وسّعت حركة أنصار الله اليمنية، المعروفة بالحوثيين، تعاونها العابر للحدود مع جماعات غير حكومية في الصومال، وتحديدًا حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة، فضلًا عن فرع الدولة الإسلامية في الصومال المرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية الذي تَشكّل في العراق وسورية في العام 2014. وفيما تتباين هذه الجماعات من حيث الإيديولوجيا والطموح والتركيز الإقليمي، تجمعها قواسم مشتركة عدّة مثل عدائها للولايات المتحدة وإسرائيل، وانخراطها في حروبٍ غير متكافئة، واعتمادها على الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة. ويهدف هذا التعاون في ما بينها إلى دعم سلاسل الإمداد وتنويعها، ما يضمن حصول هذه التنظيمات على أسلحة أكثر تطوّرًا، وتعزيز مكانتها المحلية، وزيادة قدرة الحوثيين وداعمتهم الإقليمية الرئيسة إيران على الإخلال بالأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب لخدمة مصالحهم الخاصة. وقد أدّى هذا الوضع إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي.
غلبة البراغماتية على الإيديولوجيا
تُشكّل معظم دول القرن الأفريقي، ولا سيما المطلّة منها على البحر الأحمر، العمق الاستراتيجي لليمن بحكم قربه الجغرافي منها وشريطه الساحلي الطويل. وقد أثّر هذان العاملان تاريخيًا على حركات الهجرة، والتبادل التجاري، والامتداد الثقافي، والتفاعل الديني والاجتماعي. وقد تجلّى اهتمام اليمن بالصومال من خلال إنشائه تجمّعَ صنعاء للتعاون في العام 2003، الذي تناول مسألة السلام في الصومال وقضايا أخرى؛ ولعبه دور الوسيط في الأزمة الصومالية بين العامَين 2006 و2007، واستضافته عددًا كبيرًا من اللاجئين الصوماليين. وشكّل اليمن أيضًا رابطًا بين القرن الأفريقي ودول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، خلال فترات متعدّدة، ومن ضمنها تلك التي شهدت اضطرابات وصراعات. وأفادت المنظمة الدولية للهجرة بأن 96,670 شخصًا قد توجّهوا بشكلٍ أساسي من محافظتَي باري ووقويي جالبيد في الصومال عبر خليج عدن إلى شواطئ اليمن في العام 2023 من خلال شبكات الإتجار بالبشر.
هذا وقد أدّت تجارة الأسلحة في البحر الأحمر دورًا مهمًا في توطيد العلاقة بين الحوثيين والصومال. فعلى الرغم من الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى اليمن، واصلت إيران تزويد الحوثيين بالسلاح خلسةً. وبين أيلول/سبتمبر 2015 وكانون الثاني/يناير 2023، اعترضت سفنٌ حربية تابعة لكلٍّ من الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا وأستراليا 16 سفينة مُحمَّلة بنحو 29 ألف قطعة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة، و365 صاروخًا موجّهًا مضادًّا للدبابات، و2.38 مليون طلقة ذخيرة في طريقها إلى الحوثيين. ونُقل معظم هذه الشحنات على متن مراكب شراعية تُستخدَم في التجارة الساحلية وصيد الأسماك. وفي العام 2020، خلُصت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية إلى أن أسلحةً أرسلتها إيران إلى شركائها الحوثيين جرى تهريبها إلى الصومال.
وفيما اتّصفت العلاقات بين إيران ودول القرن الأفريقي بالتقلّب بين التقارب حينًا والقطيعة حينًا آخر، باتت المنطقة تتصدّر اهتمامات الحرس الثوري الإيراني بعد العام 1989، وكثّفت طهران لاحقًا مساعيها في هذا الصدد خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ففي العام 1989، دعمت إيران سلطة الرئيس السوداني عمر البشير؛ وفي العام 2006، زوّدت اتّحاد المحاكم الإسلامية بالأسلحة لمحاربة الحكومة الصومالية؛ وفي العام 2008، سعت إلى إقامة وجود عسكري لها في إريتريا بهدف استخدام أرخبيل دهلك لتزويد الحوثيين بالسلاح، من بين أمورٍ أخرى. هكذا حاولت إيران إنهاء عزلتها الدولية، وتوسيع شراكاتها الإقليمية، وتأمين خطوط إمدادٍ لوكلائها، ما أدّى إلى تعزيز نفوذها الاستراتيجي.
