في خطوة مفاجئة، تداولت وسائل الإعلام العمانية والدولية في 26 ديسمبر 2022 خبر مبادرة مجلس الشورى العماني باقتراحٍ يُوسِّع قانون مقاطعة إسرائيل، أتى ذلك عقب تسريبات عن تقارب وشيك أكبر بين الدولتيْن، وبعد سنوات قليلة من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسقط ولقائه السلطان الراحل قابوس بن سعيد في عام 2018.
بادر سبعة أعضاء في مجلس الشورى إلى اقتراح تعديل المادة الأولى من القانون آنف الذكر والصادر فيعام 1972، مقترحين "التوسّع في التجريم والتوسّع في مقاطعة الكيان، ليشمل الجوانب التقنية، أو الثقافية، أو الاقتصادية أو الرياضية، وحظر التعامل بأي طريقة كانت، سواء واقعية أو إلكترونية أو غيرها"، وفقاً لما أفاد به نائب رئيس المجلس يعقوب الحارثي.
ورغم أنّ هذا التعديل يُفصّل مجالات الحظر، إلاَّ أنه لا يُغيّر من شمولية أو عمومية التجريم بموجب النص الصادر في عام 1972 حين حظر على الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين العمانيين عقد اتفاق مع أي هيئةٍ أو شخصٍ مقيمٍ في إسرائيل أو يعمل لمصلحتها سواء أكان محل الاتفاق "صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل آخر أياً كانت طبيعته". ولم تورد التسريبات الصحفية أنّ المقترح احتوى تغليظاً في عقوبة المخالفين لهذا القانون الذي تُعاقب مادته السابعة بالسجن من ثلاث إلى عشر سنوات، مع جواز فرض غرامة مالية.
ما تزال الخطوة مجرّد مقترح في أروقة المجلس، وليس قانوناً نافذاً، حيث سيأخذ دورته الإجرائية الطبيعية، سواء في مجلس الشورى، ثم مجلس الدولة، ثم مجلس الوزراء، ثم مجلس عُمان، ثم يُرفع أخيراً إلى السلطان لاعتماده عبر مرسوم سلطاني.
نال الخبر تفاعلاً محلياً واهتماماً نادراً من قبل الصحافة العالمية، وقد أصدر مفتي السلطنة بياناً يساند الخطوة، وكان من اللافت أنّ وزير الخارجية الُعماني السيد بدر بن حمد البوسعيدي صرّح لوكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، أنّ قرار مجلس الشورى القاضي بتجريم التطبيع مع إسرائيل يُعد "تجسيداً لتطلعات الشعب العماني وسائر الدول الإقليمية من أجل التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفقاً للمعايير الدولية ومبادرة السلام العربية". وأشادت جهات فلسطينية متعددة، مثل حركة حماس، بهذه الخطوة.
عند تجاوز اللغط الإعلامي، يجب على المتابع أن يضع في اعتباره أنّ المشهد السياسي في السلطنة شديد المركزية، ولا يَسَعُ اجتهادات أو حراك لاعبين متعددين حتى وإن كانت هيئة منتخبة كمجلس الشورى. إنّ المساحة التي خُلقت لمجلس الشورى أو دُفع إليها، تُعبّر عن صانع القرار ورغبته في استخدامها في لعبة المساومات السياسية الإقليمية، ورمزية الخطوة وتوقيتها ودلالاتها والصخب الإعلامي الذي رافقها يشي بأكثر من تداعياتها التشريعية المباشرة.
فرغم قانون مقاطعة إسرائيل الصادر في عام 1972، بدأت العلاقات العمانية الإسرائيلية سريّة في عقد السبعينيات الماضي حين استعانت الحكومة العمانية بخبرات إسرائيلية في إخماد الثورة الماركسية في إقليم ظفار جنوبي البلاد، وتخللتها زيارات أمنية متبادلة رفيعة المستوى بين الطرفين، وشهدت كذلك دعم السلطنة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية ورفضها قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر إثر ذلك أسوة بقرار الجامعة العربية حينها. امتدّ التعاون ليشمل مجالات أخرى مثل الريّ والزراعة والتجارة، ثمّ انتقلت العلاقات إلى الطور العلني إثر مؤتمر مدريد عام 1991 واتفاقية أوسلو للسلام عام 1993، ليفتتح الجانبان مكاتب تجارية في مسقط وتل أبيب، ويتبادلان زيارات رسمية، ومؤخراً دعمت السلطنة اتفاقات أبراهام دون أن تنضمّ إليها رغم التكهنات العديدة بذلك.
