المصدر: Getty
مقال

كيف يُقيّم باحثو كارنيغي تعاطي إدارة بايدن مع الشرق الأوسط بعد مرور عام على تسلّمها سُدة الحكم؟

مطالعة دورية لخبراء حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن.

نشرت في ٣ فبراير ٢٠٢٢

سارة يركيس | باحثة أولى في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

كانت المقاربة التي اعتمدتها إدارة بايدن حتى الآن في التعاطي مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مخيّبة للآمال في نظر الأشخاص الذين توقّعوا إحداث قطيعة حادّة مع أسلوب التعاطي الذي كان سائدًا في عهد ترامب. صحيحٌ أن الرئيس بايدن تعهّد في أكثر من مناسبة بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في الشرق الأوسط، إلا أنه لم ينفّذ هذا الوعد.

اتخذت الإدارة الأميركية خطوات صغيرة جدًّا نحو إعادة إدراج القيم ضمن المقاربة الأميركية تجاه المنطقة، لكن في الغالب، ظلّ وقع هذه الإجراءات ضئيلًا أمام مؤشرات وسياسات أوسع تُبيِّن بوضوح أن جزءًا كبيرًا من التزام واشنطن بالديمقراطية وحقوق الإنسان هو مجرّد كلام فارغ.

في السعودية، رفض بايدن التواصل شخصيًا مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لكنه أحجم أيضًا عن محاسبته عن مقتل جمال خاشقجي، على الرغم من تأكيد الاستخبارات الأميركية تواطؤ ولي العهد السعودي.

ولم يكن القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية بتجميد مبلغ 130 مليون دولار أميركي من رزمة المساعدات المخصصة لمصر والبالغة قيمتها 1.3 مليار دولار، عند حسن ظن النشطاء الحقوقيين المصريين والأميركيين، ولم ينجح في توجيه رسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي مفادها بأنه لن يتلقّى بعد الآن "شيكات على بياض".

كذلك، لم تكن المقاربة التي اعتمدتها إدارة بايدن في التعاطي مع تقهقر الديمقراطية في تونس فعّالة. فعلى الرغم من انخراطها المتكرر على مستوى رفيع مع الرئيس قيس سعيد بعد الانقلاب الذي نفّذه في 25 تموز/يوليو 2021، ومن التصريحات المتعددة التي صدرت في العلن والخفاء مطالبةً بالعودة إلى المسار الديمقراطي، استمرّ سعيد في ترسيخ قبضته على السلطة بلا هوادة. والبيان الصادر مؤخرًا عن وزارة الخارجية الأميركية والذي تضمن ترحيبًا بخريطة الطريق الإقصائية وغير الدستورية وغير الشفافة التي وضعها سعيد، يقوّض السردية التي تدّعي أن الديمقراطية هي في صُلب الأولويات الأميركية في تونس.


 

آرون ديفيد ميلر | باحث أول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، حيث يركّز على السياسة الخارجية الأميركية

يُقال إن فرانكلين ديلانو روزفلت تندّر قائلًا إن أبراهام لينكولن، الذي هو بلا شك أعظم الرؤساء الأميركيين، توفّي حزينًا لأنه لم يستطع الحصول عل كل شيء. فممارسة الحكم هي مسألة خيار. ويبدو، بعد عامٍ ونيّف على تسلّم الرئيس جو بايدن منصبه، أنه اختار عدم إدراج الشرق الأوسط في صُلب أولوياته. حتى إن مستشار الأمن القومي جايك سوليفان لم يأتِ على ذكر المنطقة في مقابلة أُجريَت معه مؤخرًا.

ليست واشنطن في صدد الانسحاب من المنطقة التي لا يزال يتوافد إليها المبعوثون الأميركيون. وتستمر المساعدات الإنسانية، ونشر الأصول العسكرية، والالتزامات بوتيرة راسخة إلى حدٍّ ما، ولا سيما في الخليج. وتُطرح مواضيع جيدة للنقاش تتمثّل في الدعم الأميركي لكلٍّ من: حل الدولتَين للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي؛ والتسوية السياسية في سورية؛ وإنهاء النزاعات في ليبيا واليمن. لكن، ينقص الزخم اللازم لاستثمار الموارد والإمكانات القيادية في هذه المبادرات، فتبقى عقيمة لا طائل منها.

