ملخّص
عقب سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، برز شكلٌ هجينٌ من الحوكمة في مجالات الإدارة المحلية والأمن والعدالة في مختلف أنحاء سورية. إن هياكل الحوكمة الهجينة هذه، التي لا تُعَدّ مركزيةً ولا لامركزية، تجمع بين عناصر الحكم المركزي والمبادرات الشعبية والقدرة على التكيّف مع الوقائع المحلية. ينبغي على دمشق أن توسّع نطاق هذه النماذج مع استمرارها في تطوير مؤسسات الدولة. مع ذلك، ثمّة تحدّيات كبرى لا تزال تؤثّر على الخدمات والسلم الأهلي، ولا بدّ من معالجتها بسرعة وحزم.
نقاط أساسية
- ورثت السلطات السورية الجديدة دولةً مفكّكةً، يتفشّى فيها الفساد وتفتقر إلى الموارد البشرية والمادية، لذا ستتطلّب عملية إعادة إعمارها بذل جهودٍ هائلة.
- في ظل الفراغ الأمني والإداري الذي أعقب سقوط الأسد، بادر السكان المحليون إلى إنشاء مجالسهم وشبكاتهم الخاصة بهدف الحفاظ على السلم الأهلي وتوفير الخدمات الأساسية.
- اندمجت هذه الشبكات المحلية تدريجيًا مع الهيئات الإدارية المناطقية التي أنشأتها السلطات الجديدة في دمشق، بدرجاتٍ نجاحٍ متفاوتة.
- يبقى الأمن مسألةً خلافية، إذ تسعى دمشق إلى بسط سيطرتها على جميع الفصائل المسلّحة، فيما تؤخّر دمج الأقلّيات في قوات الأمن المحلية، الأمر الذي يفاقم التوتّرات في الساحل السوري.
- لا يزال نظام العدالة الحكومي مُتعثّرًا إلى حدٍّ كبير، ما دفع السكان المحليين إلى إنشاء نماذج عدالةٍ بديلة. وقد خفّف ذلك بعض الضغوط، إلّا أنه قوّض في المقابل سلطة الدولة.
توصيات
- يعتمد استمرار نجاح الحوكمة الهجينة على تعيين مسؤولي مناطق ذوي رؤية مستقبلية يعملون مع شبكات مجتمعٍ مدني فعّالة. ويتعيّن على دمشق أن تنظر إلى المناطق التي نجحت فيها الحوكمة الهجينة باعتبارها نماذج يمكن تطبيقها في مناطق أخرى.
- يواجه المجتمع المدني المحلي عمومًا عوائق بسبب غموض موقف دمشق حيال قانونية أنشطته. وفيما يستغلّ بعض مسؤولي المناطق هذه الضبابية لقمع الشبكات المدنية، يعمَد آخرون إلى التعاون معها بشكلٍ نشِط. لذا، على دمشق إيضاح موقفها من المجتمع المدني، ولا سيما في مناطق الأقلّيات، وضمان التزام مسؤولي المناطق بسلوكٍ مناسب.
- لن تُحلّ صعوبات دمشق في دمج فصائل المعارضة المسلّحة السابقة في جيشٍ جديد بين ليلة وضحاها. مع ذلك، من شأن دمج الأقلّيات في الهياكل الأمنية الجديدة أن يسهم في تخفيف بعض الضغط عن وزراتَي الدفاع والداخلية، ما يقلّل من اعتمادهما على فصائل المعارضة السابقة غير المنضبطة، ويُعزّز في الوقت نفسه الثقة بين المسؤولين عن حفظ الأمن في المناطق من جهة، والأقلّيات من جهة أخرى.
- يتعيّن على دمشق تحديد أسباب الخلل الذي يشوب قطاع العدالة ومعالجتها. كذلك، لا بدّ من إعادة فتح المحاكم في شتّى أنحاء البلاد، وليس في مراكز المحافظات فحسب، فضلًا عن إطلاق عملية عدالةٍ انتقالية شاملة وشفّافة، من أجل تخفيف حدّة التوترات الاجتماعية.
مقدّمة
بعد الانهيار السريع للنظام السوري في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، لم يكن أمام الجماعة المُعارِضة المنتصرة عسكريًا، هيئة تحرير الشام، التي كان حكمُها منحصرًا بمنطقة إدلب الخاضعة لسيطرة الثوّار عبر حكومة الإنقاذ السورية، متّسعٌ كبير من الوقت لإعداد هيكل حكمٍ على مستوى البلاد. فقد واجهت حكومة تصريف الأعمال، التي عيّنتها هيئة تحرير الشام في البداية لإدارة البلاد، مجموعةً من التحدّيات المترابطة، ولا سيما في ما يتعلّق بالإدارة المحلية والأمن والعدالة. هذا وأُعيق عملُها بشدّة نتيجة نقص الموارد المالية والبشرية، وهيمنة حفنة مسؤولين كبار في هيئة تحرير الشام على عملية صنع القرار.1 ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الانتقالية، التي شُكّلَت في 29 آذار/مارس، وتتمتّع بتركيبة أوسع من حكومة تصريف الأعمال، قادرةً على تخطّي هذه العقبات.2 على أيّ حال، سيظلّ التعامل مع اقتصاد البلاد المُنهار يشكّل تحدّيًا كبيرًا وملحًّا. فكلّ سوري تحدّث معه المؤلّف خلال ستّة أسابيع من العمل الميداني في أعقاب إطاحة نظام بشار الأسد، شدّد على تداعيات الأزمة الاقتصادية، إذ بدأ كثرٌ يفقدون صبرهم بسرعة نتيجة عدم تحسّن ظروفهم المعيشية.
وقد دفعت مكامن الضعف الهيكلي التي تعاني منها الدولة المركزية، إلى جانب قوة الفصائل السياسية والعسكرية الخارجة عن سيطرة الدولة، السلطات إلى تبنّي مقاربة ارتجالية للحوكمة. فتوصّلت حكومة تصريف الأعمال والحكومة الانتقالية التي تلتها، سواء طوعًا أم اضطرارًا، إلى اتفاقات مع الأقلّيات السورية، والقوى السياسية من خارج دائرة هيئة تحرير الشام بهدف إرساء الاستقرار في بعض المناطق. تكشف هذه الدينامية عن جانبَين من جوانب عملية بناء الدولة السورية في أعقاب سقوط النظام مباشرةً: فمن جهة، سرعان ما أدركت هيئة تحرير الشام، نظرًا إلى ما تعانيه من مكامن ضعف، ضرورة العمل من خلال المؤسسات المحلية؛ ومن جهة أخرى، تمكّنت المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني من الاضطلاع بدورٍ في إدارة مناطقهما.
فكانت النتيجة بروز نظام دولةٍ هجين، خصوصًا في قطاعات الإدارة والأمن والعدالة، حيث تفاوتت درجة اللامركزية. وقد صبّت دمشق معظم جهودها في الأشهر الأولى التي تلَت 8 كانون الأول/ديسمبر على التواصل مع المجتمع الدولي، وعلى إعادة بناء هياكل الدولة المركزية لتوسيع نطاقها من مراكز المدن إلى الأطراف.3 ونظرًا إلى حاجة المجتمعات المحلية الملحّة إلى الحفاظ على الخدمات الأساسية والسلم الأهلي، عَمَد الكثير منها إلى إنشاء أنظمته الخاصة في ظلّ هذا الفراغ، بما في ذلك نماذج عدالة بديلة عن المحاكم العاملة فوق طاقتها أو غير العاملة. ولم يكن أمام السلطات الجديدة خيارٌ سوى العمل مع هذه الأنظمة الجديدة ومن خلالها، وهو أمرٌ عزّز انخراط الجهات غير التابعة لهيئة تحرير الشام في عملية بناء الدولة بعد الأسد على المستوى المحلي.4
تُدمَج هذه النماذج الإدارية المُنطلقة من القاعدة حاليًا في هيكل هيئة تحرير الشام المُنطلق من القمة. فضلًا عن ذلك، دفعت الأولويات الأمنية خلال الأسابيع الأولى التي أعقبت سقوط الأسد هيئةَ تحرير الشام إلى الاعتماد على فصائل المعارضة الحليفة والمستقلّة لبسط سلطتها في أجزاء كثيرة من البلاد. ضمَنَ ذلك استمرار توفير الخدمات الأساسية وعودة المؤسسات الحكومية إلى العمل تدريجيًا، إلّا أنه فشل بشكلٍ كبير في معالجة الكثير من المظالم المحلية الناجمة عن الانقسامات بين العلويين والسنّة، لا بل فاقمها في أغلب الأحيان. والواقع أن التحدّيات نفسها التي أنتجت هيكل الحوكمة الهجين هذا، وأدّت بشكلٍ ما إلى تطبيق نُظم أمنٍ وعدالةٍ ضمن هذا الهيكل، أسفرت عن تأجيج العنف في الساحل في آذار/مارس الماضي، حين شنّ مسلّحون موالون للأسد هجمات على قوات الأمن، أعقبتها مجازر ارتكبتها هذه الأخيرة وفصائل سنّية مستقلّة. وقد تفاقم هذا الانهيار الأمني جرّاء فشل الدولة في نزع سلاح الجماعات السنّية المسلّحة أو كبح جماحها، ناهيك عن فشلها في معالجة التوتّرات المتنامية بسبب الطائفية وغياب المساءلة. وبينما لم يكن حلّ هذه المشاكل بالكامل ممكنًا بحلول آذار/مارس، لم تؤدِّ المقاربة اللامركزية للأمن، وغياب الإصلاحات في قطاع العدالة، ناهيك عن عدم اهتمام دمشق بهذه القضايا المتفاقمة، سوى إلى زيادة هذه المشاكل سوءًا.5
لكن على الرغم من الصدمة التي أحدثتها أعمال العنف في آذار/مارس، لم تتوقّف عجلة التطوير في مجال الحوكمة المحلية في شتّى أرجاء البلاد، مع تحقيق نتائج إيجابية في الغالب. من الواضح أن الحكومة المركزية في دمشق تنظر إلى إرساء أنظمة محلية فعّالة للحوكمة والأمن والعدالة على أنها ركائز أساسية لا لتحسين الخدمات العامة ووظائف الحكومة فحسب، بل أيضًا للحفاظ على السلم الأهلي. فالكثير من مسؤولي المناطق أكّدوا في المقابلات معهم على ضرورة "حلّ مشكلة انعدام الاستقرار الأمني والعسكري" قبل الشروع في إعادة تأهيل الموارد والبنية التحتية على نطاق واسع.6 إن الظروف الحالية في ثلاث مناطق فريدة، وهي القلمون في دمشق، ومنطقة سلَمية في حماة، ومحافظة طرطوس، خير مثال على نجاحات وإخفاقات هذا النهج، الذي قد يصبح نموذجًا للدولة السورية الناشئة.
الحوكمة انطلاقًا من القمة والحوكمة انطلاقًا من القاعدة
وجد الكثير من مديري المناطق، عند تعيينهم في معظم أرجاء الريف السوري، شبكةً راسخةً هناك من هياكل الإدارة المحلية. تشهد إذًا الحوكمة المحلية في النواحي والمناطق السورية في مرحلة ما بعد الأسد تطوّرًا على المستوى الشعبي انطلاقًا من القاعدة، وكذلك انطلاقًا من القمة. ويبدو أن هذَين النظامَين اندمجا، في مجتمعات محلية عدّة، على نحو جيّد نسبيًا، إذ ينسّق مديرو المناطق المُعيَّنون مركزيًا بشكل وثيق مع مجموعة متنوّعة من هياكل الإدارة المحلية. وقد اتّسم هذا التفاعل، في المناطق التي زارها المؤلّف، بالودّ والتعاون في الغالب.