وخلال العقد الماضي، تطوّرت علاقة الحوثيين مع القوى الصومالية غير الحكومية التي يشملها جميعها حظر الأسلحة، وذلك من خلال مهرّبي السلاح أو السماسرة. واكتسب هذا الوضع أهميّةً متزايدة ابتداءً من العام 2016، عندما أدرك الحوثيون أن بإمكانهم تعزيز مكانتهم إذا ما استطاعوا التحرّك في المجال البحري اليمني، سواء عبر مهاجمة السفن أو الانخراط في عمليات التهريب، فحقّقوا ذلك خلال أزمة البحر الأحمر على إثر الصراع في غزّة بدءًا من تشرين الأول/أكتوبر 2023. وعبّر زعيم حركة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، عن هذه الرؤية مجدّدًا في كانون الثاني/يناير 2025، مشيرًا إلى العمليات البحرية التي شنّها الحوثيون إسنادًا لغزّة كما يزعمون، ومُشيدًا بالتطوّرات في "عددٍ من البلدان الأفريقية... ضدّ الهيمنة الأميركية والأوروبية والاستعمار والاحتلال الأميركي لتلك البلدان". واعتُبر كلامه مؤشّرًا على اهتمامه بتوسيع نطاق عمليات الحوثيين في أفريقيا.
وفي حزيران/يونيو 2024، أبلغت الولايات المتحدة عن تعاونٍ قائمٍ بين حركة الشباب والحوثيين. كذلك، كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة في شباط/فبراير 2025 أن حركة الشباب عقدت اجتماعَين على الأقل مع ممثّلي الحوثيين في الصومال في تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2024، ما أظهر عزم الحوثيين على توطيد العلاقات مع هذه الحركة في ظلّ أزمة البحر الأحمر. وأفاد هذا التقرير بأن الفريقَين اتفقا على أن يزوّد الحوثيون حركة الشباب بالأسلحة والخبرات الفنية؛ وفي المقابل، كُلِّفت حركة الشباب بزيادة أنشطة القرصنة داخل خليج عدن وقبالة سواحل الصومال، وتحصيل الفدى من السفن التي يُستولى عليها.1 ونظرًا إلى تعاون حركة الشباب مع القراصنة الصوماليين، إذ أُفيد أن الحركة تتلقى حصّة قدرها 20 في المئة من الفدى التي يحصّلونها، يُرجَّح أن الشراكة بين الحوثيين وحركة الشباب شملت استخدام القراصنة لتعطيل حركة الملاحة البحرية.2 وتخشى الولايات المتحدة أن توفّر شحنات الأسلحة التي يتولّى الحوثيون تسليمها بابًا جديدًا من التمويل لهم، في ظلّ تزويد حركة الشباب بأسلحةٍ أكثر تطوّرًا بكثير من ترسانتها الحالية.
لإيران أيضًا علاقاتٌ طويلة الأمد تجمعها مع حركة الشباب. ففي العام 2017، سمح فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لحركة الشباب بالالتفاف على العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة وجني الإيرادات من خلال تحويل الموانئ الإيرانية إلى نقطة عبور لصادرات الفحم غير المشروعة التي يُعاد تصديرها كمنتجاتٍ إيرانية. وأفادت تقارير أيضًا بأن إيران سلّحت حركة الشباب وموّلتها لتهديد المصالح الأميركية في منطقة القرن الأفريقي، بما في ذلك كينيا. في غضون ذلك، يبحث مسؤولون في الاستخبارات الأميركية عن أدلّة ملموسة على اضطلاع إيران بدورٍ في تقريب العلاقات بين الحوثيين وحركة الشباب. لكن غوليد أحمد، وهو باحث صومالي غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، يبدو أكثر حسمًا في قراءته للوضع، معتبرًا أن "إيران في صميم كل ما يحدث".3 علاوةً على ذلك، يُزعم أن طهران تستضيف سيف العدل، الذي يتولّى زعامة تنظيم القاعدة بحكم الأمر الواقع، ويعتبر أن تلاقي وجهات النظر بين المقاتلين السنة والشيعة أمرٌ ضروري في إطار محاربة الدول الغربية.
