تحتاج سورية إلى إقرار برنامجٍ لإعادة بناء اقتصادها. لا بل هي في أمسّ الحاجة إليه. ومع ذلك، بعد مرور ما يقارب العام على سقوط الدكتاتور بشار الأسد، ما من حديثٍ عن إعداد خطة شاملة لإعادة بناء الاقتصاد، لا في دمشق ولا في أوساط القوى الدولية المعنية. ومن دون بلورة رؤى واضحة حول الإطار الاقتصادي الجديد للبلاد أو إجراء مشاورات واسعة في هذا الصدد، قد تشهد سورية عودة مظاهر المحسوبية التي طبعت النهج الاقتصادي خلال عهد الأسد، ما من شأنه تقويض مبدأ العدالة الاجتماعية وإثارة الاستياء السياسي؛ وقد تشهد كذلك خطر تجدّد العنف باعتباره "آلية مركزية لإعادة توزيع السلطة والثروة بين القوى المتنافسة"، كما جرى خلال سنوات الحرب الأهلية الطويلة.
أعلنت السلطات السورية الجديدة عن توقيع مذكّرات تفاهم تصل قيمتها الإجمالية إلى 14 مليار دولار، إضافةً إلى إبرام عقودٍ مع هيئات تجارية وحكومية أجنبية بقيمة مليارات أخرى من الدولارات. لكن هذا الواقع يسلّط الضوء على غياب مقاربةٍ متكاملة وشاملة لإعادة بناء الاقتصاد، تسعى إلى التوفيق بين التركيز الحالي على تحقيق إيرادات سريعة من خلال إطلاق المشاريع العقارية وتأجير مرافق البنية التحتية الكبرى لمستثمرين أجانب من جهة، وبين الاستثمار في قطاعات إنتاجية، مثل الصناعة والزراعة والخدمات، لاستحداث فرص العمل وتعزيز التكامل الاقتصادي من جهة أخرى. يُضاف إلى ذلك أن غياب الشفافية بشأن تفاصيل العقود، والتسويات الاقتصادية المُقامة خلف الكواليس مع رجال أعمال محسوبين على النظام السابق، وتصفية أصول حزب البعث، وصندوق الثروة السيادي الجديد الذي أنشأته الحكومة، يعيق المساءلة ويهدّد جدوى المشاريع الاستثمارية المُقترحة. كذلك، تتبنّى البلاد رسميًا اقتصاد السوق الحرّة من دون ضوابط تنظّمه، ومن دون التشاور مع الجهات الفاعلة الاقتصادية والاجتماعية المعنية في هذه العملية.
إن غياب خطةٍ شاملة لإعادة بناء الاقتصاد السوري يحمل مفارقة. فقد كان واضحًا خلال سنوات الحرب الطويلة والدامية أن البلاد ستحتاج إلى إعادة بناء اقتصادها على نطاق واسع. وفي العام 2012، أنشأت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سورية، الذي شكّل أول مبادرة كبرى للتحضير لعملية إعادة إعمار البلاد، وأتاح "منبرًا يلتقي حوله الخبراء السوريون، من مختلف الخلفيات، لإجراء حوارٍ فني" ومناقشة "العوامل الاجتماعية والاقتصادية وتلك المتعلّقة بالحوكمة" في "سورية ما بعد الصراع". وبعد عامٍ، مهّد تجمّع "أصدقاء الشعب السوري"، وهو تحالف دبلوماسي دولي لحلّ الأزمة في سورية، الطريق أمام مرحلة إعادة الإعمار عبر إنشاء صندوق الائتمان لإعادة إعمار سورية، وهو صندوق ائتماني متعدّد المانحين يهدف إلى "الحدّ من معاناة الشعب السوري" من خلال تمويل الخدمات الأساسية.
