المصدر: Getty

على خطى التجديد والإبداع: البحث عن مسارات مبتكرة للإصلاح التربوي العربي

حقّقت مبادرات الإصلاح التربوي المختلفة في العالم العربي مستويات متباينة من النجاح في سياقات متنوعة. تستعرض هذه الدراسة بعض تجارب الإصلاح التربوي التي قد تشكّل أساسًا لإحداث تغيير أوسع.

 شيخة جبر آل ثانيوفاء الخضراءهبه الدغيديمروان المعشّرناثان ج. براونكريستينا زخريا حواتمة, و ريما كرامي عكاري
نشرت في ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٢

تمهيد

صدر في العام 2018 عن مؤسسة كارنيغي تقريرٌ دعا إلى الإصلاح التربوي في العالم العربي، مشدّدًا على ضرورة الانتقال من التدريس إلى التعلّم، من أجل "تلبية احتياجات المجتمعات التعدّدية، وإعداد مواطنين ومواطنات مسؤولين قادرين على التعامل مع شتّى أنواع التحديات وتعزيز التغيير البنّاء"1. وقدّم التقرير عددًا من التوصيات التي تناولت مختلف الميادين التي تدور فيها العملية التعليمية، أي المدرسة، والدولة، والمجتمع ككل.

وتحاول دراستنا هذه، التي شارك في إعدادها بعض المؤلّفين الذين ساهموا في التقرير الأول، التعمّق أكثر في النتائج التي خلصوا إليها سابقًا. ويبدو واضحًا أن الحكومات العربية لا تزال تنظر إلى الإصلاح التعليمي باعتباره مجهودًا يعتمد مقاربةً من الأعلى إلى الأسفل ويسهم في إدامة علاقات القوة والتفكير السلطوي، مهمّشًا التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب. تولي هذه الدراسة الجديدة تركيزًا خاصًا إلى جهودٍ إصلاحية عدّة يجري تطبيقها راهنًا في العالم العربي، ويعتمد الكثير منها مقاربةً تنطلق من الأسفل إلى الأعلى وتحاول التعاون مع الحكومات في إطار مجهود تشاركي، إنما من دون أن تكون محكومةً بالتفكير السلطوي القديم. وبدلًا من الاكتفاء بتشخيص المشكلة، تسلّط دراستنا الضوء على تجارب متنوعة تخوضها نُظم تعليمية عربية عدة، ليس بهدف نسخ هذه المبادرات وتطبيقها في نُظم تعليمية مختلفة بالضرورة، بل للفت الانتباه إلى النجاحات المحقّقة التي يمكن البناء عليها، على الرغم من التحديات الراهنة كافة.

وانسجامًا مع الاستراتيجية التي تتّبعها مؤسسة كارنيغي وهي العمل مع خبراء من المنطقة، استمدّت هذه الدراسة معطياتها من التجارب العملية لخبراء وباحثين من داخل النُظم التعليمية في قطر والأردن ومصر، وأيضًا من تجربة مشروع "تمام" التربوي الإٍقليمي بقيادة مؤسسة الفكر العربي والجامعة الأميركية في بيروت، والذي يعتمد مقاربةً من الأسفل إلى الأعلى ويغطي مبادرات في ثماني دول عربية. وكُلّي آملٌ في أن تضفي دراستنا هذه التي أعدّتها كوكبة من الخبراء بإشراف ناثان ج. براون وتنسيقه المُتقن، مساهمة قيّمة على النقاش الدائر حول الإصلاح التربوي وسُبل ترقيته.

يسرّني أن أتوجّه بجزيل الشكر إلى مؤسسة الأصفري لمساهمتها السخية في تمويل هذا المشروع، على أمل أن تساعد توصيات السياسة العامة الواردة في هذه الدراسة في رسم معالم السياسات التربوية المقبلة في العالم العربي.

مروان المعشّر
نائب الرئيس للدراسات

الاعتماد على المبادرات الإصلاحية البنّاءة

ساد شعورٌ عميق بالتململ في أوساط مَن يكرّسون جهودهم لبناء مستقبل تربوي أفضل للمجتمعات العربية. وكان هذا الشعور بطيئًا في التبلور، ولكنه اكتسب زخمًا قويًا في العقدَين الأخيرَين. ولم يقتصر الأمر على الشعور بالتململ، بل تنمو أيضًا الرغبة في التجربة والاختبار. ترمي هذه الدراسة إلى البناء على المبادرات الإصلاحية الخلّاقة من خلال تسليط الضوء على المجالات التي تشهد مقاربات ابتكارية وخلاّقة. هذه المبادرات موجودة وتحتاج إلى مزيدٍ من الدعم.

في منتصف القرن العشرين، كانت التحديات الأبرز واضحة: فقد وجب بناء نُظم تعليمية حيث لم تتوافر، وتوسيعها كي تغطّي المجتمعات بأكملها في أماكن وجودها. وانصبّ التركيز على البناء والتوظيف والتوسيع. ركّز المؤتمر الأول لوزراء التربية العرب في العام 1960 على الحاجة إلى تغطية المجتمع كاملًا ومحاربة الأمّية، من جملة مواضيع أخرى.2 وكذلك، كان التدخل الأول للبنك الدولي في الشؤون التربوية العربية حين ساعد في تشييد مبانٍ مدرسية في تونس في العام 1963.3 ولكن في العقود اللاحقة، ومع تحقق تلك الأهداف، ولو بطريقة منقوصة، تبدّلت الاهتمامات تدريجيًا. وبحلول العام 1994، بات اهتمام وزراء التربية العرب متمحورًا حول المسائل النوعية، وعلوم البيداغوجيا (أصول التدريس)، والتغيير (مثل إمكانات التعليم عن بعد).4

في القرن الحادي والعشرين، لم تعد الخطوات التدريجية التي اتُّخِذت لمعالجة هذه المشاغل قادرة على حجب الشعور بأن ثمة خطبًا ما. نعم، كانت أعداد هائلة من الأطفال تذهب إلى المدارس، لكن كيف كانت تتم تنشئتهم؟ بدأت النُظم التعليمية في العالم العربي تتعرّض للانتقادات بلا هوادة، ولم تجد سوى مدافعين محبطين. وقد أشار هؤلاء المدافعون إلى المعوّقات الشديدة التي عملوا في ظلّها، وكانوا يستشهدون بالأعداد الكبيرة من التلاميذ الذين كان يُطلَب منهم تدريسهم. أما المنتقدون فأطلقوا مجموعة من الأحكام التي ركّزت على الجودة أكثر منه على الأعداد: فتدريس الطلاب كان يحصل بطريقة غير فعّالة نتيجة التركيز على الامتحانات، والانضباط، ووضع العلامات باستخدام أساليب تربوية عفا عليها الزمن وفشلت في تحفيز التفكير النقدي. ومما لا شك فيه أن بعض الأرقام كانت لصالح المنتقدين، فنتائج طلاب المنطقة أتت مخيّبة للآمال في الاختبارات الدولية أو على مستوى اكتساب المهارات المناسبة في الاقتصادات التي تتغير سريعًا. وقبل ذلك، كانت المنظمات الدبلوماسية والدولية قد بدأت باستخدام لغة تدقّ ناقوس الخطر بقوة أكبر. ففي العام 2015، أشار تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بشأن تدريس العلوم إلى وجود رابط مباشر بين الانتفاضات السياسية وردود أفعال "الشباب العرب الملمّين بالتكنولوجيا".5 وخلال العقد المنصرم، انتقل الحديث عن عدم التطابق بين الوعود والأداء من التقارير التقنية إلى العناوين الرئيسة للصحف والنقاشات العامة، ومن المنتديات إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

ولعلّ أبرز مؤشّر مثير للقلق هو ما ورد في تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002.6 وقد أتى التقرير على ذكر أوجه القصور الكمّية والمؤشرات النوعية، إنما صاغ أيضًا مجموعة من المبادئ الإيجابية، من ضمنها: "يجب أن يحتل الفرد مكانة محورية في العملية التعليمية"؛ و"من دون المساس بالعقائد والقيم العليا، لا ينبغي أن تبقى المورثات الفكرية والثقافية في منأى عن الانتقاد والتغيير إذا ما أثبت التحليل العلمي خطأها وقصورها"؛ و"يكمن العمل الإنساني المبدع في صلب التقدّم، لذا من الضروري إعادة هيكلة النُظم التعليمية في العالم العربي بشكل يؤكّد على أسبقية الإبداع وكرامة العمل والإنتاج؛ و"ينبغي أن يساعد التعليم الناشئة على التعامل مع مستقبل يكتنفه اللايقين، وعلى اكتساب المرونة اللازمة لمواجهة ذلك، وعلى الإسهام في عملية تشكيل المستقبل".

لكن حتى فيما كانت هيئات متخصّصة تسلّط الضوء على هذه التحديات التي تردّدَ صداها في تقارير صدرت لاحقًا عن منظمات دولية، ومدرّسين محليين وكثيرين سواهم، واجهت النُظم التعليمية ضغوطًا جديدة. فقد استيقظ القادة السياسيون والجماهير على الدعوات إلى تجهيز الطلاب كي يتمكّنوا من مواجهة الوقائع الاقتصادية الجديدة؛ وعصفت الاضطرابات السياسية بالمنطقة، ما ولّد تدفقات سكانية وموجات من اللاجئين؛ وأعقب ذلك تفشّي وباء كورونا في مختلف أنحاء العالم. وكان من الطبيعي أن تزيد جميع هذه العوامل من الأعباء الملقاة على كاهل النُظم التعليمية القائمة.

تبعًا لذلك، بات الشعور بالأزمة منتشرًا على نطاق واسع، وتعمّق في الأعوام الأخيرة. وسلّطت الصدمة التي أحدثها الوباء الضوء على أن أنماط التعليم القائمة قد تكون غير ملائمة لعالمٍ يواجه تحدّيات جديدة غير مسبوقة. لم يكن يُفترَض أن يشكّل ذلك مفاجأة، نظرًا إلى الثورة التكنولوجية التي كانت تُنشئ بالفعل الأطفال فيما كانوا لا يزالون يرتادون إلى حدٍّ كبير مدارس متجذّرة في عالم أكثر قدمًا. لكن هذا الواقع كشف أيضًا، وبالدرجة نفسها، عمق اللامساواة في هذا العالم، إذ لا يزال الكثير من الأشخاص يعانون من نقص الخدمات والتعليم والتوظيف. لكنهم لا يعيشون في عالم منفصل عن سواهم الأكثر حظوة. فالأنظمة السياسية، وسوق العمل وسائر الأسواق، والمساحات العامة وميادين التفاعل الأخرى تربط بين مصائرنا ومستقبلنا جميعًا. وتتسبّب نُظم الإقصاء بتقويض المجتمعات السليمة، والأنظمة السياسية، والاقتصادات، وغالبًا ما يحدث ذلك بطرق تؤثّر سلبًا في أجيال المستقبل.

وقد ازداد القلق على المستوى المالي. تتضمن وثيقة صدرت مؤخرًا عن منظمة اليونسكو وتختصر الأوضاع في منطقة آسيا-المحيط الهادئ (بما في ذلك أجزاء كبيرة من العالم العربي) سلسلة من الإشارات اللافتة في توصيف السلوك الرسمي.7 يذكر التقرير أن "النفقات العامة في القطاع الاجتماعي متدنّية وراكدة"، و"الإنفاق على التعليم الرسمي لا يستوفي الحدّ الأدنى من المعايير"، وأن "هناك في معظم الأحيان لامساواة في الإنفاق على التعليم الرسمي"، وأن وباء فيروس كورونا "خفّض الهامش المالي المتاح لتمويل التعليم". وتُبيّن الوثيقة نفسها أيضًا أن شمال أفريقيا وآسيا الغربية (بما في ذلك العالم العربي) تقدّمان مثالًا بارزًا عن تراجع النفقات العامة على التعليم كحصّة من الناتج المحلي الإجمالي.

هل من مسارٍ نحو الأمام؟ لا ترسم هذه الدراسة مسارًا واحدًا ينبغي اتّباعه، بل تسعى إلى تحويل وجهة التركيز. نعم، ثمة حاجة إلى الإصلاح. نعم، يجب التقيّد ببعض التوجيهات العامة. ولكن ما من صيغة واحدة لتحقيق ذلك، ومن غير المحتمل التوصّل إلى مثل هذه الصيغة، بيد أن الخبر الجيد هي أن ضغوط العقدَين المنصرمَين دفعت أيضًا باتجاه بذل سلسلة من الجهود وانطلاق روحية جديدة في مجال التجربة والاختبار. لم تؤتِ جميع الابتكارات ثمارها، وتلك التي أتت ثمارها قد لا تُطبَّق بسهولة في مواقع جديدة. لكن حان الوقت للتنبّه إلى الطاقة الإيجابية وكذلك إلى التحديات الهائلة، ويجب ألا يتسبّب تركيزنا البنّاء بتشتيت انتباهنا عن المؤشّرات المقلقة. ولكن إذا كانت ثمة أدلّة كمّية على غياب الاهتمام على مستوى النُظم التعليمية الوطنية، ثمة أدلّة نوعيّة على الابتكار على المستوى المحلي. وقد بدأ بعض كبار القادة بإيلاء الاهتمام لهذه المسألة، وغالبًا ما يُقاربونها من منظار استحداث فرص العمل أو تعثّر المؤشرات الاقتصادية، لكنهم لا يزالون يظهرون بعض الاستعداد لمنح الإصلاحيين هامش حرية أكبر. نلفت الانتباه إلى هذه الجهود، آملين أن يُقتدى بروحيتها.

استئناف التركيز على الإصلاح

منذ أربع سنوات، انضمّ إلى النقاش حول الإصلاح التربوي فريقٌ تمّ تشكيله في إطار مشروع Arab Horizons (آفاق عربية) الذي أطلقته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وذلك من خلال إصدار تقرير سعى إلى تحويل وجهات النظر النقدية إلى أجندة بنّاءة،8 تستند إلى أربعة محاور في ميادين مختلفة يمكن تطبيقها فيها:

  • المدرسة: إشراك الطلاب والمعلّمين من أجل إحداث تحوّل في الأنموذج يضع تطوير المهارات الخاصة بالمواطنة البناءة في صلب النظام التعليمي.
  • الدولة: إعادة تشكيل وزارات التربية والتعليم كي تبتعد "عن كونها مقدِّمة للخدمات ]لتصبح[ مصمِّمة للرؤى/المعايير وميسِّرة للعملية التعليمية، مع الاحتفاظ بدورها كهيئات منظِّمة".
  • المجتمع: الإصلاح من خلال التفاعل، بحيث لا تُسنَد إلى المدارس مهمة التعليم وحسب، بل تصبح مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمجتمعات المحلية، ما يسمح بتحويل العملية التعليمية من التدريس إلى التعلّم.
  • بلورة رؤية تربوية جديدة تعترف بأن المسألة ليست "أن النُظم التعليمية لا تنتج الأعداد المتوقّعة من العمّال المهرة، بل إنها لا تنتج متعلّمين ]أكفّاء[ أو مواطنين صالحين".

شكّل تقرير "آفاق عربية" جزءًا من حوار أوسع عابر للحدود الوطنية. وقد تطرّق عدد كبير من الدراسات حول الإصلاح التعليمي إلى مواضيع مشابهة، حتى بات من غير الضروري التشديد على الحاجة إلى الإصلاح أو تناول خطوطه العريضة، بل حان وقت الخوض في التفاصيل. وصُممّت هذه الدراسة لتكّمل التقرير السابق، إنما بالاستناد إلى روحيته البنّاءة.

هل يبرز في الوقت الراهن أي نموذج تربوي من شأنه أن يشكّل بديلًا مناسبًا للنظم التعليمية العربية؟ برأينا، ما من نموذج مماثل في الوقت الراهن، ومن غير الضروري أن يكون. فلا تتكلّل جميع التجارب بالنجاح، وما من توافق حتى الآن حول معايير النموذج الناجح أو الأهداف التي ينبغي تحقيقها. واقع الحال أن البحث عن نموذج تعليمي واحد أدّى، كما سنرى، إلى بعض الطرق المسدودة. لقد شدّد تقريرنا السابق على ضرورة أن تكون النُظم التعليمية متجذّرة بالكامل في المجتمعات التي تعمل فيها، وبالتالي فإن المبادرات الناجحة هي التي تتكيّف بحسب طبيعة كل مجتمع. ما من "مجتمع عربي" واحد، والأمر سيّان على المستوى العالمي، فما من مجتمع واحد، سواء في اليابان أو الولايات المتحدة أو سنغافورة أو فنلندا، وبالتالي ما من نموذج واحد يمكن نقله بسهولة من سياق اجتماعي إلى آخر. تحمل جميع التجارب التعليمية في جعبتها دروسًا قيّمة، وأبرزها ضرورة تجنّب فرض رؤية واحدة تستجيب للمشاكل العامة بدلًا من معالجة التحديات التي تواجه كل سياق على حدة.

في مستهلّ هذه الدراسة، سلّطنا الضوء على الأزمة التي تشكّل مدعاة قلق حتى في الدوائر المعروفة بحنكتها ومهاراتها الفنية. ومن غير المفاجئ أن تكون نبرة الباحثين والخبراء المستقلين أقسى حتى. لكن ثمة توافق متنامٍ لدى المجموعتَين بأن سرّ نجاح العملية الإصلاحية يتمثّل في الابتكار والتجربة، بدلًا من فرض نموذج وطني أو دولي واحد، أو حتى مجموعة من المعايير.9

على الرغم من استحالة التوصّل إلى حلٍّ واحد وتطبيقه في مختلف السياقات، لدينا مخزون من الدروس والأساليب التي يمكن أن تنجح في أماكن أخرى. فهذه الدراسة لا تتوخّى تقديم نموذج أو مثال واحد، بل استعراض المساعي التجريبية والإصلاحية التي انبثقت من العالم العربي، من أجل تحديد المقاربات التي كانت مفيدة وما يمكن تعلّمه منها. دراستنا إذًا أشبه بجسر يضع بعضًا من هذه التجارب في متناول جمهور أكبر. هدفنا هو أن تشكّل المبادرات التي تمّ إطلاقها في دولة ما مصدر إلهام ونموذجًا يُحتذى به في أمكنة أخرى، وألّا تبقى هذه الرؤى حكرًا على الخبراء التربويين، بل أن تتعدّى هذه الدائرة الضيقة لتشمل عامة الناس وصانعي السياسات المستعدين لتبادل الأفكار حول كيفية بناء مستقبل أفضل. صحيحٌ أن هذه ليست دراسة تقنية، إلا أنها تستند إلى خبرات تقنية مهمة في مجال التربية والتعليم. والأهم أنها ترمي إلى إدراج قضايا الإصلاح التربوي في صُلب السياسة العامة.

الدروس المستفادة والخطوات الواجب اتّخاذها

أصدر البنك الدولي في العام 2018 تقريرًا بعنوان Expectations and Aspirations: A New Framework for Education in the Middle East and North Africa (توقعات وتطلعات: إطار جديد للتعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا).10 بعد الإشارة إلى أن البنك الدولي دخل إلى المجال التعليمي في العالم العربي من خلال منح تونس تمويلًا لبناء مدارس منذ نحو ستة عقود، أبدى التقرير فهمًا واسع النطاق لضرورة إصلاح القطاع التعليمي. لم يكن هذا بالأمر الجديد، لكن التقرير نُظِّم بطريقة مُبتكرة، إذ تمحور حول أربع مجموعات من التجاذبات بين: الشهادات والمهارات؛ والانضباط والتقصّي؛ والسيطرة والاستقلالية؛ والتقليد والحداثة. من خلال السعي إلى نقل التركيز نحو العنصر الثاني من كل مجموعة، اقترح التقرير طرقًا محدّدة يمكن من خلالها إصلاح النُظم التعليمية.

إذا كان ثمة إجماعٌ قوي إلى هذه الدرجة بين الخبراء، فما هي العوائق أمام التقدّم؟ في الجوهر، نجد عائقَين اثنَين. أولًا، تبنّت القيادات الوطنية الإصلاح، إنما مع فهمٍ ضيّق ونفعي جدًّا لما يتطلّبه ذلك. ليس الإصلاح الحقيقي معقّدًا وحسب، بل هو صعبٌ سياسيًا، نظرًا إلى كثرة الأفرقاء المعنيين به، ناهيك عن أنه محفوفٌ بالمخاطر. ففي منطقةٍ عرفت مرحلة من الانتفاضات السياسية بقيادة شبابية، يمكن أن تثير فكرة تمكين الشباب كي يفكّروا بطرق جديدة بعض التوتر. لذلك كانت النتيجة تكرار نموذج القادة الذين ينادون بالتغيير، إنما من دون أن يكون لديهم استعداد لتبنّيه على نحوٍ كامل.

