يبدو أن التنافس بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على محافظة حضرموت اليمنية يؤثّر على الحدود الداخلية للمحافظة، ويفاقم الانقسامات بين مناطق النفوذ السعودي في الداخل ومناطق النفوذ الإماراتي على الساحل. يُشار إلى أن الرياض قد استضافت في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024 المباحثات الرامية إلى إعادة إحياء مجلس حضرموت الوطني، وهو عبارة عن مكوّن يضمّ شخصيات سياسية واجتماعية وأكاديمية وقبلية من المحافظة، في إطار مسعاهما المشترك لاحتواء نفوذ الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه، والذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شمال البلاد. لا تريد الرياض أن تقوّض أبو ظبي نفوذها، لكن استمرار التنافس على القوة بين البلدَين قد يشعل صراعًا من شأنه أن يزعزع استقرار حضرموت، ما قد يفاقم بدوره حالة التشرذم في المحافظة ويشكّل تحدّيًا لنفوذ الرياض التاريخي هناك.
التنافس السعودي الإماراتي الناشئ على حضرموت
تاريخيًا، كان للسعودية تأثيرٌ كبير في حضرموت التي تزخر بالثروة النفطية وتُعدّ أكبر المحافظات اليمنية مساحةً، وذلك بحكم الروابط الدينية والاجتماعية والثقافية بين الجانبَين، والحدود المشتركة التي تمتدّ على مسافة أكثر من 600 كيلومتر، وتنقّل السكان عبر الحدود، والتبادل التجاري، واعتبارات الأمن القومي. وقد حافظت المملكة على علاقات وطيدة مع القبائل والنخب المحلية في حضرموت، وعزّزت نفوذها الأمني هناك بعد اندماج فرعَي القاعدة السعودي واليمني في العام 2009 لتشكيل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي استولى على المكلّا، كبرى المدن الساحلية في حضرموت، في نيسان/أبريل 2015.
لطالما نظرت الرياض إلى حضرموت باعتبارها بوابةً على بحر العرب، تتيح لها تنويع طرق التجارة وطرق تصدير الطاقة، وتزوّدها بعمقٍ استراتيجي من خلال تقليل اعتمادها على مضيق هرمز، وتسمح لها أيضًا ببسط تأثيرها في المحيط الهندي لتوطيد نفوذها الإقليمي. يُشار مع ذلك إلى أن الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، الذي وقّع معاهدة جدة مع السعودية في العام 2000 لترسيم الحدود النهائية بين البلدَين وحلّ الخلافات المتعلقة بها، قاوم رغبة المملكة في إنشاء خطّ أنابيبٍ نفطي يربط الخليج العربي ببحر العرب ويتيح لها تجنّب الاعتماد على مضيق هرمز.
لكن في العام 2016، بدأت الإمارات تشكّل تحديًا للنفوذ السعودي، حينما اضطلعت بأدوار مكافحة الإرهاب وإرساء الأمن والاستقرار في المكلّا. وفي غضون عامٍ من سيطرة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على المدينة، أنشأت أبو ظبي قوات النخبة الحضرمية بهدف الاضطلاع بدور استراتيجي في المحافظة وإنهاء وجود التنظيم هناك. ومنذ ذلك الحين، وسّعت الإمارات نفوذها على طول ساحل بحر العرب، الذي تعتبره السعودية جزءًا من مجال أمنها القومي. وتسيطر أبو ظبي راهنًا على ميناء الضبة وميناء الشحر، فضلًا عن مطار الريان الواقع في شمال غرب المكلّا (الذي لا يسيّر حتى الآن سوى عددٍ محدود من الرحلات الجوية الداخلية)، حيث تحافظ على حضورها في إطار التعاون من أجل مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة والتحالف بقيادة السعودية.
