المصدر: Getty
مقال

هدية مسمومة لسيمون كرم

سيتولّى المفاوض مهمّةً حساسةً تتمثّل في صون السيادة اللبنانية المتآكلة، والتوافق مع نبيه برّي.

نشرت في ١٠ ديسمبر ٢٠٢٥

كان تعيين لبنان لسيمون كرم مفاوضًا مدنيًا مع إسرائيل في إطار ما يُعرَف بلجنة الميكانيزم إجراءً لا مفرّ منه. ولا شكّ في أنه نُفّذ تحت الضغط، إلا أنه لا يمثّل حتى الآن تطبيعًا مع إسرائيل، كما شدّد رئيس الوزراء نواف سلام في 3 كانون الأول/ديسمبر.

لكن لا يجوز أن نقع في الوهم، فإسرائيل والولايات المتحدة تريدان إحداث شرخٍ يمكن أن يفضي في نهاية المطاف إلى اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل، وإقحام اللبنانيين (والسوريين) في الاتفاقات الإبراهيمية. ويسعى الإسرائيليون والأميركيون على السواء إلى تحييد التهديد الآتي من الحدود اللبنانية الجنوبية بصورة دائمة. هذا الأمر يعني، بادئ ذي بدء، أنهم سيحاولون فرض ضمانات أمنية، ستشمل على الأرجح آليات مراقبة داخل لبنان، وإجراءات تهدف، من جملة أمور أخرى، إلى انتقاء مَن يُسمَح له بدخول القرى الحدودية بدقّة.

يمتلك اللبنانيون بضع أوراقٍ تتيح لهم التصدّي لتفضيلات الإسرائيليين والأميركيين. ولنطرح جانبًا خرافة أن "المقاومة" تشكّل درعًا فعّالًا ضدّ إسرائيل. فبفضل استراتيجية وحدة الساحات غير الصائبة التي اتّبعتها إيران وحزب الله، أصبح الإسرائيليون اليوم يحتلّون الأراضي اللبنانية مجددًا. أما على الصعيد الإقليمي، فمعظم الدول العربية النافذة تنظر إلى النوايا الإسرائيلية بتعاطف، أو هي أضعف من أن تحبطها. وهكذا، قد تكون المفاوضات التي تُجرى في إطار الميكانيزم أرجأت العدوان الإسرائيلي الشامل الذي توقّعه الكثيرون. لكن حالما يرفض لبنان ما يعتبره الإسرائيليون مطالب أساسية، من المؤكّد أن إسرائيل ستصعّد هجماتها بشكل كبير لترغم لبنان على تغيير موقفه. وكرم يعلم أنه قد يفاوض قريبًا تحت النار.

والواقع أن مَن يؤيّدون موقفًا لبنانيًا متحدّيًا يعجزون عن طرح أفكار مقنعة. إذا كان محكومٌ على المقاومة بالفشل، إلى حدٍّ كبير لأن حزب الله فَقَد الكثير من الدعم الذي كان يحظى به في البلاد، ولأن الشيعة يعانون من دمار هائل وقاس، فما هي الخيارات المتاحة أمام لبنان؟ لقد أدرك رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، جيدًا المخاطر الوجودية التي تهدّد طائفته، ولهذا السبب أرسل مساعده علي حسن خليل إلى إيران مؤخّرًا ليشرح لمحاوريه الإيرانيين المخاطر التي يواجهها شيعة لبنان. ولهذا السبب أيضًا يُقال إن المرجع الشيعي العراقي الأعلى، السيد علي السيستاني، عبّر للإيرانيين عن ضرورة "حماية" شيعة لبنان، في خطوة غير مسبوقة تُحذّر ضمنيًا من التعنّت الإيراني.

ويجب ألا ننسى أيضًا أن آخر مرة رفض فيها لبنان اتفاق الانسحاب مع إسرائيل، أي معاهدة 17 أيار/مايو 1983، واصل الإسرائيليون احتلال الأراضي اللبنانية لستة عشر عامًا إضافيًا (أُلغي الاتفاق رسميًا في العام 1984). ولذا، إن طريق العناد الشجاع مسارٌ قلّةٌ من اللبنانيين ترغب في سلوكه، ولا سيما إذا كان سيقود إلى خسارة دائمة لمساحاتٍ شاسعة من الأراضي اللبنانية.