هذا وقد شهدت علاقة الحوثيين بتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال تطوّرًا لافتًا منذ العام 2021 على الأقل،4 وكانت تركّز بدايةً على نقل الأسلحة الصغيرة. بين العامَين 2015 و2022، انخرط عضوا تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، عبد الرحمن محمد عمر وعيسى محمود يوسف، اللذان شملتهما العقوبات الأميركية، في تهريب الأسلحة من اليمن، ما يشير إلى وجود روابط سابقة مع الحوثيين. وكانت أنشطة التهريب هذه مدفوعةً بحاجة تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال إلى السلاح لدعم عملياته في ولاية أرض البنط (بونتلاند) الصومالية، وأيضًا برغبة الحوثيين في جني الإيرادات، ولا سيما بعد دخول الصراع في اليمن مرحلةً من الهدوء بدءًا من نيسان/أبريل 2022. ومنذ اندلاع حرب غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، سعى الحوثيون إلى زيادة الضغوط الدولية لتحقيق وقف إطلاق النار، من خلال تعطيل حركة الملاحة في خليج عدن والبحر الأحمر. وأفادت التقارير بأن الحوثيين أرسلوا، بين تشرين الثاني/نوفمبر 2023 وأيار/مايو 2024، ممثّلين عنهم إلى شمال شرق الصومال لتنسيق عملية جمع المعلومات الاستخبارية وتحديد مواقع السفن في خليج عدن، من أجل ملء الثغرات المعلوماتية في تغطية راداراتهم، مقابل تقديم طائرات مسيّرة انتحارية قصيرة المدى وتوفير التدريب التقني.5 وقد تمكّنت قوات الأمن الصومالية في ولاية بونتلاند من ضبط خمس طائرات مسيَّرة مماثلة أرسلها الحوثيون في شهر آب/أغسطس 2024، واعتقال سبعة أشخاص يُشتبه في ارتباطهم بشبكات تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال وحركة الشباب. وفي كانون الثاني/يناير من العام الجاري، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال مسؤوليته عن هجومَين بالطائرات المسيّرة ضدّ قوات الأمن في ولاية بونتلاند. يُشار إلى أن روابط الحوثيين بتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال وانخراط هذا الأخير في شبكات تهريب الأسلحة يشكّلان امتدادًا لعلاقات الحوثيين بحركة الشباب، ولا سيما أن زعيم فرع الدولة الإسلامية في الصومال، عبد القادر مؤمن، أنشأ في العام 2015 هذا التنظيم مع أعضاء سابقين منشقّين عن حركة الشباب التي يعارضها.
صحيحٌ أن الحوثيين ينتمون إلى الفرقة الجارودية، وهي إحدى فرق المذهب الشيعي الزيدي، إلّا أنهم اعتمدوا نهجًا براغماتيًا في تعاملهم مع الفصائل الجهادية السنّية، كما اتّضح من خلال تعاونهم مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وشملت هذه العلاقة نقل الأسلحة إلى هذا التنظيم، وتوفير الملاذات الآمنة لأعضاء الجماعتَين، وتبادل الأسرى، ما يظهر أن التعاون البراغماتي ممكنٌ أيضًا بين الحوثيين من جهة، وحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من جهة أخرى.
تنامي انعدام الاستقرار في خليج عدن
لتعاون الحوثيين الوثيق مع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال تداعياتٌ مهمّة ومتعدّدة الأوجه على حركة التجارة البحرية العالمية والسلام والأمن في المنطقة. فهذه الأطراف جميعًا لديها مصالح مشتركة تسهم في إعادة تشكيل الديناميات الأمنية في منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر وخليج عدن، ما يزيد من بؤر انعدام الاستقرار ويعيق جهود إنفاذ حظر نقل الأسلحة. وأدّت هذه الديناميات إلى تعزيز مكانة الحوثيين الجيوسياسية، الأمر الذي أفاد إيران، ومنح هذَين الطرفَين نفوذًا استراتيجيًا على أحد أهم الممرّات المائية الدولية.