يشكّل نهج الإمارات تجاه حضرموت جزءًا لا يتجزأ من سياساتها في الجنوب اليمني وأولوياتها الإقليمية الأوسع. وتعتمد هذه الأولويات جزئيًا على الاستفادة من حالة التشرذم في مناطق الصراع عبر إقامة الشراكات وشبكات المحسوبية، مثل تلك القائمة مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تأسّس في أيار/مايو 2017. وتشمل الأهداف الإماراتية تأمين طرق الطاقة والتجارة البحرية على طول بحر العرب، إضافةً إلى بسط قوّتها البحرية لتوطيد نفوذها في عدن والحديدة وتعز وشبوة وسقطرى. وتسهم هذه الأهداف في حماية مصالح الإمارات في المحيط الهندي وتمكّنها من السيطرة على الموانئ اليمنية، ما يعزّز المكانة الرائدة لميناء جبل علي الإماراتي، على سبيل المثال لا الحصر. هذا ويتمثّل أحد طموحات أبو ظبي الإضافية في تعزيز نفوذها أكثر في اليمن على طول الحدود مع السعودية وعبر خليج عدن، للحصول على ورقة ضغط تسمح لها بانتزاع تنازلات في سياقات إقليمية أخرى.
في سبيل تحقيق هذه الأهداف، انخرطت الإمارات في أنشطة تبدو متناقضة، وتشمل دعم كيانات انفصالية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، وكيانات غير انفصالية مثل قوات النخبة الحضرمية التي تسعى إلى منح حضرموت حكمًا ذاتيًا ضمن الدولة اليمنية. وفي نيسان/أبريل 2020، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي قرار إقامة الإدارة الذاتية في جنوب اليمن، لكنه لم يحظَ بدعمٍ يُذكر من الحضارم أو محافظهم. وسعى الإماراتيون أيضًا إلى التصدّي لنفوذ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وكذلك حزب الإصلاح الذي يحظى بدعمٍ سعودي ويرتبط إيديولوجيًا بجماعة الإخوان المسلمين، كما يُقال. وقد لخّص الباحث عبد الله باعبود التفكير الإماراتي بالشكل الآتي: "إن دعم ]الإمارات[ للفصائل الانفصالية سيعزّز نفوذها على الموانئ الأخرى، ويسمح لها بالتعامل مع حزب الإصلاح".
لقد نجحت الإمارات في دفع السعودية إلى التركيز على المسائل التكتيكية، فيما عمَدت هي إلى تشكيل الصورة الأوسع في الداخل اليمني. فحينما أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية في جنوب اليمن مثلًا، كانت السعودية منشغلة في وضع آليةٍ لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي من أجل احتواء الاحتكاكات داخل المعسكر المدعوم من التحالف. لكن المقاربة السعودية تغيّرت بعد أن حاول المجلس الانتقالي حشد الدعم لتوسيع نطاق نفوذه. وبدت رغبته في إظهار تأثيره المتنامي في حضرموت من خلال قرار الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي بعقد دورتها السادسة في مدينة المكلّا في أيار/مايو 2023، وأيضًا من خلال الرمزية التي حملها دخول عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، مدينة المكلّا على متن مدرّعة، مُحاطًا بموكب عسكري مدجّج بالسلاح. يُضاف إلى ذلك أن عمليات إعادة الانتشار العسكرية المتزايدة التي نفّذها المجلس الانتقالي، مثلًا في معسكر جثمة الواقع على هضبة تطلّ على مدينة سيئون، ومعسكر بنين، سلّطت الضوء على مساعيه الرامية إلى توسيع مناطق نفوذه في المحافظة، على الرغم من التحفّظات التي أبدتها القوى الحضرمية حيال مشروعه الانفصالي.