ومع إعلان المملكة العربية السعودية فتح مجالها الجويّ أمام الطيران التجاري الإسرائيلي في يوليو 2022، بقت هذه الخطوة قليلة الفائدة للرحلات الإسرائيلية ما لم تُفتح لها الأجواء العُمانية، حيث يظل الطيران الإسرائيلي يسلك خط البحر الأحمر ومنه عبر المحيط الهندي، ممداً مسار الرحلات المتجهة إلى آسيا وأستراليا وكلفتها.
وحسب التصريحات الإسرائيلية المتواترة فقد حصلت إسرائيل على موافقة مبكرة وصريحة بذلك من السلطان قابوس في عام 2018 إثر لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مسقط، أعقبته مشاركة وزير النقل والاستخبارات يسرائيل كاتز في مؤتمر النقل الدولي بمسقط في عام 2018، بل وأعلنت دينا بن تال كبيرة التنفيذيين في طيران العال الإسرائيلي أنّ الموافقة العُمانية سوف تصدر في غضون أيام في أغسطس 2022 بُعيد الموافقة السعودية.
إلاّ أن السلطات العُمانية ترددت إثر ضغوط واتصالات إيرانية مع مسؤولين عمانيين رفيعي المستوى، تزامنت مع لقاءات إسرائيلية وأمريكية في مسقط وواشنطن في نوفمبر 2022 تضغط على السلطنة لحذو خطى السعودية عارضة حوافز اقتصادية، إلاّ أن عُمان حسمت أمرها برفض الطلب الإسرائيلي الأمريكي.
ويبدو أن الرفض العُماني أخذ في اعتباره الضغوط الدبلوماسية الإيرانية، والهجوم على ناقلة النفط الإسرائيلية قبالة ساحل عُمان في نوفمبر 2022، ومخافة تصدير الحرس الثوري الإيراني الإشكالات الداخلية الإيرانية عبر افتعال نزاع أوسع في خليج عُمان.
وفي سبيل تعزيز موقفه السياسي وإضفاء غطاء شعبي عليه، استعار النظام العُماني من الممارسات السياسية الإقليمية، وتحديداً من إقرار مجلس الأمة الكويتي في مايو 2021 تعديلات توسّع من قانون مقاطعة إسرائيل، وإقرار البرلمان العراقي في مايو 2022 مسودة قانون يجرّم العلاقات مع إسرائيل حاملاً عقوبات تصل إلى الإعدام للمخالفين، ليدفع مجلس الشورى العُماني باقتراح يُوسِّع قانون مقاطعة إسرائيل.
ورغم خطوة مجلس الشورى هذه، إلاّ أنّه في حكم المؤكد أنّ العلاقات العُمانية الإسرائيلية سوف تستمر هادئة وغير رسمية، وسوف تحافظ السلطنة على دورها الإقليمي كلاعب وسيط يصغي لمختلف الأطراف، إلاّ أنّه لن يكون من المفاجئ أن يُعلن عن فتح الأجواء العمانية أمام الطيران التجاري الإسرائيلي في أيّ لحظة في المستقبل المنظور1، وسوف يكون ذلك منوطاً بحسبة معقدة تضع في اعتباراتها الديناميات الإقليمية والداخلية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية.
حمد الغيثي/ كاتب ومترجم من عُمان، متخصص في الوراثة التطورية. له عدة كتب مترجمة، منها للمؤلف الإسرائيلي يوفال نوح هراري كتاب (الإنسان الإله؛ تاريخ وجيز للمستقبل). لمتابعته على تويتر @HamedAlGhaithi
ملاحظة:
- كُتب هذا المقال قبل يوم الخميس 23 فبراير 2023 حين أعلنت سلطنة عمان فتح أجوائها للطيران الإسرائيلي بكافة أنواعه.