أطلق الرئيس دونالد ترامب مؤشراً جديداً على دعم السعودية في 16 نيسان/أبريل. فقد استخدم حق النقض (الفيتو) ضد قرار مشترك صدر عن الكونغرس دعاه فيه إلى "سحب القوات الأميركية من الأعمال العدائية الدائرة في اليمن أو التي تؤثّر على البلاد" في غضون 30 يوماً، إلا إذا وافق الكونغرس على أي انسحاب متأخر للقوات، أو إعلان الحرب، أو السماح بنشر القوات الأميركية. غير أن دعم ترامب للسعودية قد لايبقى بالقوة التي هو عليها اليوم إلى ما لا نهاية. وبالفعل، ثمة اختلافات جذرية بين الطرفين على صعيد خمسة مجالات مهمة لكلٍ من البيت الأبيض والقيادة السعودية.
تتعلق أول هذه الاختلافات بالنفط. فلا تتفق سياسة السعودية القائمة على خفض إمدادات النفط لرفع أسعاره مع أولوية ترامب لإبقاء الأسعار منخفضة. كانت السعودية قررت انتهاج هذه السياسة بسبب قرار الولايات المتحدة العام الفائت إعفاء عدداً من مشتري النفط الإيراني من الاتزام بالعقوبات التي فرضتها على شراءه وأيضاً حاجة السعودية لتغطية معدلات الإنفاق المرتفعة بشكل استثنائي في الموازنة الحالية. وبما أن قرار إدارة ترامب في 22 نيسان/أبريل بوقف كافة الإعفاءات قد حظي بتأييد المملكة، فمن المحتمل أن تجري هذه الأخيرة تغييراً ما في سياستها الخاصة بخفض إمدادات النفط.
لكن لوضع حدّ لأي توترات بين البلدين حيال أسعار النفط، قد تضطر السعودية إلى "القيام بأكثر من مجرد التعويض" عن تراجع إمدادات النفط الإيرانية من أجل الحؤول دون ارتفاع الأسعار. وسيتوقّف ذلك على علاقات السعودية بإدارة ترامب، وعلى ما تحتاج إليه المملكة لتوفير نفقات موازنتها، فضلاً عن الاتفاقية السارية حالياً بقيادة السعودية والتي جعلت منظمة أوبك والدول الرئيسية الأخرى المصدرة للنفط، ولاسيما روسيا، تخفض إمداداتها وتخاطر بحصتها السوقية. وبما أن الولايات المتحدة أصبحت من الدول المصدّرة للنفط، فقد يُضعف ذلك قريباً نفوذ السعودية في التأثير على أسعار النفط.
كذلك، جاء إرجاء طرح أسهم شركة النفط السعودية أرامكو للاكتتاب العام دولياً بمثابة مفاجأة سيئة للمؤسسات المالية والنفطية الأميركية، والتي كانت تنتظر أن تتحول الشركة إلى قدر أكبر من الشفافية. وكانت هذه المؤسسات قد خططت لاستثمارات بقيمة مليارات الدولارات في أرامكو وفي الاقتصاد السعودي. وكذلك فاقمت تدابير أخرى التوترات القائمة. فقد شاطر الكونغرس ترامب استياءه من أوبك، من خلال إعادة طرح مشروع قانون منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط (NOPEC) والذي يجعل من أي خطوات سعودية، فردية أو جماعية، تهدف إلى التحكّم بإنتاج النفط أو أسعاره أو تجارته "غير قانونية"، ما يسمح بملاحقة السعودية قضائياً في المحاكم الأميركية. وقد أدّت عواقبه المحتملة إلى صدور تقارير صحافية تفيد أن المملكة قد ترد بالامتناع عن استعمال الدولار في التعاملات النفطية، إلا أن وزير الطاقة السعودي أصدر بياناً نفى فيه ذلك.
ثمة مجال ثانٍ يرتبط بهذه التوترات حول النفط، في إطار الاختلافات بين الطرفين. إذ عزّزت السعودية أكثر فأكثر اعتمادها النفطي المتبادل مع الصين، التي تُعتبر المنافس التجاري الرئيس لإدارة ترامب. وقد زادت المملكة بشكل ملحوظ صادراتها النفطية إلى الصين واستثماراتها فيها، حتى حين خفّضت إنتاجها النفطي عالمياً. كما أنها لاتزال تتنافس لتصبح المورّد الرئيس للصين، ثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم. وبالفعل، لا تزال نسبة 87% من موازنة السعودية تعتمد على النفط، والصين هي أكبر زبون للسعودية.