وفي العام 2015، أعلن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، التي تشكّل مجتمعةً أكبر جهةٍ مانحةٍ للمساعدات الإنسانية وغيرها من الإمدادات إلى اللاجئين السوريين والنازحين داخليًا، وكذلك إلى البلدان المجاورة المتضرّرة من الصراع، أن التمويل الذي يقدّمه يمكن "إعادة تخصيصه لتلبية حاجات إعادة الإعمار في سورية في سيناريو ما بعد الصراع مستقبلًا". ظلّت إعادة الإعمار محورًا أساسيًا في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سورية لغاية العام 2019 على الأقل. لكن بعض الدول الأعضاء التي سئمت من عبء هذه الأزمة، حاولت لاحقًا تنفيذ "إعادة إعمار انتقائية"، من خلال إشراك نظام الأسد وفق نهج "خطوة مقابل خطوة"، الذي تَمثَّل في توفير الدعم لتحقيق التعافي وإعادة الإعمار وتطبيع العلاقات السياسية مع النظام، مقابل تطبيقه "إصلاحاتٍ هيكلية". ومنذ سقوط الأسد، لم يعد الاتحاد الأوروبي يتحدّث عن إعادة الإعمار، مفضّلًا الحديث عن "التعافي" الاجتماعي والاقتصادي.
لكن هذه المبادرات بعيدةٌ كل البعد عن تلبية حاجات سورية الراهنة. فتكاليف إصلاح البنية التحتية المادّية للبلاد، بما في ذلك معظم أنظمة الرعاية الصحية والتعليم والمياه والنقل والطاقة، إضافةً إلى القطاعات الإنتاجية، قُدّرت في العام 2019 بما يتراوح بين 250 و400 مليار دولار. وفي أيار/مايو 2025، قال وزير الاقتصاد والصناعة السوري، محمد نضال الشعار، إن بلاده بحاجة إلى "تريليون دولار على الأقل لإعادة إعمار وبناء سورية الجديدة"، بينما كان البنك الدولي في آب/أغسطس أكثر تحفُّظًا في تقديراته، إذ توقّع أن تتراوح تكاليف إعادة الإعمار بين 141 و343 مليار دولار، موضحًا أن "أفضل تقدير" يبلغ 216 مليار دولار. علاوةً على ذلك، لا بدّ من توفير تمويلٍ إضافي ضخم من أجل إعادة اللاجئين والنازحين داخليًا إلى مناطقهم وتأمين مساكن لهم، ولا سيما أنهم يشكّلون معًا أكثر من نصف سكان البلاد؛ فضلًا عن مساعدة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وتبلغ نسبتهم 90 في المئة من السكان، على الخروج من هذا الوضع. ووفقًا لرئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، مع أن الاستثمارات السورية في الخارج بلغت أكثر من 100 مليار دولار مع بداية العام 2024، ظلّ تدفّق رؤوس الأموال إلى البلاد محدودًا للغاية وسط المخاوف الأمنية المستمرّة وغموض السياسات الاقتصادية.
لم يطرأ تغييرٌ يُذكر على هذا الواقع منذ سقوط الأسد وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع. في حزيران/يونيو 2025، أعلن الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، وأعاد تخصيص مبلغ 175 مليون يورو (ما يعادل تقريبًا 200 مليون دولار) من المساعدات التي سبق أن تعهّد بتقديمها، لـ"دعم المؤسسات العامة، وتنشيط الاقتصادات الريفية والحضرية، وتعزيز العدالة الانتقالية والمساءلة". لكن بيان السياسة العامة المؤلّف من ثماني عشرة نقطة الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي بعد أسابيع قليلة، أبقى مفهوم إعادة الإعمار هدفًا فضفاضًا يغلب عليه طابع التطلّع. فقد غابت عنه بشكلٍ لافت أيّ خطوات ملموسة لتخطيط وتنفيذ برنامج فعلي، أو مقترحات لوضع آليةٍ تنسيق، سواء داخل المفوضية الأوروبية، أو بالتعاون مع جهاتٍ معنية أخرى والحكومة السورية.
