المصدر: Getty
مقال

ما أسباب اندلاع التوترات في عرين القيادة السورية؟

مطالعة دورية لخبراء حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن.

نشرت في ١٤ مايو ٢٠٢٠

أسعد العشي | مدير تنفيذي لمؤسسة "بيتنا سوريا"، وناشط في المجتمع المدني السوري

صحيحٌ أن التوترات التي تنشأ على مستوى القيادة، على الأقل العلنية منها، شديدة النُدرة في سورية، إلا أنها لطالما كانت موجودة منذ انقلاب حافظ الأسد في العام 1970. المثال الأكثر وضوحاً على هذه التحديات التي تُخاض على مستوى القيادة هو المواجهة بين حافظ الأسد وأخيه رفعت في العام 1984. فحين دخل حافظ المستشفى بسبب تعرّضه لأزمة قلبية، حاول رفعت الاستيلاء على السلطة وأمر الألوية العسكرية التي يسيطر عليها بتطويق دمشق. ولم يُحَلّ إلّا مع تدخّل والدتهما، وطُرد رفعت إلى خارج سورية مع مبلغ سخي جدّاً من المال.

حدث ذلك عقب مجزرة حماة في العام 1982 والتحدّي الإسلامي الذي واجه حكم الأسد بين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. وقيل إن رفعت اعتبر أن أخاه كان متهاوناً للغاية في مواجهة هذا التحدّي. والأهم من ذلك، لم يحبّذ رفعت انفتاح أخيه على الجهات الفاعلة الاجتماعية والاقتصادية التقليدية للتخفيف من حدّة التوترات والخروج من مستنقع الأزمة.

يواجه النظام راهناً تحدياً مصدره ابن خال بشار الأسد، رامي مخلوف الذي كان فعلياً أمين صندوق العائلة منذ العام 2000. لكن بعد اندلاع الانتفاضة في العام 2011، أصبحت جمعية البستان الخيرية التي يرأسها المموّل الرئيس للميليشيات الموالية للنظام. ويُقال إنه يسيطر بشكل مباشر أو غير مباشر على أكثر من 50 في المئة من الاقتصاد السوري، وهو نمط أبرزته الحرب. مع ذلك، تضع الدولة حالياً عوائق في وجه هذه الهيمنة، إذ فرضت غرامات ضخمة على مصدر دخله الأساسي، أي شركة الاتصالات "سيريتل". وفي إطلالة نادرة، طالب مخلوف عبر وسائل التواصل الاجتماعي مرتين بتدخّل الرئيس، لكن يظهر أن مطلبه لم يلقَ آذاناً صاغية. يبدو كذلك أن بشار الأسد يريد الانتقال إلى مرحلة ما بعد الصراع وتفكيك إمبراطورية اقتصاد الحرب التي طفت إلى السطح بعد العام 2011، والتواصل من جديد مع الجهات الفاعلة الاجتماعية والاقتصادية التقليدية. الوقت كفيلٌ بإظهار ما إذا كانت هذه الخطوات تعبّر عن رغباته الشخصية أو رغبات رعاته الروس.


 

سارة كيّالي | باحثة سورية في منظمة هيومن رايتس ووتش

تتخبّط سورية في لُجج أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل. وبسبب عجز القيادة السورية عن حل هذه الأزمة، انقلب أقطابها على بعضهم البعض. فالشقاق وقع بين رامي مخلوف، الداعم الرئيس للحكومة السورية وأيقونة الاقتصاد السوري، المتدهور حالياً، وبين الرئيس السلطوي بشار الأسد، خاصة بعد أن عمد مخلوف نفسه إلى نشر غسيل هذه التوترات، عبر سلسلة من أشرطة الفيديو على فايسبوك هذا الشهر.

أخر تجليات الخطوات التي اتخذتها الحكومة ضد مخلوف، كانت مطالبته أن تدفع "سيريتل"، وهي شركة تحتكر تقريباً قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية، مبلغ 233 مليار ليرة سورية (161 مليون دولار وفق سعر السوق السوداء)، وهو مبلغ تدّعي الحكومة أنه يعود إليها إلى جانب منافس الشركة الأصغر. وحين رفض مخلوف هذا الطلب، نفّذت أجهزة الأمن، على ما يقال، اعتقالات اعتباطية بحق موظفي "سيريتل" للضغط على مخلوف وإجباره على الدفع.

من الصعب البت بمن يقول الحقيقة، لأن كلا الطرفين لهما باع طويل بتشويهها. بيد أن الحكومة تستخدم التكتيكات التعسفية نفسها، على غرار الاعتقال الاعتباطي، والمضايقات، وسوء استخدام القوانين، لتهميش مخلوف، التي لطالما استعملتها مع آلاف السوريين الذين يطالبون بالتغيير منذ العام 2011.

فيما يحتج مخلوف على هذا الظلم، يجدر أن نتذكّر أنه هو نفسه، وباعترافه، كان الراعي الرئيس للنظام التعسفي والاستغلالي الذي ينقلب الآن عليه. وهذه تذكرة وعبرة بأن خروقات الحقوق يمكن أن تطال أياً كان، مهما علا كعبه.