ثمة عائقٌ ثانٍ. فعلى الرغم من التوافق العام، ليس واضحًا ما هي الخطوات التي يمكن أن تتكلّل بالنجاح. فالتعليم متجذّرٌ بقوة في المجتمعات حتى لو يُنظَر إليه في معظم الأحيان بأنه ميدان منفصل تدور مجرياته في قاعات التدريس داخل المدارس. ويمكن للمدارس أن تقود عملية التعلّم الذي ننادي به، وينادي به أيضًا جيلٌ من الإصلاحيين، إنما من دون أن تتصرّف منفردةً. وتشكّل الهيكليات الأسرية والمجتمعات المحلية وعدد كبير من السلطات الاجتماعية والسياسية بيئةً تنظّم المتعلّمين المحتملين.
هذان العائقان مترابطان. فغالبًا ما ينتهز القادة السياسيون الذين يريدون مواطنين منتِجين وقابلين للتوظيف فكرة أن ثمة نموذجًا محدّدًا أو مجموعة محددة من الممارسات التي ستمنحهم ما يعتبرون أن مجتمعاتهم بحاجة إليه – أي، في نظرهم، خرّيجين يمكنهم أن يكونوا منتجين اقتصاديًا ولكن من دون أن يثيروا اضطرابات سياسية. والنتيجة هي أننا أمام مشهد يتكلّم فيه كثرٌ عن الإصلاح، ويعبّرون عن استيائهم من المؤشرات الكمّية، ويدقّقون في أحدث قصص النجاح الدولية للخروج بحلٍّ سحري، ثم بعد بضع سنوات، يكرّرون المعزوفة نفسها، مع نتائج قليلة ملموسة إن وُجِدت.

في كتابٍ بعنوان Letters to a New Minister of Education (رسائل إلى وزير التربية والتعليم الجديد) صدر في العام 2019، طُلِب من أشخاص ذوي خبرات مهمة في الحقل التربوي، ومنهم وزراء تربية وتعليم، كتابة رسائل يعرضون فيها آراءهم عن الموضوع.11 وكان جزءٌ كبير مما ورد في الرسائل مألوفًا لدى كل مَن هو مطّلع على مكتبة التقارير عن التعليم في العالم العربي. وفي هذا الصدد، كتب إريك جايميسون، وهو خبير أسترالي ذو خبرة في مصر والسعودية، ما يلي:

"اتّبع التعليم طوال سنوات مسارًا تحرّكه النتائج استنادًا إلى اختبارات جافّة في منهاج دراسي ضيّق الآفاق. واعتمد مقاربة عاجزة يركّز فيها الأشخاص على الثغرات، مع فرض ضوابط مشدّدة، وأطر مقيّدة، وانحياز نحو تجنّب المخاطر، وغالبًا ما اشتملت هذه المقاربة على نُظم تفتيش صارمة. لقد أدّت هذه العوامل مجتمعةً إلى تركيز الجهود على أساليب محدودة ومعلّبة على نحوٍ متزايد في التعليم والتعلّم والإدارة والقيادة. من خلال تحويل التركيز نحو مكامن القوة لدى الأشخاص، وتحرير التعليم من الأثر المعوِّق الذي تمارسه الضوابط المشدّدة، سوف يدركون بأنفسهم المجالات التي يتعيّن عليهم تطويرها لإحراز تقدّم حقيقي".12

ما يمكن استنتاجه من النصائح الجماعية في هذا الكتاب، وبعد رؤية مصير غيره من التقارير، هو ضرورة الاعتراف بأن الإصلاح التعليمي عملية سياسية وليس عملية تقنية فحسب. فهو مرتبط على نحو وثيق بالثقافة في جميع المجتمعات، لذا قد يكون تطبيقه معقّدًا ومثيرًا للجدل في المجتمعات التي تشهد اختلافًا في منظومة القيم بين مواطنيها. هذا لا يعني أن الدراسة الأكاديمية غير مُجدية، بل ينبغي تطويعها لخدمة رؤية تتوخى تعزيز القيم المثلى، وتتطلّع نحو المستقبل، وتتمحور حول الطفل، وتلقى أصداء في أوساط دعاة الابتكار والتجدّد في المجتمع. إذًا، تحمل دراستنا هذه بين دفّتيها رسالة سياسية ورسالة متخصّصة تتمثّلان في دعوة القادة السياسيين والمواطنين على السواء إلى تبنّي الإصلاح التربوي باعتباره مسارًا تنخرط فيه مجتمعات متنوعة، وليس باعتباره مجرّد مجموعة محدّدة من الأهداف. على الصعيد السياسي، ثمة مخاطر وتحديات محتملة من شأنها أن تقوّض الطرق المعتادة للقيام بالأمور، لكن السماح لهذه التحديات بأن تطغى على عملية صنع القرار يُعدّ استراتيجية قصيرة المدى ستكبّد الأجيال المقبلة أثمانًا باهظة.

أصدر البنك الدولي قبل عقد ونصف تقريرًا آخر حول قطاع التعليم في المنطقة بعنوان The Road Not Traveled: Education Reform in the Middle East and North Africa 13(طريق لم يُسلك بعد: الإصلاح التعليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا). يتعيّن على القادة اليوم بذل قصارى جهدهم لكي يحمل التقرير الذي يصدر بعد فترة ولايتهم عنوانًا مختلفًا للغاية عن عنوان التقرير المذكور. فلكي يتفادوا الفشل في اتّباع نهج الإصلاح التربوي، عليهم الإقرار بواقع أن المجتمع لن ينتج مواطنين مبتكرين ما لم يتم السماح للتربويين المبتكرين بتيسير عملية تطوير مسارات جديدة. أما الخبراء والمتخصّصون في المجال التعليمي، فعليهم الانكباب ليس فقط على دراسة التجارب التي نجحت في أماكن أخرى، بل أيضًا على تحديد كيف تبلورت الأساليب والمقاربات الجديدة وكيف تم العمل على تطبيقها. فمعرفة الخطوات المحدّدة التي تم تبنّيها تشكّل فرصة لا تفوَّت لاستقاء العبر والدروس القيّمة الكفيلة بإنجاح العملية الإصلاحية.

السبيل نحو الإصلاح الحقيقي

بهدف السير قدمًا في الإصلاح التربوي، نقترح أربعة مسارات عامة، أو بالأحرى مبادئ توجيهية للعمل، إنما لا يمكن تطبيقها بمعزل عن السياق العام. على الصعيد الدولي، تدعو مؤسسات كبرى إلى تبنّي مسارات مشابهة لتلك المطروحة في هذه الدراسة.

أولًا، حان وقت الانتقال من التغيير إلى الإصلاح. لقد وصف تقرير "آفاق عربية" الذي صدر سابقًا عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي حول التعليم مجموعة من النُظم التعليمية التي ترزح تحت وطأة ضغوط هائلة من أجل التغيير، وقدّم أيضًا رؤية لما يجب أن يكون عليه شكل التغيير المتوقَّع وكيفية تحقيقه. وحتى قبل صدور التقرير، حدثت تغييرات كبيرة، وتسارعت وتيرتها منذ ذلك الحين، ونمّ الكثير منها عن حسن نية وعن خبرة وتمرّس، بيد أنها لم تُفضِ إلى تحقيق إنجازات تُذكر. وغالبًا ما ركّزت الجهود المبذولة على البنى التحتية المادية، والمقترحات التقنية التي تستند إلى نماذج دولية، والمبادرات القابلة للقياس التي تنطلق من القمة إلى القاعدة والتي لم تُنتج تغييرًا نوعيًا. إذًا، يجب أن يكون الإصلاح الحقيقي تكامليًا وشاملًا.

ثانيًا، يتعيّن أن يستند هذا النوع من الإصلاح إلى انخراط جهات متنوعة. لقد دعا تقرير "آفاق عربية" إلى أن يصبح التعليم متجذّرًا على نطاق واسع في المجتمعات، لكن السنوات اللاحقة أظهرت أن الكلام أسهل من الفعل. ففي العام 2018، لم ننظر في مدى تعقيد ما يعنيه مصطلح "الانخراط"، نظرًا إلى تنوّع الجهات المعنية واختلاف أجنداتها، بدءًا من أولياء الأمور والطلاب ومرورًا بالمعلّمين ووصولًا إلى الأنظمة الحاكمة. لكن الأهم، ما من مساحة متاحة أمامهم للانخراط مع بعضهم البعض. يجب أن ينبثق الإصلاح الحقيقي من نقاش بين مختلف الجهات المعنية حول نوع الإصلاح الذي ينبغي إجراؤه، لذا تدعو دراستنا هذه بشكل ملحّ إلى إطلاق هذه العملية.

ثالثًا، آن الأوان لاغتنام الفرص. فعلى الرغم من أن المهمة صعبة، تبدو المرحلة الراهنة مؤاتية للتغيير. بتنا نلمس على نطاق واسع الحاجة إلى الإصلاح، ولا سيما أن التجارب الناجمة عن تفشّي وباء كورونا دفعت جميع المعنيين إلى التفكير في أساليب مختلفة للقيام بالأمور. لقد استعرض كتاب نُشر مؤخرًا برعاية مبادرة اليونسكو العالمية للابتكار في مجال التعليم، بعنوان Learning to Build Back Better Futures for Education: Lessons From Educational Innovation During the Covid-19 Pandemic (التعلّم لبناء مستقبل أفضل للقطاعات التربوية: دروس من الابتكار في القطاع التعليمي خلال تفشّي وباء كورونا)، تسع عشرة تجربة تعليمية ابتكارية من حول العالم خلال فترة الوباء،14 من ضمنها تجربتان اثنتان من مصر وواحدة من السعودية وأخرى من قطر، ويُعدّ هذا التمثيل للعالم العربي كبيرًا ومرحّبًا به. وبغضّ النظر عن قيمة هذه التجارب على المدى الطويل، فإن سرعة استجابة النُظم التعليمية للوباء أظهرت أن اتّخاذ إجراءات سريعة أمرٌ ممكن. أما المهمة الآن فتكمن في وضع هذه الطاقة الحيوية في خدمة مرحلة طبيعية أكثر.

رابعًا، من الضروري التأكيد مجدّدًا على أن المواطنة يجب أن تشكّل محور الإصلاح التربوي، عوضًا عن اعتبارها فكرة ثانوية. ولا يجب أن يقتصر الإصلاح التعليمي على نقل المهارات أو تعزيز المؤهلات وحسب، بل يجب أن يعمل أيضًا على ترسيخ قيم المواطنة. ومن الضروري أيضًا إدراك أن تكرار هذه الفكرة وحده لا يكفي. وتُعزى صعوبة تحقيق هذا التحوّل نحو المواطنة إلى حقيقة مرّة مفادها غياب أي توافق بين مجتمعات المنطقة حول تعريف المواطنة، فضلًا عن المخاوف من إمكانية ارتباطها بالاضطرابات الاجتماعية، والهجوم على الثوابت الدينية، ورفض التقاليد والعادات الاجتماعية. لكن تكمن المفارقة في أن غياب التوافق هذا هو تحديدًا ما يستدعي التركيز على المواطنة. ويتعيّن على أي رؤية تربوية تحمل رسالة المواطنة أن تتناول موضوع القيم، لكن بطريقة تتوخّى إعداد أفراد قادرين على خوض غمار عالم يزخر بالخلافات. علاوةً على ذلك، يعترف الخبراء التربويون بضرورة تجهيز الطلاب للتعامل مع مجموعة من المعارف والقيم الإنسانية، حتى حين تكون راسخة في مجتمعهم وتراثهم. من هذا المنطلق، يستعرض القسم التالي من هذه الدراسة تجارب محدّدة من العالم العربي تبنّى فيها الخبراء التربويون أساليب تقنية لدمج هذه الأفكار والاعتبارات في رؤيتهم الإصلاحية. يجب ألّا تبقى هذه المقاربات الابتكارية مجرّد مناقشات بين التربويين، بل أن تصبح جزءًا من نقاش عام أوسع نطاقًا.

أخيرًا، لا بدّ من الإقرار بأن ثمة حركة عالمية تسير على الدرب نفسه الذي نقترح اتّباعه. فقد دعا تقرير Futures of Education (مستقبل التربية والتعليم) الذي أطلقته منظمة اليونسكو هذا العام إلى إرساء "عقد اجتماعي جديد" تمّ وصفه بما يلي:

يجب أن يدعم الابتكار والبحث عملية التعبئة الاجتماعية الواسعة النطاق من أجل إحداث تحوّل في المجال التربوي. وينبغي أن يصبح التعليم مسؤولية عالمية من خلال تعزيز التعاون الدولي على أُسس أكثر إنصافًا تنطلق من روحية التضامن التي تمدّ جسور الثقة على المستويات كافة.

ستتطلب صياغة عقد اجتماعي جديد للمجال التربوي إحداث تغييرات صعبة في علاقات القوة بين الدول، والحركات الاجتماعية، والمواطنين، والجمعيات المهنية، وقطاعات الأعمال وغيرها من الجهات الفاعلة. وعلى الرغم من العمل المُلهِم الذي أنجزه كثيرون على مدى العقود الماضية، لا يزال علينا أن نتحدّى أنفسنا للتفكير والتصرّف بطرق مختلفة. فانخراطنا معًا في هذا المشروع الهام هو فرصتنا الأفضل لتحقيق استدامة تقاليدنا الثقافية الحية في المستقبل.15

التعلّم من الأخطاء في بيئة تجريبية: عقدان من الإصلاح في قطر

اتّخذت قطر، من أجل إصلاح منظومتها التعليمية، خطوات عدّة قد يتبنّاها إصلاحيو هذا القطاع في أماكن أخرى من المنطقة. لقد كشفت هذه الجهود عن استعداد قطر للتفكير بصورة متكاملة وشاملة، من خلال الربط بين الإصلاح في المدارس والمعايير المطلوبة في الجامعات مثلًا، على أمل أن يضمن الطلاب الذين يتلقّون تعليمًا أفضل في المدارس نجاحهم في مرحلة التعليم الجامعي، ما يؤدي بالتالي إلى خفض معدلات التسرُّب من الجامعات. وأدرك المسؤولون من خلال عملية الإصلاح هذه قيمة التعلّم من الأخطاء. فهم لم ينظروا إلى هذه العملية على أنها خط ثابت ومستقيم بل كمسار تجريبي يحتّم أحيانًا إعادة التخطيط وتعديل السياسات إن لزم الأمر، وبالتالي إبطال التغييرات غير الناجحة. وخير مثال على ذلك المحاولات الأولى لاعتماد اللغة الإنكليزية كلغة تدريس، ما تسبّب بمشاكل ثقافية أرغمت السلطات لاحقًا على التراجع عن قرارها.

في العام 2002، قرّرت قطر إصلاح نظامها التعليمي بمرحلتَيه، أي المرحلة الدراسية من الروضة حتى الصف الثاني عشر، والمرحلة الجامعية بهدف مواكبة المشهد الاقتصادي المتغيّر محليًا وعالميًا. كذلك، كانت الحكومة القطرية قلقة لأن النتائج المدرسية للأطفال والمراهقين القطريين لم تكن ترقى إلى مستوى المعايير المُحددة في الاختبارات الدولية، على غرار البرنامج الدولي لتقييم الطلبة، المعروف اختصارًا باختبار PISA (بيسا) والاتجاهات في الدراسة الدولية في الرياضيات والعلوم، المعروفة اختصارًا بتقييم TIMSS (تيمس). وعلى المستوى الجامعي، برزت مخاوف أيضًا من ألا يكون الطلاب المتخرّجون من جامعة قطر على قدر تطلّعات أرباب العمل ولا يستطيعون تلبية متطلبات سوق العمل الناشئة، ناهيك عن المساعدة على تحقيق رؤية قطر الطموحة الرامية إلى تحديث البلاد وتنويع اقتصادها.

كان النظام التعليمي القديم، الخاضع لإشراف وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، يتألف من طبقات ووحدات عدّة شديدة الهرمية والبيروقراطية ومقاوِمة للتغيير والابتكار والإصلاح. إضافةً إلى ذلك، كانت الوزارة تفتقر إلى الأدوات اللازمة لمراقبة الأداء أو تقييمه أو تطبيق أي تغييرات بهدف التحسين. وعمدت إلى إعداد كتب مدرسية استُخدمت في جميع صفوف المدارس الحكومية كافة، واستمدّت محتواها من نصوص عربية موجودة أساسًا. وركّز نظام التعليم القطري على نهجٍ من الأعلى إلى الأسفل لنقل المعارف إلى الطلاب. وعلى المستوى الجامعي، واجهت جامعة قطر صعوبات في الحصول على استقلاليتها عن وزارة التربية والتعليم كي يتسنّى لها وضع سياساتها الخاصة من أجل تنظيم أنشطتها الأكاديمية والعملياتية.

على مدى العقدَين الماضيَين، قامت قطر، على غرار بعض الدول الخليجية المجاورة، باستقدام عدد غير مسبوق عالميًا من المعاهد التعليمية والنظم والبرامج التربوية لمعالجة أوجه القصور في سوق العمل، وتطبيق أجندتها الإصلاحية. موّلت الدولة إنشاء مؤسسة قطر، التي توفّر برامج أكاديمية من جامعات آيفي ليغ المرموقة، إضافةً إلى برامج من جامعات أميركية عريقة أخرى، مثل جامعة وايل كورنيل للطب، وجامعة كارنيغي ميلون لعلوم الحاسوب وإدارة الأعمال، وجامعة تكساس إي أند أم للهندسة، وجامعة نورثوسترن للصحافة والتواصل الإعلامي، وجامعة جورجتاون للشؤون الدولية.

وسلّط القادة في قطر الضوء على نسب النجاح المرتفعة التي سجّلتها النظم المستقدمة من الخارج، واستخدموا هذه النجاحات للدفاع عن فكرة أن مثل هذه النظم يمكن أقلمتها مع السياق الثقافي المحلي القطري. في الواقع، شكّلت الجهود القطرية لإصلاح منظومة التعليم الوطني في المدارس الحكومية وفي جامعة قطر ولاستقدام برامج أكاديمية مهمة وناجحة من الخارج جزءًا من استراتيجية مزدوجة، تنطلق بشكل أساسي من حقيقة أن الإصلاح التربوي هو مشروع طويل الأمد يحتاج إلى سنوات ليؤتي ثماره، وغالبًا ما يواجه عقبات عدّة. وبالتالي، يتطلّب هذا النوع من الإصلاح في الكثير من الأحيان القدرة على تعديل السياسات حينًا، والتراجع عنها حينًا آخر، والبدء من جديد عند الاقتضاء. يُشار إلى أن قطر تملك الموارد المالية اللازمة للقيام بكل ذلك، ولا سيما إذا كان مصير شبابها على المحك.

في العام 2001، كلّفت الحكومة القطرية مؤسسة راند بتقييم نظام التعليم المدرسي من الروضة حتى الصف الثاني عشر، واقتراح خيارات للإصلاح. واختارت القيادة القطرية نموذج المدرسة المستقلة، بالاستناد إلى نظام المدارس الدولية المرخّصة، وفي العام 2002 تمّ إطلاق مبادرة "تعليم لمرحلة جديدة" بناءً على ما استُخلص. وأنشأت قطر المجلس الأعلى للتعليم من أجل تطبيق تغييرات سريعة وملحوظة في نظام التعليم من الروضة حتى الصف الثاني عشر. في البداية، عمل المجلس بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي كهيئة تنظيمية ثانية، إلى أن تمّ الاستغناء عنها. وعلى مدى العقد اللاحق، باشرت الدولة خطة إصلاحية ولامركزية سريعة الوتيرة للنظام التعليمي المدرسي. وفي العام 2004، أطلقت المجموعة الأولى من المدارس المستقلة، وبحلول العام 2011، تمّ تحويل جميع المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم إلى مدارس مستقلة.

هدفت مبادرة "تعليم لمرحلة جديدة" إلى إضفاء مرونة على القطاع التعليمي وتقديم خيارات متنوعة. وسرعان ما تحولت قطر إلى نموذج قائم على الاستقلالية والمساءلة والتنوّع وحرية الاختيار. وتمّ تحديد معايير المناهج الوطنية لأربع مواد أساسية هي اللغة العربية، واللغة الإنكليزية، والرياضيات، والعلوم. واعتمدت السلطات اللغة الإنكليزية لغة تدريس، لكن الجدل الذي أثارته هذه الخطوة دفعها إلى العدول عن قرارها لاحقًا. وتُركت للمدارس حرية تبنّي فلسفاتها وتطوير مناهجها الخاصة، شرط الالتزام بمعايير المجلس الأعلى للتعليم حول المواد الأربع المذكورة. ومن الناحية النظرية، كان ينبغي أن تؤدّي الاستقلالية وحرية الاختيار في القطاع التعليمي إلى مفاعيل إيجابية تغدو معها المدارس والخبراء التربويون أكثر مراعاةً لحاجات الأُسر والمعلّمين.

