخ الأموال لمشاريع البنية التحتية الضخمة وما شابه ذلك. لكن هذا مختلف عن وجود قاعدة قوة له بين النخب أو في المجتمع.
هذا درس فهمه أسلاف السيسي جيدًا. فقد أنشأ الرئيس السابق جمال عبد الناصر الاتحاد الاشتراكي العربي في عام 1962 جزئيًا لحشد قاعدة دعمه بين الطبقة العاملة والطبقات المتوسطة الدنيا ولتعزيز دفاعاته ضد عبد الحكيم عامر وزير الدفاع في ذلك الحين وأحد المنافسين الرئيسين لناصر. وقام السادات بتمكين الطبقة البرجوازية من خلال سياسة الانفتاح الاقتصادي، والتي خلقت أيضًا طبقة من الوسطاء بين الدولة والقطاع الخاص. كما سعى إلى تعزيز موقفه من خلال التحرر السياسي والاحتكام إلى الدين، وهي إجراءات تزامنت مع إعادة تأهيل نفوذ الإخوان المسلمين. واعتمد مبارك على الحزب الوطني الديمقراطي، ومن خلال ابنه جمال، بنى جيلًا شابًا من نخب رجال الأعمال إلى جانب الجيل الأكبر سنًا. كما قام بتحويل الأموال ورفع المكانة السياسية لوزارة الداخلية لضبط نفوذ المؤسسة العسكرية، ما أثار استياء العديد من قياداتها.
معضلة السيطرة
وبالتالي، فإن الخطوة الطبيعية للسيسي في ترسيخ سيطرته على المؤسسة العسكرية هي توفير جمهور مناصر له خارجها. يشكّل هذا معضلة إلى حدٍ ما. هناك القليل الذي يمكن من خلاله خلق ذلك الجمهور في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، والقطاع القسري الذي يمتص الموارد الإنتاجية فيها. ربما لهذا السبب، يفضّل السيسي قمع الجماهير المدنية بدلًا من رعايتها. في ظل حكمه، تلاشت استقلالية وموارد الجهات الفاعلة والمؤسسات المؤثرة سابقًا — مثل الحزب الوطني الديمقراطي ونخبة رجال الأعمال ووسائل الإعلام والجامعات. تشبه مصر بشكل متزايد دولة بوليسية، ما عدا غياب الكفاءة القاسية التي غالبًا ما تتميز بها هذه الدول.
وهكذا يبدو أن السيسي يعتمد على قدرته على إبقاء المؤسسة العسكرية سعيدة للحفاظ على منصبه، وفي نفس الوقت يعتمد على قدرته في التلاعب والسيطرة على المنافسة داخل القطاع القسري. هذه الصيغة لها مخاطر. فهي تخلق حالة من الاستياء داخل المجتمع المصري، ما يجعل السيسي أكثر اعتمادًا على التهديدات القسرية — ومتعهدي تلك التهديدات — ما سيؤدي بدوره إلى تحويل السلطة إلى قطاع الأمن. يجب على السيسي بعد ذلك أن يُشبع شهية المؤسسة العسكرية المتزايدة للموارد والفصائل القوية داخلها. هذا الأمر صعب بما فيه الكفاية، لكن يجب عليه أن يفعل ذلك، والحفاظ في الوقت نفسه على الاستقرار السياسي الذي تثمّنه المؤسسة العسكرية ويدعم إمبراطوريتها الاقتصادية. إذا تعثر السيسي، فقد تتواطأ القيادات العسكرية لاستبداله. وبدلًا من ذلك، قد تأخذ بعض المجموعات بينها زمام المبادرة وتبني جسورها الخاصة مع النخبة أو المجتمع، لتهميش السيسي أو الإطاحة به خلال هذه العملية. في كلتا الحالتين، قد يجد السيسي صعوبة متزايدة في البقاء على رأس القطاع القسري القوي والمتوسع بصورة متزايدة في مصر.
حكاية جيشين
في 20 كانون الثاني/يناير 2020 التقى عددٌ من زعماء العالم في ألمانيا وأعلنوا عن إطار الحوار الليبي الداخلي الذي يهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية الليبية الأخيرة بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والقوّات المسلّحة العربية الليبية التابعة للمشير خليفة حفتر من خلال توحيد القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية المتنافسة تحت إشراف المجلس الرئاسي المعاد تشكيله، بصفته القائد الأعلى للقّوات المسلّحة.
لكن الحرب الأهلية استؤنفت في آذار/مارس 2020 وانهارت المحادثات السياسية لتصل لاحقًا إلى طريق مسدود. إلا أن الفصائل المتخاصمة توصّلت إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم في تشرين الأول/أكتوبر 2020، تضمّن أيضًا إحياء هدف الوحدة العسكرية. والمفترض أن تخدم مؤسسة عسكرية موحّدة الحكومة المؤقتة التي شكّلها منتدي الحوار السياسي الليبي في 5 شباط/فبراير 2021، حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في كانون الأول/ديسمبر 2021. يتيح وقف إطلاق النار فرصة قصيرة الأمد لإحلال السلام. لكن عملية التوحيد التي تقودها الأمم المتحدة والإطار المؤسساتي لما بعد النزاع سيحدد الطابع السياسي للدولة، وستتحدى العلاقات العسكرية المدنية الناتجة بشكل جدي التحول الديمقراطي في ليبيا.
تسوية سياسية
ستُحدد سمتان رئيستان لاتفاق التوحيد العسكري العلاقات العسكرية المدنية. أولًا، يمنح الاتفاق الشرعية المؤسساتية للقوّات المسلّحة العربية الليبية، التي اعتُبرت لسنوات المؤسسة العسكرية النظامية الوحيدة في البلاد. يعطي هذا الاتفاق الأفضلية للقوّات المسلّحة العربية الليبية منذ البداية، مع خطة لتصنيف الجماعات المسلّحة في جميع أنحاء ليبيا والتمييز بين القوّات النظامية التي يجب الحفاظ عليها والميليشيات التي ينبغي تفكيكها. ثانيًا، ستُختتم المحادثات السياسية باستبدال رئاسة حكومة الوفاق الوطني المكونة من تسعة أشخاص، بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج، بما يسمى بمجلس رئاسي مكون من ثلاثة أشخاص. يقاس الاختلال الوظيفي للرئاسة المكونة من تسعة رجال برفض المجلس الرئاسي منذ عام 2016 من قبل حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي يعتبر الداعم السياسي الرئيس والمخطّط للقوّات المسلّحة العربية الليبية.