ومع ذلك، إن الضغط الناجم عن شحّ الموارد الذي تعاني منه الوزارات المركزية يُعَدّ أشدّ وطأةً حتى على مسؤولي المناطق، إذ يعيق قدرتهم على إطلاق أيّ مبادرات جادّة في مجال الخدمات أو إعادة الإعمار. فكما قال أحد مسؤولي المناطق في أوائل أيار/مايو، "علينا أن نعيد بناء الدولة قبل أن نتمكّن من إعادة بناء البلاد".7 ولذا، اقتصرت الحوكمة الفعلية في أوائل العام 2025 إجمالًا على التنسيق الأمني، وتوفير الخدمات الأساسية، وتقييم الاحتياجات.8 أدّى ذلك إلى شعور السكان المحليين بأن الوصول إلى المسؤولين المُعيَّنين سهلٌ ومُتاح، ولكن أيضًا بأن هؤلاء المسؤولين لا يبذلون جهودًا تُذكَر لتحسين الظروف المعيشية. وبينما أثبتت هياكل الحكم الجديدة في بعض البلدات والقرى أنها شاملة لجميع السكان، اقتصرت مبادرات أخرى على منح الأفضلية إلى أبناء المنطقة الأصليين، على حساب النازحين الذين بقوا من دون تمثيلٍ يُذكَر. هذا ولم تبادر مجتمعات محلية أخرى، خصوصًا في المناطق العلوية ولكن ليس على نحو شامل، إلى بناء هياكل حوكمة محلية خاصة بها، نظرًا إلى قلّة خبرتها في الإدارة الذاتية والنشاط المدني، وخشيتها من إثارة حفيظة المسؤولين المحليين المُعيَّنين من الحكومة.
تتّخذ الحوكمة المحلية في سورية اليوم إجمالًا أحد شكلَين: رؤساء بلديات ومجالس بلدية من عهد النظام، أو رؤساء بلديات ومجالس مُنتخَبة بعد 8 كانون الأول/ديسمبر. فقد واصل رؤساء البلديات من عهد النظام عملهم في المناطق حيث لم يُبدِ السكان المحليون اهتمامًا باستبدالهم؛ وفي المناطق التي طالب فيها السكان المحليون بهياكل حكم جديدة، تولّوا إنشاءها على النحو الواجب. وهكذا، يمكن العثور على مجالس محلية مُنتخَبة حديثًا في معاقل المعارضة السابقة، كما هو متوقّع، ولكن أيضًا في مجتمعات محلية علوية وإسماعيلية كانت دائمًا تحت سيطرة النظام، حيث بادر الناشطون السياسيون المحليون إلى بناء هياكل اجتماعية وسياسية جديدة.
شهدت منطقة القلمون في دمشق، المعروفة بمجالسها المحلية القوية منذ العام 2012، والتي استهدفَتها ودمّرَتها لاحقًا هجمات النظام، إحياءَ هذه المجالس بعد 8 كانون الأول/ديسمبر. فقد أُنشِئَت مجالس محلية في رنكوس، وقارة، والنبك، وعسال الورد في القلمون الغربي، إضافةً إلى أماكن مثل داريا، وجوبر، وسقبا، ودوما على مشارف مدينة دمشق.9 أما بلدات القلمون التي كانت عمومًا حيادية أو موالية للنظام، مثل معربا، ومنين، وصيدنايا، ومعلولا، فلا يزال يديرها رؤساء بلدياتها القدامى.10 وقد شُكّل مجلس رنكوس في 23 كانون الثاني/يناير بعد عشرة أيام من المداولات، استقال في نهايتها رئيس البلدية من عهد النظام.11 ووفقًا لرئيس مجلس رنكوس المحلي للعام 2012، الذي يعمل الآن مستشارًا لخلفه، اختار أشخاص من مختلف مكوّنات المجتمع ممثّلين للمجلس، الذي انتَخَب بعد ذلك رئيسًا له. هذا الأخير يتولّى فعليًا دور رئيس بلدية المدينة، حيث ينسّق مع اللجان القطاعية، ومع مدير المنطقة الذي عيّنته هيئة تحرير الشام.12
أما في مدينة التلّ، التي كانت مركزًا لنشاط المعارضة خلال الثورة، فاختلفت التجربة قليلًا. تضمّ التلّ منذ سنوات مجلس عائلات مؤلّفًا من ممثّلين عن كل عائلة من العائلات الرئيسة في المدينة، يعملون على سدّ الثغرات في مجالَي الخدمات والوساطة التي خلّفها المجلس البلدي الموالي النظام.13 وبفضل الروابط المتينة بين المكوّنات الاجتماعية ومجموعات المجتمع المدني في التلّ، ووجود مجلس العائلات، لم يُشكَّل أيّ مجلس محلي بعد سقوط الأسد، لأن معظم الحاجات العاجلة لُبّيَت بالفعل. ولم تعيّن دمشق مديرًا لمنطقة التلّ الكبرى (والمنطقة هي المستوى الإداري الذي يأتي مباشرةً بعد المحافظة)، إلّا في شهر كانون الثاني/يناير. بعد ذلك، التقى مدير منطقة التلّ بمجلس العائلات وممثّلي المجتمع المدني لإعداد قائمة بالمرشّحين المقبولين لمنصب رئيس البلدية في المدينة نفسها،14 علمًا أن هذا الأخير يشكّل حاليًا السلطة المركزية في مدينة التلّ، حيث يحظى عمله بدعم المجتمع المدني ومجلس العائلات.
يمثّل ذلك نهجًا وسطيًا، تختار في إطاره الحكومة المركزية المسؤولين المحليين، ولكن بالتشاور الوثيق مع السكان أنفسهم. لكن سكان التلّ أصبحوا في غالبيتهم نازحين داخليًا نتيجة الحرب، ولا يُمثَّل أيٌّ منهم في مجلس العائلات، الأمر الذي يؤدّي إلى اختلال في توازن القوى داخل المدينة، حيث تتمتّع العائلات المحلية بصوتٍ أقوى. وفي بلدٍ يشهد نزوحًا داخليًا كبيرًا، يُعَدّ ذلك خللًا أساسيًا في النهج المحلي للحوكمة.
والواقع أن بروز المجالس المحلية في معاقل المعارضة السابقة القريبة من دمشق يتكرّر في البلدات الإسماعيلية في شتّى أنحاء حماة وطرطوس، على الرغم من أن هذه المناطق بقيت تحت حكم النظام طوال الحرب. ففي مدينة سلَمية، وسّع المجلس الإسماعيلي، الذي يعود تاريخه إلى عقود من الزمن، دورَه الذي كان يركّز في البداية على العمل الاجتماعي، ليشمل الآن الكثير من مهام المجلس المحلي التقليدي، على الرغم من احتفاظه رسميًا بهويّته "غير السياسية". ويضمّ المجلس مجموعةً من اللجان التي تنسّق بين السكان ومنظمات المجتمع المدني والهيئات المحلية المُعيَّنة من الحكومة، لتسهيل حسن سير الإدارة وتوفير الخدمات.15 وقد تشكّلت هذه اللجان بعد تسليم المدينة لقوات هيئة تحرير الشام في 5 كانون الأول/ديسمبر، ولكن قبل إنشاء أيّ مؤسسات حكومية جديدة،16 فانصبّ تركيزها الرئيس في الأشهر التي تلت ذلك على توفير الخدمات الأساسية، وتسهيل التواصل بين الحكومة والمجتمع المدني.
على سبيل المثال، كان أحد مشاريع اللجان الأولى توفير التمويل الإضافي ووقود الديزل لمستشفى المدينة من أجل تشغيله لمدّة عشرة أيام تقريبًا ريثما تُنشِئ سلطات محافظة حماة الجديدة مكتبًا إقليميًا في سلَمية يتولّى مهام توفير الوقود.17 والمجلس لا يقتصر على طائفة واحدة، وإن كان يُدعى المجلس الإسماعيلي، بل هو يمثّل عمليًا أصوات الأقلّيات، سواء من السكان المحليين غير الإسماعيليين أو النازحين داخليًا، بشكلٍ أفضل من مجلس عائلات التلّ.
على النحو نفسه، أنشأت بلدة القدموس ذات الغالبية الإسماعيلية مجلسها المحلي الخاص بعد أيامٍ قليلة من سقوط الأسد. وأوضح أحد أعضاء المجلس الدافعَ وراء إنشائه، قائلًا: "بعد الأسد، لم يكن ثمّة حكومة ولا أمن، ولذا قبل مجيء الحكومة الجديدة، أنشأنا هذا المجلس المحلي الجديد، وبذلنا جهودًا للحفاظ على مكتب الحكومة المحلية والمستشفيات".18 يساعد المجلس في إدارة المدينة والحفاظ على السلم الأهلي مع القرى العلوية المحيطة، من خلال برامج التوعية التي بدأ تنفيذها مباشرةً بعد 8 كانون الأول/ديسمبر. وبعد وصول المديرين الحكوميين، عمل هذا المجلس الأمني الأوّلي مع الناشطين في المدينة لانتخاب مجلسٍ يركّز على الإدارة، وهو مجلس شكَّلَ بدوره لجنة السلم الأهلي. وفي هذا السياق، قال أحد أعضاء المجلس المحلي: "ندير مدينتنا بالتعاون مع الحكومة الجديدة، إذ تُنسَّق جميع القضايا الإدارية واللوجستية والأمنية بشكل مشترك".19
وفي حين أن الغالبية العظمى من المجتمعات المحلية العلوية لا تزال تُدار من المخاتير ورؤساء البلديات من عهد النظام، أسّس بعضها مجالس محليةً جديدةً بدلًا من ذلك. وكما هي الحال في دمشق وسلَمية والقدموس، أنشأ السكان المحليون هذه الأنظمة في استجابةٍ مباشرةٍ للحاجات الأمنية الملحّة في ظلّ غياب الدولة الجديدة، وقد قامت بين هذه الأنظمة ومديري المناطق المُعيَّنين مركزيًا علاقةٌ فعّالة. كذلك شهد ريف سلَمية إنشاء عددٍ من المجالس المحلية بعد 8 كانون الأول/ديسمبر. وبينما شكّل ناشطو المعارضة السنّية بعض هذه المجالس داخل بلداتهم المختلطة طائفيًا، أُنشِئ بعضها الآخر في بلدات علوية مثل الصبورة. والصبورة كانت في السابق مركز شبكة الشبيحة التابعة للنظام السابق في الريف، ويديرها الآن مجلسٌ محلي أنشأه معتقلان سياسيان سابقان، هما توفيق عمران وكريم عكاري، وكلاهما كان مسؤولًا منذ فترة طويلة في الفرع المحلي للحزب الشيوعي السوري.20
يضع قادة مجلس الصبورة دورهم في إطار سدّ الثغرات الحرجة في مجالَي الحوكمة والأمن، إضافةً إلى العمل على بناء القدرات العملاتية. يقول أحد المؤسّسين إن المجلس "يركّز على إعادة بناء أنظمة الحكم... [بما في ذلك] توفير الخدمات الأساسية والمياه، والانخراط في حوار مدني، والحفاظ على التعليم".21 وقد شكّل هذان الهدفان الأخيران المهمّة الرئيسة للمجلس خلال الأشهر الأربعة الماضية. فقد أوضح عكاري، في إشارة إلى السنّة والبدو المجاورين الذين تعرّضوا طوال سنوات للهجوم والاعتقال والنهب على يد شبكات ميليشيات النظام في الصبورة، قائلًا: "جاء الكثير من الناس إلى هنا في الأسابيع التي أعقبت [سقوط] الأسد مُطالِبين باستعادة حقوقهم، فلجأنا إلى المفاوضات ودفع المال لمنع القتل والحفاظ على السلم الأهلي". هذا وأعاد المجلس فتح مدرسة البلدة، التي كانت أغلقت أبوابها بعد رحيل معظم المعلّمين في أعقاب انهيار النظام. واليوم، يتولّى حوالى عشرين متطوعًا وعاملًا بأجر تدريسَ ما يقرب من 150 طالبًا، بتنظيمٍ وتسهيلٍ من مجلس البلدة. وكما هي حال جميع المجالس المحلية الأخرى التي التقى بها المؤلّف، ينسّق مجلس الصبورة على نحو وثيق مع ممثّلي الحكومة، أي في هذه الحالة مدير المنطقة وقوات الأمن المحلية المنتشرة في البلدة وحولها.22
وفي طرطوس، تُدار منطقة الشيخ بدر منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر من مجلس محلي يضمّ ثلاثة عشر عضوًا من ممثّلين علويين من المدينة والقرى المحيطة بها، فضلًا عن عضو إسماعيلي واحد عن المجتمع المحلي الإسماعيلي الصغير في الخوابي؛ وأعضاء المجلس جميعهم خدموا في الحكومة البلدية التابعة للنظام قبل 8 كانون الأول/ديسمبر.23 تتمحور مسؤوليات المجلس المُعلَنة حول الحفاظ على السلم الأهلي بدلًا من معالجة القضايا الاقتصادية، وهو توجّهٌ كان شائعًا في شتّى المناطق خلال شهر شباط/فبراير، ويعكس كيف أن نقص الموارد على نطاقٍ واسعٍ يعيق أيّ سياسة اقتصادية أو تنمية حقيقية.24
مع ذلك، يتّهم الكثير من السكان المحليين هذا المجلس بالعجز والفساد، مُشيرين إلى جذوره العائدة إلى الإدارة في عهد النظام، ولا ينسبون إليه أيّ فضلٍ في السلام الهشّ الذي شهدته منطقة الشيخ بدر منذ 8 كانون الأول/ديسمبر. عوضًا عن ذلك، يسلّط الناشطون الضوء على دور شخصيَن نافذَين من السكان المحليين أصبحا وسيطَين رئيسيَن بين مسؤولي الأمن والمجتمع المحلي، حيث يحافظان على الحوار مع مكتب محافظ طرطوس، وينسّقان الأنشطة الشرطية والإدارية في المنطقة بطريقتهما الخاصة.25 هذه الأنواع من الأنظمة الوسيطة المرتجلة تنتشر على نطاق واسع في المجتمعات العلوية والمسيحية، حيث لم تُشكَّل مجالس محلية جديدة بعد، ولكن التوتّرات بشأن قضايا الأمن والسلم الأهلي لا تزال متأجّجة، وتؤكّد هشاشة هياكل الحوكمة المحلية الجديدة.