تميّزت عملية الإصلاح التربوي من الروضة حتى الصف الثاني عشر بسمات أساسية عدّة، شملت: الاستقلالية من خلال إدارة لامركزية عمل بموجبها أصحاب المدارس ضمن شروط عقد مُبرم مع المجلس الأعلى للتعليم؛ والمحاسبة من خلال جملةٍ من التدابير والإجراءات؛ والتنوّع في الفلسفة التعليمية والخيارات العملياتية؛ وحرية أولياء الأمور في اختيار المدرسة التي سيرتادها أولادهم. إضافةً إلى ذلك، تبنّت قطر طرقًا تعليمية تتمحور بشكل أكبر حول الطالب، ووفّرت بيئات تعلّم تنطوي على المزيد من التحديات. وبهدف تطبيق الإصلاحات، أنشأت السلطات مؤسسات جديدة لتجنّب حدوث أي تضارب في المصالح حول الجوانب التعاقدية المتعلقة بالمدارس المستقلة.

تألّف الهيكل الجديد، بعد إصلاحه، من هيئات ومكاتب منفصلة خاضعة لإشراف المجلس الأعلى للتعليم، وتضمّن الهيئات الآتية:

  • هيئة التعليم التي أشرفت على عملية التعاقد، وقدّمت الدعم الأكاديمي، وعملت أيضًا على وضع المناهج الدراسية ومعايير الأداء، وبدأت عملية تدريب طواقم العمل في المدارس. وتألفت هذه الهيئة من مكتبَين رئيسَين: الأول هو مكتب معايير المناهج الذي سعى، كما يدلّ اسمه، إلى وضع معايير خاصة للمناهج الدراسية في المواد الأربع الأساسية - اللغة العربية واللغة الإنكليزية والعلوم والرياضيات - التي تُعتبر مهمة من أجل تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى قطر إلى تحقيقها من خلال عملية إصلاح التعليم. والثاني هو مكتب التطوير المهني الذي أجرى تقييمات للحاجات داخل المدارس المستقلة، وصمّم بعدئذٍ برامج تدريب مهني للمعلّمين ومديري المدارس ومشغّليها ومجالس إدارتها وما إلى ذلك.
  • هيئة التقييم التي راقبت أداء المدارس وقيّمتها، وجمعت بيانات تعليمية واجتماعية عن المدارس وأولياء الأمور والمعلّمين والمدراء والطلاب، وتألّفت من مكتبَين: الأول هو مكتب تقييم الطلاب، الذي أعدّ وأجرى اختبارات وطنية في المدارس الحكومية كافة خلال أعوام دراسية مختلفة، وأشرف على عملية الحفاظ على جودة الاختبارات. والثاني هو مكتب تقييم المدارس، الذي قيّم المدارس من خلال إعداد ما يسمّى ببطاقات تقرير أداء المدارس، التي أظهرت النتائج التي سجّلتها المدارس وفقًا للاختبار الوطني وبيانات تقييمية أخرى. يُشار إلى أن هذه المعلومات متاحة أمام أولياء الأمور ويمكنهم الاطّلاع عليها لاختيار مدارس أولادهم، وهي متاحة أيضًا أمام مديري المدارس لمساعدتهم على تحسين مدارسهم.16

لكن في العام 2016، أدّت نتائج اختبارات "بيسا" و"تيمس" إلى قلب مسار الإصلاحات الأولية التي حملتها مبادرة "تعليم لمرحلة جديدة"، والتي كان هدفها تحسين إنجازات الطلاب. فعلى الرغم من أن النتائج أظهرت تقدّمًا ملحوظًا مقارنةً مع النتائج التي سُجِّلت في مرحلة ما قبل تطبيق الإصلاحات، احتلّ الطلاب القطريون مراتب متدنية في الاختبارات على مستوى العالم،ما تسبّب باستياء دفع السلطات إلى إلغاء إصلاحات المبادرة وإطلاق نظام القسائم التعليمية (الكوبونات). وتلت هذه الخطوة تدريجيًا عودة السيطرة المركزية على التعليم من خلال إعادة تفعيل دور وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي. كذلك، تمّ حلّ هيئة التعليم، إنما مع الإبقاء على مكتب معايير المناهج ومكتب التطوير المهني وإخضاعهما إلى سلطة الوزارة. وبالمثل، تمّ حلّ هيئة التقييم ووضع مكتب تقييم الطلاب ومكتب تقييم المدارس بدورهما تحت إشراف الوزارة.

لقد تمثّلت العقبة الأساسية في تبنّي أجندة إصلاحية مفرطة الطموح، لم تأخذ في الحسبان الافتقار إلى الإمكانيات اللازمة للتخطيط للأجندة الإصلاحية وتطبيقها وإدارتها. يعتمد نجاح المدارس المستقلة جزئيًا على بناء قدرات المعلّمين وتحسين وضع المدارس. وبات واضحًا أن أعباء العمل المُلقاة على كاهل المعلّمين ومديري المدارس قد ازدادت، إذ واجهوا صعوبات في إجراء التغييرات المطلوبة لتنفيذ مبادرة "تعليم لمرحلة جديدة". فقد فرضت الإصلاحات على المعلّمين ومديري المدارس وأولياء الأمور الاضطلاع بمهام لا يملكون المهارات اللازمة لتحقيق النتائج المرجوّة منها.

تحديدًا، لم يكن المعلّمون قادرين على إعداد محتوى وتدريسه في الوقت نفسه استنادًا إلى المعايير التي وضعها المجلس الأعلى للتعليم. إضافةً على ذلك، كان تنظيم دورات تدريبية للمعلّمين بهدف إطلاعهم على كيفية القيام بذلك خلال مرحلة التنفيذ تجريبيًا بطبيعته وحافلًا بالتحديات، ناهيك عن أن الانتقال من اللغة العربية إلى اللغة الإنكليزية شكّل عقبة إضافية أمام المعلّمين والطلاب على السواء. وعلى الرغم من أن المجلس الأعلى للتعليم قد تعاقد مع مدرّبين دوليين محترفين وخصّ كل مدرسة بمدرّب لمساعدة المعلّمين في التغلّب على العقبات، لم يتمكّن المعلّمون من مواجهة أعباء العمل الهائلة والتغييرات الجذرية. كذلك، خصّصت السلطات ميزانيات لمديري المدارس وأعطتهم حرية إدارة الشؤون المدرسية وتوظيف طاقم العمل. لكن هذه المهمة كانت جديدة بالنسبة إلى عدد كبير منهم وزادت مسؤولياتهم إلى حدٍّ بعيد، ولا سيما أن كثرًا منهم لم يملكوا الكفاءة اللازمة لتحمّلها. وشكّلت هذه الوقائع خير دليل على أن الإصلاح التعليمي مشروع متواصل لا تكفي فيه وفرة الموارد المالية والعزيمة السياسية لتحقيق النتائج المُتوخاة.

يمكن تلخيص أبرز المشاكل التي واجهت إصلاح المدارس في قطر بما يلي:

  • مشكلة اللغة: اللغة الإنكليزية لغة عالمية، وتبرز أحيانًا ضغوط قوية للتشديد على ضرورة إتقانها. مع ذلك، أدّت عملية إصلاح نظام التعليم المدرسي من الروضة حتى الصف الثاني عشر في قطر إلى إثارة الحساسيات الثقافية، لأن المجلس الأعلى للتعليم طبّق انتقالًا مفاجئًا وإلزاميًا إلى اللغة الإنكليزية وتدريس الرياضيات والعلوم بالكامل بهذه اللغة. مع ذلك، لم تقتصر التحديات على الحساسيات المتعلقة بالثقافة والهوية، بل كان الانتقال إلى اللغة الإنكليزية والابتعاد عن اللغة الأم صعبًا على المعلّمين والطلاب وأولياء الأمور. كذلك، أدّى إصلاح النظام التعليمي إلى تقليص عدد الحصص المخصّصة للدراسات الإسلامية واللغة العربية.
  • مهل زمنية قصيرة: على الرغم من الالتزام القوي بالتغيير، أو ربما بسببه، كانت للأجندة الإصلاحية في قطر مهل زمنية قصيرة، إذ كانت القيادة حريصة على تلمّس نتائج سريعة وإحراز تقدّم. لقد تمّ تطبيق الإصلاحات في المرحلة الدراسية التي تتراوح من الروضة حتى الصف الثاني عشر بسرعة وعُلِّق آمال كبيرة عليها، لكن هذا المسعى أهمل عملية إشراك وإعداد وتعزيز قدرات المعنيين الرئيسين الذين يُعتمد عليهم لتحقيق نجاح العملية الإصلاحية في المدى الطويل. في العادة، ينبغي أن تعتمد وتيرة الإصلاح على قدرة النظام على تدريب المعلّمين والإداريين. وفي ظل غياب ذلك، لن تتمكن الدولة من إجراء التحسينات المرجوّة في قاعات التدريس التي تعتمد على وجود معلّمين محترفين ومديرين أكفّاء.
  • نقص المعلّمين والإداريين الخاضعين للتدريب: أثّر الافتقار إلى المعلّمين والموظفين المدرّبين بصورة مباشرة على النجاح في تطبيق المناهج الدراسية الجديدة المصمَّمة لاستيفاء المعايير الدولية. في الواقع، توفّرت العزيمة السياسية وكذلك الدعم المالي، لكن ما كان مفقودًا هو الإعداد السليم والكوادر البشرية. فغالبية المعلّمين في المدارس المستقلة هم من المغتربين، ومعظمهم من سائر الدول العربية. ونظرًا إلى العدد الكبير من المغتربين في قطر، ثمة تنوّع كبير في أوساط أولياء أمور الطلاب الذين يرتادون مدارس مستقلة. لذا، واجه المعلّمون في هذه المدارس صعوبات في إعداد محتوى مناهج تأخذ في الحسبان المعايير الدولية الجديدة في مواد اللغة العربية واللغة الإنكليزية والعلوم والرياضيات. علاوةً على ذلك، كان مديرو المدارس يرزحون تحت وطأة ضغوط هائلة لدفع عجلة الإصلاح محليًا وتعزيز ممارسات تعليمية مبتكرة في الثقافة المدرسية.

عقب إلغاء مبادرة "تعليم لمرحلة جديدة"، تبنّت السلطات استراتيجيتَين:

هدفت الاستراتيجية الأولى إلى تلبية الحاجة الملحّة لتعزيز القدرات والخبرات على نحو متزايد وتخصيص وقت كافٍ لتطوير القدرات المحلية في المجالات التي لم تستطع إصلاحات المبادرة من تحقيق النتائج المرجوّة منها. وفي العام 2016، قررت وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي سحب مهمة إعداد المناهج الدراسية من معلّمي المدارس الحكومية وإناطتها بمكتب معايير المناهج، الذي أُعطي صلاحية وضع إطار شامل للمناهج الوطنية لتحقيق تناغم أكبر بين المناهج المدرسية وإضافة كفاءات جديدة عليها تلبّي متطلّبات القرن الحادي والعشرين، والأهم إعداد كتب مدرسية لهذه الغاية.17 كذلك، تم الإبقاء على مكتب التطوير المهني ليتولّى تنفيذ برامج تدريبية أكثر تركيزًا على الهدف المنشود.

وفي محاولةٍ للارتقاء بجودة النظام التعليمي، أبقت وزارة التربية والتعليم أيضًا على مكتب تقييم المدارس ومكتب تقييم الطلاب، كما ذُكر أعلاه. واستأنفت هذه الهيئات مسؤولياتها السابقة المتمثّلة في تنفيذ التقييمات الوطنية للطلاب وتقييم المدارس وعمليات نيلها شهادات الاعتماد الدولي. علاوةً على ذلك، وبهدف تعزيز القدرات المحلية في مجال التقييم، أطلقت الوزارة برنامجًا لإعداد اختصاصيين في تقييم المدارس، يحصلون على ترخيص باعتبارهم خبراء تقييم دوليين معتمَدين من لجنة اعتماد المدارس – الرابطة الغربية للمدارس والكليات (ASC-WASC)، ومقرّها الولايات المتحدة الأميركية.

أما الاستراتيجية الثانية فتمثّلت في توسيع نطاق تخصيص القسائم المدرسية. تمّ إصدار قسائم لأولياء الأمور تخوّلهم اختيار أي مدرسة خاصة معتمَدة تمنح شهادة البكالوريا الدولية أو الشهادة الدولية العامة للتعليم الثانوي أو أي برامج مماثلة معتمَدة دوليًا لأولادهم. وترافق ذلك مع افتتاح مدارس دولية مرموقة ذات مناهج راسخة، في إطار الشراكة بين القطاعَين العام والخاص. وقد شجّعت هذه الشراكات على إنشاء مدارس جديدة، بما أن المدارس حصلت على دعم مالي من خلال تخصيص الأراضي لها ومنحها التمويل اللازم لتغطية تكاليف البناء والأنشطة العملياتية. وبعد مرور خمسة وعشرين عامًا، ستسمح ترتيبات الشراكة هذه بتسليم المدارس إلى وزارة التربية والتعليم.

لكن المشهد في جامعة قطر كان مختلفًا لغاية العام 2004.18 كانت الكليات المهنية، ومن ضمنها الهندسة وإدارة الأعمال والعلوم، ترقى إلى المعايير الدولية من حيث المناهج والتعليم والجودة. وبعد تنفيذ الإصلاحات في جامعة قطر، حصلت غالبية البرامج المهنية والأكاديمية فيها على الاعتماد الدولي، مثل كلية التربية التي نالت شهادة الاعتماد الأكاديمي في العام 2013 من المجلس الوطني الأميركي لاعتماد مؤسسات إعداد المعلّمين (NCATE). وفي العام 2019، حصل برنامج الإعلام والاتصالات على الاعتماد من مجلس الاعتماد الأكاديمي في تعليم الصحافة والتواصل الإعلامي.

أشرف المكتب المعني بمراجعة البرامج الأكاديمية ونتائج التعلّم على ضمان جودة التعليم المقدّم في جامعة قطر. وتمثّلت مهمة المراجعة في التأكد من أن تدريس البرامج الأكاديمية قائمٌ على النتائج، وفي قياس أداء الطلاب مقارنةً مع نتائج التعلّم المرجوّة. ومن أجل تحقيق المزيد من التحسّن، أجرى خبراء في اختصاصات محدّدة من جامعات مرموقة من حول العالم مراجعات دورية. وقدّم مكتب التنمية المهنية وتطوير عمليات التعليم فرص تطوير مهني للهيئة التعليمية من أجل التركيز على التعليم المتمحور حول المتعلّم، واستخدام تكنولوجيات التعليم المدعومة، وتقييم نتائج التعلّم، وغير ذلك.

وبهدف توظيف أساتذة أكفّاء من حول العالم ووضع خبرات دولية متنوعة في متناول الطلاب، وسّعت جامعة قطر نطاق استخدام اللغة الإنكليزية كلغة تدريس وتواصل في عدد من المجالات، منها الإعلام والاتصالات، والشؤون الدولية، والقانون. وعلى الرغم من أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة القطرية، تُعتبر اللغة الإنكليزية لغة التواصل في مجال الأعمال، وفي قطاعات مهمة في البلاد عمومًا، وأهمها قطاع الموارد الهيدروكربونية، إضافةً إلى مجالات أخرى، مثل استضافة مؤتمرات أو فعاليات رياضية أكسبت قطر مكانة بارزة خلال السنوات القليلة الماضية.

كانت جامعة قطر طموحة في سعيها إلى الارتقاء بمستوى طلاب وهيئتها التعليمية على السواء، وسعت جاهدةً لنيل شهادة الاعتماد الأكاديمي من الرابطة الجنوبية للكليات والمدارس (SACS)، وهي هيئة إقليمية مقرّها الولايات المتحدة، من أجل ضمان استيفائها المعايير العالمية. كذلك، سعت جامعة قطر سابقًا إلى تحسين أداء الطلاب من خلال تشديد شروط القبول وسياسات الإنذار الأكاديمي، لعدم السماح للطلاب الذين تنقصهم الحوافز أو يُعدّ أداؤهم الأكاديمي سيئًا بمتابعة تحصيلهم العلمي في الجامعة. لكن الطلاب المفصولين من جامعة قطر بسبب أدائهم الأكاديمي غير المرضي أو أولئك الذين لم يتم قبولهم في هذه الجامعة، فأمامهم خيارات أخرى، بما فيها التسجيل في كليّات المجتمع أو في كليّات تقنية على غرار كلية شمال الأطلنطي، وهي مؤسسة تقنية كندية تمّ تغيير اسمها في العام 2022 ليصبح جامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا.

كان المسؤولون في جامعة قطر يعقدون آمالهم على نجاح الإصلاح المدرسي، كي يتمكن طلاب المدارس المستقلة في البلاد من تحقيق نجاح أكبر في دراساتهم الجامعية، وبالتالي الحدّ من معدلات التسرُّب من التعليم العالي. ونظرًا إلى قلة عدد سكان قطر، فهي لا تحتمل أن تكون نسبة ولو ضئيلة من شبابها خارج النظام الجامعي. مع ذلك، وبسبب فشل إصلاح النظام التعليمي من الروضة حتى الصف الثاني عشر، اضطرت الجامعة إلى تخفيف سياسات الإنذار الأكاديمي وإعادة الطلاب الذين تمّ فصلهم بسبب السياسات الأكثر صرامة التي كانت تنتهجها سابقًا. وأسّست كذلك وحدات لدعم تعلّم الطلاب من أجل مساعدة الأشخاص المتأخّرين دراسيًا، وعرضت خيار الالتحاق ببرامج في مجالَي إدارة الأعمال والشؤون الدولية يتمّ تدريسها باللغة العربية.

حقّقت العملية الإصلاحية في جامعة قطر نجاحًا أكبر من إصلاح النظام التعليمي المدرسي من الروضة حتى الصف الثاني عشر، واختلف النطاق بين الحالتَين. فقد شكّلت الاستقلالية واللامركزية الهدفَين الأساسيَين والنتيجتَين المرجوّتَين من الإصلاح في جامعة قطر، وتمكّنت بفضل أساتذتها المتمرّسين من العمل بشكل مستقل، مسترشدةً بأفضل الممارسات في القطاع الأكاديمي. لكن هذا الأمر لا ينطبق على وضع المدارس الحكومية.

من المستبعد تطبيق النموذج القطري في دول أخرى. فقد أدّت العزيمة السياسية إلى بلورته، وأفضى توافر الموارد المالية إلى تقدّمه، وأمكن تطبيقه نتيجة العدد القليل من الطلاب. لكن سجلّه مختلط، يمزج بين الكثير من الخيبات والبدايات الخاطئة، وبعض النجاحات. لا يبدو واضحًا ما إذا كان من الملائم تصدير هذا النموذج إلى دول أخرى، نظرًا إلى أن خصوصيات المسعى الإصلاحي تغيّرت بشكل ملحوظ مع الوقت. مع ذلك، يبقى المسار القطري - الذي اقترن فيه الزخم الإصلاحي الرفيع المستوى باستعدادٍ لخوض غمار تجارب جديدة وتعزيز عملية النهوض بمنظومة تخدم جيلًا صاعدًا من الطلاب – نموذجًا جديرًا بأن تتمعّن في دراسته سائر دول المنطقة.

إعادة النظر في القطاع التعليمي الأردني: خطوات نحو تعزيز الترابطية

كان الإصلاح التعليمي أولوية بالقدر نفسه خارج دول الخليج، على الرغم من أن الأزمات الاقتصادية الحادة في عدد كبير من البلدان العربية تسبّبت مرارًا وتكرارًا بعرقلة اعتماد تدابير إصلاحية. في الأردن، واجهت المؤسسات التربوية صعوبة في استيفاء المقتضيات التعليمية الناشئة المتعلقة بسبل بناء المعرفة والمهارات ونشرها في أوساط الشباب، ولا سيما في المدارس والجامعات الحكومية. أحدثَ هذا الوضع فجوة بين التعليم الخاص والتعليم الرسمي، ما فاقم أوجه التفاوت الاجتماعي. وقد تبيّن أن الحكومة عاجزة عن ردم هذه الفجوة، ناهيك عن أن تدهور الأحوال الاجتماعية نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد، أرغم الأسر ذات الدخل المتوسط إلى المنخفض على نقل أولادها من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية.19

تسارعت وتيرة هذه العملية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولا سيما منذ أن تحوّل النظام التربوي الأردني بكامله نحو التعليم عن بعد خلال المرحلة الأولى من تفشّي وباء فيروس كورونا في العام 2020، وذلك لسببَين اثنين.20 أولًا، مع بلوغ نسبة البطالة نحو 50 في المئة خلال الإغلاق العام، وفرض قيود صارمة على التجمّع في الأماكن العامة، بما في ذلك أماكن العمل، باتت عائلات كثيرة عاجزة عن سداد أقساط المدارس الخاصة. وثانيًا، فقدت المدارس الخاصة تميّزها على المدارس الرسمية، إذ لم يعد بإمكانها استخدام مرافقها ومنشآتها المتفوّقة نسبيًا وتوفير الأنشطة اللاصفّية.