ثمة أولويات أخرى كثيرة، منها الانقسام الداخلي الذي تشهده الولايات المتحدة، وصعود الصين، وفلاديمير بوتين وأوكرانيا، والانطباع السائد على ما يبدو في أوساط مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة بايدن بأن الشرق الأوسط هو مقبرة الأفكار والموارد الأميركية.

لكن المسألة الوحيدة التي يبدو أن الإدارة الأميركية توليها الاهتمام الأكبر هي فرض ضوابط على البرنامج النووي الإيراني عن طريق المفاوضات. ففي حال اندلاع نزاع إقليمي تشارك فيه إسرائيل وإيران ويؤدّي ربما إلى عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة، ستكون التداعيات سيئة على التعافي في الداخل الأميركي، ما سيؤدّي إلى ارتفاع أسعار النفط وتراجع الأسواق. ولكن حتى في هذه النقطة، فإن السياسات المضرّة المتعلّقة بالمسألة الإيرانية في واشنطن، وكذلك تسلّم حكومة رئيسي المتشدّدة سُدة الحكم في طهران دفعا الولايات المتحدة إلى اعتماد مقاربة حذرة وتجنُّب المخاطر في تعاطيها مع مفاوضات فيينا.

هل سيطرأ أي تغيير على هذا الواقع في العام 2022؟ حين سُئل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق هارولد مكميلان عما يمكن أن يُحدث تغييرًا في السياسة البريطانية، أجاب متندّرًا: "الأحداث، يا عزيزي". فمع اقتراب موعد انتخابات منتصف الولاية الرئاسية، قد تميل إدارة بايدن إلى تجنّب المسائل التي تنطوي على مخاطر سياسية. ولكن كما أظهر النزاع بين إسرائيل وحركة حماس في أيار/مايو 2021، وفيما يلوح في الأفق احتمال تفاقم التشنجات بين إسرائيل وإيران، قد يرغب بايدن في إنهاء ارتباطه بالمنطقة، ولكن المنطقة قد لا تريد إنهاء ارتباطها به.


 

ياسمين فاروق | باحثة غير مقيمة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

جاء في تصريح لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن "الشراكة مع المملكة العربية السعودية قوية ومهمة"، ملخصًا بقوله هذا سياسة بايدن المتمثلة في "إعادة توجيه" دفة العلاقات مع المملكة بعد مضي عام على تسلّمها سُدة الرئاسة. بدأت هذه الإدارة ولايتها بالتركيز على دور القيم في السياسة الخارجية عمومًا، وفي التعامل مع السعودية خصوصًا. لكن يبدو أن العام الأول من الولاية الراهنة سينتهي من خلال التأكيد على أن الولايات المتحدة "تعود إلى الأسس" في علاقتها مع شركائها في المنطقة. لكن القيم لم تكن يومًا من بين أسس علاقاتها مع السعودية.

وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن قلّل بشكل كبير من زخم العلاقة مع الرياض ووصل إلى حدّ زعزعتها، سُرعان ما أدركت إدارته أن عليها تخفيف الضغط على المملكة، لأنها لا تزال تحتاج إلى التعاون معها في الشرق الأوسط وخارجه.

واقع الحال أن ثمة عوامل عدّة تحتّم وجود علاقات ودية مع القيادة السعودية، ومنها: مواجهة النفوذ الصيني، وإرساء استقرار في أسعار النفط من أجل "إعادة البناء بشكل أفضل"، وإثبات أن الديمقراطية قادرة على تحقيق النتائج المرجوة، وإبرام اتفاق مع إيران، والحفاظ على دعم الكونغرس من خلال التوصل مثلًا إلى حلٍّ للصراع في اليمن.

