المصدر: Getty
مقال

دونالد ترامب أعلن سحب القوات الأميركية من شمال شرق سورية

وقفة تحليلية من باحثي كارنيغي حول أحداث تتعلّق بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نشرت في ٩ أكتوبر ٢٠١٩

ماذا حدث؟

أعلن الرئيس دونالد ترامب الاثنين الماضي أنه سيقلّص عديد القوات الأميركية في المناطق الحدودية مع تركيا، مُفسحاً بذلك المجال أمام دخول الجيش التركي إلى المناطق الواقعة شمال وشمال شرق سورية. حتى اللحظة، تمّ إخلاء موقعين أميركيين، في تل أبيض ورأس العين، وبدأت تركيا بشكل خجول دخول بعض المناطق الحدودية.

هذه ليست المرة الأولى التي يُدلي فيها الرئيس الأميركي بمثل هذا التصريح المفاجئ المتعلّق بسورية. ففي كانون الأول/ديسمبر الفائت، أعلن في تغريدة عبر تويتر، عن انسحاب وشيك للقوات الأميركية، مفاجئاً شركائه في التحالف والكثيرين غيرهم. لم يتمّ تنفيذ هذا الانسحاب قطّ، لكن قد يكون الوضع أكثر جديّةً هذه المرة بالنظر إلى مشاكل ترامب الداخلية، كما يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحاجة بدوره إلى القيام بخطوة ما. الأتراك يسعون إلى إقامة منطقة آمنة في سورية يمكنهم فيها إعادة توطين أكثر من مليون لاجئ سوري من أولئك المتواجدين الآن في بلادهم، والذي يثير وجودهم شعوراً بالسخط في أوساط الشعب التركي.

ما أهمية ذلك؟

من شأن شنّ هجوم تركي في شمال شرق سورية أن يهدّد التوازن الهشّ، الذي كان نشأ في المنطقة بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. كما هو يعني أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب، إضافة إلى تحالف "قوات سورية الديمقراطية" الذي يسيطر عليه، ستكون جميعها في مواجهة خطر اكتساحها نهائياً بعد أن استغلّها الغرب في الحرب ضدّ الدولة الإسلامية.

لكن إقدام تركيا على إنشاء منطقة أمنية في سورية سيزيد من وتيرة تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ. وفي حال نقل أردوغان اللاجئين السوريين إلى هذه المنطقة، سيكون قد زرع بذلك بذور حرب أهلية عربية-كردية مستقبلية. في هذه الحالة، لابدّ من أن نتوقّع أن يحاول نظام الأسد وداعموه استغلال الوضع والدفع نحو تحقيق مصالحهم في المنطقة، ما يعني أن احتمالات اندلاع اشتباكات بين تركيا والنظام السوري قد تزداد حتماً.

ما المضاعفات للمستقبل؟

يتعيّن علينا، في بادئ الأمر، أن نرى ما إذا كان القرار الأميركي جاداً، ومدى عمق التوغّل التركي. كما ستضطلع ردود فعل النظام السوري وإيران وروسيا بأهمية أساسية. لابدّ من أن نتوقّع حرب استنزاف، خاصة إذا تعاون حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب مع النظام السوري، بهدف تحويل المنطقة إلى مستنقع بالنسبة إلى تركيا. من ناحية أخرى، قد يؤدي النزاع التركي-الكردي أيضاً إلى تسهيل عودة بروز الدولة الإسلامية في بعض المناطق، أقلّه في شكل خلايا أصغر حجماً.

علاوةً على ذلك، قد نشهد تقوّض الاتفاقات التي تمّ التوصّل إليها حول إدلب، آخر معاقل المعارضة السورية. وهذا قد يدفع روسيا إلى منح النظام السوري ضوءاً أخضر لاستعادة السيطرة على المحافظة، ليكون ذلك بمثابة ردّ على تحرّك تركيا في شمال شرق البلاد. مع ذلك، تحرص روسيا أيضاُ على المحافظة على صيغة الأستانة، وستتوخى الحذر لعدم استفزاز تركيا أو السماح بحدوث مواجهة بين إيران وتركيا لاترغب فيها أي من هاتين الدولتين.

على الصعيد السياسي، تمنح التطوّرات في شمال شرق سورية في نهاية المطاف روسيا نفوذاً أكبر وترسّخ موقعها بشكل أكبر في مركز اللعبة السورية. وفي وقت يجري فيه العمل على "عملية سياسية" لسورية، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية، يمثّل ذلك مكسباً كبيراً لموسكو.

أخيراً وليس آخراً، في حال تمّ تنفيذ ملاحظات ترامب بشأن سحب القوات الأميركية في سورية، يجب أن نراقب إسرائيل بانتباه. فهذه الأخيرة قد تجد الفرصة سانحة لإنشاء منطقة عازلة خاصة بها في جنوب سورية، بهدف إبقاء إيران وحلفاءها بعيداً عن مرتفعات الجولان.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.