المصدر: Getty
مقال

الذكاء الاصطناعي في إسرائيل: من الابتكار إلى الاحتلال

إن الاستخدام الإسرائيلي المتكرر والروتيني لتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) في التعدي على حقوق الفلسطينيين وانتهاكها يستوجب وضع أطر أخلاقية وقانونية ملزمة دولياً لتنظيم التكنولوجيا الناشئة.

 انوار محاجنه
نشرت في ٢ نوفمبر ٢٠٢٣

انطلقت تقنية الذكاء الاصطناعي (AI) انطلاقاً سريعاً لتصبح واحدة من أهم التقنيات الرقمية التحويلية في العالم، وتمكنت اسرائيل من اللحاق بركب هذا التطور لتصبح رائدة في استخدامه في المجالات العسكرية. وعلى الرغم من أن هجمات حماس الأخيرة قد أثارت الشكوك حول فعالية القدرات الإسرائيلية على استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الرصد والرقابة إلا أنه من المرجح أن يستخدم الجيش الإسرائيلي مزيجا من تقنيات القرصنة التي تعتمد على الطائرات بدون طيار لاستهداف مواقع حماس على الأرض في حال قررت شن هجوم بريٍ على غزة. وبهذه الطريقة، تقدم إسرائيل نهجاً عملياً لطرق التفاعل بين التقدم التكنولوجي والعلاقات الدولية وحقوق الإنسان – وهو نهج يستدعي الدراسة في الوقت الذي تحاول فيه الهيئات التنظيمية الوطنية والدولية أن تتوصل لأفضل سبل التكيف مع الذكاء الاصطناعي.

تتعدد الانجازات الإسرائيلية في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي ما بين التطبيقات المدنية والأمن القومي.  والواقع إن مظاهر الحداثة التي تشهدها الدولة العبرية بفضل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتي تتجلي في السيارات ذاتية القيادة ووسائط الحرب الالكترونية وتكنولوجيا الاستخبارات والمعلومات وأنظمة الأسلحة ذاتية الإطلاق تعزز القدرة العسكرية للبلاد. أما على الصعيد الأمني فتعتمد صناعة الأمن الإسرائيلية على علاقتها الوثيقة مع "جيش الدفاع الإسرائيلي" لتعزيز عمليات البحث والتطوير والتنفيذ لكل ما يستجد من تقنيات. وكجزء من عملية "التغذية المزدوجة"، تقوم وحدات التكنولوجيا العسكرية الرائدة في جيش الدفاع الإسرائيلي بتجنيد خريجي المدارس الثانوية الموهوبين وإلحاقهم بالخدمة العسكرية، حيث يتلقون التدريبات والخبرات الكبيرة التي تساعدهم عقب تسريحهم من الجيش على الالتحاق بالشركات الناشئة المختصة، في أغلبها، في مجالات الأمن السيبراني أو تأسيس شركاتهم الخاصة في المجال ذاته.

وهكذا يتضح أنه لا يمكن الفصل بين إنجازات إسرائيل في مجال الذكاء الاصطناعي وبين احتلالها للفلسطينيين. وقد سلطت العديد من التقارير الضوء على ما تقوم به اسرائيل من اختبارات واستخدامات لأنظمة الرصد والرقابة والشرطة التنبؤية التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأراضي الفلسطينية. وتستخدم اسرائيل في الضفة الغربية المحتلة تقنية التعرف على الوجوه استخداماً مكثفاً لتتمكن من مراقبة وتنظيم تحركات الفلسطينيين. ويكشف تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية أن إسرائيل تجبر الفلسطينيين على الخضوع لمسح التعرف على الوجوه الذي تستخدم به آلية ألوان مُرَمَّزة تساعد الجنود عند نقاط التفتيش شديدة التحصين في الخليل على اتخاذ قرارهم بشأن الأفراد الراغبين في العبور أما بالسماح لهم بالمضي قدما، أو إخضاعهم لمزيد من الاستجواب، أو احتجازهم. وعلى الرغم من أن إسرائيل لطالما فرضت القيود والرقابة على الفلسطينيين، إلا أن ما تقوم به الآن من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي سيساعدها على جمع المزيد من البيانات الشاملة بشكل أكثر كفاءة.

