حولت الحرب المندلعة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 نيسان/ أبريل 2023، السودان إلى بيئة خصبة لانتشار السلاح في المناطق الآمنة، خاصة بعد إعلان قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان التعبئة العامة، لتبدأ قوى الأمن في عدد من المدن بتدريب آلاف الشباب المستنفرين في الميادين العامة، وهو أمر لم يعجب قوات الدعم السريع التي قامت بتجنيد الآلاف من مناطق دارفور التي ينحدر معظم جنودها منها.
تحدث البرهان في 3 كانون الأول/ ديسمبر، في مقر قيادة الجيش بولاية الجزيرة، عن حشد الولاية قرابة 40 ألف مستنفر للمشاركة في العمليات العسكرية، لكن سرعان ما اتخذ الدعم السريع هذا القول ذريعة للسيطرة على المنطقة التي تعد ثاني أكبر ولاية في البلاد من حيث الكثافة السكانية وتضم أكبر مشروع زراعي مروي، بعد انسحاب الجيش وقوى الأمن منها بطريقة مفاجئة.
صاحب سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة ارتكاب عناصره انتهاكات فظيعة وثقتها الحركة الاحتجاجية السلمية ومنظمات المجتمع المدني، فيما هدد قادته باجتياح ولايات سنار والنيل الأبيض والقضارف ونهر النيل، ما عزز مخاوف السودانيين من أن يصبحوا فريسة سهلة أمام مقاتلي الدعم السريع، فأسرع عشرات الآلاف منهم لحمل السلاح بتشجيع من الجيش الذي تعهد بتسليح مزيدًا من المدنيين المنضوين تحت المقاومة الشعبية في مناطق وسط وشمال وشرق السودان، دون وجود قيادة معروفة، لها رغم أن المسؤولين الحكوميين يحضرون أنشطتها الجماهيرية التي تجد تغطية واسعة من وسائل الإعلام المملوكة للدولة الخاضعة لسلطة الجيش.
يواجه هذا التسليح رفضٌ من القوى السياسية المؤيدة للديمقراطية التي تقول إن وراءه نظام الرئيس المعزول عمر البشير، ومع ذلك هناك دافعَيّن أساسيين لحمل المدنيين السلاح. الأول سياسي يتعلق ببحث الجيش عن توازن في القوى بعد فقدانه العديد من قواعده، في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة وفي أربع من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، مشجعًا المدنيين وحاشدًا حركات مسلحة من أجل الانتقال من وضعية الدفاع إلى الهجوم. أما الدافع الآخر فهو وجودي يتعلق بدفاع السودانيين عن أنفسهم وممتلكاتهم في حال الاجتياح المتوقع لقوات الدعم السريع لمناطقهم.
يُظهر تنامي التسليح ضعف ثقة المدنيين في قدرة الجيش على حمايتهم، ويقينهم من أن الدعم السريع لن يتورع عن ارتكاب أفظع الانتهاكات بحقهم، على الرغم من أن انتشار السلاح سيقود لاضطرابات أهلية على غرار ما حدث في إقليم دارفور من اقتتال أهلي دون توقف حتى في خضم الحرب الحالية. أسهم تملك المدنيين لثمانية ملايين قطعة سلاح، وفقًا لإحصائية رسمية قبل اندلاع الحرب، دون أن تتمكن الحكومة من جمع سوى 300 ألف قطعة فقط في غضون أربع سنوات، في توسع نطاق شن جماعات سكانية هجمات مميتة على جماعات أخرى من دارفور وكردفان إلى النيل الأزرق.
تؤدي الحروب الطويلة إلى تعطيل الأنشطة المدنية والتجارية والزراعية، وهذا يجبر السكان على استخدام السلاح للحصول على الموارد لا سيما الأرض التي يُنظر إليها في السودان بوصفها مدخلا للحصول على الثروة والسلطة المحلية. إذًا، كل المعطيات تؤكد على أن السلاح في أيدٍ المدنيين، والذي يتوسع يومًا بعد الآخر، سوف يستخدم في تصفية الخلافات الأسرية والعشائرية والقبلية، وهذه المرة سيكون الاقتتال على نطاق جغرافي واسع وأشد ضراوة في ظل الاستقطاب الحاد الذي يحدث حاليًا وانتشار خطاب الكراهية.
مع تضاؤل الآمال في إنهاء الحرب الحالية عبر التفاوض في المستقبل المنظور، لا يستبعد حدوث انشقاقات في الجيش وقوات الدعم السريع وبروز قادة حرب جُدد، وحينها ستعمل الأطراف المتصارعة على إغراق مناطق قواعدها الاجتماعية بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، لتكون وقودًا جديدًا في النزاع الذي سيخرج عن سيطرة الجميع حيث يكون مدفوعًا بثقافة الثأر.
يتطلب الوضع الحالي في السودان ضغطا دوليا قويا على طرفي الحرب لحل خلافاتها بطرق سلمية، ومن ثم العمل خلال فترة وجيزة على تيسير عملية سياسية لنقل السلطة إلى المدنيين، وفي حال عدم ممارسة ضغط دولي مؤثر ستدخل البلاد في اضطرابات أهلية ربما تمتد وتصل إلى دول مجاورة ذات تداخل قبلي مثل تشاد.
يوسف بشير، صحافي سوداني، لمتابعته على "أكس" @YouBasher.