الفجوة الإشكالية الأخرى هي تلك القائمة نتيجة عدم التطابق بين المهارات التي يكتسبها خرّيجو المدارس الثانوية والجامعات من جهة، وبين حاجات سوق العمل الذي يشهد تطورًا سريعًا من جهة أخرى. فالمعرفة التي يكتسبها الطلاب عن طريق الحفظ غيبًا في المدارس والجامعات الرسمية تفقد بصورة متزايدة جدواها في سوق العمل الذي بات في جزء كبير منه ذا توجّه عالمي.

أصبح من الضروري على السلطات الأردنية تصحيح المسار من خلال تبنّي ذهنية جديدة وجريئة للتعاطي مع التعليم والتعلّم. وقد تمثّل الخيار الأفضل في اعتماد التعليم المدمج الذي يجمع بين آليات التعليم التقليدية التي يتولّاها المدرّس وبين الوسائل الإلكترونية والرقمية لتقديم المعلومات وتحفيز التفكير النقدي. فهذا النوع من التعليم قادر على إعداد الطلاب لخوض غمار سوق العمل في عالمٍ يزداد عولمةً ويصبح بالتالي مترابطًا على نحو أوثق، بيد أن الأردن لم يتمكّن من مواكبة هذا التطور. ووفقًا لبيانات البنك الدولي، "بلغت نسبة البطالة لدى الشباب قرابة 50 في المئة في العام 2021، فيما سجّل معدّل مشاركة النساء في القوة العاملة 14 في المئة، وهو من أدنى المعدلات عالميًا".21 تقف أسباب عدّة خلف تخبّط المؤسسات التربوية الأردنية في تعاطيها مع مسألة التعليم.

أحد الأسباب الرئيسة التي تسهم في الركود الذي يعاني منه القطاع التعليمي هو الانكماش الاقتصادي الذي يشهده الأردن منذ العام 2007،22 والذي ترافق مع زيادة هائلة في أعداد السكان، من نحو 6.2 ملايين نسمة في العام 2007 إلى 11.1 مليون نسمة في تموز/يوليو 2022.23 ونتيجةً لذلك، تراجعت جودة الخدمات العامة على جميع الأصعدة تقريبًا، واستُنزِفت الموارد الضرورية لتلبية الطلب المتزايد. كذلك، عانت المدارس والجامعات من تبعات وخيمة، بسبب طغيان الفئة العمرية الشبابية في البلاد، حيث يبلغ متوسط العمر 23.8 عامًا، وتُعدّ نسبة 63 في المئة من مجموع السكان ما دون سن الثلاثين. إذًا، تسبّب كلٌّ من الانكماش الاقتصادي وزيادة أعداد السكان في عرقلة إجراء تغييرات في القطاع التعليمي، علمًا أن هذه العملية أمست حاجة ملحّة على ضوء هذَين التحدّيَين.

والسبب الثاني هو النقص العام في الدراية على مستويات عدة من المؤسسات التعليمية. لقد ساهمت هجرة المثقّفين إلى دول الخليج خلال العقود الثلاثة المنصرمة وانتقال الموظفين الأكفّاء إلى قطاعات اقتصادية أعلى أجرًا داخل البلاد، في إفراغ القطاع التعليمي من الأشخاص الأكثر أهلًا لإحداث تحوّل في الأنموذج.

إضافةً إلى ذلك، يُعَدّ غياب القيادة المتماسكة والواضحة في المنظومة التعليمية برمّته سببًا ثالثًا أدّى إلى تعطيل عملية التغيير الملحّة والضرورية. ونظرًا إلى الوتيرة السريعة لاستبدال المسؤولين الحكوميين، إذ إن ولاية بعض الوزراء تدوم بضعة أشهر فقط أو حتى أيام، يفتقر التربويون والمؤسسات التعليمية إلى مرجع ثابت يُعوَّل عليه. وينطبق ذلك بصورة خاصة بعدما كلّف الملك عبدالله الثاني الحكومة في العام 2001 بتولّي "عملية الإشراف والمراقبة على مؤسسات التعليم العالي الرسمية والخاصة والنهوض بمستوى التعليم العالي ليواكب ويتلاءم مع التطورات التي شهدها قطاع التعليم العالي في العالم"، على أن يتحقّق ذلك بصورة أساسية من خلال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.24 خلال العقدَين المنصرمَين، اتّبعت هذه الوزارة (التي تختلف عن وزارة التربية والتعليم) نهجًا واحدًا ومعمّمًا لا يراعي الاختلافات بين المجالات، وطبّقته في إعداد البرامج الأكاديمية، وتطوير المناهج الدراسية، والكتب المدرسية، والتقييمات. ونتيجةً لذلك، أصبح نظام التعليم العالي أسير التنظيمات والطلبات المتبدّلة باستمرار لوضع تقارير عن مختلف جوانب العمليات، ما أعاق قدرة المعلّمين والمديرين على الابتكار.

أما السبب الرابع خلف تخبّط المؤسسات التعليمية الأردنية في استيفاء المقتضيات الناشئة، والذي لم يحظَ بالاهتمام الكافي، فهو ما تسمّيه الأستاذة الجامعية الأميركية والمنظّرة في الدراسات الثقافية دونا هاراواي "معلوماتية السيطرة".25 والمقصود بذلك تحويل الطلاب إلى مجرّد متلقّين سلبيين من خلال نظام تربوي ذي هيكلية متصلّبة. في وزارة التعليم العالي، ثمة مقاومة لتغيير النظامالتعليمي أو حتى تعديله، ما يشكّل عائقًا أمام إجراء الإصلاحات الضرورية. وقد نتج عن ذلك الإبقاء على منهج نمطي موحّد في جميع الحقول الدراسية، ولا سيما تلك المتعلقة بالإنسانيات والعلوم الاجتماعية. تقوم هذه الممارسة على تلقين الطلاب معارف محدّدة من خلال طرق تدريس متمحورة حول المعلّم.

نتيجةً لذلك، وما لم يحدث تحوّل سريع على المستوى الثقافي والاجتماعي، ستفشل المدارس والجامعات ببساطة في تلبية متطلبات سوق العمل لدى خرّيجيها، ما يعني أن الدوّامة الاقتصادية الانحدارية سوف تستمر في الأردن. لذا، تُعتبر إعادة تدريب الجيلَين الحالي والمقبل ضرورة وطنية. والمهارات التي تشتدّ الحاجة إليها بصورة خاصة في المشهد التربوي الأردني هي تحويل التعلّم إلى عملية تستمر مدى الحياة، والتعاطي استباقيًا مع المشاكل التي قد تطرأ، وتنمية الروح الإبداعية، والتحليل التعاطفي. يستلزم ذلك، بطبيعة الحال، إعادة النظر في موقع المعلّمين والمتعلّمين داخل قاعات التدريس وفي المدارس. لذا، يُشكّل التدريب المكثّف حاجة ماسّة وضرورة قصوى لبناء كفاءات المعلّمين كي يضطلعوا بسلاسة بأدوارهم الجديدة المتمثّلة في تحفيز التعلّم وتوجيهه وتيسيره في إطار عملية التحوّل في الأنموذج داخل القطاع التربوي الأردني.

بعد مرور عقدٍ ونصف على بداية القرن الحالي، بدأت الحكومة الأردنية أخيرًا بالتعامل بجدّية مع الإصلاح التربوي. وقد بدا اعتمادها لنظام تعليمي مدمج السبيل الأفضل لتحقيق تغييرٍ مجدٍ في المنظومة التربوية الوطنية، آملةً تبعًا لذلك بأن يصبح التعلّم في المدارس الأردنية أكثر تماشيًا مع الوقائع المعيوشة لما يُعرَف بجيل الألفية وأجيال العصر الرقمي. كان الهدف أن يصبح التعلّم شاملًا وتعاونيًا وإبداعيًا ولامركزيًا.

ينطلق التعليم المدمج عمومًا من الإقرار بأن التكنولوجيا نزعت حصرية المكان عن البيئة التعلمية التي كانت تقتصر في السابق على المباني المدرسية والجامعية المؤلّفة من أقسام عدة، وساهمت في تنويع مراكز التعلّم التقليدية بحيث باتت تتكوّن الآن من مساحات وشبكات تعلّم متعدّدة. ويُطلَق على ذلك مصطلح "الترابطية". ويبدو أن التعليم المدمج يتوافق مع مفهوم الترابطية، فكلاهما يزعزعان الأساليب التعليمية التقليدية ويعيدان تعريف بيداغوجيا التعلّم من خلال تحويلها في المقام الأول إلى مساحات تعلّمية يمكن الوصول إليها بحرّية ومرونة، وإلى ميدانٍ حيث يتولى الطالب بنفسه جزئيًا توجيه عملية اكتساب المعرفة. ويساهم التعليم المدمج أيضًا في تنويع موارد اكتساب المعرفة، بحيث تشمل مختلف منصّات التعلّم التعاوني والتعلّم الذي يتكيّف مع الوتيرة الذاتية لكل طالب.

إذا طُبِّقت أشكال التعلّم المدمج على نحوٍ فعّال، فهي تتيح للطلاب (وللطلاب الراشدين أيضًا، من خلال البرامج التي تركّز على "الأندراغوجيا"، أي تعليم البالغين) مجموعة متنوعة من الفرص التعلمية، فضلًا عن مرونة التعاطي مع العالم الذي تسهم الترابطية في تكوينه. فالموارد المادية تتضاعف من خلال توسّع العملية التعلمية نحو مساحات افتراضية، ناهيك عن أن التعليم المدمج قادرٌ على سدّ الفجوات الناجمة في مجالَي المعرفة والمهارات عن المقاربة التقليدية للتعليم القائمة على قاعات التدريس. لكن ينبغي بذل جهود حثيثة لتحفيز الأساتذة الجامعيين والمعلّمين على تبنّي الذهنية الضرورية لإحداث تحوّل في التعليم والتعلّم.

في العام 2015، أطلق الأردن مسارًا تدريجيًا لتحويل نظام التعليم العالي نحو التعليم المدمج والتعليم عن بعد.26 ولكن بحلول آذار/مارس 2020، باتت الخطط التي وُضِعت في الأصل لتنفيذها على المدى المتوسط والطويل، أكثر إلحاحًا إلى حدٍّ كبير، مع تحوّل 2.37 مليون طالب بصورة كاملة إلى نظام التعليم عن بعد بسبب تفشّي وباء كورونا.27 وهكذا، يمكن أن نستشفّ، في المدارس والجامعات الخاصة الأردنية، طلائع تطبيق الترابطية من خلال الاعتماد المتزايد لنهُج التعليم المدمج. ولكن يجب بذل مزيد من الجهود لتطبيق الترابطية عمليًا في المدارس والجامعات الرسمية التي ما زالت متأخّرة في هذا المجال عن نظرائها في القطاع الخاص.

يُسجَّل تطوّرٌ مشجّع في هذا الإطار، فحتى بعد انحسار تدابير الطوارئ التي فرضها وباء كوفيد-19 واستئناف التعليم الحضوري في الأردن، ظلّ تعزيز قدرات الموارد البشرية في مجال التعلّم المدمج مدرَجًا في قائمة الأولويات. لهذه الغاية، اعتمدت وزارة التعليم العالي النظام رقم 69 الذي أقرّه مجلس الوزراء بقرار صادر في 30 حزيران/يونيو 2021، وتمت المصادقة عليه بموجب مرسوم ملكي. لقد أرسى هذا النظام معايير تنفيذ التعليم المدمج في الجامعات الأردنية، ما أتاح انطلاق عملية الإصلاح بالوتيرة والاتجاه الصحيحَين. في المرحلة المقبلة، الحاجة القصوى هي إلى وضع خريطة طريق مدروسة ومعمّقة لابتكار أشكال من التعليم المدمج تكون تفاعلية وتعاونية وراسخة مفهوميًا ويمكن تكييفها مع وتيرة المتعلّم.

عند التمعّن في تجربة الأردن الذي انتقل، على غرار عدد كبير من البلدان، إلى التعليم الإلكتروني بين ليلة وضحاها، نستخلص ملاحظات عدة. تُبيّن الأدلة أن الأردن أبلى جيدًا في تحديد الموارد والمنصّات الضرورية للتعلّم عن بعد والتعلّم الإلكتروني، لكنه واجه صعوبة في التحوّل من النهج المتمحور حول المعلّم إلى نهجٍ يكون فيه الطلاب مشاركين فاعلين في اكتساب المعرفة. على سبيل المثال، تمثّل القصور في جمع الموارد وتصنيفها وتنظيمها وتوضيبها وفقًا للنتائج المستندة إلى التعلّم، بدلًا من النتائج المستندة إلى التدريس. فمن أجل أن ينتقل الطلاب بسلاسة وثقة نحو التعلّم الموجَّه ذاتيًا – الذي يشكّل جزءًا أساسيًا من التعليم المدمج – لا بدّ من إرساء نظام تعليمي شامل ومتكامل يجمع بين التعلّم الحضوري والتعلّم الإلكتروني. ينبغي أن يسهم هذا النظام في ترسيخ عملية التحوّل في الأنموذج من النموذج المصرفي للتعليم، كما يسمّيه ممارسو المهنة، حيث يودِع المعلّمون المعرفة لدى الطلاب، إلى نموذج تعلّمي مختلف تمامًا.28

ينبغي أن يتحقق ذلك سريعًا، فالعالم يتغيّر، وباتت تفقد الاختبارات والامتحانات المعيارية قيمتها سريعًا على مستوى العالم، إذ يشكّك خبراء مؤثّرون في الميدان التعليمي في موثوقيتها في قياس قدرات الطلاب.29 وتجنّبًا للمطبّات التي يمكن الوقوع فيها بسبب هذه الاختبارات والامتحانات لما تنطوي عليه من احتمالات الغش والسرقة الفكرية، قد تنظر المدارس والجامعات الأردنية في اعتماد "التقييمات الحقيقية"، كما يسمّيها مؤيّدوها، مثل تحليل دراسات الحالات، والنقاشات، وإعداد تجارب أصلية وإجرائها، وغيرها من الوسائل. تتيح هذه التقييمات للطلاب فرصة التحليل والتوليف وتطبيق ما تعلّموه.

إذا جرت مقاربة التعلّم التقليدي والتعلّم عن بعد وإدارتهما وتصميمهما كما يجب، يمكن أن يتكاملا ويسهما في تيسير ظهور منصات إلكترونية شاملة تدير افتراضيًا تسليم المحتوى، والعمل في قاعات التدريس، والتقييمات. لكن ذلك لا يحدث دائمًا. فقد بيّنت الدراسات أن التعلم الإلكتروني، إذا لم يُطبَّق بكفاءة وفعالية، فيصبح أكثر إرهاقًا وأقل فعالية وأكثر استنزافًا للوقت من التفاعلات في قاعات التدريس. هذا فضلًا عن أن مفهوم التحوّل في الأنموذج هذا يثير سجالًا في الأردن. فعددٌ كبير من أولياء الأمور الأردنيين ذوي الميول الأكثر تقليدية لا يرتاح لحدوث تغيير في دور المعلّم وتحوّله إلى ميسّر لعملية التعلّم.

من الضروري أن يقترن التعلّم عن بعد مع التدريس الحضوري الذي يشجّع على اعتماد التفاعل والمشاركة والتقصّي باعتبارها المقاربة الرئيسة في التعامل مع مضمون المادة. ومن أجل أن يحقّق التعلّم عن بعد والتعلّم المدمج كامل طاقاتهما بما يُحدث تحوّلًا في التعليم، يجب ألّا يكتفيا بتطبيق أساليب متمحورة حول المعلّم من أعلى الهرم إلى أسفله إنما مع استخدام تكنولوجيا جديدة. ففي النظم التعليمية المشابهة للنظام المُعتمَد في الأردن، ثمة خطر مرتفع بإساءة استخدام منصات التعليم والتعلّم الافتراضية. لذا، سيحتاج التربويون في مختلف أنحاء البلاد إلى تدريب تقني مكثّف وخبرة مُجدية كي يتمكنوا من أن يطبّقوا بفعالية نهجًا قائمًا على الترابطية في قاعات التدريس أو المدارس أو الجامعات. وفي الوقت نفسه، يجب أن تُشرَح لأولياء الأمور فوائد الدور الجديد الذي يؤدّيه المعلّم في دعم العملية التعلّمية وتيسيرها، بدلًا من تلقيم المعلومات للطلّاب. علاوةً على ذلك، ينبغي أيضًا تزويد الطلاب والتربويين على السواء بالأدوات اللازمة لاستخدام التعلّم الإلكتروني والمدمج والاستفادة منهما. ولا تقتصر هذه الأدوات على الأجهزة الوظيفية (مثل الأجهزة اللوحية أو الكمبيوترات المحمولة) والاتصال بشبكة الإنترنت على نحو موثوق وبأسعار معقولة، بل يجب أن تشمل أيضًا توافر حيّزٍ داخل الأسرة ليتسنّى للطالب الانتقال من حالة الإصغاء السلبي إلى المشاركة بفعالية في النقاشات. وتتطلب هذه المسائل اهتمامًا شديدًا.

كل ما ذُكر هو عبارة عن تحدّيات حقيقية وانتكاسات محتملة قد تعترض التنفيذ السريع والشامل للتعلّم المدمج. مع ذلك، ثمة أسبابٌ مقنعة للنظر إلى التعلّم المدمج بأنه وسيلة ملموسة للمساعدة على ردم الفجوات في المهارات والمعارف بين القطاعَين التعليمي والإنتاجي في الأردن. من شأن الجانب المتعدّد الأبعاد الذي تتّسم به الترابطية أن يتيح للنظام التعليمي المُنهَك توسيع نطاق موارده وبنيته التحتية التعليمية نحو شبكات افتراضية جديدة من المتعلّمين. لكن يبقى من الضروري الانتظار لرؤية ما إذا سيتمكن الأردن من تبنّي الذهنية التي تدفع الفئات المعنية وأصحاب المصلحة – أي الطلاب والمعلّمين وأولياء الأمور والمسؤولين الحكوميين – إلى التخلّي عن نموذج التعلّم السلبي الذي عفا عليه الزمن.

من الخطوات الإيجابية التي تحقّقت إنشاء المركز الوطني لتطوير المناهج في العام 2017 كهيئة مستقلة تعمل بمعزل عن التدخلات الإيديولوجية من النوع الذي يعطّل الإصلاح وعملية التحوّل في الأنموذج التي طال انتظارها في مجال التعليم. يسعى المركز إلى تحقيق قفزة إصلاحية في القطاع التعليمي الأردني من خلال العمل المستمر على تطوير نظام تعليمي يستجيب للمتغيّرات السريعة في هذا المجال ويحرص على مراعاة خصوصية السياق الأردني. وفي هذا الصدد، تشكّل الكتب المدرسية والمناهج التعليمية التي أُعِدّت وصُمِّمت مؤخرًا، إضافةً إلى تعزيز التعلّم المدمج والترابطية، واعتماد "التقييمات الحقيقية"، والتدريب المستمر للمعلّمين على إتقان أساليب التعلّم التحوّلية المعتمدة حديثًا، خطوات في الاتجاه الصحيح.

التجارب المصرية وعبر الإقليمية: بدءًا من STEM ومرورًا بـSTEAM ووصولاً إلى STREAM

غالبًا ما يركّز القادة المحليون، حين يحوّلون أنظارهم إلى التعليم، على النُظم التعليمية التي تنتج خرّيجين قابلين للتوظيف، وذلك من أجل استحداث فرص عمل في المدى القصير، وتوفير أساس للتنمية الاقتصادية في المدى الطويل. ولا يقتصر ذلك على القادة، فأولياء الأمور غالبًا ما يوجّهون أولادهم أيضًا نحو مهنٍ لا تبدو أرفع مكانة فحسب، بل يُرجَّح أيضًا أن توفّر لهم الأمن الاقتصادي.