أنس القماطي
أنس القماطي هو مؤسس ومدير عام معهد صادق في طرابلس.
تستند عملية التوحيد التي تقودها الأمم المتحدة إلى الاعتقاد بأن السلام الدائم يمكن تحقيقه من خلال تسوية بين حكومة الوفاق الوطني والقوّات المسلّحة العربية الليبية على أساس إضفاء الشرعية المؤسساتية على القوّة العسكرية التابعة لحفتر ومجلس رئاسي وسلطة تنفيذية معاد تشكيلهما حديثًا ، وإن كانا ضعيفين، لتوجيه البلاد نحو الانتخابات الوطنية. يمثل هذا الأمر إشكالية للعلاقات العسكرية المدنية لسببين. أولًا، بخلاف الشارة والزي العسكريين، فإن القوّات المسلّحة العربية الليبية ليست جيشًا غير نظامي فحسب، بل هي في الواقع جيشان غير نظاميين — أحدهما يتمثل بمستوى أدنى مكون من شبكة تقليدية قَبلية مصمم للتحصين ضد الانقلابات والحفاظ على نظام استبدادي، والآخر يتمثل بمستوى أعلى مكون من حرس إمبراطوري مصمم لإبقاء الشبكة التقليدية القبلية تحت السيطرة والحفاظ على السلطة الاستبدادية لرئيسها. لا تتوافق الأسس التأسيسية للقوّات المسلّحة العربية الليبية مع الحكم الديمقراطي المدني.
ثانيًا، من خلال إعادة تشكيل المجلس الرئاسي والسلطة التنفيذية لإرضاء القوّات المسلّحة العربية الليبية، تخلق اتفاقية السلام سابقة خطيرة وتتحدى مبدأً أساسيًا في الدول الديمقراطية — الحياد العسكري والخضوع للحكم المدني. إن الصورة على المدى القصير تبدو قاتمة. فمن خلال إضفاء الشرعية على القوّات المسلّحة العربية الليبية، ستواجه الحكومة الجديدة مقاومة كبيرة من قبل العديد من الجماعات المسلّحة والمجتمعات في ظل حكومة الوفاق الوطني، التي عانت من استنساخ للجيش في عهد الزعيم السابق معمر القذافي وأطاحت بهذا النظام خلال الثورة في عام 2011. ومن ثم فإن إعادة تشكيل المجلس الرئاسي يمكن أن تؤدي أيضًا إلى تجدّد النزاع عندما يتم استبدال إعادة تشكيل المجلس الرئاسي المفضل للقوّات المسلّحة العربية الليبية من خلال انتخابات رئاسية ديمقراطية في نهاية عام 2021.
تاريخ قوّات مسلّحة من مستويين
بعد مرور ما يقرب من عقد من الزمن على سقوط القذافي، لا تزال المؤسسات الليبية في وضع صعب للغاية. ولا يمتلك أي من الفصيلين السياسيين المتنافسين قوّات عسكرية نظامية. لا تملك حكومة الوفاق الوطني جيشًا نظاميًا وقد تم إنقاذها إلى حد كبير من قبل الجماعات المسلّحة والميليشيات التي احتشدت من جميع أنحاء غرب ليبيا خوفًا من عودة الحكم الاستبدادي تحت قيادة القوّات المسلّحة العربية الليبية في 4 نيسان/أبريل 2019. في المقابل، غالبًا ما توصف القوّات المسلّحة العربية الليبية بأنها الجيش النظامي والوطني الوحيد في ليبيا، لكنها في الواقع إعادة تجسيد لجيش نظام الجماهيرية السابق، وهي قوّات مسلّحة من مستويين صممها القذافي للحفاظ على قبضته الاستبدادية على ليبيا لأكثر من أربعة عقود. يشار إلى المستويين من هذا النظام العسكري باسم جيش أبو بكر، على اسم وزير الدفاع السابق المقرب من القذافي أبو بكر يونس جابر، وجيش معمر الذي يتكون من كتائب النخبة التي خدمت مباشرة تحت قيادة القذافي.
جيش أبو بكر
خشي القذافي حدوث انقلاب في السنوات الأولى من حكمه فأضعف جيشه قبل أن يحوله إلى أداة للحفاظ على النظام. تم إضعاف جيش أبو بكر في البداية — من خلال التآكل التدريجي لقوّاته الاحتياطية، والتفكيك الروتيني للوحدات العسكرية التي كان القذافي يخشى من إمكانية تآمرها ضده، وتفكيك نظام اتصالات هذا الجيش — لمنعه من تنظيم انقلاب. مع ذلك أظهر الانقلاب العسكري الفاشل في عام 1993 أن جهود الإضعاف هذه لم تكن كافية، وسارع القذافي في عملية هندسة اجتماعية من أجل توليد ولاء قبلي وثقافة ريعية داخل الجيش والمجتمع ككل.
أسس القذافي اللجنة الشعبية الاشتراكية في عام 1994 وكلّفها بتشجيع الهوية والانتماء القبلي، لا سيما في الجيش، لخلق شعور بالاستثمار في استمرارية نظام القذافي والحفاظ عليه. قدّم نظام الرعاية القبلية هذا لأفراد القبائل امتيازات اجتماعية واقتصادية جديدة من خلال الفساد الاقتصادي. نشأت ثقافة الريعية في المجتمعات القبلية الأوسع، مدفوعة بالفساد الصغير والتوظيف في الحكومة من أجل توليد السلطة والامتيازات والحفاظ على النظام الحاكم. لم يكن جيش أبو بكر مصممًا لمحاربة عدو خارجي، بل كان نظام رعاية داخلي مصمم لإحباط أي محاولة محلية للإطاحة بحكم القذافي الاستبدادي من قبل المجتمع الأوسع.
جيش معمر
في المقابل، تم تشكيل جيش معمر وتدريبه لمكافحة التهديدات الخارجية بحيث يعمل كحرس إمبراطوري، وإبقاء التهديدات الداخلية وجيش أبو بكر تحت السيطرة. قاد الوحدات العسكرية في هذا الجيش مقربون من القذافي ولاحقًا أبناؤه، مثل كتيبة امحمد المقريف، بقيادة البراني اشكال، والكتيبة 32 تحت قيادة خميس القذافي. كانت سياسة القذافي ناجحة في تحقيق التوازن حتى أسقط الربيع العربي نظام الجماهيرية من خلال عملية انشقاقات عن جيش أبو بكر، والتدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي، وما تلاه من إنشاء جماعات مسلّحة ثورية جديدة أدت إلى تآكل احتكار القوة الذي كان يتمتع به سابقًا جيش أبو بكر وجيش معمر.