تتعامل الحكومة الجديدة مع الهياكل المحلية القديمة والجديدة في شتّى أنحاء سورية من خلال نظامٍ يقوم على مديري مناطق مُعيَّنين إما في إحدى مناطق البلاد الخمسة والستّين، وإما في إحدى نواحيها البالغ عددها 281. وقد استوحِي هذا النظام من إدارة المناطق في إدلب، التي صُمّمَت لتحسين استجابة الحكومة لحاجات المجتمعات المحلية عبر تعيين مديرين للمناطق الإدارية الأصغر ضمن إدلب.26 ويشكّل المديرون الجدد الذين تعيّنهم وزارة الداخلية العمود الفقري للإدارة المحلية، إذ يربطون رؤساء البلديات والمجالس المحلية بمكتب المحافظ، وقوات الأمن، والوزارات المركزية.27 وكانت مسؤوليتهم الرئيسة في البداية قائمةً على تنسيق الأمن، علمًا أن عددًا كبيرًا من المديرين هم خرّيجو كليّة الشرطة التابعة لحكومة الإنقاذ.28 وقد تُرِكَت مهمّة توفير الخدمات، والمهام الإدارية اليومية الإضافية، إلى المسؤولين المحليين والمجالس على مستوى المدينة.
ولكن انطلاقًا من دور المديرين كرؤساء مكاتب شرطة المناطق وأجهزة الأمن العام، اضطلعوا أيضًا بدورٍ أساسي في تنسيق عملية توفير الخدمات والمساعدات ودعمها.29 فضلًا عن ذلك، عملوا بمثابة "عيون وآذان" الحكومة المركزية في الأرياف، وكُلّفوا في الأشهر الأولى من العام 2025 بإجراء "عمليات تقييمٍ لاحتياجات" مناطقهم.30 شمل هذا العمل عقد اجتماعات منتظمة مع السكان المحليين، والمجموعات المدنية، والمسؤولين المحليين، ما أدّى إلى مزيدٍ من التشابك بين الهياكل المحلية القائمة على المستوى الشعبي وتلك المُعيَّنة مركزيًا.31
بحلول آذار/مارس، بدأ هذا الهيكل يتطوّر مع تعيين مسؤولين إضافيين إلى جانب مديري المناطق، بحيث أصبح للكثير من المناطق الآن مسؤول أمني وآخر عسكري، يشرفان على التوالي على وحدات وزارة الداخلية ووزارة الدفاع المنتشرة فيها.32 أتاح ذلك للمديرين تولّي مهام السلم الأهلي، والوساطة، والشؤون الإدارية. وقد أفاد ناشطون ومجالس محلية بأن هذه التغييرات سهّلت علاقاتهم مع المديرين. وفي أواخر أيار/مايو، عقدت وزارة الداخلية جلسةً تشاوريةً لتحديد المزيد من الإصلاحات، بما في ذلك تحويل مناصب المديرين هذه إلى أدوار مدنية بحتة.33
تختلف درجة تعقيد نظام مديري المناطق من منطقة إلى أخرى، حيث يحظى بعض المديرين بنطاق أوسع من المسؤوليات ممّا يحظى غيرهم.34 ويبدو أن هذا التفاوت يدلّ على أوجه القصور في الموارد البشرية لدى الحكومة الجديدة، وعلى إعطاء هذه الحكومة الأولوية لمناطق يُحتمَل أن تشهد صراعات، مثل الساحل، حيث تُعيّن عددًا أكبر من المديرين. ففي طرطوس، عُيّن المديرون في معظم النواحي (والناحية هي المستوى الإداري الذي يأتي مباشرةً بعد المنطقة)، بدلًا من تعيينهم على مستوى المنطقة فقط، ما رفع عدد المسؤولين، وقلّص حجم مسؤولياتهم لتخفيف العبء المُلقى عليهم. فعلى سبيل المثال، عُيّن مديرون في محافظة طرطوس في ناحية مشتى الحلو ذات الغالبية المسيحية، وناحية صافيتا المسيحية العلوية المختلطة، وناحية القدموس الإسماعيلية العلوية المختلطة، وناحية المتراس ذات الغالبية العلوية والأقلّية السنّية.35 وفي جميع هذه المناطق، يعمل المديرون جنبًا إلى جنب مع مجالس المدن أو رؤساء بلدياتها، سواء أكانوا مُنتخَبين حديثًا أم من بقايا النظام،36 ويرفعون تقاريرهم مباشرةً إلى مدير مجلس مدينة طرطوس، الذي يُعَدّ فعليًا الرئيس الإداري للمحافظة بأكملها على الرغم من لقبه.37 وعلى خلاف مديري المناطق، لا يمتلك مدير مجلس المدينة خلفيةً شرطية، بل كان عضوًا في مجلس شورى حكومة الإنقاذ، ممثّلًا لناحية كفرنبل.38
ويبدو أن هيئة تحرير الشام عيّنت، حيثما أمكن، مديري مناطق للمجتمعات المحلية التي تتحدّر منها. فمديرو التلّ وسلَمية والسقيلبية مثلًا يتحدّرون من هذه المناطق. لكن جميع المديرين يأتون من مؤسسات إدلب الأساسية، فهم من مسؤولي هيئة تحرير الشام، أو جهاز الأمن العام، أو من الشرطة التابعة لهذا الأخير، وهم من السنّة. وهكذا، ما من مديرين محليين في المناطق التي تهيمن عليها الأقلّيات مثل طرطوس، وهو أمرٌ يثير غضب معظم العلويين الذين تحدّث معهم المؤلّف.39 وفي حين أن لبعض المديرين المُعيَّنين في المناطق السنّية، مثل ريف دمشق، علاقات أضعف بهيئة تحرير الشام، يبدو أن نظراءهم المُعيَّنين في المناطق ذات الغالبية العلوية حلفاء مقرّبون من دمشق، ما يشير إلى أن هذه الأخيرة تعطي الأولوية للثقة وللتسلسل القيادي القوي من أجل إدارة الهياكل الناشئة في هذه المناطق بشكل أفضل.
يعكس نظام مديري المناطق على الأرجح مدى قدرة الحكومة الجديدة على بناء هياكل الحوكمة المحلية ضمن حدود إمكانياتها. لكن استعدادها – سواء طوعًا أو فرضًا - للعمل عن كثب مع الهياكل المحلية على المستوى الشعبي، عزّز بطبيعة الحال المبادرات السياسية المحلية، وأتاح للمجتمع المدني في الأرياف هامشًا واسعًا للعمل. ومع مرور الوقت وتنامي التحديّات المتعلّقة بالأمن والحوكمة، يبدو أن الحكومة الجديدة قد قبلت بدور هذه المؤسسات بوصفها شريكًا أساسيًا في إرساء الاستقرار. وفي شباط/فبراير، عبّر مدير منطقة طرطوس عن وجهة نظره للمؤلّف قائلًا إن "المجتمع المدني هو مستقبل طرطوس"، معلّقًا أنه يتشاور مع هذه المجموعات بصورة منتظمة، وأضاف أنه يأمل في انتخاب المدير الجديد من صفوفها. تتجلّى هذه الذهنية في النهج الذي اعتمده محافظ طرطوس في منطقة الشيخ بدر: فبدلًا من تعيين مدير منطقة يشرف على عمل المجلس، وافق على اقتراح المجلس في كانون الثاني/يناير بأن يتولّى هو "الإدارة الذاتية" فيها والتنسيق مع مدير شرطة. وعلى نحو مماثل، بعد أعمال العنف التي اندلعت في أوائل آذار/مارس، بدأ مسؤولو جهاز الأمن العام، ومديرو المناطق، وحتى بعض القادة العسكريين المنتشرين محليًا في مختلف أنحاء طرطوس واللاذقية وحماة، بالانخراط إلى حدٍّ كبير مع المخاتير العلويين والمجالس المحلية من أجل حلّ التوتّرات الأهلية والقضايا الأمنية العالقة سلميًا، بدلًا من الاعتماد على المداهمات والعمليات العسكرية.40
تختلف الدوافع المحدّدة وراء تأسيس كلّ مجلس، إلّا أنها تتضمّن عمومًا سدّ فجوة الحوكمة بُعَيد سقوط الأسد. لقد وصف الرئيس السابق لمجلس رنكوس دور المجلس للمؤلّف على النحو التالي: "على المناطق مساعدة الحكومة [من خلال إطلاق هذه المبادرات]، وعلى الحكومة مدّ المناطق بالموارد والتنسيق معها".41 لا تستطيع المجالس المحلية بمفردها فعل الكثير في سورية الجديدة. فنقص الموارد الذي تعاني منه الحكومة المركزية يُعدّ أشدّ حتى على المستوى المحلي، الأمر الذي يقيّد العمل المباشر لمعظم المجالس ليقتصر على تقديم الخدمات الأساسية، مثل توفير المياه والرعاية الصحية والوقود، وجمع النفايات. ويُعتبر تعزيز التنسيق بين هذه المجتمعات المحلية في حدّ ذاته دورًا مهمًّا لمديري المناطق المُعيّنين من الحكومة المركزية.