شملت المقاربة السعودية لاحتواء النفوذ الإماراتي خطوات عدّة، من بينها دعم تأسيس مجلس حضرموت الوطني في العام 2023، وتشكيل ثقلٍ موازن في وجه الترتيبات القبلية المدعومة من الإمارات أو المسؤولين الذي يُعتقد أنهم موالون لها، وتعزيز قوات درع الوطن اليمنية التي شكّلها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ويقودها العميد بشير الصبيحي. يُشار إلى أن هذا الأخير سلفيّ، ما يظهر الدور المحوري للشراكات التي أقامتها الرياض مع المجموعات السلفية في نهجها الأمني الحدودي الممتدّ من محافظة المهرة إلى محافظة حجة، على غرار قوات العمالقة المدعومة من الإمارات.
سعى السعوديون والحضارم، من خلال تأسيس مجلس حضرموت الوطني، إلى إيلاء الأولوية للتفضيلات الحضرمية المحلية، والتصدّي للمجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات. صحيحٌ أن المجلس الانتقالي يضمّ شخصيات حضرمية، إلّا أن الكثير من الكيانات الحضرمية، على غرار مؤتمر حضرموت الجامع الذي أنشأه حلف قبائل حضرموت، فضلًا عن مجلس حضرموت الوطني، لا تعتبره تجسيدًا لتطلّعات الحضارم.1 وفيما تُشاهَد أعلام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة في شوارع المكلّا بسبب التعبئة التي ينفّذها المجلس الانتقالي تعبيرًا عن دعم جزئي لحقبة سابقة كان خلالها الجنوب مستقلًا بعد الاستعمار البريطاني، إلّا أن أعلام الجمهورية اليمنية الموحّدة ظاهرةٌ للعيان في سيئون، ما يعبّر عن رفضٍ للمشروع الانفصالي. محليًا، يتوجّس الكثير من الحضارم من المشروع الانفصالي التي يتبنّاه المجلس الانتقالي الجنوبي بسبب مشاعر انعدام الثقة الناجمة عن أعمال العنف والتهميش وتأميم الأصول التي طبعت حكم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؛ ويتوجّسون كذلك من النظام الذي حكم اليمن الموحّد وفشل في معالجة أوجه المظالم والإهمال التي عانت منها حضرموت والبلاد عمومًا. لذا، يفضّل عددٌ كبير من الفاعلين في المحافظة إما إرساء كيان سياسي يضمن حصول أبناء حضرموت على نفوذ أكبر وحصة من الثروة والسلطة ضمن نظامٍ فدرالي اتحادي في اليمن، أو التمتّع بالحكم الذاتي.
شملت جهود الاحتواء السعودية أيضًا تعاون الرياض مع مشايخ القبائل النافذين لمواجهة شخصيات قبلية متوسطة النفوذ مدعومة إماراتيًا. ففي قبيلة آل كثير مثلًا، قدّمت أبو ظبي الدعم، عبر المجلس الانتقالي الجنوبي، لشخصياتٍ على غرار الشيخ علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي. أما الرياض، فقد دعمت زعيم قبيلة آل كثير، الشيخ عبدالله صالح الكثيري، رئيس مرجعية قبائل وادي وصحراء حضرموت، وعضو هيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني.2 وقد دعمت السعودية إعادة إحياء مجلس حضرموت الوطني ليشمل المزيد من الشخصيات الاجتماعية والقبلية، لكن من غير الواضح ما إذا سينجح هذا المسعى في توحيد المجموعات الحضرمية. كذلك، خصّصت السعودية 320 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية أطلقتها في حضرموت بهدف توسيع بصمتها الاقتصادية وتعزيز الدعم الشعبي.