أدركت الرياض بدورها أن تعزيز الشراكة الأميركية مع دول خليجية أخرى يسهم في تنحيتها جانبًا، إذ لم تعد المملكة تؤدّي دورًا حيويًا ولا غنى عنه للولايات المتحدة كما كان عليه الحال في السابق، وبالتالي بات عليها تقديم تنازلات من أجل الحفاظ على الدعم الأميركي في وقت هي في أمسّ الحاجة إليه. في هذا الإطار، قامت السعودية بالإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، وخففت من حدّة سياستها الخارجية المتشدّدة، حتى إنها أطلقت مبادرتَين في مجال المناخ، في خطوة تتماشى مع تركيز بايدن على قضية التغيّر المناخي. لكنها سعت في غضون ذلك إلى تنويع علاقاتها الدولية، ما يشير إلى أنها لن تجاري واشنطن في سياساتها المتعلقة بالنفط أو الصين أو حتى اليمن.

إذًا، يبدو أن الطرفَين يحاولان التوصّل إلى حلٍّ وسط يخدم مصالحهما. لكن بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بأنه سيبذل قصارى جهده لكبح جماح المملكة. وبتنا ندرك الآن أن هذا لن يحدث.


 

كريم سجادبور | باحث أول في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

كانت الأهداف المُعلَنة لإدارة بايدن حول سياستها الإيرانية إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي أُبرِم مع طهران في العام 2015، واستتباعه باتفاق "أقوى وأطول أمدًا" يعالج مسألة بنود الاتفاق التي حُدِّد تاريخ انتهاء العمل بها، إضافةً إلى برنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية.

على الرغم من المفاوضات المتقطعة التي تشهدها مدينة فيينا منذ عامٍ تقريبًا، يُبدي كبار المسؤولين في إدارة بايدن، في مجالسهم الخاصة، تشاؤمهم حيال استعداد إيران لإعادة برنامجها النووي إلى ما كان عليه قبل العام 2015، وتشاؤمهم مضاعَف حيال إمكانية التوصل إلى اتفاق "أقوى وأطول أمدًا". ويبدو أن الاحتمال الأكبر، في الوقت الراهن على الأقل، هو التوصل إلى اتفاق مؤقت توافق إيران بموجبه على تقديم تنازلات محدودة حيال ملفّها النووي مقابل تخفيف محدود للعقوبات.

على الرغم من المحاولات التي تبذلها إدارة بايدن لنزع فتيل التصعيد مع إيران، واصلت هذه الأخيرة بلا هوادة سياسات تنتهجها منذ وقت طويل، وأبقت على تحالفاتها وشراكاتها الإقليمية. وخلال العام المنصرم، استمر حزب الله اللبناني في اغتيال منتقديه، وحاولت الميليشيات الشيعية العراقية اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وشنّ الحوثيون في اليمن هجمات متكررة بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد أهداف مدنية في الإمارات العربية المتحدة.

خلافًا لما جرى في العام 2015، حين عقدت إدارة أوباما آمالها على أن يقود الاتفاق النووي إلى تحوّل محتمل في العلاقات الأميركية الإيرانية، وفي الواقع الداخلي الإيراني، يسود الآن إدراكٌ أكثر واقعية بكثير مفاده أن الاتفاق النووي لن يؤدّي على الأرجح إلى حدوث اختراق في العلاقات الأميركية الإيرانية ولا إلى اعتماد إيران سياسات داخلية أو إقليمية معتدلة.