جيش حفتر ذو المستويين
أسّس حفتر القوّات المسلّحة العربية الليبية في عام 2014 في شرق ليبيا على خلفية اغتيالات وصراع على السلطة بين الجماعات القبلية والثورية المسلّحة في بنغازي. بدأ على الفور في تشكيل شبكة تقليدية قبلية تشبه جيش أبو بكر. وعيّن بلعيد شيخي رئيسًا للجنة شعبية اشتراكية جديدة مكلفة بتوفير رعاية قبلية بدوية في غالبها في القوّات المسلّحة العربية الليبية. نجح حفتر وصالح في تشجيع ولاء القبائل البدوية من خلال تعيينهم في مناصب قيادية عُليا في القوّات المسلّحة العربية الليبية. ومع ذلك، كان للأسس القبلية للقوّات المسلّحة العربية الليبية تأثير كبير على النسيج الاجتماعي لشرق ليبيا. وبدأ كبار قادة القوّات المسلّحة الليبية يطالبون صراحة بإحراق المنازل والتهجير القسري للقبائل غير البدوية — الذين يُدعون بالأتراك — ما أدى إلى تهجير أكثر من 100 ألف نسمة من أهالي بنغازي.
صمّم حفتر نظام حرس إمبراطوري خاص به على أساس الولاء الديني والعائلي. أنشأ حفتر مجموعة من الكتائب المدربة والمجهزة جيدًا بقيادة ابنه صدام حفتر وصهره أيوب الفرجاني، المنتمي إلى الكتائب السلفية المدخلية المرتبطة بحفتر بعقيدة دينية. انضم مثل هؤلاء إلى القوّات المسلّحة العربية الليبية كواجب ديني، عندما أصدر زعيمهم الديني في المملكة العربية السعودية فتوى في عام 2014 تنص على أن حفتر هو الحاكم الشرعي في ليبيا. يوجد انقسام واضح بين الجماعات القبلية المسلّحة النظامية في القوّات المسلّحة العربية الليبية والحرس الإمبراطوري السلفي التابع لحفتر، والذي يتوفر لديه معدات وتدريب أفضل ويتحكم في مخزونات أكبر بكثير من الأسلحة والذخيرة.
استخدم حفتر نهج الجزرة والعصا لإبقاء جيشه القبلي تحت السيطرة. القوّات المسلّحة العربية الليبية متجذرة ومشاركة بعمق في اقتصاد النهب، حيث تسيطر الجماعات المسلّحة في القوّات المسلّحة العربية الليبية على جزء كبير من الاقتصاد العام الشرقي أو تحت إشراف هيئة الاستثمار العسكري التي أنشأتها القوّات المسلّحة العربية الليبية لتوليد الدخل وتوزيعه على حفتر وجماعاته المسلّحة الأكثر ولاءً. ومع ذلك، لم يتردد حفتر في مواجهة المستوى الأدنى من القوّات المسلّحة العربية الليبية واستخدام العنف والإكراه في حال تحديهم له. أصدر فرج اقعيم، قائد كتيبة من بنغازي في القوّات المسلّحة العربية الليبية، إنذارًا لحفتر لمغادرة شرق ليبيا في عام 2017. ورد حفتر بإرسال كتائب نجله لاعتقال اقعيم واستعادة النظام.
ثقافة عدم الثقة
على الرغم من العلاقات الاجتماعية والسياسية الراسخة والنظام التقليدي، يخشى حفتر جيشه ولا يثق به، حيث ذهب إلى حد تزويروفاته في عام 2018 من أجل تحديد ولاء قادته القبليين. لجأت القوّات المسلّحة العربية الليبية إلى استخدام المرتزقة الذين تم تجنيدهم إلى حد كبير من قبل الإمارات العربية المتحدة وروسيا كمكمّل للحرس البريتوري وكبديل عن النواة القبلية للقوّات المسلّحة العربية الليبية، والتي لم يتمكن حفتر من تزويدها بالسلاح وإرسالها إلى طرابلس دون المخاطرة بحدوث تمرد في بنغازي.
لدى القوّات المسلّحة العربية الليبية حساسية خاصة تجاه النقد. أنشأت هذه القوّات لجنة عسكرية في نيسان/أبريل 2020 لمواجهة جائحة كورونا وهدّدت علنًا باحتجاز الليبيين في الداخل والخارج لانتقادهم جهودها في مكافحة الجائحة. تم اختطاف عضو برلماني لانتقاده العلني هجوم القوّات المسلّحة العربية الليبية على طرابلس في تموز/يوليو 2019، وتم قتل ناشط بارز بعيار ناري في بنغازي لانتقاده انتهاكات القوّات المسلّحة العربية الليبية في شرق ليبيا. يوضح هذا الأمر عملية إحداث التوازن المعقدة والمطلوبة للحفاظ على النظام، ولكن أيضًا يوضح التحدي طويل المدى المتمثل في الحفاظ على القوّات المسلّحة العربية الليبية كقوة موحدة ومتماسكة. إن القوّات المسلّحة العربية الليبية هشّة للغاية، وتتمحور حول لعبة وطنية تقوم على نظريتي فرّق تسد والولاء من خلال العائلات والفتاوى. إذا مات حفتر أو تم استبداله، فلن تنهار القوّات المسلّحة العربية الليبية فحسب، بل يمكن أن يؤدي ذلك إلى إعادة فتح النزاعات القديمة وبدء حروب جديدة.
