المصدر: Getty
إطلالة سياسية، أيار/مايو 2012

النظام الناشئ في الشرق الأوسط

أفضل أملٍ لتحقيق المصالحة ودعم الديمقراطية في العالم العربي يأتي من التركيز على الإصلاح الاقتصادي والمسائل الملموسة الأخرى.

بات النظام السياسي الناشئ في منطقة الشرق الأوسط بعد مرور أكثر من عام على الانتفاضات العربية، يتميّز بتحوّلات كبيرة في كل بلد على حِدَة، وكذلك على الصعيد الإقليمي. فعلى الصعيدين المحلّي والدولي، ثمة أطراف فاعلة جديدة آخذة في الظهور في مواقع قوية فيما تتلاشى أهمية أطراف أخرى. الأحزاب الإسلامية آخذة في الصعود، في حين يفقد العديد من القوى العلمانية السلطة. وفي مختلف أنحاء المنطقة، برزت المخاوف الاقتصادية إلى الواجهة. هذه التغييرات الداخلية لها آثار على كل الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة. وثمة عدد من الخطوات الاقتصادية والسياسية الأكثر طموحاً التي يتعيّن على الغرب اتخاذها للردّ على هذه التحولات في السلطة، والانخراط مع هؤلاء اللاعبين الجدد.

في المجال السياسي، تعدّ مطالبة الحركات الإسلامية بتبنّي أجندات إيديولوجيّة واسعة تؤيّد العلمانية وتشمل الالتزام الفلسفي بالقيم الأساسية مثل حقوق المرأة، مقاربة مخطئة. بدلاً من ذلك، ينبغي للأطراف الدولية الفاعلة أن تركّز على بعض القضايا المحدّدة جداً بوجه خاص، مثل المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والحفاظ على العلاقات القائمة بموجب المعاهدات، ومبدأ التسويات السلمية للمنازعات الدولية. فمثل هذه الضغوط ستكون أكثر فعالية إذا كانت منسّقة، ولذلك على جميع الأطراف أن تسعى إلى التصرّف بصورة منهجية. وينبغي للمجتمع الدولي أيضاً توسيع انخراطه على نحو يتجاوز عدداً قليلاً من نخبة الأطراف السياسية الفاعلة، وتركيز الجهود الدبلوماسية على بناء جسور مع مجتمعات بأكملها. في نهاية المطاف، قد يكون هناك القليل مما يمكن للغرب القيام به لتقليل الشكوك المتبادلة القائمة بين القوى الإسلامية والعلمانية في هذه البلدان، لكن يجب أن يعمل لإشراك الإسلاميين والعلمانيين في جميع تعاملاته مع المنطقة العربية.

يرجّح أن يكون هذا النوع من التعاون أكثر فعالية عندما يتعلّق الأمر بقضايا ملموسة محدّدة مثل الاقتصاد. فالعديد من الحكومات الجديدة في جميع أنحاء العالم العربي لديها ولايات قصيرة لإحداث التغيير قبل أن يصوّت الناس مرّة أخرى، لذا يجب أن يكون التركيز المباشر على أهداف قصيرة الأجل يمكن تنفيذها خلال دورة انتخابية واحدة. وسيكون خلق فرص عمل أولوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويمكن أن يدعم المجتمع الدولي هذه العملية من خلال زيادة المساعدات المالية، وتوفير الخبرة الفنية، والمساعدة على إنشاء أُطُر تنظيمية وقانونية من شأنها تعزيز مشاريع الأشغال العامة الشاملة، وبالتالي خلق فرص عمل. كما ينبغي للأطراف الدولية الفاعلة المساعدة على تطوير القطاع الخاص في هذه البلدان من أجل تعزيز النموّ ومساعدة اللاعبين المحلّيين في تدبّر أمر التوقّعات الاقتصادية للجماهير العربية. ويتعيّن على الاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، تعديل شروطه الحمائية التجارية مع المنطقة.

في نهاية المطاف، يكمن أفضل أمل لتحقيق المصالحة في العالم العربي، في التركيز على الإصلاح الاقتصادي وقضايا أخرى ملموسة. ومن شأن القيام بمحاولة مُخطَّط لها لجمع الفصائل المعارضة بهذه الطريقة أن يشكّل مساهمة في تعزيز الديمقراطية في هذه البلدان، أكثر من مشاريع تعزيز الديمقراطية أو فرض مشروطيّات سياسية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.