ما الشكل الذي قد تتّخذه المفاوضات مع إسرائيل؟ بعد يومٍ من اجتماع الوفد اللبناني بالمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس في 3 كانون الأول/ديسمبر، أفادت تقارير إعلامية غير مؤكّدة بأنّ الجانبَين ناقشا إضافة المزيد من المفاوضين المدنيين. كرم هو المدني الوحيد في الفريق الحالي المؤلّف من ضبّاط عسكريين، مع أن البيان الصادر عن القصر الجمهوري لإعلان تعيينه نَصَّ بوضوح على أنه كُلّف بـ"ترؤّس" الوفد اللبناني. هذه الصياغة اختلفت تمامًا عن الموقف اللبناني مؤخّرًا، الذي وافقت فيه بيروت على إضافة مدنيين إلى فريق التفاوض، ولكن بصفة مستشارين تقنيين فقط. أما الآن، فلا يترأّس مدني الوفد رسميًا فحسب، بل في ضوء ذلك، سيُفسَّر أيضًا أيُّ قرارٍ لاحقٍ بإضافة مدنيين على أنه أكثر من مجرّد تقديم دعم تقني.

ما لا شكّ فيه أنّ الإسرائيليين يدركون أن قدرة الجيش اللبناني على استخدام القوة لنزع سلاح حزب الله محدودة للغاية. ومع ذلك، قد يكون الافتراض بأن هدف إسرائيل الرئيس هو نزع سلاح الحزب مغالطةً في فهم ما يفكّر فيه الإسرائيليون. تبقى هذه غايتهم الأساسية بالطبع، ولكن من المرجّح أيضًا أن إسرائيل تسعى إلى تغيير البيئة اللبنانية الأوسع التي تَمكَّن حزب الله وإيران من ترسيخ نفسَيهما فيها تغييرًا كاملًا. بعبارة أخرى، ما يريده الإسرائيليون هو إرساء واقع جديد في الجنوب، يستطيعون فيه فرض ضمانات أمنية وفق ما يناسبهم، كما فعلوا في غزة وسورية، ولكن أيضًا الشروع في عملية تطبيع أوسع تُنهي احتمال وقوع هجمات عبر الحدود، وتحديدًا من خلال شكل من أشكال الاتفاق مع لبنان.

وفي ضوء ذلك، كان تعيين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أوري ريزنيك رئيسًا للفريق الإسرائيلي، بوصفه نظيرًا لكرم، خطوةً ذات دلالات. فبهذا التعيين صوّر الإسرائيليون المفاوضات على أنها "محاولة أوّلية لوضع أساس لعلاقةٍ وتعاونٍ اقتصادي بين إسرائيل ولبنان". وكان التركيز على الاقتصاد حاضرًا أيضًا في بيانٍ صدر بعد الاجتماع الأول، الذي قال الإسرائيليون إنه "عُقِد في جوّ إيجابي، حيث اتّفق الطرفان على العمل على أفكارٍ لتعاون اقتصادي محتمل..."، وإن أضافوا أن "إسرائيل أوضحت وجوب نزع سلاح حزب الله بغضّ النظر عن تعزيز التعاون الاقتصادي".

كان التركيز على الاقتصاد لافتًا، لأنّ اللبنانيين حرصوا على القول إنهم لن يناقشوا القضايا الاقتصادية، ولأن ذلك قد يعيد إلى الأذهان طرحًا حمله معه المبعوث الأميركي السابق إلى لبنان، توم برّاك، في آب/أغسطس الماضي. فقد اقترح، على ما أُفيد، إقامة منطقة اقتصادية في الجنوب من شأنها أن تولّد فرصًا اقتصادية، وتمنح السكان حافزًا للتخلّي عن حزب الله. لم يعد مشروع برّاك مطروحًا على الطاولة، شأنه شأن الكثير من الأفكار التي قدّمها هذا المبعوث المتقلّب، ولكن ربما كان مصدر هذه الخطة أساسًا وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي السابق، رون ديرمر. فهل هذا ما كان يفكّر فيه الإسرائيليون في بيانهم، أم هل أن نتنياهو كان يتحدّث عن التنقيب عن النفط، كما أفاد محلّل لبناني كان سابقًا مستشارًا لرئيس الوزراء اللبناني؟

