في السنوات الأخيرة، شاعت الانتخابات لبرلمانات وطنية في ممالك الخليج. ففي السنتين الأخيرتين شهدت مملكة البحرين وإمارة الكويت وسلطنة عمان انتخابات من هذا النوع، ولدى إمارة قطر خطط لإجراء انتخابات مماثلة في 2005. وقد سادت المبالغة في شأن تلك الانتخايات، وأشاد كثير من المراقبين بمشاركة النساء فيها اللائي لهن حق الانتخاب فيها جميعا باستثناء الكويت. مع ذلك، فإن فهم آفاق التغير الديموقراطي في تلك الدول القائمة على حكم السلالة، يتطلب الالتفات أيضا إلى مسألتين أخريين مهمتين - نوعية الانتخابات والقواعد الدستورية التي تحدد سلطات البرلمانات.

الانتخابات في الخليج أكثر نزاهة من تلك التي تنظَّم في غالبية النظم السلطوية. لقد سرقت حكومة الكويت انتخابات 1967 جهارا، لكنها لم تتدخل في إحصاء بطاقات الانتخاب منذ ذلك الحين. وبرغم ما يجري من حوادث شراء الأصوات، وبغض النظر عن أن النساء ما زلن لا يستطعن الانتخاب أو الترشح، فإن الانتخابات الكويتية تكسب المقارنة مع نظيراتها في كثير من الديموقراطيات المستجدة. وفي البحرين، الانتخابات نزيهة، لكن الدوائر مرسومة بطريقة تقلل كثيرا من تمثيل أغلبية السكان من الشيعة. وفي عُمان تفرض قيود ذات مغزى على الدعاية الانتخابية، عدا عن ذلك فالعملية مفتوحة نسبيا. والحقيقة أن نزاهة الانتخابات ذاتها هي التي تقود الحكام إلى موازنة تأثيراتها بفرض قيود دستورية شديدة على البرلمانات.

تحتاج البرلمانات إلى سلطتين رئيسيتين لانتزاع السلطة المطلقة من الملوك وبذلك تسبغ الديموقراطية على الدولة: سلطة إبعاد الوزراء وسلطة حجب التشريعات. وسلطة البرلمان الكويتي هي الأوسع في كلا المجالين. فالدستور الكويتي يمنح البرلمان المكوَّن من غرفة واحدة، حق إبعاد الوزراء فرادى بأغلبية أصوات الأعضاء المنتخبين. (جميع الوزراء، بمن فيهم من حصلوا على مراكزهم بالتعيين دون الانتخاب، يحق لهم التصويت على التشريعات، لكن ليس على الاقتراع بالثقة). نتيجة لذلك، تأخذ العائلة الحاكمة الاتجاهات البرلمانية في الحسبان عند تشكيل الحكومة، مانحة البرلمان نوعا من حق الاعتراض ( الفيتو). وفي البحرين يستطيع مجلس النواب المنتخب إبعاد الوزراء فرادى، لكن بأغلبية ثلثي النواب. ويؤسس دستور قطر الجديد لبرلمان من غرفة واحدة. ومن بين الأعضاء الـ 45، سينتخب المواطنون القطريون 30 عضوا، وسيعيّن الأمير الـ 15 الباقين. ولا يستطيع البرلمان إبعاد وزير إلا بأغلبية الثلثين. فإذا افترضنا أن الأعضاء المعيّنين سيصوتون إلى جانب الحكومة، يكون على الأعضاء المنتخبين جميعا الإدلاء بأصواتهم ضد الوزير ليتم إبعاده - وهذا، في الحقيقة حاجز مرتفع، مع ذلك، فهذه سلطة أكبر مما يتمتع به مجلس الشورى العماني، وهو الغرفة الأدنى المنتخبة. فالقانون الأساسي للسلطة لا يمنح المجلس أي سلطات، إذ يذكر فقط أنه سيتم تحديدها بقانون. وتبقى السلطة النهائية في إصدار القوانين بيد السلطان.

كما أن قدرة برلمانات الخليج على حجب التشريعات محدودة. ومرة أخرى، فإن سلطات برلمان الكويت هي الأكبر في هذا الشأن. وحتى مع قدرة الوزراء على التصويت على التشريعات - ما يؤدي نمطيا إلى 15 صوتا مضمونة تماما في صف الحكومة - فقد نجح البرلمان في حجب بعض التشريعات. وأكثرها شهرة هو هزيمة المحاولة الحكومية لمنح الحقوق السياسية للنساء، التي فشلت بـ 32 صوتا مقابل 30 عام 1999، وحيث صوتت الحكومة ككتلة إلى جانب حقوق النساء. كما حجب البرلمان تشريعا لتنمية حقول النفط الشمالية.

يتمتع برلمان البحرين بسلطة أقل لحجب التشريعات. فإذا اختلف المجلسان على مشروع قانون، فإنهما يصوتان معا ويحتاج إقرار التشريع إلى أغلبية. ويضم المجلس الأعلى المعيّن عددا من الأعضاء يعادل المجلس الأدنى. يترتب على ذلك أنه من الصعب جدا أن يحبط النواب المنتخبون إرادة الأعضاء المعينين، الذين يميلون إلى الوقوف مع الحكومة. وفي قطر يستطيع البرلمان المكون من غرفة واحدة، أن يحجب التشريعات بالأغلبية البسيطة، لكن تلك تصل إلى 23 من الأعضاء الـ 30 المنتخبين. وتلك عقبة كبيرة. ومرة أخرى، لا سلطات للمجلس العماني في هذا المجال.

باختصار، باستثناء الكويت، ليست لهذه البرلمانات سوى سلطات متواضعة. وسيتطلب أي تقدم باتجاه الديموقراطية في البحرين وعمان وقطر، مراجعات دستورية لتوسيع السلطات البرلمانية مع المحافظة على تراث من الانتخابات الحرة نسبيا. في الكويت يتمتع البرلمان فعلا بالقدرة على التحدي الجدي لأسبقية العائلة الحاكمة - إنه يستطيع ببساطة التصويت بعدم الثقة في كل وزير حتى تستسلم العائلة الحاكمة وتسمح للبرلمان بأن يختار الحكومة بنفسه. لا يوجد احتمال لحدوث ذلك في أي وقت قريب، لكنه يشير إلى أن الحواجز أمام التحول إلى الديموقراطية في الكويت، على خلاف الحال في غيرها من بلدان الخليج، لا تقع أساسا في الدستور.

** مايكل هيرب، استاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة ولاية جورجيا. وهو مؤلف كتاب " كل شيء في العائلة : السلطة المطلقة والثورة والديموقراطية في ممالك الشرق الأوسط " ( أولباني : دار نشر جامعة نيويورك، 199 (ومقالة " الأمراء والبرلمانات في العالم العربي " ( The Middle East Journal , المجلد 58، العدد 3، صيف 2004، ص. 367 - 384)، التي بنيت عليها هذه المقالة.