السلام بأي ثمن؟
على الرغم من أن الأمم المتحدة قد قدمت ضمانات للانتقال الديمقراطي ما بعد النزاع في ليبيا، إلا أن إطارها التفاوضي والمؤسساتي لإنهاء النزاع الليبي الحالي يتعارض مع الواقع ويلقي بظلال من الشك على العملية الانتقالية والآفاق طويلة الأجل لعلاقات عسكرية مدنية سليمة. يحفز مسار الحوار العسكري مشاركة القوّات المسلّحة العربية الليبية على أساس الشرعية المؤسساتية المهمة والاعتراف الدولي من قبل الأمم المتحدة، لكن لا يشترط هذا المسار وجود إصلاح هيكلي يهدف إلى تحويل القوّات المسلّحة العربية الليبية إلى مؤسسة خاضعة للدولة ومحايدة وضمان توافقها مع الانتقال السياسي. لا يزال المسار العسكري هو فرصة الإصلاح الوحيدة، ولكنه سيواجه مقاومة كبيرة في شكله الحالي من قبل المدنيين والجماعات المسلّحة على حد سواء، إذ يخشى هؤلاء من نظام حُكم تُقرّه الأمم المتحدة سبق لهم أن حملوا السلاح للإطاحة به في عام 2011، ثم قاتلوا لمقاومته مرة أخرى في نسخته الأخيرة خلال محاولة استيلاء حفتر على السلطة في عام 2019.
يبقى الشاغل الرئيسي هو دور ووظيفة المجلس الرئاسي وعلاقته بالقوّات المسلّحة. لقد أنجزت القوّات المسلّحة العربية الليبية ما لم تستطع تحقيقه من خلال الحرب بشكل أساسي عبر المفاوضات ودون تنازلات: إطار تفاوضي يمنحها شرعية مؤسساتية مهمة واعترافًا سياسيًا دوليًا دون إصلاح، فضلًا عن وجود واجهة للحكم المدني لا تشكك في سلوكها أو تسعى للتلاعب أو إصلاح هيكليتها المكونة من عدة مستويات أو الهياكل القبلية فيها. يضمن إطار عمل الأمم المتحدة سلامًا قصير المدى على حساب الطابع السياسي للدولة طويل المدى، والذي سيتم تحديده على مدار الشهور التسعة للفترة الانتقالية في ليبيا. فبدون وجود إصلاحات عسكرية حاسمة لتكوين وهيكليات القوّات المسلّحة العربية الليبية، ستظل ليبيا في طريقها إلى نزاع آخر قبل نهاية عام 2021.
الدور السِيَّاسي للقوّات المسلّحة في الجزائر الجديدة
تُوصف المؤسسة العسكرية الجزائرية عادةً بأنها دولة داخل الدولة ، وكامتداد لجيش التحرير الوطني، الجهاز السياسي لجبهة التحرير الوطني التّي خاضت حرب الاستقلال (في الفترة الممتدة بين 1954 و 1962)، الأمر الذّي منح النخب العسكرية شرعية لإدارة البلاد بالتحالف مع نخب مدنيَة سلطوية مقربة منهَا، وإقصاء النخب ذات التوجهّات الديمقراطيَة. و على الرغم من هذا التميّز الذّي حظيتبه المؤسسة العسكرية ضمن النِظام السياسي الحاكم، لم تخلو الساحة السياسية الجزائرية تاريخيًا من المنافسة بين الرئاسَة وجهاز المخابرَات من جهة والنخبة العسكريَة من جهة أخرى، حيث كانت تلك الجهة الأولى قادرة على التفاوض مع النخب العسكرية وتحييدها .
تميز حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (في الفترة الممتدة بين 1999 و 2019) بتحقيق مكاسب كبيرة في صراعهِ مع الجنرالات؛ وذلك من خلال استغلال مكانته الدوليّة لمنع شبح الملاحقات الدولية عن القادة العسكريين المتورطّين في الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، والتي شهدت مقتل 200000 مدني، والمعروفة بالعشرية السوداء . لقد حظي بوتفليقة بدعم جهاز المخابرات بقيادة الجنرال توفيق (محمد مدين)، خاصةً في الفترة ما بين عامي 1999 و2006. وقد انتهى هذا الدعم خلال الصراع مع الجنرالات بتثبيت حليف بوتفليقَة، أحمد قايد صالح على رأس أركان الجيش.
استراتيجية الواجهة المدنية للعسكريين
منذ الإطاحة ببوتفليقة في العام 2019، شهدت "الجزائر الجديدة" تغيّرات في موازين القوّة لصالح النخب العسكرية المؤثرة من دون منافسين سياسيين أو أمنيين حقيقيين؛ لقد خاض بوتفليقة معركةً شرسةً أشبه بتصفية حسابات شخصيَة مع القادة العسكريين؛ وإن وجدت أيّ رغبة عند الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون في فرض سيطرته على العسكر فهو لن يجد حليفًا قوّيًا في صفوف قوى الأمن إذ قام بوتفليقة بتهميش أجهزة المخابرات، وألحقها خليفته أحمد قايد صالح بصورة غير دستورية بالمؤسسة العسكرية عقب إقالة مدير المخابرات بشير طرطاق في سياق حراك 22 شباط/فبراير 2019 .
بلقاسم القطعة
بلقاسم القطعة هو باحث مساعد في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة.
بعبارة أخرى، يبدو أنّ الرئيس تبّون غير مجهز للضغطِ على القادة العسكريين؛ فمن جهة، تلاشت مخاوف الجنرالات من الملاحقات الدولية بفعل المصالحة الوطنية والتغيرات في صفوف كبار الضباط، ومن جهة أخرى يبدو أنّ الملفات التّي ملكها جهاز الاستعلام والأمن (التسمية السابقة للمخابرات الجزائرية) فقدت قدرتها على الضغط وانتزاع تنازلات من النخب العسكرية. إضافةً إلى كل ما سبق، تخلو الساحة السياسية من أي شخصية مدنية ذات رأس مال سياسي يستطيع أن ينتشل الرئاسة من الرعاية العسكريَة .
عادت المؤسسة العسكرية إذًا إلى السياسة كخصمٍ سياسي وحكمٍ وكصانعة قرار؛ لكنّ هذه المرة من دون رئاسة قوية منافسة لها ومن دون جهاز مخابرات قادر على الضغط عليها . لقد احتكمت المؤسسة العسكرية إلى الحركة الشعبية، المعروفة بالحراك، وسلبت شرعيتها من الشارع، وحوّلت مطلب الشعب بالتغيير، إلى تغيير ضمن نفس النظام ووفق الثقافة السياسية القائمة على سيادة المؤسسة العسكرية على الحكم المدني.