أحد الأمور التي قد يتعيّن على كرم التنبّه لها هو أنّ الإسرائيليين سيأتون إلى المفاوضات من زوايا جانبية تلامس مسألة نزع سلاح حزب الله، من دون أن تتطرّق إليها مباشرةً. وقد يفعلون ذلك ليقوّضوا تدريجيًا الموقف اللبناني الرافض توسيع المفاوضات لتطال مسائل قد تشير إلى التطبيع. والمفارقة أن الابتعاد عن مسألة سلاح الحزب قد تريح اللبنانيين، الذين لا يريدون أن يُحشَروا في الزاوية في هذا الشأن. فمطالب لبنان الثلاثة الأساسية ستكون انسحاب إسرائيل من الجنوب، وترسيم الحدود، وإعادة اللبنانيين القابعين في السجون الإسرائيلية. ولكن إن رفضت إسرائيل مناقشة هذه المواضيع قبل إحراز تقدّم في مسألة سلاح حزب الله، فستترتّب عن ذلك مخاطر. فحين تصل المفاوضات إلى طريق مسدود، يكون أحد المخارج توسيع نطاق النقاش لتحقيق اختراقات، إلا أن ما يعنيه ذلك هو أن جدول الأعمال قد يفلت من سيطرة اللبنانيين. أما المخرج الآخر، فهو أن يرفع أحد الطرفَين، وفي هذه الحالة إسرائيل، مستوى العنف، ويُرغم الخصم على قبول شروطه.

ستتمثّل مهمّة كرم الرئيسة في صون أكبر قدرٍ ممكن من السيادة اللبنانية، وفي الوقت نفسه الحدّ من نطاق ما يُطرَح للنقاش لتجنّب إثارة ردّ فعلٍ محلي من برّي وحزب الله. وسيكون جزءٌ كبير من هذا الدور الحفاظ على تأييد برّي، مع العلم أنه أكثر مرونةً بكثير من الحزب بشأن نزع سلاح هذا الأخير. ففي مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، أصدر حزب الله كتابًا مفتوحًا أكّد فيه معارضته نزع السلاح والمفاوضات مع إسرائيل، ووجّهه إلى رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، الأمر الذي أزعج برّي من دون شكّ. لكن كرم ليس مارونيًا من جبل لبنان لا يفقه جيدًا مخاوف الشيعة؛ فهو من مدينة جزين الجنوبية، ويحمل إرث خاله الراحل جان عزيز، الوزير والنائب الشهابي، كما تربطه علاقات طويلة الأمد بشخصيات من الطائفة الشيعية، حتى وإن كانت علاقته بحزب الله ليست على أفضل ما يرام. بعبارة أخرى، يمتلك كرم على الأرجح ما يلزم للعمل مع برّي إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

لقد جاء تعيين كرم بمثابة هديةٍ مسمومةٍ له من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، تعكس تقديرًا لخبرته، ولكن تجعله أيضًا عرضةً للانتقاد في حال تعثّرت المفاوضات. لكن على عكس أنطوان فتّال، الذي ترأّس المفاوضات مع إسرائيل في العامَين 1982-1983، والذي اختفى بعد التخلّي عن اتفاق 17 أيار/مايو 1983، تتوافر لكرم عوامل عدّة تعمل لصالحه: فقد سئم معظم اللبنانيين الطريقة التي حوّل بها حزب الله بلدهم إلى ساحة قتال مع إسرائيل، ما أسفر عن حربَين لا طائل منهما، لم يكسب لبنان منهما شيئًا وخسر الكثير؛ وهذه المرة، تحظى المفاوضات بدعم غير مُعلَن من شخصية شيعية رئيسة لها قاعدة شعبية واسعة؛ وبعد خمس سنوات من الانهيار المالي في لبنان، يريد معظم الناس ببساطة دولة فعّالة يمكنها تحسين مستوى معيشتهم، لا دولة حامية تدعم ميليشيا مستقلّة بموازاة الجيش اللبناني. سيتعيّن على كرم أن يوظّف هذه الوقائع لتعزيز موقعه التفاوضي إذا ما أراد النجاح في مهمّته.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.