يجب استيفاء هذه الحاجات، لكن إذا تحوّلت إلى محط التركيز الوحيد للإصلاح التربوي، فثمة خطر بأن تقتصر النتيجة على الشكل من دون الغوص في جوهر التعليم. وعلى الرغم من تركيز النظم التعليمية في المنطقة العربية بشكل كبير على العلوم والهندسة والتعليم التقني، ليس واضحًا إذا كانت تنتج خرّيجين قادرين على التنافس دوليًا. تتعلّم البلدان، بعد تجارب قاسية، بأن عليها فعل المزيد، لكن ما هو هذا المزيد؟ وماذا يمكن لبلدان تتعرّض لضغوط مالية حادّة – وهي بالتالي عاجزة عن تأمين حصول الطلاب والمعلّمين على التكنولوجيا المتقدّمة – أن تفعل للنهوض بالتعليم؟

لقد عرفت مصر بعض التجارب في هذا الصدد. وهي تبدو مختلفة تمامًا عن التجارب القطَرية. فالتجربتان حفّزتهما الحاجة الوطنية الملحّة إلى إعداد الطلاب لسوق العمل، لكن التجربة المصرية حدثت في بيئة أكثر تقييدًا من الناحية المالية، مع أعداد سكان أكبر بكثير ومن خلال مجهود ينطلق من القاعدة إلى حدٍّ كبير. في العقد الأول من القرن الحالي، بدأت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر النظر في طرق لإصلاح نظامها التعليمي الذي عفا عليه الزمن. وكان الهدف تنمية روح القيادة والتقصّي العلمي من خلال التعلّم الابتكاري القائم علىالمشاريع والذي من شأنه أن يتيح للطلاب القيام بمساهمات إيجابية للمجتمع المصري، كعلماء بصورة أساسية. ولم تكن تلك مهمّة سهلة، باعتبار أن النظام التعليمي المصري هو الأكبر في الشرق الأوسط، ويضم 55,000 مدرسة. علاوةً على ذلك، يُتوقَّع أن ترتفع أعداد الطلاب من الروضة حتى الصف الثاني عشر من 25 مليونًا إلى 34 مليونًا بحلول العام 2030،30 إلى جانب نحو مليون مدرّس.31

وضعت الحكومة المصرية الإصلاح التربوي على قائمة أولوياتها، واعتمدت، بعد مراجعة الخيارات المتاحة، نهجًا تعليميًا يُعرَف بــSTEM (ستِم)، وهو مصطلح يشير اختصارًا إلى تكامل المناهج التي ترتكز على مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. إضافةً إلى اكتساب المعرفة في العلوم الدقيقة، يهدف هذا النهج إلى أن يطوّر الطلاب مهارات مثل الإلمام بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية، والعمل ضمن فريق، والمرونة، والثقة بالنفس، والتفاوض، والتعبيرعن الذات، وأن يصبحوا في نهاية المطاف مهيّأين للتعلّم مدى الحياة.32

عمدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى تمويل نهج "ستِم" التعليمي، وافتُتحت المدرسة الأولى التي تطبّق هذه المناهج في القاهرة في العام 2011. وكانت الخطة تقضي بإنشاء خمس مدارس تعتمد نظام "ستِم" في مصر بين العامَين 2011 و2015، على أن تشكّل لاحقًا نماذج لتعليم مستدام قائم على النظام نفسه يجري تطبيقها في مختلف أنحاء البلاد.33 وقد استُثمِر مبلغ قدره 25 مليون دولار أميركي في إنشاء المدارس التي تطلبت بنى تحتية، ومختبرات تصنيع عالية التقنية، وأجهزة كمبيوتر محمولة بدلًا من الكتب المدرسية الورقية للطلاب. وتلقّى المشروع مزيدًا من المساعدات المالية والتقنية حين انضمّت هيئات عدّة إلى الوكالة الأميركية للتنمية في تشكيل الكونسورتيوم التربوي لتطوير تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في مصر. وبحلول العام 2022، باتت تسع عشرة مدرسة تعتمد نظام "ستِم" في البلاد.

زاد الباحثون التربويون في الجامعة الأميركية في القاهرة، وهي مؤسسة غير ربحية للتعليم العالي، الفنون والعلوم الإنسانية على مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فأُضيف حرف A إلى نظام STEM، وذلك اختصارًا لكلمة arts أي الفنون والعلوم الانسانية، فتحوّل المصطلح إلى STEAM (ستيم). وفي حين أن التركيز على الرياضيات والعلوم البحتة وجّه الطلاب نحو سوق العمل، تضمّن النهج التعليمي بعد إضافة مواد الفنون والعلوم الانسانية تركيزًا على القيم والمسؤولية الاجتماعية والمواطَنة. لقد أتاحت حقول المعرفة غير العلمية للإصلاحات التربوية أن تعبّر عن ثقافة البلاد وقيمها. ففي ضوء أهمية الدعم المجتمعي والتعاطفي من أصحاب المصلحة، يكمن أحد المبادئ الأساسية لنهج "ستيم" التعليمي في الحرص على أن يكون جزءًا من سياقه الثقافي، لا أن يكون منفصلًا عنه.

يمكن إدخال المزيد من التعديلات إلى مفهوم "ستيم"، مع قيام البلدان أو المؤسسات التربوية بإضفاء الطابع المحلي على الأفكار المبتكرة المستعارة من الخارج. فعلى سبيل المثال، انتهجت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية نهج STREAM (ستريم) التعليمي، حيث يشير حرف R إلى reading أي القراءة.34 وفي ماليزيا، حرف R في هذا النهج هو اختصارٌ لكلمة religion، أي الدين.35 أما بالنسبة إلى عالِم الروبوتية هولي يانكو من جامعة ماساتشوستس في لويل، وكريستن ستابز من معهد الروبوتية في جامعة كارنيغي ميلون، يشير حرف R إلى robotics، أي علم الروبوتية.36 وقد احتفظت جامعة بورديو في ولاية إنديانا الأميركية بمصطلح STEAM، لكن حرف A يشير هنا إلى كلمة agriculture، أي الزراعة.37

أما المشروع الآخر المتعلق بدمج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والعلوم الإنسانية والرياضيات الذي أطلقته الجامعة الأميركية في القاهرة، فتمثّل في تقديم مساقات إلكترونية جماعية ومفتوحة المصادر (MOOCs) باللغة العربية، بالتعاون مع منصة "إدراك" الإلكترونية التي تتيح المساقات بصورة مجانية عبر الإنترنت. وقد أنشأت الملكة الأردنية رانيا منصة "إدراك" لتعزيز المعرفة في العالم العربي لكي تسمح للطلاب بمتابعة مساقات تعليمية تُقدّمها جامعات رفيعة المستوى.38 قدّمت المساقات الإلكترونية الجماعية المفتوحة المصادر المرتبطة بمدخل "ستيم" مرتَين في العام 2017، بمشاركة أكثر من 18,000 شخص في المرحلة الأولى، وما يزيد عن 15,000 شخص في المرحلة الثانية. حاليًا، تُشغَّل هذه المساقات الإلكترونية ذاتيًا، وقد التحق بها حتى الآن أكثر من 64,000 مشارك ينتمون إلى بلدان مختلفة حول العالم، علمًا بأن أكثريتهم من مصر والأردن والسعودية. وتتراوح الفئة العمرية الممثَّلة بصورة أساسية في هذه المساقات من ثلاثة وعشرين إلى سبعة وعشرين عامًا، ويليها الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم من ثلاثة وثلاثين إلى أربعين عامًا.

إذا استمر الإصلاح التربوي المتعلق بمناهج "ستيم" في مصر على قدم وساق، يمكن توقّع سلسلة من النتائج.

  • لن يكون الإصلاح رهنًا بالبنى التحتية العالية التقنية، لأن ذلك قد يعرقل تطبيقه. بإمكان المدارس تنفيذ التعلم القائم على مدخل "ستِم/ستيم" باستخدام بنى تحتية منخفضة التقنية ومتاحة لجميع الفئات العمرية ومختلف شرائح المجتمع، بغض النظر عن أوضاعهم المالية.
  • سوف تتطور المعايير والمؤشرات التعليمية وفقًا لمعايير مستندة إلى البحوث.
  • سوف تُصمَّم برامج التطوير المهني من منطلق العمل على إعداد المعلّمين للتركيز على نهج موجَّه نحو الطالب ويتمحور حول الأمور الحياتية الواقعية. تنتقل هذه البرامج المهنية من مفهوم التدريب وفقًا لنموذج جاهز ومعلّب، إلى نهج يتكيّف مع ظروف محدّدة ويتواءم معها.
  • غالب الظن أن الإصلاح سيؤدّي إلى ظهور ثقافة مدرسية قائمة على الحوار والتفاهم المتبادل بين الطلاب والمعلّمين والمديرين وأولياء الأمور، ما يتيح بدوره للمعلّمين التخطيط والتدريس بصورة مشتركة، واعتماد التدريس الجماعي في أجواء تعاونية.
  • سيقود الإصلاح على الأرجح إلى تطوير نُظم فعّالة للتقييم تتخلّى عن الامتحانات التقليدية العالية المخاطر، وتتّجه نحو التقييم المستند إلى الفهم والأداء، والذي يتواءم مع نموذج ومعايير "ستِم/ستيم/ستريم".
  • يتيح التطور للإصلاح أن يجمع بين نهجٍ من أعلى إلى أسفل ونهجٍ من أسفل إلى أعلى، بحيث يتكامل الاثنان معًا.
  • سوف يؤدي التوسع في تطبيق مدخل "ستيم" إلى توفيق الجهود الإصلاحية مع السياق المحلي بما يضمن بثّ القيم ومبادئ الثقافة الأساسية لدى الطلاب.

على الرغم من الجهود التي بُذِلت لإصلاح التعليم في مصر من خلال المدارس التي تعتمد برامج "ستِم"، واجهت المدارس تحديات عدة. فعلى سبيل المثال، حتى دعاة التغيير والإصلاح حافظوا على شيء من التمسّك بالأساليب القديمة لتقييم قدرات الطلاب. وبدأت هذه المدارس، التي تتباهى بأنها "للموهوبين والمتفوّقين"،39 بقبول الطلاب الذين نالوا درجات مرتفعة في الامتحانات النهائية في المرحلة المتوسطة. لكن الاعتماد على درجات مرتفعة في امتحانات موجّهة نحو المتعلّمين الذين يتّكلون على الحفظ غيبًا تعارضَ مع فلسفة مدخل "ستِم" التي تركّز على التعلّم ومهارات القرن الحادي والعشرين بدلًا من الحفظ. ففي هذه المدارس تحديدًا، يُقيَّم الطلاب من خلال مشاريع ختامية تمثّل 60 في المئة من مجموع درجاتهم في الصفَّين العاشر والحادي عشر، و20 في المئة من مجموع الدرجات في الصف الثاني عشر.40 وبرزت تحديات ذات صلة في مجال تصميم المنهج الدراسي، وتجلّت في تصميم نهُج تعلّم قائمة على المشاريع وتطبيقها، وتقييم التعلّم من خلال أساليب جديدة. واقتضى ذلك استعدادًا من جانب المعلّمين للذهاب أبعد مما تقدّمه برامجهم التربوية التقليدية.

على نحوٍ متوقَّع ربما، لاقى إطلاق هذا التحوّل في الأنموذج التعليمي، والذي اقتضى الانتقال من نظام تعلّم قائم على الحفظ إلى نظام يرتكز على التقصّي والتفكير النقدي، مقاومةً من الطلاب وأولياء أمورهم والمعلّمين. كي يتكلّل هذا التحوّل بالنجاح، من الضروري أن يغيّر المعلّمون ممارساتهم التعليمية كي تتواءم مع النموذج الجديد. ومن أجل تيسير هذا التغيير، أطلقت الجامعة الأميركية في القاهرة في العام 2012 برنامجًا لتطوير المعلّمين في المدى الطويل تحت عنوان الدبلوم المهني في تعليم "ستيم".41 يشكّل هذا الدبلوم نموذجًا فريدًا لا مثيل له في البلدان العربية الأخرى، إذ يهدف إلى سدّ الثغرات في النظام المصري لتنمية المعلّمين مهنيًا، ولا سيما مع انتشار التعليم وفقًا لمدخل "ستِم" في مدارس مختلفة في أنحاء البلاد. كان معلّمو المستقبل الذين يتخصّصون في التربية في الجامعات الحكومية يتهيّأون لتدريس مجال دراسي واحد فقط، مع فرص محدودة بالتوسع نحو مجالات دراسية أخرى في العلوم أو الإنسانيات. لذا، من المفترض أن يعالج هذا الدبلوم المشكلة.

حظي الدبلوم المهني في تعليم "ستيم"، وهو عبارة عن برنامج مهني يتألّف من ثمانية عشر رصيدًا تتراوح مدته من سنة ونصف إلى سنتَين، بالاعتراف من المجلس الأعلى للجامعات، وهو هيئة حكومية معنيّة بجميع مؤسسات التعليم العالي في مصر وتتولّى الإشراف على جودة الشهادات الأكاديمية ومعادلتها استنادًا إلى المعايير القومية والدولية. وعلى صعيد المضمون، يقدّم هذا الدبلوم مساقات تعليمية تحت العناوين التالية: التقييم البديل؛ وطرق التدريس المعتمدة على التكامل بين المجالات؛ واستخدام التصميم الهندسي في التدريس القائم على برامج "ستيم"؛ ودمج التكنولوجيا والفنون والعلوم الإنسانية في المناهج؛ وختامًا، مساق التدريب العملي الإكلينيكي. يستغرق كل مساق اثنَي عشر أسبوعًا، ويستطيع المعلّمون المشاركون في البرنامج الاختيار بين المساقات التي تمنحهم الإعداد اللازم لتدريس الطلاب في مختلف المراحل الدراسية، وذلك وفقًا للمرحلة التعليمية التي يريدون التدريس فيها، ومن بين المساقات تلك الموجّهة نحو طلاب مراحل الطفولة المبكرة وتعليم المراهقين. أما في ما يتعلق بمساق التدريب العملي، فالهدف منه هو تسهيل اكتساب المعلّمين للمعرفة والمهارات بغية تعزيز قدراتهم على استخدام نهُج تعليمية براغماتية قائمة على التفكير والتجربة بطريقة فعّالة في قاعات التدريس.

تطبّق أنشطة البرنامج وهيكليته مبادئ مستمدّة من النظريات الاجتماعية الثقافية للتعلّم، وهي متاحة للمعلّمين في مختلف الصفوف وحقول المعرفة. وفيما ينتقل المعلّمون من مساق إلى آخر، يحرص مدرِّبوهم على أن يتوافق تخطيط التعلّم القائم على المشاريع وحلّ المشكلات مع مراحل التطور الإدراكي التي سيواجهها المعلّمون في معرض تعاملهم مع طلاب من أعمار مختلفة. يضمن ذلك تقديم حقول المعرفة التي تتناولها برامج "ستيم" بطريقة شاملة، بحيث يتوسّع مبدأ "عدم ترك أي ولد يتخلّف عن الركب ليشمل أيضًا "عدم ترك أي حقل معرفي يتخلّف عن الركب".

تجدر الإشارة إلى أن الأنشطة المضمّنة في البرنامج تركّز على العمل الجماعي التعاوني بين المعلّمين حين يجرون عصفًا ذهنيًا، ويتناقشون، ويصمّمون وحدات "ستيم" المتعدّدة التخصّصات والعابرة لها. في هذا السياق، يمثّل المعلّمون المواضيع الدراسية التي يدرّسونها، ويحاولون أن يحدّدوا كيف يمكن دمجها مع مواضيع دراسية أخرى. تستبق هذه التجربة الأدوار التي سيؤدّيها المعلّمون حين يعودون إلى مدارسهم للمشاركة معًا في التخطيط أو التدريس، أو مزاولة التدريس الجماعي. وتتيح أيضًا ممارسات مستغرِقة في التفكير يطرح خلالها المعلّمون أسئلة، ويجرون مراجعات، ويقيّمون ويعيدون التخطيط لتحقيق فرص تعلّمية فعّالة لهم وللطلاب الحاليين والمستقبليين.

مع ذلك، يواجه الدبلوم المهني في تعليم "ستيم" بعض التحديات المفهومية. فثمة تساؤلات تُطرَح على مستوى التطبيق في مجالَي الهندسة والتكنولوجيا. تاريخيًا، لم يُدرَّسا في المدارس الثانوية، لذا أثار إدراجهما في المنهاج بعض الإرباك. تركّز الهندسة على تطبيق مهارات تفكير استنادًا إلى النتائج العلمية لحل المشكلات في العالم المادّي، وتقدّم مساهمات كبيرة على هذا المستوى. ولا تقتصر التكنولوجيا على المكوّنات الماديّة والأجهزة والبرمجيات الإلكترونية، بل تتعلق أيضًا بكيفية تعديل العالم الطبيعي لتلبية رغبات الإنسان وحاجاته. عند تصميم مواد لمناهج "ستيم"، يجب أن تكون جميع حقول المعرفة جزءًا من التجربة المتكاملة التي سيحتاج إليها الطلاب في حل المشكلات الحياتية الواقعية.

وللمساقات الإلكترونية الجماعية والمفتوحة المصادر تحدياتها أيضًا. تمثّلت الصعوبة الأساسية في تصميم مساقات إلكترونية جماعية ومفتوحة المصادر خاصة بـ"ستيم" في محدودية إتاحة مواد المساقات الإلكترونية باللغة العربية، سواء كانت نصوصًا أو مقاطع فيديو. وعلى الرغم من مرونة هذه المساقات الإلكترونية الجماعية ومن إمكانية انضمام عدد كبير من الأشخاص إليها، كانت معدلات إتمام المساقات منخفضة (5-10 في المئة) بسبب ما تتطلبه من عملٍ مضنٍ. وثمة عقبة أخرى تتعلق بالاعتراف بالشهادات الصادرة عن مقدّمي المساقات. فهذه الشهادات لا تحصل دائمًا على الاعتراف من الهيئات الحكومية المحلية والدولية.42

تسلّط التجربة المصرية مع الإصلاح التربوي الضوء على نقاط عدة. يجب تزويد المعلّمين ببرامج خاصة بالتطوير المهني، مثل برامج الدبلوم المهني في تعليم "ستيم"، كي يتمكّنوا من أداء دور وكلاء التغيير. لكن ينبغي بذل المزيد من الجهود لإقناع هيئات منح شهادات الاعتماد الأكاديمي بمزايا هذه البرامج وصوابية الاعتراف بها.

لا يستطيع المعلّمون أن يعملوا بمعزل عن السياق العام. ومن أجل دعمهم في اعتماد الإجراءات الأكثر تطورًا التي تربط التجربة التعلّمية لدى الطلاب بالممارسات اليومية وتدمج بين حقول المعرفة، يجب أن يكون مختلف المعنيين – بما في ذلك مديرو المدارس والمسؤولون الإداريون وأولياء الأمور – على الموجة نفسها.

فيما أصبح اتّساع رقعة التعلّم عن بعد في مختلف أنحاء العالم الجانب المضيء من وباء فيروس كورونا، باتت الجامعات والمؤسسات التعليمية أكثر استعدادًا من ذي قبل لاعتماد أساليب تعليمية جديدة. من شأن الانتقال إلى البرامج الإلكترونية وبرامج التعليم المدمج المصمّمة بتأنٍّ شديد أن يشكّل خطوة في الاتجاه الصحيح.

لا بدّ من إضفاء الطابع المحلي على الإصلاح التربوي، ووضعه في سياقه الصحيح. حتى لو كانت النظم التعليمية موجودة ضمن المنطقة نفسها، يمكنها ويجب عليها أن تسلك مسارها الخاص، نظرًا إلى الاختلافات الكثيرة من بلد إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى. فالإصلاح الذي يتجاهل القيم المحلية، والسياقات الثقافية، والمشكلات الحياتية الواقعية مصيره الفشل بفعل عراقيل يمكن تجنّبها. لذا، كي يصبح التغيير في القطاع التعليمي واقعًا متجذّرًا، ينبغي أن تراعي العملية الإصلاحية على الدوام عادات المجتمع المضيف وخصائصه.

المبادرات التي تنطلق من القاعدة

ثمة حاجة ماسّة لأن تتحلّى القيادات السياسية في البلدان بالإرادة السياسية لدعم التعليم، ولكن الإصلاح من أعلى الهرم إلى أسفله لا يمكن أن يحلّ مكان المبادرات على مستوى القاعدة. يحتاج القطاع التربوي في العالم العربي، أكثر من أي وقت مضى، إلى إصلاح تعليمي تحوّلي يلبّي تطلعات المجتمعات لا الحكومات العربية. ويجب أن يكرِّم تاريخ هذه المجتمعات إنما من دون أن يربطها به على نحوٍ ضيّق. وينبغي أن يساعدها أيضًا في تكوين هوياتها ما بعد الاستعمارية، وفي الانضمام إلى الحوار العالمي الذي يتيح إنتاج المعرفة بدلًا من استهلاكها فحسب. والحال هو أن بعض التجارب الأكثر حيويةً اليوم تَحدث على نطاق صغير، من خلال البناء على الجهود المحلية.