يولي الحوثيون وحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال أهمية كبيرة إلى استغلال الشبكات غير المشروعة، وبخاصةٍ شبكات تهريب الأسلحة والوقود من إيران. وتعوّل طهران بدورها على هذه الجماعات لتنويع مصادر التمويل وطرق التهريب وقواعد الدعم الخارجية. وقد ساهمت هذه الأنشطة في زيادة مصادر إيرادات الجماعات الثلاث وتعزيز قدراتها العملياتية.6 تحديدًا، أدّى التنسيق القائم بين الحوثيين والقوى غير الحكومية في الصومال إلى تسهيل تدفّق الأسلحة والموارد الإيرانية من وإلى اليمن، عبر الالتفاف على حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة. وغالبًا ما تتّبع عمليات نقل الأسلحة طريقًا غير مباشر. فالسفن الأكبر حجمًا التي تعبر المحيطات تغادر إيران وتمرّ عبر المياه الكينية أو التنزانية لتجنّب رصدها من القوات البحرية الدولية بالقرب من خليج عدن، قبل أن تتّجه نحو الصومال. ثم ّتنطلق القوارب الأصغر حجمًا من الصومال، مستخدمةً وثائق مزوّرة، لتهريب شحنات الأسلحة إلى اليمن، ولا سيما عبر ميناء رأس العارة في محافظة لحج، على سبيل المثال لا الحصر.7 كذلك، عمَد تجّار السلاح والسماسرة إلى نقل أنظمة صواريخ أرض-جوّ من أوروبا الشرقية إلى الحوثيين عبر الصومال.8
ترى القوى غير الحكومية الصومالية في امتلاك الحوثيين أسلحة تقليدية مدمّرة وطائرات مسيّرة تطوّرًا مشجّعًا من شأنه تغيير قواعد اللعبة.9 ويعتبر الحوثيون بدورهم أن نقل الأسلحة وتوفير التدريب يندرجان في إطار مساعٍ ساهمت في زيادة إيراداتهم، وتوسيع نطاق نفوذهم، وتأمين الدعم اللوجستي اللازم، ناهيك عن الارتقاء بمكانة الحركة ضمن محور المقاومة. ويسعى الحرس الثوري الإيراني، في معرض تقويض المصالح الغربية، إلى إرساء ثقل موازن في وجه خصومه، مثل الولايات المتحدة ودول الخليج وتركيا، وتوسيع عمقه الاستراتيجي إلى منطقة القرن الأفريقي على الجانب الآخر من خليج عدن والبحر الأحمر. في هذا السياق، يرى يزيد الجداوي من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن الحرس الثوري "يشرف على المسار الاستراتيجي لهذا التعاون ذي المنفعة المتبادلة، فيما يتولّى الحوثيون التنسيق شبه الإقليمي نظرًا إلى المرونة العملياتية التي أبدوها خلال أزمة البحر الأحمر، وقُربهم الجغرافي".10 ويشرف على عمليات نقل الأسلحة فيلق القدس، الذي يشارك أحد أعضائه في مجلس الجهاد الحوثي، وهو الهيئة التنفيذية الأعلى في حركة أنصار الله.