هذا وأعلنت الأمم المتحدة أنها في صدد تحديث إطار مقاربة "سورية بأكملها" وتحويله إلى "هيكل أكثر شمولًا وتماسكًا"، بهدف دعم البلاد في "الانتقال من المساعدات الإنسانية الفورية إلى التنمية المستدامة الطويلة الأمد وإعادة الإعمار". لكن كما في الحالة السابقة، يعتمد التركيز العملي بشكلٍ كبير على استراتيجية التعافي المبكر التي أطلقتها الأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وركّزت على أربعة مجالات ذات أولوية هي الصحة والتغذية، وجودة التعليم، وخدمات المياه، والصرف الصحي والنظافة، إلّا أنها لم تقدّم أيّ رؤية شاملة أو آلية محدّدة لإعادة الإعمار. وبالمثل، تعهّدت مؤسسات التمويل الإنمائي العربية والخليجية المتعدّدة الأطراف، على غرار صندوق "أوبك" للتنمية الدولية وبرنامج الخليج العربي للتنمية، بدعم قطاعات محدّدة، إلّا أنها لم تدعُ إلى تبنّي خطةٍ شاملة لإعادة بناء الاقتصاد، ناهيك عن قيادتها.
صحيحٌ أن الشعور بالريبة من التعامل مع سلطات يرأسها جهاديون سابقون كانوا عناصر من تنظيم محظور، قد يُعيق اتّخاذ خطوات جريئة أو وضع برامج طموحة. لكن التقليص الحادّ للمساعدات الإنمائية الخارجية من الحكومات الغربية (والخليجية) هو عاملٌ أكثر أهمية. فالإطار المؤسّسي الليبرالي الذي كان يُدرِج إعادة الإعمار كمجال من مجالات السياسات الإنمائية وممارساتها يواجه تدهورًا شديدًا، إن لم يكن قد وصل إلى مرحلة الانهيار التام. فقد مرّ أكثر من عقدٍ من الزمن منذ أن نجح اتفاق سلام شامل بوساطة دولية في إنهاء حربٍ ما، ومرّت فترة أطول من ذلك منذ أن وُضعَت خطة إعادة إعمار مُتَّفَق عليها. في الواقع، لم يُفضِ نموذج إعادة الإعمار التقليدي إلى أيّ نتائج مبهرة حتى قبل هذا التراجع، إذ كانت حصيلته متفاوتة إلى حدٍّ كبير في تحقيق "عائدات السلام" الاقتصادية، وإرساء الأمن (أو منع تجدّد النزاعات المسلحة)، وتوفير فرص العمل، وبناء أُسُس نمو اقتصادي حقيقي وعادل ومستدام. كذلك، لم يحقّق هذا النموذج نجاحات تُذكَر مقارنةً بالإخفاقات، لا بل إن هذه الإخفاقات تركت المجتمعات الخارجة من النزاعات في أوضاعٍ أسوأ ممّا كانت عليه سابقًا، اجتماعيًا واقتصاديًا.
لذا، قد يكون من المفيد التخلّي عن النهج القائم على المانحين وما يستتبعه من حلول تقنية خالية من أيّ بُعد سياسي. ومع ذلك، ينبغي على السلطات السورية أن تسترشد بثلاث خلاصات أساسية من نموذج إعادة الإعمار، كي تنجح في تجاوز التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد.
أولًا، إصلاح الإطار المؤسّسي: تشكّل إعادة تكوين الدولة المركزية وتعزيزها استجابة نمطية لمرحلة ما بعد النزاع، بهدف تحقيق النتائج المرجوّة بسرعة وكفاءة. لكن هذه الخطوة غالبًا ما تمثّل خيارًا غير صائب لتقليص التكاليف. فاللامركزية وتفويض الصلاحيات هما من المكمِّلات الضرورية لاستعادة فاعلية الحكومة المركزية، سواء في تصميم البرامج، أو تحديد الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، أو تخصيص الموارد. علاوةً على ذلك، تُعدّ اللامركزية وتفويض الصلاحيات أكثر قدرةً على تلبية احتياجات الفئات الهشّة أو المهمّشة، مثل اللاجئين والنازحين داخليًا والأُسر التي تعيلها نساء، وعلى تعزيز التأييد المجتمعي لعملية التعافي بشكلٍ عام.