لا يمكن تصوّر الإصلاحات الضرورية وتنفيذها من دون تبنّي الإصلاحيين مقاربة للنظام التعليمي تأخذ في الاعتبار تعقيدات العملية التربوية وتَرابطها، وتجعل أصحاب المصلحة ينخرطون في نشاط قيادي تشاركي يرمي إلى تغيير النماذج الذهنية، وتعديل العادات المهنية، والتأثير في الممارسات. في هذا النموذج الإصلاحي، يشارك المعنيون الأساسيون بنشاط في قيادة الإصلاح انطلاقًا من موقع كلٍّ منهم داخل النظام (المدارس، والمجتمع المحلي، والسياسة العامة، ووكالات التمويل، والجامعات). ومن الوظائف الأساسية التي ينطوي عليها دورهم القيادي تيسير عملية تنفيذ رؤية ابتكارية ذات تأثير نوعي، من شأنها أن تُطلق شرارة التجدّد، سواء انطلقوا من قاعة التدريس أو المدرسة أو المجتمع المحلي أو المحافظة أو الوزارة. ويمكن أن تَصدر هذه المبادرات الابتكارية عن جهة مموّلة رؤيوية، سواء كانت شخصًا أو مؤسسة، أو عن معلّم أو مدير أو ولي أمر أو طالب مبدع. ويمكن أن تنبثق أيضًا عن بيروقراطي متفانٍ، أو صانع سياسات في وزارة، أو باحث توصّل إلى اكتشاف متبصّر عن أفضل السبل التعليمية والتربوية. في سياق بيئةٍ تعاني من الركود كما هو حال القطاع التربوي في العالم العربي، يجب أن يُنظَر إلى هذه المبادرات بأنها الميزة الأكثر قيمة في القطاع. ويجب على المقاربة الإصلاحية للنظام التربوي أن تبني على هذه المبادرات وتحرص على تشجيعها ورعايتها ودعمها، ليس من خلال الاعتماد على عامل واحد (مثل وزير رؤيوي) بل عبر تشجيع التجارب بطريقة غير هرمية.

من أبرز التحدّيات التي تعترض اعتماد هذا النموذج الإصلاحي واقع أن الترتيبات التنظيمية القائمة في النظم التربوية أصبحت بالية وعفا عليها الزمن، كونها وُضِعت في حقبات سابقة كانت خلالها مجتمعات عدّة في المنطقة ترزح تحت نير الاستعمار ومنظومات شديدة الإجحاف واللامساواة. فهذه الترتيبات التنظيمية هي في الإجمال مركزية جدًّا، مع أدوار ووظائف غير محدّدة كما يجب، وقد جرى تأطيرها في نموذج وظيفي إداري بدلًا من نموذج تعليمي مهني وتشاركي يسترشد بالبحوث وأفضل الممارسات التعليمية. هذا فضلًا عن أنها غالبًا ما تعمل في أنظمة سياسية قمعية، أو أنظمة ديمقراطية زائفة في أفضل الأحوال، تقوم عادةً على سلطة أفراد، وحيث نادرًا ما يكون التحسّن نتيجة مجهود جماعي للعمل بطريقة متماسكة نحو تحقيق رؤية مشتركة. في الواقع، يخضع وزراء التربية والتعليم في معظم الدول العربية إلى إدارة بيروقراطيين مسيّسين مدرّبين على التنفيذ والتفتيش والتوجيه، بدلًا من استنباط حلول للمشكلات بطريقة خلّاقة، والابتكار، وإجراء تفكير نقدي في الحواجز التي يجب إزالتها لتشجيع التنفيذ الفعّال لمبادرات التحسين ودعمه.

نتيجةً لهذه الترتيبات التنظيمية، تُعدّ آليات التقييم، إن وُجِدت، عقابية ومنفصلة تمامًا عن بناء القدرات بهدف التحسين. حين تخفق الإجراءات أو المبادرات، يُعاقَب الأشخاص أو يُستبدَلون عوضًا عن تحديد الاختلالات الوظيفية في المنظومة ومعالجتها. ونتيجةً لذلك، يجري التركيز على البحث عن المواهب القائمة لمعالجة الشوائب بدلًا من بناء القدرات وتعديل الترتيبات والمعايير التنظيمية المعمول بها. فيتسبّب ذلك بالإبقاء على الوضع القائم لفترة أطول، إذ سرعان ما يصبح كل وافد جديد مروَّضًا داخل المنظومة نفسها التي تقيّد التغيير التربوي التحوّلي والابتكاري. وما يزيد من تعقيدات هذه الصورة أن البحث المحموم عن المواهب أصبح بحدّ ذاته من العوائق الأساسية أمام التحسين، ومن الأمثلة على ذلك أن البحث عن الموظفين يستهدف بصورة أساسية المواهب الخارجية. ونادرًا ما تحظى المواهب المحلية بالتقدير، ويُستقدَم الأجانب وكأنهم يحملون بداخلهم ترياق النجاح الذي يبدو أن أنظمتهم التعليمية تتمتع به.

حان الوقت لاعتماد مقاربة مختلفة تكون أكثر احترامًا للتجربة والاختبار وأكثر دعمًا للمبادرات التي تنطلق من القاعدة. قد يشعر كبار المسؤولين بأن ذلك يعني فقدان السيطرة، إنما هذا هو المطلوب تحديدًا، فنحن نكتب كي نشجّعهم على التعامل مع هذا الأمر على أنه مصدر للتحسينات المحتملة وليس تهديدًا. يمكن أن يستقطب التعليم أشخاصًا يُنشدون المثالية، ومن الضروري أن تتوافر بيئةٌ يزدهر في كنفها الأشخاص القادرون على تصوُّر أهداف واستراتيجيات بديلة، كي ينطلق مسار الإصلاح التحوّلي.

مبادرة "تمام" : حركة تطويرية بقيادة الخبراء التربويين

تُعتبر مبادرة "تمام" إحدى أشهر المبادرات التعليمية التي تنطلق من مستوى القاعدة في العالم العربي.تتّسم هذه المبادرة التي يقودها التربويون برؤية إصلاحية تكاملية وتشاركية ومتجذّرة في السياق الثقافي العربي، وتستند إلى البحوث وأفضل الممارسات التربوية العالمية. وتهدف مبادرة "تمام" إلى تغيير الوضع القائم من خلال إعادة تحويل مركز الثقل إلى المدارس ومجتمعاتها المحلية، والبناء على قدرات الفرق التربوية ومهاراتها كي تتمكّن من قيادة عملية التطوير المدرسي المستدام.43

انطلقت مبادرة "تمام" في العام 2007 بناءً على مذكرّة تفاهم بين مؤسّسة الفكر العربي والجامعة الأميركيّة في بيروت، كمشروع بحثي يُعنى بالتطوير التربوي ويحظى بالتمويل عن طريق المنح.‏ إضافةً إلى المعنى الإيجابي لكلمة "تمام"، يعكس هذا الاسم هدف الحركة، وهو اختصار للأحرف الأولى من الكلمات التالية "التطوير المستند إلى المدرسة". وعلى الرغم من أن المبادرة أبصرت النور في لبنان، شملت أنشطتها في البداية تسع مدارس رسمية وخاصة، موزّعة بالتساوي على ثلاث دول عربية هي لبنان والسعودية والأردن، ثم اتّسع نطاقها ليشمل سبعين مدرسة في ست دول إضافية هي مصر والكويت وعُمان وفلسطين وقطر والسودان. وباتت شبكة "تمام" تضمّ أكثر من 1,000 ممارس تربوي، من بينهم حوالى 32 باحثًا تربويًا من 12 جامعة مختلفة، إضافةً إلى 42 مدرّبًا‏، و29 متدرّبًا أو متطوّعًا، وعددٍ كبير من صانعي السياسات، وتتعاون كل هذه الجهات مع بعضها البعض لوضع مقاربات إصلاحية تربوية فعّالة ترمي إلى ‏تحسين عملية التطوير المدرسي المستدام وبلورتها.44

أسّست مجموعة من التربويين حركة "تمام" التطويرية من أجل مواجهة أوجه القصور التي تعتري عملية الإصلاح التربوي في العالم العربي. فقد فشلت محاولات إصلاحية عدة في تحقيق أهدافها المتمثّلة في تعزيز قدرة المدارس على تحسين تجربة الطلاب التعلّمية وإعداد مواطنين مسؤولين قادرين على المساهمة في تطوير مجتمعاتهم المحلية. ومن هذا المنطلق، تدعو حركة "تمام" الإصلاحيين إلى تبنّي مقاربة شاملة وتكاملية تأخذ في الحسبان مدى تشابك العملية التعليمية وترابطها، وتسعى إلى إشراك جميع المعنيين في قيادة تشاركية تسهم في تغيير النماذج الذهنية، وتعديل العادات المهنية، والتأثير على الممارسات، وتركّز على بلورة رؤية للمدرسة التي تريدها المجتمعات، أي مدرسة مجتمعية تتولّى إدارتها قيادة ذات قاعدة عريضة ويسودها مناخ تعاوني يحرص بصورة تكاملية على تعزيز نمو الطفل الإدراكي والعاطفي والاجتماعي.

تختلف أهداف حركة "تمام" التطويرية واستراتيجياتها عن المقاربات التوجيهية الراهنة التي تنطلق من القمة إلى القاعدة في عملية إصلاح المدارس. فنموذج الإصلاح التحويلي المستند إلى المدرسة الذي تتّبعه "تمام" يولي أهمية محورية للتطوير المهني والتقصّي المتواصل، بحيث يتم تشجيع الإصلاحيين على رعاية الممارسات المبتكرة ودعمها من خلال بناء القدرات وتعديل الشروط التنظيمية، ولا سيما على مستوى المدارس. ويتيح ذلك للتربويين في المدارس إطلاق مبادرات تجديدية وتطبيقها ومأسستها والتوصل إلى حلول خلّاقة للعقبات التي يواجهها الطلاب وهم في طور التعلّم.

يجادل سانتياغو رينكون غالاردو في كتابه الذي يحمل عنوان Liberating Learning: Educational Change as Social Movement (تحرير التعلّم: التغيير التربوي كحركة اجتماعية) بأن من الضروري تصوّر الإصلاح التربوي وقيادته باعتباره حركة اجتماعية.45 وتشاركه حركة "تمام" هذا الرأي. ففي العالم العربي، يسمح هذا النوع من الإصلاح للتربويين المبتكرين بالاحتفاء بتاريخ المؤسسات التعليمية وإرثها وهويتها الثقافية. ويشير رينكون غالاردو إلى أن الحركة التربوية الفعّالة تكون نتيجة الجهود التي تبذلها الجهات ذات الهمم العالية في سبيل ترسيخ قيم جديدة ونسج علاقات وممارسات متجذّرة فيها، وحثّ القوى الاقتصادية والسياسية والثقافية على ترجمة هذه القيم إلى أفعال ملموسة.

تسعى "تمام"، من منطلقها كحركة اجتماعية، إلى نشر القيم والمعايير المهنية في ثلاثة ميادين رئيسة: الميدان المهني والبيداغوجي، لضمان إتقان المهارات اللازمة لنشر هذه القيم والممارسات؛ والميدان الاجتماعي، لتشجيع الشراكات وتحقيق إلمام مجتمعي أكبر بالأفكار الإصلاحية؛ والميدان السياسي، لإزالة العقبات التي تعترض المسار الإصلاحي، واستخدام النفوذ المؤسّسي كورقة ضغط، وصياغة أطر عمل وسُبل سياسية لإحداث تغييرات مؤسسية. وتظهر معظم البحوث المتعلقة بالحركات الاجتماعية أنها ترتكز على عاملَي الاستقلالية والإبداع، وتتطلب سياسات قادرة على التكيّف مع الظروف وهياكل مرنة لضمان إحداث تأثير إيجابي، وتنتظم حول مجموعة أساسية تتولّى قيادة المبادرات وتحويلها من مبادرات على مستوى القاعدة الشعبية إلى مقترحات أوسع على مستوى السياسة العامة.

يركّز نموذج "تمام" في قيادة المجهود الإصلاحي على العوامل التالية: مسؤولية جميع المعنيين في هذه العملية؛ وشراكتهم وتعاونهم معًا في تحديد الأهداف ووضع الاستراتيجيات، وتنفيذها ومأسستها بطريقة منسّقة؛ والابتكار الذي ينبغي أن تتّسم به هذه الخطوات، والذي يحافظ على تجذّره من خلال عملية متواصلة من البحث والتطوير لإنتاج معارف تتناسب مع كل سياق. ومن العوامل الأخرى عملية مناصرة يستخدم فيها الإصلاحيون استراتيجيات سياسية جزئية (micropolitics)للحدّ من المقاومة التي قد تواجهها الأفكار التجديدية في مختلف مستويات النظام، وذلك من خلال تحديد ديناميكيات القوى وتحويل الابتكارات من رؤى واستراتيجيات إلى سياسات عامة وترتيبات تنظيمية مؤاتية تسهم في تحقيق توازن بين الهيكلية والمرونة من أجل دعم الابتكار والتجدُّد الذاتي.

يتولّى المعلّمون والإداريون في المدارس، إلى جانب الباحثين-الناشطين، قيادة هذه الحركة والحفاظ على زخمها من خلال توسيع نطاق عضويتها بصورة مستمرة، ويعملون كذلك على بناء قدرات الأفراد والمجموعات لتمكينهم من قيادة التغيير في جميع مستويات القطاع التربوي. وتشمل هذه الخطوة إقامة شراكات بين أبرز مؤيّدي هذه الحركة، والترويج للرؤى التي تطرحها، وإجراء البحوث اللازمة لصياغة توصيات سياسية متجذّرة في سياقات محدّدة، فضلًا عن معالجة أبرز التحديات التي تواجه عملية الإصلاح في العالم العربي. علاوةً على ذلك، يجري الباحثون-الناشطون، بصفتهم قادة هذه الحركة، بحوثًا تعاونية وإجرائية بمشاركة كثيفة من التربويين في المدارس، ويحدّدون بناء عليها مجالات التحسين الأساسية على مستوى المدارس، من حيث الممارسات والترتيبات التنظيمية على السواء، إضافةً إلى الإجراءات الواجب اتّخاذها لبناء القدرات الفردية والمهنية والمؤسسية الضرورية لإحداث التغيير.

لم تُصمَّم مبادرة "تمام" لتكون نموذجًا توجيهيًا يتمّ تبنّيه تلقائيًا على المستوى الوطني في كل دولة من دول المنطقة، بل هي تُقدّم استراتيجيّة متّسقة ورؤية تسمحان لتصاميم "تمام" وبرامجها بالتكيّف مع ظروف كل دولة، وذلك من خلال: بناء شبكة من دعاة التغيير؛ وإنتاج نظريات مبنية على البحوث وقابلة للتنفيذ ومتجذّرة في سياقات اجتماعية وثقافية محدّدة تسهم في صياغة الإجراءات والاستراتيجيات التجديدية للحركة؛ وبناء قدرات القيادة ذات القاعدة العريضة؛ وإقامة الشراكات والتحالفات اللازمة لتعزيز الحركة والحفاظ على زخمها، سعيًا إلى تغيير أنماط التفكير السائدة وتصويب مكامن الخلل.

وفقًا لرؤية شبكة "تمام"، يضطلع المعلّمون في المدارس المجتمعية بدور قيادي، وتعكس مواصفات خرّيجيها تطلّعات أعضائها. كذلك، يتواصل أعضاء الشبكة عبر جلسات افتراضية شهرية يتبادلون خلالها الخبرات والدعم فيما ينخرطون في مشاريع تجديدية في مدارسهم، ويعملون جنبًا إلى جنب مع الخبراء من أجل إطلاق مبادرات جماعية حول التطوير المدرسي تلبّي احتياجاتهم وتتوافق مع أولوياتهم. ضمن هذه الشبكة، تمّ تشكيل تجمّعات في كل دولة، إضافةً إلى مجتمعات تطويرية من المدارس تُبنى على التشبيك في مواقع جغرافية مختلفة، من أجل معالجة المشاكل التي تواجهها مدارس عدّة والتي لا تنحصر أسبابها بمدارس محدّدة.

يتم إنتاج المعارف المتجذّرة من خلال مختبر بحثي يضمّ باحثين تربويين من مختلف أنحاء العالم العربي. ويستخدم المختبر البحوث الإجرائية التعاونية لمتابعة تنفيذ المبادرات التجديدية على جميع المستويات في عدد من الدول العربية، ولتقييم تأثيرها بشكل نقدي من أجل تصميم برامج مبنيّة على البحث تكون متجذّرة في السياق الاجتماعي الثقافي المحلّي. وتهدف هذه العملية إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية من خلال تحقيق قدر أكبر من المساواة والعدالة الاجتماعية. إضافةً إلى ذلك، من شأن إقامة الشراكات مع باحثين دوليين يعملون على مقاربات مماثلة مستندة إلى المدرسة لبناء القدرات في جامعات بحثية مرموقة أن تضمن بقاء باحثي "تمام" على اطّلاع على أحدث الممارسات وأفضلها، وإخضاع المعارف الجديدة للتدقيق والتمحيص من أكاديميين دوليين قبل اعتمادها وتطبيقها. والأهم من ذلك، تتيح هذه الشراكات أن تصبح المعارف المُنتَجة محليًا جزءًا من الحوار العالمي حول إعادة تصوّر الميدان التعليمي. وهكذا، يستطيع الباحثون التربويون العرب أن ينخرطوا معًا بصفتهم شركاء متساوين في عملية إنتاج المعارف، بدل أن يبقوا مجرّد مستهلكين يقتصر عملهم على تكييف المعارف الُمنتجَة في الخارج لتتلاءم مع سياقهم الثقافي.

يتولّى عددٌ كبير من المدرّبين في الجامعات، إضافةً إلى مدرّبي "تمام" في المدارس، مهمة بناء القدرات القيادية على نطاق واسع باستخدام برنامج "تمام" لبناء القدرات القيادية للتطوير المستند إلى المدرسة، والذي يتّبع تصميمًا تعلّميًا من صلب ممارساتهم المهنية، ويبدأ بتشكيل فرق قيادية في المدارس ويتوسّع لبناء القدرات التدريبية من أجل دعم هذه المدارس في الحفاظ على استدامة عملية التطوير التي تشهدها. تتيح حركة "تمام" للفرق القيادية إطلاق مشاريعهم التطويرية التجديدية الخاصة والتخطيط لها وتنفيذها ومتابعتها وصولًا إلى تقييمها، على أن يتم اختيار مجال تركيز ينسجم مع رؤية مدرستهم ورسالتها بصورة جماعية. إذًا، تنطوي هذه العملية على سلسلة من الخطوات التي تتطلب اختيار مجال التركيز، والتخطيط للمبادرة التطويرية، وتنفيذها، ومراقبة حسن سيرها، وتقييم تأثيرها. في نهاية العملية، يدرس الممارسون التربويون تأثير هذه المبادرة ويتّخذون التدابير اللازمة في مدارسهم لإدخال التغييرات التنظيمية الضرورية من أجل مأسسة عملية التطوير هذه. أما المرحلة اللاحقة فتمهّد الطريق أمام الشروع بدورة ثانية من التطوير، تشترك فيها فرق إضافية في التعلّم المهني بهدف بناء قدرات المدرسة على قيادة التغيير.

خلال مراحل هذه العملية، يعمل مدرّبو "تمام" على توجيه أعضاء الفرق القيادية ودعمهم كي يكتسبوا  الكفاءات والمهارات والاتجاهات اللازمة لتعزيز التزامهم بإدارة دفة الإصلاح والتغيير في مؤسساتهم التعليمية وتحقيق استدامة هذا المسار. علاوةً على ذلك، يتابع المدرّبون بصورة متواصلة التقدّم الذي يُحرزه أعضاء الفرق القيادية لتسهيل تعلّمهم المهني، ويتفاوضون مع إدارات المدارس لتوفير الظروف الكفيلة بضمان استدامة انخراط الفريق القيادي مع "تمام"، وتعزيز التزامهم على المدى الطويل بقيادة عملية التطوير المدرسي حتى بعد الانسحاب التدريجي للمدرّبين. ويتضمّن نموذج بناء القدرات القيادية أيضًا توطيد الشراكات بين المدرسة وأولياء الأمور والقيادة الطلابية، من خلال تعزيز التواصل القائم على الاحترام المتبادل بين أولياء الأمور والمعلّمين وزيادة التواصل بين المعلّمين وطلابهم خارج قاعات التدريس، ناهيك عن تعيين قادة من أولياء الأمور والطلاب، يكونون قادرين ومستعدين للتعاون مع المعلّمين في قيادة مبادرات تجديدية لتحسين عملية التطوير المدرسي.

تهدف إقامة شراكات مع وزارات التربية والتعليم والهيئات الحكومية المسؤولة عن إصلاح المدارس والتطوير المهني إلى التأثير في السياسات محليًا منح المدارس صلاحية صنع قراراتها بنفسها، ولا سيما في ما يتعلق بتنفيذ مبادرات تطويرية تجديدية وضمان استدامتها. وينطوي ذلك على المطالبة بحصول المدارس التي تقدّم اقتراحًا استراتيجيًا للتطوير التربوي على قدرٍ من الاستقلالية. كذلك، تسعى حركة "تمام" إلى إقامة شراكات مع معاهد سياسية من أجل توسيع قاعدة دعم الحركة وتعزيز قدرتها على الدفع نحو تغيير السياسات، وأيضًا مع مؤسسات مهنية تدعم أساسًا التطوير المدرسي من خلال برامج بناء القدرات. تسهم هذه الشراكات في تشكيل مجموعة من المهنيين الذين يستطيعون مواصلة عملية توسيع نطاق مبادرات التطوير المتنوعة وتنفيذها، والدعوة إلى اتخاذ تدابير تضمن فعالية تأثيرها.