إضافةً إلى ذلك، دعمت الرياض عملية تغيير مسؤولين في مجلس القيادة الرئاسي نُظر إليهم بأنهم مقرّبون من أبو ظبي في حضرموت. هذا ما حدث مثلًا مع اللواء الركن فائز منصور التميمي، قائد المنطقة العسكرية الثانية، التي تضمّ جنوب حضرموت والمهرة وسقطرى، بعد زيارته إلى أبو ظبي في حزيران/يونيو 2023، تزامنًا مع تحرّكاتٍ كان يجريها المجلس الانتقالي الجنوبي لتعزيز نفوذه في حضرموت. علاوةً على ذلك، دعمت السعودية الانتشار التدريجي لقوات درع الوطن في حضرموت، في ظلّ مساعيها لتوسيع سيطرتها العسكرية هناك. ففي آب/أغسطس الماضي، سيطرت قوات درع الوطن على منفذَي العبر والوديعة على الحدود مع السعودية، ثم تولّت في تشرين الأول/أكتوبر مهامّ تأمين الطريق الدولي العبر-شبوة، وتسلّمت كل المعسكرات ونقاط المراقبة والتفتيش من اللواءَين 23 و27 التابعَين للمنطقة العسكرية الأولى التي يقع مركز قيادتها في مدينة سيئون. لكن المجلس الانتقالي عارض مرارًا وتكرارًا نشر وحدات من قوات درع الوطن أو وجود "أي قوة غير قوات النخبة الحضرمية" في ساحل ووادي حضرموت، معتبرًا أنها تشكّل تهديدًا لنفوذه. كذلك، دعا المجلس الانتقالي إلى طرد القوات المسلحة التابعة للمنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، وهدّد بتوسيع نطاق سيطرته هناك. أما السعودية فقد حذّرت المجلس الانتقالي الجنوبي من أي محاولةٍ للدخول إلى الوادي.3 تهدف السعودية من خلال دعم انتشار قوات درع الوطن إلى التصدّي لاستفزازات المجلس الانتقالي، وحماية مجلس حضرموت الوطني الذي لا يملك جناحًا عسكريًا، وإعادة تشكيل علاقات القوة بما يصبّ في مصلحتها.4
رسّخت مساعي الرياض، وكذلك مساعي أبو ظبي، الوضع القائم في حضرموت، إذ أصبح الساحل معقلًا للإمارات وبدرجةٍ أقل المجلس الانتقالي الجنوبي، فيما أمسى وادي المحافظة معقلًا لكلٍّ من الحكومة اليمنية والسعودية وحزب الإصلاح. تقع مناطق الوادي والمناطق الصحراوية الداخلية، بما في ذلك طريق العبر (وهي الحدود البرية الوحيدة المفتوحة التي تربط منطقة الوديعة بالسعودية)، ومدينة سيئون، والطريق الشرقي المؤدّي إلى منفذ شحن الحدودي بين اليمن وعُمان، راهنًا ضمن نطاق النفوذ السعودي. في المقابل، يقع الطريق الساحلي من المصينعة، بالقرب من المهرة، إلى ما بعد قرية السفال في شبوة، ضمن نطاق النفوذ الإماراتي، معزّزًا الوجود أو التأثير الإماراتي على طول الشريط الساحلي من شبوة إلى الحديدة.
خطر انعدام الاستقرار والتشرذم
إن الخلافات الحادّة والمتنامية بين الرياض وأبو ظبي، وبين القوى المحلية التي تحظى بدعمهما، تزعزع استقرار حضرموت، وتفاقم التشرذم المحلي، وتؤجّج جذوة الانقسام بين مناطق النفوذ السعودية والإماراتية في المحافظة. في ظل هذه الظروف، يُرجَّح أن تستمرّ القوى المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة الحضرمية، مثل لواء بارشيد، الذي يتحدّر الكثير من مجنّديه من محافظة الضالع الجنوبية، في ممارسة أدوارها وتعزيز مواقعها الراهنة، وإنشاء قواعد عسكرية جديدة بالقرب من مدينة سيئون. وغالب الظن أن يدفع ذلك القوى المتنافسة في المحافظة أكثر فأكثر نحو المواجهة العسكرية.