على المدى القريب ستضغط المؤسسة العسكرية على تبّون للقيام بمزيد من الإصلاحات، والتّي على الأغلب ستقتصر على تجديد المؤسسات التمثيلية وإجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادِية كافية لتأجيل عودة الجماهير إلى الشارع. وعلى المدى المتوسط، سيكون الجيش مجبرًا على إيجاد بديل للرئيس تبّون (البالغ من العمر 75 سنَة) الذّي فشل في تقديم نفسهِ كمصلح ذو مصداقية كونه أحد بيروقراطيي نظام بوتفليقة والذّي تدرّج في سلّم الوظائف وصولًا إلى منصب رئيس الوزراء. وقد تصبح المؤسسة العسكرية لاحقًا مجبرًة على تعيين شخصية أقّل معارضة من داخل أو خارج نظام الحكم ، وقادرة على تقديم تنازلات للمؤسسة العسكرية؛ وفي أي حال لا يمكن لأيّ رئيس في الجزائر حتى لو كان منتخبًا بطريقة ديمقراطية أن يُحدث تغييرًا بارزًا ما لم تتعاون معه النخبة العسكرية، إذ تعتبر المؤسسة العسكرية حاليًا الجِهاز الأقوَى في الدولة.
اليد العسكرية العليا في السياسة الخارجية
لطالما كان للقادة العسكريين صوتٌ مسموع في صناعة السياسة الخارجية وتوجيهها؛ لكن، مقارنةً بفترة حكم بوتفليقة سيكون للمؤسسة العسكرية في الجزائر الجديدة الصوت الأعلى في إدارة الملفّات الأمنية والإقليمية والدولية ، وذلك بسبب طبع الرئيس تبّون السياسي ومحدودية علاقاته العامّة خارجيًا. مستقبلًا ، ستزداد حدّة فرضِ وجهة نظر المؤسسة العسكرية على توجهّات السياسة الخارجية الجزائرية كالحفاظ على العداء الاستراتيجي مع المغرب قائمًا، والانخراط دبلوماسيًا في نزاعات منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، والحفاظ على الوضع القائم في العلاقة مع فرنسا، والدفع نحو المزيد من الاعتماد على روسيا كحليف استراتيجِي بحجّة التطبيع المغربي-الإسرائيلي.
وعلى الرغمِ من سماح التعديلات الدستورية لعام 2020 للمؤسسة العسكرية بالقيام بمهام أمنيَة خارج الحدود الوطنية ، لن تخوض هذه الأخيرة أي حربٍ كبرى في المنطقة وذلك لتجنّب التورّط العسكري المباشر ومعارضة المجتمع الجزائري للقتال خارج الحدود الوطنية . ستعمل المؤسسة العسكرية على أداء مهمّات استخباراتية وقتالية محدودة خاصّة على الحدود الجنوبية، كمراقبة وملاحقة الجماعات الإرهابية والمهربين والجماعات الإجرامية الدولية. كما ستعمل القيادة العسكرية على التنسيق أكثر مع فرنسا لكونها القوّة الأهّم في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وستتحرك بحذر في إطار الاتحّاد الإفريقي.
حماية الفساد عن طريق محاربته
ستتخذّ محاربة الفساد داخل المؤسسة العسكرية صيغة مشابهة لما وصفته دالية غانم "الحد من التغيير عبر التغيير"؛ أيّ حماية الفساد عن طريق المعركة التّي يخوضها النظام الحاكم ضدّه، والتركيز في هذا الإطار على الفساد الاقتصادي والحصول على مكاسب مالية وامتيازات اقتصادية خارج الإطار القانوني الذّي ينظّم معاشات وامتيازات العسكريين. لا يوجد في الجزائر اقتصاد عسكري على النمط المصري؛ أي لا تنخرط المؤسسة العسكرية في نشاطات تراكم الثروة عن طريق الأعمال الاجتماعية والعسكرية بالتعاون مع مدنيين، واستثمار الموارد في مشاريع تجعل المؤسسة العسكرية منافسة للمدنيين في السوق. في الجزائر الجديدة، يوجد صناعة عسكرية محدودة التأميم معتمدة على شركاء أجانب؛ ولعلّ الطابع الريعي للاقتصاد الجزائري المعتمد على ريع النفط والغاز الذّي يوفّر ميزانيات عالية للدفاع من دون الخضوع للمساءلة البرلمانيَة والتحقيق الإعلامي يَحول دون تطوّر نموذج اقتصاد عسكري جزائرِي. هذا بدوره، لن يحقق إلا القليل في إطار الحد من الفساد.
في سياق اقتصادِي ريعي، ومع غياب اقتصاد عسكري ضخم ومعقّد يجد القادة العسكريون طرقًا أخرى للحصول على منافع موازية؛ في البدء تشكّل بيروقراطية الدولة المدنية مصدرًا للامتيازات والمداخيل. على المستوى الوطني تتفاوض النخبة العسكرية مع الوزراء والمدراء العامين لإفادة مشاريعهم العقارية والحصول على تسهيلات اقتصادية وجبائية وتخفيف القيود البيروقراطية؛ كما تسهم الشركات العائلية في حصول النخبة العسكرية على مناقصات وصفقات وطنية مع وزارة الدفاع الوطني، ومع باقي الوزارات. على المستوى الجهوي، تتشكّل شبكة مصالح مكونة من العسكريين ذوي النفوذ والمحافظين، يلعب فيها القادة العسكريون على المستوى الجهوي من جهة، والنخب المدنية التقليدية للنظام الحاكم (المنتمين إلى الحزب الحاكم غالبًا) دورًا محوريًا من جهة أخرى. وأخيرًا، على المستوى المحلّي تتشكّل شبكات مصلحة وفساد بين رؤساء البلديات والأمناء العامين للبلديات وقيادات عسكرية دنيا كقيادات الدرك الوطني (وهي قوّات شرطية تابعة لوزراة الدفاع الوطني).
وخارج بيروقراطية الدولة الرسمية، تجد المؤسسة العسكرية ضالتها في الاقتصاد الموازِي الذّي تعدّ المناطق الحدوديَة بيئةً خصبة له (على طول الحدود مع تونس وليبيا شرقًا، ومع المغرب وموريتانيا غربًا، ومع مالي والنيجر جنوبًا)؛ وتشمل عمليات التهريب طيفًا واسعًا من النشاطات والسلع، بدءًا بالمواد الغذائية وصولًا إلى البنزين والمخدرات والذهب. وفي الداخل الجزائري الذّي لا تصل إليه قوّات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية ينفرد قادة المناطق العسكريين ومن ينوب عنهم بخلق شبكات فساد مع المهرّبين تتخذ شكلين رئيسين، هما التعاون مع المهربين لتسهيل عبورهم مقابل عمولات، والاستحواذ على المواد المُصادرَة من طرف المؤسسة العسكرية وتحويلها إلى ملكيات شخصية يتحاصصها ذوي النفوذ في مناطق التهريب.
