المصدر: Getty
مقال

وماذا بعد؟

انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، لكن لايبدو أنّ لديه خطة بديلة.

نشرت في ١١ مايو ٢٠١٨

انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، وباشرت إدارته إعادة فرض العقوبات، التي ينصّ أقساها على منع الجهات الدولية التي تشتري النفط الإيراني الخام من التعامل مع النظام المالي الأميركي.

مع ذلك، ستمنح الإدارة الأميركية حلفاءها وشركاءها فترة سماح مدّتها 180 يوماً. لذا، يجوز القول إن انهيار الاتفاق لن يحدث في القريب العاجل، مع أنه يبدو اليوم مرجّحاً. وستسعى أوروبا خلال هذه المهلة إلى إيجاد صيغة ما للحفاظ على هذا الاتفاق، فيما ستحاول إيران دقّ إسفين الانقسام داخل التحالف عبر الأطلسي. إسرائيل والسعودية ستستسيغان من جهتهما احتمال وقوع مواجهة بين إدارة ترامب وإيران. أما الدول العالقة في الوسط مثل العراق ولبنان واليمن، فستشهد فترة عصيبة.

في غضون ذلك، وريثما ينقشع الغبار عن هذا الملف، سيوجّه ترامب ناظريه إلى كوريا الشمالية. ويعتقد البيت الأبيض أن الرئيس سيتّخذ موقفاً صارماً في هذا الشأن. فهو يعتزم التفاوض مع بيونغ يانغ من موقع قوة، لكن قد يصحّ العكس؛ ذلك أن انسحاب ترامب سيلقى معارضة من جانب الصين، وستثير لامبالاته بحلفاء أميركا الأوروبيين قلق كلٍّ من كوريا الجنوبية واليابان. وقد أخبرتني خبيرة في الشؤون الكورية خلال زيارتي إلى سيول الأسبوع الماضي أن دونالد ترامب يقلقها أكثر من كيم جونغ أون.

سيطلب كيم من ترامب ضمانات ملموسة أكثر من تلك التي قدّمها الرئيس السابق باراك أوباما إلى طهران. في غضون ذلك، يشير منتقدو الاتفاق النووي الإيراني إلى أن هذا الأخير ليس معاهدة ولم يحظَ بموافقة الكونغرس. هذا صحيح، لكن ترامب سيكتشف على الأرجح أن حظوظه في الكونغرس ليست أفضل بكثير من حظوظ سلفه.

يلزم الاتفاق النووي إيران بتخفيض مخزونها من اليورانيوم بنسبة 98 في المئة، وبتخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي لديها بمقدار الثلثين. لن تكون الأمور على هذا المنوال مع نظام كوريا الشمالية. فمع أن تفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية أمرٌ مرغوبٌ فيه للغاية، واهمٌ من يظنّ أن كيم سيتخلّى بملء إرادته عن أسلحته النووية التي يتراوح عددها من عشرة إلى عشرين.

إذن، من المرجّح للغاية أن تُمنى هذه العملية بالفشل، ما سيمهّد الطريق أمام وقوع مواجهة خطيرة في شبه الجزيرة الكورية، بحيث يظهر الملف الإيراني، بالمقارنة معها، في غاية البساطة.

وماذا عن الاتفاق النووي بحدّ ذاته؟ العقوبات هي مجرّد أداة، وليست الترياق الشافي لكل العلل. في الماضي، ساعدت العقوبات الأميركية، بالشراكة مع أوروبا وتحت الغطاء السياسي لعددٍ من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على إبرام اتفاق مع إيران. صحيحٌ أن المؤرّخين قد يختلفون حول جدواه، لكنهم سيجمعون على أمرٍ واحد هو أن وتيرة التقدّم النووي الإيراني تباطأت أحياناً خلال الأعوام التسعة من المفاوضات، بيد أنها لم تنقطع قطّ.