ومن المرجّح أن تستمرّ القوات المتمركزة في المنطقة العسكرية الأولى، التي تشمل وادي وصحراء حضرموت، في مواجهة عداءٍ متزايد من المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات. ولن ينحسر قريبًا الخطاب الذي يروّج له المجلس الانتقالي عن أن هذه القوات "شمالية" ومتحالفة مع حزب الإصلاح اليمني (ما يؤكّد على ضرورة استبدالها بقوات جنوبية، بما في ذلك قوات حضرمية، بحسب وصف المجلس). من جهة أخرى، سيستمرّ انتشار قوات درع الوطن في وادي حضرموت، من منطقة الخشعة باتجاه سيئون، لتحلّ تدريجيًا محلّ بعض ألوية المنطقة العسكرية الأولى، وتوسّع نفوذها. قد ترحّب المجموعات الحضرمية الرئيسة بمثل هذه الخطوات، التي لن ترضي في نهاية المطاف لا المجلس الانتقالي ولا الإمارات، ما يترك حدود حضرموت الداخلية محطّ نزاع. ويبدو أن وادي وصحراء حضرموت يشكّلان خطًّا أحمر سعوديًا في وجه كلٍّ من المجلس الانتقالي والإمارات، نظرًا إلى قرب هذه المناطق من الحدود السعودية، واعتبارات الأمن القومي للمملكة.5
على الصعيد السياسي، سيكون تحويل مجلس حضرموت الوطني إلى طرفٍ نشِط على الأرض أمرًا ضروريًا للسعوديين والحضارم. ومع ذلك، إذا لم يعزّز المجلس انخراطه، ويكسب ثقة المواطنين، ويحسّن أداءه العام وتنسيقه مع المجموعات الحضرمية، مثل مؤتمر حضرموت الجامع، فسيؤدّي ذلك إلى تراجع مصداقيته، وبالتالي مصداقية داعمه، والبحث عن بدائل.
في غضون ذلك، إذا بُذلَت محاولات لإعادة نشر وحداتٍ من قوات درع الوطن على ساحل حضرموت، فمن المرجّح أن يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي حشد المعارضة في المكلّا لمقاومة عمليات الانتشار هذه وحماية نفوذه. يُشار إلى أن السعودية لا تريد حدودًا ساخنة أخرى في حضرموت، كما هو الحال في صعدة وحجة، ناهيك عن أنها ضمّت الحضارم إلى قوات درع الوطن من أجل استمالة السكان المحليين وفي الوقت نفسه إضعاف المجلس الانتقالي الجنوبي.
تُعدّ الخيارات المتاحة أمام الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي محدودةً مقارنةً مع السعودية، التي كانت حذرة ومتجنّبةً للحرب حتى الآن. فمع انتشار الوحدات المدعومة إماراتيًا والتابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة الحضرمية بالقرب من سيئون، ستحاول أبو ظبي الحفاظ على نطاق نفوذها، ولا سيما تحت ستار عمليات مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار. ويمكن للإمارات، من خلال المجلس الانتقالي، توظيف أي حادثة تهدّد الأمن والنظام من أجل التصدّي لعمليات انتشار قوات درع الوطن المدعومة من السعودية، ما قد يفاقم الاضطرابات الداخلية. مع ذلك، لن تسمح حالة التشرذم هذه لأي طرفٍ بالهيمنة على حضرموت، فهذا الأمر يتطلّب خوض مواجهة شاملة. لذا، تشتدّ الحاجة إلى وضع آلياتٍ من أجل تخفيف حدّة التصعيد وفتح قنوات الاتصال بين مختلف الأطراف لتجنّب نشوب الصراع.