والحقيقة أن التفوق التكنولوجي الذي تتمتع به اسرائيل في مجال الذكاء الاصطناعي لا يساعدها على إدامة الاحتلال وحسب، بل يساعدها أيضا على أعادة تشكيل رؤيتها لطرق إدارتها للحرب - لا سيما من خلال استخدامها للطائرات بدون طيار، أو المركبات الجوية الآلية UAVs.  وتعتبر طائرة النسر الذهبي الآلية، الخفيفة الوزن وغير المكلفة اقتصادياً، مثالا ممتازاً على الأسلحة الإسرائيلية المعززة بالذكاء الاصطناعي، حيث تستخدم طائرات النسر الذهبي الآلية تقنيات الذكاء الاصطناعي في التصويب على الأهداف الثابتة والمتحركة وتتبعها بسلاسة ودقة في الوقت الفعلي، مما يضمن توجيه ضربات دقيقة للهدف على الأرض أو في الجو، بغض النظر عن ظروف الإضاءة.

وقد شن الجيش الإسرائيلي في عام 2021، ما وصفه بحرب الذكاء الاصطناعي الأولى في العالم، وهي حرب هجومية استمرت لمدة 11 يوماً على غزة وعُرِفَت إعلامياً باسم "عملية حارس الأسوار" وأسفرت عن مقتل 261 وإصابة 2,200 فلسطيني. وقد وصف القادة العسكريون الإسرائيليون تقنية الذكاء الاصطناعي بأنها عامل "مُضاعِف للقوة" يسمح للجيش الإسرائيلي باستخدام أسراب الطائرات الآلية بدون طيار لجمع ورصد بيانات المراقبة، وتحديد الأهداف، وتبسيط الخدمات اللوجستية في وقت الحرب.

يثير استخدام إسرائيل للأسلحة المعززة بالذكاء الاصطناعي تساؤلات أخلاقية عن قدرة التكنولوجيا على تسهيل العنف وزيادة تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم بينما لا تتكلف اسرائيل أي تكلفة بشرية تذكر في حربها ضد الفلسطينيين. لكن استخدام اسرائيل لتقنيات الذكاء الصناعي في انتهاك حقوق الإنسان لا يقتصر على الفلسطينيين وحسب، فإسرائيل هي واحدة من أكبر مصدري الأسلحة في العالم، وتعتمد العديد من الأنظمة القمعية حول العالم على برامج التجسس الإسرائيلية الصنع في مراقبة معارضيها. كما تستثمر إسرائيل في تطوير أنظمة أسلحة فتاكة ذاتية التشغيل (LAWS)، وبدأت بتصدير اسلحتها تلك إلى كل من تشيلي والصين، والهند، وكوريا الجنوبية، وتركيا.

يكشف استخدام إسرائيل لتقنيات الذكاء الاصطناعي عواقب الاعتماد على الجهود الفردية لكل دولة على حدة في تنظيم التقنيات الجديدة وحماية حقوق الإنسان. وبعبارة أخرى، فإن الافتقار إلى مبادئ إرشادية وأطر أخلاقية وقانونية دولية يتفق عليها العالم فيما يتعلق باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يقوي شوكة الحكومات الاستبدادية.  وقد كان للاتحاد الأوروبي سبق الريادة فيما يتعلق بوضع السياسات التي تحكم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الدولية، كما يتضح من قانون تنظيم الذكاء الاصطناعي الذي اقترحته المفوضية الأوروبية في 2021. لكن الاتحاد الأوروبي أولى الاهتمام الأكبر لتخفيف الأضرار الفردية الناجمة عن استخدام الذكاء الاصطناعي، بدلا من معالجة المخاطر العامة التي قد تتسبب بها هذه التقنية الحديثة للمجتمع. ولذلك، وقبل الشروع في الترويج للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي وتحويل هذه الفكرة المجردة من نظرية إلى واقع معاش يجب تقييم مخاطر هذه التكنولوجيا على المجتمع ولا سيما تأثيرها على الحقوق المدنية والاجتماعية، بما في ذلك الحق في الخصوصية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات، فضلا عن الحريات المدنية والاجتماعية الأساسية الأخرى.

انوار محاجنه هي مساعده في العلوم السياسية في كلية ستونهيل حيث تتركز ابحاثها ودراساتها حول القضايا الجندرية والدينية والأمن السيبراني والمعلومات المضللة وسياسات الشرق الأوسط. لمتابعتها على "أكس" @mhajneam.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.