وفي الوقت الذّي يعتقد البعض أنّ مهندسِي "الجزائر الجديدة"، سيقضون على الفساد؛ يبدو أنّ الأصّح هو أنّهم يعملون على تحديد جيل معيّن من الفاسدين وإزالته لصالح صعود جيل جديد من الفاسدين يتخفّى وراء شرعية الحراك الشعبي الذي شهد مطالبات من قبل المتظاهرين بالقضاء على من وصفوهم بالعصابة. تقليديًا، كان جهاز الاستعلام والأمن مسؤولاً عن ملفات فساد النخب العسكرية؛ وكانت هذه الملفات بمثابة بطاقات ضغطِ توظّفها كلا من المخابرات والرئاسَة لانتزاع تنازلات من النخبة العسكرية ، من خلال إقالة زملائهم أو دفعهم لقبول إحالتهم للتقاعد. ومع خضوع هذا الجهاز لوزارة الدفاع الوطني وضعف الرئاسَة والمجلس الشعبي الوطني والقيود المفروضة على الإعلام، ستستمّر ظاهرة الفساد في الجيش في فرض نفسها كأسلوب للإثراء الشخصِي بين أفراد النخبة العسكرية عبر استغلال نفوذهم واستثنائهم من المساءلة التّي تتّم عبر المؤسسات الديمقراطية.
تراجع الثقة السياسيَة بالمؤسسة العسكرية
في حالة الاستقرار لا تعدّ مسألة الثقّة ذات أهميّة بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية ؛ يكفي أنّ تشتعل شرارة الحراك من جديد لتعود القيادَة العسكرية لبناء جسور الثقّة بينها وبين السياسيين من جهة، وبينها وبين الجماهير الغاضبة من جهة أخرى. قدّم القادة العسكريون أنفسهم أثناء حراك فبراير كحكامٍ في الصرّاع على السلطة السياسية، وكمساندين لمطالب الشارع؛ وقد حظيت المؤسسة العسكرية بثقة الأحزاب السياسية، كما حظيت مؤقتًا بثقة المتظاهرين ما مكنّها من دفع بوتفليقة للاستقالة في نيسان/أبريل 2019.
حسب نتائج استطلاع المؤشر العربيّ، وهو استطلاع رأي ينفذّه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات؛ تعدّ الثقة في المؤسسة العسكرية مرتفعة في الجزائر، حيث أنّها أكثر مؤسسة تحظى بثقة المستجيبين. كما يلاحظ من الشكل أعلاه ، ارتفعت نسبة الثقة من 61 في المئة عام 2011 إلى 87 في المئة في الاستطلاع الأخير الذي نُفذّ في الفترة الممتدة ما بين 25 أيار/مايو و20 تمّوز/يوليو 2020؛ أي في سياق ما بعد الحراك وانتخابات كانون الأول/ديسمبر 2019، والتّي ساد فيها مناخ من التفاؤل بشأن تنظيم انتخابات نزيهة تساهم في تغيير نوعِي في بنية النظام السياسي الحاكم والنخبة المسيطِرة عليه.
بالرغم من ذلك تُظهر نتائج الإستطلاع أنّه في الفترة اللاحقة عن الموجة الأولى لثورات الربيع العربيّ انخفض مستوى الثقة في المؤسسة العسكرية من 61 % في 2011 إلى 56 % في 2012-2013؛ قد يرجع الأمر إلى خيبة أمل مجتمعية حول قيام المؤسسة العسكرية بدورٍ إصلاحي في النظام السياسي الحاكم حيث أنّ نظام بوتفليقة في تلك الفترة عرف استقرارًا بسبب الإصلاحات والوعود السياسية التّي أطلقها. وتكرر ذات النمط من الإجابات المعبرّة عن تبدّد الأمل من أي دورٍ تغييري من قبل المؤسسة العسكرية بعد انتخاب بوتفليقة لولاية رابعة، إذ انخفضت مستويات الثقة من 81 في مئة عام 2014 إلى 67 في المئة عام 2015، مما يعكس تبدد الأمل بعد التفاؤل الذي صاحب الربيع العربي.
إذًا، يلتقط استطلاع المؤشر العربي نمطًا للأمل وخيبة الأمل بشأن الدور السياسي المتوقع مجتمعيًا من المؤسسة العسكرية؛ يبدو أنّه في الغالب سيفقد قادة المؤسسة العسكرية في الجزائر الجديدة مصداقيتهم كحكامٍ موثوقين في إدارة الأزمَات السياسية من قبل الشارع والأحزاب السياسية بناءً على سلوكهم تجاه الحراك واندفاعهم لإجراء انتخابات رئاسية دون حوار ودون وجود ضمانات كافية لنزاهة هذه الانتخابات. فمن جانب، تحتاج عملية استرجاع ثقَة الشارع السياسية بالمؤسسة العسكرية إلى سماح هذه الأخيرة بحدوث تغيير نوعي على مستوى النظام السياسي .
ومن جانب آخر، تتطلع الأحزاب السياسية المعارضة نحو الحصول على مناصب تشريعية بارزة في المجالس البلدية، والبرلمان وتتخيل هذه الأحزاب إقدام المؤسسة العسكرية والرئيس تبّون على إضعاف الأحزاب التقليدية الحاكمة والتّي عُرفت قبل حراك فبراير بأحزاب التحالف الرئاسي (جبهة التحرير الوطني، التجمّع الوطني الديمقراطي، تجمع أمل الجزائر، والحركة الشعبية الجزائرية)، لصالح صعود أحزاب جديدة كحركة البناء الوطني (الإسلامية)، والجيل الجديد (العلماني). حدوث نقلةٍ كهذه لا يتّم إلّا في إطار صفقة بين الطبقة السياسية والمؤسسة العسكرية تحافظ الأخيرة بموجبها على تأثيرها التنفيذي، باعتبارها الجهاز الأقوى في النظام الجزائري في مقابل تنافس الأحزاب على السلطة التشريعية.
تحوّل سياسي متعثر في السودان
وافق السودان في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020 على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. جاء هذا القرار في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شطب السودان من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، وزاد هذا الأمر حدّة الانقسامات بين السلطات العسكرية والمدنية في السودان. أيّد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شباط/فبراير 2020، ونائبه محمد حمدان "حميدتي" دقلو، التطبيع مع إسرائيل. كان رئيس الوزراء المدني السوداني، عبد الله حمدوك، أكثر حذرًا بشأن التعامل مع إسرائيل وصرّح في أواخر أيلول/سبتمبر 2020 أن التطبيع يتطلب "مناقشة عميقة مع المجتمع."