سيسهم كلّ ذلك في تعزيز الانخراط المدني في عملية الحكم مستقبلًا، إلّا أن التباين الكبير في شكل الحكومات المحلية سيؤدي في نهاية المطاف إلى أوجه تفاوت في كيفية تمثيل المجتمعات المحلية المختلفة وكيفية قيام مديري المناطق بتوفير الخدمات. وقد أدّى التطبيق غير المتكافئ لهذه المبادرات، وعلى وجه الخصوص في المناطق العلوية، إلى نقص التمثيل في إحدى أكثر المناطق المُعّرضة للأزمات في البلاد. وكما أظهرت المجازر التي شهدها الساحل السوري في شهر آذار/مارس الفائت، تُعدّ العلاقات بين القوى المحلية ومديري المناطق أساسية للحفاظ على السلم الأهلي وإعادة بناء أواصر الثقة بين العلويين والحكومة الجديدة.
هذا وأثّرت عوامل مثل ندرة الموارد والتباين الشديد في الظروف المحلية على النهج الأمني الذي تتبنّاه الحكومة، لكن بتداعيات سلبية أكثر بكثير ممّا شهده نظام الحوكمة المحلي. فقد ركّزت معظم الجهود الأولى التي بذلتها الحكومة السورية الجديدة على ملء الفراغ الأمني بسرعة بعد السقوط المفاجئ لنظام الأسد. وأدّى انهيار الجيش وقرار الحكومة القاضي بعدم إعادة جنود سابقين إلى الخدمة إلى ترك إدارة البلاد بأسرها في عهدة عددٍ صغير نسبيًا من القوات العسكرية الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام (المعروفة آنذاك باسم إدارة العمليات العسكرية) والقوات التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ (الشرطة وجهاز الأمن العام من إدلب). وقد أرغمت هذه القيود السلطات السورية على الاعتماد على دعم فصائل مُعارِضة سابقة أخرى، وخصوصًا تلك التي تنتمي إلى حلفاء هيئة تحرير الشام المقرّبين ضمن تحالف الجبهة الوطنية للتحرير، والقوات التابعة للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والذي تجمعه منذ وقت طويل علاقةٌ متوتّرة مع هيئة تحرير الشام.
وخلال شهرَي كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير، بدأت دمشق بتعيين وحدات من قوات إدارة العمليات العسكرية، والجبهة الوطنية للتحرير، والجيش الوطني السوري في جهاز الأمن العام وفي مناصب عسكرية في مختلف أنحاء البلاد. ظلّ معظم مسؤولي جهاز الأمن العام يُعيَّنون من فرع إدلب أو من هيئة تحرير الشام، لكنّ عددًا كبيرًا من المُعيَّنين في حمص كانوا من فصائل محلية منضوية تحت لواء الجيش الوطني السوري بعد عودتهم إلى مناطقهم من الشمال.42 وقد كُلِّفَت فصائل عسكرية من المجموعات الثلاث بمهمة إدارة نقاط تفتيش في مختلف أرجاء سورية دعمًا لعمليات جهاز الأمن العام والشرطة.43
في الكثير من الأحيان، يبدو أن دمشق حاولت نشر عناصر الفصائل في مناطقهم الأصلية، على الأغلب لأن هؤلاء حُرموا من العودة إلى مسقط رأسهم لسنواتٍ بعد أن نفاهم الأسد، ولأن نشرهم في مناطق بعيدة قد يثير استياءهم. مع ذلك، أبلغ مسؤولان أمنيان المؤلّف بأنهما، على الرغم من هذا النهج، يفضّلان عدم إبقاء العناصر في مناطقهم لتجنّب خطر تفشّي الفساد والتراخي في ضبط الأمن.44 مع ذلك، خلال الأسابيع التي تلت 8 كانون الأول/ديسمبر، عُيِّن الكثير من قادة الجيش السوري الوطني، الذين قادوا في الأصل كتائب في الجيش السوري الحر في مدينتَي حمص وتلكلخ ومحيطهما، لرئاسة مكاتب جهاز الأمن العام في مدنهم وأحيائهم الأصلية، فيما نُقل بعض القادة الميدانيين في هيئة تحرير الشام من مدينة سلَمية لقيادة وحدات الجهاز في تلك المنطقة.45 وامتدّ تطبيق هذه السياسة إلى الساحل حتى، إذ إن مسؤولي الأمن المُعيَّنين في جبلة وبانياس واللاذقية يتحدّرون جميعًا من هذه المدن.46 وبحلول آذار/مارس، بات واضحًا أن هذه السياسة يجري تطبيقها في عملية إعادة هيكلة الجيش السوري الجديد، إذ دُمجت فصائل من الجيش الوطني السوري من حلب في فرقة مقرّها حلب، ودُمجت مجموعات قبلية في فرقة مقرّها شرق سورية، فيما دُمجت فصائل حمص المتبقية من الجيش الوطني السوري والجبهة الوطنية للتحرير في فرقة بقيادة هيئة تحرير الشام ومقرّها حمص.47
لم تكن الوحدات العسكرية وفرق الشرطة هذه كافيةً لتوفير الأمن في جميع أنحاء سورية، لذا سمحت الحكومة الجديدة بإنشاء قوات شرطة تطوّعية للمساعدة في حفظ الأمن على المستوى المحلي الضيّق. ففي منطقة التلّ، كان حوالى نصف قوات الأمن فقط من الشرطة النظامية اعتبارًا من شباط/فبراير الماضي، وكان الآخرون متطوّعين من المدينة، يساعدون في مهامٍ مثل الدوريات الليلية.48 وشُكِّلت أيضًا قوات تطوّعية محلية مماثلة في الأحياء المسيحية في دمشق، فيما تتولّى المهام الأمنية في ضاحية جرمانا ذات الغالبية الدرزية، قوةٌ تتألف بالكامل من الدروز ويدعمها عددٌ صغيرٌ من مسؤولي جهاز الأمن العام.49 الجدير بالذكر أن جميع هذه الوحدات التطوّعية مسلّحة. كذلك يوفّر المجتمع المحلي الإسماعيلي قوة أمنية تطوّعية خاصة به لمساعدة الشرطة المحلية في مدينتَي سلَمية والقدموس، مع العلم بأن قوات الشرطة الحكومية زوّدت أبناء القدموس بأسلحة فردية.50 وقد أسهم هذا النهج بشكلٍ كبير في بناء الثقة بين الإسماعيليين والمسيحيين من جهة والسلطات الجديدة من جهة أخرى.
لا يزال العلويون، باستثناء حالةٍ واحدة، المجموعة الوحيدة التي لم تضطلع بأي دورٍ في الأمن المحلي، ما يُعدّ مؤشّرًا واضحًا على المخاوف العميقة التي تنتاب الحكومة الجديدة حيال دمج أفراد طائفةٍ يعتبرها الكثير من السوريين مواليةً بشدّة للأسد، في قوات الأمن الجديدة.51 أما الاستثناء الوحيد المعروف فهو في القدموس، حيث أقنع المجلس الأمني الذي يديره الإسماعيليون مدير منطقة القدموس بإنشاء حوالى ثمانين نقطة تفتيش تُدار ذاتيًا من أبناء المنطقة في القرى العلوية المحيطة.52 بخلاف ذلك، رفضت الحكومة الجديدة رفضًا قاطعًا إعادة أيٍّ من ضباط الشرطة العلويين الذين كانوا أُقيلوا من قوات النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر.53 أحدث هذا الوضع توتّرات شديدة في مناطق الساحل السوري، حيث أدّى نقص موارد الحكومة إلى قصورٍ كبير في عملية حفظ الأمن وإنفاذ القانون في طرطوس واللاذقية، وحيث يُطالب الكثير من العلويين بالسماح لعناصر الشرطة المُقالين من طائفتهم بالعودة إلى الخدمة داخل بلداتهم ومدنهم.54
نماذج العدالة البديلة والأمن المحلي
يُعدّ إصلاح المنظومة القانونية في سورية إحدى أكثر المسائل غموضًا وإثارةً للجدل في مرحلة ما بعد 8 كانون الأول/ديسمبر. فكما في جميع الجوانب الأخرى من عملية الحوكمة، يقوّض نقص الموارد البشرية والمالية قدرة الحكومة الجديدة على بلورة وإنفاذ نظام عدالة موثوق بشكل سريع. لكن على خلاف مجالَي الحوكمة والأمن، يعاني النظام القضائي من انهيار البنية التحتية المادّية، نظرًا إلى أن السكان المحليين دمّروا الكثير من المحاكم والسجون بالكامل عند سقوط النظام. وفيما عملت وزارات متعدّدة معًا لوضع أنظمة قضائية جديدة منذ كانون الأول/ديسمبر، فإنها تواجه ضغوطًا من المجتمعات المحلية التي لديها أولويات ومخاوف خاصة بها، وكذلك من أفراد الشتات السوري، الذين عمل الكثير منهم على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية في منظمات متخصّصة في قضايا العدالة في الخارج.
في كانون الأول/ديسمبر، اتّخذت هيئة تحرير الشام تدبيرًا أوّليًا مؤقتًا يقضي بتطبيق مدوّنة القوانين الذي كانت تطبّقها حكومة الإنقاذ في إدلب، على باقي المناطق السورية، وأُفيد بأنها أدخلت عليها تعديلات "تُراعي الخصوصيات المحلية" وتتجنّب الصدام مع الأعراف الاجتماعية السائدة.55 وقد أفاد المسؤولون في الحكومة السورية الجديدة في أواخر كانون الثاني/يناير بأنهم يتمهّلون في بلورة مدوّنة قانونية تلبّي على نحوٍ كافٍ الحاجات المحلية المتمثّلة في الحفاظ على السلم الأهلي وكذلك التعامل مع الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد.56 لكن بحلول شباط/فبراير، قرّرت الحكومة الجديدة العودة إلى اعتماد مدوّنة القوانين الخاصة بالنظام السابق، مع إجراء تعديلاتٍ طفيفة ليس إلّا.57 وعنى الاعتماد على هذه القوانين القائمة أساسًا أن باستطاعة قوات الأمن والمحاكم من الناحية النظرية العمل داخل إطارٍ قانوني راسخ، ما من شأنه أن يسهّل عملها. لكن المشاكل الهيكلية الكثيرة في النظام القضائي الناجمة عن نقص الموارد البشرية والمادّية على السواء، أدّت إلى انخفاض كبير في جلسات المحاكم والإفراج عن عددٍ كبير مُرتكبي المخالفات البسيطة بسبب غياب الأدلّة الكافية.
في غضون ذلك، يبدو أن المحاكم عملت بصورة شبه حصرية على القضايا الجنائية المحلية، وليس على تطبيق العدالة الانتقالية والمحاكمة على الجرائم المرتكبة في عهد الأسد. وفي الوقت نفسه، عمَدت سلطات المرحلة الانتقالية إلى عزل عددٍ كبيرٍ من القضاة ممّن عملوا في عهد النظام السابق، واستبدالهم ببعض المسؤولين المتخصّصين في الشريعة الإسلامية، إلّا أن الكثير من المناصب ظلّت شاغرة بسبب نقص التمويل وعدم وجود ما يكفي من المرشّحين.58 لقد فاقم هذا الإجراء، بغضّ النظر عمّا إذا كان مؤقتًا أم لا، انعدام ثقة السكان المحليين بالمحاكم. علاوةً على ذلك، فاقم التخريب الذي لحق بمباني المحاكم وانخفاض عدد القضاة العجزَ عن تلبية الحاجات القانونية المهمّة في مختلف أنحاء البلاد. فعلى سبيل المثال، ما من محاكم عاملة في غرب حماة أو شرقها، لذا يُضطر سكان منطقتَي مصياف وسلَمية إلى اللجوء إلى محكمة المحافظة في مدينة حماة للبتّ في أيّ قضية قانونية.59
بادر السكان المحليون إلى سدّ هذا الفراغ، من خلال تأسيس نُظم عدالةٍ بديلةٍ من أجل "تخفيف العبء المُلقى على المحاكم"، على حدّ تعبير كُثُر.60 ويشير البعض بصراحةٍ إلى أن بلورة هذه النُظم كان استجابةً ضروريةً لانهيار مؤسسات الدولة بالكامل مباشرةً بعد 8 كانون الأول/ديسمبر، وبروز التهديد الملّح بنشوب صراعٍ طائفي إثر سعي بعض الأشخاص إلى الانتقام.61 وتختلف هذه النُظم القانونية من حيث شكلها ونطاق عملها، لكنها منتشرة في مجتمعات محلية متنوّعة في سورية، بصرف النظر عن تجارب هذه المجتمعات ومواقفها خلال الحرب. يُشار إلى أن بعضها يرتبط بمرجعيّات دينية محدّدة، في حين أن بعضها الآخر يرتبط بالمجالس المحلية، حتى أنّ عددًا منها يعكس الدور المتنامي الجديد الذي يؤدّيه المجتمع المدني. إذًا، تعبّر كلّ منظومة عن واقع أو ظرف محلي محدّد. ومع أن هذه النُظم، على غرار مجالس الإدارة المحلية، تتّبع مقاربةً لامركزيةً للغاية تجاه قضايا العدالة، فإنها لا تزال تُقرّ بسلطة الحكومة المركزية، من الناحية النظرية على الأقل.