ليست إيران بحدّ ذاتها المُستهدَفة الرئيسة من العقوبات الثانوية الأميركية، بل المؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل معها. وستفرض إدارة ترامب على الدول الاختيار بين النظام المالي الأميركي أو الإيراني، وسيذعن العديد من الدول، وربما معظمها، لشروط ترامب على مضض.

لكن هذه العملية ستكون طويلة وفوضوية. فهذه المرة، لا تتمتّع إدارة ترامب بموقف موحّد عبر الأطلسي ولا بشرعية دولية. وسيجول كبار مسؤولي الإدارة الأميركية حول العالم لتحذير القادة من مخاطر البرنامج النووي الإيراني، مع أن العديد منهم يعتقدون أن انسحاب ترامب يشكّل انتهاكاً جوهرياً لاتفاقٍ كان يؤتي أُكله.

قد يشكّك بعض هؤلاء القادة، بمن فيهم أصدقاء لأميركا، في شرعية العقوبات الثانوية، إذ يرون أنها تشكّل خرقاً لالتزامات منظمة التجارة العالمية والقرار الصادر في تموز/يوليو 2015 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي تبنّى فيه الاتفاق الإيراني. ليست الضربة التي تلقتها العلاقات عبر الأطلسي عصية على الإصلاح، لكنها كبيرة. فقد بذل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جهوداً سياسية كبيرة لبناء علاقة مع دونالد ترامب، لكنه لم يحصد نتيجةً تُذكر. من الصعب تخيّل أن يسير أي قائد أوروبي مهم آخر على خطاه.

من ناحية أخرى، يُعتبر ترامب مؤدّياً يركّز في تصريحاته على الجوانب المسرحية بدلاً من مضمون سياساته. وغالباً ما يظهر كلامه الطنّان بعد حين أقل وقعاً وتهديداً ممّا كان أثناء التفوّه به. فعلى سبيل المثال، وفي مرحلة مبكرة من ولايته، انسحب غاضباً من اتفاقية باريس للمناخ واتفافية الشراكة عبر المحيط الهادئ، ولم يحذُ حذوه أيٌّ من الأطراف الـ193 الأخرى الموقّعة على اتفاقية باريس. وفي خضم التصريحات التجارية المتبادلة بين واشنطن وبيجينغ، يفكّر ترامب بالانضمام مجدّداً إلى اتفافية الشراكة عبر المحيط الهادئ.

يتمتع ترامب بصلاحيات كبيرة في مسألة إعادة فرض العقوبات. لذا، قد يصبح مسار الاتفاق الإيراني مليئاً بالعقبات. ومهما كان رأي المرء في النهج الذي اعتمدته إدارة أوباما، فالنتيجة النهائية كانت واضحة. فقد رُفعت الضغوط الاقتصادية المُمارسة على طهران شيئاً فشيئاً، وأُفسح المجال أمام المقايضة بين رفع العقوبات الأميركية وخفض عدد أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.

أما في المقابل، فلا يقدّم إعلان ترامب الانسحابَ من الاتفاق أي خطة بديلة، على الرغم من أنه كان متوقّعاً. كذلك، لم يحدّد الرئيس هدفاً واضحاً يصبو إلى تحقيقه.

هل يسعى ترامب إلى إبرام اتفاق جديد مع إيران؟ أم إلى توجيه ضربة قاضية تطيح بالبرنامج النووي الإيراني؟ أم إلى تغيير النظام في إيران؟ يمكن للمرء أن يستوحي من تصريحاته أياً من هذه الاستنتاجات، أو حتى جميعها، بيد أن العقوبات وحدها لن تحققّ أياً منها.

يُرجّح أن تتضّح الخطوات التالية على مدى الأشهر المُقبلة، بانتظار أن تتكشّف خيوط الحبكة. فاندلاع الحرب أو نشوب أزمة نووية ليس حتمياً إطلاقاً. لكن بعد إعلان ترامب يوم الثلاثاء، لم يعُد أي من هذين السيناريوَيْن مستبعداً.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.