بات الشريط الساحلي الصومالي الذي يسهل اختراقه أساسيًا لضمان وصول الإمدادات الإيرانية إلى الحوثيين، وكذلك المعدّات الصينية التي تخوّلهم تطوير برنامج الصواريخ والطائرات المسيّرة المدعوم من إيران.11 ويدخل قسمٌ كبيرٌ من المعدّات عبر الصومال وجيبوتي. وتشمل طرق التهريب إلى اليمن المناطق الساحلية حول موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، والمخا في محافظة تعز، والشحر والمكلّا في محافظة حضرموت، وبلحاف وبئر علي في محافظة شبوة، ونشطون وسيحوت في محافظة المهرة؛ وتشمل من الجانب الصومالي ميناء بوصاصو في ولاية بونتلاند، وسواحل بوروا وهوبيو وبراوي ومركا وقندلة، إضافةً إلى ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال (صوماليلاند). ومن أجل إيصال الإمدادات إلى الحوثيين، يعتمد الحرس الثوري على شبكات القرصنة الصومالية وحركة الشباب وتجّار الأسلحة في اليمن والصومال. ومن بين الشخصيات التي تتولّى تنسيق عمليات الحوثيين في الصومال، يبرز اسم أبو محمد المرتضى وأبو إبراهيم الهادي، اللذَين لا يشرفان فحسب على صفقات التهريب، بل أيضًا على توسيع نطاق التعاون مع فيلق القدس.12
ثانيًا، صبّ تعاون الحوثيين مع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال بشكلٍ غير مباشر في خدمة إيران، إذ منحها عمقًا استراتيجيًا في الصومال والقرن الأفريقي، ووسّع قدرتها على إعادة تشكيل ديناميات الأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب، ما أكسبها نفوذًا مهمًّا على عمليات نقل إمدادات النفط والغاز وغيرها من السلع التي تمرّ عبر خليج عدن إلى البحر المتوسط وأوروبا خلال الصراع في غزة. وقد أشار تقريرٌ صادرٌ عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعنيّ باليمن في تشرين الأول/أكتوبر 2024 إلى أن الحوثيين يعمَلون على "تقييم الخيارات المتاحة لتنفيذ هجمات في البحر من الساحل الصومالي"، بعد نقل طائرات مسّيرة وصواريخ إلى الصومال. لكن هذه الهجمات لم تُنفّذ، ويُعزى سبب ذلك في الدرجة الأولى إلى الانتكاسات التي تكبّدتها إيران خلال صراعها مع إسرائيل خلال الفترة الممتدّة بين تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر 2024، وخوفها من أن تؤدّي هذه العملية إلى شنّ مزيدٍ من الهجمات على أراضيها.
علاوةً على ذلك، سمحت روابط الحوثيين بحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال لهذه الأطراف بتنويع أساليب الدخول إلى المناطق البحرية الصومالية، ومنحها درجةً من الإنكار المعقول للمسؤولية. فعلى سبيل المثال، زعم القيادي الحوثي عبد الملك العجري في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 أن حركة أنصار الله استولت على ناقلة "سنترال بارك"، لكن القراصنة الصوماليون هم من نفّذوا في الواقع هذه العملية بالتنسيق مع الحوثيين، ما يُظهر أن الفريقَين يتعاونان ويمارسان نفوذًا مشتركًا في المنطقة. إذًا، تنخرط جهات متعدّدة على نحو متزايد في الهجمات البحرية في خليج عدن، ما يسمح للإيرانيين والحوثيين بتعطيل حركة التجارة في البحر الأحمر وخليج عدن عندما يصبّ ذلك في مصلحتهم.
واستطاع الحوثيون كذلك، بفضل العلاقات التي تجمعهم مع الجماعات الصومالية غير الحكومية، الحصول على معلومات من الجانب الآخر من خليج عدن بغرض استهداف السفن وخطوط الملاحة بشكل عام. وتمكّنوا خلال حرب غزة من إقناع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال والقراصنة الصوماليين بمهاجمة السفن واعتراض مسارها في البحر الأحمر تضامنًا مع الفلسطينيين، كما تزعم الجماعة. وقد خلُص تقريرٌ صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعنيّ باليمن في تشرين الأول/أكتوبر 2024 إلى أن ثُلث هجمات أنصار الله وقعت في خليج عدن في مناطق خارج تغطيتها الرادارية، "ما يشير إلى أن الحوثيين قد تلقّوا مساعدة خارجية في معرفة هوية السفن وتحديد مواقعها واستهدافها". ومن بين الجهات التي ربما زوّدتهم بالمعلومات، سفينة التجسّس التابعة للحرس الثوري الإيراني "إم في بهشاد"، أو روسيا، أو حركة الشباب، أو تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، أو القراصنة، أو جماعات صومالية أخرى.