تُلخص هذه الاستقطابات الحادة المستقبل الغامض للعلاقات العسكرية المدنية في السودان. على الجانب الإيجابي، التزمت القوات المسلحة السودانية بشكل صارم باتفاق المرحلة الانتقالية الموقع في تموز/يوليو 2019، والذي نتج عنه تشكيل مجلس السيادة المؤلف من أحد عشر عضوًا والمكون من ممثلين مدنيين وعسكريين، وانتخابات مقررة في أواخر عام 2022. وعلى الرغم من هذه التعهدات، فإن البرهان ومسؤولون كبار آخرون في القوات المسلحة السودانية ينخرطون في حملة خفية لترسيخ نفوذهم السياسي والاقتصادي على السودان بعد المرحلة الانتقالية وتهميش المعارضة داخل صفوف القوات المسلحة السودانية، ما قد يعرض المسار الديمقراطي للسودان للخطر.
العودة: السلطة السياسية
تمثل الجهود التي تبذلها القوات المسلحة السودانية في توطيد سلطتها عودة إلى ماضي السودان—إلى ما قبل عهد الرئيس السابق عمر البشير—ومسارًا جديدًا للقوات المسلحة السودانية. كانت الانقلابات العسكرية سمة متكررة في الحياة السياسية في السودان، حيث أطاحت القوات المسلحة السودانية بدكتاتورية الرئيس الأسبق جعفر النميري في عام 1985 وأطاحت بالحكومة الديمقراطية في السودان في عام 1989. وبعد مواجهة محاولة انقلاب في عام 1990، قام البشير بتقسيم القوات المسلحة السودانية إلى فصائل قبلية وعربية وقومية وإسلامية، واستخدم الرعاية لضمان بقاء كل فصيل على ولائه لنظامه. منعت هذه الاستراتيجية القوات المسلحة السودانية من العمل كقوة سياسية مستقلة وموحدة حتى إنشاء المجلس العسكري الانتقالي في نيسان/أبريل 2019.
صاموئيل راماني
صامويل راماني مرشح لدرجة الدكتوراه في قسم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد.
على الرغم من التوحد قصير المدى للمجلس العسكري الانتقالي حول الحاجة إلى الإطاحة بالبشير ومنع ثورة شعبية كاملة، عادت الانقسامات داخل القوات المسلحة السودانية إلى الظهور بسرعة. على عكس النهج الحذر للقوات المسلحة السودانية في قمع المتظاهرين، ارتكبت قوات الدعم السريع، بقيادة حميدتي، مجزرة في الخرطوم في 3 حزيران/يونيو 2019، أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 241 شخص. أدى رد الفعل العنيف ضد هذه المجزرة إلى قيام البرهان بالتوصل إلى تسوية سياسية مع المعارضة السودانية من شأنها تأمين نفوذ القوات المسلحة السودانية على المدى القصير. قبلت قوات الدعم السريع هذه الاتفاقية على مضض.
على الرغم من التسوية البراغماتية مع كتلة المعارضة المكونة لقوى الحرية والتغيير، فإن القوات المسلحة السودانية في وضع يجعلها تحافظ على هيمنتها السياسية والاقتصادية في المستقبل المنظور. ضمنت اتفاقية الانتقال الدور المهيمن للقوات المسلحة في الحياة السياسية لمدة 21 شهرًا وسمحت للمجلس العسكري الانتقالي بتعيينمسؤولين في وزارتي الداخلية والدفاع السودانية. كما يدعم الاتفاق قيادة القوات المسلحة في مبادرات إصلاح قطاع الأمن، ما يحرم السلطات المدنية من التأثير على حل أحد أكثر التحديات السياسية إلحاحًا في السودان.
ضمنت القوات المسلحة السودانية أن عملية الانتقال في السودان لا تؤدي إلى تغييرات كبيرة في الأفراد. نظرًا لمنح أعضاء مجلس السيادة حصانة من الملاحقة القضائية على الجرائم في عهد البشير، ولا يمكن إلغاء هذا التنازل إلا بتصويت من المجلس التشريعي الانتقالي، فقد احتفظ حلفاء البرهان إلى حد كبير بمناصبهم المتميزة. ومن خلال تهميش جماعات المعارضة الإقليمية، مثل التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، استبعدت القوات المسلحة السودانية أشد منتقدي المؤسسة العسكرية السودانية من العملية الانتقالية. علاوة على ذلك، ضمنت المواقف البارزة للبرهان وحميدتي التعاون المؤقت لأقوى شخصيتين عسكريتين في السودان في جهودهما لتقويض سلطة حمدوك.
الاستمرارية: الرعاية الاقتصادية
نتيجةً لثلاثة عقود من روابط الرعاية بين الدائرة المقربة من البشير والقوات المسلحة السودانية، تحافظ المؤسسة العسكرية السودانية أيضًا على وجود اقتصادي هائل، تسعى إلى الحفاظ عليه وتعزيزه. نظرًا للحملات العسكرية التي قادها البشير في دارفور وجنوب كردفان، تلقت القوات المسلحة السودانية حصة متزايدة من عائدات النفط والذهب، وبحلول وقت الإطاحة بالبشير، تم توجيه 60 في المئة على الأقل من ميزانية الدولة السودانية إلى القوات المسلحة والأمن في البلاد. حافظت القوات المسلحة السودانية على موقعها الاقتصادي المتميز حتى سقوط البشير، على الرغم من أن هيمنتها تعرضت للخطر بسبب انفصال جنوب السودان في عام 2012 وتحويل ثروة البشير إلى أجهزة أمنية منافسة، مثل جهاز الأمن والمخابرات الوطني، خلال سنواته الأخيرة في السلطة.