إذا وقع اشتباكٌ مباشر في وادي حضرموت بين قوات درع الوطن المدعومة من السعودية والقوات المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي، "قد تفسّر ]الرياض ذلك[ على أنه هجوم مباشر ضدّ المملكة"، على حدّ تعبير أحد الباحثين اليمنيين.6 لقد أشارت الرياض إلى أنها قد تشنّ غارات جوية على مواقع تابعة للمجلس الانتقالي في حضرموت إذا حاول توسيع نطاق سيطرته إلى داخل الوادي.7 وقد تضاهي هذه الخطوة الغارات التي نفّذتها الإمارات ضدّ القوات الحكومية عند نقطة العلم شرق مدينة عدن في آب/أغسطس 2019، أو استهدافها القوات المتحالفة مع الحكومة في محافظة شبوة في آب/أغسطس 2022. من شأن خطوة سعودية كهذه أن تُجبر قوات النخبة الحضرمية، وعلى نطاق أوسع النخبة الموالية للإمارات في حضرموت على إعادة النظر في اصطفافاتها، وأن تُرغم أيضًا المجلس الانتقالي الجنوبي على إعادة تقييم خططه التوسعية للمحافظة. لقد أدرك المجلس الانتقالي مع الوقت أن عليه تفادي إلحاق ضررٍ كبيرٍ بعلاقته مع السعودية، كونها تمتلك حدودًا شاسعة مع حضرموت وتتمتّع بنفوذ جيوسياسي كبير. علاوةً على ذلك، لن يحسّن الصراع العسكري في المحافظة على الأرجح صورة المجلس الانتقالي في نظر الحضارم. لذا، سيكون من الحكمة أن يعمل بدلًا من ذلك على توطيد انخراطه مع المجموعات الحضرمية المُعارضة له والسعوديين، ومراجعة مقاربته تجاه الحوار بين مختلف المكوّنات في الجنوب اليمني.
من شأن أي مواجهة بين السعودية والإمارات وشركائهما المحليين أن تؤثّر بشدّة على الاستقرار في جنوب اليمن. وقد يؤدّي زيادة تشظّي الحدود الداخلية للمحافظة إلى تأجيج الانقسامات الاجتماعية، ما يُفاقم المشاكل الناجمة عن تعدّد الأطراف المسلحة الفاعلة في الوسط الحضرمي، وتردّي الخدمات، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى تراجع عائدات النفط بسبب الحرب الاقتصادية التي يشنّها الحوثيون والتي أدّت إلى وقف تصدير النفط في العام 2022. في مثل هذه البيئة، من المستبعد أن تُلبّي الحكومة اليمنية توقّعات أبناء حضرموت من دون استئناف تصدير النفط، وتحسين المساءلة والحوكمة، والحصول على الدعم الإقليمي الكافي، ولا سيما من السعودية والإمارات.
على المستوى الإقليمي، في حال ضاعفت السعودية عزمها على تحقيق أهدافها في حضرموت، قد يتضاءل الهامش المتاح أمام الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي لمقاومة الخطوات السعودية نظرًا إلى التكاليف السياسية المحتملة التي قد تنجم عن ذلك. صحيحٌ أن الإمارات استفادت من حاجة السعودية إلى الحفاظ على التحالف الذي تقوده، لكن أبو ظبي تُدرك أنها ستضطرّ إلى تقديم تنازلات ملموسة إذا وجّهت الرياض ثقلها الجيوسياسي نحو تغيير موازين القوى في حضرموت لصالحها. ينبغي على الجانبَين إذًا فتح نقاشات دبلوماسية حول اليمن للتقريب بين سياساتهما المتباينة، في ظلّ التركيز على تعزيز الأمن وتجنّب زعزعة استقرار حضرموت، لأن ذلك قد يخدم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، كما حدث إلى حدٍّ كبير في العام 2015.