ثانيًا، وضع برنامج اقتصادي شامل للجميع: تحظى الجهة التي تتولّى صياغة البرنامج الاقتصادي بأهمية بالغة. فالجماعات الاجتماعية تختلف في افتراضاتها وتفضيلاتها وتوقّعاتها المتعلقة بالاقتصاد، والأهم في فرصها الاقتصادية ومستوى وصولها إليها. ومن المُحتَّم أن تؤثّر القوى النافذة في النتائج بطريقة تميل في الغالب إلى تقويض العدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي. وتبدو الخلافات حول دور الدولة في تقديم الخدمات والرعاية الاجتماعية والاستثمار وإنفاذ حقوق الملكية واضحةً للعيان في سورية، سواء عبر الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، أو داخل المجتمعات الحضرية والريفية نفسها، وبين طبقة رجال الأعمال والسلطات الحكومية، وداخل طبقة رجال الأعمال نفسها، وكذلك بين المستفيدين القدامى والجدد من وظائف القطاع العام، وبين مختلف مكوّنات المجتمع المدني.
ثالثًا، الحوكمة: تبقى عملية إعادة الإعمار الاقتصادي عرضةً للوقوع تحت هيمنة الجهات السياسية القوية، محلّيةً كانت أم خارجية. وقد تتعرّض الفئات الهشّة – ولا سيما اللاجئين والنازحين داخليًا والنساء، فضلًا عن الأقليات الطائفية والإثنية – إلى مزيدٍ من التهميش والإقصاء. وفي حين أن تفويض صلاحيات الحُكم يمكن أن يعزّز الشرعية والمساءلة ويُخفّف من حدّة الانقسامات المجتمعية، فإن تجويف الإطار المؤسّسي للدولة، وسعي السلطات الجديدة إلى تعزيز الطابع المركزي للسلطة السياسية والسيطرة على المجتمع، يسيران في الاتّجاه المعاكس.
مع ذلك، لم تبذل دمشق أيّ مجهودٍ لوضع برنامج لإعادة الإعمار، ناهيك عن تمويله، كما لم تُجرِ مشاورات مع الجهات المعنية الأساسية، سواء كانت محلية أم خارجية. وفي ظلّ غياب مبادرة منسّقة على المستويَين الوطني والدولي، لجأت الحكومة السورية إلى مزيجٍ غير متجانس من المراسيم المتعلقة بالسياسات الاقتصادية ومشاريع الاستثمار. وتتجلّى هذه التناقضات بوضوح: فبعض الأصول المملوكة للدولة آيلة إلى الخصخصة بطريقة تبدو عشوائية، من دون شفافية تُذكر بشأن المستفيدين وشروط البيع، ما يجعل العملية عرضةً لعودة المحسوبيات. في المقابل، تُجرى إصلاحات في شركات الدولة، وهي تُظهِر "ديناميكية متجدّدة" وفقًا للنشرة الاقتصادية المرموقة Syria Report. وتذكر النشرة أيضًا أن مشروع قانون الضرائب المطروح حاليًا يقلّل بشكلٍ كبير من الضرائب المفروضة على الأفراد والشركات بحجّة تشجيع بيئة الأعمال، لكنه في المقابل يُقيّد بشكلٍ أكبر قدرة الدولة، التي تعاني من شحّ السيولة، على الاستثمار في إعادة تأهيل البنية التحتية وتطويرها، واستعادة القوى العاملة الماهرة، وتحفيز القطاعات الإنتاجية وقطاع التصدير. لا بل أعلنت الحكومة أنها لا تنوي الاقتراض أو زيادة الإيرادات العامة، ما يعني عمليًا أنها ستعتمد على المنح، وهو ما لا يمكن اعتباره سياسة اقتصادية.
