في 2002 بدأ الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر، جهدا ليقدم عن نفسه صورة جديدة إصلاحية. كانت المطالبات بالمحاسبة السياسية والظروف الاجتماعية - الاقتصادية المتدهورة والسخط الشعبي على أداء الحكومات التي يقودها الحزب، قد أجبرته على إعادة النظر في صورته العامة. كما لعب دورا في هذا الشأن تزايد ميل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الضغط على مصر من أجل الإصلاح السياسي. مع ذلك، يبدو أن أهم العوامل كان القلق على مستقبل الحزب بعد أن لا يعود الرئيس المصري المُسن في السلطة.

في العامين الأخيرين حُقِن في الحزب الذي هيمنت عليه لوقت طويل شخصيات أكبر سنا، كادر من التكنوقراط الأصغر سنا - مهنيون ورجال أعمال وأساتذة جامعات - في منتصف طريقهم المهني. ويرتبط هذا "الحرس الشباب" الذي يجيد لغة الحديث عن سلامة الحكم وحقوق الإنسان، ارتباطا وثيقا مع نجل الرئيس مبارك، جمال، الذي يبلغ 41 عاما. وقد تولى جمال نفسه دورا متزايد البروز في الحزب، رئيسا لـ "اللجنة العليا للسياسات" المستجدة. وهذه الهيئة هي المركبة التي صاغ عليها الحرس الشباب البرنامج الحالي للحزب للإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وشعارات مثل "فلنصلح بيتنا أولا" و "حقوق المواطنين أولا". كما أعاد الحزب الوطني الديموقراطي بناء هيكله الداخلي بإدخال الانتخابات الأولية للمناصب القيادية وبإنشاء لجان متخصصة للسياسات وبعقد مؤتمر سنوي.

أدت تلك التحركات الجديدة ببعض المصريين إلى أن يتوقعوا أن الحزب موشك على تغيير جذري في أعماله الداخلية وتوجهه السياسي الخارجي. لكن يبدو أن هذه الآمال تذهب أدراج الرياح. فقد تبين أن البرنامج الإصلاحي للحزب الوطني الديموقراطي أجوف وفي تناقض صارخ مع مطالب القوى السياسية في البلاد. وقد أصبحت الحدود الهيكلية لتناول الحزب الوطني الديموقراطي للإصلاح، واضحة.

على سبيل المثال، يتجاهل الحزب الوطني الديموقراطي التوافق الواسع القائم خارج دوائره الضيقة، حول الخطوات المطلوبة لتحويل حلم التحول الديموقراطي في مصر إلى حقيقة : السماح بانتخابات رئاسية مباشرة ووضع حد للولايات والسلطات الرئاسية، وخفض القيود على الأحزاب وجماعات المجتمع المدني. فكما توضح الأوراق التي تبناها الحزب الوطني الديموقراطي في مؤتمره في سبتمبر 2004، لا ينوي الحزب الاقتراب من تلك الإجراءات.

على أي حال، ما يدعو إلى القلق أكثر من ذلك، هو ارتداد الحزب في كل من خطابه العام وفي وصفاته السياسية المعينة إلى المقولة المهترئة حول أسبقية الإصلاح الاقتصادي على الإصلاح السياسي. وبتأكيد الحزب في 2004 على أسبقية التحديث الاقتصادي، فإنه يردد أصداء النداءات التي عفا عليها الزمن للتحرير الاقتصادي والتعددية المقيَّدة التي هيمنت على الخطاب الرسمي في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته. فالآن، مثلما حدث حينذاك، بعدما عين الحزب نفسه مفسرا وممثلا شرعيا للاحتياجات "الحقيقية" للمصريين -الخبز وليس حرية الاجتماع- فقد أعلن نفسه نصيرا للمطالب الشعبية. وفي الحقيقة، كثيرا ما يبدو أن الفرق الوحيد بين موقف الحزب الآن وحينذاك هو أن لدى استراتيجيي الحزب الشبان بعض الإدراك للحاجة إلى الإصلاح السياسي في المدى البعيد جدا.

النتيجة الوحيدة المحتملة لتناول الحزب الوطني الديموقراطي القائم على "التحول الديموقراطي في دفقات عرَضية"، هي تأخير الإصلاحات السياسية الحيوية. في تلك الأثناء، سيرفض الحزب الوطني الديموقراطي الانتقادات لالتزامه المزيف بالإصلاح أو صياغة آراء بديلة عن مستقبل مصر، باعتبارها دعوات مثقفين معزولين لا يفهمون حقيقة ما تريده الجماهير، أو أن ترفضها باعتبارها مطالب الإسلاميين الذين يريدون ببساطة الاستيلاء على السلطة.

ويدافع الحزب الوطني الديموقراطي عن تناوله بتقديم فكرة ذات حدين: الخصوصية المصرية والاستثناء الإقليمي. فمن ناحية، تزعم شخصيات الحزب القيادية أن "طريقا مصريا" خاصا إلى الديموقراطية يتكون من خطوات متدرجة جدا، هو ما يحتاجه مجتمع مصر العربي المسلم. لكن ذلك التدرج دون صياغة واضحة وراسخة لاختراقات من قبيل تعديل الدستور وفتح المجال السياسي أمام أحزاب جديدة، يعادل دفاعا فاسدا وتبريريا عن السلطوية. من الناحية الأخرى، يرفع الحزب الوطني الديموقراطي راية عدم الاستقرار الإقليمي ليدحض الدعوات إلى إصلاحات سياسية أعمق، باعتبارها كلاما غير مسؤول قد يعرِّض أمن مصر للخطر. ومنذ انهيار نظام صدام حسين في أبريل 2003 وتصاعد العنف في العراق، أخذ الحزب الوطني الديموقراطي يلعب لعبة بائسة تقوم على تخويف المصريين بالإشارة إلى أن "التغيير غير المحكوم" -بمعنى التغيير الذي لا يتحكم فيه الحزب الحاكم- سيؤدي إلى فوضي مثل التي تجتاح العراق الآن.

يتميز المناخ السياسي في مصر باستقطاب متزايد بين الحزب الوطني الديموقراطي وأحزاب المعارضة وحركات المجتمع المدني. فالسياسة التي تبنتها النخب الحاكمة منذ ثلاثة عقود تقريبا، أدت إلى ما لا يزيد على لمسات ضئيلة على حواف المجال السياسي. فمنظومة العلاقات السياسية، كما الترتيبات الدستورية والقانونية ، تبقى دون تغيير أساسي وذات طبيعة سلطوية. ويبدو الموقف الإصلاحي الراهن للحزب الوطني الديموقراطي مألوفا ألفة كئيبة، إذا وضعنا جانبا لغته المحدثة وعملياته التجميلية المبدعة.

** انضم عمرو حمزاوي مؤخرا إلى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، كمشارك رفيع في مشروع الديموقراطية وحكم القانون.