 

مهى يحيَ | مديرة مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

تبنت إدارة بايدن مقاربة تكتيكية لم تتوافق مع هدفها الأساسي الرامي إلى تحقيق الاستقرار. بيد أن محاولات إرساء التوازن بين القيَم والمصالح الاستراتيجية أفضت إلى نهج قائم على سياسات جزئية وغير متكاملة يُعالج كل أولوية أساسية بمعزل عن الأهداف الأخرى، سواء في ملف المفاوضات النووية مع إيران، أو مكافحة خطر الإرهاب الذي قد يُهدّد الأراضي الأميركية، أو حماية التجارة والمجاري المائية الدولية، أو دعم سياسة التهدئة في الشرق الأوسط. وقد تسببت الخطوات الرامية إلى تحقيق هذه الأهداف، بإحداث ديناميكيات غالبًا ما تُقوّض الغايات المُعلَنة لواشنطن. والسبب هو أن التحديات الإقليمية التي تواجهها الولايات المتحدة مترابطة بشكل وثيق، في حين أن سياساتها ليست كذلك بالضرورة. لذا، قد تتسبّب الخطوات لتحقيق أحد هذه الأهداف، بانعكاسات كبيرة ومتناقضة على أهداف أخرى.

على سبيل المثال، يُعدّ التوصل إلى اتفاق نووي لاحتواء خيارات إيران النووية في حد ذاته هدفًا يستحق العناء، ولكنه، إذا طُبِّق بمعزل عن القضايا الأخرى، فقد يتسبّب بزعزعة إضافية لاستقرار المنطقة. والسبب هو أن ما سينتج عن الاتفاق من تخفيفٍ للعقوبات سيؤدّي على الأرجح إلى تمويل إضافي للميليشيات الموالية لإيران في مختلف أنحاء المنطقة، ما سيفضي مع الوقت إلى فشل مؤسسات الدولة في بعض البلدان، وإلى تقويض الحركة التجارية وأي أمل بخفض التوترات في أماكن أخرى.

كذلك، ينطوي هدف إنشاء بيئة إقليمية مستقرة، فيما تعمد الولايات المتحدة إلى فك ارتباطها العسكري في الشرق الأوسط، على تناقضات جمّة. ففي ضوء انفراط عقد النظام الذي فرضه السلام الأميركي (الذي يُعرَف بـPax Americana) عَقِب الحرب الباردة، تبنّت دول إقليمية عدة تفسيرًا أوسع لأمنها القومي وباتت تؤدّي دورًا أكبر بكثير في تحديد النتائج العسكرية والسياسية في البلدان العربية، التي يقع بعضها على مسافة جغرافية بعيدة عنها. وخير دليلٍ على ذلك سلوك تركيا والإمارات العربية المتحدة. ونتيجةً لذلك، أصبحت المنطقة أقل تماسكًا وأكثر تشرذمًا، ولا تزال آفاق تحقيق الاستقرار فيها بعيدة المنال.

في غضون ذلك، تُفضي الجهود التي تبذلها الدول العربية الحليفة لواشنطن من أجل تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد في سورية، إلى تقويض المطالبات بتحقيق المساءلة والعدالة، وكذلك المساعي الأميركية الهادفة إلى استخدام الضغوط الاقتصادية لإرغام دمشق على تقديم تنازلات سياسية. فإذا لم تُحاسَب أنظمة المنطقة عن الجرائم التي ارتكبتها، ومن ضمنها الجرائم ضد الإنسانية، لن يكون لديها دافع للامتناع عن الممارسات التعسّفية بحق شعوبها، ما سيتسبّب حكمًا بزعزعة الاستقرار. كذلك، ومن المنطلق عينه، لا جدوى من التركيز على مسألة مكافحة الإرهاب بمعزل عن الأجواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأوسع في بلدان المنطقة، ومن دون استنباط حلول طويلة الأمد تشمل معالجة مشاعر الإقصاء السياسي، والإجحاف الاقتصادي والاجتماعي، والفساد المستشري على نطاق واسع.

إن عدم الأخذ بالترابط بين مُجمل أهداف السياسة العامة، والخطوات اللازمة لتحقيقها، والتداعيات الناجمة عنها سيُفاقم هشاشة الوضع ككُل، مع ما يترتب عن ذلك من تأثيرات جمّة. وستكون النتيجة، مع مرور الوقت، عودة الولايات المتحدة مجدّدًا إلى منطقةٍ يشعر الأميركيون بأنها استنزفت قدرًا مُفرطًا من طاقتهم.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.