وفي آذار/مارس 2024، عبّر زعيم حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي بثقة تامّة عن عزمه توسيع نطاق العمليات البحرية باتّجاه المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح، في إشارةٍ ضمنية إلى احتمال استخدام أراضي دول أخرى لشنّ هجمات مباشرة أو بالوكالة. ربما لم يكن محض صدفة ارتفاع وتيرة أعمال القرصنة الصومالية بموازاة تعطيل الحوثيين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، ما يدعم التقارير التي تحدّثت عن شراكةٍ بين الحوثيين وحركة الشباب.
أما العامل الثالث وراء التعاون القائم بين الحوثيين وحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال فيستند إلى رغبة هذه الأطراف في توسيع الجبهة المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل والدول الأفريقية الداعمة لواشنطن، والتي يصنّفونها في خانة الخصوم أو الأعداء. لقد ساعد نقل طائرات مسيّرة وصواريخ أرض-جوّ إلى حركة الشباب، وطائرات مسيّرة انتحارية إلى تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، على تحسين قدرات الطرفَين في أساليب الحرب غير المتكافئة ضدّ الحكومة الصومالية. فأدّى ذلك إلى تنامي المخاوف الأمنية في إثيوبيا والصومال وجيبوتي وكينيا (إذ تشهد الحدود الكينية الصومالية اضطرابات)، وعزّز قدرة هذَين التنظيمَين على استهداف قوات الأمن الإقليمية، بما فيها الجيش الوطني الصومالي وبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال والقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا. ونتيجة الانتشار الواسع للطائرات المسيّرة، قد تضطرّ دول الغرب إلى إعادة توجيه مواردها نحو أماكن أخرى، وهي خطوة يأمل الحوثيون أن تخفّف الضغوط الدولية عنهم.
ثمّة أسبابٌ محلية أيضًا دفعت الحوثيين إلى توطيد علاقاتهم مع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، ما يشكّل تهديدًا محتملًا للاستقرار الإقليمي. في الواقع، يأمل الحوثيين أن ينعكس التحسُّن الذي طال قدراتهم وشبكاتهم ومواردهم في الصومال إيجابًا على مساعي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتنظيم الدولة الإسلامية في اليمن في معاركهما ضدّ خصوم أنصار الله. فالحوثيون يريدون الحثّ على زيادة العمليات الجهادية السنّية في اليمن، لمفاقمة انعدام الاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، وبالتالي تشويه صورتها ومصداقيتها على المستويَين المحلي والدولي وتعميق هوّة فقدان الثقة داخل معسكرها.
ويبدو أن استراتيجية الحوثيين تحقّق نجاحًا نسبيًا. فقد صدر عن الأمم المتحدة مؤخرًا تقرير ورد فيه أن حركة الشباب، بحسب ما قيل، "أرسلت أكثر من عشرة عناصر إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لاكتساب الخبرة والمعرفة التشغيلية، بما في ذلك تكنولوجيا الطائرات المسيّرة"،13 ما يشي باحتمال حدوث تداعيات تمتدّ إلى خارج حدود الدولة الواحدة. ونظرًا إلى هذا التقارب، ركّز تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بشكل متزايد على استهداف المصالح الغربية والقوات المتحالفة مع الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، ولا سيما بعد العام 2021، وشمل ذلك استخدام الطائرات المسيّرة المفخّخة في العام 2023. وعلى غرار حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، يعتبر الحوثيون وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب أن الحكومة اليمنية "موالية للغرب"، وقد ازداد عزم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على توطيد تعاونه مع الحوثيين خلال حرب غزة. هذا وقد أحدث إضعاف الحكومَتين المركزيّتَين في كلٍّ من اليمن والصومال فراغًا سمح لإيران بتوسيع هامش تدخّلها والسعي إلى تحقيق مصالحها في خليج عدن بشقّيه. ويكتسي هذا الأمر أهميةً خاصة بعد الخسائر الضخمة التي تكبّدها محور المقاومة الذي تقوده طهران خلال الصراع مع إسرائيل بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وكانون الأول/ديسمبر 2024، ما عزّز مكانة الحوثيين داخل المحور وفي الحسابات الإيرانية.