على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، نظّم الفريق الموجِّه لمشروع "تمام" حوالى ثلاثين لقاء لأعضاء شبكة "تمام"، اجتمعوا خلالها لتبادل الخبرات والتعلّم من تجارب بعضهم البعض ومن الفريق الموجِّه للمشروع. وخلال تفشّي وباء كورونا، عقد الفريق أكثر من عشرين ندوة عبر الإنترنت وجلسات افتراضية تفاعلية لتعزيز التعلّم المهني لأعضائه وتشجيعهم على انتهاز الفرص التي أتاحها الوباء للابتكار وإطلاق مبادرات جديدة للتطوير المدرسي مهما كان موقعهم في النظام التعليمي. وشملت برامج "تمام" لبناء القدرات حوالى 180 دورة تدريبية أُقيمت للمدارس المشارِكة معها، ما أفضى إلى بناء القدرات القيادية لأكثر من 860 عضوًا في الفرق المدرسية وخمسين مدرّبًا. وقد تمكّنت فرق التطوير المدرسية، بفضل قدراتها الجديدة والدعم المستمر التي يقدّمه مدرّبو "تمام"، من إطلاق مئة مبادرة للتطوير المدرسي تستهدف مختلف جوانب العمل المدرسي. وشملت هذه المبادرات وضع استراتيجيات تعليمية جديدة ونماذج إشرافية جديدة، وإقامة شراكات مع أولياء الأمور، وتعزيز انخراط الطلاب في عملية التعلّم وتطوير مهاراتهم القيادية. وأثبتت هذه المشاريع التي نفذّها أعضاء الفرق القيادية جدواها في تحقيق أهداف التطوير المبتغاة وأثّرت بشكل كبير في الطلاب والمعلّمين وأولياء الأمور والمدراء والمدارس.

علاوةً على ذلك، تمكّن الفريق الموجِّه، بفضل البحوث والتجارب التي أجراها على مدى سنوات، من تصميم عدد كبير من البرامج التدريبية، التي تمّ تحويل بعضها إلى برامج عبر الإنترنت يقدّمها مركز التعليم المستمر في الجامعة الأميركية في بيروت، ومن بينها برنامج لبناء القدرات القيادية، وآخر لإعداد المدرّبين في "تمام"، وبرنامج يُعنى بالشراكة بين أولياء الأمور والمدرسة، وآخر بالشراكة بين المجتمع والمدرسة، إضافةً إلى برنامج للقيادة الطلابية، وآخر لشبكة التطوير المدرسي.

وتعاون الفريق الموجِّه لمشروع "تمام" مع باحثين ومدرّبين وطلاب ماجستير ودكتوراه إقليميين ودوليين لإجراء أنشطة بحثية ساهمت في إنتاج ونشر قاعدة معرفية حول التطوير المدرسي في السياقات العربية. وتتضمن هذه البحوث دراسات حول المجالات التي تسهم في تصميم نموذج "تمام"، على غرار التشبيك بين المدارس، وإقامة شراكات مع أولياء الأمور والمجتمع المحلي، وبناء شبكات تعلّم مهني، والمساهمة في صنع السياسات، وتصميم استراتيجيات الارتقاء، من جملة أمور أخرى. وتشمل الأنشطة البحثية التي تجريها حركة "تمام" أيضًا توثيق تجارب الفرق المدرسية المشارِكة ووصفها ودراستها، إضافةً إلى تحليل العوامل التي تدعم التطوير المدرسي وتلك التي تعيقه، والظروف التي يتعيّن على المدارس أو الوزارات توفيرها من أجل تسهيل هذه العملية وتحقيق استدامتها. وتُجري "تمام" كذلك بحوثًا حول التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لأنشطتها في مجال بناء القدرات. وحتى تاريخ كتابة هذه السطور، نشرت "تمام" كتابَين، وثلاث عشرة دراسة بحثية، وثلاثة عشر مقالًا ومدوّنة، وسبعة تقارير فنيّة، وورقتَي مؤتمرات، وسبع رسائل ماجستير، وأطروحة دكتوراه. وهي تعمد إلى توثيق أنشطتها كافة بشكل منهجي في قاعدة بيانات متاحة أمام الباحثين والممارسين التربويين لمساعدتهم على إجراء المزيد من الدراسات.

وتؤكّد تجارب "تمام" أن السعي إلى تحقيق رؤية طموحة للإصلاح التربوي أمرٌ ممكن، على الرغم من التحديات التاريخية التي تواجهها قطاعات التعليم العربية. فمن شأن اتّباع مقاربة منهجية تعزّز المبادرات المنسّقة لتغيير الوضع القائم أن يؤدي ربما إلى صياغة استراتيجيات بديلة، وبناء نظم قادرة على التكيّف، وإرساء الأسس اللازمة لضمان الاستدامة. لكن التحدي الذي لا يزال يواجه المشروع يكمن في إنشاء قنوات تسمح له بالتأثير في السياسات وتوسيع نطاق أنشطته بحيث يتعدّى الشبكة الصغيرة من المدارس التجريبية ليشمل المدارس كافة ويخدم جميع الطلاب. ويتمثّل أحد أهم الدروس المستقاة من هذا المشروع في أن قيادة العملية التطويرية تتطلّب التصدّي لعقبات متوقّعة وغير متوقّعة متعلقة بالسياق الاجتماعي والثقافي والسياسي والتنظيمي الذي تتزعزع أركانه بسبب التغييرات التي يحاول التربويون إجراءها.

صحيحٌ أن تصميم "تمام" عبارة عن مزيج من الاكتشافات حول المسار الذي سلكه التربويون، بيد أن تجارب الحركة خلصت إلى تحديد الخصائص الرئيسة التالية التي يجب أن يتمتّع بها أي نموذج إصلاحي لضمان إمكانية استخدامه وتنفيذه بنجاح في سياقات مختلفة.

  • يتعيّن على النهج الإصلاحي أن ينظر إلى مسار التغيير نحو التطوير باعتباره رحلة متجذّرة في التقصّي التعاوني، الذي يستند على التعاون بين التربويين والباحثين وصانعي السياسات وسائر المعنيين في القطاع التعليمي لمجابهة تحديات الإصلاح التربوي.
  • يجب على تصاميم برامج بناء القدرات أن توفّر البنية والمرونة، بحيث يحدّد الخبراء والباحثون أهدافًا ومبادئ توجيهية واضحة، لكن تخطيط مبادرات التطوير يُترَك للفرق المدرسية ومدرّبيها، كي تكون متوافقة مع الظروف المحلية والحاجات الملحّة للمدارس.
  • يُعدّ فهم السياق الذي ينطلق منه التغيير ضروريًا لضمان أن تلّبي عملية التطوير الحاجات التي تقتضيها السياقات المختلفة.
  • تُعتبر المتابعة وجمع البيانات من الإجراءات الأساسية لدراسة التقدّم المُحرَز، وتحسين التصاميم القائمة، وتوثيق التجارب.
  • ينبغي أن تهدف العمليات الأساسية لمراكز البحوث التربوية إلى إنتاج معارف قابلة للتنفيذ، وأن تتمتع بهامش من الحرية على مستوى البحوث التي تجريها وكيفية تخصيص التمويل الذي تتلقّاه.

الدروس العامة: لماذا وكيف يجب أن تنفِّذ الحكومات عملية الإصلاح التربوي؟

وفقًا لما تُظهره تجارب الحقل التربوي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يجب أن تُستتبَع حقبة التركيز على بناء المدارس والتحاق الطلاب بالصفوف بحقبةٍ يغدو فيها التعلّم عملية فردية، ومشروعًا لمدى الحياة، ومسؤولية اجتماعية واسعة النطاق. فالتعليم هو عنصر أساسي لمجتمعات تنعم بالاستقرار والازدهار، ومن شأنه أن يساعد أيضًا على تكوين مستقبلنا الجماعي. لهذه الغاية، علينا أن نجري نقاشًا واسع النطاق نعيد من خلاله تصوّر السبل الأفضل لنشر المعرفة والتعليم والتعلّم في عالمٍ يعاني من تعقيدات وهشاشة متزايدة.

مع تكاثُر مصادر المعرفة، لم يعد التعليم في القرن الحادي والعشرين محصورًا فقط بإعداد الطلاب لسوق العمل، بل يتعلق أيضًا بتزويدهم بالمهارات النقدية الضرورية للتكيّف والنمو في بيئة تتغيّر سريعًا وتتيح فرصًا ناشئة باستمرار. في العالم العربي، تعجز المقاربة السائدة حاليًا من خلال التعلّم عن طريق الحفظ غيبًا والتركيز على استنساخ نظم الهرمية القائمة، عن تزويد الطلاب بهذه المهارات. مع مرور الوقت، وفي غياب التجديد الحقيقي، سيتحوّل إخفاق النُظم التعليمية إلى إخفاقات معمّمة على المجتمع، ما يولّد إحباطات أكبر لدى الأجيال الصاعدة وعائلاتها، ويتسبّب بتفاقم انعدام الاستقرار إلى مستويات أعلى مما هو عليه اليوم.

يُعدّ التراجع الكبير في الإنجازات التعليمية حافزًا إضافيًا للإصلاح، ويَظهر هذا التراجع بوضوح اليوم في مختلف أنحاء المنطقة العربية نتيجة انعدام الأمن والنزاعات. فملايين الطلاب هم إما خارج المدارس وإما لا يحصلون على أي تعليم نظامي. وقد أدّى وباء كورونا إلى استفحال أوجه التفاوت القائمة أساسًا في الإنجازات التعليمية وعمّقت أكثر فأكثر الفجوة بين البلدان وداخلها. وفي البلدان التي ترزح تحت وطأة الحروب، تُعدّ الموارد الضرورية لإعادة بناء المنشآت التعليمية من الناحية المادية غير متوافرة ببساطة. لا يمكن معالجة التحديات والشوائب الهائلة بالعودة إلى أساليب التعليم القديمة. لذلك، ننضمّ إلى الأصوات الداعية إلى بلورة عقد اجتماعي جديد للتعليم على المستويَين الإقليمي والوطني، من شأنه مساعدة المواطنين العرب على تحقيق الازدهار والنمو، وضمان أن تبني المجتمعات على الخزين المُتاح من المعرفة، بما في ذلك الأعراف الثقافية المتوارثة من الأسلاف.

واقع الحال هو أن السياسة المعتمدة في العالم العربي والقائمة على نقل معارف محددّة من خلال نمط تعلّمي يتمحور حول الحفظ غيبًا، في إطار مسعى يهدف إلى تنشئة أجيال مستكينة وغير قادرة على التشكيك في السلطات أو غير مكترثة لذلك، باءت بالفشل. وتُظهر جميع النتائج أن التعليم شهد تدهورًا في المنطقة خلال العقود القليلة الماضية، ويُعزى ذلك على وجه التحديد إلى المشكلات التالية:

  • ينتشر شعور بعدم المساواة بين طلاب المدارس المختلفة، ما أدّى إلى توسّع الفجوة بين المقتدرين وغير المقتدرين.
  • يسود شعور متنامٍ بالإحباط والفشل والنفور في أوساط الشباب، ولا سيما حين يعجز الخرّيجون عن الحصول على وظائف.
  • حلّ التنافس والانقسام مكان التماسك الاجتماعي والترابط وتعزيز روح الفريق بين المواطنين.
  • ظهر تناقضٌ إشكالي بين الكفاءة والأداء، وقد ازدادت حدّة هذا التناقض.
  • يعاني الطلاب من ضعف المهارات المتعلقة بالمشاركة المدنية وحل المشكلات.
  • تواجه الأنظمة التعليمية الراكدة صعوبة في التحوّل إلى بيئات تسمح بالمرونة والاستجابة في عالمٍ يشهد تغييرات متسارعة ومتواصلة.
  • جرى تطبيع هيكليات القمع من خلال المقاربات التعليمية المعتمدة في قاعات التدريس والتي تسهم في إدامة علاقات القوة والتفكير السلطوي، من خلال تهميش التفكير الإبداعي والنقدي لدى الطلاب.

المحصّلة النهائية هي تنشئة أجيال من الطلاب لا يفتقرون فحسب إلى المؤهّلات اللازمة للدخول إلى سوق العمل، بل أيضًا إلى المهارات الضرورية للتعامل مع تعقيدات الحياة المتغيّرة. وبدلًا من تنشئة مواطنين مسالمين، فإن الأنظمة التعليمية في العالم العربي اليوم تُخرّج إلى حدٍّ كبير أجيالًا محبَطة إما تلجأ إلى العنف أو تختار ببساطة طريق الهجرة.

تطرّق تقرير "آفاق عربية" الصادر سابقًا عن مؤسسة كارنيغي إلى جميع هذه المفاهيم. أما اليوم، فالسؤال المطروح هو التالي: ما السبيل لمقاربة الإصلاح بطريقة تعاونية وتشاركية مع الحكومات والمجتمع، وإثبات أن النماذج التربوية الجديدة ليست مصمَّمة لتقويض الثوابت الدينية أو التقاليد الاجتماعية، والتعامل مع الأطر الجديدة التي ظهرت بعد تفشّي وباء كورونا، والتعلّم من التجارب الناجحة في العالم العربي وفي الساحة الدولية على السواء؟ تشتدّ الحاجة بصورة أساسية إلى نموذج جديد لا يقتصر على طريقة التعليم، إنما يشمل أيضًا المكان والأسباب.

الإصلاح التربوي ضروري لأنه محور جُلّ ما يحدث في المجتمع – في الميادين الثقافية والاقتصادية والسياسية وحتى الشخصية. وهو صعبٌ لهذا السبب تحديدًا. إذا جرت مقاربته من منظور أنه ممارسة تقنية قوامها العثور على أفضل كتاب مدرسي أو منهج تعليمي، في الرياضيات مثلًا، فسيكون ذلك سهلًا لكنه سيقود أيضًا إلى نتيجة هزيلة. أما إذا جرت مقاربته باعتباره مهمة اجتماعية أساسية، فيجب حكمًا إشراك عدد كبير من الأفرقاء المعنيين الذين لا يتبنّون رؤية واحدة، ويشملون البيروقراطيين، والطلاب، والسياسيين، والمعلّمين، والموظفين وأولياء الأمور. ولكن من الضروري مقاربة العملية الإصلاحية من خلال إشراك جميع هؤلاء الأفرقاء. فالتغيير الذي يُفرَض من الأعلى ويتجاوز تجارب أولئك الذين يُتوقَّع منهم تطبيقه لا يثير مقاومةً فحسب، بل يؤدّي أيضًا إلى غياب التنسيق. ينبغي إذًا النظر إلى هؤلاء الأفرقاء باعتبارهم منخرطين في الإصلاح، لا عوائق أمامه. القول أسهل من الفعل لا شكّ، ولكن هذه التعقيدات تتيح أيضًا فرصة لإطلاق مبادرات مبتكرة وتجارب محلية، وللريادة على مستوى السياسات في بيئات محلية مؤاتية. وهذا ما نحاول بالضبط تسليط الضوء عليه. فالمعلّمون وأولياء الأمور والطلاب لجأوا إلى الارتجال والتكيّف لتدارُك التحديات عند ظهورها. وقد فاقم وباء كورونا المشاكل القائمة في ما يتعلق باللامساواة وفرص الحصول على التعليم، ولكنه دفع أيضًا باتجاه المزيد من الممارسات التجريبية.

يجب أن تسهم هذه المقاربة في تشجيع عملية البحث عن منعطف إيجابي. فهي تتيح فرصة للتطور انطلاقًا من أسفل الهرم بدلًا من فرض الأمور من الأعلى. لقد عرضنا بعض الأفكار في الأمثلة المحدّدة التي وردت آنفًا. فالحالة المصرية مثلًا تقتضي إعادة توجيه التركيز بعيدًا من التشديد حصرًا على المناهج القائمة على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) والتحوّل نحو اعتبار الإلمام بمواد القراءة والكتابة، بمفهومها الواسع، أهم من مجرّد مواضيع ثانوية، إذ تشير الممارسات الدولية إلى أن القراءة والكتابة وتطوير المهارات في هذين المجالَين هي جزء لا يتجزأ من جميع مراحل التعلّم. لذلك، يجب أن يتبنّى الإصلاح التربوي مقاربة متعدّدة التخصّصات في التعلّم تندرج في إطار فهم شامل وتكاملي أكثر للتفاعلات المعقدة بين الحوكمة والاقتصاد والثقافة والتنمية الاجتماعية. وثمة الكثير مما لم نستكشفه بعد على نحو كامل ولكنه يتيح فرصًا قيّمة للابتكار. ويشمل ذلك مجالات أحدث عهدًا مثل التعليم الأخضر، وحقول دراسية أقدم مثل الفلسفة أو الدين، يجب إدراجها ضمن مقاربة تكاملية لتطوير المناهج الدراسية. في عصر تطغى عليه النظرة التشاؤمية، لا يزال التعليم ميدانًا يشكّل فيه التفاؤل والمثالية حافزَين قويَّين.

إرشادات لنظام تربوي مثالي

في الختام، نورد مجموعة من التوصيات، وهي ليست مخطّطًا لنظام تربوي مثالي، بل مجموعة من الإرشادات التي يمكن أن تساعد المسؤولين على وضع مخطّط من هذا القبيل.

يجب على القادة الوطنيين مضاعفة التزامهم بالإصلاح التربوي وتبديل لهجتهم إنما أيضًا إرخاء قبضتهم قليلًا. يجب أن يكون التعليم أولوية ليس فقط في الكلام المبتذل والمكرَّر، بل أيضًا في إعداد الموازنات وصنع القرار. بعبارة أخرى، ينبغي أن تقترن الالتزامات الخطابية مع التزامات مادّية. لكن يجب تبرير ذلك ليس من منظور يوحي وكأن الهدف هو بناء مجتمع من المبرمِجين المطيعين مثلًا، بل من منظور يتبنّى كليًا المجموعة الكاملة من مبادئ المواطنة ويقوم على تدريب الأشخاص على التعامل مع المهارات التقنية ومع المجتمع والآخرين. كذلك، ينبغي على القادة التخفيف من قبضتهم قليلًا، لإطلاق العنان للمشاريع الابتكارية وتليين الطبيعة الشديدة المركزية للهيكليات التعليمية الحكومية.

أما الأفرقاء الدوليون، من جهتهم، فيمكنهم دعم التجارب. وليس الدور المنوط بهم تعزيز عمليات النقل الدولية بل تشجيع الروابط العابرة للأوطان. في الجيل السابق، كان يُتوقَّع من الأفرقاء الدوليين تأمين الأموال والخبرات والنماذج، وقد شكّل ذلك عملية نقل للموارد والأفكار والتقنيات من دول الشمال إلى الجنوب، لكن هذه المقاربة لم تعد ملائمة اليوم. مما لا شك فيه أن أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال بحاجة إلى الموارد، لكن بعض البلدان لا يمكن تصنيفها بأنها من دول الجنوب، أقلّه من حيث الإمكانات المادية. ولا يتوافر أيضًا نموذج عالمي ناجح يمكن نقله من منطقة إلى أخرى، أو حتى من جزء من العالم العربي إلى آخر. لذا، يتعيّن على الإصلاحيين بناء شبكات داعمة، لا هرميات. والحال، كما لاحظنا، هو أن هذه الشبكات قائمة بالفعل (ولا سيما على مستوى الطلاب والخرّيجين)، ولكن يجب تطويرها بوعيٍ أكبر كي لا تركّز ببساطة على الشؤون التقنية أو على توظيف المعلّمين بطريقة تؤدّي إلى رحيل الأكثر كفاءةً من بينهم إلى البلدان الأكثر ثراء. ويجب أن تدعم الشبكات أيضًا تلاقُح الأفكار والابتكارات البيداغوجية واستراتيجيات المشاركة، لا نقلها بطريقة آلية.

لا تزال مسؤولية تصميم المنشآت والمقاربات والطرق التعليمية تقع على عاتق القادة التربويين من مسؤولين وباحثين. ولكن يجب على هؤلاء أن يتشاركوا أيضًا هذه المسؤولية مع الآخرين. ثمة حاجة إلى مساحات تشجّع على الإصلاح والتعاون وإقامة الشراكات، وإلى بناء روابط مع المنظمات المجتمعية، وكذلك روابط سياسية مع أجهزة ليست جزءًا من الهرمية التعليمية النظامية. ولا يكفي أن يحدث ذلك على رأس الدولة، بل يجب أن يحدث أيضًا على المستوى المحلي، كي تكون المنظومة أكثر مراعاةً لهواجس المعنيين المباشرين. وبدلًا من أن يكتفي الباحثون والمسؤولون بتقديم الأجوبة، عليهم أن يحرصوا على تسهيل النقاشات على مستوى المجتمع ككل حول أسباب إعداد الناشئة والأمكنة التي تدور فيها هذه العملية.