في مدينة التلّ، برزت منظومتان للعدالة البديلة: الأولى كانت قائمة قبل سقوط الأسد، والثانية أُنشئت بعد سقوطه. وكما ورد في القسم السابق، لا يؤدّي مجلس عائلات التلّ دور وسيطٍ مع الحكومة وحسب، بل يعمل أيضًا على حلّ النزاعات المدنية داخل المدينة. ويستند في ذلك إلى تمثيل كلّ العائلات الكبرى المتجذّرة في المدينة لحلّ الخلافات البسيطة.62 ويشكّل هذا المجلس أيضًا منبرًا يمكّن النازحين المقيمين في المدينة من عرض نزاعاتهم والنظر فيها.
وخلال الأسابيع التي أعقبت سقوط الأسد، تم تأسيس مكتبٍ جديد في المدينة يعتمد مقاربةً دينيةً أكثر لحلّ النزاعات المدنية، يديره الشيخ أبو مالك التلّي، وهو قيادي بارز في المعارضة من التلّ والقائد السابق لجبهة النصرة في منطقة عرسال، حيث كان التنظيم منتشرًا بين العامَين 2014 و2017.63 ولم يُعارض وجهاء مدينة التلّ عودته، واعتبروا مكتبه الجديد خيارًا مقبولًا لمن يفضّل مسارًا أكثر اعتمادًا على الشريعة الإسلامية في حلّ النزاعات.64
شهدت مدينة بانياس الساحلية تجربة مماثلة، حيث أنشأ القيادي المحلي المعروف في المعارضة الشيخ أنس عيروط محكمته الخاصة التي يمكن أن يلجأ إليها سكان المدينة.65 يعمل عيروط إلى جانب رجلٍ من جبل الزاوية في إدلب يُعرف باسم الشيخ عبود، الذي وصفه بعض السكان المحليين للمؤلّف بأنه إسلامي مقارنةً مع عيروط الذي يُعتبر "أكثر اعتدالًا".66 من القضايا الحديثة التي تولّاها عيروط في شباط/فبراير خلافٌ نشب بين رجلَين من الطائفة السنّية، الأوّل من أبناء بانياس والثاني من حلب. لجأ الحلبي إلى مكتب جهاز الأمن العام الذي أصدر حكمًا قاسيًا بحقّ ابن بانياس. فذهب هذا الأخير إلى عيروط، الذي أصدر حكمًا أخفّ بحقّه، ثم حاول التدخّل لدى مكتب جهاز الأمن العام لتعديل العقوبة. وبعد رفضٍ أوّلي، عاد المكتب ونسّق مع عيروط لتخفيف العقوبة ضدّ ابن بانياس بعد ضغطٍ شعبي من الأهالي السنّة ضدّ حُكم جهاز الأمن العام.67
في المقابل، اعتمدت مدينة سلَمية مقاربةً مختلفة، إذ تُعتبر نُظم العدالة البديلة متجذّرةً في المجالس المحلية والمجتمع المدني بدلًا من المكاتب الدينية. ففي المدينة نفسها، يؤدّي المجلس الإسماعيلي دورًا أساسيًا في الشؤون القانونية، إلى جانب دوره المذكور آنفًا في حفظ الأمن وتوفير الخدمات. وقد شكّل المجلس الإسماعيلي لجنةً قانونية بعد سقوط الأسد، تُقدّم المشورة والدعم في القضايا القانونية لأيّ شخص يحتاج إليها من السكان المحليين، وتساعد في ملء النماذج الرسمية المطلوبة، التي تتأخّر متابعتها ومعالجتها بسبب أنظمة المحاكم العاملة فوق طاقتها.68 كذلك، تؤدّي مجموعات المجتمع المدني في المدينة دور الوسيط، بحيث تساعد المجتمعات المحلية التي جرى استهدافها أو تعرّضت إلى هجمات منذ 8 كانون الأول/ديسمبر في الحصول على الدعم الملائم من الحكومة الجديدة.69
وفي ريف سلَمية الشرقي، تؤدّي المجالس المحلية الجديدة دورًا أساسيًا في التوسّط في حلّ الخلافات بين المجتمعات المحلية. فعلى سبيل المثال، تمثّلت إحدى أولى مهام المجلس المُشكَّل حديثًا في تجنّب إراقة الدماء حين حاول السكان السنّة المجاورون تحقيق "العدالة" عن الجرائم التي ارتكبها الشبيحة العلويون في الصبورة على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية. وانخرط المجلس في مفاوضات مطوّلة مع المجتمعات المحلية المجاورة، بحيث قدّم في الكثير من الأحيان تعويضات مالية من حسابه الخاص عن سرقات واعتداءات سابقة.70 مع ذلك، تعترف المجالس بأنها غير مؤهلة للتعامل مع قضايا كبرى مثل جرائم القتل، لذا تعتمد في ذلك على تدخّل جهاز الأمن العام ومساعدة الدولة.71
وفي منتصف شباط/فبراير، عقدت المجالس المحلية لقاءً في ريف سلَمية الشرقي لمناقشة تشكيل منتدى جديد يمثّل المنطقة من أجل تخفيف حدّة التوترات وتسهيل التوصّل إلى حلول للخلافات. وقد دُعي إلى هذا الاجتماع وحضره ممثّلٌ عن جهاز الأمن العام، وكانت إحدى أبرز خلاصاته عقدَ اجتماعٍ ثانٍ تكون جميع القبائل البدوية في شرق حماة مُمثَّلةً فيه.72 الجدير بالذكر أن هؤلاء البدو، الذين كان النظام قد طرد الكثير منهم وهم الآن يعودون إلى المنطقة، مسؤولون عن عددٍ كبير من السرقات وعمليات الخطف العشوائية في الريف.73 ويأمل المسؤولون المحليون أن يسهم تشكيل منتدى يضمّ ممثّلين عن كلّ قرية وآخرين من القبائل، في الحدّ من معدّلات الجريمة وتحسين التواصل والتنسيق عند وقوع الجرائم. ويرون أن الدور الذي يضطلع به جهاز الأمن العام دورٌ داعم، يمنح المؤسسة الجديدة الشرعية من دون أن يضطرّ إلى تخصيص موارد كثيرة لإدارة كيان مماثل.74
أدّى المجتمع المحلي الإسماعيلي في القدموس في محافظة طرطوس دورًا مماثلًا خلال الأيام الأولى التي أعقبت سقوط الأسد. وفقًا لأحد أبناء هذا المجتمع، يُعتبر المحفّز الرئيس لتشكيل مجلسٍ محلي هو الرغبة في إنشاء كيان من شأنه التواصل مع العلويين المقيمين في القرى المحيطة بالقدموس وإشراكهم في الحوار بشكلٍ سريع. وهدفت هذه الاجتماعات إلى تخفيف حدّة التوتّرات الأهلية وإقناع القرى العلوية بالتعاون مع الحكومة الجديدة.75 وقد أوضح الناشطون الإسماعيليون الذين تحدّثوا مع المؤلّف أنهم أطلقوا هذه المبادرة قبل إنشاء مكتب مدير المنطقة وفرع الأمن العام في القدموس، لأنهم يدركون أن العلاقات متشنّجة بين المدينة ذات الغالبية الإسماعيلية وريفها الذي تسكنه غالبية علوية، ولا بدّ من التدخّل الفوري لتهدئة التوتّرات.76 ومع وصول السلطة المركزية إلى المدينة ممثَّلةً بهاتَين الهيئتَين، سارعتا إلى تقديم الدعم للمبادرات الإسماعيلية القائمة والعمل من خلالها.77 كذلك، اضطلع المجلس الإسماعيلي في مدينة مصياف المجاورة بدورٍ مماثلٍ مع العلويين في الريف ومسؤولي الأمن الجدد بعد 8 كانون الأول/ديسمبر.78
تتداخل أنظمة الإدارة والأمن والعدالة كافّة مع النجاحات والتحدّيات المتواصلة التي يواجهها السوريون في إرساء السلم الأهلي وبناء المؤسسات. والعنف الذي شهده الساحل السوري في آذار/مارس ليس نتيجةً مباشرةً لهذه المقاربات، أي أن اتّباع نهجٍ أكثر لامركزيةً أو مركزيةً في هذه المؤسسات الثلاث الرئيسة لم يكن ليحول بالضرورة دون ما حدث، بل كان ليخفّف حدّة العنف. فمن شبه المؤكّد أن الحملة الضخمة والمنسّقة التي شنّها المتمرّدون الموالون للأسد كانت ستحدث بغضّ النظر عن الإجراءات التي اتّخذتها دمشق في الأشهر الثلاثة السابقة للأحداث.79
ولكن بعض هذه الإجراءات أثّر بالفعل على درجة انضمام المدنيين العلويين إلى المتمرّدين، والسهولة التي ارتكبت بها الجماعات المسلّحة التابعة للحكومة وتلك المدنية السنّية المجازرَ على مدى أربعة أيام. فبدلًا من إحكام هيئة تحرير الشام السيطرة على المنطقة، أسفر تمكين قادة المعارضة المحلية وفصائلها في حمص، وغياب الرقابة على هذه الأطراف الفاعلة المحلية، عن انتهاكاتٍ فوريةٍ وواسعة النطاق ضدّ العلويين.80 كذلك مكّنت إجراءات مسؤولي الأمن المحليين وتقاعسهم المواطنين السنّة من تصعيد مضايقاتهم وهجماتهم تدريجيًا ضدّ جيرانهم العلويين، مستخدمين في أغلب الأحيان شعورهم المستجدّ بالإفلات من العقاب للاستيلاء على مؤسسات يديرها علويون، أو مضايقة عائلات علوية حتى غادرت منازلها متوجّهةً إلى لبنان.81
وقد أُفيد عن وقوع هذه الانتهاكات المحدودة النطاق ولكن المتواصلة في حمص في أوساط المجتمع العلوي على نطاق واسع، إضافةً إلى ما روّجته يوميًا شبكات الإعلام الموالية للأسد من مزاعم كاذبة بحدوث مجازر.82 نتيجةً لذلك، خشي الكثير من علويي الساحل من أن يتعرّضوا لعنفٍ وشيكٍ من الدولة، ناهيك عن أن رفض الحكومة الجديدة تطبيق نهجها الأمني المحلي على العلويين في الساحل السوري فاقم انعدام الثقة.