لقد أثار الرفع الجزئي للعقوبات الأميركية وغيرها، والمساعدات المالية المتواضعة من دول الخليج، والمحادثات الأولية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قدرًا من التفاؤل في البداية. وكذلك فعلت الاتفاقيات المبرمة مع شركات سعودية وقطرية وإماراتية لتنفيذ مشاريع كبرى في مجالَي البنية التحتية والطاقة، والتي تعهّد البنك الدولي بتقديم منحة بقيمة 146 مليون دولار لتمويلها. كما قطع حاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر الحصرية وعددٌ من الوزراء التزامات علنية بتنفيذ إصلاحات لتحرير السوق، بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية، وإزالة العوائق أمام التجارة، وتحقيق استقرار العملة، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. لكنْ من غير الواضح كيف تختلف هذه التوجهات عن سياسة التحرير الاقتصادي التي اتّبعها نظام الأسد، وما طبيعة السياسات الضريبية والاستثمارية وسياسات الدعم التي تتضمّنها. وبشكلٍ أعمّ، لا تزال الوعود أكثر من الإنجازات الملموسة، فيما تبقى السيولة شحيحة بالرغم من إعادة ربط النظام المصرفي السوري بنظام "سويفت" الدولي للتحويلات المالية، وهي خطوة مرحّب بها.
تجد السلطات نفسها في مأزقٍ صعب: فلم يعد بالإمكان التحجّج بالعقوبات الدولية الخانقة لتبرير المعاناة المستمرة، في حين أن الفوائد الناتجة عن الاستثمارات في البنية التحتية والطاقة لن تظهر إلا بعد وقتٍ طويل. وفي الأثناء، يبرز التطوير العقاري كحلٍّ سريع – كما حدث في السنوات الأخيرة من حكم الأسد – علمًا أنه لا يفيد سوى قلّةٍ قليلة من السوريّين القادرين على تحمّل تكاليف العقارات وسط الارتفاع الجنوني في أسعار الأراضي وأزمة إسكان خانقة للفئات ذات الدخل المنخفض. وما يسلّط الضوء أكثر على الحاجة إلى اعتماد مقاربة وطنية شاملة، هو أن التعافي الاقتصادي يعتمد بدرجةٍ كبيرة على التوصّل إلى تسويات سياسية توافقية وعلى ترتيباتٍ أمنية موثوقة تتيح إعادة دمج مناطق الإدارة الذاتية الكردية الغنية بالموارد في شمال شرق البلاد ومحافظة السويداء الجنوبية دمجًا كاملًا تحت مظّلة الدولة الموحّدة.
من الواضح أن السلطات في دمشق تواجه خياراتٍ صعبة متعلّقة بكيفية ضخّ الأموال في الأسواق المحلية، وتجديد موارد الدولة المُستنزَفة، وإعادة إحياء الاقتصاد الرسمي. وفي حال أخفقت في تحقيق هذه المهمة، لن تتمكّن على الأرجح من توطيد أركان حكمها. لكن اندفاع السلطات الجديدة نحو تحقيق تدفّقات نقدية سريعة، وفكّ القيود التنظيمية الموروثة من حقبة الأسد، واستعادة سيطرة الحكومة المركزية، كلّها عوامل تترك المنتجين المحليّين عرضةً لنقص السيولة والائتمان، ولتدفّق الواردات الرخيصة. وقد أدّى ذلك إلى تركُّز 80 في المئة من الشركات الجديدة في العاصمة، ما فاقم أوضاع الأُسر التي تعتمد على دعم الغذاء والوقود، وزاد من أوجه التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، وسمح للفصائل الموالية للحكومة وحلفائها من العشائر بالاستيلاء على أراضٍ، ما يرسّخ العدوانية المسلّحة كنهجٍ اقتصادي. وحتى لو ترافق ذلك مع تدفّق الاستثمارات إلى البلاد، لا يمكن للنجاحات الدبلوماسية التي حقّقها الشرع أن تعوّض عن مكامن الضعف البنيوية في الاقتصاد المحلي الشديد الاختلال.