وينبغي تشجيع المعلّمين على ممارسة ما يُفترَض أن ينصحوا طلابهم به، وعلى تحويل التعلّم إلى عملية تستمر مدى الحياة. ولا شك أن نظام الاعتمادات الأكاديمية والتدريب المستمر ضروريان، ولكن يمكن أن يَغرقا أيضًا في البيروقراطية. لذا، فالخطوة الأكثر فعالية في هذا المجال هي أن يتوقف منظّمو الدورات التدريبية للمعلّمين عن الكلام عن "تدريب الأساتذة" – وكأن ثمة مجموعة محددة من التقنيات التي ينبغي إتقانها – وأن يبدأوا بالتفكير انطلاقًا من مفهوم "التطوير المهني" والكلام عنه، على أن يكون المعلّمون مشاركين فاعلين في الابتكار والإصلاح.

ويجب أن ينظر المجتمع الأوسع، بما في ذلك أولياء الأمور والطلاب، إلى المؤسسات التعليمية كمواقع يشاركون فيها على نحو فعّال، ولا يكونون مجرّد متلقّين سلبيين. وغالب الظن أن أولياء الأمور لن يفقدوا مطلقًا اهتمامهم بمستقبل أولادهم الاقتصادي، وسيظل طلابٌ كثر ينظرون إلى المدارس على أنها مواقع اجتماعية مهمة، وليست مجرّد مؤسسات تعليمية صرفة. لا مفرّ من النظر إلى الأمور بهذه الطريقة، وهذا منظور إيجابي طالما أنه يقود إلى خلاصة مفادها أن الطلاب هم أمناء مسؤولون لا مستهلكون متطلّبون.

ولكن ما السبيل لالتقاء مختلف الأفرقاء المعنيين من أجل التفاوض على المسار الذي ينبغي اتّباعه؟ لعلّ أحد العوامل التي عطّلت الإصلاح ولا يُسلَّط عليها الضوء بالقدر الكافي هو الإطار الضيّق الذي تدور النقاشات في فلكه. يتحدث القادة الوطنيون عن الحاجة إلى التنافس، فيما قد يتكلم المسؤولون التربويون لغةً بيروقراطية للغاية، ويستخدم الخبراء مصطلحات غير مفهومة، ما يؤدّي في معظم الأحيان إلى حوارات تتمحور حول تكرار أفكار سطحية ومبتذلة بدلًا من التركيز على الخطوات العملية.

نتقدّم إذًا، في ختام دراستنا، بمقترحات إجرائية تهدف إلى تحفيز التفاعل الضروري. ركّزنا في هذه الدراسة بصورة عامة على مقاربة المسائل من الأسفل إلى الأعلى – من خلال نقل التجارب المحلية إلى دائرة الاهتمام الإقليمية – ولكن يجب أن تكون المهمة أيضًا السعي إلى مدّ جسور الحوار بين المقاربة من الأعلى إلى الأسفل، والمقاربة من الأسفل إلى الأعلى. على المقاربة الأولى أن تتخلّى عن النظر إلى التعليم بأنه مسألة تقنية جدًّا ويجب بالتالي إبقاؤها خارج الحوار السياسي، أو بأنه وصفة سحرية ستقدّم حلولًا فورية للتحديات الاقتصادية مثل البطالة. ويجب على المقاربة الثانية بدورها اكتشاف طرق ملائمة محليًا للانتقال من التجارب الفردية إلى الإصلاح الواسع النطاق. ويمكن أن تؤمّن الحوارات الوطنية – التي تجمع بصيغة رسمية المسؤولين والخبراء التربويين والمعلّمين وأولياء الأمور والطلاب – بيئة حاضنة لتسليط الضوء على الابتكار، وتحويل التعليم من مشروع تقني إلى مسؤولية اجتماعية واسعة ومشتركة.

إضافةً إلى ذلك، ينبغي أن تُستكمَل الحوارات الوطنية بحوارات إقليمية. لا نقترح ببساطة عقد اجتماعات بين المسؤولين في وزارات التربية والتعليم في المنطقة، فهذه الاجتماعات قائمة أساسًا ويجب أن تستمر. ولكن يجب أن تُستكمَل بمنتديات أوسع نطاقًا وأكثر إشراكًا للجمهور العام، والهدف مجددًا هو تأمين انخراط أوسع واهتمام أكبر. ثمة مشكلات مشتركة وخصائص إقليمية (مثل تحقيق التوازن بين اللغتَين العربية والإنكليزية في التعليم)، ناهيك عن أن النُظم مترابطة بطرق عدة على مستويات القاعدة. فالمعلّمون والطلاب يتنقّلون عبر الحدود الوطنية؛ والشهادات والإفادات التعليمية صالحة ومعترف بها خارج بلد المنشأ؛ كذلك، تحرص أسواق العمل الإقليمية على أن يطال التدريب في بلد ما مهارات معيّنة يحملها العمّال معهم إلى بلد آخر.46 أما الهدف من هذه الحوارات الإقليمية فليس التوصّل إلى نموذج أو منهاج دراسي موحّد أو مجموعة من المعايير الموحّدة على صعيد المنطقة، إذ ثمة على الأرجح اختلافات هائلة في الاحتياجات الوطنية. ولكن الهدف هو جعل الحدود الوطنية مفتوحة أمام الأفكار الجيّدة والابتكارات الخلّاقة تمامًا كما هي مفتوحة أمام العمّال والمعلومات والمستثمرين والإنتاج الثقافي. باختصار، يبدو المسار الإصلاحي أمامنا واضح المعالم، بيد أن الخطوات الواجب اتّباعها ستبقى دائمًا في طور الاكتشاف. ويجب على جميع المعنيين ألا يستخدموا هذا الواقع بمثابة ذريعة للتلكّؤ والتقاعس، بل عليهم أن يجدوا فيه حافزًا للتحرك والعمل.

هوامش

1 مروان المعشّر، جوزيف باحوط، ناثان ج. براون، ميشيل دنّ، إنتصار فقير، بيري كاماك، مهى يحيَ، سارة يركيس، "آفاق عربية: مخاطر ومسارات نحو التجديد"، 2019، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي،
https://carnegie-mec.org/specialprojects/arabhorizons/
وخصوصًا مروان المعشّر وناثان ج. براون (تحرير)، "انخراط المجتمع في إصلاح التعليم العربي: من التعليم إلى التعلُّم"، 2019،
https://carnegie-mec.org/2019/01/21/ar-pub-78166

2 Hassan Ali Dabbagh, “Conference of Representatives of Ministries of Education of Arab Member States of UNESCO on the Needs for Educational Development, Beirut,” United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization, 1960, https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000144083.

3 منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، "المؤتمر الخامس لوزراء التربية والوزراء المسؤولين عن التخطيط الاقتصادي في الدول العربية"، القاهرة، 1994"،
https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000099276_ara

4 المصدر السابق.

5 "تقرير اليونسكو للعلوم: حتى عام 2030"، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، 2015،
https://ar.unesco.org/USR-contents

6برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 (نيويورك: 2002)،
https://www.un-ilibrary.org/content/books/9789210059039c009

7 United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization, “Education Finance in Asia-Pacific,” 2nd Asia-Pacific Regional Education Minister's Conference (APREMEC-II), 2022, http://transformingeducationsummit.sdg4education2030.org/system/files/2022-06/Finance-min.pdf.

8 مروان المعشّر وناثان ج. براون، "انخراط المجتمع في التعليم العربي: من التعليم إلى التعلُّم".

9 للاطّلاع على مجموعة نقدية من التحليلات العلمية، انظر: "حوار مع هشام العلوي حول كتابه "الاقتصاد السياسي للتعليم في العالم العربي""، جدليّة، 28 أيار/مايو 2021،
https://www.jadaliyya.com/Details/42846
يناقش هشام العلوي في هذه المقابلة الكتاب الذي شارك مع روبرت سبرينغبورغ في تنسيقه والإشراف عليه، وهو يحمل عنوان "الاقتصاد السياسي للتعليم في العالم العربي" (صدرت النسخة العربية عن دار الإحياء للنشر والتوزيع، 2022).

10 البنك الدولي، "توقعات وتطلعات: إطار جديد للتعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، كتيّب النظرة العامة (واشنطن العاصمة، 2019
https://documents1.worldbank.org/curated/en/527931542039352771/pdf/Overview.pdf

11 Fernando M. Reimers (ed.), Letter to a New Minister of Education (independently published, 2019).

12 المصدر السابق، ص.34.

13 البنك الدولي، "طريق لم يسلك بعد: الإصلاح التعليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، تقرير التنمية البشرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، 2008،
https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/6303/467890PUB0Box31DU1Flagship1Full1ENG.pdf?sequence=1&isAllowed=y

14 Fernando M. Reimers and Renato Opertti (eds.), Learning to Build Back Better Futures for Education: Lessons From Educational Innovation During the Covid-19 Pandemic (Geneva: UNESCO International Bureau of Education, 2001), http://www.ibe.unesco.org/en/news/learning-build-back-better-futures-education-lessons-educational-innovation-during-covid-19.

15 UNESCO Futures of Education, “International Commission Reconvenes and Calls for Bold Educational Transformation,” United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization, https://en.unesco.org/futuresofeducation/transforming-education-statement, June 29, 2022.

16 Amir Abou-El-Kheir, “Qatar’s K-12 Education Reform: A Review of the Policy Decisions and a Look to the Future,” OSF Preprints, September 2017, https://osf.io/ckyrx.

17 دولة قطر، وزارة التعليم والتعليم العالي، "الإطار العام للمنهج التعليمي الوطني لدولة قطر"،
https://www.edu.gov.qa/Documents/Publications/CurriculumStandards/GeneralFrameworkNationalEducation.pdf?csf=1&e=PfpExd

18 Joy S. Moini, Tora K. Bikson, C. Richard Neu, Laura DeSisto, with Mohammed Al Hamadi, Sheikha Jabor Al Thani, The Reform of Qatar University, RAND–Qatar Policy Institute (Santa Monica: RAND Corporation, 2009), 54.

19 "التربية لرؤيا: العودة للتعليم عن بعد "محض شائعات""، موقع رؤيا الإخباري، 13 أيلول/سبتمبر 2021،
https://royanews.tv/news/257853

20 في المرحلة الأولى من تفشّي وباء فيروس كورونا في العام 2020، كتبت سارة أبو زيد مقالًا في صحيفة ذا جوردانيان تايمز. انظر:
Sarah Abou Zeid, “Public schools witnessed 120,000 new admissions in 2020 — Education Ministry”, The Jordanian Times, January 5, 2021, https://www.jordantimes.com/news/local/public-schools-witnessed-120000-new-admissions-2020-%E2%80%94-education-ministry.
أدّى توافد هذا العدد من الطلاب إلى المدارس الحكومية إلى زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف، إذ نقل أولياء الأمور حوالى 50,000 طالب من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية قبل بدء العام الدراسي 2019-2020. وفي بداية العام الدراسي الحالي، كان قرابة 18,000 طالب مسجّلينعلى لائحة الانتظار للانتقال إلى المدارس الرسمية؛ انظر:
Muna Mufti, “Thousands of Students Transfer From Private to Public Schools,” Jordan News, September 7, 2022.

21 البنك الدولي، "البنك الدولي في الأردن"، 26 أيار/مايو 2022،
https://www.albankaldawli.org/ar/country/jordan/overview

22 البنك الدولي، "نمو إجمالي الناتج المحلي (٪ سنويًا) – الأردن (1977-2021)"، بيانات البنك الدولي،
https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.KD.ZG?locations=JO

23 “Jordan’s Population Exceeds 11 Million,” Jordan News, July 4, 2022, https://www.jordannews.jo/Section-109/News/Jordan-s-population-exceeds-11-million-18951.

24 وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، المملكة الأردنية الهاشمية، "نبذة عن الوزارة"،
https://mohe.gov.jo/AR/Pages/نبذة_عن_الوزارة

25 Donna Haraway, “A Cyborg Manifesto: Science, Technology, and Socialist Feminism in the Late Twentieth Century,” in Simians, Cyborgs and Women: The Reinvention of Nature (New York; Routledge, 1991), 149–181.

26 Erasmus Plus, “E-Learning Policy Paper, the Future of Higher Education in Jordan and the Timetable for Digital Transformation in Higher Education, 2020,” https://erasmus-plus.org.jo/Portals/0/E-learning%20policy%20paper%2C%20the%20future%20of%20higher%20education%20in%20Jordan%20and%20the%20timetable%20for%20digital%20transformation%20in%20higher%20education%2C%202020.pdf.

27 “COVID-19 Education Response,” UNICEF Jordan (September 2020), https://www.unicef.org/jordan/media/3436/file/COVID19%20Education%20Response.pdf.

28 Paulo Freire, Pedagogy of the Oppressed (New York: Continuum, 2000).

29 Euan Auld & Paul Morris (2016) “PISA, Policy and Persuasion: Translating Complex Conditions into Education ‘Best Practice,’” Comparative Education, 52:2, 202–229, DOI: 10.1080/03050068.2016.1143278.

30 Colliers International, Egypt K-12 Education Sector Market Overview, Greater Cairo: Unlimited Opportunities, 2020, https://enterprise.press/wp-content/uploads/2021/01/Egypt-K12-Education-Sector-Market-Overview.pdf.

31 Egypt Ministry of Education and Technical Education, School Statistics. See also USAID/Egypt, “Egypt Basic Education,” 2020, https://www.usaid.gov/egypt/basic-education.

32 Sunyoung Han, Robert Capraro, and Mary Margaret Capraro, “How Science, Technology, Engineering, and Mathematics (STEM) Project-Based Learning (PBL) Affects High, Middle, and Low Achievers Differently: The Impact of Student Factors on Achievement,” International Journal of Science and Mathematics Education 13, no. 5 (March 2014), 1,089–1,113, https://www.researchgate.net/publication/271658486_HOW_SCIENCE_TECHNOLOGY_ENGINEERING_AND_MATHEMATICS_STEM_PROJECT-BASED_LEARNING_PBL_AFFECTS_HIGH_MIDDLE_AND_LOW_ACHIEVERS_DIFFERENTLY_THE_IMPACT_OF_STUDENT_FACTORS_ON_ACHIEVEMENT.
انظر أيضًا:
Oksu Hong, “STEAM Education in Korea: Current Policies and Future Directions,” Science and Technology Trends: Policy Trajectories and Initiatives in STEM Education 8, no. 2 (December 2017): 92–102, https://www.researchgate.net/publication/328202165_STEAM_Education_in_Korea_Current_Policies_and_Future_Directions;
وأيضًا:
Gulcan Sarican and Devrim Akgunduz, “The Impact of Integrated STEM Education on Academic Achievement, Reflective Thinking Skills Towards Problem Solving and Permanence in Learning in Science Education,” Cypriot Journal of Educational Sciences 13, no. 1 (March 2018), 94–107, https://www.researchgate.net/publication/324813508_The_impact_of_integrated_STEM_education_on_academic_achievement_reflective_thinking_skills_towards_problem_solving_and_permanence_in_learning_in_science_education.

33USAID/Egypt, Egypt STEM Schools Project (ESSP) Annual ReportSeptember 2016, http://pdf.usaid.gov/pdf_docs/PA00MJNZ.pdf.

34 Azizi Ahmad, “From STEM, STEAM to STREAM,” Pendidik, September 2017, https://www.academia.edu/34547459/From_STEM_STEAM_to_STREAM_2017.

35 Rozina Jamaludin, “Being Human with STEM, STREAM,” New Straits Times,May 27, 2018,
https://www.nst.com.my/opinion/letters/2018/05/373738/being-human-stem-stream.

36 Kristen N. Stubbs and Holly A. Yanco, “A Workshop on the Use of Robotics in K–12 STEM Education,” IEEE Robotics & Automation Magazine 16, no. 4 (December 2009): 17–19, https://ieeexplore.ieee.org/document/5306921.

37 انظر:
“Welcome to Boiler STEAM,” Purdue University College of Agriculture, accessed October 6, 2022, https://ag.purdue.edu/department/asec/boilersteam/index.html.

38 إدراك، "دمج التعليم بالحياة: STEAM
https://www.edraak.org/programs/course/steam101-vr2_q3_2017/

39 Alaa Eldin A. Ayoub, Ahmed M. Abdulla Alabbasi, and Ahmed Morsy, “Gifted Education in Egypt: Analyses From a Learning-Resource Perspective,” Cogent Education 9, 1–18, https://doi.org/10.1080/2331186X.2022.2082118.

40 وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، "قرار وزاري رقم 382 بتاريخ 2/10/2012 بشأن نظام القبول والدراسة والامتحانات بمدارس المتفوقين الثانوية في العلوم والتكنولوجيا"، 2 تشرين الأول/أكتوبر 2012،
http://moe.gov.eg/stem/12-382.pdf
انظر أيضًا: وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، "قرار وزاري رقم 308 بتاريخ 27/8/2013 بشأن نظام امتحان شهادة الثانوية العامة بمدارس المتفوقين الثانوية في العلوم والتكنولوجيا"، 27 آب/أغسطس 2013،
https://manshurat.org/node/2673

41 American University in Cairo, “Professional Educator Diploma Program,” https://huss.aucegypt.edu/departments/educational-studies/professional-educator-diploma.
انظر أيضًا:
Nora H. El-Bilawi and Ilham Nasser, “Teachers’ Professional Development as a Pathway for Educational Reform in Egypt,” Reflective Practice 18, no. 2 (January 2017): 147–160, https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/14623943.2016.1251406?journalCode=crep20;  Jeanne K. Keay and Christine M. Lloyd, “Professional Development, Professionalism and Professional Knowledge,” in Linking Children’s Learning with Professional Learning, edited by Christine M. Lloyd (Boston: Sense Publishers, 2011), 15–29;
وأيضًا:
Aileen Kennedy, “Models of Continuing Professional Development: A Framework for Analysis,” Journal of In-service Education 31, no. 2 (2005): 235–250.

42 انظر على سبيل المثال:
Sharyl Thompston, “State Authorization and MOOCs,” April 2014, https://wcetsan.wiche.edu/resources/state-authorization-and-moocs;
وتم تحديث هذه الصفحة في أيار/مايو 2017. انظر أيضًا الإسهامات في إطار مشروع BizMooc:
“BizMOOC - Knowledge Alliance to Enable a European-Wide Exploitation of the Potential of MOOCs for the World of Business,” https://www.researchgate.net/project/BizMOOC-Knowledge-Alliance-to-enable-a-European-wide-exploitation-of-the-potential-of-MOOCs-for-the-world-of-business.

43 للحصول على المزيد من المعلومات حول حركة "تمام"، يمكن للقرّاء زيارة الموقع الإلكتروني:
https://tamamproject.org/ar/                                                              
انظر أيضًا:
Rima Karami, Mary Saad, Rola Katerji, and Sara Halwani, “Building Capacity for School-Based Reform: TAMAM Professional Development Journey Phase One” (2012),
https://tamamproject.org/wp-content/uploads/2015/10/TAMAM-Technical-Report-4.pdf.
يوضح هذا التقرير برنامج "تمام" لبناء القدرات، الذي تشكّل مبادؤه أساس الحركة، والذي يقدّم الأساس المنطقي لتبني هذه المبادئ التأسيسية التي ترتكز على أفضل الممارسات والتجاوب مع السياق الثقافي الذي يعمل فيه التربويون العرب.

44 المصدر السابق (https://tamamproject.org/ar/).

45 Santiago Rincón-Gallardo, Liberating Learning: Educational Change as Social Movement, (New York and London: Routledge, 2019).

46 من الصعب قياس بعض هذه التحركات، إذ إن البيانات المتعلقة بالجنسية تُعتبر حساسة في بعض الأحيان، إضافةً إلى وجود مزيج من النُظم الرسمية والربحية وغير الربحية في معظم الدول، ما يصعّب جمع البيانات الكاملة منها. لكن، في دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، يبدو أن المغتربين من دول أخرى يشكّلون غالبية المعلّمين، وتضمن هجرة اليد العاملة انتقال الطلاب عبر الحدود أيضًا بصورة منتظمة. للاطّلاع على النزر القليل من المعلومات المتاحة حول هذا الموضوع، انظر:
Natasha Ridge, Susan Kippels, and Soha Shami, “Private Education in the United Arab Emirates and Qatar: Implications and Challenges,” Al-Qasimi Foundation, 2015, https://www.researchgate.net/publication/336211845_Private_Education_in_the_United_Arab_Emirates_and_Qatar_Implications_and_Challenges.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.