على الرغم من ذلك، قال جميع السكان المحليين الذين أجرينا مقابلات معهم في شباط/فبراير لغرض إعداد هذه الدراسة إن الأوضاع في طرطوس واللاذقية آخذةٌ في التحسّن باستمرار. فقد سحبت دمشق فصائلها المسلّحة كلّها تقريبًا، وأنهت حملات مداهمة المنازل عقب المجزرة التي وقعت في غرب حمص في أواخر كانون الثاني/يناير،83 فيما حظيت قوات الأمن العام والشرطة المتبقّية بالاحترام. هذا المنحى لاحظه المؤلّف في معظم مناطق الأقلّيات، ويبدو أنه يعكس درجةً أعلى من الاحترافية عمومًا من جانب وحدات وزارة الداخلية مقارنةً بمختلف الفصائل العسكرية.84 لكن اشتباكات 6 آذار/مارس وما أعقبها من مجازر قوّضا هذا التقدّم كثيرًا، وحطّما ما بُني من ثقةٍ بين الناشطين السنّة والإسماعيليين والعلويين، ورسّخا مشاعر الخوف لدى العلويين من التمييز ضدّهم.
مسار المضيّ قدمًا في سورية
ليست الحوكمة اللامركزية ولا الحوكمة المركزية الإطار الصحيح لمستقبل سورية، بل إن تجربة بناء الدولة السورية منذ 8 كانون الأول/ديسمبر أبرزت فوائد وجود هياكل محلية فعّالة تعمل جنبًا إلى جنب مع مؤسسات مركزية قوية. تواجه سورية اليوم تحدّيات لا حصر لها، تتطلّب جميعها موارد بشرية ومادّية هائلة. ويمكن للذراع الإدارية للدولة الاستفادة من شبكات المجتمع المدني القوية والمجالس المحلية لرفع مستوى عملها بسرعة، وهي بالفعل شرعت في هذا المسار إلى حدٍّ كبير. وعلى قطاع الأمن الآن أن يحذو حذوها، ويجمع بين مسؤولين خاضعين لقيادةٍ مركزية، يدركون أهمية القانون والنظام، ومجنّدين محليين يعكسون الخصائص الديموغرافية لمجتمعاتهم. فالانتقال من الدولة الأمنية في عهد الأسد إلى حكومةٍ مدنيةٍ حقيقيةٍ يتطلّب إيلاء اهتمامٍ أكبر لبناء الثقة بين المدنيين وقوات الأمن، ما يستدعي تجنيد جميع الأقلّيات. ختامًا، ينبغي على دمشق أن تتّخذ موقفًا حازمًا وشفافًا حيال مسألة العدالة، موضحةً كيف تندرج نماذج العدالة البديلة ضمن رؤيتها للنظام القضائي بعد إصلاحه، ومُحدّدةً بوضوح كيف ستبدو العدالة الانتقالية في سورية.
لقد أنشأ السكان المحليون نماذج عدالة بديلة أو وسّعوا نطاقها في ردّ فعلٍ مباشرٍ على الانهيار السريع للدولة السورية، وضعف الحكومة الجديدة. ولا تجد السلطات الجديدة أمامها خيارًا سوى التعامل مع هذه الأنظمة. ففي كل مجتمع محلي زاره المؤلّف بدا المسؤولون المُعيَّنون من الحكومة وقوات الأمن حريصين على التعامل معها. يمكن لهذه الأنظمة أن تعزّز قوة الهيئات المدنية أو الإدارية الشعبية، وثقة السكان المحليين فيها، ولكنها تعكس أيضًا غياب الثقة عمومًا في الحكومة الجديدة. فقد أعرب عددٌ كبير من الناشطين والسكان المحليين الذين أجرينا معهم مقابلات في الأشهر الأخيرة عن رغبتهم في عودة محاكم الدولة والنظام القضائي المدني. هذا وتبدو الآراء حول مركزية الدولة مقابل لامركزيتها غير مرتبطة بالرغبة في وجود نظام قانوني واضح وفعّال يُطبَّق على الجميع.
وفي حين أن جميع نماذج العدالة البديلة تعكس في جوهرها فشل الدولة المركزية، تذهب أنظمة العدالة المرتكزة على الشريعة أبعد من ذلك، إذ تقوّض مصداقية الحكومة. فبينما يُنظَر باستحسان إلى مكاتب العدالة البديلة في مناطق مثل التلّ، حيث السكان أكثر تجانسًا بكثير، يُضعِف مكتب عيروط في بانياس بوضوح قوة جهاز الأمن العام، ويتيح للسنّة من السكان المحليين تحدّي الحكومة الجديدة. فوجود المكاتب التي تطبّق الشريعة الإسلامية يوفّر اليوم منفذًا ممكنًا للسنّة الأكثر تحفّظًا الذين قد يتردّدون في اللجوء إلى المحاكم المدنية، ولكن ذلك ليس سوى حلٍّ مؤقّت لمشكلة التطرّف والتشدّد لدى شرائح من المجتمع السنّي. وقد يؤدّي تجاهل هذه الظاهرة إلى اندلاع عنفٍ طائفي من النوع الذي شهدته بانياس في مطلع آذار/مارس.85
يُضاف إلى ذلك أن الكثير من نماذج العدالة البديلة هذه، القائمة بشكلٍ كبير على التدخّلات المدنية بدلًا من التدخّلات القانونية، عاجزة عن التعامل مع الجرائم الأكثر خطورةً مثل القتل.86 وفي ظلّ تصاعد وتيرة العنف في بعض المناطق السورية، لا بدّ أن تُثبت السلطات الجديدة أنها قادرةٌ على أداء وظائف الدولة الأساسية من خلال الإسراع في إرساء أنظمة عدالةٍ موثوقةٍ قادرة على أن تحاسب كل الأطراف المذنبة محاسبةً فعّالة. فالاعتماد على الأنظمة البديلة لسدّ الثغرات من شأنه أن يعمّق انعدام ثقة السكان المحليين في الحكومة الجديدة.
والواقع أن إعادة بناء الدولة السورية لا تعني الاختيار بين نموذجَين متناقضَين للسلطة، بل تقوم على تعزيز ثقة السوريين في الدولة على جميع المستويات، إلى جانب توفير الخدمات الفعّالة في القطاعات كافّة. وبدلًا من أن يكون نظام الحوكمة لامركزيًا أو مركزيًا، ينبغي أن يكون نظامًا هجينًا يُمكّن السكان المحليين من إدارة مجتمعاتهم بالشراكة مع مؤسسات الدولة المركزية. ومع أن الأمن والعدالة يجب أن يظلّا ضمن الاختصاص الحصري للدولة المركزية، ولا سيما في وقتٍ لا يزال السلاح طاغيًا في البلاد، ولا تزال الكراهية متغلغلة فيها، يمكن لهيكٍل أمني مركزي أن يعكس التركيبة السكانية المحلية، لا بل يجب أن يعكسها. فضلًا عن ذلك، يستطيع المديرون، إذا ما كانوا أكفّاء، أن يضمنوا تطبيق المبادئ الأساسية للحكومة الجديدة على نحو شامل. وفي الوقت نفسه، يمكن للمؤسسات المحلية، إذا مُنِحَت ما يلزم من مساحة وموارد للتطوّر، أن تتولّى إدارة الشؤون الدقيقة للحياة اليومية داخل مجتمعاتها.
مع ذلك، لا تكفي هياكل الحوكمة الهجينة وحدها لإزالة عقودٍ من الانقسام والتطرّف زرعهما النظام السابق. فالخوف مستشرٍ في المجتمعات المحلية السورية كافّة، وينبغي على أيّ سياسةٍ أن تأخذ في الاعتبار سُبل الحدّ من هذا الخوف، ومنعه من التفاقم والتحوّل إلى انقسامٍ أعمق. فعلى سبيل المثال، لم يُحاكَم أيّ مسؤول في النظام على جرائمه، الأمر الذي أثار المخاوف لدى السنّة من أن العدالة لن تتحقّق أبدًا. وقد ساهم هذا الاعتقاد في تأجيج بعض أعمال العنف التي مارسها السنّة ضدّ العلويين.87 في غضون ذلك، دفع غياب الشفافية حيال المساءلة، واستمرار عمليات القتل الانتقامية بحقّ العلويين، الطائفة العلوية إلى حالةٍ من الخوف والارتباك بشأن مستقبل أمنها. ولذا، ما تحتاج إليه سورية، إلى جانب هياكل الحوكمة الهجينة، هو لجان قوية للحقيقة والمصالحة من أجل معالجة التوتّرات بين العلويين وبقيّة السوريين.
تُعَدّ المصالحة جانبًا أساسيًا من العدالة الانتقالية. وقد كانت لغياب عمليةٍ مؤسّسيةٍ من هذا القبيل تأثيراتٌ سلبيةٌ واضحة، إذ أثار غضبَ السوريين المناهضين للأسد بسبب الدمج الواضح لبعض رجال الأعمال والقادة العسكريين البارزين التابعين للنظام، مثل فادي صقر، في لجان جديدة تابعة للحكومة.88 كذلك جعل العلويين العاديين يشعرون وكأن أفراد الأمن ذوي الرتب المتدنية والمدنيين يخضعون لتدقيقٍ أكبر بكثير ممّا يخضع له مجرمو الحرب الخطيرون، الأمر الذي يعمّق أكثر شكوك هؤلاء العلويين بدوافع دمشق.89
من المؤكّد أن الكثير من المنظمات المحلية غير الرسمية تجري جلسات حوار بين الطوائف، وقد ازداد عددها بشكل كبير منذ آذار/مارس. ومع ذلك، تحتاج هذه المنظمات إلى تمويل دولي، فضلًا عن المزيد من المشاركة والدعم من دمشق. وعلى وجه التحديد، لا تزال شبكات الناشطين التي تقودها الأقلّيات تشعر بقلقٍ بالغٍ بشأن مشروعية مساعيها. وتشير هذه الشبكات إلى غياب الشفافية من جانب دمشق، والمعاملة غير المتّسقة من المسؤولين المحليين، الذين يرون أن هذه المنظمات دروعٌ لعملاء النظام السابق، أو لمنافسين سياسيين للحكومة الحالية، أو كليهما.
وكان لانعدام الثقة هذا بين المجتمعات المحلية العلوية عمومًا دورٌ أساسيٌّ في الحؤول دون دمج الأقلّيات في قوات الأمن المحلية. فقد كان من الممكن أن يساهم اتّباع نهجٍ أمني محلي في المنطقة الساحلية، حيث يخدم العلويون تحت إشراف قادة هيئة تحرير الشام في قوات الشرطة المحلية، في بناء الروابط بين المجتمعات المحلية ومسؤولي الأمن، ويساعد بالتالي الرجال العلويين على الاقتناع بالحكومة الجديدة. بدلًا من ذلك، ضمَنَ استبعادُهم شبه الكامل من قطاع الأمن، حتى على المستوى الجزئي المحلي، حفاظَ شبكات فلول الأسد على نفوذها الكبير. ومن المنصف القول إن المسؤولين الحكوميين الكبار أقرّوا مرارًا وتكرارًا بهذه المشكلة سرًّا، ولكنهم شدّدوا على التحدّيات التي يواجهونها في التحقّق من مؤهّلات المجنّدين المحتملين والتدقيق في خلفيّاتهم.90
تُظهِر تجربة بلدة القدموس أن مجرّد دمج العلويين في الأجهزة الأمنية المحلية لم يكن كافيًا للحؤول دون اندلاع أعمال العنف على نطاق واسع في تلك المناطق.91 فقد ركّز مسؤولو الأمن في القدموس على تجنيد جنود النظام السابق، في محاولةٍ لجعل هؤلاء الرجال "يقتنعون" بالحكومة الجديدة، ما أدّى في المقابل إلى تهميش المدنيين العلويين من الجهاز الأمني الجديد.92 وفي الشيخ بدر، أدّى تشكيل المجلس المحلي من مسؤولي النظام السابق إلى تعطيله وفقدانه ثقة السكان المحليين به بشدّة منذ البداية، الأمر الذي حدّ بشكل كبير من أيّ استخدام محتمل له. ولا ينبغي النظر إلى فشل هذه البرامج على أنه فشلٌ في دمج الأقلّيات، بل مؤشّر إضافي على ضرورة أن تعمل دمشق مع المجتمع المدني العلوي، لا مع شبكات النظام السابق.
