وجّهت مجموعة بريكس، عقب قمتها التي عُقدت في جوهانسبرغ في آب/أغسطس الماضي، دعوات إلى خمس دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإيران، ومصر وإثيوبيا، بالإضافة إلى الأرجنتين للانضمام إلى عضويتها. وفي الأول من يناير، تم الترحيب رسميًا بانضمام هذه الدول الخمس إلى هذا التكتل. وجاءت هذه الخطوة لتوسيع مجموعة بريكس خلال مناقشات عن مبادرات جديدة لإلغاء التعامل بالدولار في التجارة والمعاملات المالية، لا سيما من خلال استخدام اليوان الصيني وغيره من العملات المحلية.
ثمة حوافز عدة لانضمام السعودية والإمارات العربية إلى مجموعة بريكس الموسعة. أولها الحاجة الملموسة إلى إعادة إرساء التوازن والتحوط في اصطفافاتهما الاقتصادية والجيوسياسية في بيئة عالمية تشهد تحولات سريعة. ففي أعقاب أفول نظام بريتون وودز في سبعينيات القرن العشرين، دُفعت السعودية وغيرها من البلدان المصدّرة للنفط في الشرق الأوسط إلى تعزيز السيطرة المستمرة للدولار الأميركي بوصفه عملة الاحتياطي العالمية والعملة المفضّلة للتجارة الدولية. واقتضى ذلك ربط عملات هذه البلدان بالدولار، وإعادة توجيه الفوائض التي حققتها بالدولار من مبيعاتها النفطية إلى الاقتصاد الأميركي، وإقراض هذه الفوائض إلى دول أخرى، ما أدى إلى إنشاء نظام البترودولار.
مع بزوغ الألفية الجديدة، أصبحت الولايات المتحدة مصدِّرًا صافيًا للنفط والغاز، وبرزت آسيا، وعلى رأسها الصين، الجهة الشارية الرئيسة لنفط الشرق الأوسط. وهكذا من شأن عضوية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مجموعة بريكس الموسّعة أن تعيد ضبط ديناميات العلاقة مع الصين أي بين البائع والشاري ضمن إطار واحد متعدد الأطراف، وتقود فهمًا أفضل للمصالح المتبادلة، ولا سيما في ما يتعلق بتحديد الأسعار وسلاسل التوريد. وإلى جانب العضوية في مصرف التنمية الجديد، الذي أسّسه أعضاء مجموعة بريكس في عام 2014، وانضمت إليه الإمارات، فإن الانضمام إلى مجموعة بريكس الموسعة سيساعد أيضًا هذين البلدَين الغنيين برؤوس الأموال على الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق الصينية.
قد تعمد السعودية والإمارات أيضًا إلى توسيع الشراكات الاقتصادية مع الهند التي انتقدت مبادرة الحزام والطريق الصينية واستخدام اليوان الصيني في التجارة الدولية. وسوف يساهم الانضمام إلى مجموعة بريكس الموسعة في تسهيل وتنسيق الاستثمارات الإماراتية والسعودية في الهند التي تسعى وراء رأس المال لتطوير بنيتها التحتية وقطاع التصنيع لديها، وكذلك في الخطط العابرة للحدود المدعومة من الهند، مثل الممر الاقتصادي الذي اقتُرح في الآونة الأخيرة بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وعلى نطاق أوسع، من شأن ضم السعودية والإمارات إلى مجموعة بريكس الموسعة، التي ضغطت الهند من أجل إنشائها، أن يعيد إرساء التوازن عبر الحد من هيمنة الصين داخل التكتل، وأن يساعد على تهدئة العلاقات بين نيودلهي وبيكين.
ويمكن أن يؤدي توسيع مجموعة بريكس إلى تعزيز نفوذ التحالفات الأخرى غير الغربية في المحافل الاقتصادية العالمية، بما يعيد تشكيلها في نهاية المطاف كي تتأقلم على نحو أفضل مع العالم الناشئ المتعدد الأقطاب. وسيستفيد مجلس التعاون الخليجي مثلًا من انضمام عضوَيه الأبرز إلى مجموعة بريكس الموسّعة، نظرًا إلى دورها المتنامي في مجموعة العشرين بما يرسي توازنًا في مقابل مجموعة السبع. ومن شأن ضم دول على غرار إندونيسيا أو ماليزيا إلى مجموعة بريكس الموسعة أن يعزز هذا المسعى التعاوني، بما يؤدي إلى الربط بين رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأفريقي في إطار واحد متعدد الأطراف خاضع لسيطرة جهات غير غربية.
أبعد من هذه الحوافز المشتركة، لكل من السعودية والإمارات منطقه الخاص للعضوية في مجموعة بريكس الموسعة. ليس للإمارات اقتصاد ضخم بقيمة تريليونات الدولارات، ولكنها تضطلع بدور كبير على نحو غير متكافئ في قطاعات الطاقة والتجارة والتمويل الدولية، وانضمامها إلى مجموعة بريكس الموسعة شاهدٌ على مكانتها بوصفها مركزا عالميا. أما السعودية فمن شأن انضمامها إلى مجموعة بريكس الموسعة أن يشكل انتقالًا محوريًا من دولة تصطف بصورة أساسية إلى جانب الولايات المتحدة إلى قوة إقليمية مستقلة ذات تأثير دولي، بما يعكس المسار الذي عرفته تركيا المجاورة في الأعوام العشرين الماضية.
قد يساعد التحالف، من خلال توسعه إلى ما هو أبعد من حدوده "المصغرّة"، الدول الأعضاء على الالتفاف على بعض الحواجز التي تحد من نفوذها في النظام المتعدد الأطراف الخاضع بصورة أساسية لقيادة الغرب. والهدف في الأجل الطويل هو إعادة كتابة قواعد هذا النظام واستحداث آليات مبتكرة للتعاون العالمي، من خلال الاستفادة من التكنولوجيات الرقمية الجديدة والاتصال المادي المعزز. فالعضوية في مجموعة بريكس الموسعة تتيح لبلدان مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة فرصة للاضطلاع بدور نشط في تشكيل هذا المشهد الناشئ.
ألكسندر كاتب خبير اقتصادي ومحلل مالي معتمد. وهو مؤسس ورئيس مجلس إدارة The Multipolarity Report التي أسسها بعد عشرين عامًا من عمله خبيرًا اقتصاديًا واستراتيجيًا في شؤون الاستثمار ومستشارًا للسياسات. لمتابعته عبر منصة "إكس": @AlexandreKateb.