منذ انقلاب نيسان/أبريل 2019، صمد الجيش السوداني أمام الضغط الموازي من السلطات المدنية السودانية وحافظ على هيمنته الاقتصادية. أدى النمو المقيد للقطاع الخاص في السودان—بسبب الاستثمارات الأجنبية المحدودة، والعقوبات المفروضة بموجب وجود البلاد على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، ومحاولة حمدوك تأمين استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار—إلى ترسيخ الهيمنة الاقتصادية للقوات المسلحة السودانية بشكل أكبر. ونتيجةً لاستيلاء قوات الدعم السريع على منجم جبل عامر للذهب في دارفور في عام 2017، بالإضافة إلى سيطرتها على ثلاثة رواسب ذهب سودانية رئيسية أخرى، تحتفظ هذه القوات بالسيطرة على أكثر مصادر الإيرادات الاقتصادية ربحًا في السودان. شددت السلطات المدنية في السودان مرارًا وتكرارًا على الحاجة إلى تأميم احتياطيات الذهب في السودان، لكن هذه التطلعات لم تنجح في كسب الزخم المطلوب.
على الرغم من أن النفوذ السياسي والاقتصادي قصير الأمد للقوات المسلحة السودانية في وضع آمن، إلا أن مسؤولي القوات المسلحة السودانية قلقون من أن سلطتها المؤسسية قد تنهار في نهاية المطاف بسبب الاحتكاكات الداخلية والاستيلاء على السلطات المدنية من البرهان في أيار/مايو 2021. ومن أجل منع حدوث هذا السيناريو، استخدمت القوات المسلحة السودانية الإكراه لتهميش المعارضة داخل المؤسسة العسكرية وسعت بنشاط للحصول على دعم دولي من خلال تعزيز أجندة سياسة خارجية مستقلة عن السلطات المدنية السودانية.
الانقسامات الاجتماعية
الشرخ الرئيسي في المؤسسة العسكرية السودانية، والذي ألهم الإجراءات القسرية التي قامت بها القوات المسلحة السودانية، هو الانقسام بين أعضاء مجلس السيادة المتحالفين مع البرهان والقوات خارج المنظومة، مثل الموالين للبشير وقوات الدعم السريع. ظهر هذا الانقسام على السطح في أيار/مايو 2019، عندما قاوم البرهان تأثير الإسلاموية داخل المؤسسة العسكرية السودانية، بينما تواصل حميدتي مع الفصائل الإسلامية وتعهد بالتمسك بالشريعة الإسلامية في السودان بعد الانقلاب. وبعد اتفاق المرحلة الانتقالية، واصل الموالون للبشير تعطيل العملية السياسية، وتم ربط التمردات مثل محاولة الانقلاب في 11 تموز/يوليو 2019 وتمرد جهاز الأمن والمخابرات الوطني في 14 كانون الثاني/يناير 2020 بشخصيات من النظام القديم. نأت قوات الدعم السريع بنفسها علنًا عن هذه المحاولات لعرقلة الانتقال السياسي في السودان، لكنها استمرت في العمل كمؤسسةشخصانية تتمتع بالولاء المطلق لحميدتي بدلًا من الدولة السودانية، وتتحدى بقوة سيطرة الحكومة السودانية على دارفور.
من أجل تهميش عناصر من المؤسسة العسكرية السودانية تتحدى هيمنة القوات المسلحة السودانية وتحافظ على الوضع السياسي الراهن، لجأت القوات المسلحة السودانية إلى الإكراه بشكل دوري. على الرغم من أن البرهان رفض في البداية تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، إلا أن الحكومة الانتقالية السودانية حلّت حزب المؤتمر الوطني الذي يقوده البشير في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، واستبدلت رئيس المخابرات السوداني آنذاك، اللواء أبو بكر مصطفى، بعد استجابته البطيئة على تمرد جهاز الأمن والمخابرات الوطني في كانون الثاني/يناير. أدت محاولة اغتيال حمدوك في 9 آذار/مارس 2020، إلى مزيد من الحملات القمعية ضد الموالين للبشير وتسببت في وضع جهاز المخابرات العامة، المؤسسة التي خلفت جهاز الأمن والمخابرات الوطني، تحت سيطرة وزارة الداخلية. وقد حظيت هذه الإجراءات بالدعم المتحمس من السلطات المدنية السودانية وسمحت للقوات المسلحة السودانية بتأطير نفسها كقوة استقرار تستحق موقعًا طويل الأمد من النفوذ السياسي.
البُعد الدولي
بالإضافة إلى توحيد المؤسسة العسكرية السودانية والأجهزة الأمنية المختلفة تحت مظلة القوات المسلحة السودانية، يسعى الجيش السوداني إلى الحصول على دعم دولي لتعزيز قوته المؤسسية. على الرغم من أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحافظان على علاقات وثيقة مع قوات الدعم السريع، إلا أن مشاركة البرهان السابقة في نشر القوات السودانية في التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن سمحت له بالحفاظ على علاقات وثيقة مع القادة في كلا البلدين. كما أكد البرهان استقلاله عن السلطات المدنية في مجال السياسة الخارجية من خلال الإشادة بدور مصر في الاستقرار في السودان، حيث تصاعدت الخلافات بين حمدوك والسلطات المصرية بشأن مشروع بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير.
يؤكد توطيد شراكات السودان مع إسرائيل وروسيا في خريف عام 2020 على قدرة المؤسسة العسكرية السودانية على إملاء أجندة السياسة الخارجية للخرطوم من جانب واحد. في كثير من أنحاء العالم العربي، كان يُنظر إلى تطبيع السودان مع إسرائيل على أنه إشارة على استعداد القوات المسلحة السودانية لتوجيه السياسة الخارجية السودانية بالإكراه في الاتجاه المفضل لها. كانت الهوة بين الرأي العام السوداني، الذي أيد بقوة حق تقرير المصير للفلسطينيين، وتعاطي المؤسسة العسكرية مع إسرائيل مدهشًا بشكل خاص. كما يمكن ربط اتفاق 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 الذي أبرمته روسيا لبناء قاعدة بحرية في بورتسودان بجهود المؤسسة العسكرية السودانية لجذب دعم موسكو أمام مطالب الولايات المتحدة بالتحرير.
على الرغم من أن السودان قد اتخذ خطوات ملحوظة نحو التحول الديمقراطي، فقد استفادت القوات المسلحة السودانية من بنود التسوية السياسية في السودان لتعظيم نفوذها على المدى القصير واستخدمت مزيجًا من الإكراه والأحادية الدبلوماسية لتعزيز نفوذها على المدى الطويل. سيعتمد نجاح جهود تعزيز سلطة المؤسسة العسكرية السودانية على قدرة القوات المسلحة السودانية على توحيد الأجهزة الأمنية في السودان والحفاظ على دورها المهيمن على الاقتصاد السوداني.