لقد كان النهج الأمني الذي اتّبعته دمشق في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير ساذجًا، إذ قلّلت الحكومة من أهمية حجم الأزمة في المناطق العلوية، ناهيك عن أن قوات الأمن لم تستطع السيطرة على المسلحين السنّة. آنذاك، حاولت الحكومة دمج جميع فصائل المعارضة السابقة في هياكل الدولة، ولكن على الورق فقط. فكانت النتيجة غيابٌ للقيادة والسيطرة الفعليَّين على الجماعات السنّية المسلّحة، ما ساهَمَ إلى حدٍّ كبير في أعمال العنف التي اندلعت في آذار/مارس، حتى وإن كان بعض عمليات القتل قد وقع أيضًا على يد قوات حكومية خاضعة لقيادة مركزية. وتفاقمت المشكلة بسبب الاضطرار إلى الاعتماد على هذه الفصائل نفسها لتولّي نقاط التفتيش الجديدة في المنطقة الساحلية؛ فتُرِك مسؤولو جهاز الأمن العام ليحاولوا منع انتهاكات الفصائل العسكرية، التي وضعها انتماؤها المفترض لوزارة الدفاع خارج نطاق سلطتهم وسلطة المديرين الإقليميين.93
تدرك دمشق أوجه القصور هذه، ومع ذلك استمرّت في الشكوى من صعوبة إيجاد محاورين علويين "موثوقين"، والتحقّق من مؤهّلاتهم، خصوصًا في قطاع الأمن.94 ولكن في منتصف أيار/مايو، أفاد سكان الساحل السوري بأن المسؤولين بدأوا يتواصلون مع ضبّاط إسماعيليين وعلويين من النظام السوري كانوا أُقيلوا في 8 كانون الأول/ديسمبر. إذا ما اكتسب هذا التطوّر زخمًا، فسيكون خطوة أولى حاسمة نحو معالجة الكثير من المخاوف التي تساور السكان المحليين في هذه المناطق، حيث المخاطر الأمنية الناجمة عن الجنود السابقين العاطلين عن العمل والمحرومين من حقوقهم لا تزال جسيمة. لكن التركيز يجب أن يظلّ على تجنيد المدنيين وتعزيز قدراتهم. فعلى الرغم من المخاطر، يبقى دمج جميع الأقلّيات في قوات الأمن المحلية ضرورةً أساسية لدخول سورية في مرحلتها الانتقالية التالية.
في نهاية المطاف، على الرغم من التحدّيات الأمنية المتواصلة في أجزاء من البلاد، نجح نظام الحوكمة الهجينة في سورية في منع انهيار الدولة، وتقوية الجهات الفاعلة المحلية في الكثير من المناطق. إضافةً إلى ذلك، انسجم توسيع دمشق التدريجي لمؤسسات الدولة من المركز نحو الأطراف بشكل جيّد حتى الآن مع الأنظمة الإدارية المحلية. هذا وأبدى المسؤولون الإقليميون المُعيَّنون من الحكومة مرونةً في دعم المطالب الأمنية والقضائية المحلية. وقد ازدادت هذه المرونة عقب أعمال العنف التي شهدها الساحل في آذار/مارس، حيث بدأ القادة في دمشق يدركون حدود هياكلهم المركزية، وأهمية العمل من خلال أنظمةٍ أكثر لامركزية.
ومع ذلك، لا بدّ من بذل المزيد من الجهد. فعلى دمشق الآن أن تصبّ جهودها على إضفاء الطابع المؤسّسي على السياسات الاستباقية للمسؤولين الإقليميين الذين أجروا تحسيناتٍ حقيقيةً على المستوى المحلي. ومن الضروري أيضًا إجراء تغييرات أمنية أوسع نطاقًا، بما فيها مساءلة قوات الأمن، وإخراج الفصائل الأجنبية من مناطق الأقلّيات. أخيرًا، لا بدّ من إعادة تأهيل نظام العدالة بسرعة، ووضع آلية لكشف الحقائق وتحقيق المصالحة. ويجب إجراء هذه الإصلاحات الداخلية معًا، وعاجلًا لا آجلًا. عندئذ فقط يمكن لسورية أن تبدأ في الخروج من حالة انعدام الاستقرار، والمضيّ نحو مرحلةٍ جديدة أكثر إشراقًا.
خاتمة
لا تزال تساؤلاتٌ كبرى تُطرَح حول مستقبل الحوكمة في سورية الجديدة. واثنان من أكثر هذه التساؤلات إلحاحًا يتعلّقان بمحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، والشمال الشرقي بقيادة الأكراد. ففي حين تعثّرت المحادثات بين دمشق والدروز إلى حدٍّ كبير، تسارعت وتيرة المحادثات بين دمشق والأكراد في آذار/مارس، ما أفضى إلى مجموعةٍ من الاتفاقات للتفاوض على كيفية دمج نظامَيهما خلال الأشهر السبعة المقبلة. ويبدو أن هذه الصفقة تدفع دمشق الآن إلى اتّباع نهجٍ أكثر لامركزية ممّا كانت مستعدّةً لقبوله قبل مجازر آذار/مارس، وفقًا لوسطاء عدّة شاركوا في النقاشات الأخيرة.95
لا شكّ في أن أعمال العنف التي اندلعت في آذار/مارس فرضت ضغوطًا شديدةً على دمشق لتكثيف إصلاحاتها، ولا سيما في ما يتعلّق بدمج غير السنّة في هياكل الحوكمة والأمن المحلية. ربما اعتبر المسؤولون الحكوميون هذه الهياكل مؤقّتة في البداية ريثما تتشكّل دولة أكثر مركزية خلال العام التالي، إلا أن هذا التطوّر لم يحدث. على المستوى الوطني، من شأن هذا الواقع أن يغيّر مسار مشروع بناء الدولة لصالح اعتماد مزيدٍ من اللامركزية. وهكذا، قد يشكّل هيكل الدولة الهجين الذي انبثق في أجزاء عدّة من البلاد عقب سقوط الأسد أساسًا لسورية الجديدة، على الأقل لفترةٍ من الزمن.
هوامش
1نقل عددٌ من المسؤولين السوريين والأجانب هذا التقييم بصورة منتظمة إلى المؤلّف بين كانون الأول/ديسمبر 2024 وآذار/مارس 2025.
2Carlotta Gall, “Syrians Wake Up to a New Government,” New York Times, March 30, 2025, https://www.nytimes.com/2025/03/30/world/middleeast/syria-new-transitional-government.html.
3مقابلات مع مسؤولين وناشطين في كلٍّ من دمشق وحماة وطرطوس، من كانون الأول/ديسمبر 2024 وحتى شباط/فبراير 2025.
4انظر على سبيل المثال حالة الطائفة الإسماعيلية في مدينتَي سلَمية وطرطوس:
Gregory Waters, “Inside Hayat Tahrir al-Sham’s Diplomatic Offensive with Syria’s Christians and Ismailis,” Atlantic Council, March 19 2025, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/hts-diplomatic-offensive-with-minorities/;
وأيضًا:
Gregory Waters, “The Ismaili Mediators of Qadmus,” Syria Revisited, March 18, 2025, https://www.syriarevisited.com/p/the-ismaili-mediators-of-qadmus.
5منظمة العفو الدولية، "سوريا: يجب التحقيق في المجازر المرتكبة في الساحل السوري بحقّ المدنيين العلويين باعتبارها جرائم حرب"، 3 نيسان/أبريل 2025،
6مقابلات مع مسؤولي المناطق في حماة وطرطوس ونخب محلية في اللاذقية، شباط/فبراير وأيار/مايو 2025.
7مقابلة مع مدير منطقة، شمال غرب حماة، أيار/مايو 2025.
8مقابلات مع مديري المناطق في ريف دمشق وحماة وريف طرطوس، شباط/فبراير 2025.
9مقابلة مع رئيس سابق للمجلس المحلي في رنكوس، التلّ، كانون الثاني/يناير 2025. للاطّلاع على القصة الكاملة وراء إنشاء المجلس الجديد، انظر:
Gregory Waters, “Return of the Local Council: Rankous Interview,” Syria Revisited, January 30, 2025, https://www.syriarevisited.com/p/return-of-the-local-council-rankous.
10مقابلة مع رئيس سابق للمجلس المحلي في رنكوس، التلّ، كانون الثاني/يناير 2025.
11المصدر السابق.
12المصدر السابق.
13مقابلة مع ناشط محلي وعضو سابق في مجلس عائلات التلّ، التلّ، كانون الأول/ديسمبر 2024.
14مقابلة مع عضو سابق في مجلس عائلات التلّ، ومدير منطقة التلّ، كانون الثاني/يناير 2025.
15مقابلة مع رئيسة المجلس الإسماعيلي في سلَمية، ومسؤولين أمنيين وسياسيين محليين، وممثّلين عن المجتمع المدني في سلَمية، كانون الأول/ديسمبر 2024 وشباط/فبراير 2025.
16للاطّلاع على المزيد من التفاصيل حول تطوّر المجلس وعلاقته مع الحكومة الجديدة، انظر المصدر المذكور آنفًا:
Gregory Waters, “Inside Hayat Tahrir al-Sham’s Diplomatic Offensive with Syria’s Christians and Ismailis.”
17مقابلة مع رئيسة المجلس الإسماعيلي الوطني، سلَمية، شباط/فبراير 2025.
18مقابلة أجريت عن بُعد مع عضو في مجلس مدينة القدموس، آذار/مارس 2025.
19Gregory Waters, “The Security Situation in Qadmus—Interview,” Syria Revisited, March 15, 2025, https://www.syriarevisited.com/p/the-security-situation-in-qadmus.
20Gregory Waters, “Interview: The New Sabburah Local Council,” Syria Revisited, February 21, 2025, https://www.syriarevisited.com/p/interview-the-new-sabburah-local.
21مقابلة مع توفيق عمران وكريم عكاري، الصبورة، شباط/فبراير 2025.
22المصدر السابق.
23مقابلة مع عضو في مجلس مدينة الشيخ بدر، شباط/فبراير 2025.
24المصدر السابق.
25مقابلة مع ناشط محلي وأحد الوسطاء في مدينة الشيخ بدر، أيار/مايو 2025.
26في إدلب، عيّنت هيئة تحرير الشام هؤلاء الرجال مباشرةً وكانوا مستقلّين عن حكومة الإنقاذ. مقابلات مع مديري مناطق عدّة في إدلب، أيلول/سبتمبر 2022، وفي طرطوس وحماة، شباط/فبراير 2025.
27مقابلات مع ناشطين ومسؤولين محليين، دمشق وحماة وطرطوس، كانون الثاني/يناير وشباط/يناير 2025.
28المصدر السابق.
29مقابلة مع أفراد من المجتمع المدني في طرطوس واللاذقية، آذار/مارس 2025.
30أفاد كلّ مدير قابلته أنهم كانوا يجرون عمليات "تقييم للاحتياجات"، محافظات دمشق وحماة وطرطوس، شباط/فبراير 2025.
31مقابلات مع عدد من المديرين والناشطين المحليين في ثماني مناطق من محافظات دمشق وحماة وطرطوس واللاذقية، كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2025.
32مقابلات مع مسؤولين أمنيين ومديري مناطق وناشطين محليين في مختلف أنحاء طرطوس واللاذقية وحماة، أيار/مايو 2025.