لكن نظرًا إلى الدورَين المختلفَين للرياض وأبو ظبي في اليمن، لن يكون كافيًا حصر مباحثاتهما بالخلافات المتعلقة بحضرموت. فقد تُدرك السعودية أن وجود الإمارات في حضرموت مدفوعٌ، إلى جانب مساعي مكافحة الإرهاب، بالرغبة في حماية حلفائها في الجنوب اليمني، وبالحفاظ على مصالحها التجارية في المحيط الهندي.8 لذا، بدلًا من أن تسعى الدولتان إلى تقويض نفوذ بعضهما البعض، عليهما العمل معًا على توسيع نطاق التعاون مع الحكومة اليمنية من أجل تعزيز الاستقرار في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحوثيين. عليهما إذًا المساعدة على توطيد سلطة الحكومة، ولا سيما من خلال تأمين المنشآت النفطية في ميناء الضبة في حضرموت لدعم استئناف عمليات تصدير النفط. والجدير بالذكر أن حقول النفط في المحافظة أسهمت لغاية تشرين الأول/أكتوبر من العام 2022 بأكثر من نصف إنتاج الحكومة اليمنية من النفط الخام القابل للتصدير، والذي تراوح بين 50 و60 ألف برميل يوميًا، وأدّت عائدات هذه الصادرات إلى تمويل القسم الأكبر من الميزانية العامة للدولة. لذا، غالب الظن أن هذه الخطوة كفيلةٌ بتهدئة التوترات في حضرموت، ما يسمح للحكومة بتحسين الخدمات العامة من جهة، ويتيح للمحافظة فرصة ردم هوّة انقساماتها الراهنة من جهة أخرى. لكن التقاعس عن ذلك قد يوحي بأن السعودية والإمارات، على الرغم من خلافاتهما، متّفقتان ضمنيًا على إبقاء الحكومة اليمنية ضعيفة.9
خاتمة
لم تعد حضرموت غارقةً في معمعة المعارك المحلية فحسب، بل زُجَّت أيضًا في قلب تنافسٍ إقليمي تتفوّق فيه دوافع الأمن القومي السعودية على الأهداف الاستراتيجية الإماراتية، نظرًا إلى الحدود التي تتشاركها المملكة مع هذه المحافظة اليمنية. وقد أعاد هذا التنافس تشكيل الحدود الداخلية في حضرموت، ما أفضى إلى عزل المناطق الشرقية للمحافظة على طول الساحل، وتسبّب بحالةٍ من التشرذم السياسي التي يُرجَّح أن تستمر ما لم تعطِ القوى الرئيسة في حضرموت الأولوية إلى التطلّعات المحلية وتسعَ إلى ردم هوة الخلافات في ما بينها.
لا ينبغي الاستهانة باحتمال زعزعة استقرار حضرموت، ولا سيما في ظل السياسات السعودية والإماراتية المتباينة على نحوٍ متزايد، فضلًا عن المؤشّرات التصعيدية التي أبداها المجلس الانتقالي الجنوبي. وتكشف المساعي السعودية الرامية إلى احتواء الوضع عن رفض الرياض الضمني للانفصال، الأمر الذي ينسجم مع موقف المكوّنات الحضرمية الرئيسة. في غضون ذلك، يهدف الانتشار التدريجي لقوات درع الوطن إلى إعادة تشكيل خريطة السيطرة والنفوذ داخل حضرموت، ما يسمح للرياض بإعادة إحياء نفوذها، وتعزيز دور مجلس حضرموت الوطني الناشئ، وتقليص نفوذ أبو ظبي في المناطق الساحلية من المحافظة.

هوامش
1مقابلة مع قائد قبلي، طلب عدم الكشف عن هويته، جنيف، 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
2مقابلة مع خبير في شؤون حضرموت، طلب عدم الكشف عن هويته، 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
3مقابلة عبر الإنترنت مع باحث يمني يعمل في مركز أبحاث يمني، 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
4مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع شخصية عامة محلية، طلبت عدم الكشف عن هويتها، جنيف، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
5مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع أكاديمي يمني، طلب عدم الكشف عن هويته، جنيف، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
6مقابلة مع باحث يمني يعمل في مركز أبحاث يمني، 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
7مقابلة عبر الإنترنت مع شيخ قبلي، طلب عدم الكشف عن هويته، جنيف، 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
8مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع خبير أمني يمني، طلب عدم الكشف عن هويته، جنيف، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
9المصدر السابق.