 

زياد ماجد | أستاذ مشارك في الجامعة الأميركية في باريس، ومؤلف كتاب Dans La Tête de Bachar Al-Assad (Solin/Actes Sud, 2018) (في رأس بشار الأسد) مع فاروق مردم بيك وصبحي حديدي

تعكس التوترات داخل الحلقة الضيقة للنظام السوري ثلاث ديناميات، أولاها تتعلّق بالعائلة. فمنذ التدخّل الروسي في العام 2015، ثم وفاة والدة بشار الأسد صاحبة التأثير القوي في العام 2016، بدأت عملية إبعاد تدريجية لآل مخلوف (عائلة الأم) بالتدريج من مواقع السلطة. والآن، الإجراءات التي تُتخذ ضد رامي مخلوف، الذي سيطر في مرحلة ما على 50 في المئة من الاقتصاد السوري، تستكمل فصول هذه العملية التي بدأت مع شقيق رامي، حافظ، ووالده محمد. ومن يحل مكانه الآن رجال أعمال مُقرّبون من أسماء، زوجة بشار النافذة، في محاولة لتوسيع شبكة النظام الزبائنية.

الدينامية الثانية تتعلّق بالضغوط الروسية على الأسد. فموسكو تريد إعادة تركيب مؤسسات الدولة السورية، وإعادة تنظيم الجيش، ومركزة آليات صنع القرار تحت قيادتها. الهدف: التفاوض حول عقود إعادة الإعمار مع شركاء غربيين وصينيين مُحتملين، وتمكين الشركات وأصحاب المشاريع الروس من الاستفادة ضمن مسرح عمليات مسيطَر عليه بالكامل. لتحقيق هذا الغرض، يتعيّن تقليص النفوذ الإيراني في دوائر النظام، وتهميش أصحاب الاحتكارات السوريين (مع روابطهم الإيرانية). بالنسبة إلى الأسد، هذه فرصة للتخلّص من ابن خاله سيِّء السمعة، وللقول إنه يبذل قصارى جهده للوفاء بمتطلبات الروس.

الدينامية الثالثة تمكن قراءتها من زاوية تحليل تاريخ النظام، والتوترات والانشقاقات التي شهدها. فبعد التخلّص من رفعت الأسد، عم بشار، في العام 1984، ومن غازي كنعان، الرجل القوي في أجهزة الأمن في 2005، وآصف شوكت، صهر بشار، في 2012، جاء الآن دور آل مخلوف. وهذا ليس بالأمر المفاجئ في الأنظمة التوتاليتارية ذات الاعتبارات الطائفية والقبلية والعائلية التي تُبنى غالباً على أسس معادلات وتوزانات دقيقة.

كل هذا يشي بأن النظام سيكون على موعد مع ضغوط متصاعدة وصراعات داخلية في المقبل من الأشهر. إذ أن روسيا في حاجة إلى الاعتراف الدولي بهيمنتها على سورية وعلى مشاريع إعادة الإعمار. وإيران لن تقبل بأن تُهمّش. وبشار يهجس بـ"إعادة انتخابه" في العام 2021. وفي هذه الأثناء، يقوم لاعبون أجانب آخرون، على غرار تركيا والولايات المتحدة، بإعادة توكيد أدوارهم ووتنظيم علاقاتهم مع حلفائهم المحليين في كلٍ من شمال غرب وشمال شرق البلاد، تمهيداً لولوج المراحل المقبلة.


 

خضر خضّور | باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط

التظلّمات الأخيرة والعلنية جدّاً بين رجل الأعمال البارز رامي مخلوف، وابن خاله الرئيس بشار الأسد أثارت موجة عارمة من التكهنات حول وجود توترات بين مختلف أعضاء النخبة السياسية والاقتصادية السورية. وقد ركّز قدرٌ كبير من التكهنات على دور ونفوذ روسيا وإيران في سورية، وعلى التنافس بينهما. لكن الخلاف مع مخلوف يبدو في الغالب مسألة داخلية تعكس أكثر الطبيعة المتغيّرة للاقتصاد السوري منه التدخل الخارجي.

تُظهر قضية مخلوف أن النظام في طور إعادة بناء شبكاته، ما قد يشي بانبلاج اقتصاد ما بعد النزاع. فقد أنشأت الحرب نخباً اقتصادية جديدة يعتمد نفوذ الكثير منها على علاقات واتصالات بمناطق خارجة عن سيطرة النظام، أو بقوى خارجية. ومع أن مخلوف كان شخصية مهيمنة على الشؤون التجارية السورية لحوالي عقدَين من الزمن، إلا أن غياب هذه الشبكة من العلاقات والاتصالات أدى إلى تراجع نفوذه تدريجياً لصالح قادمين جدد على الساحة من أمثال سامر فوز والأخوين قاطرجي ومحمد حمشو وغيرهم.

تركّز محنة مخلوف الراهنة على محاولة البقاء كلاعب بارز في المرحلة الجديدة من الاقتصاد السوري، التي يواجه فيها منافسة محمومة، ومن غير المؤكّد إلى أي مدى سيتمكن من تحقيق ذلك. مع أن مخلوف قد ينجح في استخدام الطائفة العلوية إلى حدٍّ ما لحماية نفسه، إلا أن علاقات أسرته تقف عند درجة معيّنة. فالروابط التي تجمعه مع الرئيس الأسد من خلال والدته منحته نفوذاً كبيراً، لكن في نهاية المطاف، إن عائلة حافظ الأسد المباشرة هي التي تتسلّم مقاليد السلطة الفعلية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.