33كتب أحد المشاركين المدنيين في هذه الجلسة التشاورية على صفحته على فايسبوك عن بعض القرارات التي تم التوصل إليها في ذلك الاجتماع. عارف الشعال، منشور على فايسبوك، 22 أيار/مايو 2025، 8:14 مساءً،
34المصدر السابق.
35مقابلات مع مسؤولين محليين من أرجاء محافظة طرطوس، شباط/فبراير 2025.
36المصدر السابق.
37مقابلة مع مدير مجلس مدينة طرطوس، طرطوس، شباط/فبراير 2025.
38قدّم المعلومات المتعلقة بخلفية مدير مجلس المدينة قائدٌ سابق في الجيش السوري الحر من كفرنبل، وصف المسؤولَ أيضًا بأنه لم ينتمِ يومًا إلى هيئة تحرير الشام أو أي فصيل مسلّح آخر، وأنه رجل أعمال مدني محبوب.
39مقابلات مع عدد من المديرين والناشطين المحليين في ثماني مناطق من محافظات دمشق وحماة وطرطوس واللاذقية، كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2025.
40استنادًا إلى تقارير على صفحات فايسبوك محلية، ومقابلات مع ناشطين إسماعيليين وعلويين في تلك المناطق، آذار/مارس 2025.
41مقابلة مع رئيس سابق للمجلس المحلي في رنكوس، ريف دمشق، كانون الثاني/يناير 2025.
42Gregory Waters, “Security in Alawite Regions in Post-Assad Syria,” Middle East Institute, 21 January 2025, https://www.mei.edu/publications/security-alawite-regions-post-assad-syria.
43مقابلات مع مسؤولين محليين في ريف دمشق وحماة، شباط/فبراير 2025؛ وملاحظات من صفحات فايسبوك محلية تنقل عمليات نشر قوات الأمن في مختلف أنحاء البلاد.
44مقابلة مع مسؤولين أمنيين، دمشق وحماة، شباط/فبراير 2025.
45استنادًا إلى مقابلات مع مسؤولين أمنيين محليين في سلَمية، وبيانات على صفحات فايسبوك محلية في حمص.
46صفحات فايسبوك محلية من هذه المناطق تتحدث بانتظام بصورة إيجابية عن كون المسؤولين "أبناء المدينة".
47ملاحظات استنادًا إلى التقارير العامة المتعلقة بالتعيينات وعمليات الدمج في الفرق العسكرية الجديدة بين شباط/فبراير ونيسان/أبريل 2025.
48ملاحظات المؤلّف ومقابلات مع مسؤولين في التلّ، كانون الثاني/يناير 2025.
49مقابلة مع سكان محليين في دمشق، شباط/فبراير 2025.
50ملاحظات المؤلّف ومقابلات مع مسؤولين إسماعيليين في سلَمية والقدموس، شباط/فبراير وآذار/مارس 2025.
51أخبر رجل سنّي في اللاذقية المؤلّف في شباط/فبراير 2025 أن خمسةً من أصدقائه العلويين انضمّوا مؤخرًا إلى قوات الشرطة الجديدة ويتدربّون راهنًا في أكاديمية شرطة طرطوس.
52مقابلات أُجريت عن بعد مع ناشط إسماعيلي وعضو في مجلس القدموس، آذار/مارس 2025.
53مقابلات مع مسؤولين سوريين ووسطاء أجانب، شباط/فبراير 2025.
54مقابلات مع سكان محليين وأفراد من المجتمع المدني من الطائفة العلوية، طرطوس واللاذقية، كانون الأول/ديسمبر 2024 وشباط/فبراير 2025.
55على سبيل المثال، استشهد ضابط شرطة بانفتاح طرطوس على استهلاك المشروبات الكحولية وعدم إلزامية ارتداء الحجاب، قائلًا إن الشرطة لن تتدخّل في هاتَين المسألتَين. مقابلة مع قائد شرطة طرطوس، طرطوس، كانون الأول/ديسمبر 2024.
56مقابلة مع مسؤول بارز في وزارة الخارجية، دمشق، كانون الثاني/يناير 2025.
57مقابلتان مع مسؤولَين حكوميَين، دمشق، كانون الثاني/يناير 2025.
58مقابلة مع مصدر مُطّلع على عملية إصلاح النظام القضائي، شباط/فبراير 2025.
59مقابلات مع المجلس الإسماعيلي في مصياف وسلَمية، شباط/فبراير وأيار/مايو 2025.
60مقابلات مع قادة محليين في دمشق وسلَمية وطرطوس، كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2025.
61مقابلات مع ناشطين من المجتمع المدني وأعضاء في المجلس البلدي في كلٍّ من سلَمية وطرطوس، شباط/فبراير 2025.
62مقابلات مع عضو سابق في مجلس عائلات التلّ وسكان محليين آخرين، التلّ، كانون الثاني/يناير 2025.
63المصدر السابق.
64المصدر السابق.
65تولّى عيروط لفترة وجيزة منصب محافظ طرطوس عقب سقوط الأسد، لكنه استُبدل بعد شهر واحد، فعاد إلى بانياس وافتتح مكتبه الجديد. مقابلة مع ناشط مدني في بانياس، شباط/فبراير 2025.
66المصدر السابق.
67روى هذه الحادثة ناشط مدني محلي في مقابلة معه، بانياس، شباط/فبراير 2025.
68مقابلة مع مسؤولين في المجلس الإسماعيلي وعضو في اللجنة القانونية، سلمية، شباط/فبراير 2025.
69على سبيل المثال، هاجم مسلّحون مجهولون بلدة عنز العلوية في 27 كانون الثاني/يناير، وقتلوا خمسة رجال كانوا سألوا عنهم بالاسم، في ما بدا أنه فعل انتقامي. وتجمعُ وجيهَ بلدة عنز معرفةٌ شخصية برئيس هيئة العمل المدني الديمقراطي في مدينة سلَمية، ويُدعى السيد حسين، فاتصل به في تلك الليلة طالبًا المساعدة. عندئذٍ، تواصل السيد حسين مع قائد موثوق في جهاز الأمن العام من منطقة أخرى في سلَمية، يُعرف باسم أبو إسلام، الذي تواصل بسرعة مع مجموعة فيلق الشام، المسؤولة عن منطقة عنز، ودخل البلدة مع بعض عناصرها. استمع أبو إسلام إلى الإفادات وفتح تحقيقًا في الحادثة، فيما ضغطت هيئة العمل المدني الديمقراطي على فيلق الشام لتعزيز الأمن في المنطقة وتجنّب وقوع هجوم آخر. وبعد ظهر اليوم التالي، أُقيمت نقاط تفتيش جديدة وسارت الدوريات في مختلف أنحاء المنطقة. مقابلة مع مسؤولين في المجلس الإسماعيلي وعضو في اللجنة القانونية، سلَمية، شباط/فبراير 2025.
70مقابلة مع رؤساء مجلس الصبورة، الصبورة، شباط/فبراير 2025.
71المصدر السابق.
72وفقًا لوجهاء الصبورة ومسؤولين الأمن في سلَمية، سلَمية، شباط/فبراير 2025.
73المصدر السابق.
74المصدر السابق.
75مقابلة عبر الإنترنت مع ناشط إسماعيلي وعضو في مجلس مدينة القدموس كان شارك في اجتماع كانون الأول/ديسمبر.
76المصدر السابق.
77المصدر السابق.
78مقابلات مع أعضاء في المجلس الإسماعيلي في مصياف ولجنة السلم الأهلي في منطقة القدموس، أيار/مايو 2025.
79التقى المؤلّف مع قادة علويين مؤيّدين للتمرّد في شباط/فبراير أوضحوا أنهم كانوا يعتزمون تنفيذ أعمال عنف إن لم يتم تسليمهم السيطرة الكاملة على الساحل. وعلى نحو مماثل، تناهى إلى مسامع باحثين آخرين أخبار عن خطط لأعمال عنف منسّقة في أوائل آذار/مارس، وذلك قبل حدوثها. مقابلات مع باحثين ميدانيين، آذار/مارس 2025.
80مقابلات مع سكان محليين في مدينتَي تلكلخ وحمص، كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2025.
81 المصدر السابق.
82وصف أحد الناشطين العلويين ذلك للمؤلّف في شباط/فبراير كما يلي: "تحصل الكثير من الانتهاكات الفعلية، لكن هذه الصفحات على فايسبوك تنشر عشرات الادّعاءات يوميًا، معظمها يعود إلى أحداث قديمة أو لا علاقة لها بالظرف الراهن. هم لا يحاولون توثيق الجرائم، بل يسعون إلى تأجيج مشاعر الخوف والارتباك في أوساط الطائفة العلوية". واتّفق معه في هذا التقييم ناشط علوي ثانٍ يوثّق انتهاكات حقوق الإنسان في الساحل منذ سنوات.
83نُشرت تقارير على الإنترنت بشكل واسع عن انسحاب القوات وانتهاء حملات المداهمة آنذاك، وأكّدت ذلك ملاحظات ومقابلات المؤلّف مع سكان محليين في شباط/فبراير. انظر أيضًا:
Syrian Network for Human Rights, “SNHR Urges the Transitional Government to Bolster Measures for Protecting Civilians During Security Operations in Light of the Complex Challenges Confronted by Syria,” January 31, 2025, https://snhr.org/blog/2025/01/31/snhr-urges-the-transitional-government-to-bolster-measures-for-protecting-civilians-during-security-operations-in-light-of-the-complex-challenges-confronted-by-syria/.
84على الرغم من أن بعض عناصر الأمن العام شاركوا في تنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القانون خلال اشتباكات الساحل في آذار/مارس، وصف العلويون والإسماعيليون باستمرار سلوك قوات الأمن العام بأنه أفضل بكثير من سلوك الفصائل في حماة واللاذقية وطرطوس. منشورات على فايسبوك ومقابلات أجراها المؤلّف مع سكان محليين.
85Gregory Waters, “Baniyas Massacre Through the Eyes of Survivors,” Syria Revisited, June 1 2025, https://www.syriarevisited.com/p/baniyas-massacre-through-the-eyes.
86كما ورد في مقابلات مع الكثير من الناشطين في دمشق وحماة والساحل، شباط/فبراير 2025.
87يقدّم تحقيق صادر عن منظمة العفو الدولية حول اشتباكات آذار/مارس بعض الأمثلة على كيفية قيام مرتكبي أعمال العنف السنّة بتصوير عمليات القتل على أنها ردٌّ انتقامي لمقتل أفراد من عائلاتهم في وقت سابق من فصول الحرب. انظر المصدر المذكور آنفًا: منظمة العفو الدولية، "سوريا: يجب التحقيق في المجازر المرتكبة في الساحل السوري بحقّ المدنيين العلويين باعتبارها جرائم حرب".
88مقابلات مع ناشطين ومدنيين سنّة في مختلف أنحاء سورية والشتات، شباط/فبراير وآذار/مارس 2025.
89 مقابلات مع علويين في مختلف أنحاء الساحل، شباط/فبراير 2025.
90مقابلات مع مسؤولين سوريين بارزين، أيار/مايو 2025، ومقابلات مع مسؤولين غربيين بارزين، نيسان/أبريل 2025.
91انظر المصدر المذكور سابقًا:
Gregory Waters, “The Ismaili Mediators of Qadmus,” Syria Revisited.
92 مقابلة مع مسؤول أمني في القدموس، أيار/مايو 2025.
93شرح مسؤولون وناشطون محليون المشكلة بإسهاب للمؤلّف في آذار/مارس 2025.
94مقابلات مع مسؤولين سوريين بارزين، وآخرين غربيين، آذار/مارس وأيار/مايو 2025.
95مقابلة أُجريت عن بُعد مع وسطاء، نيسان/أبريل 2025.