تجدر الملاحظة هنا أن الاستثمارات المتبادلة بين السعودية والصين في قطاع الطاقة، لا تتلاءم مع رؤية إدارة ترامب لأسواق الطاقة في المنطقة. ففي حين تسعى الولايات المتحدة إلى وضع حدّ لسيطرة الدولة على قطاعات الطاقة لصالح الشركات الخاصة والسوق الحرة، يقوم التعاون السعودي-الصيني على سيطرة الدولة. علاوةً على ذلك، بدأت السعودية تصبح شريكة في مبادرة الحزام والطريق الصينية بسبب مركزيتها بالنسبة إلى موارد الطاقة ومسارات التجارة الصينية. وبكونها جزءاً من شبكة الطاقة والتجارة الصينية، ستكون السعودية أقل التزاماً بهدف واشنطن المتمثّل بإنشاء شبكة طاقة بين حلفائها في الشرق الأوسط.
وعندما يتعلق الأمر بالصين، تبرز مشاكل أخرى أيضاً بين واشنطن والرياض. فتعاون السعودية مع شركة "هواوي تكنولوجيز" يتعارض مع الحملة التي شنّتها الإدارة ضد تكنولوجيا الجيل الخامس (5G) التي أطلقتها الشركة. وفي الوقت نفسه، قد تصبح مخاوف واشنطن حيال تعاون نووي قائم بين الصين والسعودية أكثر حدّةً، في حال عرقل الكونغرس التعاون النووي بين الولايات المتحدة والمملكة.
يتمثّل مصدر ثالث للتوتر في موقف السعودية من "صفقة القرن" المرتقبة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي أعدّها ترامب. فالدعم السعودي المزعوم للخطة مستبعد. وكانت القضية الفلسطينية البند الأول في خطابات الملك سلمان أمام المنتديات المحلية والإقليمية، ولاسيما منذ أن سمّى القمة العربية لعام 2018 "قمة القدس" ردّاً على اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على المدينة الموحّدة. وأكّد الملك باستمرار على التزام السعودية بدولة فلسطين في الضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية، و"رفض بشكل تام" القرار الذي اتّخذته الولايات المتحدة مؤخراً بالاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.
كما زاد الملك سلمان مساهمات السعودية إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تُعنى باللاجئين الفلسطينيين من أجل التعويض عن قرار الولايات المتحدة قطع التمويل عن الوكالة. علاوةً على ذلك، استضاف العاهل السعودي الرئيس الفلسطيني محمود عباس عشية الاجتماع الوزاري في وارسو حول مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط في شباط/فبراير الفائت، متحدياً بشكل واضح إجراءات إدارة ترامب بحق الفلسطينيين. وتُعتبر تفاعلات السعوديين السلبية على موقع تويتر إزاء أنباء التطبيع مع إسرائيل، مؤشراً على احتمال صدور ردود فعل محلية معارضة لأي دعم سعودي لسياسة الإدارة الأميركية في هذا الخصوص.
أما المجال الرابع الذي تختلف فيه سياستا دونالد ترامب والملك سلمان فهو علاقات السعودية العسكرية مع روسيا. فإدارة ترامب لم تبدِ أي رد فعل بعد على تسليم نظام قذف الصواريخ (flamethrower system) الروسي إلى السعودية. ويُعتبر النظام جزءاً من الاتفاق نفسه الموقّع العام 2017 والذي شمل إقدام المملكة على شراء نظام الدفاع الجوي الروسي إس-400. وقد تدفع أزمة الثقة المتفاقمة بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه قطاع الدفاع السعودي بالرياض إلى تعزيز تعاونها الاستراتيجي على الصعيدين العسكري والنووي مع روسيا. فترامب يضع الحدّ من شراء السعودية للأسلحة الروسية في سلّم أولوياته، بما يتّفق مع قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات. وحتى الآن، لم ينتهك الانخراط السعودي-الروسي في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط أي خطوط حمراء رسمتها أميركا.
يتأتّى مصدر ضغط أخير على العلاقات الثنائية من الكونغرس، حيث يبذل الحزبان جهوداً ضدّ السعودية في كلٍ من مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ويتجلّى ذلك في التشريعات وغيرها من النصوص العدائية المطروحة منذ العام 2017. صحيح أن النتيجة غير مؤكدة، إلا أن اللهجة والمجالات التي تغطيها التشريعات وتبعاتها القانونية، جميعها تشير إلى تكلفة مرتفعة قد تتكبّدها السعودية. وسبق لروبرت مينينديز، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أن جمّد مبيعات أسلحة إلى السعودية بسبب الحرب في اليمن. كما لاتزال المملكة حاضرة دائماً في النقاشات التي تدور داخل الكونغرس وبين الكونغرس والإدارة، وفي حملات المرشحين للرئاسة.
ستتّرتب على أفعال مماثلة تداعيات طويلة الأجل. فبعض أعضاء الكونغرس يسعون إلى إدخال تغييرات تشريعية قد تعزّز دور الكونغرس في السياسة الخارجية، حتى بعد رحيل إدارة ترامب. صحيح أن العلاقة الشخصية بين البيت الأبيض والقيادة السعودية أبعد ما تكون عن التشكيك بها، لكن يجب ألا يقلل المرء من شأن تأثير خلافاتهما السياسية لدى تقييم مستقبل الشراكة الاستراتيجية الأميركية-السعودية.