خاتمة
يتوافق توطيد العلاقات بين حركة أنصار الله وقوى غير حكومية صومالية مع أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في القرن الأفريقي، ولا سيما أن المتحدّث باسم وزارة خارجيتها، ناصر كنعاني، وصف أفريقيا بأنها "قارّة الفرص". وخلال السنوات القليلة الماضية، أعادت إيران النظر في استراتيجيتها الخاصة بالقرن الأفريقي، واستأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع كلٍّ السودان وجيبوتي والصومال في فترة 2023-2024. ويشكّل نفوذ الحوثيين في الصومال أحد الدلائل على انخراط طهران في القرن الأفريقي. إضافةً إلى ذلك، من المتوقّع أن يزداد تركيز الحوثيين على شبكات التهريب الإقليمية بعد أن أعادت الولايات المتحدة إدراج حركة أنصار الله على قائمة المنظمات الإرهابية رسميًا في آذار/مارس 2025، وفرضت عقوبات على سبعةٍ من قادتها بسبب تورّطهم في عمليات تهريب وشراء الأسلحة.
وبعد أن تابع الحرس الثوري الإيراني عن كثب التأثيرات الاستراتيجية التي خلّفتها عمليات الحوثيين على التجارة البحرية العالمية والأمن البحري، تعزّز اعتقاده بأهمية تعزيز نفوذه في كلٍّ من خليج عدن، والمحيط الهندي، وصولًا إلى رأس الرجاء الصالح. هذا وتسعى إيران إلى بسط سلطتها في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها، ولا سيما من خلال التأثير على التطوّرات البحرية بعيدًا عن شواطئها. وستظلّ عوامل مثل الانقسامات السياسية، والصراعات، والفقر، والتشرذم، والفساد توفّر ظروفًا مؤاتية لمثل هذا الطموح على المدى المتوسط. إن الوقت كفيلٌ بإظهار ما إذا كانت الأهداف الإيديولوجية المتضاربة بين الجماعات الجهادية السنّية والشيعية ستدقّ في نهاية المطاف إسفين الانقسام بين الإيرانيين والحوثيين من جهة، وحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من جهة أخرى، على الرغم من عداء هذه الأطراف المشترك للغرب.

هوامش
1انظر الفقرتين 40 و41 من التقرير الموجّه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
2مقابلة عبر الانترنت أجراها أحد المؤلّفين مع غوليد أحمد، خبير صومالي في شؤون القرن الأفريقي وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، 5 شباط/فبراير 2025.
3المصدر السابق.
4مقابلة عبر الانترنت أجراها أحد المؤلّفَين مع مسؤول أمني صومالي طلب عدم الكشف عن هويته، بونتلاند، الصومال، 25 كانون الثاني/يناير 2025.
5المصدر السابق.
6مقابلة عبر الانترنت أجراها أحد المؤلّفَين مع غوليد أحمد، كما ذُكر في مصدر سابق.
7مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع مسؤول في مصلحة الجمارك اليمنية، طلب عدم الكشف عن هويته، اليمن، 22 كانون الثاني/يناير 2025.
8مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع مسؤول أمني يمني، طلب عدم الكشف عن هويته، اليمن، 20 كانون الثاني/يناير 2025.
9مقابلة أجراها أحد المؤلّفَين مع غوليد أحمد، كما ذُكر في مصدر سابق؛ ومقابلة مع يزيد الجداوي، منسّق البحوث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 16 شباط/فبراير 2025.
10مقابلة أجراها أحد المؤلّفَين مع يزيد الجداوي، كما ذُكر في مصدر سابق.
11مقابلة أجراها أحد المؤلّفَين مع ضابط في قوات خفر السواحل اليمنية، طلب عدم الكشف عن هويته، 18 شباط/فبراير 2025.
12مقابلة أُجريت وجهًا لوجه مع مسؤول أمني يمني، طلب عدم الكشف عن هويته، اليمن، 17 كانون الثاني/يناير 2025.
13انظر الفقرة 71 من التقرير الموجّه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.